الشيعة هم أهل السنّة

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

الشيعة هم أهل السنّة

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-20-X
الصفحات: ٥٢٢

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ».

ولا شكّ بأنّه سمع رسول الله يقول : « عليّ مع الحقّ والحقّ مع علي » ، وحضر يوم خيبر عندما أعطاه الراية وقال بأنّه يحبُّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله ، ويعرف أيضاً بأنّ عليّاً هو للنّبي بمنزلة هارون من موسى ، ويعرفُ الكثير والكثير.

ولكنّ الحقد الدفين والحسد ملأ قلبه ، فلم يعد يرى إلاّ التعصّب لقبيلته ، والانحياز إلى ابنة عمّه عائشة بنت أبي بكر التي كان يطمع في الزواج منها بعد النبيّ ، ولكن القرآن حال دون ذلك.

نعم ، لقد انضمّ طلحة إلى عثمان وبايعه بالخلافة لأنّه كان يُعطيه الصِّلات والهبات ، ولمّا اعتلى عثمان منصّة الخلافة أغدق على طلحة من أموال المسلمين بدون حساب (١) ، فكُثرتْ أمواله ومواشيه وعبيده حتّى بلغتْ غلّته من العراق وحده كلّ يوم ألف دينار.

يقول ابن سعد في طبقاته : لما ماتَ طلحة كانتْ تركتُه ثلاثين مليوناً من الدّراهم ، كان النقد منها مليونين ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار ، وكان سائرها عروضاً وعقاراً (٢).

__________________

١ ـ ذكر الطبري ٣ : ٤٣٣ ، وابن أبي الحديد ٢ : ١٦١ ، وطه حسين في الفتنة الكبرى : ٣٤٤ بأنّ طلحة كان قد اقترض من عثمان خمسين ألفاً ، فقال له ذات يوم : قد تهيأ مالك فأرسل من يقبضه ، فقال عثمان : هو لك يا أبا محمّد معونة على مروءتك! ويقال : إنّ عثمان وصل طلحة بمائتي ألف أيضاً.

٢ ـ الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ٢٢٢ ، باختلاف ، المجموعة الكاملة لمؤلّفات طه حسين ٤ : ٣٤٤.

٣٠١

لكلّ ذلك طغَى طلحة وتجبّر ، وبدأ يؤلّب على صديقه الحميم عثمان ليُطيح به ويأخذَ مكانه.

ولعلّ عائشة أُمّ المؤمنين أطمعته في الخلافة ومنّته بها ؛ لأنّها هي الأُخرى عملت على إسقاط عثمان بكلّ جهودها ، وكانت لا تشكُّ في أنّ الخلافة ستؤول إلى ابن عمّها طلحة ، ولمّا بلغها مقتل عثمان وأنّ الناس قد بايعوا طلحة فرحتْ فرحاً شديداً وقالت : « بعداً لنعثل وسحقاً ، إيه ذَا الإصبع إيه أبا شبل ، إيه ابن عمّ لله أبوك ، أمَا إنّهم وجدوا طلحة لها كفؤاً » (١).

نعم ، هذا جزاء عثمان من طلحة ، بعدما أغناهُ غدر بهِ من أجل الطّمع في الخلافة وألّب عليه الناس ، وكان من أشدّ المحرّضين عليه حتّى منعه من شرب الماء أيام الحصار.

قال ابن أبي الحديد بأنّ عثمان كان يقول أيّام الحصار : ويْلي على ابن الحضرميّة « يعني طلحة » ، أعطيته كذا وكذا بهاراً (٢) ذهباً ، وهو يروم دمي ويحرّض على نفسي ، اللّهمّ لا تمتّعهُ به ، ولقّه عواقب بغْيِه (٣).

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢١٥ ، انساب الأشراف للبلاذري : ٢١٧ ، باختلاف.

٢ ـ البهار : شيءٌ يوذن به ، وهو ثلاثمائة رطل اُستمائة ألف مجمع البحرين ١ : ٢٥٧ ، مادة : بهر ، الصحاح للجوهري ٢ : ٥٩٩ ، مادة : بهر ، لسان العرب لابن منظور ٤ : ٨٤ ، مادة : بهر.

٣ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ٣٥.

وقال الذهبي في ترجمة طلحة ١ : ٣٤ : ( يحيى بن معين ، حدّثنا هشام .. سمعت علقمة بن وقاص الليثي قال : لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان

٣٠٢

نعم ، هذا طلحة الذي انحاز لعثمان ، واختاره للخلافة من أجل إبعادها عن عليّ ، ولأنّ عثمان أعطاه الذّهب والفضّة ، وها هو اليوم يؤلّب عليه ، ويأمر الناس بقتله ، ويمنع دخول الماء إليه ، وعندما يأتون بجثّته يمنع من دفنه في مقابر المسلمين ، فيدفنُ في « حش كوكب » كانت اليهود تدفن فيه موتاهم (١).

__________________

عرّجوا على منصرفهم بذات عرق ، فاستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر عبد الرحمان فردّوهما ، قال : رأيت طلحة وأحبّ المجالس إليه أخلاها .. فقلت : يا أبا محمّد إنّي أراك وأحبّ المجالس إليك أخلاها إن كنت تكره هذا الأمر فدعه! فقال : يا علقمة لا تلمني ، كنّا أمس يداً واحدة على من سوانا ، فأصبحنا اليوم جبلين من حديد ، يزحف أحدنا إلى صاحبه ، ولكنّه كان منّي شيء في أمر عثمان ، ممّا لا أرى كفارته إلاّ سفك دمي وطلب دمه ) وسند الرواية صحيح كما صرّح الذهبي في تلخيص المستدرك.

وعلّق الذهبي على هذه الرواية بقوله :

( قلت : الذي كان منه في حقّ عثمان تمغفل وتأليب ، فعله باجتهاد .. ).

وفي نفس المصدر ١ : ٣٥ : ( عن قيس قال : رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم ، فوقع في ركبته ، فما زال يسنح حتى مات.

رواه جماعة عنه ، ولفظ عبد الحميد بن صالح عنه : هذا أعان على عثمان ولا أطلب بثأري بعد اليوم.

قال خليقة بن خياط : حدّثنا من سمع جويرية بن أسماء .. عن عمّه : أنّ مروان رمى طلحة بسهم فقتله ، ثمّ التفت إلى أبان فقال : قد كفيناك بعض قتلة أبيك ).

أقول : هذا الإمام الذهبي المحدّث الكبير يصف طلحة بن عبيد اللّه أحد العشرة المبشرين بالجنة بأنّه مغفل ، وأنّ فيه غفلة جعلته يؤلّب الناس على عثمان ، ثمّ بعد مقتل عثمان ألّب الناس على علي بن أبي طالب!!

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٨.

٣٠٣

ثمّ بعد ذلك نَرى طلحة أوّل من يُبايع الإمام عليّاً بعد مقتل عثمان ، ثمّ ينكُث بيعته ويلتحق بعائشة ابنة عمّه في مكّة ، وينقلب فجأةً للمطالبة بدم عثمان ، سبحان الله! هل يوجد بهتان أكبر من هذا؟!

بعض المؤرّخين يُعلّلُ ذلك بأنّ عليّاً رفض أن يُولّيه على الكوفة وما وراءها ، فنكث البيعة وخرج محارباً للإمام الذي بايعه بالأمس.

إنّها نفسيّة من غرق في الدنيا إلى أُمّ رأسه ، وباع آخرته ولم يعد يُشغله غير المنصب والجاه والمال.

يقول طه حسين :

« فكان طلحة إذن يمثّلُ نوعاً خاصاً من المعارضة ، رضِيَ مَا أتاحَ الرضى لَه الثراء والمكانة ، فلمّا طمع في أكثر من ذلك عارض حتى أهلك وهلكَ (١).

هذا هو طلحة الذي بايع بالأمس الإمام علياً ، يخرج بعد أيّام قليلة يجرُّ حرم رسول الله عائشة إلى البصرة ، فيقتل الأبرياء ، وينهب الأموال ، ويُثير الرعب في الناس حتى يشقّوا عصا الطّاعة لعلي ، ويقف بدون خجل يُحارب إمام زمانه الذي أعطاه عهد البيعة طائعاً مختاراً.

ومع ذلك فقد بعث إليه الإمام علي قبل المعركة ، فلقيه في الصفّ ، فسأله : « أمّا بايعتني؟ وما الذي أخرجك يا طلحة »؟

قال : الطلب بدم عثمان.

قال علي : « قتل الله أولانَا بدم عثمان ».

__________________

١ ـ المجموعة الكاملة لمؤلّفات طه حسين ٤ : ٣٤٥.

٣٠٤

وفي رواية ابن عساكر ، قال له الإمام علي : « أُنشدك الله يا طلحة أسمعتَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كنتُ مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه »؟

قال : نعم.

فقال له : « فلم تُقاتلني »؟!

وكان جوابه : الطّلب بدم عثمان ، وكان ردّ علي : « قتل الله أولانا بدم عثمان » (١).

واستجاب الله دعوة علي فقُتل طلحة في اليوم نفسه ، قتله مروان بن الحكم الذي جاء به طلحة لمحاربة علي (٢).

إنّه طلحة الفتنة والبهتان وتقليب الحقائق لا يراعي في ذلك إلاًّ ولا ذمّة ، ولا يفي بعهده ، ولا يسمع نداء الحقّ ، وقد ذكّره به الإمام علي ، وأقام عليه بذلك الحجّة ، ولكنّه أصرّ واستكبر وتمادى في غيّه ، فضلَّ وأضلَّ ، وقُتلَ بسبب فتنته خلق كثير من الأبرياء ، لم يشاركوا في مقتل عثمان ولا عرفوه مدّة حياتهم ، ولا خرجوا من البصرة.

نقل ابن أبي الحديد أنّه لمّا نزل طلحة البصرة أتاه عبد الله بن حكيم

__________________

١ ـ تاريخ دمشق ٢٥ : ١٠٨ ، باختلاف.

٢ ـ قال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة مروان ٣ : ٤٧٩ : ( قال ابن سعد : كانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرّفه.

وقاتل يوم الجمل أشدّ قتال ، فلمّا رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم فقتله ، فخرج يومئذ وحمل إلى بيت امرأة فداووه .. وكان يوم الحرة مع مسرف بن عقبة يحرّضه على قتال أهل المدينة ).

٣٠٥

التميمي لكُتب كان كتبها إليه فقال لطلحة :

يا أبا محمّد أما هذه كتبك إلينا؟

قال : بَلَى.

قال : فكتبتَ أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله ، حتّى إذا قتلتهُ أتيتنا ثائراً بدمه ، فلعمري ما هذا رأيك ، إنّك لا تريد إلاّ هذه الدنيا ، مهلا إذا كان هذا رأيكَ فلِمَ قبلتَ من علي ما عرض عليك من البيعة ، فبايعته طائعاً راضياً ثمّ نكثتَ بيعتك ، ثمّ جئتَ لتدخلنا في فتنتك (١).

نعم ، هذه هي حقيقة طلحة بن عبيد الله عارية ، كما ذكرها أصحاب السنن والتواريخ من « أهل السنّة والجماعة » ، وبعد كلّ هذا فهم يقولون بأنّه من العشرة المبشّرين بالجنّة.

ويحسبون أنّ الجنة هي فندق هيلتون يدخلها أصحاب الملايين والسماسرة من رجال الأعمال ، فيلتقي فيها القاتل والمقتول ، والظالم والمظلوم ، ويلتقي فيها المؤمن والفاسق ، والبرّ والفاجر.

( أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىً مِنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيم ) (٢).

( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٣).

( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ ) (٤).

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ٣١٨.

٢ ـ المعارج : ٣٨.

٣ ـ ص : ٢٨.

٤ ـ السجدة : ١٨.

٣٠٦

( أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ) (١).

٥ ـ الزبير بن العوّام :

هو أيضاً من كبار الصحابة ومن المهاجرين الأوّلين ، وله قرابة قريبة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو ابن صفيّة بنت عبد المطّلب عمّة النبيّ.

وهو أيضاً زوج أسماء بنت أبي بكر أُخت عائشة ، وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطّاب للخلافة (٢).

وهو أيضاً من المبشّرين بالجنّة على ما يقول « أهل السنّة والجماعة ».

ولا غرابة أن نجده دائماً في صحبة شبيهه طلحة ، فلا يذكر طلحة إلاّ ومعه الزبير ، ولا الزبير إلاّ ومعه طلحة.

وهو أيضاً من الذين تنافسوا في الدّنيا وملأوا منها البطون ، فقد بلغتْ تركته حسبما يذكره الطّبري ، خمسين ألف دينار ، وألف فرس ، وألف عبد ،

__________________

١ ـ السجدة : ١٩ ـ ٢٠.

٢ ـ لقد ابتكر عمر بن الخطّاب هذه الفكرة وهي من الدّهاء بمكان ، وذلك ليخلق معارضين لعلي ومنافسين له ؛ لأنّ الصحابة كلّهم كانوا على علم تامّ بأنّ الخلافة هي من حقّ عليّ وإنّما اغتصبتها قريش اغتصاباً ، ولمّا حاججتهم فاطمة الزهراء قالوا لها : لو سبق إلينا زوجك وابن عمّك ما عدلنا به أحداً ، فما رضي عمر بن الخطّاب أن تعود الخلافة بعد موته لصاحبها الشرعي فخلق له منافسين بهذه الطريقة ، فطمع كلّ منهم بالخلافة وحدّثتهم أنفسهم بالرئاسة فباعوا دينهم بدنياهم فما ربحت تجارتهم ( المؤلّف ).

٣٠٧

وضياعاً كثيرة في البصرة وفي الكوفة وفي مصر وغيرها.

يقول طه حسين في ذلك :

« والناس يختلفون في مقدار ما قسّم على الورثة من تركة الزبير ، فالمقلّون يقولون : إنّ الورثة اقتسموا فيما بينهما خمسة وثلاثين مليوناً ، والمكثرون يقولون : إنّهم اقتسموا اثنين وخمسين مليوناً ، والمعتدلون يقولون : إنّهم اقتسموا أربعين مليوناً.

ولا غرابة في ذلك فقد كانت للزبير خطط في الفسطاط ، وخطط في الإسكندرية ، وخطط في البصرة ، وخطط في الكوفة ، وإحدى عشرة داراً في المدينة ، وكانت له بعد ذلك غلات وعروض أخرى » (١).

أمّا البخاري فيروي أنّه خلّف في تركته خمسين ألف ألف ومائتي ألف (٢).

ونحن لا نقصد من هذا العرض محاسبة الصحابة عمّا اكتسبوه من عروض ، وما جمعوه من أموال قد تكون كلّها من حلال ، ولكن عندما نرى حرص الرجلين طلحة والزبير على الدنيا ، ونعلم بأنّهما نكثا بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ لأنّه عزم على إرجاع الأموال التي اقتطعها عثمان إلى بيت مال المسلمين ، عند ذلك نشكّ في أمر الرجلين.

أضف إلى ذلك أنّ الإمام علياً عندما تولّى الخلافة بادرَ بإرجاع الناس

__________________

١ ـ الفتنة الكبرى لطه حسين ( ضمن مجموعة المؤلّفات ) ٤ : ٣٤٢.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ : ٥٣ باب فرض الخمس ، باب بركة الغازي في ماله حيّاً وميّتاً.

٣٠٨

إلى السنّة النبويّة ، وأوّل شيء فعله هو توزيع بيت المال ، فأعطى لكلّ واحد من المسلمين ثلاثة دنانير سواء كان عربياً أم أعجمياً ، وهو ما فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته ، وأبطل علي بذلك بدعة عمر بن الخطّاب الذي فضلّ العربي على الأعجمي ، فأعطى للعربي ضعف الأعجمي.

ويكفي علي بن أبي طالب أن يعود بالناس إلى السنّة النبويّة حتى يثور عليه الصحابة الذين أُعجبوا بما ابتدعه عمر.

وهذا أمر أغفلناه في تعليل محبّة قريش وتقديسها لعمر ، وقد فضّلها على باقي المسلمين ، وبعث فيهم نعرة القومية العربيّة ، والقبليّة القريشيّة ، والطبقيّة البورجوازيّة.

فكيف يأتي علي بعد ربع قرن من وفاة النبيّ ليعود بقريش إلى ما كانت عليه زمن النبيّ الذي سوّى في العطاء ، فكان بلال الحبشي يقبض كالعبّاس عمّ النبيّ ، وقد كانت قريش منكرة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك المساواة ، وقد نجد خلال تصفّح السيرة بأنّهم كانوا يُعارضونه في أغلب الأوقات من أجل ذلك.

ومن أجل ذلك أيضاً ثارت ثورة طلحة والزبير على أمير المؤمنين علي لأنّه ساوى بينهم في العطاء ، ولم يعطهم ما طلبوا من الامارة ، ثمّ هو يريد محاسبتهم على الأموال التي جمعوها ليعود بالأموال المسروقة إلى الشعب المستضعف.

والمهم أن نعرف بأنّ الزبير عندما يئس أنْ يولّيه علي على البصرة ، وأن يفضّله على غيره ، وخاف أن يُحاسبه الخليفة الجديد على ثروته الخيالية ،

٣٠٩

جاء مع صاحبه طلحة يستأذنان علياً في الخروج إلى العمرة ، وعرف علي نواياهما المبيتة فقال :

« والله ما أرادا العمرة ولكنّهما أرادا الغدرة » (١).

والتحقَ الزبير هو الآخر بعائشة بنت أبي بكر فهي أختُ زوجته ، وأخرجها هو وطلحة صوب البصرة ، ولما نبحتها كلاب الحوأب ، وأرادت الرجوع جاؤوها بخمسين رجلا جعلوا لهم جعلا وشهدوا زوراً لكي تواصل أُمّ المؤمنين عصيانها لرّبها ولزوجها ، وتسير معهم الي البصرة ، لأنّهم عرفوا بدهائهم بأن تأثيرها في الناس أكبر من تأثيرهم ، فقد أوعزوا طيلة ربع قرن ، وأوهموا الناس بأنّها حبيبة رسول الله وابنة الصديق الحميراء التي عندها نصف الدين ، والعجيب في أمر الزبير أنّه هو الآخر خرج للطلب بدم عثمان كما يدّعي ، وقد اتهمه صلحاء الصحابة بأنّه هو الذي عمل على قتله.

فقد قال له الإمام علي عند مُقابلته له في ساحة المعركة : « أتطلب منّي دم عثمان وأنت قتلته »؟ (٢)

وفي لفظ المسعودي قال له : « ويحك يا زبير ما الذي أخرجك »؟ قال : الطلب بدم عثمان ، قال علي : « قتل الله أولانا بدم عثمان » (٣).

كما أخرج الحاكم في المستدرك ، قال : جاء طلحة والزبير إلى البصرة ، فقال لهم الناس : ما جاء بكم؟ قال : نطلب بدم عثمان ، فقال الحسين : أيا

__________________

١ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ ، الإرشاد للمفيد ١ : ٢٤٥.

٢ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٥٢٠.

٣ ـ مروج الذهب ٢ : ٣٦٣ في معركة الجمل.

٣١٠

سبحان الله ، أفما كان للقوم عقول فيقولون والله ما قتل عثمان غيركم (١).

لقد فعل الزبير مثل صاحبه طلحة ، غدر بعثمان وحرّض على قتله ، ثمّ بايع الإمام عليّاً طائعاً ونكث البيعة والعهد ، وجاء إلى البصرة يطلب هو الآخر بدم عثمان!

ولمّا دخل البصرة شارك بنفسه في تلك الجرائم ، فقتلوا أكثر من سبعين رجلا من حرّاسه ، ونهبوا بيت المال ، يقول المؤرّخون بأنّهم كتبوا كتاب هدنة مع عثمان بن حنيف ( والي البصرة ) ، وتعاهدوا على احترامه حتى يقدم علي.

ثُمّ خانوا العهد والميثاق ، وهجموا على عثمان بن حنيف ، وهو يصلّي بالناس صلاة العشاء ، فكتفوهم وقتلوهم ، وأرادوا قتل عثمان بن حنيف والي علي ، فخافوا أن يسمع أخوه سهل بن حنيف والي المدينة فينتقم من أهلهم ، فضربوه ضرباً شديداً ونتفوا لحيته وشاربيه ، ثمّ هجموا على بيت المال فقتلوا من حراسه أربعين رجلا وحبسوا عثمان وأسرفوا في تعذيبه.

يقول طه حسين في شأن هذه الخيانة ، ويقصد طلحة والزبير :

« لم يكتف هؤلاء القوم بنكث البيعة التي أعطوها عليّاً ، وإنّما أضافوا إليها نكث الهدنة التي اصطلحوا عليها مع عثمان بن حنيف ، وقتلوا من قتلوا من أهل البصرة الذين أنكروا نقض الهدنة وحبس الأمير ، وغصب ما في بيت المال ، وقتل من قتلوا من حرسه » (٢).

__________________

١ ـ المستدرك ٣ : ١١٨.

٢ ـ الفتنة الكبرى لطه حسين ( ضمن مجموعة المؤلّفات ) ٤ : ٤٦٥.

٣١١

ولمّا أقبل عليّ إلى البصرة لم يقاتلهم ، بل دعاهم إلى كتاب الله فرفضوا وقتلوا من حمل إليهم القرآن ، ومع ذلك فقد ناداه الإمام هو الآخر ، وذكّره كما فعل مع طلحة ، إذ قال له :

« يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بني غنم فنظر إليّ فضحك وضحكت إليه ، فقلت : لا يدع ابن أبي طالب زهوه ، فقال لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صه ، إنّه ليس به زهو ولتقاتلنّه وأنت له ظالم » (١).

ذكر ابن أبي الحديد خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول فيها :

« اللهمّ إنّ الزبير قطع رحمي ، ونكث بيعتي ، وظاهر عليّ عدوّي ، فاكفنيه اليوم بما شئت » (٢).

وقد جاء في نهج البلاغة للإمام علي قوله في طلحة والزبير : « اللهم إنّهما قطعاني وظلماني ، ونكثا بيعتي ، وألّبا الناس عليَّ ، فاحلل ما عقدا ، ولا تحكم لهما ما أبرما ، وأرهما المساءة فيما أملا وعملا ، ولقد استتبتهما قبل القتال ، واستأنيتُ بهما أمام الوقائع ، فغمطا النعمة وردّا العافية » (٣).

وفي رسالة منه بعث بها إليهما قبل بدء القتال جاء فيها : « فارجعا أيّها

__________________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٥١٤ في وقعة الجمل ، الإمامة والسياسة ١ : ٩٢ ، الكامل لابن الأثير ٣ : ٢٤٠ ، وأخرج الحاكم في المستدرك ٣ : ٣٦٦ من طريق أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال : ( شهدت الزبير خرج يريد علياً ، فقال له علي : أنشدك اللّه هل سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : تقاتله وأنت له ظالم؟

فقال : لم أذكر ، ثمّ مضى الزبير منصرفاً ). وصحّحه الحاكم ، ووافقه الذهبي في التلخيص.

٢ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٣٠٦ ، الكافي ٥ : ٥٤ ح٤.

٣ ـ نهج البلاغة شرح محمّد عبده ٢ : ٢١.

٣١٢

الشيخان عن رأيكما ، فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار والنار ، والسلام » (١).

وهذه هي الحقيقة المؤلمة ، وهذه هي نهاية الزبير ، ومهما يحاول بعض المؤرّخين إقناعنا بأنّه تذكّر حديث النبيّ الذي ذكره به علي فتاب واعتزل القتال ، وخرج إلى وادي السباع فقتله ابن جرموز ، فهذا لا يستقيم مع نبوءة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال له : « ستقاتل عليّاً وأنت له ظالم ».

ويقول بعض المؤرّخين بأنّه أراد الاعتزال عندما ذكره الإمام علي بالحديث ، ولكن ابنه عبد الله عيّره بالجبن ، فأخذته الحمية فرجع يقاتل حتى قتل.

وهذا أقرب للواقع وللحديث الشريف الذي فيه إخبار بالغيب من الذي لا ينطق عن الهوى.

ثمّ لو كان فعلا ندم وتاب ورجع عن غيّه وظلمه ، فلماذا لم يعمل بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله »؟

فلماذا لم ينصر علياً ولم يواله ولم يسترضه؟ وهب أنّ ذلك لا يمكنه فعله ، فهلاّ ركب في الناس الذين جاء بهم للحرب ، وأخبرهم بأنّه استبصر إلى الحقّ وتذكّر ما كان ناسياً ، وطلب منهم أنْ يكفّوا عن الحرب ، فيحقن بذلك دماء الأبرياء من المسلمين؟

لكن شيئاً من ذلك لم يقع ، فعرفنا بأنّ أُسطورة التوبة والاعتزال هي من

__________________

١ ـ نهج البلاغة شرح محمّد عبده ٣ : ١١١.

٣١٣

خيال الوضّاعين الذين بهرهم حقّ علي وباطل الزبير ، وبما أنّ صاحبه طلحة قتله مروان بن الحكم ، فاختاروا ابن جرموز لقتل الزبير غدراً حتى يتسنّى لهم التأويل في مصير طلحة والزبير ، فلا يحرموهم من دخول الجنّة ما دامت الجنّة من ممتلكاتهم يدخلون فيها من يشاؤون ويمنعون منها من يشاؤون.

ويكفينا دليلا على كذب الرواية ما جاء في رسالة الإمام علي ، ودعوتهما للرجوع عن الحرب وقوله : « فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجمع العار والنار ».

ولم يحدث أحد أنّهما استجابا لندائه ، ولا امتثلا لأمره ، ولا ردّا على رسالته.

أضف إلى كلّ ذلك أنّ الإمام وقبل بدء المعركة دعاهم لكتاب الله كما قدّمنا ، فرفضوا الامتثال ، وقتلوا الشاب الذي حمل لهم القرآن ، عند ذلك استباح علي قتالهم.

وإنّك لتقرأ بعض المهازل عند المؤرّخين ، فتعرف أنّ البعض منهم لا يعرفون الحقّ ولا يفقهون ، مثال ذلك : يقول بعضهم بأنّ الزبير لما علم بأنّ عمّار بن ياسر جاء مع عليّ بن أبي طالب ، قال : يا جدع أنفاه ، يا قطع ظهراه ، ثمّ أخذه إفكل فجعل السلاح ينتفض في يده ، فقال أحد أصحابه : ثكلتني أُمي هذا الزبير الذي كنت أريد أن أموت معه أو أعيش معه؟

والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلاّ لشيء قد سمعه أو رآه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

__________________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٥٢١ ، أنساب الأشراف للبلاذري : ٢٥٧.

٣١٤

ويقصدون بوضع هذه الروايات بأنّ الزبير تذكّر حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية » فخاف وارتعش وارتعدت فرائصه خوفاً من أن يكون من الفئة الباغية!

ويريد هؤلاء أن يحتقروا عقولنا ويهزؤوا منّا ، لكن عقولنا كاملة وسليمة بحمد الله ولا نرضى منهم بذلك ، فكيف يخاف الزبير ويرتعد من حديث « عمّار تقتله الفئة الباغية » ولا يخاف ولا يرتعد من أحاديث كثيرة قالها النبيّ في علي بن أبي طالب؟ أكان عمّار عند الزبير أفضل وأشرف من علي؟!

ألم يسمع الزبير قول النبيّ : « يا علي لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق » (١)؟ ألم يسمع قوله : « علي مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه حيث دار » (٢) ، وقوله : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من

__________________

١ ـ مسند أحمد ١ : ٩٥ وصّرح الشيخ أحمد شاكر بصحته ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٣٧ ح٨٤٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٦١.

٢ ـ المناقب لابن شهرآشوب ٢ : ٢٦٠ ، تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢٢ بلفظ « علي مع الحقّ والحقّ مع عليّ ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة » ، ومثله في تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٤٩ ، وفي مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥ عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( علي مع الحقّ أو الحقّ مع علي حيث كان ) ، وتعقّبه الهيثمي بقوله : رواه البزار وفيه سعيد بن شعيب ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

أقول : وقع تصحيف في اسم الرواي فهو سعيد بن شعيب الحضرمي وهو ثقة لمن يرجع إلى ترجمته.

وفي مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال عندما مرّ به علي عليه‌السلام : ( الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا ) ، رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

٣١٥

عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله » (١) ، وقوله : « يا علي أنا حرب لمن

__________________

وفي تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٤١٨ : ( عن محمّد بن منصور الطولي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ).

قال الشيخ أبو بكر البيهقي : وهذا لأنّ أمير المؤمنين علياً عاش بعد سائر الخلفاء حتى ظهر له مخالفون وخرج عليه خارجون فاحتاج من بقي من الصحابة إلى رواية ما سمعوه في فضائله ومراتبه ومناقبه ومحاسنه ليردّوا ذلك عنه ما لا يليق به من القول والفعل ، وهو أهل كلّ فضيلة ومنقبة ومستحقّ لكلّ سابقة ومرتبة ، ولم يكن أحدٌ في وقته أحقّ بالخلافة منه ، وهو كما قال أبو عبد اللّه أحمد بن حنبل ( رحمه الله ) فيما أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ في التاريخ ، نا علي بن عيسى وهو من ثقات شيوخ شيخنا ، نا أحمد بن مسلمة ، قال : سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : لم يزل علي بن أبي طالب مع الحقّ والحقّ معه حيث كان.

١ ـ حديث الغدير حديث صحيح متواتر ، صرّح بتواتره الذهبي في تذكرة الحفّاظ ٢ : ٧١٣ ، وسير أعلام النبلاء ٧ : ٥٧١ ، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ : ٣٤٣ ، نظم المتناثر من الحديث المتواتر ، الكتاني : ١٩٤ ، قطف الأزهار المتناثرة ، السيوطي : ٢٧٧ ، وقال ابن حجر في الصواعق ١ : ١٠٦ « وقول بعضهم : إنّ زيادة « اللهمّ وال من والاه ... » مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيراً منها ».

وفي مجمع الزوائد نقل عدّة طرق لهذا الحديث فذكر منها ٩ : ١٠٤ : ( وعن عمرو ابن ذي مر وسعيد بن وهب وعن زيد بن بثيع قالوا : سمعنا علياً يقول : نشدت رجلا سمع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خمّ لما قام

فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ». قالوا : بلى يا رسول اللّه! قال : فأخذ بيد علي فقال : » من كنت مولاه فهذا مولاه اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض

٣١٦

حاربك وسلم لمن سالمك » (١) ، وقوله : « لأعطينّ رايتي إلى رجل يحبّ الله

__________________

من يبغضه ، وأنصر من نصره ، وأخذل من خذله « ثمّ قال الهيثمي : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليقة وهو ثقة ، وذكر الحديث ابن حبان في صحيحه ١٥ : ٣٧٦ ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٠٩ وقال : « حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله » ، وأخرج الحديث مع زيادة : اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاده وانصر من نصره واخذل من خذله » ابن ديزل في كتابه ( وقعة صفّين ) بإسناد رجاله كلّهم ثقات كما نقل ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٣ : ٢٠٨.

١ ـ الأمالي للمفيد : ٢١٣ ح٤ ، وورد بلفظ الجمع في مسند أحمد ٢ : ٤٤٢ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٦٠ ، المستدرك ٣ : ١٤٩ ، صحيح ابن حبّان ١٥ : ٤٣٤ ، أحكام القرآن للجصاص ١ : ٥٧١ ، تاريخ بغداد ٧ : ١٤٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥١٢ ، المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٤٠ ، تاريخ دمشق لابن عساكر ١٣ : ٢١٨ ـ ٢١٩ ، وروي الحديث بطريق ثالث بلفظ « أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم » أخرجه الحافظ عمرو بن شاهين في كتابه ( فضائل سيّدة النساء ٢٩ ).

وهو من الأحاديث المعتبرة عند المحدّثين ، قال الحاكم في المستدرك بعد أن أخرجه وذكر له شاهداً : « هذا حديث حسن » ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك على ذلك.

وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٣٥ والتي هي تلخيص لكتاب المصابيح للبغوي ، وقد ذكر البغوي في المصابيح أنّه إذا لم يشر إلى ضعف الحديث وكان موجوداً في كتب السنن فهو من الحسان عنده.

والخلاصة : إنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعلهم ميزاناً ومعياراً يعرف من خلاله حرب الإسلام والمحارب له ، فمن حاربهم فهو محارب للإسلام ومن ناصرهم فهو مناصر للإسلام ، فتكون حرب الجمل التي قادتها عائشة وطلحة والزبير حرب ضدّ الإسلام ، بنصّ كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي لا ينطق عن الهوى.

٣١٧

ورسوله ويحبّه الله ورسوله » (١) ، وقوله : « أنا قاتلتهم على تنزيل القرآن وأنت تقاتلهم على تأويله » (٢) ، وقوله : « يا علي أعهد إليك بأن تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين » (٣).

وقوله ... وقوله ... وآخرها حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الزبير نفسه : « ستقاتله وأنت له ظالم » فأين الزبير من كلّ هذه الحقائق التي يعرفها كلّ الناس الأباعد الغرباء ، فكيف به وهو ابن عمّة النبيّ وابن عمّة علي؟

إنّها العقول المتحجّرة التي لم تقدر على دفع الأحداث التاريخية وما فيها من حقائق ، فتحاول بكلّ جهودها عبثاً أن تجد بعض الأعذار الواهية لكي تموّه على الناس ، وتوهمهم بأنّ طلحة والزبير من المبشرين بالجنّة.

( تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٤).

( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) (٥).

٦ ـ سعد بن أبي وقاص :

وهو أيضاً من كبار الصحابة السابقين إلى الإسلام ، ومن المهاجرين

__________________

١ ـ راجع صحيح البخاري ٥ : ٧٦ ( كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ) ، صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ ( كتاب الفضائل ، من فضائل علي ).

٢ ـ مضى تخريجه في صفحات سابقة.

٣ ـ المستدرك للحاكم ٣ : ١٤٠ ، مسند أبي يعلى ١ : ٣٩٧ ح٥١٩ ، المعجم الكبير ٤ : ١٧٢ ، باختلاف.

٤ ـ البقرة : ١١١.

٥ ـ الأعراف : ٤٠.

٣١٨

الأوّلين الذين شهدوا بدراً ، وهو أحد الستّة الذين رشّحهم عمر بن الخطّاب للخلافة بعده ، وأحد العشرة المبشّرين بالجنّة على زعم « أهل السنّة والجماعة ».

وهو بطل القادسية في خلافة عمر بن الخطّاب ، ويقال : إنّ بعض الصحابة كانوا يشكّون ويطعنون في نسبه ويؤذونه بذلك ، ويروون أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثبتَ نسبه فهو من بني زهرة.

وينقل ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة أنّ بني زهرة اجتمعوا بعد وفاة النبيّ إلى سعد بن أبي وقّاص وعبد الرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين ، فلمّا أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة قال لهم عمر : مالي أراكم حلقاً شتّى؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار ، فقام سعد وعبد الرحمن ومن معهما من بني زهرة فبايعوا (١).

ويُروى أنّ عمر بن الخطّاب عزله عن الولاية ، ولكنّه أوصى الخليفة من بعده إن صُرفتْ الخلافة عن سعد أن يولّيَهُ ؛ لأنّه لم يعزله عن خيانة ، وقد نفّذ عثمان بن عفّان وصية عمر فولاّه على الكوفة.

ومن الملاحظ أنّ سعد بن أبي وقاص لم يترك ثروة كبيرة بالقياس الى أصحابه ، وبلغت تركته حسب الرواة ثلاثمائة ألف ، كما أنّه لم يشارك في قتل عثمان ، ولم يحرّض عليه كطلحة والزبير.

روى ابن قتيبة في تاريخه قال : كتب عمرو بن العاص إلى سعد بن أبي وقاص ، يسأله عن قتل عثمان ومن قتله؟

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ١ : ٢٨.

٣١٩

فكتب إليه سعد : إنّك سألتني مَن قتل عثمان؟ وإنّي أخبرك أنّه قُتِلَ بسيف سلّتْهُ عائشة ، وصقله طلحة ، وسمّه ابن أبي طالب ، وسكت الزبير وأشار بيده ، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه ، ولكنّ عثمان غيّر وتغيّر ، وأحسن وأساء ، فإن كنّا أحسنّا فقد أحسنّا ، وإن أسأنا نستغفر الله ، وأخبرك أنّ الزبير مغلوب بغلبة أهله وبطلبه بذنبه ، وطلحة لو يجدُ أن يشقّ بطنه من حبّ الإمارة لشقّه ... (١).

ولكن الغريب في سعد بن أبي وقّاص أنّه تخلّف عن بيعة أمير المؤمنين علي ولم يُعينه ، وهو يعرف حقّ الإمام وفضله ، فقد روى بنفسه عدّة فضائل في علي ، منها ما أخرجه الإمام النسائي والإمام مسلم في صحيحيهما :

قال سعد : سمعتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في علي خصالا ثلاثاً ؛ لئن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم ، سمعته يقول : « إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي » ، وسمعته يقول : « لأعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسولَه ويُحبّهُ الله ورسولُه » ، وسمعته يقول : « أيّها الناس من وليّكم »؟ قالوا : الله ورسوله ثلاثاً ، ثمّ أخذ بيد علي فأقامه ثمّ قال : « من كان الله ورسوله وليّهُ فهذا وليه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » (٢).

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ١ : ٦٧.

٢ ـ خصائص الإمام النسائي ، ط / القاهرة : ٢٣ ح١٢ ، و ٦٣ ح٩٦ والمؤلّف لفّق بين الحديثين ، وورد الحديث في صحيح مسلم ٤ : ٣٠ ـ ٣٢ باب فضائل علي بن أبي طالب ولكن ليس فيه ( أيها الناس من وليكم .. ) ، وورد الحديث في سنن ابن ماجة ١ : ٥٦ عن سعد بن أبي وقاص قال : ( قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل

٣٢٠