الشيعة هم أهل السنّة

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

الشيعة هم أهل السنّة

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-20-X
الصفحات: ٥٢٢

سفينة النجاة ، وليس لنا إلاّ التضرّع والابتهال إليه سبحانه أن يهدي لذلك كلّ الأُمّة الإسلامية حتى لا يبقى إلاّ الحقّ.

ولقائل أن يقول : إنّ تناول الصحابة بهذا النقد والتجريح يخدش شعور الأغلبية من المسلمين الذين يعتقدون بعدالتهم جميعاً ، ويعتبرونهم أفضل الخلق بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فنقول : بأن المسلمين مُطالبون بالاعتقاد في الله وفي رسوله ، والعمل بما افترضاه ، والوقوف عند الحدود التي رسماها ، ويتوقّف نجاة المسلمين بما فيهم الصحابة على ذلك ، فمن خرج عن ذلك مصيره إلى النار ، ولو كان عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ولده.

وإن تناول البعض من الصحابة بالنقد والتجريح فرضته الأحداث التاريخية التي تفاعلوا معها واختلفوا ، وكانوا سبب اختلاف الأُمّة ورزيَّتها.

٢٦١
٢٦٢

عداوة « أهل السنّة » لأهل البيت تكشف عن هويتهم

إنّ الباحث يقف مبهوتاً عندما تصدمه حقيقة « أهل السنّة والجماعة » ، ويعرف بأنّهم كانوا أعداء العترة الطاهرة ، يقتدون بمن حاربهم ولعنهم ، وعمل على قتلهم ومحو آثارهم.

ولذلك تجد « أهل السنّة والجماعة » يوثّقون المحدّثين إذا كانوا من الخوارج أو من النواصب العثمانية ، ويتهمون ويوهنون المحدّثين إذا كانوا من شيعة أهل البيت (١).

وإنّك تجد ذلك مذكوراً في كتبهم بصراحة عندما يحاولون تكذيب الأحاديث الصحيحة التي وردت في فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ويوهّنون راويها بقولهم : وفي سنده فلان وهو رافضي (٢).

ويصحِّحون الأحاديث المكذوبة التي وُضعت لتفضيل وتمجيد الخلفاء الآخرين وإن كان راويها من النواصب لأنّ النصب عندهم هو شدّة وصلابة في السنّة.

فهذا ابن حجر يقول عن عبد الله بن إدريس الأزدي المعروف بالنصب ،

__________________

١ ـ قال ابن حجر العسقلاني في كتابه تهذيب التهذيب ٨ : ٤١١ : ( وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعة مطلقاً ، ولا سيّما أن عليّاً ورد في حقّه : لا يحبه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق .. )!!.

٢ ـ رافضي بمعنى يتشيّع لعلي ويرفض خلافة الذين تقدّموه.

٢٦٣

يقول : إنّه صاحب سنّة وجماعة ، وكان صلباً في السنّة ، وكان عثمانياً (١).

ويقول في عبد الله بن عون البصري : إنّه موثّق ، وله عبادة وصلابة في السنّة ، وشدّة على أهل البدع ، قال ابن سعد : وكان عبد الله بن عون البصري عثمانياً (٢).

كما يقول في إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المعروف ببغضه لعلي عليه‌السلام : إنّه كان حريزي المذهب ( أي على مذهب حريز بن عثمان الدمشقي المعروف بالنصب ) قال ابن حبّان : إنّه كان صلباً في السنّة حافظاً للحديث (٣).

وتجدر الإشارة هنا بأنّ هذا الناصبي الذي يمدحونه بالصلابة في السنّة ويحفظ الحديث ، كان يغتنم اجتماع المحدِّثين على بابه ، فيبعث بجارية له ومعها دجاجة في يدها ، فتطوف في المدينة ، ثمّ تعود لتقول لسيّدها الجوزجاني بأنّها لم تجد من يذبح لها الدجاجة ، فيصيح عند ذلك قائلا : سبحان الله!! فروجة لا يوجد من يذبحها ، وعلي يذبح في ضحوة من نهار نيفاً وعشرين ألف مسلم!!

__________________

١ ـ تهذيب التهذيب لابن حجر ٥ : ١٢٧.

٢ ـ المصدر نفسه ٥ : ٣٠٥. المعروف أنّ العثمانيين هم النواصب الذين يكفّرون عليّاً ويتّهمونه بقتل عثمان ، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان ابن عمّ عثمان ، فهو رئيسهم وزعيمهم.

٣ ـ تهذيب التهذيب ١ : ١٥٩ ، النواصب هم أعداء علي وأهل بيته من الخوارج والقاسطين والناكثين والذين ناصبوا له العداء وحاربوه ، وبعد استشهاده عملوا على سبّه ولعنه.

٢٦٤

وبمثل هذا المكر والدهاء يحاول النواصب أعداء أهل البيت تحريف الناس عن الحقّ ، وإضلالهم بمثل هذه الأراجيف الكاذبة ، حتى يملأوا قلوب المسلمين وخصوصاً المحدِّثين منهم حقداً وبغضاً لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ويستبيحوا بذلك سبّه وشتمه ولعنه.

وإنّك لتجد هذه الظاهرة موجودة إلى يوم الناس هذا ، فرغم ادعاء « أهل السنّة والجماعة » في زماننا بأنّهم يحبون أهل البيت ، ويترضّون عن سيّدنا علي ( كرم الله وجهه ) كما يقولون ، إلاّ أنّك عندما تروي حديثاً فيه فضيلة لعلي عليه‌السلام تراهم يغمزون ويهزأون ، ويرمونك بالتشيع وقول البدع والغلو في الدين.

وعندما تحدِّث عن الخلفاء أبي بكر وعمر وكلّ الصحابة بدون استثناء ، وتقول في فضلهم ما شئت وتغالي في ذلك ، فإنّهم يطمئنون إليك ، ويستأنسون بحديثك ، ويقدّموك على أنّك كثير العلم واسع الاطلاع.

إنّها بالضبط عقيدة سلفهم « الصالح » ، فقد نقل المؤرّخون بأنّ الإمام أحمد بن حنبل كان يضعِّف من أهل الحديث كلّ من ينتقص أبا بكر أو عمر أو عثمان ، بينما كان يكرم إبراهيم الجوزجاني الناصبي المتقدّم ذكره إكراماً شديداً ، ويراسله ويقرأ كتبه على المنبر ويحتجّ بها (١).

وإذا كان هذا حال أحمد بن حنبل الذي فرض على معاصريه القول بخلافة علي عليه‌السلام وربّع بها ، فلا تسأل عن الآخرين الذين لم يعترفوا له

__________________

١ ـ بل ذكر ابن عدي أنّ أحمد بن حنبل كان يكاتبه ويتقوّى بكتابه ، وبقراءته على المنبر. بحر الدم ، يوسف بن المبرد : ١٨.

٢٦٥

بفضيلة واحدة ، أو الذين سبّوه ولعنوه على المنابر في الجمعة والأعياد.

وهذا الدارقطني يقول : كان ابن قتيبة ـ متكلّم أهل السنّة ـ يميل إلى التشبيه ، منحرف عن العترة (١).

وبهذا يتبيّن بأنّ أغلب « أهل السنّة والجماعة » كانوا منحرفين عن عترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وهذا المتوكّل الذي لقَّبه أهل الحديث بـ « محيي السنّة » ، والذي كان يكرم أحمد بن حنبل ويعظِّمه ويطيع أوامره في تنصيب القضاة ، كان من أكبر النواصب لعلي ولأهل البيت عليهم‌السلام ، حتى وصل به الحقد إلى نبش قبر الحسين بن علي ومنع من زيارته ، وقتل من يتسمّى بعلي. وذكره الخوارزمي في رسائله وقال بأنّه كان لا يعطي مالا ولا يبذل نوالا إلاّ لمن شتم آل أبي طالب عليهم‌السلام ونصر مذهب النواصب (٢).

وغنيّ عن التعريف بأنّ مذهب النواصب هو مذهب « أهل السنّة والجماعة » ، فناصر مذهب النواصب المتوكّل هو نفسه « محيي السنّة » ، فافهم.

وهذا الذهبي يحدّثنا في تذكرة الحفاظ بأنّ « أهل السنّة والجماعة » عندما سمعوا الأعمش يروي حديث الطير المشوي الذي فيه فضيلة علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ، أخرجوه من المسجد وغسلوا مكانه (٣).

__________________

١ ـ لسان الميزان للذّهبي ٣ : ٣٥٧.

٢ ـ رسائل الخوارزمي : ١٦٦ ، في رسالته إلى جماعة الشيعة بنيسابور.

٣ ـ تذكرة الحفّاظ ، الذهبي ٣ : ٩٦٦ ، والسير أيضاً ١٦ : ٣٥٢ وتاريخ الإسلام ٢٦ :

٢٦٦

كما أنّهم حاولوا منع دفن الإمام محمّد بن جرير الطبري صاحب التفسير الكبير والمؤرّخ العظيم لا لشيء إلاّ لأنّه صحَّح حديث غدير خم « من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه » وجمع رواياته من طرق متعدّدة ، بلغت حدّ التواتر.

قال ابن كثير : وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ، وكتاباً جمع فيه حديث الطير المشوي (١).

وذكره أيضاً ابن حجر في لسان الميزان فقال : هو الإمام الجليل والمفسِّر ، ثقة ، صادق ، فيه تشيّع يسير وموالاة لا تضرّ (٢).

__________________

٥٤٣ وقال في ترجمته : « .. قال علي بن محمّد الطيب الجلابي في تاريخ واسط : ابن السقّا من أئمة الواسطيين الحفاظ المتقنين .. قال السلفي : سألت الحافظ خميساً الجوزي عن ابن السقّاء فقال : هو من مزينة مضر ، ولم يكن سقّاء ، بل لقباً له ، من وجوه الواسطيين وذو الثروة والحفظ ، رحل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلى وابن زيدان البجلي .. وبارك اللّه في سنّه وعلمه ، واتفق أنّه أملى حديث الطير فلم تحتمله نفوسهم ، فوثبوا به ، وأقاموه وغسلوا موضعه ، فمضى ولزم بيته فكان لا يحدّث أحداً من الواسطيين ».

يا للغرابة فهل الذي يحدث بفضائل أهل البيت عليهم‌السلام يهان بل يغسل موضعه!! إذ صار نجساً ؛ لأنه تحدث بفضيلة ومنقبة تهدم ما أسسوه من أفضلية أبي بكر على غيره ، وحديث الطير يثبت عكس ذلك ، ويثبت أنّ الأفضلية لعلي بن أبي طالب عليه ، وأنّه أحبّ الخلق إلى اللّه سبحانه وتعالى. وهذا الحديث ثابت بطرق كثيرة جداً ، حتى إنّ الذهبي نفسه أفرد رسالة لهذا الحديث ، لكثرة الطرق الواردة فيه!

فانظر إلى حركة النصب والبغض لأهل البيت عليهم‌السلام ثمّ بعد ذلك لا تستغرب ما فعلوه بهم من قتل وتشريد وطمس للفضائل ، وللّه في خلقه شؤون.

١ ـ البداية والنهاية لابن كثير ١١ : ١٦٧.

٢ ـ لسان الميزان لابن حجر ٥ : ١٠٠ في ترجمة ابن جرير الطبري.

٢٦٧

وهذا المحدِّث الكبير الإمام النسائي ، وهو صاحب أحد الصحاح الستّ عند « أهل السنّة » ، عندما كتب كتاب الفضائل في أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، سألوه عن فضائل معاوية ، فقال : لا أعرف له فضيلة إلاّ « لا أشبع الله بطنه » ، فضربوه على مذاكيره حتى غُشي عليه ونقل ومات من ذلك.

كما يحدّثنا ابن كثير في تاريخه عن حوادث سنة ٣٦٣ هـ التي وقعت في بغداد بين الشيعة و « أهل السنّة والجماعة » بمناسبة يوم عاشوراء ، قال :

إنّ جماعة من « أهل السنّة » أركبوا امرأة سمّوها عائشة ، وتسمّى بعضهم بطلحة ، وبعضهم بالزبير ، وقالوا : نقاتل أصحاب علي عليه‌السلام ، فقتل بسب ذلك خلق كثير (١).

وهذا بالضبط ما يقع اليوم في الهند فإنّ « أهل السنّة والجماعة » يهجمون على الشيعة في يوم عاشوراء ليمنعوهم من موكب التعزية ، فيُقتل بسبب ذلك خلق كثير من المسلمين الأبرياء.

وبعد هذا العرض يتبيّن لنا بوضوح بأنّ النواصب الذين عادوا عليّاً عليه‌السلام وحاربوا أهل البيت عليهم‌السلام ، هم الذين سمّوا أنفسهم بـ « أهل السنّة والجماعة » ، وقد عرفنا ماذا يقصدون بالسنّة ، وماذا يقصدون بالجماعة.

ومن البديهي أنّ من كان عدوّاً لعترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو عدوّ لجدّهم رسول الله ، ومن كان عدوّاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو عدو الله.

ومن البديهي أيضاً أنّ عدو الله ورسوله وأهل بيته ليس هو من عباد

__________________

١ ـ البداية والنهاية لابن كثير ١١ : ٣١٢.

٢٦٨

الرحمان ، وليس هو من أهل السنّة ، إلاّ أن تكون سنّة الشيطان هي المقصودة.

أمّا سنّة الرحمان فهي مودّة الله ورسوله وأهل البيت وموالاتهم والسير على هديهم ، قال تعالى : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١).

فأين معاوية من عليّ ، وأين أئمة الضلال من أئمة الهدى ، وأين « أهل السنّة والجماعة » من الشيعة الأبرار؟

( هَـذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) (٢).

صدق الله العلي العظيم

__________________

١ ـ الشورى : ٢٣.

٢ ـ آل عمران : ١٣٨.

٢٦٩
٢٧٠

تحريف أهل السنّة والجماعة كيفية الصلاة على محمّد وآله

تمعَّن ـ رعاك الله ـ في هذا الفصل فإنّك ستعرف خفايا « أهل السنّة والجماعة » إلى أيّ مدى وصل بهم الحقد على عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يتركوا شيئاً من فضائل أهل البيت عليهم‌السلام إلاّ وحرَّفوه.

من ذلك الصلاة على محمّد وآل محمّد التي نزل بها القرآن الكريم ، فقد أخرج البخاري ومسلم وكلّ المحدّثين من « أهل السنّة والجماعة » بأنّ الصحابة جاؤوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما نزل قول الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) فقالوا : يا رسول الله ، عرفنا كيف نسلّم عليك ، ولم نعرف كيف نصلي عليك؟!

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قولوا : اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنّك حميد مجيد .. » (٢).

وزاد بعضهم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ولا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء » ، قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال : « أن تقولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وتسكتوا ، وإن الله كامل لا يقبل إلاّ الكامل » (٣).

__________________

١ ـ الأحزاب : ٥٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ : ١١٨ ( باب قوله تعالى : ( وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) ) ، صحيح مسلم ٢ : ١٦ ( كتاب الصلاة ، باب كيفية الصلاة على النبيّ ).

٣ ـ نحوه الصواعق المحرقة ٢ : ٤٣٠ ، الآية الثانية من الآيات الواردة فيهم عليهم‌السلام.

٢٧١

ممّا حدا بالإمام الشافعي أن يقول ويصرّح بأنّ الذي لا يصلّي على أهل البيت لا يقبل الله صلاته.

وفي سنن الدارقطني بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صلّى صلاة لم يصلِّ فيها عليَّ ولا على أهل بيتي لم تقبل صلاته » (١).

وأخرج ابن حجر في صواعقه قال : أخرج الديلمي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الدعاء محجوب حتى يصلّ على محمّد وأهل بيته » (٢).

كما أخرج الطبراني في الأوسط عن عليّ عليه‌السلام قال : « كلّ دعاء محجوب حتى يُصلَّى على محمّد وآل محمّد » (٣).

وبعدما عرفنا من صحاح « أهل السنّة والجماعة » كيفيّة الصلاة على محمّد وآل محمّد ، وعرفنا أيضاً بأنّ الله لا يقبل صلاة عبد إذا لم يصلِّ فيها على محمّد وآل محمّد ، كما وأنّ دعاء المسلم محجوب حتى يصلّي على محمّد وآل محمّد.

وإنّها لعمري فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة ، فضَّلَتْ أهل البيت على سائر البشر ، فبهم يتقرَّب المسلم إلى ربّه.

ولكنّ « أهل السنّة والجماعة » غاظهم أن يتركوا هذه الفضيلة لأهل البيت وأحسوا بخطورتها ، إذ إنّ أبا بكر وعمر وعثمان وكلّ الصحابة مهما قيل

__________________

١ ـ سنن الدارقطني ١ : ٣٤٨.

٢ ـ الصواعق المحرقة لابن حجر ٢ : ٤٣٤ ، الآية الثانية.

٣ ـ المعجم الأوسط للطبراني ١ : ٢٢٠ ، عنه مجمع الزوائد ١٠ : ١٦٠ وقال : رجاله ثقات ، كنز العمال ٢ : ٢٦٩ ح٣٩٨٨.

٢٧٢

فيهم من فضائل مكذوبة ومناقب مزعومة ، فإنّهم لا يبلغون هذه المنزلة ولا يطاولون هذه المنقبة ؛ لأنّهم وبأجمعهم لا يقبل الله صلاتهم إذا لم يتقربوا إلى الله بالصلاة على علي بن أبي طالب بعد محمّد لأنّه سيّد العترة كما لا يخفى ؛ فعمدوا إلى تحريفها بإضافة جزء من عندهم لم يأمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليرفعوا بذلك مكانة أسيادهم من الصحابة ، كما عمدوا على بترها من القرن الأوّل ، فإذا ما كتبوا كتاباً تراه خال من الصلاة الكاملة ، وعند ذكرهم لاسم محمّد أو النبيّ أو رسول الله يكتبون فقط ، صلى الله عليه وسلّم بدون ذكر آل محمّد.

وإذا تكلَّمت اليوم مع أحدهم وقلت له : صلِّ على محمّد ، فسيجيبك صلّى الله عليه وسلّم بدون ذكر الآل حتى إنّ بعضهم يلفلفها لفاً ، فلا تسمع منه إلاّ ( صلّ وسلم ).

أمّا إذا سألت أيّ شيعي عربي كان أو فارسي أن يصلّي على محمّد فسيقول : اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد.

وقد جاء في كتب « أهل السنّة والجماعة » قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قولوا : اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد بصيغة الحاضر والمستقبل وبصيغة الدعاء والطلب منه سبحانه.

ولكنّهم مع ذلك يكتفون بعبارة صلّى الله عليه وسلّم بصيغة الماضي الإخباري وبدون ذكر الآل.

وقد حاول زعيم « أهل السنّة والجماعة » معاوية بن أبي سفيان أن يمحو

٢٧٣

ذكر محمّد من الأذان (١).

فلا غرابة أن يعمد أتباعه ومقلِّدوه على بتر الصلاة وتحريفها ، ولو قدروا على حذفها لفعلوا ، ولكن هيهات هيهات.

وقد تسمع اليوم في كلّ منبر من منابرهم وبالخصوص منابر الوهابية الصلاة المحرفة ، فإمّا أنّهم يصلّون صلاة بتراء ، وإذا ما اضطروا إلى إكمالها فإنّهم عندئذ يزيديون عليها لفظاً : وعلى أصحابه أجمعين ، أو يقولون : وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين ، ويحوِّلون بذلك آية التطهير النازلة في أهل البيت إلى الصحابة ؛ ليموِّهوا على عامة الناس بأنّ أهل البيت والصحابة في الفضل سواء.

وقد أخذوا علم التمويه والتحريف على فقيههم الأوّل ، ومرشدهم الكبير عبد الله بن عمر الذي عرفنا بغضه لأهل البيت.

فقد أخرج مالك في الموطأ أنّ عبد الله بن عمر كان يقف على قبر النبيّ ، فيصلّي على النبيّ وعلى أبي بكر وعلى عمر (٢).

وأنت أيّها الباحث إذا تأمّلت في الواقع ، فإنّك لا تجد لهذه الزيادة من الصلاة على الصحابة أصلا لا في الكتاب ولا في السنّة النبويّة ، وإنّما أمر الكتاب والسنّة بالصلاة على محمّد وآل محمّد ، والأمر هو موجه للصحابة قبل غيرهم من المكلّفين.

وإنّك لا تجد هذه الزيادة إلاّ عند « أهل السنّة والجماعة » فكم لهم من

__________________

١ ـ راجع في ذلك كتاب « فأسألوا أهل الذكر ».

٢ ـ الموطأ : ١٨٣ ح٦٨ ، باب ٢٢ فيما جاء في الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٧٤

بدعة في الدين ابتدعوها وسمّوها سنّة ، وهم يريدون من ورائها طمس فضيلة أو ستر حقيقة. ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١).

وبهذا يتبيّن لنا أيضاً من هم أهل السنّة الحقيقيين من الأدعياء المزيفين.

__________________

١ ـ الصف : ٨.

٢٧٥
٢٧٦

أكاذيب تكشفها حقائق

نُريد أن نبيِّن في هذا الفصل لكلّ عاقل حرّ ترك التعصّب ورفع الحجب والغشاوة عن بصره وبصيرته ليصل إلى الهداية والحقّ.

فنقول له بأنّ كلّ أقطاب « أهل السنّة والجماعة » وأئمتهم قد خالفوا صريح السنّة النبويّة ونبذوها وراء ظهورهم ، وتركوها عامدين طائعين.

فلا يغترنّ مسلم بما يسمعه هنا وهناك من مدح وإطراء مزيف ، لا يقوم على دليل واضح ولا برهان ساطع.

ونحن إذ نكشف عن هذه الحقائق لا نتقوّل عليهم ، ولا نزيد شيئاً على ما ذكروه هم أنفسهم في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم ، وقد ذكرنا البعض من هذه الحقائق في كتبنا السابقة ، ومررنا عليها مرور الكرام ، ولا بأس بذكرها بشيء من التفصيل هنا حتى تشرق شمس الهداية ، وتتبدّد سحب الضلال ، ويحلّ النور محلّ الظلام.

وقد قلنا في ما سبق بأنّ في الإعادة إفادة ، وإذا ما تكرّرت الأحداث بأساليب متعدّد قد يستفيد منها القارئ أكثر ؛ لأنّ القرّاء قد يستهويهم أُسلوب معين فيقرأونه بدون ملل ، وقد تعلّمنا من القرآن الكريم هذا الأُسلوب الحكيم ، فهو يقصّ علينا قصّة موسى وعيسى عليهما‌السلام في العديد من السور ، وبأساليب متعدّدة يعضد بعضها بعضاً.

وسوف نأتي على ذكر الأئمة والأقطاب الذين يعتمدهم « أهل السنّة

٢٧٧

والجماعة » ويعتبرونهم قمّة العلم والفقه ، ويقدّمونهم على الأئمة الأطهار من آل بيت المصطفى المختار ، مهملين بعض الصحابة الذين عرفوا لدى الخاصّ والعام من العلماء وغير العلماء بفسقهم وفجورهم وبعدهم عن روح الإسلام وأخلاقه ، أمثال معاوية ، وابنه يزيد (١) ، وابن العاص ، وابن مروان ، وابن شعبة وغيرهم.

ولوجبت في بعض البلاد العربية والإسلامية لـ « أهل السنّة والجماعة » فسوف تجد لهؤلاء ذكراً وتمجيداً ، وشوارع بأسمائهم ، وكتباً في عبقرياتهم وحسن سياستهم وصحة خلافتهم.

ومع ذلك فنحن لا نضيع الوقت في الكتابة عنهم وكشف عوراتهم ، فقد كفانا ذلك بعض الأحرار من المؤرّخين والمفكرّين.

ولكن سنتناول في هذا البحث أُولئك الأئمة الذين اشتهروا بالصلاح والعدل والزهد والتقوى ، فكانوا عمدة « أهل السنّة والجماعة » حتى نتعرّف من قريب كيف أنّهم غيَّروا سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحدثوا في هذه الأُمّة البدع التي سببت الفرقة والضلالة ، وحطمت ذلك البناء الشامخ الذي شيّده رسول

__________________

١ ـ أخرج ابن سعد في طبقاته الكبرى ٥ : ٦٦ ، عن عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة قال : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بحجارة من السماء ، إنّ رجلا ينكح الأُمهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليتُ لله فيه بلاءً حسناً.

نعم ، هذا هو يزيد الخمور والفجور الذي قتل ريحانة الرسول ومعه العترة كلّهم ، وأباح مدينة الرسول ، ورغم ذلك فإنك تجد اليوم دولة إسلامية تكتب كتاباً عنوانه « حقائق عن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية »!!

٢٧٨

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقضى حياته كلّها عملا وجهاداً لصيانته وتثبيته.

وقد انتقيت من بين أقطاب « أهل السنّة والجماعة » اثني عشر شخصيّة ، كان لها دور كبير في التأثير على سير الأحداث وتغيير معالم الدين ، والمساهمة في تفريق الأُمّة وتشتيتها.

٢٧٩
٢٨٠