الشيعة هم أهل السنّة

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

الشيعة هم أهل السنّة

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-20-X
الصفحات: ٥٢٢

مصادر التشريع عند « أهل السنّة والجماعة »

وإذا تتبّعنا مصادر التشريع عند « أهل السنّة والجماعة » ، وجدناها كثيرة تتعدّى حدود الكتاب والسنّة التي رسمها الله ورسوله ، فالمصادر عندهم بالإضافة إلى الكتاب والسنّة هي : سنّة الخلفاء الراشدين ، وسنّة الصحابة ، وسنّة التابعين وهم علماء الأثر ، وسنّة الحكّام ويسمّونها صوافي الأمراء ، ثمّ القياس ، والاستحسان ، والإجماع ، وسدّ باب الذرائع.

وهي كما ترى عشرة مصادر عندهم كلّها تتحكّم في دين الله ، وحتى لا نتكلّم بدون دليل ونُلقي الكلام على عواهنه ، أو يتهمنا البعض بالمُبالغة لابدّ من إعطاء بعض الأدلّة من أقوالهم وكُتبهم كي يتبيّن للقارئ الكريم ذلك واضحاً.

ونحن لا نُناقش ( أهل السنّة والجماعة ) في المصدرين الأولين المتمثّلين في الكتاب والسنّة ، فهو أمر لا خلاف فيه ، بل هو الواجب الذي جاء به النقلُ والعقلُ والإجماع ، وهو من باب قوله تعالى : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) وقوله : ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) (٢) وقوله : ( إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) (٣) وغيرها من الآيات البينات الدالّة على وجوب تشريع

__________________

١ ـ الحشر : ٧.

٢ ـ المائدة : ٩٢.

٣ ـ الأحزاب : ٣٦.

٢٢١

الأحكام من كتاب الله وسنّة رسوله فقط ، ولكن نقاشنا معهم في المصادر الأُخرى التي أضافوها من عندهم.

أوّلا : سنّة الخلفاء الراشدين :

فقد احتجّوا بحديث « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الراشدين تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ » (١).

وقد بيّنا في كتاب « مع الصادقين » بأنّ المقصود من الخلفاء الراشدين في هذا الحديث هم أئمة أهل البيت ، وأضيف هنا بعض الأدّلة الأُخرى لمن فاته ذلك البحث.

أخرج البخاري ومسلم وكل المحدّثين بأنّ رسول الله حصر خلفاءه في اثني عشر ، فقال : « الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش » (٢) فدلّ هذا الحديث الصحيح على أنّ المقصود هم أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وليسوا الخلفاء « الحكّام » الذين اغتصبوا الخلافة.

ولقائل أن يقول : سواء أكان المقصود بالخلفاء أئمة أهل البيت الاثني عشر كما يقول الشيعة ، أم الخلفاء الراشدين الأربعة كما يقول « أهل السنّة » ، فإنّ مصادر التشريع ثلاثة : القرآن ، والسنّة ، وسنّة الخلفاء؟

وهذا صحيح على رأي « أهل السنّة » ، ولكنّه لا يصحّ على رأي الشيعة ؛ لأنّ أئمة أهل البيت كما قدّمنا لم يكونوا يشرّعون باجتهادهم وآرائهم ، بل

__________________

١ ـ مسند أحمد ٤ : ١٢٦ ، سنن الدارمي ١ : ٤٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٦ ح٤٢ ، سنن أبي داد ٢ : ٣٩٣ ح٤٦٠٧.

٢ ـ مضى تخريجه في صفحات سابقة. راجع موضوع « التعريف بأئّمة الشيعة ».

٢٢٢

كلّ ما قالوه هو سنّة جدّهم رسول الله ، تعلّموها منه واحتفظوا بها كي يظهروها للنّاس إذا اقتضت الحاجة ذلك.

أمّا « أهل السنّة والجماعة » فقد حفلت كتبهم بالاستدلال بسنّة أبي بكر وسنّة عمر كمصدر للتشريع الإسلامي ولو خالفت الكتاب والسنّة.

وممّا يزيدنا يقيناً بأنّ أبا بكر وعمر غير مقصودين بحديث النبيّ ؛ أنّ عليّاً رفض أن يحكم بسنّتهم عندما اشترط عليه الصحابة ذلك.

فلو كان الرسول يقصد بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر لما جاز لعلي أن يردّ على رسول الله ويرفض سنّتهم ، فدلّ الحديث على أنّ الخلفاء الراشدين ليس منهم أبو بكر ولا عمر.

على أنّ « أهل السنّة والجماعة » يقصدون بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان دون سواهم ؛ لأنّ علياً لم يكن معدوداً عندهم من الخلفاء ، وإنّما أُلحقَ في زمن متأخّر كما قدّمنا (١) ، ولأنّه كان يُلعنُ على المنابر فكيف يتّبعون سنّته؟!

وإذا قرأنا ما رواه جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء تحقّق لدينا صحّة ما ذهبنا إليه.

قال السيوطي نقلا عن حاجب بن خليفة : شهدتُ عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة ، فقال في خطبته :

« ألا إنّ ما سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحباهُ فهو دينٌ نأخذ به وننتهي إليه ،

__________________

١ ـ قد مضى تخريجه في صفحات سابقة. راجع موضوع « أهل السنّة لايعرفون السنّة النبوية ».

٢٢٣

وما سنّ سواهما فإنّا نرجئه » (١).

والحقيقة أنّ جلّ الصحابة والحكّام الأمويّين والعبّاسيين كانوا يرون أنّ ما سنّ أبو بكر وعمر وعثمان هو دينٌ يأخذون به وينتهون إليه.

وإذا عمل هؤلاء الخلفاء الثلاثة على منع سنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عرفنا ذلك فيما سبق ، فلا يبقى بعد ذلك من السنّة إلاّ ما سنّوه ، ومن الأحكام إلاّ ما أحكموه.

ثانياً : سنّة الصحابة عموماً :

إنّنا نجد أدلّة كثيرة وشواهد عديدة على اقتداء « أهل السنّة والجماعة » بسنّة الصحابة عموماً بدون اسثناء.

فهم يحتجّون بحديث مكذوب وافينا البحث فيه في كتاب « مع الصادقين » ، والحديث يقول : « أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » ، وقد احتجّ ابن القيم الجوزية بهذا الحديث على حجيّة رأي الصحابي (٢).

وقد اعترف بهذه الحقيقة أيضاً الشيخ أبو زهرة إذ قال : « لقد وجدناهم ( يعني فقهاء أهل السنّة ) جميعاً يأخذون بفتوى الصحابي » ثمّ يُضيف في مقطع آخر قوله :

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٤١ ـ ط / القاهرة.

٢ ـ احتج ابن القيم في أعلام الموقعين ٤ : ١٣٧ بنحو هذا الحديث وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ... وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى اُمتي ما يوعدون ».

وأما الاحتجاج بحديث « أصحابي كالنجوم » فقد أورده في كتابه أيضاً ٢ : ١٨٣ عن لسان المقلّد في مناظرة جرت بين مقلّد وصاحب حجة.

٢٢٤

« والاحتجاج بأقوال الصحابة وفتاويهم هو مسلك جماهير الفقهاء ، وخالفهم الشيعة (١) ولكنّ ابن القيم الجوزية أيّد الجمهور بنحو ستّة وأربعين وجهاً وكلّها حُجج قويّة ... ».

ونحن نقول للشيخ أبي زهرة : كيف تكون الحجّة التي تخالف كتاب الله وسنّة رسوله قويّة؟!

فكلّ الحجج التي جاء بها ابن القيم واهية كبيت العنكبوت ، وأنتَ بنفسك قد نسفتها عندما قلتَ :

« ولكنّنا وجدنا الشوكاني يقول : والحقّ أنّ قول الصحابي ليس بحجّة ، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأُمّة إلاّ نبيّنا محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس لنا إلاّ رسول واحد ، والصحابة ومن بعدَهم مكلّفون على السواء باتّباع شرعه في الكتاب والسنّة ، فمن قال بأنّه تقوم الحجّة في دين الله بغيرهما ، فقد قال في دين الله بما لا يُثبتُ ، وأثبتَ شرعاً لم يأمر الله به » (٢).

فتحيّةً إلى الشوكاني الذي قال حقّاً ونطق صدقاً ، ولم يتأثّر بالمذهب ، فكان قوله موافقاً لأئمة الهدى من العترة الطّاهرة ورضي الله عنه وأرضاه إن كانت أعماله مطابقة لأقواله.

ثالثاً : سنّة التابعين ( علماء الأثر ) :

كذلك نجد « أهل السنّة والجماعة » يأخذون بآراء التابعين ويسمّونهم

__________________

١ ـ وهذه شهادة أُخرى من الشيخ أبي زهرة تؤيّد ما قلناه بأنّ الشيعة لا يقبلون في شرع الله إلاّ الكتاب الكريم والسنّة النبوية ( المؤلّف ).

٢ ـ أُصول الفقه لأبي زهرة : ٢٠٣ في فتوى الصحابي ، نقلا عن ارشاد الفحول في تحقيق الحقّ في علم الأُصول : ٢١٤.

٢٢٥

« علماء الأثر » كالأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وحسن البَصري ، وابن عيينة وغيرهم كثير ، كما أنّهم متّفقون على الأخذ باجتهادات أئمّة المذاهب الأربعة وتقليدهم ، رغم أنّهم من تابعي التابعين.

وإذا كان الصحابة أنفسهم يعترفون بخطئهم في عديد من المرّات ، وأنّهم يقولون ما لا يعلمون.

فهذا أبو بكر يقول عندما يُسأل عن مسألة : « سأقول فيها برأيي ، فإن أصبتُ فمن الله ، وإن أخطأتُ فمنّي أو من الشيطان » (١)! وهذا عمر يقول لأصحابه : « لعلّي آمركم بالأشياء التي لا تصلح لكم ، وأنهاكم عن أشياء تصلح لكم » (٢).

وإذا كان هذا هو مبلغهم من العلم ، وأنّهم يتّبعون الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً ، فكيف يحقّ لمسلم عرف الإسلام أن يجعل أفعال هؤلاء وأقوالهم سنة متّبعة ، ومصدراً من مصادر التشريع؟ وهل يبقى بعد هذا الحديث « أصحابي كالنجوم » من أثر؟

وإذا كان هؤلاء هم الصحابة الذين حضروا مجالس النبيّ وتعلّموا منه يقولون مثل هذه الأقوال ، فكيف تكون حال من جاء بعدهم ، وأخذ عنهم وشارك في الفتنة؟

__________________

١ ـ سنن الدارمي ٢ : ٣٦٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٢٢٣.

٢ ـ تاريخ بغداد ١٤ : ٨١ ، والمصنّف لابن أبي شيبة ٥ : ٢٣٥ ح١٤.

ونحن نقول لهؤلاء : إن كان هذا هو مبلغكم من العلم ، فلماذا تقدّمتم على من عنده علم الأولين والآخرين وحرمتم الأُمّة من هديه ونوره وتركتموها تتخبّط في الفتنة والجهالة والضلالة؟! ( المؤلّف ).

٢٢٦

وإذا كان أئمّة المذاهب الأربعة يقولون في دين الله بآرائهم مصرّحين ومعترفين بإمكانية الخطأ ، فيقول الواحد منهم : هذا ما أعتقد أنّه صحيح ، وقد يكون رأي غيري هو الصحيح ، فلماذا ألزم المسلمون أنفسهم بتقليدهم؟!

رابعاً : سنّة الحكّام :

ويسمّى عند أهل السنّة والجماعة : ( صَوافي الأُمراء ) ، وقد استدلّوا عليه بقوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) (٢).

فأُولي الأمر عندهم الحكّام وإن كانوا متسلّطين بالقوّة والقهر ، وهم يعتقدون بأنّ الحكّام أمَّرهم الله على رقاب العباد ، فيجب لذلك طاعتهم والأخذ بسُنّتهم.

وردّ ابن حزم الظاهري على « أهل السنّة والجماعه » ردّاً عنيفاً بقوله : « بناءً على ما تقولون فللأمراء أن يُبطلوا ما شاؤوا من الشرائع التي أمر الله ورسوله بها ، كما لهم أن يزيدوا فيها ، ولا فرق بين الزيادة والنقص في ذلك ، وهذا كُفرٌ ممّن أجازهُ بلا خلاف » (٣).

وردّ الذهبي على ابن حزم بقوله : « هذا تقرير فاسد ، وخطأ فاحش ، فإنّ

__________________

١ ـ النساء : ٥٩.

٢ ـ لقد أوضحنا بالأدلة في كتاب « مع الصادقين » بأنّ أولي الأمر هم أئمة الهدى من العترة الطّاهرة وليس المقصود بهم الحكّام الغاصبين ، ومن المستحيل أن يأمر الله سبحانه بطاعة الظّالمين والفاسقين والكافرين ( المؤلّف ).

٣ ـ ابن حزم في ملخص إبطال القياس : ٣٧.

٢٢٧

الأُمّة أجمعتْ ـ إلاّ داود بن علي ومن مشى خلفه ـ على أنّ أُولي الأمر لهم الحكم بالرأي والاجتهاد إذا لم يكن في النازلة نصٌّ ، ويقولون : لا يحلّ لهم الحكم بالرأي والاجتهاد مع علمهم بالنصّ في النازلة ، فظهر بهذا أنّ لهم أن يزيدوا في الشرع زيادة ساغتْ في الشرع ، وليس لهم أن يُبطلوا ما شاؤوا من الشرع ».

ونحن نقول للذّهبي : كيف تدّعي إجماع الأُمّة وأنتَ نفسك استثنيتَ داود ابن علي ومن مشى خلفه!؟ ولماذا لم تُسمّ من مشى خلفه؟! ثمّ لماذا لم تستثن الشيعة وأئمّة أهل البيت ، ألأنّهم عندك ليسوا من الأُمّة الإسلاميّة؟! أم أنَّ تزلّفك للحكّام هو الذي جعلك تُبيحُ لهم أن يزيدوا في الشرع ، لكي يزيدوا في عطائك وشهرتك؟

وهل كان الحكّام الذين حكموا المسلمين باسم الإسلام يعرفون النصوص القرآنية والنصوص النبويّة حتى يقفوا عند حدودها؟

وإذا كان الخليفتان أبو بكر وعمر تعمّدا مخالفة النصوص القرآنية والنبويّة ، كما قدّمنا في أبحاث سابقة ، فكيفَ يلتزمُ من جاء بعدهما بتلك النصوص التي بُدّلت وغُيّرتْ وأُعفيت آثارها؟

وإذا كان فقهاء « أهل السنّة والجماعة » يفتونَ للأُمراء بأن يقولوا في دين الله ما يشاؤون ، فليس غريباً على الذهبي أنْ يُقلّدهم.

فقد جاء في طبقات الفقهاء عن سعيد بن جُبير قال : سألتُ عبد الله بن عمر عن الإيلاء؟ فقال : أتريد أن تقول : قال ابن عمر قال ابن عمر؟!

قال : قلتُ : نعم ، ونرضى بقولك ونقنَعُ. فقال ابن عمر : يقول في ذلك

٢٢٨

الأُمراء ، بل يقول في ذلك الله ورسوله ومن يقول عنهُما (١).

وعن سعيد بن جُبير قال : كان رجاء بن حيوة يُعدُّ في أفقه فقهاء الشام ، ولكن كنتُ إذا حرّكته وجدته شاميّاً يقول : قضى عبد الملك بن مروان فيها بكذا وكذا (٢).

كما روي عن المسيّب بن رافع قال : كان إذا جاء الشيء من القضاء وليس في الكتاب ولا في السنّة سُمّيَ « صوافي الأمراء » فدفع إليهم فجمع له أهل العلم ، فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحقّ (٣).

ونحن نقول كما قال اللّه تعالى : ( ... بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَو اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) (٤).

خامساً : بقيّة مصادر التشريع عند « أهل السنّة »

ونذكر منها القياس ، والاستحسانُ ، والاستصحابُ ، وسدّ باب الذّرائع ، والإجماع ، فمشهورة جدّاً ومعروفة عندهم.

وقد اشتهر الإمام أبو حنيفة بالعمل بالقياس وردّ الأحاديث ، كما اشتهر الإمام مالك بالرّجوع لعمل أهل المدينة وسدّ باب الذّرائع ، واشتهر الإمام الشافعي بالرجوع إلى فتاوى الصحابة ، وقد رتّبهم على أقسام ودرجات فقال بأولويّة العشرة المبشّرين بالجنّة ، ثمّ المهاجرين الأوّلين ، ثمّ الأنصار ،

__________________

١ ـ طبقات ابن سعد ٦ : ٢٥٨.

٢ ـ تهذيب الكمال للمزي ٩ : ١٥٤ ، عن مطر الوراق.

٣ ـ أعلام الموقّعين ١ : ٨٤.

٤ ـ المؤمنون : ٧٠ ـ ٧١.

٢٢٩

ثمّ مسلمة الفتح ، ويقصد بهم الطّلقاء والذين أسلموا بعد فتح مكّة (١).

كما اشتهر الإمام أحمد بن حنبل بعدم الاجتهاد والابتعاد عن الفتوى ، وأخذه برأي أيّ صحابيّ كان.

فقد نقل عنه الخطيب البغدادي أنّ رجلا سأله عن مسألة في الحلال والحرام ، فقال له أحمد : سَل عافاك الله غيرنا ، قال : إنّما نريد جوابك يا أبا عبد الله ، قال : سَل عافاك الله غيرنا ، سَل الفقهاء سَل أبا ثور (٢).

كما نقل عن المروزي قوله : أمّا الحديث فقد استرحنا منه ، وأمّا المسائل فقد عزمتُ إن سألني أحدٌ عن شيء فلا أجيبُه (٣).

ولا شكّ بأنّ أحمد بن حنبل هو الذي أوحى بفكرة عدالة الصحابة كلّهم بدون استثناء ، فأثّر مذهبه في « أهل السنّة والجماعة ».

فقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد في جزئه الثاني بالإسناد عن محمّد ابن عبد الرحمان الصيرفي قال : قلت لأحمد بن حنبل : إذا اختلف أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسألة ، هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم ، لنعلم مع مَنْ الصواب منهم فنتبعه؟

فقال لي : لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقلتُ : كيف الوجهُ في ذلك؟

قال : تُقلّد أيهم أحبَبْتَ.

__________________

١ ـ مناقب الشافعي ١ : ٤٤٣.

٢ ـ تاريخ بغداد ٢ : ٦٦.

٣ ـ مناقب الإمام أحمد بن حنبل : ٥٧.

٢٣٠

ونحن نقول : وهل يجوز تقليد مَنْ لا يعرف الحقَّ من الباطل؟ وغريب أن يفتي أحمد ـ وهو الذي يتهرّب من الفتوى ـ بتقليد أيّ صحابي أحبّ ، وبدون النظر في أقوالهم لمعرفة الصواب!

وبعد هذا العرض الوجيز لمصادر التشريع الإسلامي عند الشيعة وعند أهل السنّة والجماعة ، يتبيّن لنا بوضوح لا لُبس فيه بأنّ الشيعة هم الذين يتقيّدون بسنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يبغون عنها حولا ، حتّى كانت سنّة النبيّ هي شعارهم كما شهد بذلك أعداؤهم.

أمّا « أهل السنّة والجماعة » فهم يتّبعون سنّة أيّ صحابي وأيّ تابعي وأيّ حاكم.

وهذه كتُبُهم وأقوالهم تشهد عليهم وكفى بها شهيداً ، وسوف نبحث في فصل قادم إن شاء الله تعالى أفعالهم ، لنعرف بأنّها ليستْ من سنّة النبيّ في شيء.

وأترك للقارئ نفسه أن يستنتجَ مَن هم أهل السُنّة ، ومَن هم أهل البدعة؟

٢٣١
٢٣٢

تعليق لابدَّ منه لإكمال البحث

وتجدر الإشارة إلى أنّ الشيعة تقيّدوا بمصادر التشريع من الكتاب والسنّة ولم يزيدوا عليها شيئاً ، وذلك لوجود النصوص الكافية عند أئمّتهم لكلّ مسألة من المسائل التي يحتاجها الناس.

وقد يستغرب ذلك بعض الناس ، ويستبعدون أنْ يكون لأئمّة أهل البيت نصوصٌ كافية لكلّ ما يحتاجه الناس لمواكبة كلّ العصور حتى تقوم الساعة.

ولتقريب هذا الواقع لذهن القارئ لابدّ من الإشارة إلى الأُمور التالية :

إذا اعتقد المسلمُ بأنّ الله سبحانه بعث محمّداً بشريعة مُكمّلة لكلّ الشرائع السابقة ، ومهيمنة عليها لتكمل مسيرة الإنسانية فوق هذه الأرض لتعود بعدها إلى الحياة الأبديّة ، ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (١).

وإذا اعتقد المسلمُ بأنّ الله سبحانه أراد من الإنسان أن يكون خاضعاً لأحكامه في كلّ أقواله وأفعاله ، ويسلّم إليه مقاليد أُموره ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) (٢) ، ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٣).

وإذا كان الأمرُ كذلك ، فلابدّ أن تكون أحكام الله كاملة وشاملة لتغطية

__________________

١ ـ التوبة : ٣٣.

٢ ـ آل عمران : ١٩.

٣ ـ آل عمران : ٨٥.

٢٣٣

كلّ ما يحتاجه الإنسان في مسيرته الشاقّة ؛ للتغلّب على كلّ العقبات ، والصمود أمام التحدّيات ، والوصول إلى الهدف المنشود.

ولكلّ ذلك عبّر سبحانه وتعالى عن هذه الحقيقة بقوله :

( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيء ) (١).

وعلى هذا الأساس فليس هناك من شيء إلاّ وهو مذكور في كتاب الله تعالى ، ولكنّ الإنسان بعقله المحدود لا يدرك كلّ الأشياء التي ذكرها الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة لا تخفى على أهل المعرفة ، وذلك كقوله سبحانه وتعالى :

( وَإِن مِنْ شَيء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (٢).

و « إن من شيء » بدون استثناء تدلّ على الإنسان ، والحيوان ، والجماد يسبّحُ ، وقد يقبلُ الإنسان تسبيح الحيوان والكائنات الحيّة من النباتات ، ولكن عقله لا يفقهُ تسبيح الحجارة مثلا ، قال تعالى : ( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ ) (٣).

وإذا سلّمنا بذلك وآمنّا به ، فلابدّ من التسليم والإيمان بأنّ كتاب الله فيه كلّ الأحكام التي يحتاجها الناس إلى يوم القيامة ، ولكنّنا لا ندركها إلاّ إذا رجعنا لِمَنْ أُنزل عليه وفهم كلّ معانيه ، وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى :

( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيء ) (٤).

__________________

١ ـ الأنعام : ٣٨.

٢ ـ الإسراء : ٤٤.

٣ ـ ص : ١٨.

٤ ـ النحل : ٨٩.

٢٣٤

وإذا سلّمنا بأنّ الله سبحانه بيّنَ كلّ شيء إلى رسوله ليُبيّنَ للنّاس ما نُزّل إليهم ، فلابدّ أن نُسلّم بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بيّنَ كلَّ شيء ، ولم يترك شيئاً يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلاّ وأعطى فيه حُكماً.

وإذا لم يصلنا ذلك البيانُ أو لم نعرفه نحنُ اليوم ، فذلك ناتجٌ عن قصورنا وتقصيرنا وجهلنا ، أو هو ناتجٌ عن خيانة الواسطة التي بيننا وبينه ، أو هو ناتجٌ عن جهل الصحابة وعدم وعيهم لما بيّنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولكنّ الله سبحانه وتعالى جلّتْ حكمته يعلم أنّ كلّ هذه الاحتمالات ممكنة أو واقعة فلا يترك شريعته تضيع ، فاصطفى من عباده أئمّةً أورثهم علم الكتاب وتبيانه ، لكي لا يكون للنّاس على الله حجّة ، قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (١).

ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن للنّاس ما يحتاجون إليه ، واختصّ وصيّه علياً بكلّ ما يحتاجه الناس بعده إلى قيام الساعة ، وذلك للمزايا التي كان يتمتّع بها علي من بين الأصحاب جميعاً ، من ذكاء مفرط ، وفهم حادٍّ ، وحفظ قوي ، ووعي لكلّ ما يسمع ، فعلّمه النبيّ كلّ ما يعلم ، وأرشد الأُمّة إليه على أنّه بابه الذي منه يُؤتَى.

وإذا قال قائلٌ بأنّ رسول الله بعثه الله للنّاس كافّة ، فليس من حقّه أن يختصّ بالعلم أحدهم ويحرم الآخرين!

قُلنا : ليس لرسول الله في ذلك الأمر شيء ، إنّما هو عبدٌ مأمورٌ ينفّذُ ما يوحى إليه من ربّه ، فالله هو الذي أمره بذلك ، لأنّ الإسلام هو دين التوحيد

__________________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٢٣٥

ومبنيٌّ على الوحدة في كلّ شيء ، فلابدّ لتوحيد الناس وجمعهم من قيادة واحدة ، فهذا أمرٌ بديهيٌّ قرّرهُ كتاب الله ، وحكم به العقلُ والوجدانُ ، قال تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) (١).

وقال أيضاً : ( وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَه بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض ) (٢).

كذلك لو أرسل الله رسولين في زمن واحد لانقسم الناسُ إلى أُمّتين ، وتفرّق أمرهم إلى حزبين متعارضين ، قال تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّة إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ ) (٣).

كذلك كان لكلّ نبيٍّ وصيٌّ يخلفهُ في قومِه وأُمّته ، كي لا يتشَتّتَ أمرُهم ويتفرّق جمعهم.

وهذا لعمري أمرٌ طبيعيّ يعرفه الناسُ كافّة سواء كانوا علماء أو جاهلين مؤمنين أو كافرين ، ألا ترى أنّ كلّ قبيلة وكلّ حزب وكلّ دولة لابدّ لها من رئيس واحد يتزعّمها ويقودها ، ولا يمكن أن يخضعوا لرئيسين في نفس الوقت.

لكلّ هذا اصطفى الله سبحانه من الملائكة رُسُلا ومن الناس ، وشرّفهم بمهمّة القيادة لعباده ، وجعلهم أئمّة يهدون بأمره ، قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٤).

__________________

١ ـ الأنبياء : ٢٢.

٢ ـ المؤمنون : ٩١.

٣ ـ فاطر : ٢٤.

٤ ـ آل عمران : ٣٣.

٢٣٦

والأئمّة الذين اصطفاهم الله سبحانه لختم الرسالة المحمّدية هم أئمّة الهدى من عترة النبيّ ، وكلّهم من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض ، هؤلاء هم الذين أشار إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش » (١).

ولكلّ زمان إمامٌ معلوم ، فمن ماتَ ولم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتة جاهلية.

والله سبحانه وتعالى إذا اصطفى إماماً طهّرهُ وعَصَمهُ وعلّمهُ فلا يؤتي الحكمة إلاّ لأهلها ومُستحقّيها.

وإذا رجعنا إلى أصل الموضوع ، وهو معرفة الإمام كلّ ما يحتاج إليه الناس من أحكام الشريعة ، من خلال النصوص التي جاءت في الكتاب والسُنّة ، والتي تُواكبُ مسيرة البشريّة إلى قيام الساعة ، فإنّنا لا نجدُ في الأُمّة الإسلامية من ادّعى ذلك غير أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام الذين صرّحوا عديد المرّات بأنّ عندهم الجامعة ، وهي من إملاء رسول الله وخطّ علي بن أبي طالب ، وفيها كلّ ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش.

وقد أشرنا إلى هذه الصحيفة الجامعة التي كان يحملها عليٌّ معه ، وقد أشار إليها البخاري ومسلم في صحيحيهما ، ولا يمكنُ لأيّ واحد من المسلمين تكذيب ذلك.

وعلى هذا الأساس فإنّ الشيعة الذين انقطعوا لأئمّة أهل البيت حكموا

__________________

١ ـ مضى الكلام حوله في صفحات سابقة. وفي بعض الروايات كلّهم من بني هاشم بدلا من قريش ، وسواء أكان من بني هاشم أم من قريش فكلّهم من آل إبراهيم كما هو معلوم.

٢٣٧

في الشريعة بنصوص القرآن والسُنّة ولم يضطرّوا لغيرها ، وذلك على الأقل طيلة ثلاثة قرون حياة الأئمّة الاثني عشر.

أمّا « أهل السنّة والجماعة » فقد اضطرّوا للاجتهاد والقياس وغير ذلك ؛ لفقدان النصوص وجهل أئمّتهم من أيّام الخلافة الأُولى.

وإذا كان الخلفاء عندهم قد عمدُوا لحرق النصوص النبويّة والعمل على منعها وكتمانها.

وإن كان كبيرهم يقول : حسبنا كتاب الله ، ضارباً بالسنّة النبويّة عرض الجدار ، فمن الطبيعي جداً أن يفتقروا إلى النصوص المبيّنة لأحكام القرآن نفسه.

فكلّنا يعلم بأنّ أحكام القرآن الظاهرية قليلة جداً ، وهي في عمومها تفتقرُ إلى بيان النبيّ ، ولذلك قال تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١).

وإذا كان القرآن يفتقرُ للسنّة النبويّة لتبيّن أحكامه ومقاصده.

وإذا كان أقطاب « أهل السنّة والجماعة » قد أحرقوا السنّة المبيّنة للقرآن ، فلم يبقَ عندهم بعدها نصوصٌ لا لبيان القرآن ولا لبيان السنّة نفسها.

فلابدّ والحال هذه أن يعمدوا للاجتهاد والقياس واستشارة العلماء عندهم ، فيأخذوا بالاستحسان ، وبما يرون فيه مصلحتهم الوقتية.

ومن الطبيعي جداً أن يحتاجوا إلى كلّ ذلك لفقد النصوص ، ويضطرّوا إليه اضطراراً.

__________________

١ ـ النحل : ٤٤.

٢٣٨

التقليد والمرجعيّة عند الشيعة

لابدّ لكلّ مكلّف من المسلمين إذا لم يكن مجتهداً ، بمعنى أنّه قادرٌ على استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنّة أن يُقلّدَ مرجعاً جامعاً للشرائط من العلم ، والعدل ، والورع ، والزهد ، والتقوى ، وذلك لقوله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (١).

وإذا بحثنا هذا الموضوع نجد الشيعة الإمامية قد واكبوا الأحداث ، فلم تنقطع عندهم سلسلة المرجعية أبداً من وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى يوم الناس هذا.

وقد واصل الشيعة تقليد الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد استمرّ وجود هؤلاء الأئمّة أكثر من ثلاثة قرون على نسق واحد ، فلم يُخالف واحدٌ منهم قول الثاني (٢) ؛ لأنّ النصوص الشرعية من الكتاب والسنّة كانت

__________________

١ ـ النحل : ٤٣.

٢ ـ كيف يختلفون وقد جعلهم الله على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد الثقلين وعدل القرآن ، وأوصى بالتمسّك بهم وأنّه العاصم من الضلال ، فكما لا اختلاف ولا تناقض في القرآن ، كذلك لا اختلاف ولا تناقض في أقوال العترة المعصومين عليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى حديث الثقلين.

ثمّ إنّه لا ينتقض علينا بما ورد من الاختلاف والتناقض فيما نسب إلى الأئمة عليهم‌السلام لأنّه أوّلا : يرد هذا النقض على ما ورد عند أهل السنّة عن رسول الله

٢٣٩

هي المتبعة عندهم جميعاً ، ولم يعملوا بقياس ولا باجتهاد ، ولو فعلوا لكان الاختلاف عندهم شائعاً ، كما وقع لأتباع « أهل السنّة والجماعة ».

ويُستنتجُ من هذا أنّ مذهب « أهل السنّة والجماعة » سواء كان حنفياً أم مالكياً أم شافعياً أم حنبلياً ، فهو مبنيٌّ على رأي رجل واحد بعيد عن عصر الرسالة ، ولا تربطه بالنّبي أيّة صلة.

أمّا مذهب الشيعة الإمامية فهو متواتر عن اثني عشر إماماً من ذرية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينقلُ الابنُ عن أبيه ، فيقول أحدهم : « حديثي هو حديث أبي ، وحديث أبي هو حديث جدّي ، وحديث جدّي هو حديث أمير المؤمنين علي ، وحديث علي هو حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحديث رسول الله هو حديث جبريل عليه‌السلام ، وهو كلام الله تعالى » (١).

( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) (٢).

ثمّ جاءت مرحلة ما بعد غيبة الإمام المعصوم الذي أرجع الناس إلى تقليد العالم الفقيه الجامع للشرائط.

وبدأت سلسلة الفقهاء المجتهدين منذ ذلك العهد إلى اليوم تتوالى بدون انقطاع ، وفي كلّ عهد يبرز في الأُمّة مرجعٌ واحدٌ أو عدّة مراجع للشّيعة ،

__________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ايضاً حيث كثرت الأحاديث المختلفة والمتناقضة فيها وثانياً توجد عدّة عوامل وأسباب لظهور هذا الاختلاف من قبيل الدس والوضع ، أو ما اختلف بحسب الزمان والمكان ، وإلاّ فلا اختلاف في أقوال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من عترته عليهم‌السلام.

١ ـ نحوه في الكافي ١ : ٥٣ ح١٤.

٢ ـ النساء : ٨٢.

٢٤٠