الشيعة هم أهل السنّة

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

الشيعة هم أهل السنّة

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-20-X
الصفحات: ٥٢٢

سبّني فقد سبّ الله » (١)؟!

وإذا كان حديث « كتاب الله وسنّتي » صحيحاً ، فلماذا غابت هذه السنّة على أكثر الصحابة ، فجهلوها وأفتوا في الأحكام بآرائهم ، وكذلك فعل أئمة المذاهب الأربعة الذين التجأوا للقياس ، والاجتهاد ، والإجماع ، وسدّ باب الذرائع ، والمصالح المرسلة ، والاستصحاب ، وصوافي الأمراء ، وأخفّ الضررين وغير ذلك (٢)؟!

فإذا كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ترك « كتاب الله وسنّة نبيّه » ليعصمان الناس من الضلالة ، فلا داعي لكلّ هذه الأُمور التي ابتدعها « أهل السنّة والجماعة » ، فكلّ بدعة وضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ، كما جاء في الحديث الشريف ..!

ثمّ إنّ العقلاء وأهل المعرفة يلقون باللّوم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أهمل سنّته ولم يعتن بها ، ولم يأمر بتدوينها وحفظها ، ومن ثمّ صيانتها من التحريف والاختلاف والوضع والاختلاق ، ثمّ يقول للناس : « إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي : كتاب الله وسنّتي »!

أمّا إذا قيل لهؤلاء العقلاء بأنّه نهاهم عن كتابتها فسيكون عند ذلك هزؤاً ؛ لأنّ ذلك ليس من أفعال الحكماء ، إذ كيف ينهى المسلمين عن كتابة

__________________

١ ـ نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ : ٦٠٨ ح٨٧٣٦ ، كنز العمال ١١ : ٥٧٣ ح٣٢٧١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٥٣٣ ، وروى صدره الحاكم في المستدرك ٣ : ١٢١ وصححّه ووافقه الذهبي ، والنسائي في السنن الكبرى ٥ : ١٣٣ ، والنسائي في الخصائص ص ٧٦ وقال محقّق الكتاب الحويني الأثري : « إسناده صحيح ».

٢ ـ جامع البيان : ٢٧٥ ، باب اجتهاد الرأي على الاصول عند عدم النصوص.

٢٠١

سُنته ، ثمّ يقول لهم : تركت فيكم سنّتي؟!

أضف إلى كلّ ما تقدّم بأنّ كتاب الله المجيد ، إذا أضفنا إليه السنّة النبويّة التي كتبها المسلمون عبر القرون ، فإنّ فيها الناسخ والمنسوخ ، وفيها الخاصّ والعام ، وفيها المحكم والمتشابه ، فهي شقيقة القرآن ، غير أنّ القرآن كلّه صحيح ؛ لأنّ الله سبحانه تكفّل بحفظه ولأنّه مكتوب ، أمّا السنّة ففيها المكذوب أكثر من الصحيح ، فالسنّة النبويّة هي قبل كلّ شيء محتاجة إلى المعصوم الذي يدلّ على صحيحها ، ويطرح كلّ ما وضع فيها ، وغير المعصوم لا يقدر على شيء من ذلك ولو كان عالماً علاّمة.

كما أنّ « القرآن والسنّة » معاً يفتقران إلى عالم متبحّر عارف بكلّ أحكامهما ، مطلع على أسرارهما ، لكي يبيّن للناس من بعد النبيّ ما اختلفوا فيه وما جهلوه.

ألم ترّ أنّ الله سبحانه أشار إلى أنّ القرآن الكريم يفتقر إلى مبين ، فقال جلّ وعلا : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١)؟ فلو لم يكن النبيّ يبيّن للناس ما نزل إليهم ، لم يكونوا ليعرفوا أحكام الله ولو نزل القرآن بلغتهم!

وهذا أمر بديهي يعرفه كلّ الناس ، ورغم نزول القرآن بفرائض الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحجّ ، فالمسلمون في حاجة لبيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو الذي أوضح كيفية أداء الصلاة ، ومقدار نصاب الزكاة ، وأحكام الصوم ، ومناسك الحجّ ، ولولاه لما عرف الناس من ذلك شيئاً.

__________________

١ ـ النحل : ٤٤.

٢٠٢

وإذا كان القرآن الذي لا اختلاف فيه ، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بحاجة إلى مبيّن ، فإنّ السنّة النبويّة أحوج من القرآن إلى من يبينها ، وذلك لكثرة الاختلاف الذي حصل فيها ، ولكثرة الدسّ والكذب الذي طرأ عليها ، وإنّه من الطبيعي جداً ، بل من الضروريات العقليّة أنْ يعتني كلّ رسول بالرسالة التي بعث بها ، فيقيم عليها وصيّاً وقيّماً بوحي من ربّه حتى لا تضيع الرسالة بموته ، ولأجل ذلك كان لكلّ نبيّ وصيّ.

ولكلّ ذلك أعدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خليفته ووصيّه على أمّته عليّ بن أبي طالب ، وربّاه منذ صغره بأخلاق النبوّة ، وعلّمه في كبره علم الأولين والآخرين ، وخصّه بأسرار لا يعرفها غيره ، ودلّ الأُمّة عليه مراراً ، وأرشدهم إليه تكراراً ، فقال لهم : « إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي عليكم » (١) ، وقال : « أنا خير الأنبياء وعليّ خير الأوصياء » (٢) « وخير من أترك بعدي » (٣) ، وقال :

__________________

١ ـ هذا الحديث جزء من حديث الدار في بدء الدعوة وورد بألفاظ مختلفة ، راجع تاريخ الطبري ٢ : ٣٢١ ، الكامل لابن الأثير ٢ : ٦٣ ، تاريخ أبي الفداء ١ : ١٧٥ ، شواهد التنزيل للحسكاني ١ : ٤٨٦ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ١٣ : ٢١١ ، كنز العمال ١٣ : ١٣٣ ح٣٦٤١٩ ، عن ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم ، وفيها التصريح بالعدد وأنّهم كانوا أربعين أو نحو هذا العدد.

٢ ـ في ينابيع المودة ٣ : ٢٦٩ ح٣٣ عن المناقب لابن المغازلي : ١٠١ ح١٤٤ ، وفرائد السمطين ١ : ٩٢ ح٦١ ولفظه : « يا فاطمة منّا خير الأنبياء وهو أبوك ، ومنّا خير الأوصياء وهو بعلك ... ».

٣ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٢٨ ، كنز العمال ١١ : ٦١٠ ح٣٢٩٥٢ ، شواهد التنزيل للحسكاني ١ : ٩٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٥٧.

٢٠٣

« عليّ مع الحقّ والحقّ معه » (١) ، و « عليّ مع القرآن والقرآن معه » (٢) ، وقال :

__________________

١ ـ الأمالي للصدوق : ١٥٠ ح١٤٦ ، كفاية الأثر للخزاز القمي : ٢٠ ، المناقب لابن شهرآشوب ٢ : ٢٦٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٤٩ ، الامامة والسياسة ١ : ٩٨ ، تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢٢ ، ومجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥ وقال : « رواه البزار وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه ، وبقيّة رجاله رجال الصحيح ».

قال الشيخ الأميني : « الرجل الذي لم يعرفه الهيثمي هو سعيد بن شعيب الحضرمي ، قد خفي عليه لمكان التصحيف ، ترجمه غير واحد بما قال شمس الدين إبراهيم الجوزجاني : إنّه كان شيخاً صالحاً صدوقاً كما في خلاصة الكمال ١١٨ ، وتهذيب التهذيب ٤ : ٤٨ » الغدير ٣ : ١٧٧.

وورد عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رحم اللّه علياً اللّهم أدر الحقّ معه حيث دار » أخرجه الترمذي في السنن ٥ : ٢٩٧ ، وأبو يعلى في المسند ١ : ٤١٩ ، ح٥٥٠ ، الطبراني في الأوسط ٦ : ٩٥ ، والحاكم في المستدرك ٣ : ١٢٤ وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٠ : ٦٣ و ٤٢ : ٤٤٨ و ٤٤ : ١٣٩. وصحّح هذا الحديث كلّ من الحاكم في المستدرك وأبو منصور ابن عساكر الشافعي في « الأربعين في مناقب أُمهات المؤمنين : ٨٦ ح٢٤ » ، والسيوطي في الجامع الصغير كما في فيض القدير ٤ : ٢٥.

وأرسله الفخر الرازي إرسال المسلّمات فقال في تفسيره : « ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه‌السلام : اللّهم أدر الحقّ مع عليّ حيث دار » تفسير الرازي ١ : ٢١٠.

وقال أبو القاسم البلخي وتلامذته : « قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنّه قال : « عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور حيثما دار » ووافقهم ابن أبي الحديد على ذلك في شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

٢ ـ المعجم الأوسط للطبراني ٥ : ١٣٥ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ١٧٧ ح٥٥٩٤ ، المناقب للخوارزمي : ١٧٧ ح٢١٤ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٤ وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، كنز العمال ١١ : ٦٠٣ ح٣٢٩١٢.

٢٠٤

« أنا قاتلت على تنزيل القرآن وعليّ يقاتل على تأويله » (١) ، « وهو الذي يبيّن لأُمتي ما اختلفوا فيه من بعدي » (٢) ، وقال : « لا يؤدّي عنّي إلاّ عليّ » (٣) « وهو ولي كلّ مؤمن بعدي » (٤) وقال : « عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى » (٥) ،

__________________

١ ـ ينابيع المودة ٢ : ٢٣٥ عن الفردوس ١ : ٤٦ ح١٥ ، وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ : ٦٣٩ ح٢٤٨٧ ولفظه : « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر ، فقال : لا ، ولكنه خاصف النعل ، يعني عليّاً ». ومثله المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٣ وصحّحه ووافقه الذهبي ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٣ وقال : ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ) وصحيح ابن حبان ١٥ : ٣٨٥.

٢ ـ تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٨٧ ، ينابيع المودة ٢ : ٨٦ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٢ وصحّحه ، كنز العمال ١١ : ٦١٥ ، شواهد التنزيل ١ : ٣٨٣.

٣ ـ السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٢٨ ح٨٤٥٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٤٥ وأورده الألباني في صحيح الجامع الصغير ٢ : ٧٥٣ ح٤٠٩١. وورد الحديث مع زيادة فيه إذ جاء فيه عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عنّي إلاّ أنا أو علي » صححه الترمذي في سننه ٥ : ٣٠٠ ، وحسنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٨ : ٢١٢ ، وصححه الألباني في تعليقه على سنن ابن ماجة ١ : ٧٥ ، والحويني الاثري في الخصائص ٦٧ ، ومسند أحمد وأشار محقق الكتاب أحمد حمزة الزين إلى صحته ١٣ : ٣٩٤.

٤ ـ كتاب السنّة لابن أبي عاصم : ٥٥٠ ح١١٨٧ ، وقال الألباني محقّق الكتاب : إسناده صحيح رجاله ثقات على شرط مسلم ، والحديث أخرجه الترمذي ٢ : ٢٩٧ وابن حبان ( ٢٢٠٣ ) والحاكم ٣ : ١١٠ ، وأحمد ٤ : ٤٣٧ ... وقال الترمذي : حديث حسن غريب ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وأقرّه الذهبي.

٥ ـ صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٢ ح٣٨٠٨ ، المستدرك ٢ : ٣٣٧.

٢٠٥

« عليّ مني وأنا منه » (١) « وهو باب علمي » (٢).

__________________

١ ـ أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ : ٢٦١ ح٢٢٢٣ وقال : أخرجه الترمذي ( ٣٧١٣ ) والنسائي في الخصائص ( ص١٣ و ١٦ و ١٧ ) وابن حبان ( ٢٢٠٣ ) والحاكم ( ٣ : ١١٠ ) والطيالسي في مسنده (٨٢٩) وأحمد ( ٤ : ٤٣٧ ) وابن عدي في الكامل ( ٢ : ٥٦٨ ).

٢ ـ المناقب للخوارزمي : ١٢٩ ، ينابيع المودة ١ : ٢٠٠ ، كنز العمال ١١ : ٦١٤ ح٣٢٩٨١ ، كشف الخفاء للعجلوني ١ : ٢٠٤ ، وورد الحديث بلفظ : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » قال السيوطي في تاريخ الخلفاء ١٣١ : « وأخرج البزّار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد اللّه وأخرج الترمذي والحاكم عن علي قال : قال رسول اللّه عليه الصلاة والسلام : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » هذا حديث حسن على الصواب ، لا صحيح كما قال الحاكم ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي ، وقد بيّنت حاله في التعقيبات على الموضوع ».

وقال السيّد حسن السقّاف في تحقيقه على كتاب تناقضات الألباني الواضحات ٣ : ٨٢ : « صحّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » صحّحه الحافظ ابن معين كما في تاريخ بغداد ١١ : ٤٩ ، والإمام الحافظ ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار مسند سيّدنا عليّ : ١٠٤ ، حديث ٨ ، والحافظ العلائي في النقد الصحيح ، والحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي كما في اللالئ المصنوعة ١ : ٣٣٤ ، والحافظ السخاوي كما في المقاصد الحسنة » ، كما ألّف العلاّمة أحمد ابن الصديق المغربي كتاباً خاصاً في تصحيح الحديث المذكور أسماه ( فتح الملك العلي بصحة حديث بأنّ مدينة العلم علي ).

ثمّ قال التيجاني بعد سرد هذه الأحاديث : « كل هذه الأحاديث صحيحة عند أهل السنّة والجماعة أخرجها علماؤهم وصحّحوها ، وقد ذكرنا في الكتب السابقة ومن أراد المصادر فعليه بكتاب المراجعات بتحقيق حسين الراضي ». ونحن بدورنا قمنا بذكر بعض مصادر هذا الأحاديث وذكرنا ما عثرنا عليه ممّن صحّحها

٢٠٦

وقد ثبت بالدليل العلمي وبالتاريخ ، وما كتبه أصحاب السير بأنّ عليّاً كان المرجع الوحيد لكلّ الصحابة عالمهم وجاهلهم ، ويكفي أن يعترف « أهل السنّة » بأنّ عبد الله بن عباس ـ والذي لقبوه بحبر الأُمّة ـ تلميذه وخريجه ، كما يكفي

__________________

وما فاتنا أكثر.

وبعد ما عرفنا مصادر الأحاديث والمصحّحين لها من العلماء والحفاظ نعرف بأنّ ما ذكره عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني : ١٧٨ غير صحيح بتاتاً ، بل بتر الكلام وحاول تشويه صورة الأحاديث بكلّ ما أوتي من قوّة نصب وعداء لأهل البيت عليهم‌السلام ولعلي بن أبي طالب خاصّة ، ولإثبات ذلك نتعرض لبعض ما ذكره حول بعض الأحاديث :

١ ـ ضعّف حديث : ( علي مع الحقّ والحقّ معه ) ، وأورد كلام الهيثمي في المجمع ولم يحققه بين سعد بن شعيب ، وسعيد بن شعيب.

أضف إلى ذلك أنّ الحديث ورد بطرق أُخرى غير طريق الهيثمي في المجمع ، وقد ذكرنا طرقه في الصفحة السابقة.

٢ ـ حديث : ( علي مع القرآن والقرآن معه ) ضعّفه بذكر رواية الطبراني فقط ، مع أنّ الحديث رواه الحاكم في المستدرك وصحّحه ووافقه الذهبي على ذلك. وسنده لا غباره عليه.

٣ ـ حديث : ( إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ) ضعّفه مع أنّ الحديث صحّحه الألباني والحاكم والذهبي والهيثمي وغيرهم.

٤ ـ حديث : ( علي منّي وأنا منه ) أوهم القارئ أنّه ضعيف وأرجعه إلى ردّه على كتاب « ثمّ اهتديت » ، مع أنّه في ردّه على كتاب « ثمّ اهتديت » لم يتعرّض لحديث ( علي منّي وأنا منه ) ، ولم يذكره أصلا!!

وهكذا تعرف أنّ عثمان الخميس في كلامه لا يرتكز على موازين علمية ، وإنّما يلقي الكلام على عواهنه تعصّباً لعقيدة النواصب من بني أُميّة وغيرهم.

٢٠٧

دليلا أنّ كلّ العلوم التي عرفها المسلمون تنسب إليه عليه‌السلام (١).

__________________

١ ـ راجع في ذلك مقدمة ابن أبي الحديد على شرح نهج البلاغة.

وقال الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٢٢٥ : « ويقال : هو البطين من العلم لغزارة علمه وفطنته وحدّة فهمه ، كان عنده لكلّ معضلة عتاداً ، ورزق خشية الله عزّ وجلّ ، ولهذا كان أعلم الصحابة ، ويدلّ على أنّه كان أعلم الصحابة الإجمال والتفصيل : أما الإجمال : فهو أنّ عليّاً عليه‌السلام كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الفضلاء وخاتم الأنبياء ، وكان عليّ في غاية الحرص على طلب العلم ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غاية الحرص على تربيته وإرشاده إلى اكتساب الفضائل ، ثمّ إنّ عليّاً بقي في أوّل عمره في حجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي كبره صار ختناً له ، وكان يدخل عليه في كلّ الأوقات ، ومن المعلوم إنّ التلميذ إذا كان في غاية الحرص والذكاء في التعليم ، وكان الاُستاذ في غاية الحرص على التعليم ، ثمّ اتفق لهذا التلميذ أن اتّصل بخدمة مثل هذا الاستاذ من زمن الصغر ، وكان ذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كلّ الأوقات ، فإنّه يبلغ التلميذ في العلم مبلغاً عظيماً ويحصل له ما لا يحصل لغيره.

هذا بيان إجمالي ... وأمّا التفصيل فيدلّ عليه وجوه : الأوّل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقضاكم عليّ » ، والقاضي محتاج إلى جميع أنواع العلوم ، فلمّا رجّح على الكلّ في القضاء لزم ترجيحه عليهم في جميع العلوم ، أمّا سائر الصحابة فقد رجّح كلّ واحد منهم على غيره في علم واحد ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفرضكم زيد ، وأقرأكم أُبيّ ، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ... فلمّا ذكر لكلّ واحد فضيلة وأراد أن يجمعها لابن عمّه بلفظ واحد كما ذكر لأولئك ، ذكره بلفظ يتضمّن جميع ما ذكره في حقّهم ، وإنّما قلنا ذلك لأنّ الفقيه لا يصلح لمرتبة القضاء حتى يكون عالماً بعلم الفرائض والكتاب والسنّة والكتابة والحلال والحرام ويكون مع ذلك صادق اللهجة ، فلو قال : قاضيكم عليّ كان متضمناً لجميع ما ذكر في حقّهم ، فما ظنّك بصيغة أفعل التفضيل ... » ثمّ ذكر بعض الشواهد الدالة على أعلميته عليه‌السلام.

٢٠٨

وعلى سبيل الافتراض لو تعارض حديث « كتاب الله وسنّتي » مع حديث « كتاب الله وعترتي » لوجب تقديم الثاني على الأوّل ، أعني تقديم « عترتي » على « سنّتي » ، ليتسنّى للمسلم العاقل الرجوع إلى أئمة أهل البيت الطاهرين كي يبينوا له مفاهيم القرآن والسنّة.

أمّا لو أخذ بحديث « كتاب الله وسنّتي » فسوف يبقى محتاراً في كلّ من القرآن والسنّة ، ولا يجد المرجع الموثوق الذي يبيّن له الأحكام التي لم يفهمها ، أو الأحكام التي اختلف فيها العلماء اختلافاً كبيراً ، وقال فيها أئمة المذاهب أقوالا متعدّدة أو متناقضة.

ولا شكّ بأنّه لو أخذ بقول هذا العالم أو ذاك ، أو اتبع رأي هذا المذهب أو ذاك ، فإنّما يتبعه ويأخذ منه بدون دليل على صحة هذا وبطلان ذاك ، وإنّ قبول هذا المذهب ورفض ذاك هو تعصّب أعمى وتقليد بدون حجّة.

قال الله تعالى في هذا المعنى : ( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١). وأضرب لذلك مثالا واحداً حتى يعرف القارئ الكريم صدق

__________________

ونقل المناوي في فيض القدير ٦ : ٣٦١ عن البسطامي أنّه قال : « أنّ عليّاً من أعلم الصحابة بدقائق العلوم ولطائف الحكم ». وقال أحمد بن الصديق المغربي في فتح الملك العليّ : ٦٥ : « وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان أعلم الصحابة على الإطلاق كما هو معلوم مشهود ومستفيض متواتر ، حتى ضربوا باشتهار علمه المثل للتواتر المعنوي » ثمّ ذكر قول الحافظ موفق الدين ابن قدامة في كتابه « اثبات صفات العلو لله » حيث استشهد للتواتر المعنوي بشجاعة عليّ عليه‌السلام.

ثمّ يكفينا في إثبات أعلميّته المطلقة كونه الثقل الثاني وعدل القرآن والعاصم من الضلال.

١ ـ يونس : ٣٦.

٢٠٩

الحديث ، ويتبيّن له الحقّ من الباطل.

لو أخذنا القرآن الكريم ، وقرأنا فيه آية الوضوء وقول الله تعالى : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) (١) ، فهمنا منها لأوّل وهلة مسح الأرجل كمسح الرؤوس ، وإذا نظرنا إلى فعل المسلمين نجدهم مختلفين في

ذلك. « فأهل السنّة والجماعة » كلّهم يغسلون ، والشيعة كلّهم يمسحون.

فنُصاب عند ذلك بالحيرة والشك ، أيهما الصحيح؟

ونرجع إلى العلماء من « أهل السنّة والجماعة » ومفسّريهم ، فنجدهم مختلفين في هذا الحكم على حسب ما يروونه من أن هناك قراءتين « أرجلَكم بالنصب » و « أرجلِكم بالجرّ ».

ثمّ يُصحّحون القراءتين ويقولون : من قرأ بالنصب فقد أوجب الغسل ، ومن قرأ بالجر فقد أوجب المسح.

ثمّ يطلع علينا عالم ثالث متبحّر في اللغة العربية من علماء السنّة (١) فيقول : إنّ قراءة النصب وقراءة الجرّ توجبان المسح ؛ لأنّ الأرجل إمّا تكون منصوبة على المحل أو تكون مجرورة بالجوار ، ثمّ يقول بأنّ القرآن جاء بالمسح ، وجاءت السنّة بالغسل.

وأنت كما ترى أيّها القارئ بأنّ علماء « السنّة والجماعة » لم يزيلوا حيرتنا باضطراب أقوالهم ، بل قد ضاعفوا شكّنا لقولهم بأنّ السنّة خالفت

__________________

١ ـ هو الفخر الرازي في تفسيره الكبير ٤ : ٣٠٥ سورة المائدة ، آية : ٦. وفي الدر المنثور ٢ : ٢٦٢ وكذلك كنز العمال ٩ : ٤٣٤ ح٢٦٨٥٢ عن الشعبي قال : نزل القرآن بالمسح وجرت السنّة بالغسل.

٢١٠

القرآن ، وحاشا للنبيّ أن يخالف القرآن ويغسل رجليه في الوضوء.

ولو غسل النبيّ رجليه في الوضوء لما جاز لكبار الصحابة مخالفته ، وهم من هم في العلم والمعرفة والقرب منه أمثال علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والحسن والحسين ، وحذيفة بن اليمان ، وأنس بن مالك ، وكلّ الصحابة الذين قرأوا بالجرّ ، وهم أغلب القراء الذين أوجبوا المسح ، وكلّ الشيعة الذين اقتدوا بالأئمّة من العترة الطاهرة قالوا بوجوب المسح.

فما هو الحل؟!

ألم ترَ أيّها القارئ العزيز بأنّ المسلم سيبقى محتاراً في شكّه ، وبدون الرجوع إلى من يعتمد عليه فسوف لا يعرف وجه الصواب ، ولا يدري ما هو حكم الله الصحيح من المكذوب عليه؟

وقد تعمّدت أن أضرب لك هذا المثال من القرآن الكريم أيّها القارئ العزيز ، حتى تعرف مدى الاختلاف والتناقض الذي يتخبط فيه علماء المسلمين من « أهل السنّة والجماعة » في أمر كان يفعله النبيّ عدّة مرّات في كلّ يوم وطيلة ثلاثة وعشرين عاماً.

وكان من المفروض أن يعرفه الخاصّ والعام من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا بالعلماء عند « أهل السنّة » يختلفون في القراءات ، فينصبون ويجرون ، ويرتبون على ذلك أحكاماً متضاربة!

وللعلماء في تفسير كتاب الله ، وترتيب الأحكام على حسب القراءات المتعدّدة ، اختلافات كثيرة لا تخفى على الباحثين.

وإذا كان اختلافهم في كتاب الله ظاهراً ، فهو في السنّة النبويّة أظهر وأكثر.

٢١١

فما هو الحلّ إذن؟

إذا قلت بوجوب الرجوع إلى من يعتمد عليه في شرح وبيان الأحكام الصحيحة من القرآن والسنّة ، فسوف نطالبك بالشخص العاقل المتكلم ؛ لأنّ القرآن والسنّة لا يعصمان من الضلالة ، فهما صامتان لا يتكلّمان (١) ، (٢)

__________________

١ ـ وهذا هو السرّ في وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالثقلين من بعده وعدم افتراقهما إلى يوم القيامة وأنّ المتمسّك بهما لا يضل ، فالقرآن والسنّة الصحيحة في كفّة وهما يعتبران المادة الأُولى للشريعة ، والعترة عليهم‌السلام في كّفة أُخرى حيث تكون وهي الشارحة والمبيّنة والناطقة باسم القرآن والسنّة ، ولذا قال عليّ عليه‌السلام قبل قضية التحكيم يوم صفين : « أنا القرآن الناطق » ( ينابيع المودة ١ : ٢١٤ ح٢٠ ).

٢ ـ يدلّ على كلام المؤلّف حديث الثقلين المتواتر كما تقدم والذي ورد فيه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ؛ كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ... » حيث بيّن أنّ الإنسان يعصم من الضلال إذا تمسّك بالقرآن الكريم وأهل البيت المطهّرين ، ومن أخلّ بأحدهم فقد وقع في الضلال. والقرآن الكريم الوارد في الحديث المراد به كتاب اللّه والسنّة النبويّة المطهّرة التي هي شارحة ومفّسرة له كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إني أُتيت القرآن ومثله معه ».

وحديث الثقلين الذي جعل ميزاناً للضلالة والهدى أُمرنا فيه بالتمسّك بشيء صامت وهو كتاب اللّه ، وبشيء ناطق وهم أهل البيت المطهّرين. إذ إنّ الناطق وهم أهل البيت المطهّرين هم الذي يرجع إليهم عند الاختلاف في حكم اللّه وشرعه ؛ لأنّهم الجزء الثاني من ميزان الهداية المبيّن في حديث الثقلين. وهذا ما قصده المؤلّف بكلامه.

وبذلك يتضح أنّ ما ذكره عثمان الخميس في كشف الجاني : ١٨١ ما هو إلاّ تخبّط وعدم فهم لما قصده المؤلّف ، وعدم تمييز بين الهداية التي يبحث فيها المؤلّف ، وبين الهداية التي ذكرتها الآيات القرآنية الكريمة. وتوضيحها يحتاج إلى تفصيل لا تسعه هذه الصفحات ، وما ذكرناه فيه توضيح إجمالي لما قد يتوهّم.

٢١٢

ويحملان عدّة وجوه كما قدّمنا في آية الوضوء ، ولقد اتفقنا عزيزي القارئ على وجوب تقليد العلماء العارفين بحقائق القرآن والسنّة ، وبقي الخلاف بيننا فقط في معرفة هؤلاء العلماء العارفين بحقائق القرآن والسنّة.

فإذا قلت بأنّهم علماء الأُمّة وعلى رأسهم الصحابة الكرام ، فقد عرفنا اختلافهم في آية الوضوء وفي غيرها من المسائل ، كما عرفنا بأنّهم تقاتلوا وكفّر بعضهم بعضاً ، فلا يمكن الاعتماد عليهم جميعاً ، وإنّما يعتمد على المحقّين منهم دون المبطلين ويبقى المشكل قائماً.

وإذا قلت بالرجوع إلى أئمة المذاهب الأربعة ، فقد عرفت بأنّهم اختلفوا أيضاً في أكثر المسائل ، حتى قال بعضهم بكراهة البسملة في الصلاة ، وقال بعضهم ببطلان الصلاة بدونها ، وقد عرفت أحوال هذه المذاهب وأنّها من صنائع الحكّام الظالمين ، وعرفت أيضاً بأنّهم بعيدون عن عهد الرسالة ، ولم يعرفوا الصحابة فضلا عن النبيّ نفسه.

فلم يبق أمامنا إلاّ حلّ واحد لا ثاني له ، ألا وهو الرجوع الى أئمة العترة من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، العالمين العاملين الذين لم يلحقهم أحد في علمهم وورعهم ، وحفظهم وتقواهم ، فهم المعصومون عن الكذب والخطأ بنصّ القرآن الكريم (١) ، وعلى لسان النبيّ العظيم (٢).

__________________

١ ـ قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ).

٢ ـ قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كتاب الله وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ،

٢١٣

فقد أورثهم الله علم الكتاب بعد أن اصطفاهم ، وعلّمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ ما يحتاجه الناس ، ودلّ الأُمّة عليهم بقوله : « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » (١) وقد قال ابن حجر وهو من علماء « أهل السنّة والجماعة » في شرح هذا الحديث بعد أن صحّحه :

« ووجه تشبيههم بالسفينة أنّ من أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة مشرفهم ، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان » (٢).

أضف إلى ذلك أنّك لا تجد عالماً في الأُمّة الإسلامية قديماً وحديثاً من عهد الصحابة إلى اليوم ، من ادّعى لنفسه أنّه أعلم أو أفضل من أئمة العترة النبويّة الطاهرة ، كما أنّك لا تجد في الأُمّة قاطبة أحداً ادّعى بأنّه علّم واحداً من أئمة أهل البيت أو أرشدهم لأمر ما.

وإذا أردت أيّها القارئ مزيداً من البيان والتفصيل فعليك بقراءة « المراجعات » و « الغدير ».

وما قدّمته أنا إليك فيه الكفاية إن كنت من المنصفين ، فحديث « تركت

__________________

فكما أنّ كتاب الله معصوم عن الخطأ فكذلك العترة الطاهرة ، فغير المعصوم لا يضمن الهداية والذي يجوز عليه الخطأ هو في حاجة إلى الهداية.

١ ـ المستدرك للحاكم ٢ : ٣٤٣ وصحّحه على شرط مسلم ، المعجم الصغير ٢ : ٢٢ والأوسط ٥ : ٣٥٥ ، والكبير ٣ : ٤٥ ح٢٦٣٨ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٥٣٣ ح٨١٦٢ ، الدر المنثور ٣ : ٣٣٤ ، تاريخ بغداد ١٢ : ٩٠ ح٦٥٠٧ ، الصواعق ٢ : ٤٤٥ وقال : وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً.

٢ ـ الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤٦ ، الآية السابعة من الآيات النازلة فيهم.

٢١٤

فيكم كتاب الله وعترتي » هو الحقّ الذي يسلم به العقل والوجدان ، وتثبته السنّة والقرآن.

وبكلّ هذا يتبيّن لنا مرّة أُخرى بالأدلّة الواضحة التي لا تدفع بأنّ الشيعة الإماميّة هم أهل السنّة النبويّة الحقيقة ، وأنّ « أهل السنّة والجماعة » قد أطاعوا ساداتهم وكبراءهم ، فأضلوهم السبيل وتركوهم في ظلمات يعمهون ، وأغرقوهم في بحر كفر النعم ، وأهلكوهم في مفاوز الطغيان ، على حدّ تعبير ابن حجر الشافعي.

« والحمدُ لله ربّ العالمين على هدايته لعباده المخلصين ».

٢١٥
٢١٦

مصادر التشريع عند الشيعة

المتتبّع لفقه الشيعة الإمامية يجدهم ينقطعون في كلّ الأحكام الفقهية ـ إلاّ المستحدثة (١) ـ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام.

وهؤلاء عندهم مصادر التشريع اثنان لا ثالث لهما :

الكتاب والسنّة ، أعني المصدر الأوّل هو القرآن الكريم ، والمصدر الثاني هو السنّة النبويّة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام.

وهذه هي أقوال الشيعة قديماً وحديثاً ، بل هي أقوال الأئمة من أهل البيت الذين لم يدّع واحد منهم أنّه اجتهد برأيه أو حكم حكماً من عنده.

فهذا الإمام الأوّل علي بن أبي طالب عندما اختاروه للخلافة ، واشترطوا عليه أن يحكم فيهم بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر ، قال : لا أحكم إلاّ بكتاب الله وسنّة رسوله (٢).

__________________

١ ـ ونقصد بها اجتهاد العلماء في ما لا نصّ فيه والذي حدث بعد غيبة الإمام الثاني عشر ( المؤلّف ).

٢ ـ وفي بعض الروايات قال : « وما عداهما فأجتهد رأيي » وهي زيادة مكذوبة من أصحاب الاجتهاد وأنصاره ؛ لأنّ الإمام عليّاً لم يدّع يوماً بأنّه اجتهد برأيه ، بل كان دائماً يستنبط الأحكام من كتاب الله وسنّة رسوله ، أو كان يقول : عندنا الجامعة وفيها كلّ ما يحتاجه الناس حتى أرش الخدش ، وهذه الصحيفة هي من

٢١٧

وسنوضح في أبحاث لاحقة بأنّه عليه‌السلام كان دائماً يتقيّد بسنّة النبيّ ولا يحيد عنها أبداً ، ويحاول بكلّ جهوده إرجاع الناس إليها ، حتى سبب له ذلك غضب الخلفاء ، ونفور الناس منه لشدّته في ذات الله ، وتشبّثه بسنّة النبيّ ( صلى الله عليه وآله ).

كما أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام كان يقول دائماً :

« لو حدّثناكم برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا نحدّثكم ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه فبيّنها نبيّه لنا » (١).

وقال مرّة أُخرى : « يا جابر ، إنّا لو كنا نحدّثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم » (٢).

وهذا الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام يقول :

« والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا » (٣) « فمهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله ، لسنا نقول برأينا من شيء » (٤).

وأهل العلم والمحقّقون يعرفون ذلك من أئمة أهل البيت ، فلم يسجّلوا عن أحدهم القول بالرأي ، ولا بالقياس ، ولا بالاستحسان ، أو بشيء غير القرآن والسنّة.

__________________

إملاء رسول الله وخطّ علي ، وقد مرّ الكلام عن الصحيفة الجامعة في فصل « أهل السنّة ومحق السنّة » من هذا الكتاب ( المؤلّف ).

١ ـ بصائر الدرجات : ٣١٩ ح٢.

٢ ـ المصدر نفسه : ٣١٩ ح١.

٣ ـ المصدر نفسه : ٣٢٠ ح٧.

٤ ـ المصدر نفسه : ٣٢١ ح٨.

٢١٨

وحتى إذا رجعنا للمرجع الكبير المعاصر الشهيد آية الله محمّد باقر الصدر ـ رضوان الله عليه ـ نجده في رسالته العملية لفقه العبادات والمعاملات في الفتاوى الواضحة يقول حرفياً :

« ونرى من الضروري أن نشير أخيراً بصورة موجزة إلى المصادر التي اعتمدناها بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوى الواضحة ، وهي كما ذكرنا في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب الكريم ، والسنّة الشريفة المنقولة عن طريق الثقات المتورّعين في النقل مهما كان مذهبهم (١). أمّا القياس والاستحسان ونحوهما فلا نرى مسوغاً شرعياً للاعتماد عليها.

وأمّا ما يسمى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدّثون في أنّه هل يسوغ العمل به أولا ، فنحن وإن كنّا نؤمن بأنّه يسوغ العمل به ، ولكنّا لم نجد حكماً واحداً يتوقّف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى ، بل كلّ ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنّة.

وأمّا ما يسمّى بالإجماع فهو ليس مصدراً إلى جانب الكتاب والسنّة ، وإنّما لا يعتمد عليه إلاّ من أجل كونه وسيلة إثبات في بعض الحالات.

وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنّة ، ونبتهل إلى الله أن يجعلنا من المتمسّكين بهما : « ومن استمسك بهما فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم » (٢).

__________________

١ ـ انظر إلى علماء الشيعة كيف يأخذون عن الثقات المتورّعين مهما كان مذهبهم ، وهو ردّ على القائلين بأنّ الشيعة لا يثقون بالصحابة ، وإنّما يرفض الشيعة حديث الصحابي إذا تعارض مع ما يرويه أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ( المؤلّف ).

٢ ـ الفتاوى الواضحة للشهيد محمد باقر الصدر : ١٥.

٢١٩

نعم ، ونجد هذه الظاهرة هي السائدة عند الشيعة قديماً وحديثاً ، ولا يعتمد عندهم إلاّ على الكتاب والسنّة ، ولا نجد لأحدهم فتوى واحدة ناتجة عن القياس أو الاستحسان ، وقصة الإمام الصادق مع أبي حنيفة معروفة ، وكيف أنّه نهاه عن القياس ، وقال له فيما قال : « لا تقس في دين الله فإنّ الشريعة إذا قيست محقت ، وإنّ أوّل من قاس إبليس عندما قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين » (١).

هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة من عهد علي بن أبي طالب وإلى يومنا هذا ، فما هي مصادر التشريع عند ( أهل السنّة والجماعة )؟

__________________

١ ـ الكافي ١ : ٥٨ ، الأمالي للطوسي : ٦٤٥ ح٨١٣٣ ، باختلاف في الألفاظ.

٢٢٠