فاسألوا أهل الذّكر

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

فاسألوا أهل الذّكر

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-14-5
الصفحات: ٤٨٥

غيره بأنّ عليّاً لا يداهن ولا يكذب ولا يقبل بذلك الشرط أبداً ، كما كان يعلم بأنّ صهره عثمان هو الذي ترتاح إليه قريش وكلّ أعضاء المخطّط.

س٣٠ : حديث الأئمة الاثني عشر هل له وجود عند أهل السنّة؟

* ج : أخرج البخاري ومسلم وكلّ المحدّثين من أهل السنّة حديث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يزال الدين قائماً حتى تقوم السّاعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (١).

وبقي هذا الحديث من الألغاز العويصة التي لا جواب لها عند أهل السنّة والجماعة ، ولم يجرأ أحد من علمائهم أنْ يعدّ بعد الخلفاء الراشدين الأربعة سوى عمر بن عبد العزيز ، وهؤلاء خمسة ، ويبقي من العدد سبعة لا وجود لهم.

فإمّا أن يقولوا بإمامة علي وبنيه الذين تقول بهم الإمامية ، ويصبحوا شيعة لأهل البيت النّبوي ، وإمّا أن يكذّبوا الحديث وتصبح صحاحهم مجرّدة من الحقّ وليس فيها إلاّ الأكاذيب.

أضف إلى ذلك بأنّ هذا الحديث الذي يخصّص الخلافة في قريش وحدها يتنافى مع مبدأ الشورى الذي يقولون به; لأنّ الاختيار والديمقراطية تشمل كلّ أفراد الأُمة ، ولا تختصّ بقبيلة معيّنة دون سائر القبائل الأُخرى ، بل يتعدّى القبائل العربية إلى غيرها من القبائل الإسلامية غير العربية!!

هذه أجوبة سريعة ومختصرة لنوضّح للقارئ بعض المسائل التي قد

____________

(١) صحيح مسلم ٦ : ٣ كتاب الإمارة ، الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ، صحيح البخاري ٨ : ١٢٧.

٣٦١

تخامر ذهنه ، على أنّه قد يجد إجابة مفصّلة في كتب التاريخ ، وكذلك في كتابي « ثمّ اهتديت » ، و « لأكون مع الصادقين ».

فعلى الباحث أن يرجع إلى المصادر الموثوقة ، وأن يتجرّد للحقيقة ، فيمحّص الروايات والأحداث التاريخية; ليكتشف من خلالها الحقائق المكسوّة بثياب الباطل ، فيجرّدها وينظر إليها في ثوبها الأصلي.

٣٦٢

الفصل السّابع

في ما يتعلّق بالحديث الشريف

سأُبيّن للقارئ بأنَ مشكلة الأحاديث هي من أكبر المشاكل التي يعيشها المسلمون اليوم ، وبالخصوص في الزّمن الحاضر ، إذ تخرّج من جامعات الوهّابية دكاترة متخصّصون في فنون الأحاديث ، فتراهم يحفظون من الأحاديث ما يتماشى مع مذهبهم وعقيدتهم ، وأغلب هذه الأحاديث هي من وضع الأموييّن أسلافهم ، الذين كان همّهم أيضاً إطفاء نور الرّسالة ، وتصوير النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك المخرّف المهرّج الذي لا يدري ما يقول ، ولا يتنبّه إلى أحاديثه وأفعاله المتناقضة التي تُضحك المجانين.

ورغم ما قام به المحقّقون والعلماء من أهل السنّة لتنقية الأحاديث وغربلتها ، فما زال هناك للأسف الشديد داخل الكتب الصّحيحة والمعتبرة الشيء الكثير ، وكذلك لم تسلم كتب الشّيعة من هذا الدسّ والوضع ، ولكن هؤلاء يعترفون بأنّ ليس عندهم كتاباً صحيحاً إلاّ كتاب الله ، وما سواه فيه الغث والسّمين.

أمّا أهل السنّة فإنهم متّفقون بأنّ الصّحيحين ( البخاري ومسلم ) أصحّ الكتب بعد كتاب الله ، بل يقولون بأنّ كلّ ما جاء فيهما هو صحيح ، ومن أجل ذلك فسأُحاول أن أضع بين يدي القارئ بعض النماذج من الأحاديث التي

٣٦٣

أخرجها البخاري ومسلم ، والتي فيها ما فيها من الحطّ من قداسة الرّسول العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو من أهل بيته عليهم‌السلام.

وسأُحاول هنا طرح بعض الأحاديث التي وُضعتْ لتبرير أعمال الحكّام الأمويين والعباسيين ، وهم في الحقيقة يريدون النيل من خلالها من عصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ; لتبرير جرائمهم وقتلهم الأبرياء .. إليك ما يلي :

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يَختِلُ

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الاستئذان ، وفي كتاب الديّات ، باب من اطّلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا ديّة له ، وكذلك مسلم في صحيحه في كتاب الآداب ، باب تحريم النظر في بيت غيره.

عن أنس بن مالك : أنّ رجلا اطّلع من بعض حُجر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام إليه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمشقص أو بمشاقِصَ ، فكأني أنْظرُ إليه يَختِلُ الرَّجُلَ ليطْعنَهُ!

إنّ الخلق العظيم يأبَى هذا التصرّف من نبي الرّحمة الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، والمفروض أن يقومَ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذا الرّجل الذي اطّلع على حجرة النّبي ويعلّمهُ الآداب الإسلامية ، ويُفهمه بأنّ ما فعله حرامٌ ، لا أن يأخذَ مشقصاً ويختله ليطْعنه ويفقأ عينه. على أنّ الرجل قد يكون على حسن نيّة; لأنّ الحجرة لم تكن حجرة أزواجه ، والدّليل أنّ أنس بن مالك كان موجوداً فيها ، فأيّ تهمة هذه توجّه إلى رسول الله ، وتصوّره بالفظّ الغليظ الذي يختل أي يستغفلُ الرّجل ليفقأ عينَهُ؟!

وناهيك أنّ شارح البخاري استفظعها ، وقال ما نصّه : « يختِلَهُ أي يستغفِله ويأتيه من حيث لا يراهُ ـ كذا فسروه ـ والاستغفال مستبعدٌ منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

٣٦٤

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعاقب عقاباً شنيعاً ويمثّل بالمسلمين

أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الطبّ من جزئه السابع في باب الدّواء بألبان الإبل ، وفي باب الدَّواء بأبوال الإبل. قال : حدّثنا ثابتُ عن أنس : أنّ ناساً كان بهم سقمٌ قالوا : يا رسول الله آوِنا وأطعمنا ، فأمرهم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلْحَقُوا براعيه ، يعني الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فلحقوا براعيه فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلَحتْ أبدانُهُم ، فَقَتلُوا الرّاعِيَ وساقُوا الإبل ، فبلغ ذلك النّبىُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبعث في طلبهم فجيء بهم ، فقطع أيديَهُم وأرجلَهُم وسَمَرَ أعيُنَهُمْ ، فرأيت الرّجُلَ منهم يكدِمُ الأرض بلسانه حتى يموت ».

هل يصدّق مسلمٌ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي ينهى عن المثلةِ ، يقوم هو بنفسه فيمثّل بهؤلاء القوم ، فيقطع أيديهم وأرجلهم ويسمر أعينهم لأنهم قتلوا راعيه؟! ولو قال الراوي : بأنّ هؤلاء القوم مثّلوا بالرّاعي; لكان للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عذرٌ في المعاقبة بالمثل ، ولكن ذلك غير وارد ، وكيف يقتلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويمثّل بهم هذه المثلة ، بدون بحث وتحرِّ منهم حتّى يتبين من القاتل منهم فيقتله به؟!

ولعلّ البعض يقول بأنّهم شاركوا جميعاً في قتله ، أفلم يكن في وسع الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعفوَ ويصفح عنهم لأنّهم مسلمون ، بدليل قولهم : يا رسول الله ، ألم يسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول الله تعالى له : ( وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) (١).

____________

(١) النحل : ١٢٦.

٣٦٥

وإذا كانت هذه الآية نازلة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عندما احترق قلبُه على عمّه سيّد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ، الذي بقروا بطنه ، وأكلوا كبده ، وقطعوا مذاكيره ، اغتاظ رسول الله عندما رأى عمّه على تلك الحال وقال : « لئن مكّنني الله منهم لأمثلنّ بسبعين » (١) فنزلت عليه الآية فقال : « صبرتُ يا ربّ ». وعفى عن وحشي قاتل عمّه ، وهند التي مثلّت بجسده الطّاهر وأكلت كبده ، وهذا هو خُلق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وممّا يدلّك على فظاعة الرواية ، وأن الرّاوي نفسه استفظعها فأردف يقول : قال قتادة : فحدّثني محمّد بن سيرين أنّ ذلك كان قبل أن تنزل الحدود (٢) ، ليبرّر فعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، فحاشى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحكم

____________

(١) المعجم الكبير للطبراني ٣ : ١٤٣ ، لباب النقول للسيوطي : ١٢١ ، زاد المسير لابن الجوزي ٤ : ٣٧٠.

(٢) وأضافوا : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك فأنزل : ( إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ ... ) ( نيل الأوطار للشوكاني ٧ : ٣٣١ ).

واعترض في كشف الجاني : ١٣٧ على المؤلّف بأنّ مسلماً روى في صحيحه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك لأنّهم فعلوا براعيه ذلك.

وهذا الاعتراض غير صحيح; لأن الله سبحانه وتعالى وصف نبيّه بأنّه على خلق عظيم ، وأنّه رؤوف رحيم وهو في مكة في بدايات البعثة ، فكيف يأتي ويعاقب هذه المعاقبة الشنيعة عدّة أشخاص; لأنّهم قتلوا شخصاً واحداً؟ فأين رأفته وأين رحمته؟!

وكذلك استدلّ بآية : ( إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا .. ) على جواز فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٦٦

من عند نفسه قبل أن يبيّن له ربُّه ، وإذا كان في المسائل الصغيرة لا يحكم حتى ينزل عليه الوحي ، فما بالك في الدّماء والحدود؟

وأنّه لمن اليسير جدّاً على من يتأمّل في ذلك ليعرف أنّها روايات موضوعة من جهة الأموّيين وأتباعهم; ليرضوا بها الحكّام الذين لا يتورّعون عن قتل الأبرياء على الظنّ والتهمة ، ويمثّلون بهم أشنع التمثيل.

____________

وهذا الكلام لا يصدر إلاّ ممّن لم يقرأ كتب الحديث والتفسير ، ولم يطلع عليها مرّة واحدة; لأنّ المفسّرين والمحدّثين رووا أنّ هذه الآية وهي في سورة المائدة الآية ٣٣ نزلت بعد معاقبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهؤلاء ، وفيها عتاب من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا الفعل ، فكيف يستدلّ بها على صحة فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!

حتى إنهم ذكروا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعد لهذا الفعل بعد نزول الآية ، وارجع إلى سنن أبي داود ح ٤٣٦٢ ، سنن النسائي ح ٣٥٠٥ ، تفسير القرطبي ٦ : ١٤٩.

فهذا الكلام يردّه كلام المحدّثين والمفسرين على السواء; لأنّهم يصرّحون بأنّ الآية نزلت بعد فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن تنزل الحدود ، فكيف يستدلّ بها صاحب كتاب كشف الجاني على صحة الرواية؟!

وثانياً : إنّ آية القصاص التي استدلّ بها صاحب كشف الجاني على تصحيح رواية البخاري ومسلم ليس فيها سمل الأعين ، فما هو المبرّر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمل عيونهم مع عدم ورود الترخيص به؟!

وثالثاً : إنّ هناك روايات تصرّح بأنّ هذه الآية نازلة في الكفّار ، والمفروض أنّ هؤلاء مسلمين لا يجوز أن يطبق عليهم ما على الكفار.

ولأجل استبشاع هذا الفعل ذهب بعضهم إلى أنّ هؤلاء ارتدوا وخرجوا عن الإسلام ( فتح الباري ١٠ : ١٧٥ ) ، لكن هذا أيضاً لا يدفع بشاعة الرواية; لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحمة للعالمين فكيف يتصوّر صدور هذا الفعل منه حتى لو كان مع كفار مشركين!!

٣٦٧

والدّليل على ذلك ما جاء في ذيل الرواية نفسها التي أخرجها البخاري يقول : « قال سلامٌ : فبلغني أنّ الحجّاجَ قال لأنس : حدّثني بأشدِّ عقوبة عاقَبَها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحدّثُه بهذا ، فبلغ الحسن فقالَ : وددتُ أنّه لم يحدّثْهُ بهذا » (١).

ويُشَمُّ من الرواية رائحة الوضع لإرضاء الحجّاج الثّقفي الذي عاث في الأرض فساداً ، وقتل من شيعة أهل البيت آلاف الأبرياء ، ومثّل بهم ، فكان يقطع الأيدي والأرجل ، ويسمل الأعين ، ويخرج الألسن من القفا ، ويصلب الأحياء حتى يحترقوا بالشمس ، ومثل هذا الرواية تبرّر أعماله ، فهو إنّما يقتدي برسول الله ، ولكم في رسول الله أُسوة حسنة!! فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

ولذلك تفنّن معاوية في التّنكيل والتمثيل بالمسلمين الذين كانوا شيعة لعلي ، فكم أحرق بالنار ، وكم دفن أحياء ، وكم صلب على جذوع النخل ، ومن الفنون التي ابتكرها وزيره عمرو بن العاص أنّه مثل بمحمّد بن أبي بكر ، والبسه جلد حمار وقذف به في النار!!

ولتبرير مجونهم وكثرة شغفهم بالجواري والنّساء إليك ما يلي :

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّ الجماع

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الغسل ، باب إذا جامع ثمّ عادَ ، ومنْ دارَ على نسائه في غُسل واحد.

قال : حدّثنا معاذ بن هشام ، قال : حدّثني أبي عن قتادة ، قال : حدّثنا أنس

____________

(١) صحيح البخاري ٧ : ١٣ كتاب الطب باب الدواء بالبان الابل.

٣٦٨

ابن مالك ، قال : كان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُدورُ على نسائه في السّاعة الواحدة من الليل والنّهار وهنّ إحْدَى عشرة ، قال : قلتُ لأنس : أو كَان يُطيقُه؟ قال : كنّا نتحدث أنَّهُ أعطِي قوَّةَ ثلاثين ...

إنّها رواية موضوعة للنيل من عظمة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يبرّروا بلاط الرّشيد ، وأفعال معاوية ويزيد الماجن! ومن أين لأنس بن مالك أن يعرف بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجامع إحدى عشرة زوجة في ساعة واحدة ، فهل أعلمه الرّسول بذلك ، أم أنّه كان حاضراً؟ ومن أين له أنّه أعطي قوّة ثلاثين؟ .. أعوذ بالله من قول الزّور (١).

____________

(١) وذكر عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني : ١٣٨ أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يطوف على نسائه بالحلال لا المتعة طعناً منه بالشيعة; لأنّهم يجوّزون المتعة ، وبما أنّها حرام ـ حسب زعمه ـ فالشيعة إذن يحلّلون الحرام.

وهذا من جهله وعدم اطّلاعه على الحكم الشرعي للمتعة ، إذ تقدّم منّا في كتاب « لأكون مع الصادقين » بيان حال المتعة ، وأنّها حلال وتوفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة تفعلها ، وكذلك في زمن أبي بكر فعلتها الصحابة إلى أن جاء عمر ونهى عنها وعاقب على فعلها ، ولأجل الاختصار ننقل هنا كلام بعض علماء أهل السنّة ـ وأحدهم سلفي ـ يقرون بأنّ عمر هو المحرّم لها :

(١) قال ابن القيّم الجوزية في كتاب « زاد المعاد » ٣ : ٤٦٣ : « فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله وأبي بكر حتى نهانا عنها عمر في شأن عمرو بن حريث ، وفيما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما; متعة النساء ، ومتعة الحج ».

فهذا تلميذ ابن تيميّة وحافظ مدرسته يصرّح بأنّ عمر هو المحرّم للمتعة ، وأنّ ذلك مروي في الصحيح ( صحيح مسلم ).

٣٦٩

____________

(٢) قال السيوطي في تاريخ الخلفاء ١٠٧ : « فصل : في أوليات عمر ( رضي الله عنه ) قال : قال العسكري : هو أوّل من سُمّي أمير المؤمنين .. وأوّل من حرّم المتعة .. ».

(٣) وقال السرخسي في المبسوط ٤ : ٢٧ : « ... قد صحّ أنّ عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ نهى الناس عن المتعة ، فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهما; متعة النساء ، ومتعة الحجّ ».

وذكر صاحب كتاب كشف الجاني بأنّ هذه الرواية موجودة في كتب الشيعة ـ أيضاً ـ وهو غفلة منه وجهل فظيع ، لأنّ الرواية أولاً ضعيفة السند عندنا ، وهو واضح عند مراجعة سند الرواية بأدنى تأمّل; لأنّ فيها جهالة ، بخلاف الرواية التي نقلها المؤلّف فهي من صحيح مسلم.

وثانياً : إنّ الوارد في الرواية التي عندنا أنّه كان يذهب إلى نسائه ويتفقدهن لا أنّه يجامعهن كما صرح الشهيد الثاني بذلك ، بخلاف رواية مسلم فإنّه يصرح بأنّه كان يجامعهن.

وذكر صاحب كشف الجاني أيضاً رواية تقبيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجه فاطمة سلام الله عليها وقال : كيف يضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجهه بين ثدييها؟

وهو كلام باطل وذلك :

أولاً : الرواية مرسلة كما هو واضح نقلها صاحب البحار ناسباً لها إلى الإمام الصادق عليه‌السلام من دون ذكر سند ، وهذا لا يخفى على من يدّعي دارسة علم الحديث.

ثانياً : إنّه كان ينظر إلى فاطمة سلام الله عليها وفاطمة هي ابنته ، فهل رفع عثمان الخميس الحسّ الأبوي والعاطفة الأبوية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بحيث جعله أسوأ الآباء ـ والعياذ بالله ـ ، مصوراً للقارئ بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخص لا حياء له ـ والعياذ بالله ـ بحيث حتى النظر إلى ابنته نظر ...

وثالثاً : إنّ النظر إلى الوجه والتقبيل يلازم عادة أن تكون الابنة مواجهة لابيها بواجهة جسمها ، فعليه تكون المسألة طبيعية ناشئة من خلق الله سبحانه وتعالى

٣٧٠

____________

للإنسان ، لكن أنّى لهؤلاء السلفية إدراك ذلك ، وإدخاله في عقولهم!!

وهذا من آثار القصور الخاطئ لشخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذهن عثمان الخميس وأسلافه ، إذ تصوّروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخص جنسي لا هم له إلاّ ذلك ، بحيث يركض وراء عائشة ، ويغتسل معها ، ويلطم على عروسه ، ويؤخّر الناس عن الصلاة لأجلها .. وغير ذلك من الروايات الخرافيّة التي دسّها اليهود والأمويّون.

وأمّا ما ذكره بشأن الرضيعة وأنّ الشيعة تجوّز نكاحها ، فهو افتراء وقذف للتهم على الغير ، سيراً على منهج سلفه ، وهذه كتب الشيعة قاطبة تصرّح بعدم جواز نكاح الرضيعة ، وعثمان الخميس يكتب أشياء وهو لا يعرف معناها ، وينقلها بصورة مشوهة.

وإذا رجعنا إلى كتب أهل السنّة وجدنا أنّ علماءهم يجوّزون نكاح الصبيّة ، وإليك بعض كلماتهم :

(١) قال الإمام النووي : « يجوز وقف العبد والجحش والصغيرين والزمن الذي يرجى زوال زمانته ، كما يجوز نكاح الرضيعة » روضة الطالبين ٥ : ٣١٤.

(٢) قال السرخسي : « عرضية الوجود بكون العين منتفعاً بها تكفي لانعقاد العقد ، كما لو تزوّج رضيعة صحّ النكاح باعتبار أنّ عرضية الوجود فيما هو المعقود عليه وهو ملك الحلّ يقام مقام الوجود » المبسوط ١٥ : ١٠٩.

(٣) قال ابن قدامة : « فأمّا الصغيرة التي لا يوطأ مثلها ، فظاهر كلام الخرقي تحريم قبلتها ومباشرتها لشهوة قبل استبرائها ، وهو ظاهر كلام أحمد ، وفي أكثر الروايات عنه تستبرأ وإن كانت في المهد.

وروي عنه أنّه قال : إن كانت صغيرة بأيّ شي تستبرأ وإذا كانت رضيعة؟

وقال في رواية أُخري تستبرأ بحيضة إذا كانت ممّن تحيض ، وإلاّ بثلاثة أشهر إن كانت ممّن توطأ وتحبل.

وظاهر هذا أنّه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها ، وهذا اختبار ابن أبي موسى وقول مالك وهو الصحيح; لأنّ سبب الإباحة متحقق » المغني ٩ / ١٦٠.

٣٧١

إنّها جنايات بحقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قضى حياته جهاداً وعبادة ، وتدريساً وتعليماً لأُمّته.

وماذا يعتقد هؤلاء الجهلة عندما يروون مثل هذه الخزايات ، وكأنّهم وحسب عقلياتهم المتنجّسة بالشّهوات البهيمية ، أنّهم كانوا يفتخرون على أترابهم بكثرة الجماع وقوّة النكاح ، وفي الحقيقة فهي روايات وضعتْ للنّيل من قدسيّة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثانياً لتبرير مُجون الحكّام والخلفاء الذين امتلأت قصورهم بالجواري والنّساء بلا حدود لأنّها ملك يمين!!

وماذا يقول أنس بن مالك راوي هذا الحديث إذا ما عارضته أُمّ المؤمنين عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتي كانت تقول بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كغيره من الرّجال في شأن الجماع.

فقد أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الطهارة في باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين. عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن أُمّ كلثوم ، عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : إنّ رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الرجُل يُجامِعُ أَهْلَهُ ثُم يُكْسِلُ ، هل عليهما الغُسْلُ؟ وعائِشة جالسة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي لأفعل ذلِكَ أنَا وهذهِ ثُمَّ نَغْتَسِلَ.

ثمّ يضيف شارح الحديث على هامش صحيح مسلم قوله ثم يكسِلُ معناه في المصباح : « أكسل المجامع بالألف إذا نزع ولم ينزل ، ضعفاً كان أو غيره » ، فأين هذا من أنّه أُعطِي قوّة ثلاثين؟

____________

إلى غير ذلك من الكلمات الكثيرة التي طفحت بها كتب أهل السنّة ، فالأحرى بعثمان الخميس وغيره ملاحظة كتبهم قبل التهجم على غيرهم.

٣٧٢

وهذه الرواية هي الأُخرى من وضع الوضّاعين ، قاتلهم الله وضاعف لهم العذاب الأليم ، وإلاّ كيف يقبل عاقل مثل هذه الروايات عن صاحب الرسالة الذي ذهب عنه الحياء ، فيقول للرجال بحضرة زوجته ما يَستحيي المؤمن العادي أن يقول مثله؟!!

ولتبرير الغناء والرّقص الذي اشتهر في عهد الأمويين إليك ما يلي :

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتفرّج على الرقص ويستمع للغناء

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النكاح ، باب ضرب الدفّ في النكاح والوليمة ، قال :

حدّثنا بشر بن المفضّل ، حدّثنا خالد بن ذكوان ، قال : قالت الربيع بنتُ مُعوّذ بن عفراءَ : جاء النبىُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخَلَ حينَ بُنيَ علىَّ ، فجلسَ على فراشِي كمجلسك مِنّي ، فجعلتْ جُويرياتٌ لنا يضربن بالدَّف ، ويندبن من قتل من آبائي يومَ بدْر ، إذ قالتْ إحْدَاهُنَّ : وفينا نبىٌّ يعلَمُ مَا في غَد ، فقال : دَعِي هذه وقولي بالذي كُنتِ تقولين.

كما روى البخاري في صحيحه من كتاب الجهاد باب الدرق ، وكذلك مسلم في صحيحه في كتاب صلاة العيدين ، باب الرخصة في اللّعب الذي لا معصية فيه ، عن عائشة قالتْ :

دخل عليَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعندي جاريتان تُغنّيان بغناء بُعاثَ ، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، فدخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند رسول الله ، فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : دعهما ، فلمّا غفل غمزتهما فخرجَتَا.

٣٧٣

وقالت : كان يوم عيد يلعبُ السودان بالدّرق والحراب ، فإمّا سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمّا قال : تشتهين تنظُرينَ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءَهُ خدِّي على خدِّهِ ويقول : دُونكم يا بني أرفدة ، حتّى إذا مَلِلْتُ قال : حسْبُك؟ قلت : نعم. قال : اذهبي.

كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النّكاح ، باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة :

قالت عائشة : رأيت النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستُرني بردائهِ ، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبُونَ في المسجدِ ، حتّى أكون أنا الذي أسأَمُ فاقدروا قدْرَ الجارية الحديثةِ السنّ الحريصة على اللَّهوِ.

كما روى مسلم في صحيحه كتاب صلاة العيدين ، باب الرخصة في اللّعب عن عائشة قالت : جاء حبش يزفنون في يوم عيد ( أي يرقصون ) في المسجد فدعاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوضعت رأسي على منكبيه فجعلتُ أنظر إلى لعبهم ، حتّى كنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم.

كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النّكاح ، باب ذهاب النّساء والصبيان إلى العرس :

عن أنس بن مالك قال : أبصرَ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءً وصبياناً مُقبلينَ من عُرْس ، فقام ممتنّاً فقال : اللّهم أنتُم من أحبّ النّاس إلىّ.

يقول شارح البخاري : ممتنّاً معناه قام مسْرعاً مشتدّاً في ذلك فرحاً بهم (١).

____________

(١) فتح الباري ٩ : ٢٠٣.

٣٧٤

ولتبرير معاقرة الخمر المسكرات إليك ما يلي :

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشرب النّبيذ

روى البخاري في صحيحه كتاب النّكاح ، في باب قيام المرأة على الرّجال في العرس وخدمتهم بالنّفس ، وكذلك في باب النّقيع والشراب الذي لا يسكِرُ في العرس :

عن أبي حازم عن سهل ، قال : لمّا عرّسَ أبو أسيد الساعدي دعا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابَهُ ، فما صنع لهم طعاماً ولا قرّبه إليهم إلاّ امرأتُهُ أمُّ أسيد ، بَلَّتْ تمرات في تور من حجارة من اللَّيل ، فلمَّا فرغ النّبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الطَّعام أمَاثَتْهُ له فسقَتْهُ إيَّاهُ تُتْحِفُهُ بذلك.

وممّا يدلّك على أنّهم يقصدون بهذه الرواية أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرب النبيذ ، إذ لعلّ المراد هو غير النبيذ المعروف ، وإنّما هي عادة كانت لدى العرب وهي وضع تمرات في الماء لتذهب رائحة الماء ، فهو ليس النبيذ الحقيقي ، وبعضهم يرى صحة استعماله; فقد أخرج مسلم هذه الرواية في صحيحه من كتاب الأشربة باب إباحة النّبيذ الذي لم يشدّد ولم يصر مُسكراً ، ومن هنا بدأ شرب النّبيذ ، وذهب الحكّام إلى إباحة الخمر بدعوة أنّها حلال ما لم تسكر.

ولتبرير الإباحية التي كان عليها الأمويون والعباسيون إليك ما يلي :

النبي والابتذال!

روى البخاري في صحيحه في كتاب الحجّ ، باب الزيارة يوم النّحر ، عن عائشة قالت : حججنَا مع النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأفضنا يوم النَّحرِ فحاضت صفِيَّةُ ،

٣٧٥

فأرَادَ النبىُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ما يُريدُ الرّجل من أهْلِهِ ، فقُلتُ : يا رسول الله إنَّهَا حَائِضٌ.

عجباً لهذا النبي الذي يحبُّ مجامعة زوجة على مشهد وعلم من زوجته الأُخرى ، فتعلمه بأنّها حائض ، بينما لا تعلم المعنية بالأمر من ذلك شيئاً؟!

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستحي!

كما روى مسلم في صحيحه ، كتاب الفضائل،باب فضائل عثمان بن عفان قال :

عن عائشة زوج النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعثمان ، حدّثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مضطجع على فراشه لابسٌ مِرْطَ عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو على تلك الحال ، فقضى إليه حاجته ثمّ انصرف.

قال عثمان : ثمّ استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال ، فقضى إليه حاجته ثمّ انصرف ، قال عثمان : ثم استأذنتُ عليه ، فجلس وقال لعائشة : أجمعي عليك ثيابك ، فقضيتُ إليه حاجتي ثمّ انصرفتُ ، فقالت عائشة : يا رسول الله ما لي لم أرك فزعتَ لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعتَ لعثمان؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ عثمان رجلٌ حَييٌّ ، وإنّي خشيتُ إن أذنتُ له على تلك الحال أن لا يبلغَ إلىَّ في حاجته.

أيّ نبّي هذا الذي يستقبل أصحابه وهو مضطجع في مرط زوجته على فراشه ، وبجانبه زوجته في لباس مبتذل ، حتى إذا جاء عثمان جلس وأمر زوجته بان تجمع عليها ثيابها؟!!

٣٧٦

النّبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكشف عورته!

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة ، باب كراهية التعرّي في الصّلاة ، وكذلك أخرج مسلم في كتاب الحيض ، باب الاعتناء بحفظ العورة :

عن جابر بن عبد الله : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينقُل معهم الحجارة للكعبة ، وعليه إزارهُ ، فقال له العبّاس عمّه : يا بن أخي ، لو حللتَ إزارَكَ فجعلتَهُ على منكبيك دونَ الحجارةِ ، قالَ : فَحَلَّهُ فجعله على منكبيهِ ، فسقطَ مغْشِيّاً عليه ، فَمَا رُئيَ بعد ذلكَ عرياناً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أُنظر أيها القارئ إلى الاتّهامات المزوّرة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي جعل الحياء من دعائم الإيمان ، والذي كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها!! ولم يكتفوا برواية الابتذال وكشف فخذيه أمام أصحابه ، حتّى اتّهموه بكشف عورته بهذه الرّواية الموضوعة ، فهل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم أبله إلى هذه الدرجة ، فيسمع إلى كلام عمّه ويكشف عن سوأته أمام الناس؟!

استغفر الله العظيم من أقوال الشياطين الأبالسة الذين يتقوّلون على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لم يرَ أزواجه وأقرب الناس إليه عورتَه ، والذي يبيحُ الشرع له أن يكشف عورته لهن ، ومع ذلك فإنّ أُمّ المؤمنين عائشة تقول : « ما نظرتُ وما رَأيتُ فرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطٌّ » (١).

فإذا كان هذا فعله مع زوجاته اللاتي كنّ يغتسلن معه في إناء واحد ،

____________

(١) سنن ابن ماجه ١ : ٢١٧ ح ٦٦٢ ، مسند أحمد ٦ : ١٩ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٢٩.

٣٧٧

فيستر عورته عنهن ، وما رأينه عرياناً أبداً ، فكيف مع أصحابه والنّاس عامّة؟!

نعم ، كلّ ذلك من وضع خنافس الأمويين الذين كانوا لا يتورّعون عن أيّ شيء ، وإذا كان الخليفة منهم ـ وهو أمير المؤمنين ـ يطربُ لقول شاعر من الشعراء الذي ينشده قصيدة في الغزل ، فيقوم إليه ويكشف عورته ويقبّل قضيبه!! فلا غرابة بعدها أن يكشفوا عورة النبىّ ، وقد تفشّى منهم هذا المرض النفسي ، وأصبح اليوم أمراً عاديّاً عند بعض المستهترين الذين لا يقيمون وزناً للأخلاق والحياء ، فأصبح هناك نوادي ومجاميع لِلْعُرَاة في كلّ مكان ، يجمع النساء والرجال تحت شعار : ( ربَّنا هَا نحنُ كما خلقتنَا ).

ولتبرير تلاعبهم بالدِّين وبالأحكام الشرعية إليك ما يلي :

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسهو في صلاته

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأدب ، باب ما يجوز من ذكر النّاس ، وأخرج مسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصّلاة ، في باب السهو في الصلاة والسجود له :

عن أبي هريرة ، قال : صلّى بنا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظّهْر ركعتين ، ثمّ سلّم ، ثمّ قامَ إلى خشبة في مقدّم المسجد ووضع يده عليها ، وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلّماه ، وخرج سرعانُ النَّاس فقالوا : قَصُرتِ الصّلاةُ ، وفي القوْمِ رَجُلٌ كان النبىُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوه ذا اليدين ، فقال : يا نبىَّ الله أنَسيتَ أم قَصُرَتْ؟ فقال : لم أنْسَ ولم تقصرْ ، قالُوا : بل نسيت يا رسول الله ، قال : صدق ذو اليدينِ ، فقام فصلَّى ركعتين ثمّ سلّم ، ثمّ كبّر فسجدَ مثلَ سجوده أو أطولَ ،

٣٧٨

ثمّ رفع رأسَهُ وكبَّر ، ثمّ وضع مثل سجوده أو أطولَ ، ثمّ رفَع رأسه وكبَّر.

حاشا رسول الله أن يسهو في صلاته ولا يدري كم صلّى ، وعندما يقال له بأنّه قصّر من الصلاة يقول : « لم أنْسَ ولم تقصر »!! إنّه الكذب لتبرير فعل خلفائهم الذين كانوا كثيراً ما يأتون إلى الصّلاة وهم سكارى فلا يدرون كم يصلّون ، وقصّة أميرهم الذي صلّى بهم صلاة الصبح أربع ركعات ، ثمّ التفت إليهم وقال : أزيدكم أو يكفيكم؟ مشهورة في كتب التاريخ (١).

كما أخرج البخاري في صحيحه كتاب الأذان ، في باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام ، قال عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، قال : نمتُ عند ميمونة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها تلك الليلة ، فتوضّأ ثمّ قامَ يُصلِّي ، فقُمتُ عن يسارهِ ، فأخذني فجعلني عن يمينه ، فصلّى ثلاث عشرة ركعة ، ثمّ نام حتّى نَفَخ ، وكان إذا نامَ نَفَخَ ، ثُمَّ أتاه المؤذّنُ فخرجَ فصلَّى ولم يتوضّأ.

قال عمرو : فحدّثت به بُكَيْراً ، فقال : حدَّثَني كُرِيبٌ بذلك.

وبمثل هذه الرّوايات المكذوبة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يستخِفُّ الأُمراء والسّلاطين من بني أُمية وبني العبّاس وغيرهم بالصَّلاة وبالوضوء وبكلّ شيء ، حتى أصبح المثل شائعاً عندنا « صلاة القيَّادْ في الجمعة والأعيادْ ».

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحلف ويحنث

روى البخاري في صحيحه في كتاب المغازي قصّة عمان والبحرين ،

____________

(١) السنن الكبرى للنسائي ٣ : ٢٤٨ ح ٥٢٦٩ ، أُسد الغابة ٥ : ٩١ ، تهذيب الكمال للمزي ٣١ : ٥٧ ، سير أعلام النبلاء للذهبي ٣ : ٤١٤ ، ٦ : ٤١٤ ، وهو حديث صحيح.

٣٧٩

باب قدوم الأشعريّين وأهل اليمن :

عن أبي قلابة عن زَهْدَم قال : لمّا قدم أبو موسى أكرم هذا الحىَّ من جَرْم ، وإنّا لجلوسٌ عنده وهو يتغدّى دجاجاً وفي القوم رجلٌ جالسٌ ، فدعَاهُ إلى الغَدَاءِ فقال : إنّي رأيتُهُ يأكل شيئاً فقذرتُهُ ، فقال : هَلُمَّ فإنّي رأيتُ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكُلُهُ ، فقال : إنّي حَلفْتُ لا آكُلُهُ.

فقال : هلمّ أخبرك عن يمينِكَ ، إنَّا أتينَا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفَرٌ من الأشعريين ، فاستحملناهُ فأبَى أنْ يَحْمِلَنَا ، فاستحملناهُ فحلَفَ أنْ لا يحملنا ، ثمّ لم يلبثْ النبىُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أُتِيَ بنهب إبل فأمَر لنا بخمسِ ذود ، فلمّا قبضناها قلنَا : تغفَّلْنَا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمينَهُ لا نُفْلِح بعدها أبداً ، فأتيتُه فقلت : يا رسول الله إنّك حلفت أن لا تحمِلْنَا وقدْ حَملتَنا ، قالَ : أجَلْ ، ولكنْ لا أحلفُ على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ أتيتُ الذي هو خيرٌ منها.

أُنظر إلى هذا النبىّ الذي بعثه الله سبحانه ليعلّمَ النّاس الحفاظ على الأيمان ولا ينقضوها إلاّ بكفّارة ، ولكنّه هو يأمر بالشيء ولا يأتيه ، قال تعالى : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ أوْ كِسْوَتُهُمْ أوْ تَحْرِيرُ رَقَبَة فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أيَّام ذَلِكَ كَفَّارَةُ أيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) ، وقال أيضاً : ( وَلا تَنقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ) (٢) ، ولكنّ هؤلاء لم يتركوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضلا ولا فضيلة.

____________

(١) المائدة : ٨٩.

(٢) النحل : ٩١.

٣٨٠