فاسألوا أهل الذّكر

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

فاسألوا أهل الذّكر

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-14-5
الصفحات: ٤٨٥

جاؤوا بهم إلى عائشة فأمرتْ بقتلهم ، فذبحوهم كما يذبح الغنم ، وقيل : كانوا أربعمائة رجل يقال : إنّهم أوّل قوم من المسلمين ضربتْ أعناقهم صبراً (١).

روى الشعبي ، عن مسلم بن أبي بكرة ، عن أبيه قال : لمّا قدم طلحة والزبير البصرة ، تقلّدتُ سيفي وأنا أُريد نصرهما ، فدخلتُ على عائشة فإذا هي تأمُرُ وتنهي وإذا الأمر أمرها ، فتذكّرت حديثاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنت سمعته يقول : « لن يفلح قوم تدبّر أمرهم امرأة » فانصرفت عنهم واعتزلتهم (٢).

كما أخرج البخاري عن أبي بكرة قوله : لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل ، لمّا بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ فارساً ملّكوا ابنة كسرى قال : « لن يفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة » (٣).

ومن المواقف المُضحكة والمبكية في آن واحد أنّ عائشة أُمّ المؤمنين تخرج من بيتها عاصية لله ولرسوله ، ثمّ تأمر الصّحابة بالاستقرار في بيوتهم ، إنّه حقّاً أمرٌ عجيب!!

فكيف وقع ذلك يا ترى؟

روى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة وغيره من المؤرّخين : إنّ عائشة كَتبتْ ـ وهي في البصرة ـ إلى زيد بن صوحان العبدي رسالة تقول له فيها : من عائشة أُمّ المؤمنين بنت أبي بكر الصدّيق زوجة

____________

(١) راجع : أنساب الأشراف : ٢٢٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ٣٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٨ : ٩٧ كتاب الفتن ، سنن الترمذي ٣ : ٣٦ ، البداية والنهاية ٢ : ٢٦.

١٦١

رسول الله ، إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان ، أمّا بعد فأقم في بيتك ، وخذّل الناس عن ابن أبي طالب ، وليبلغني عنك ما أحبّ ، إنّك أوثق أهلي عندي ، والسّلام.

فأجابها هذا الرجل الصالح بما يلي : من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر ، أمّا بعد; فإنّ الله أمركِ بأمر ، وأمرنَا بأمر ، أمركِ أن تقرّي في بيتكِ ، وأمرنا أن نجاهدَ ، وقد أتاني كتابك تأمريني أن أصنعَ خلاف ما أمرني الله به ، فأكون قد صنعتُ ما أمرك الله به ، وصنعتِ أنتِ ما به أمرني ، فأمْركِ عندي غير مطاع ، وكتابُك لا جواب له (١).

وبهذا يتبيّن لنا بأنّ عائشة لم تكتفِ بقيادة جيش الجمل فقط ، وإنّما طمحتْ في إمرة المؤمنين كافّة في كلّ بقاع الأرض ، ولكلّ ذلك كانت هي التي تحكم طلحة والزبير اللذين كانا قد رشّحهما عمر للخلافة ، ولكلّ ذلك أباحتْ لنفسها أنْ تراسل رؤساء القبائل والولاة وتُطمِعُهم وتستنصِرُهم.

ولكلّ ذلك بلغتْ تلك المرتبة وتلك الشّهرة عند بني أُميّة ، فأصبحتْ هي المنظور إليها والمُهابة لديهم جميعاً ، والتي يُخشى سطوتها ومعارضتها ، فإذا كان الأبطال والمشاهير من الشجعان يتخاذلون ويهربون من الصفِّ إزاء علي ابن أبي طالب ولا يقفون أمامه ، فإنّها وقفتْ وألّبتْ واستصرختْ واستفزّت.

ومن أجل هذا حيّرتْ العقول ، وأدهشتْ المؤرّخين الذين عرفوا مواقفها في حرب الجمل الصغرى قبل قدوم الإمام علي ، وفي حرب الجمل الكبرى بعد مجي الإمام علي ودعوتها لكتاب الله ، فأبت وأصرّت على الحرب في

____________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٢٦ ، تاريخ الطبري ٣ : ٤٩٢.

١٦٢

عناد لا يمكنُ تفسيره إلاّ إذا عرفنا عمق وشدّة الغيرة والبغضاء التي تحملها أُمّ المؤمنين لأبنائها المخلصين لله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

تحذير النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عائشة وفتنتها

لقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدركُ عمق وخطورة المؤامرة التي تُدار حوله من جميع جوانبها ، ولا شكّ بأنّه عرف ما للنساء من تأثير وفتنة على الرّجال ، كما أدرك بأنّ كيدهن عظيم تكاد تزول منه الجبال.

وعرف بالخصوص بأنّ زوجته عائشة هي المؤهلة لذلك الدور الخطير ، لما تحمله في نفسها من غيرة وبغض لخليفته علي خاصة ، ولأهل بيته عامّة ، كيف وقد عاش بنفسه أدْواراً من مواقفها وعداوتها لهم ، فكان يغضب حيناً ، ويتغير وجهه أحياناً ، ويحاول اقناعهم في كلّ مرّة بأنّ حبيب علي هو حبيب الله ، والذي يبغض عليّاً هو منافق يبغضهُ الله.

ولكن هيهات لتلك الأحاديث أن تغوص في أعماق تلك النّفوس التي ما عرفتْ الحقّ حقّاً إلاّ لفائدتها ، وما عرفت الصّواب صواباً إلاّ إذا صدر عنها.

ولذلك وقف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا عرف بأنّها هي الفتنةُ التي جعلها الله في هذه الأُمّة; ليبتليها بها كما ابتلى سائر الأُمم السّابقة ، قال تعالى : ( ألم * أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) (١).

وقد حذّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُمّته منها في مرّات متعدّدة ، حتى قام في يوم من الأيام واتّجه إلى بيتها وقال : « ههنا الفتنة ، ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان » ، وقد أخرج البخاري في صحيحه في باب ما جاء في بيوت

____________

(١) العنكبوت : ١ ـ ٢.

١٦٣

أزواج النبي ، قال : عن نافع ، عن عبد الله ( رضي الله عنه ) ، قال : قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال : « ههنا الفتنة ـ ثلاثاً ـ من حيث يطلع قرن الشيطان » (١).

كما أخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن عكرمة بن عمّار ، عن سالم ، عن ابن عمر قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيت عائشة ، فقال : « رأس الكفر من ههنا من حيث يطلعُ قرنُ الشيطان » (٢).

ولا عبرة بالزّيادة التي أضافوها بقولهم : يعني المشرق ، فهي واضحة الوضع; ليخفّفوا بها عن أم المؤمنين ، ويبعدوا هذه التهمة عنها.

وقد جاء في « صحيح البخاري » أيضاً ، قال : لما سارَ طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ، بعث علي عمّار بن ياسر وحسن بن علي ، فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر ، فكان الحسنُ بن علي فوق المنبر في أعلاه ، وقام عمّار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه ، فسمعتُ عمّاراً يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ، ووالله إنّها لزوجة نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلَم إيّاه تطيعون أمْ هي (٣).

الله أكبر ، فهذا الخبر يدلّ ـ أيضاً ـ أنّ طاعتها معصية لله ، وفي معصيتها هي والوقوف ضدّها طاعةً لله.

كما نلاحظ أيضاً في هذا الحديث أنّ الرواة من بني أُميّة أضافوا عبارة

____________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٤٦ كتاب الخمس ، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٤ : ٤٦.

(٢) صحيح مسلم ٨ : ١٨١ ، كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب الفتنة من المشرق.

(٣) صحيح البخاري ٨ : ٩٧ كتاب الفتن.

١٦٤

« والآخرة » ، في : ( أنها لزوجة نبيّكم في الدنيا والآخرة ) ليموّهوا على العامّة بأنّ الله غفر لها كلّ ذنب اقترفتْهُ ، أدخلها جنّته ، وزوجها حبيبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلاّ من أين عَلِمَ عمَّار بأنّها زوجته في الآخرة؟

وهذه هي آخر الحيل التي تفطّن لها الوضّاعون من الروّاة في عهد بني أُميّة ، عندما يجدون حديثاً جرى على ألسنة النّاس فلا يمكنهم بعدُ نكرانه ولا تكذيبه ، فيعمدون إلى إضافة فقرة إليه أو كلمة أو تغيير بعض ألفاظه; ليخفّفوا من حدّته أو يُفْقدوه المعنى المخصوص له ، كما فعلوا ذلك بحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » الذي أضافوا إليه : وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها!!

وقد لا يخفى ذلك على الباحثين المنصفين ، فيبطلون تلك الزيادات التي تدلّ في أغلب الأحيان على سخافة عقول الوضّاعين ، وبُعدهم عن حكمة ونور الأحاديث النبويّة ، فيلاحظون أنّ القول بأنّ أبا بكر أساسها ، معناه أنّ علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّه من علم أبي بكر ، وهذا كفْرٌ. كما أنّ القول بأنّ عمر حيطانها ، فمعناه بأنّ عمر يمنع الناس من الدخول للمدينة ، أعني يمنعهم من الوصول للعلم ، والقول بأن عثمان سقفها ، فباطل بالضرورة; لأنه ليس هناك مدينة مسقوفة وهو مستحيل.

كما يلاحظون هنا بأنّ عمّاراً يقسم بالله على أنّ عائشة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدنيا والآخرة ، وهو رجم بالغيب ، فمن أين لعمّار أن يقسم على شيء يجهله؟ هل عنده آية من كتاب الله ، أم هو عهد عهده إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

١٦٥

فيبقى الحديث الصحيح هو إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة ، وإنّها لزوجة نبيّكم ، ولكنّ الله ابتلاكم بها ليعلم إيّاه تُطيعون أم هي.

والحمد لله ربّ العالمين على أن جعل لنا عقولا نُميّزُ بها الحقّ من الباطل ، وأوضح لنا السبيل ، ثمّ ابتلانا بأشياء عديدة لتكون علينا حجّةً يوم الحساب.

خاتمة البحث

والمهمّ في كلّ ما مرّ بنا من الأبحاث ـ وإن كانت مختصرة ـ أنّ عائشة بنت أبي بكر أُمّ المؤمنين وزوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم تكن معدودة من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، والذين عصمهم الله من كلّ الذّنوب ، وطَهّرهم من كلّ رجس ، فأصبحوا بعد ذلك معصومين.

ويكفي عائشة أنّها قضت آخر أيّام حياتها في بكاء ونحيب وحسرة وندامة ، تذكر أعمالها فتفيض عيناها ، ولعلّ الله سبحانه يغفر لها خطاياها ، فهو وحده المطّلع على أسرار عباده ، والذي يعلم صدق نواياها ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فلا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السّماء.

وليس لنا ولا لأيّ أحد من النّاس أن يَحكُم بالجنّة أو بالنّار على مخلوقاته ، فهذا تكلّفٌ وتطفّلٌ على الله ، قال تعالى : ( لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإنْ تُبْدُوا مَا فِي أنفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (١).

____________

(١) البقرة : ٢٨٤.

١٦٦

وبهذا لا يمكن لنا أن نترضّى عليها ولا أن نلعنها ، ولكن لنا أن لا نقتدي بها ولا نُبارك أعمالها ، ونتحدّث بكلّ ذلك لتوضيح الحقيقة إلى النّاس ، عسى أن يهتدوا لطريق الحقّ.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا تكونوا سبّابين ولا لعّانين ، ولكن قولوا : كان من فعلهم كذا وكذا لتكون أبلغ في الحجّة » (١).

قول أهل الذكر بخصوص أهل البيت عليهم‌السلام

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو سيّد العترة :

« تا لله لقد عَلِمتُ تبليغ الرسالات ، وإتمام العدَاتِ ، وتمامَ الكلماتِ ، وعندنا أهلَ البيت أبوابُ الحِكَم وضياء الأمْرِ » (٢).

« أين الذين زعموا أنهم الرّاسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهُدى ، ويُستجلى العمى ، إنّ الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاّة من غيرهم » (٣).

« نحنُ الشّعار والأصحابُ ، والخزنَة والأبوابُ ، لا تُؤْتَى البيوتُ إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً » ، ثمّ يذكر أهل البيت فيقول : فيهم كرائمُ القرآن ، وهم كنوزِ الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يُسبقُوا (٤).

____________

(١) نهج البلاغة ٢ : ١٨٥ ، الخطبة : ٢٠٦ ، والمؤلّف نقله بالمضمون.

(٢) نهج البلاغة ١ : ٢٣٣ ، الخطبة : ١٢٠.

(٣) المصدر نفسه ٢ : ٢٧ ، الخطبة : ١٤٤.

(٤) المصدر نفسه ٢٢ : ٤٤ ، الخطبة : ١٥٤.

١٦٧

« هُم عَيشُ العِلْم ، وموتُ الجَهلِ ، يُخبرُكم حِلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم ، وصَمتُهُم عن حِكَم منطقِهم ، لا يُخَالفونَ الحقُّ ولا يختلفونَ فيه ، هُمْ دعائمُ الإسلام ، وولائجُ الاعتصام ، بهم عَادَ الحقُّ في نِصابِهِ ، وانزاح الباطِلُ عن مُقامِهِ ، وانقطعَ لسانُه عن منبتهِ ، عَقلوا الدّينَ عقلَ وعاية ورعاية ، لا عقْلَ سمَاع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثيرٌ ورُعاتُه قليلٌ » (١).

« عِتْرتُه خيرُ العترْ ، وأُسرتُه خيرُ الأُسرْ ، وشجرتهُ خير الشّجر ، نبتت في حرم ، وبسقتْ في كرم ، لها فروع طوال ، وثمرة لا تُنال » (٢).

« نحنُ شجرةُ النّبوة ، ومحطّ الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ، ناصرنا ومُحبّنا ينتظر الرحمة ، وعدوّنا ومبغضنا ينتظر السطوة » (٣).

« نحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبياء ، وحزبنا حزب الله عزّ وجلّ ، والفئة الباغية حزب الشيطان ، ومن سوّى بيننا وبين عدوّنا فليس منّا » (٤).

« فأين تذهبون وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمةٌ ، والآياتُ واضحةٌ ، والمنارُ منصوبةٌ ، فأين يُتاهُ بكم ، بل كيف تعمهون وبينكم عترةُ نبيّكم ، وهم أزمّة الحقّ ، وأعلام الدّين ، وألْسنةُ الصّدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، ورِدُوهم ورود الهيم العطاشِ.

____________

(١) المصدر نفسه ٢ : ٢٣٢ ، الخطبة : ٢٣٩.

(٢) المصدر نفسه ١ : ١٨٥ ، الخطبة : ٩٤.

(٣) المصدر نفسه ١ : ٢١٥ ، الخطبة : ١٠٩.

(٤) بشارة المصطفى : ٢٠٤ رقم ٢٨ ، البحار ٢٣ : ١٠٦ ، ينابيع المودة ، للحنفي ٢ : ٣٧٦ ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٤٢ : ٤٥٩.

١٦٨

أيّها الناس خذوها من خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يموتُ من ماتَ منّا وليس بميّت ، ويبلى من بلي منّا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ، واعذروا من لا حُجة لكم عليه ـ وأنا هو ـ ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر ، وأترك فيكم الثقل الأصغر ، وركزتُ فيكم راية الإيمان؟! » (١).

« أنظروا أهل بيت نبيّكم فألزموا سمتهم ، وأتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا » (٢).

هذه أقوال الإمام علي عليه‌السلام بخصوص العترة الطاهرة الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

ولو تتّبعنا أقوال الأئمة من بنيه عليهم‌السلام ، والذين خطوا في النّاس ، أمثال الإمام الحسن ، والإمام الحسين ، وزين العابدين وجعفر الصّادق ، والإمام الرضا عليهم‌السلام أجمعين ، لوجدناهم يقولون نفس الكلام ، ويرمون نفس المرمى ، ويرشدون الناس في كلّ عصر ومصر إلى كتاب الله وعترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ; لينقذوهم من الضّلالة ، ويدخلوهم في الهداية.

أضف إلى ذلك بأنّ التاريخ خير شاهد على عصمة أهل البيت ، فلم يسجّل لهم إلاّ العلم ، والتقوى ، والورع ، والزهد ، والجود ، والكرم ، والحلم ، والمغفرة ، وكلّ عمل يحبّه الله ورسولهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

____________

(١) نهج البلاغة ١ : ١٥٤ ، الخطبة : ٨٧.

(٢) المصدر نفسه ١ : ١٨٩ ، الخطبة : ٩٧.

١٦٩

كما أنّ التاريخ خير شاهد على أنّ الصالحين من هذه الأُمّة ، والزهّاد من رجال الصوفية ، ومشايخ الطرق ، وأئمة المذاهب ، والمصلحين من العلماء القُدامى ، والمعاصرين كلّ هؤلاء يُقرُّون بأفضليتهم ، وتقدّمهم علماً وعمَلا ، وأخصّهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قربَى وشرفاً.

ولكلّ هذا فلا ينبغي لمسلم أن يخلط أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس ، وطهّرهم تطهيراً ، والذين أدخلهم الرسول معه تحت الكساء ، بنساء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ألا ترى أنّ أئمة المحدّثين أمثال مسلم ، والبخاري ، والترمذي ، والإمام أحمد ، والنسائي ، وغيرهم عندما يخرجون أحاديث الفضائل في كتبهم وصحاحهم يفصلون فضائل أهل البيت عمّن سواهم من نساء النبىّ؟!

كما جاء في « صحيح مسلم » في باب فضائل علي بن أبي طالب قوله عن زيد بن أرقم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ألا وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين : أحدهما كتابُ الله عزّ وجلّ هو حبلُ الله ، من اتّبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على ضلالة » ثمّ قال : « وأهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ».

فقلنا : من أهل بيته نساؤه؟ قال : « لا ، وأيمُ اللّهِ إنّ المرأة تكُونُ مع الرجُلِ العصْر من الدّهر ثمْ يطلّقها فترجِعُ إلى أبيها وقومِها ، أهل بيته أصْلُهُ وعَصَبَتُهُ الذينَ حُرِمُوا الصدقَةَ بعدَهَ » (١).

كما جاءتْ شهادة البخاري ومسلم في أنّ عائشة من آل أبي بكر

____________

(١) صحيح مسلم ٧ : ١٢٣ ، باب فضائل علي بن أبي طالب.

١٧٠

وليستْ من آل النبي ، في حادثة نزول آية التيمّم (١).

فلماذا هذا الإصرار من بعض المعاندين الذين يُحاولون بكلّ ثمن إحياء الفتنة ، وتقليب الحقائق التي لا شكّ فيها ، فيسبّون الشيعة لا لشيء إلاّ لأنّهم لا يعترفون لأُمّ المؤمنين بهذه الفضيلة؟! فلماذا لا يسبّون صحاحهم وعلماءهم الذين أخرجوا نساء النبي بأجمعهن من أهل البيت؟!

( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) (٢).

____________

(١) البخاري ١ : ٨٦ ، كتاب التيمّم ، باب التيمم. ومسلم ١ : ١٩١ ، كتاب التيمّم ، باب التيمّم.

(٢) الأحزاب : ٧٠ ـ ٧١.

١٧١
١٧٢

الفصل الرابع

في ما يتعلّق بالصّحابة عامّة

إنّ كلّ الأحكام التشريعية والعقائد الإسلامية جاءتنا عن طريق الصحابة ، فليس هناك أحد يدّعي أنّه يعبدُ الله من خلال الكتاب والسنّة إلاّ وكان الصحابة هم الواسطة لإيصال هذين المصدرين الأساسيّين إلى كلّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

وبما أنّ الصّحابة اختلفوا بعد الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفرّقوا ، وتسابّوا وتلاعنوا ، وتقاتلوا حتّى قتل بعضهم بعضاً (١) ، فلا يمكن والحال هذه أن نأخُذَ عنهم الأحكام بدون نقاش ولا نقد ولا تمحيص ولا اعتراض ، كما لا يمكن أن نحكم لهم أو عليهم بدون معرفة أحوالهم وقراءة تاريخهم ، وما فعلوه في حياة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد وفاته ، ونمحّص المُحقّ من المُبطل ، والمؤمن من الفاسق ، والمخلص من المنافق ، ونعرف المنقلبين من الشّاكرين.

وأهل السنّة عامّة ، وبكلّ أسف لا يسمحون بذلك ، ويمنعون بكلّ شدّة

____________

(١) بل تعدّى الأمر إلى أكثر من ذلك ولم يقف عنده ، فقد كفّر بعضهم البعض ، وهذا ما أقرّ به ابن تيمية الحراني إذ قال في مجموعة فتاويه الكبرى ٤ : ٢٦٧ : « .. وأمّا علي فأبغضه وسبّه أو كفّره الخوارج وكثير من بني أُمية وشيعتهم الّذين قاتلوه وسبّوه ... وأمّا شيعة علي الّذين شايعوه بعد التحكيم وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم فكان بينهما من التقابل وتلاعن بعضهم وتكافر بعضهم ما كان .. ».

١٧٣

نقد الصّحابة وتجريحهم ، ويترضّون عليهم جميعاً ، بل ويصلّون عليهم كما يصلّون على محمّد وآل محمّد ، ولا يستثنون منهم أحداً.

والسّؤال الذي يطرحُ على أهل السنّة والجماعة هو : هل في نقد الصّحابة وتجريحهم خروج عن الإسلام أو مخالفةً للكتاب والسنّة؟

وإجابةً على هذا السّؤال لا بدّ لي من استعراض أعمال وأقوال بعض الصحابة في حياة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد وفاته ، من خلال ما ذكره علماء أهل السنّة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم ، مقتصراً عليهم دون ذكر أيّ كتاب من كتب الشيعة; لأنّ هؤلاء موقفهم من بعض الصّحابة معروف ، ولا يتطلّب مزيداً من التوضيح.

وحتّى أرفع الالتباس لكي لا أترك للخصم حجّة يحتجّ بها عليَّ ، أقول : إنّه عندما نتكلّم في هذا الفصل عن الصّحابة فالمقصود هو البعض منهم وليس جميعهم ، وقد يكون هذا البعض أكثريّة أو أقلّية ، فهذا ما سنعرفه من خلال البحث إن شاء الله تعالى; لأنّ كثيراً من المشاغبين يتّهموننا بأنّنا ضدّ الصّحابة! وأنّنا نشتم الصّحابة ونسبّهم!! ليؤثّروا بذلك على السّامعين ، ويقطعوا بذلك الطريق على الباحثين.

في حين أنّنا نتنزّه عن سبّ الصّحابة وشتمهم ، بل ونترضّى على الصّحابة المخلصين الذين سمّاهم القرآن بـ ( الشاكرين ) ، ونتبرّأ من المنقلبين على الأعقاب الذين ارتدّوا على أدبارهم بعد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتسبّبوا في ضلالة أغلب المسلمين ، وحتّى هؤلاء لا نسبّهم ولا نشتمهم ، وإنّما كلّ ما في الأمر أنّنا نكشف أفعالهم التي ذكرها المؤرّخون والمحدّثون ليتجلّى الحقّ

١٧٤

للباحثين ، وهذا ما لا يرتضيه إخواننا من أهل السنّة ، ويعتبرون ذلك سبّاً وشتماً.

وإذا كان القرآن الكريم ـ وهو كلام الله الذي لا يستحي من الحقّ ـ هو الذي فتح لنا هذا الباب ، وأعلمنا بأنّ من الصّحابة منافقين ، ومنهم الفاسقين ، ومنهم الظّالمين ، ومنهم المكذّبين ، ومنهم المشركين ، ومنهم المنقلبين ، ومنهم الذين يؤذون الله ورسوله.

وإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، هو الذي فتح لنا هذا الباب ، وأعلمنا بأنّ من الصّحابة مرتدّين ، ومنهم المارقين ، والناكثين ، والقاسطين ، ومنهم من يدخل النّار ولا تنفعه الصُّحبة ، بل تكون عليه حجّة قد تضاعفُ عذابه يوم لا ينفع مال ولا بنون.

فكيف والحال هذه يشهد بها كتاب الله الحكيم ، وسنّة رسوله العظيم؟!! ومع ذلك يريد أهل السنّة منع المسلمين من التكلّم والنّقاش في الصّحابة; لئلاّ ينكشف الحقّ ، ويعرف المسلمون أولياء الله فيوالونهم ، كما يعرفون أعداء الله ورسوله فيعادونهم.

كنت يوماً في العاصمة التونسية داخل مسجد عظيم من مساجدها ، وبعد أداء فريضة الصّلاة جلس الإمامُ وسط حلقة من المصلّين ، وبدأ درسه بالتّنديد والتكفير لأولئك الذين يشتمون أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسترسل في حديثه قائلا :

إيّاكم من الذين يتكلّمون في أعراض الصّحابة بدعوى البحث العلمي والوصول لمعرفة الحقّ ، فأُولئك عليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين ،

١٧٥

إنّهم يريدون تشكيك النّاس في دينهم ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا وصل بكم الحديث إلى أصحابي فامسكوا ، فوالله لو انفقتم مثل أحد ذهباً لما بلغتم معشار معشار أحدهم ».

وقاطعه أحدُ المستبصرين كان يصحبني قائلا : هذا الحديث غير صحيح ، وهو مكذوب على رسول الله!

وثارت ثائرة الإمام وبعض الحاضرين ، والتفتوا إلينا منكرين مشمئزّين ، فتداركتُ الموقف متلطّفاً مع الإمام وقلت له : يا سيّدي الشيخ الجليل ، ما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في القرآن قوله : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (١)؟

وما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في « صحيح البخاري » ، وفي « صحيح مسلم » قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : « سيؤخذ بكم يوم القيامة إلى ذات الشمال ، فأقول : إلى أين؟ فيقالُ : إلى النّار والله ، فأقول : يا ربّ هؤلاء أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما احدثوا من بعدك ، إنّهم لا يزالوا مرتدّين منذُ فارقتهم ، فأقولُ : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي ، ولا أرى يخلصُ منهم إلاّ مثل همل النّعم » (٢).

وكان الجميع يستمعون إلىَّ في صمت رهيب ، وسألني بعضُهم إن كنت

____________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٩ ، كتاب الرقاف ، باب الحوض ، وكتاب الفتن ، صحيح مسلم ٧ : ٦٦ ، كتاب الفضائل ، باب إثبات حوض نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٧٦

واثقاً من وجود هذا الحديث في « صحيح البخاري »؟ وأجبتهم : نعم كوثوقي بأن الله واحد لا شريك له ، ومحمّد عبده ورسوله.

ولمّا عرف الإمام تأثيري في الحاضرين من خلال حفظي للأحاديث التي رويتها ، قال في هدوء : نحن قرأنا على مشايخنا رحمهم الله تعالى بأنّ الفتنة نائمة ، فلعن الله من أيقظها.

فقلت : يا سيّدي الفتنة عمرها ما نامتْ ، ولكنّا نحنُ النّائمون ، والذي يستيقظ منّا ويفتح عينيه ليعرف الحقّ تتهمونه بأنّه أيقظ الفتنة!! وعلى كلّ حال فإنّ المسلمين مطالبون باتّباع كتاب الله وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا بما يقوله مشايخنا الذين يترضّون على معاوية ويزيد وابن العاص.

وقاطعني الإمام قائـلا : وهل أنتَ لا تترضّى عن سـيّدنا معاوية رضي الله عنه وأرضاه ، كاتب الوحي؟

قلت : هذا موضوع يطول شرحه ، وإذا أردتَ معرفة رأيي في ذلك ، فأنا أهديك كتابي « ثم اهتديت » لعلّه يوقظك من نومك ، ويفتحُ عينيك على بعض الحقائق.

وتقبّل الإمام كلامي وهديّتي بشيء من التردّد ، ولكنّه وبعد شهر واحد كتب إلىَّ رسالة لطيفة يحمد الله فيها أن هداه إلى صراطه المستقيم ، وأظهر ولاءً وتعلّقاً بأهل البيت عليهم‌السلام ، وطلبتُ منه نشر رسالته في الطبعة الثالثة لما فيها من معاني الودّ وصفاء الروح التي متى ما عرفتْ الحقّ تعلّقتْ به ، وهي تعبّر عن حقيقة أكثر أهل السنّة الذين يميلون إلى الحقّ بمجرّد رفع السّتار.

ولكنّه طلب منّي كتم رسالته وعدم نشرها; لأنه لا بدّ له من الوقت

١٧٧

الكافي حتّى يُقنع المجموعة التي تصلّي خلفه ، وهو يحبّذ أن تكون دعوته سلمية بدون هرج ومرج حسب تعبيره.

ونعود إلى موضوع الكلام في الصّحابة ، لنكشف عن الحقيقة المُرّة التي سجّلها القرآن الحكيم ، والسنّة النبوية الشريفة.

ولنبدأ بكلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهو الحكم العدل ، وهو القول الفصل ، قال تعالى في بعض الصّحابة :

( وَمِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلَى عَذَاب عَظِيم ) (١).

( يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ) (٢).

( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (٣).

( الأعْرَابُ أشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأجْدَرُ ألا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (٤).

( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللّهُ

____________

(١) التوبة : ١٠١.

(٢) التوبة : ٧٤.

(٣) التوبة : ٧٥ ـ ٧٧.

(٤) التوبة : ٩٧.

١٧٨

مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (١).

( إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) (٢).

( ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا اُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا اُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيداً * وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أنزَلَ اللّهُ وَإلَى الرَّسُولِ رَأيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إنْ أرَدْنَا إلا إحْسَاناً وَتَوْفِيقاً ) (٣).

( إنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللّهَ إلا قَلِيلا ) (٤).

( وَإذَا رَأيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجْسَامُهُمْ وَإنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أنَّى يُؤْفَكُونَ ) (٥).

( قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ المُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنَا وَلا يَأتُونَ البَأسَ إلا قَلِيلا * أشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كَالَّذِي

____________

(١)البقرة : ٨ ـ ١٠.

(٢) المنافقون : ١ ـ ٣.

(٣) النساء : ٦٠ ـ ٦٢.

(٤) النساء : ١٤٢.

(٥) المنافقون : ٤.

١٧٩

يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ فَإذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِألْسِنَة حِدَاد أشِحَّةً عَلَى الخَيْرِ اُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأحْبَطَ اللّهُ أعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً ) (١).

( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً اُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أهْوَاءَهُمْ ) (٢).

( أمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لاَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ وَاللّهُ يَعْلَمُ أعْمَالَكُمْ ) (٣).

( سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أمْوَالُنَا وَأهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِألْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ... ) (٤).

فهذه الآيات البيّنات من كتاب الله المجيد ، وما بيّنته من نفاق البعض منهم الذين اندسّوا في صفوف الصّحابة المخلصين ، حتّى غابت حقيقتهم عن صاحب الرسالة نفسه لولا وحي الله.

ولكن لنا دائماً من أهل السنّة اعتراضٌ على هذا ، فهم يقولون : ما لنَا والمنافقين لعنهم الله ، والصحابة ليسوا من هؤلاء! أو إنّ هؤلاء المنافقين ليسوا من الصحابة!! وإذا ما سألتهم مَنْ هؤلاء المنافقين الذين نزلت فيهم أكثر من مائة وخمسين آية في سورتي التوبة والمنافقون وغيرهما؟ فسيجيبون : هو عبد الله بن أُبي ، بن أبي سلّول والجد بن القيس ، وبعد هذين الرجلين لا يجدون اسماً آخر!

____________

(١) الأحزاب : ١٨ ـ ١٩.

(٢) محمّد : ١٦.

(٣) محمّد : ٢٩ ـ ٣٠.

(٤) الفتح : ١١.

١٨٠