فاسألوا أهل الذّكر

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

فاسألوا أهل الذّكر

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-14-5
الصفحات: ٤٨٥

٤ ـ أخرج مسلم في صحيحه في باب وجوب الغسل بالتقاء الختانين عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الرّجل يجامع أهله ثمّ يكسل هل عليهما الغسْلُ ـ وعائشة جالسة ـ؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّني لأفعل ذلك أنا وهذه ثمّ نغتسلُ »!!

وأترك لك أيّها القارئ أن تُعلّق بنفسك على هذه الرواية ، فقد بلغ من تدليل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزوجته عائشة أن يحدّث بجماعها الخاصّ والعامّ من الناس ، وكم لعائشة بنت أبي بكر من أمثال هذه الروايات التي فيها مسّ من كرامة الرسول والحطّ من قيمته.

فمرة تروي بأنّه يضع خدّه على خدّها لتتفرّج على رقص السودان ، ومرّة يحملها على كتفه (١) ، ومرّة يتسابق معها فتغلبه وينتظر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تسمن فيسابقها ويقول هذه بتيك (٢) ، ومرّة يستلقي على ظهره والنساء يضربن بالدفوف ومزمارة الشيطان في بيته فينتهرها أبو بكر (٣).

وكم في كتب الصحاح أمثال هذه الروايات المخزية التي لا يُقصَدُ منها إلاّ انتقاص نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كالروايات التي تقول بأنّ الرسول سُحر حتّى

____________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٣ ، كتاب الجهاد ، باب الدرق.

(٢) مسند أحمد ٦ : ٣٩ وأشار محقّق الكتاب أحمد حمزة الزين إلى صحة الحديث. وقال الشيخ الألباني في صحيحته ١ : ٢٥٤ ح ١٣١ بعد أن ذكر الحديث : « أخرجه الحميدي في مسنده ق ٤٢ / ٢ ، وأبو داود : ٢٥٧٨ ، والنسائي في عشرة النساء ق ٧٤ / ١ والسياق له ، وابن ماجة : ١٩٧٩ مختصراً وأحمد ٦ : ٣٩ / ٢٦٤ » ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ٣٠٣ ح ٨٩٤٢.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١١ كتاب مناقب الأنصار ، باب مقدم النبي وأصحابه المدينة.

١٠١

لا يدري ما يفعل وما يقول ، وحتى يخيّل له أنّه يأتي نساءه ولا يأتيهنّ (١) ، وكالروايات التي تقول بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصبح في رمضان جنباً (٢) ، وأنّه ينام حتى يغطّ في نومه ثمّ يقوم فيصلّي بغير وضوء (٣).

ويسهو في صلاته فلا يدري كم ركعة صلّى (٤) ، ولا يدري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هو مصيره يوم القيامة وما يُفعل به (٥) ، وأنّه يبول قائماً والصحابي يبتعد عنه ، فيناديه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقترب منه حتى يفرغ من بوله (٦).

نعم ، لقد بلغ من تدليل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوجته عائشة بنت أبي بكر أنّه يحبس نفسه ويحبس المسلمين معه ليبحثوا عن عقد ضاع من عائشة ، وليس معهم ماء حتّى أنّ الناس يشتكون من عائشة لأبي بكر ، فيأتي أبوها يوبّخها ويلومها ، كلّ ذلك ورسول الله مشغول بالنوم في حجر زوجته ، وإليك الرواية بالتفصيل!

أخرج البخاري في صحيحه في باب التيمّم ، ومسلم في صحيحه في باب التيمّم أيضاً عن عائشة أنّها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض

____________

(١) البخاري ٤ : ٦٨ و ٧ : ٢٩ كتاب الطب ، باب هل يستخرج السحر.

(٢) البخاري ٢ : ٢٣٤ ، كتاب الصوم ، باب الصائم يصبح جنباً وما بعده.

(٣) البخاري ١ : ٤٤ و ١٧١ ، كتاب الوضوء ، باب التخفيف ، صحيح مسلم ١ : ٤٤٢ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب الدعاء في صلاة الليل.

(٤) البخاري ١ : ١٢٣ ، ٢ : ٦٥ ، كتاب السهو.

(٥) البخاري ٢ : ٧١ كتاب الجنائز ، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا اُدرج في أكفانه.

(٦) صحيح مسلم ١ : ١٥٧ ، كتاب الطهارة ، باب المسح على الخفّين.

١٠٢

أسفاره حتّى إذا كنّا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التماسه وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء.

فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعتْ عائشة ، أقامت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟!

فجاء أبو بكر ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال : حبستِ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناسَ ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، قالت : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرّك إلاّ مكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فخذي ، فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله آية التيمّم فتيمّموا.

فقال أسيد بن الحُضير وهو أحد النقباء : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر ، فقالت عائشة : فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه ، فوجدنا العقد تحته (١).

فهل يُصدّق مؤمن عرف الإسلام بأنّ رسول الله يتهاون في أمر الصلاة إلى هذه الدرجة ، ويحبس المسلمين وهم على غير ماء وليس عندهم ماء ، كلّ ذلك من أجل البحث على عقد زوجته الذي ضاع منها ، ثمّ يترك المسلمين يتحسّرون على الصلاة ويشتكون إلى أبي بكر ، وهو يذهب فينام على فخذ زوجته ، ثمّ يستغرق في نوم لا يشعر معه بدخول أبي بكر وتوبيخه عائشة وطعنها في خاصرتها؟!

____________

(١) صحيح البخاري ١ : ٨٦ ، كتاب التيمم ، باب التيمم ، وأيضاً في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصحيح مسلم ١ : ١٩١ كتاب الطهارة ، باب التيمّم.

١٠٣

وكيف يجوز لهذا الرسول أن يترك النّاس يموجون من أجل الماء ، واقتراب وقت الصلاة وينام هو في حجر زوجته.

ولا شكّ بأنّ هذه الرواية وضعت في زمن معاوية بن أبي سفيان ولا أساس لها ، وإلاّ كيف نفسّر حادثة مثل هذه حضرها كلّ الصحابة ، وتغيب عن عمر بن الخطّاب فلا يعرفها عندما يسئل عن التيمّم ، كما أخرج ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب التيمّم.

والمهم في كلّ هذه الأبحاث هو أن نعرف بأنّ المؤامرة ضدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت مؤامرة خسيسة ودنيئة ، تعمل على الانتقاص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتحطّ من قيمته إلى درجة أنّ أحدنا اليوم ـ ورغم كلّ الفساد الذي عمّ البرّ والبحر ـ لا يرضى لنفسه مثل هذه المواقف والأفعال ، فما بالنا بأعظم شخصية عرفها تاريخ البشرية ، والذي يشهد له ربّ العزّة والجلالة بأنّه على خلق عظيم!!

وقد بدأت المؤامرة ـ حسب اعتقادي ـ بعد حجّة الوداع ، وبعد تنصيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام علي خليفة له يوم غدير خم ، وبذلك عرف الطامعون في الرئاسة أن ليس أمامهم إلاّ المعارضة والتمرّد على هذا النصّ ، كلّفهم ذلك ما كلّفهم ، ولو أدّى إلى الانقلاب على الأعقاب.

وبذلك يستقيم تفسير الأحداث التي بدأت بمعارضة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ أوامره من كتابة الكتاب ، إلى تأمير أُسامة ، إلى عدم الذهاب في الجيش الذي عبّأه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه.

وكذلك الأحداث التي أعقبت وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حمل الناس على البيعة

١٠٤

بالقوّة ، وتهديد المتخلّفين بالحرق ، وفيهم علي وفاطمة والحسنين.

إلى منع الناس من نقل أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرق الكتب التي فيها سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحبس الصحابة لئلاّ يتحدّثوا بأحاديث النبي.

إلى قتل الصحابة الذين امتنعوا عن أداء الزكاة لأبي بكر; لأنّه ليس هو الخليفة الذي بايعوه على عهد نبيّهم.

إلى اغتصاب حقّ فاطمة الزهراء من فدك والإرث وسهم الخمس وتكذيبها في دعواها.

إلى إبعاد الإمام علي عليه‌السلام عن كلّ مسؤولية ، وتولية الفسّاق والمنافقين من بني أُمية على رقاب المسلمين.

إلى منع الصحابة من التبرّك بآثار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومحاولة محو اسمه من الأذان.

إلى إباحة مدينته المنورة للجيش الكافر يفعل فيها ما يشاء.

إلى ضرب البيت الحرام بالمنجنيق وحرقه وقتل الصحابة في داخله.

إلى قتل عترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبّهم ولعنهم وحمل الناس على ذلك.

إلى قتل وتشريد من يحبّ أهل البيت ويتشيّع لهم.

إلى أن أصبح دين الله لعباً وهزؤاً ، والقرآن يُمزّق ويُعبث به.

والمؤامرة ما زالت حتى اليوم ، وآثارُها ومفعولها يسري في الأُمة الإسلامية ، وما دام هناك في المسلمين من يترضّى عن معاوية ويزيد ، ويبّرر أفعالهم بأنّها اجتهاد ولهم بها أجرٌ عند الله ، وما دام هناك من يكتب الكتب والمقالات ضد شيعة أهل البيت ، ويرميهم بكلّ شتيمة وشنيعة ، وما دام هناك من يستبيح قتل شيعة أهل البيت في بيت الله الحرام وفي موسم الحجّ;

١٠٥

فالمؤامرة ما زالت متواصلة ، وستبقى متواصلة إلى أن يشاء الله.

وأنا لست بقادر على كشفها كلّها ، أو الإحاطة بكلّ تفاصيلها وجوانبها ، ولكنّي أُحاول بجهدي المتواضع أن أُنزّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الروايات المخزية التي أُلصقتْ بحضرته ، وأُدافع عنه وعن عصمته ، وأحاول إقناع المسلمين المثقّفين والمتحرّرين بأنّ هذا الرسول الذي أرسله الله لهداية البشرية جميعاً ، وجعله قمراً وسراجاً مُنيراً هو أجلّ وأعظم وأسمى وأظهر وأنقى وأكمل إنسان خلقه الله تعالى ، فـلا يمكن لنا أن نسْكُتَ على مثل هذه الروايات التي لم يقصد من ورائها إلاّ النّيل من كرامته ، والحطّ من قيمته.

فلا ولن نرضى بهذه الروايات ، ولو اتّفق عليها أهل السنّة والجماعة ، وأخرجوها في صحاحهم ومسانيدهم ، لا بل ولو اتفق عليها أهل الأرض كافّة ، فقوله سبحانه وتعالى : ( وَإنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم ) (١) هو القول الفصل والحكم الأصل ، وليس بعده إلاّ الأباطيل والأوهام.

وهذا هو قول الشيعة في سيّد الأنام ، ومنقذ البشرية من العمى والضلال ، وقائدها إلى الأمن والسّلام ، فاعتبروا يا أُولى الألباب!

قول أهل الذكر في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

يقول الإمام علي عليه‌السلام : « حتّى أفضتْ كرامةُ الله سبحانه إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخرجه من أفضل المعادنِ منبتاً ، وأعزّ الأرومات مغرساً ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه ، وانتخبَ منها أمناءَهُ.

____________

(١) القلم : ٤.

١٠٦

عترتهُ خير العتر ، وأسرتُه خير الأُسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حرم ، وبسقت في كرم ، لها فروع طوالٌ ، وثمرة لا تنال ، فهو إمامُ من أتّقى ، وبصيرةُ من اهتدى ، سراجٌ لمع ضَوءهُ وشهابٌ سطع نورُه ، وزندٌ برق لمعُه.

سيرته القصدُ ، وسنّتُهُ الرّشدُ ، وكلامه الفصْلُ ، وحكمهُ العدل ، أرسلَهُ على حين فْترة من الرسُلِ ، وهفوة عن العمل ، وغباوة من الأُمم » (١).

« فبالغ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النّصيحة ، ومضى على الطريقة ، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة » (٢).

« مستقرّه خير مستقرّ ، ومنبتُهُ أشرف منبت في معادن الكرامة ومماهد السلامة ، قد صُرفتْ نحوه أفئدة الأبرار ، وثنيتْ إليه أزمة الأبصار ، دفن به الضّغائن وأطفأ به الثّوائر ، ألّفَ به إخواناً ، وفرّق به أقراناً ، أعزّ به الذلّة ، وأذلّ به العزّة ، كلامهُ بيانُ ، وصمته لسان » (٣).

« أرسله بحجّة كافية ، وموعظة شافية ، ودعوى متلافية ، أظهر به الشرائع المجهولة ، وقمع به البدع المدخولة ، وبيّن به الأحكام المفصولة » (٤).

« أرسله بالضياء ، وقدّمه في الاصطفاء ، فرتق به المفاتقَ ، وساور به المُغَالبَ ، وذَلَّلَ به الصّعوبةَ ، وسهّل به الحُزُونةَ ، حتى سرّح الضّلال عن يمين وشمال » (٥).

____________

(١) نهج البلاغة ١ : ١٨٥ ، الخطبة ٩٤.

(٢) المصدر نفسه ١ : ١٨٦ ، الخطبة ٩٥.

(٣) المصدر نفسه ١ : ١٨٧ ، الخطبة ٩٦.

(٤) المصدر نفسه ١ : ١٨٦ ، الخطبة ١٦١.

(٥) المصدر نفسه ٢ : ١٩٤ ، الخطبة ٢١٣.

١٠٧
١٠٨

الفصل الثالث

في ما يتعلّق بأهل البيت عليهم‌السلام

السؤال الرابع : من هم أهل البيت؟

يقول الله سبحانه وتعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١).

يقول أهل السنّة والجماعة بأنّ هذه الآية نزلتْ في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويستدلّون على ذلك بسياق ما قبلها وما بعدها من الآيات ، وعلى حسب زعمهم فإنّ الله أذهب الرجس عن نساء النبي وطهّرهن تطهيراً.

ومنهم من يضيف إلى نساء النّبي علي وفاطمة والحسن والحسين ، ولكنّ الواقع النقلي والعقلي والتاريخي يأبى هذا التفسير; لأن أهل السنّة يروون في صحاحهم بأنّ الآية نزلت في خمسة وهم : محمّد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي خصّهم ونفسه الشريفة بهذه الآية الكريمة عندما أدخل عليّاً وفاطمة والحسنين معه تحت الكساء. وقال : « اللهم هؤلاء أهلي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » (٢).

____________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) روي حديث الكساء ونزول آية التطهير في الخمسة من العترة الأبرار ، خمسة

١٠٩

وقد أخرج ذلك من علماء أهل السنّة جمع غفير أذكر منهم :

١ ـ مسلم في صحيحه في باب فضائل أهل بيت النبي ٧ : ١٣٠.

٢ ـ الترمذي في صحيحه ٥ : ٣٠.

٣ ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل ١ : ٣٣٠ ، ٦ : ٢٩٢.

٤ ـ مستدرك الحاكم ٢ : ٤١٦ ، ٣ : ١٣٣.

٥ ـ خصائص الإمام النسائي : ٤٩.

٦ ـ تلخيص الذهبي ٢ : ١٥٠.

٧ ـ معجم الطبراني ١ : ٥٢.

٨ ـ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ٢ : ١٨.

____________

عشر صحابياً ، ويوجد نصّ الحديث باختلاف ألفاظه في مصادر مختلفة ـ كما ستوافيك ـ وهذه الأحاديث توضّح وتشرح لنا معنى الآية الكريمة واختصاصها بالخمسة أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، كما اعترف بذلك الطحاوي في مشكل الآثار ١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٩. وتدلّ هذه النصوص أيضاً على نزول آية التطهير لوحدها غير منضمّة إلى غيرها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزولها ضمن آيات نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ذكره أحد ، فهي لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا متصلة بها وإنّما وضعت بينها إمّا بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو عند الجمع بعد رحلته. ( انظر : تفسير الميزان للطباطبائي ١٦ : ٣١١ ).

والإرادة هنا تكوينية من قبل قوله تعالى : ( إنَّمَا أمْرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَـقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) وليست تشريعية; لأنّ التشريعية تتنافى مع نصّ الآية بالحصر بقوله : « إنّما » وتتنافى مع الأحاديث إذ أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طبّق الآية عليهم دون غيرهم.

وممّا يدلّل على عظيم شرفهم ما في بعض ألفاظ الحديث من أنّ الآية نزلت عقيب دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم بالطهارة وإذهاب الرجس ، ولعلّه الأصح.

١١٠

٩ ـ البخاري في التاريخ الكبير ٩ : ٢٥ رقم ٢٠٥.

١٠ ـ الإصابة لابن حجر العسقلاني ٤ : ٤٢٣ ، ٤٦٧ ، ٨ : ٢٦٥.

١١ ـ تذكرة الخواص لابن الجوزي : ٢١١ ، الباب التاسع.

١٢ ـ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ١ : ٣١٩ ح ٢.

١٣ ـ مناقب الخوارزمي : ٦١.

١٤ ـ السيرة الحلبية ٣ : ٤٠٤.

١٥ ـ السيرة الدحلانية ٢ : ٤١٣.

١٦ ـ أُسد الغابة لابن الأثير ٢ : ١٢.

١٧ ـ تفسير الطبري ٢٢ : ٩.

١٨ ـ الدر المنثور للسيوطي ٥ : ١٩٨.

١٩ ـ تاريخ ابن عساكر ٤٢ : ١٠٠.

٢٠ ـ تفسير الكشّاف للزمخشري ١ : ٣٦٩ ، سورة آل عمران آية ٦١.

٢١ ـ أحكام القرآن لابن العربي ٣ : ١٥٣٨.

٢٢ ـ تفسير القرطبي ١٤ : ١٨٣.

٢٣ ـ الصواعق المحرقة لابن حجر ٢ : ٤٢٢ ، الآيات الواردة في أهل البيت.

٢٤ ـ الاستيعاب لابن عبد البر ٣ : ٣٧.

٢٥ ـ العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ٦٢.

٢٦ ـ كنز العمال ١٣ : ٧١ ، ح ٣٦٤٩٢.

٢٧ ـ مصابيح السنّة للبغوي ٢ : ٢٧٨.

٢٨ ـ أسباب النزول للواحدي : ٢٣٩.

١١١

٢٩ ـ تفسير ابن كثير ٣ : ٤٩٢.

وغير هؤلاء من علماء أهل السنّة والجماعة كثيرون لم نذكرهم ، واكتفينا في هذه العجالة بهذا القدر.

وإذا كان كلّ هؤلاء يعترفون بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي بيّن المقصود من هذه الآية ، فما قيمة أقوال غيره من الصحابة ، أو التابعين ، أو المفسّرين الذين يريدون حمل معناها على غير ما يريده الله ورسوله ، ابتغاء مرضاة معاوية وطمعاً فيما عنده؟!

كما أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشار إليهم مرّة أُخرى ، وخصّهم بأنّهم هم أهل البيت لا غيرهم ، وذلك عندما نزل قوله سبحانه وتعالى : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ ) (١) ، فدعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وقال : « هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم » (٢) ، وفي رواية مسلم : « اللهم هؤلاء أهلي » (٣).

وعلماء أهل السنّة والجماعة الذين ذكرتُهم في المصادر السّابقة كلُّهم يعترفون أيضاً بنزول هذه الآية في هؤلاء الخمسة المذكورين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

على أنّ أزواج النبي رضي الله تعالى عنهن عرفْن مقصود الآية الكريمة ،

____________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) شواهد التنزيل للحسكاني ١ : ١٦٠.

(٣) صحيح مسلم ٧ : ١٢١ ، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب.

١١٢

ولذلك لم تدّعي واحدة منهن أنّها من أهل البيت ، وعلى رأسهن أُمّ سلمة وعائشة ، وقد روت كلّ واحدة منهنّ أنّ الآية خاصة برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وقد أخرج اعترافهن كلّ من مسلم ، والترمذي ، والحاكم ، والطبري ، والسيوطي ، والذهبي ، وابن الأثير وغيرهم.

أضف إلى كلّ ذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد رفع هذا اللبس وهذا الإشكال; لأنّه عَلم بأنّ المسلمين قد يقرؤون القرآن ، ويحملون أهل البيت على سياق الآيات السّابقة واللاّحقة ، والتي تحذّر نساء النبي ، فبادر إلى تعليم الأُمّة بمقصود آية إذهاب الرجس والتطهير عندما داوم طيلة ستّة أشهر ـ بعد نزول الآية ـ على المرور بباب علي وفاطمة والحسنين قبل الشروع في إقامة الصلاة فيقول : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قوموا إلى الصّلاة يرحمكم الله.

وقد أخرج هذه المبادرة التي فعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الترمذي في صحيحه ٥ : ٣٠ ، والحاكم في المستدرك ٣ : ١٥٨ ، والذهبي في تلخيصه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ٣ : ٢٥٩ ، وابن الأثير في أُسد الغابة ٥ : ٥٢١ ، والحسكاني في شواهد التنزيل ٢ : ١٨ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ : ١٩٩ ، والطبري في تفسيره ٢٢ : ٩ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ٢ : ١٠٤ ، وابن كثير في تفسيره ٣ : ٤٩٢ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨ ، وغيرهم.

وإذا أضفنا إلى كلّ هؤلاء أئمة أهل البيت ، وعلماء الشيعة الذين لا يشكّون في اختصاص محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين بهذه الآية الكريمة ، فلا تبقى بعد ذلك أية قيمة لمن خالفهم من أعداء أهل البيت

١١٣

والمتشيعين لمعاوية وبني أُميّة الذين يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون.

وقد كشف أُولئك الذين يفسّرون الآية على غير تفسير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها بأنّهم من المتزلّفين إلى الحكّام من الأمويين والعبّاسيين قديماً وحديثاً ، وبأنّهم من النواصب الذين يبغضون عليّاً ، وإن تستّروا بزي العلماء والفقهاء.

على أنّ العقل وحده يحكم بعدم شمول هذه الآية ، أعني ( إذهاب الرجس والتطهير ) لزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ فإذا ما أخذنا على سبيل المثال أُمّ المؤمنين عائشة التي تدّعي أنّها أحبّ أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه وأقربهم لديه ، حتّى إن باقي أزواج النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غِرنَ منها ، وبعثن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينشدنه العدل في ابنة أبي قحافة كما قدّمنا; لم تتجرّأ ولم يتجرّأ أحد من أنصارها ومحبّيها ولا من السّابقين أو من اللاّحقين أن يقول بأنّ عائشة كانت تحت الكساء يوم نزول الآية.

فما أعظم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أقواله وأفعاله ، وما أعظم حكمته عندما حصر أهل بيته معه تحت الكساء ، حتى إنّ أُمّ المؤمنين أمّ سلمة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادت الدخول معهم تحت الكساء ، وطلبت ذلك من زوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّه منعها من ذلك وقال لها : « أنت إلى خير » (١).

____________

(١) تفسير الطبري ٢٢ : ١١ ، تاريخ دمشق ١٤ : ١٣٩ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٣٤٧ وقال محقّق الكتاب : حديث صحيح. ورواه الترمذي في الجامع ٦ : ١٧٤ ، ح ٣٨٧١ وقال : « حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب » وكذلك حكم الشيخ الألباني في صحيح الترمذي ٣٠٣٨ بصحة الحديث وفي

١١٤

٢ ـ ثمّ إنّ الآية بمفهومها الخاصّ والعام دالّ على العصمة ، فإنّ إذهاب الرّجس يشمل كلّ الذّنوب والمعاصي والرّذائل صغيرها وكبيرها ، وخصوصاً إذا أُضيف إليها تطهير من ربّ العزّة والجلالة ، وإذا كان المسلمون يتطهّرون بالماء والتراب طهارة جسدية لا تتعدّى ظاهر الجسم ، فأهل البيت طهّرهم الله طهارة روحية غسلت العقل والقلب والفؤاد ، فلم تترك لوساوس الشيطان ولا لارتكاب المعاصي مكاناً ، فأصبحت قلوبهم صافية نقية خالصة مخلصة لخالقها وبارئها في كلّ حركاتها وسكناتها.

٣ ـ ولكلّ ذلك كان هؤلاء المطهّرون مثالا للإنسانية جمعاء في الزهد ، والتقوى ، والإخلاص ، والعلم ، والحلم ، والشجاعة ، والمروءة ، والعفّة ، والنّزاهة ، والعُزوف عن الدنيا ، والقُرب منه جلّ وعلا ، ولم يسجّل التاريخ لواحد منهم معصية أو ذنباً طيلة حياته.

____________

مسند أبي يعلى الموصلي ١٢ : ٢٤٤ ، الطبراني في المعجم الكبير ٣ : ٥٢ ، أُسد الغابة ٣ : ٤١٣. وممّا يدلل على ذلك وأنّ الفهم السائد لدى الصحابة آنذاك من أنّ المراد بالآية ليس أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما المراد بهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام مضافاً إلى سيدهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أخرجه في الدر المنثور ٥ : ١٩٨ عن عكرمة من قوله في آية التطهير « ليس بالذي تذهبون إليه إنّما هو نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، بعد ملاحظة كون عكرمة البربري خارجياً وهو الذي نشر مذهب الخوارج في المغرب كما ذكر ذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب ٧ : ٢٣٧ والخوارج كانوا يكفّرون علياً ويتحاملون عليه ، فعكرمة كان يدعو إلى ذلك لأنّه يريد طمس فضائل أهل البيت; إذ لا يطيق أن يرى قرآناً يتلى في حقّ أهل البيت عليهم‌السلام ، وعلي رئيسهم ، وهو خارجي يبغضه ويقاتله كما فعل إخوانه الخوارج من قبل ، فلذلك كان ينادي في الأسواق إنكاراً لفضيلته ومنزلته المعلومة لدى المسلمين آنذاك.

١١٥

وإذا كان الأمر كذلك ، فلنعد إلى المثال الأوّل لزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي عائشة التي بلغت من المرتبة السّامية والمكانة العالية والشهرة الكبيرة ما لم تبلغه أيّة زوجة أُخرى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا ولا حتّى لو جمعنا فضائلهنّ بأجمعهنّ ما بلغنَ عشر معشار عائشة بنت أبي بكر ، هذا ما يقوله أهل السنّة فيها (١) ، والذين يعتبرون أنّ نصف الدّين يؤخذ عنها وحدها.

____________

(١) ذكر صاحب كتاب « كشف الجاني » : ١٣١ أنّ المؤلّف كذب في هذا الكلام; لأنّ أهل السنّة لايقولون بذلك ، بل هم مختلفون في تفضيل عائشة على خديجة أو بالعكس ، وبعضهم يفضّل فاطمة سلام الله عليها عليهما.

والذي يرجع إلى أقوال علماء أهل السنّة في هذا المضمار يلحظ أنّ المؤلّف لم يجانب الصواب ، ولم يفترِ عليهم ما لم يقولوه كما حاول عثمان الخميس في كتابه « كشف الجاني » إظهار المؤلّف بذلك ، مجازفاً في تحميل مذهب أهل السنّة المفضّل لعائشة على بقية زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى فاطمة سلام الله عليها على بعض الأقوال ، وننقل هنا كلمات علماء أهل السنّة في المسألة ليطلع عليها القارئ وصاحب كتاب « كشف الجاني » إذ لعلّه لا يستطيع اقتناءها فلذلك زوّر الكلام جزافاً :

(١) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢ : ١٤٠ في ترجمة عائشة ١٩ : « .. ولم يتزوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكراً غيرها ، ولا أحبّ امرأة حبّها ، ولا أعلم من أُمّة محمّد بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها ، وذهب بعض العلماء إلى أنّها أفضل من أبيها ».

فهنا لم يفضّلوا عائشة على خديجة فحسب بل فضّلوها حتى على أبيها!!

(٢) وقال ابن تيمية في كتابه أُمّ المؤمنين عائشة : ٢٣ : « قد ذهب إلى ذلك [ أي تفضيل عائشة على غيرها من النساء ] كثير من أهل السنّة ».

(٣) عن الزهري أنّه قال : « لو جمع علم الناس كلّهم ثمّ علم أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١١٦

____________

لكانت عائشة أوسعهم علماً » المستدرك ٤ : ١١ ، وقال عطاء : « وكانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً في العامة » المستدرك ٤ : ١٤.

وذكروا لعائشة كثير من الخصائص التي لم يرد لواحدة من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربع معشارها لا عشرها فقط ، وهنا نورد بعضها ومن شاء فليراجع :

(١) قال الحاكم : « نقل عن عائشة وحدها ربع الشريعة » الإجابة : ٦٢.

(٢) إنّ جبرائيل عليه‌السلام جاء بصورتها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون غيرها. الكامل في التاريخ ٦ : ٣٦٤ ، تاريخ بغداد ١١ : ٢٢١.

(٣) إنّ الوحي لا يأتي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ في بيتها دون سائر نسائه. صحيح البخاري ٧ : ٨٤.

(٤) إنّها أحبّ الناس إلى الرسول بعد أبيها. صحيح البخاري ٧ : ١٩.

(٥) جبرائيل عليه‌السلام يقرئها السلام دون غيرها من نسائه ، وأنّها الوحيدة من زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي رأته. صحيح البخاري ٧ : ٨٤.

(٦) إنّها فضلت أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعشر خصال دون غيرها. سير أعلام النبلاء ، للذهبي ٥ : ١٤٧.

(٧) إنّه كان يقبّلها وهو صائم دون غيرها من نسائه. صحيح البخاري ١ : ٨٣.

(٨) كان آخر زاده من الدنيا ريقها. صحيح البخاري ٥ : ١٤٢.

(٩) إنّها زوجته في الدنيا والآخرة ولم يرد في حقّ غيرها ذلك. المعجم الأوسط للطبراني ١ : ١٦٩.

(١٠) إنّها كانت تصوم الدهر دون غيرها. السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٣٠١.

(١١) إنّ الملائكة كانت تحف بيتها دون غيرها. السمط الثمين ص٧١.

(١٢) إنّها كانت تغتسل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إناء واحد دون غيرها. صحيح ابن حبان ٣ : ٣٩٢.

(١٣) إنّه كان لها يومان وليلتان وبقية نسائه يوم وليلة. صحيح مسلم ٤ : ١٧٤.

(١٤) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتذر منها دون غيرها. السمط الثمين لمحب الدين

١١٧

وإذا ما تجرّدنا للحقيقة بدون تعصّب ولا انحياز ، فهل من المعقول أن يحكُمَ العقلُ بأنّها مطهّرة من الذنوب والمعاصي؟ أم أنّ الله سبحانه رفع عنها حصانته المنيعة بعد موت زوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فلننظر معاً إلى الواقع.

____________

الطبري : ص٥٢.

إلى غير ذلك من الخصائص المزعومة التي ذكرت لها دون غيرها من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتي هي من الكثرة بحيث لم تكن لغيرها عشر معشار ما ذكر لها. وقد ذكر ابن تيمية كلاماً فيه طعن وتوهين للسيدة خديجة على حساب تفضيل عائشة واعطائها ذلك المنصب المصطنع من قبل الأمويين ، قال في كتابه أُم المؤمنين عائشة : ٢٥ : « وهؤلاء يقولون : قوله لخديجة : « ما أبدلني الله بخير منها » ـ إن صحّ ـ فمعناه : ما أبدلني بخير لي منها; لأنّ خديجة نفعته في أول الإسلام نفعاً لم يقم غيرها فيه مقامها ، فكانت خيراً له من هذا الوجه لكونها نفعته وقت الحاجة ، ولكن عائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلاّ أول زمن النبوة ، فكانت أفضل بهذه الزيادة ، وبلغت من العلم ما لم يبلغه غيرها ، فخديجة كان خيرها مقصوراً على نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. ».

وهذا الاستدلال كان من الأحرى لابن تيمية أن يجعله دليلا على أفضليتها على عائشة; لأنّها نصرت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول الرسالة حينما كان وحيداً ، بلا ناصر ولا معين ، وكان الطلقاء وأبناء الطلقاء يتربصون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل منفذ وكل فج ، ولم يألوا جهداً في معارضته بكلّ الأساليب والطرق من أذى ، وجوع ، وعزل عن المجتمع ، واستهزاء وسخرية وغيرها ... ، ومع ذلك وقفت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وناصرته وآزرته وثبت على إيمانها .. بينما عائشة تزوّجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة بعد أن ارتفعت جميع الموانع ، وأصبح المسلمون في حرية كاملة والدين في سعة لا ضيق .. ومن الواضح أنّ المناصرة في الشدة أكمل وأحسن من المناصرة ـ على الفرض ـ في وقت الرخاء والسعة .. فما ذكره ابن تيمية عليه لا له أن تدبّر.

١١٨

عائشة في حياة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وإذا ما بحثنا حياتها مع زوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجدنا الكثير من الذنوب والمعاصي ، فكانت كثيراً ما تتآمر مع حفصة على النبي حتّى اضطرّته إلى تحريم ما أحلّ الله له ، كما جاء ذلك في البخاري ومسلم (١) ، وتظاهرتا عليه أيضاً كما أثبت ذلك كلّ الصحاح وكتب التفسير (٢) ، وقد ذكر الله الحادثتين في كتابه العزيز.

كما كانت الغيرة تسيطر على قلبها وعقلها ، فتتصرّف بحضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصرّفاً بغير احترام ولا أدب ، فمرّة قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما ذكر عندها خديجة : مالي ولخديجة إنّها عجوز حمراء الشدقين أبدلك الله خيراً منها ، فغضب لذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى اهتزّ شعرهُ (٣).

ومرّة اُخرى بعثت إحدى أُمهات المؤمنين للنبي ( وكان في بيتها ) بصحفة فيها طعام كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشتهيه ، فكسّرت الصحفة أمامه بطعامها (٤) وقالتْ

____________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٦٨ ، ١٦٧ كتاب التفسير باب قوله : ( يَا أيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ) ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٤.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٧٠ ، كتاب التفسير باب قوله : ( إِنْ تَتُوبا ) ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٢.

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٢٣١ ، باب تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة ، وكذلك صحيح مسلم ٧ : ١٣٤ ، مسند أحمد ٦ : ١٥٠ ، والمستدرك للحاكم ٤ : ٢٨٦ ، باختلاف في الألفاظ.

(٤) صحيح البخاري ٦ : ١٥٧ في باب الغيرة.

١١٩

للنبي مرّة أُخرى : أنتَ الذي تزعم أنّك نبي الله (١) ، ومرّة غضبت عنده فقالت له : أعدل ، وكان أبوها حاضراً فضربها حتى سال دمها (٢).

وبلغ بها الأمر من كثرة الغيرة أن تكذب على أسماء بنت النعمان لمّا زُفّتْ عروساً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت لها : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعجبُه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له : أعوذ بالله منك ، وغرضها من وراء ذلك هو تطليق تلك المرأة البريئة الساذجة ، والتي طلّقها النبي بسبب هذه المقالة (٣).

وقد بلغ من سوء أدبها مع حضرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه كان يصلّي وهي باسطة رجليها في قبلته ، فإذا سجدَ غمزها فقبضتْ رجليها ، وإذا قام أعادت بسطتها في قبلته (٤).

وتآمرتْ هي وحفصة مرّة أُخرى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اعتزل نساءه بسببها لمدّة شهر كامل ينامُ على حصير (٥). ولمّا نزل قول الله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ... ) (٦) قالت للنبي في غير حياء : ما

____________

(١) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي ٢ : ٦٥ ، كتاب أدب النكاح ، الأدب الثاني ، السمط الثمين في مناقب أُمهات المؤمنين لمحب الدين الطبري : ٥٤ وقال : أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ : ١٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٢٥٩ ، الإصابة ٨ : ١٩ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٣٧ ، فتح الباري لابن حجر ٩ : ٢٩٥.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٠١ ، باب الصلاة على الفراش.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٠٥ ، في باب الغرفة والعلية المشرفة من كتاب المظالم.

(٦) الأحزاب : ٥١.

١٢٠