لا تخونوا الله والرسول

صباح علي البيّاتي

لا تخونوا الله والرسول

المؤلف:

صباح علي البيّاتي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-291-1
الصفحات: ٣٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

جهاد عدوكم وكتاب الله وما قد خلّف نبيه من دينه معكم وعندكم ، وقد تبين لكم فيما جاءكم عني أنه ميت ومفارقكم ، ومن ينقلب علىٰ عقبيه ، أي يرجع عن دينه... (١) .

ومعلوم أن معظم الصحابة ـ ومنهم أبوبكر وعمر وعثمان ـ قد فرّوا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد ، ولم يثبت معه إلّا القليل ، وفي مقدمتهم أميرالمؤمنين عليه‌السلام .

وهناك آيات اُخرىٰ كثيرة في هذا الشأن لا مجال لذكرها ، وقد استعرضت عدداً منها في الفصول التي تحدّثت فيها عن الصحابة في كتابي ( الصحوة ) فليراجع .

الصحابة في السنة النبوية :

قول الشيخ :

ومن اعتقد ما يخالف كتاب الله وسنة نبيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد كفر (٢) .

قلت : أما كتاب الله ، فقد بينا أننا لا نعتقد ما يخالفه من خلال الشواهد القرآنية التي أوردناها ، وتبين أن عقيدتنا مطابقة لكتاب

_______________

(١) تفسير الطبري ٤ / ٧٤ .

(٢) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ١٣ .

٨١

الله العزيز فيما يتعلق بالصحابة .

وبقي لنا أن نبين عقيدتنا فيهم من خلال السنة النبوية الشريفة ، وما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق بعض الصحابة ، معتمدين في ذلك علىٰ أقوىٰ الروايات التي وردت في أقوىٰ مصادر أهل السنة وفي مقدمتها صحاحهم :

لقد أكد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أصحابه سوف ينقلبون علىٰ أعقابهم ويحدثون في دين الله ما ليس منه في جملة من الأحاديث النبوية الشريفة والتي تكاد تكون متواترة عن جمع من الصحابة ، كما في حديث الحوض ، وكما أخبر بأنهم سوف يتنافسون علىٰ الدنيا ويحرصون علىٰ الامارة وستكون ندامة عليهم وحسرة .

وقد أثبتت الوقائع كل ذلك ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يترك شيئاً لم يبينه لأُمته ، ولا خاف عليهم فتنة إلّا وحذرهم منها ، حتىٰ أعذر إليهم لكيلا يكون لأحدهم حجة بعد ذلك ، وفيما يلي سوف نستعرض بعض هذه الأحاديث من أوثق مصادر أهل السنة :

١ ـ في الصحيحين ـ واللفظ لمسلم ـ عن عقبة بن عامر ، قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علىٰ قتلىٰ أُحد ، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات ، فقال : « إني فرطكم علىٰ الحوض ، وإن عرضه كما بين أيلة إلىٰ الجحفة ، إني لست أخشىٰ عليكم أن تشركوا

٨٢

بعدي ، ولكني أخشىٰ عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها ، وتقتتلوا ، فتهلكوا ، كما هلك ممن كان قبلكم » (١) .

٢ ـ عن أبي وائل ، قال : قال عبدالله : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « أنا فرطكم علىٰ الحوض ، ليرفعن إلي رجال منكم ، حتىٰ إذا أهويت لأُناولهم ، اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب ، أصحابي ، فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٢) .

٣ ـ عن أبي حازم ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : « أنا فرطكم علىٰ الحوض ، من ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً ، ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم... » (٣) .

٤ ـ عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتىٰ إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي ، فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٤) .

٥ ـ عن أبي هريرة أنه كان يحدّث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « يرد

_______________

(١) صحيح مسلم ٤ / ١٧٩٦ ، صحيح البخاري ٨ / ١١٢ .

(٢) صحيح البخاري ٨ / ١٤٩ ، صحيح مسلم ٤ / ١٧٩٤ .

(٣) صحيح البخاري ٩ / ٥٨ باب الفتن .

(٤) صحيح البخاري ٨ / ١٤٩ ، صحيح مسلم ٤ / ١٨٠٠ .

٨٣

علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤن عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا علىٰ أدبارهم القهقرىٰ » (١) .

لاحظ عبارة ( ارتدوا ) في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ ـ عن ابن المسيب أنه كان يحدّث عن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « يرد علي الحوض رجالٌ من أصحابي فيحلؤن عنه فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا علىٰ أدبارهم القهقرىٰ » (٢) .

٧ ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « بينا أنا قائم ، إذا زمرة ، حتىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ، فقلت : أين ؟ قال : إلىٰ النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرىٰ ، ثم إذا زمرة حتىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلىٰ النار والله ، قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرىٰ ، فلا أراه

_______________

(١) صحيح البخاري ٨ / ١٤٩ ـ ١٥٢ باب الحوض ، ما جاء في باب الرقاق وأن لا عيش إلّا عيش الآخرة .

(٢) صحيح البخاري ٨ / ١٤٩ ـ ١٥٢ باب الحوض ، ما جاء في باب الرقاق وأن لا عيش إلّا عيش الآخرة .

٨٤

يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » (١) .

٨ ـ وعن أُم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها قالت : كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما كان يوماً من ذلك والجارية تمشطني ، فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : « أيها الناس » ، فقلت للجارية : استأخري عني ، قالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء ، فقلت : إني من الناس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إني لكم فرط علىٰ الحوض ، فاياي لا يأتيني أحدكم فيُذب عني كما يُذب البعير الضال فأقول : فيم هذا ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً » (٢) .

٩ ـ عن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول علىٰ هذا المنبر : « ما بال رجال يقولون : إن رحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تنفع قومه ! بلىٰ والله ، إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، وإني أيها الناس فرط لكم علىٰ الحوض ، فاذا جئتم قال رجل : يا رسول الله ، أنا فلان بن فلان ، وقال أخوه : أنا فلان بن فلان ، قال لهم : أما

_______________

(١) صحيح البخاري ٨ / ١٤٩ ـ ١٥٢ باب الحوض ، ما جاء في باب الرقاق وأن لا عيش إلّا عيش الآخرة .

(٢) صحيح مسلم ٤ / ١٧٩٠ .

٨٥

النسب فقد عرفته ، ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرىٰ » (١) .

١٠ ـ عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « ليردن علي رجال ممن صحبني ورآني حتىٰ إذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن : رب أصحابي ، أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٢) .

كما عيّرت عائشة أُم المؤمنين مروان بن الحكم بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد لعنه ، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها من طرق ذكرها ابن خيثمة أنها قالت لمروان بن الحكم ـ حين قال لاخيها عبد الرحمن بن أبي بكر لما امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد ما قال ـ والقصة مشهورة : أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن أباك وأنت في صلبه... (٣) .

إلى غير ذلك من النصوص التي تثبت أن الصحابة لم يكونوا كلهم عدولاً ولا سواء في الميزان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هذا مع أن الصحابة أنفسهم لم يكونوا يعتقدون في أنفسهم ما يعتقده القائلون بعدالتهم المطلقة فيهم ، فقد ورد عن بعض الصحابة الاعتراف بأنهم

_______________

(١) مسند أحمد ٣ / ١٨ .

(٢) مسند أحمد ٥ / ٤٨ .

(٣) أسد الغابة ١ / ٥١٤ .

٨٦

قد أَحدثوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب رضي‌الله‌عنه فقلت : طوبىٰ لك ، صحبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي ، إنك لا تدري ما أَحدثنا بعده !! (١) .

وعن ابن عباس قال : يقول أحدهم : أبي صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولنعلٌ خلق خير من أبيه (٢) .

هذه بعض الشهادات التي تبين حال الصحابة ، وأجد ذلك كافياً في إثبات صحة اعتقادنا فيما يتعلق بالصحابة ، وقد ثبت أننا لا نخالف في ذلك كتاب الله ولا سنة نبيه المتواترة ، كما أن نظريتنا تنطبق علىٰ الواقع من سيرة الصحابة وباعترافاتهم .

الصحابة وأهل البيت :

قال الشيخ ابن عبد الوهاب في « مطلب الوصية بالخلافة » ، فيما ينسبه من القول إلىٰ الشيعة :

وأن الله اختار لصحبته من يبغض أجلّ أهل بيته عليهم‌السلام .

_______________

(١) صحيح البخاري ٥ / ١٥٩ ـ ١٦٠ .

(٢) مجمع الزوائد ١ / ١١٣ وقال : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .

٨٧

نقول : ليس الشيعة وحدهم يعتقدون ذلك ، بل إن كبار المحدثين من أهل السنة والذين أخرجوا الروايات المتعلقة بذلك في أهم مصادر السنة يعترفون بذلك ، وفيها اعترافات صريحة من بعض الصحابة ببغضهم أهل البيت ، وإليك جملة من هذا الروايات :

١ ـ عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث : أن العباس بن عبد المطلب دخل علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مغضباً وأنا عنده فقال : « ما أغضبك ؟ » قال : يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة ، وإذا لقونا بغير ذلك ؟ قال : فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتىٰ احمرّ وجهه ثم قال : « والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الايمان حتىٰ يحبكم لله ولرسوله » ، ثم قال : « أيها الناس ، من آذىٰ عمي فقد آذاني ، فانما عم الرجل صنو أبيه » (١) .

٢ ـ عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة إذ أتينا علىٰ حديقة ، فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! فقال : « إن لك في الجنة أحسن منها... » فلما خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ، ما يبكيك ؟ قال : « ضغائن في صدور أقوام لا

_______________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٦٥٢ وقال : هذا حديث حسن صحيح ، المستدرك ٣ / ٢٣٣ ، مسند أحمد ٤ / ١٦٥ ، مصابيح السنة ٤ / ١٩١ .

٨٨

يبدونها لك إلّا من بعدي » قال : قلت : يا رسول الله ، في سلامة من ديني ؟ قال : « في سلامة من دينك » (١) .

٣ ـ عن ابن بريدة عن أبيه ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً أميراً علىٰ اليمن ، وبعث خالد بن الوليد علىٰ الجبل ، فقال : « إن اجتمعتما فعليّ علىٰ الناس » ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأخذ عليّ جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة ، فقال : اغتنمها فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما صنع ، فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في منزله ، وناس من أصحابه علىٰ بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة ؟ فقلت : خيراً ، فتح الله علىٰ المسلمين ، فقالوا : ما أقدمك ؟ قال : جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لأُخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فقالوا : فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنّه يسقط من عين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع الكلام ، فخرج مغضباً وقال : « ما بال أقوام ينتقصون علياً ، من ينتقض علياً فقد انتقصني ومن فارق علياً فقد فارقني ، إن علياً مني وأنا منه ، خُلق من طينتي وخُلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » ، وقال : « يا بريدة ، أما علمت أن لعلي أكثر من

_______________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١١٨ .

٨٩

الجارية التي أخذ ، وإنه وليكم بعدي » ، فقلت : يا رسول الله ، ما بالصحبة إلّا بسطت يدك حتىٰ أُبايعك علىٰ الاسلام جديداً ، قال : فما فارقته حتىٰ بايعته علىٰ الاسلام (١) .

وفي رواية ابن عساكر ، قال بريدة : وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي ، وقد علم خالد بن الوليد... ( إلىٰ أن قال ) : فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد غضب غضباً لم أره غضب مثله قط إلّا يوم قريظة والنضير ، فنظر إلي فقال : « يا بريدة ، إن علياً وليكم بعدي ، فأحب علياً فانه يفعل ما يؤمر »...

وقال عبدالله بن عطاء : حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن غفلة فقال : كتمك عبدالله بن بريدة بعض الحديث ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : « أنافقت بعدي يا بريدة ؟! » (٢) .

٤ ـ وعن عمرو بن شأس الاسلمي ـ وكان من أصحاب الحديبية ـ قال : خرجت مع علي عليه‌السلام إلىٰ اليمن فجفاني في سفري ذلك حتىٰ وجدت في نفسي عليه ، فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد حتىٰ سمع بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس في ناس من أصحابه ، فلما رآني أبدا

_______________

(١) المعجم الاوسط ٦ / ٢٣٢ .

(٢) تاريخ دمشق ٤٢ / ١٩١ .

٩٠

لي عينيه ـ يقول حدد النظر إلي ـ حتىٰ إذا جلست قال : « يا عمرو والله لقد آذيتني » ، قلت : أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله ، قال : « بلىٰ ، من آذىٰ علياً فقد آذاني » (١) .

٥ ـ وعن سعد بن أبي وقاص ، قال : كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي ، فنلنا من عليّ ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضبان يُعرف في وجهه الغضب ، فتعوذت بالله من غضبه ، فقال : « ما لكم ومالي ، من آذىٰ علياً فقد آذاني » (٢) .

٦ ـ عن حيان الأسدي ، سمعت علياً يقول : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إن الأُمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش علىٰ ملتي وتُقتل علىٰ سنتي ، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني ، وإن هذه ستخضب من هذا » يعني لحيته من رأسه (٣) .

٧ ـ عن جابر ، قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلىٰ علي بن أبي طالب يوم الطائف وأطال مناجاته فرأىٰ الكراهية في وجوه رجال ، فقالوا : قد

_______________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٢٩ وقال : رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه ورجال أحمد ثقات .

(٢) المصدر السابق ٩ / ١٢٩ وقال : رواه أبو يعلىٰ والبزار باختصار ورجال أبي يعلىٰ رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان وهما ثقتان .

(٣) المستدرك ٣ / ١٤٢ وصححه ووافقه الذهبي .

٩١

أطال مناجاته منذ اليوم ، فقال : « ما أنا انتجيته ، ولكن الله انتجاه » (١) .

٨ ـ عن زيد بن أرقم قال : كانت لنفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبواب شارعة في المسجد ، فقال يوماً : « سدّوا هذه الأبواب إلّا باب علي » ، فتكلم في ذلك ناس ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحمد الله وأثنىٰ عليه ، ثم قال : « أما بعد فاني أُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي ، فقال فيه قائلكم ، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أُمرت بشيء فاتبعته » (٢) .

٩ ـ عن زر : قال علي : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأُمي إلي : أنه لا يحبني إلّا مؤمن ولا يبغضني إلّا منافق (٣) .

من كل هذا يتبين لنا أن عدداً غير قليل من الصحابة كانوا يبغضون أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلىٰ رأسهم أمير المؤمنين عليه‌السلام كما صرحت به هذه الروايات التي أخرجها أئمة المحدثين والحفاظ من أهل السنة ، وليس الشيعة وحدهم يدّعون ذلك ، وليس لنا أن

_______________

(١) تاريخ دمشق ٢ / ٣١٦ ، المعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٨٦ .

(٢) المستدرك ٣ / ١٥ .

(٣) صحيح مسلم ١ / ٨٦ كتاب الايمان ، باب : الدليل علىٰ أن حب الانصار وعلي ( رضي الله عنهم ) من الايمان وعلاماته ، وبغضهم من علامات النفاق .

٩٢

نقول بعد هذا سوىٰ أن أُولئك الصحابة الذين أبغضوا علياً إنما هم في الحقيقة قد ابغضوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله : « من أحب علياً فقد أحبني ، ومن ابغض علياً فقد أبغضني » (١) .

سب الصحابة :

وفي : « مطلب السب » قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :

ومنها إيجابهم سب الصحابة لاسيما الخلفاء الثلاثة نعوذ بالله... ، قال الله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) ... ومن سب من رضي الله عنه فقد حارب الله ورسوله ، وقال : ( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) ... والقرآن مشحون من مدح الصحابة (رضي الله عنهم) ، فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله من إكرامهم ، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذب الله تعالىٰ فيما أخبر من كمالهم وفضائلهم ، ومكذبه كافر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « النجوم أمنة السماء فاذا ذهبت النجوم أتىٰ السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فاذا ذهبت أتىٰ أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة

_______________

(١) المستدرك ٣ / ١٣٠ وصححه ووافقه الذهبي ، كما صححه الألباني أيضاً .

٩٣

لاُمتي فاذا ذهب أصحابي أُتي اُمتي ما يوعدون » ... .

وقد صح عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : « لعل الله اطلع علىٰ أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم قد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم » وقد صح عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : « لا يدخل النار من حضر الحديبية إن شاء الله تعالىٰ » ... وقد روي بأسانيد بعضها حسن عن ابن عباس قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده علي رضي‌الله‌عنه فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « يا علي سيكون في أُمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت لهم نبز يسمون الرافضة قاتلوهم فانهم مشركون ... (١) .

نقول :

إنّ ماذكره محمد بن عبد الوهاب ليس بحثاً علمياً مبنائياً ، فلابد أولاً من المناقشة في المباني التي تترتب عليها التفريعات ، والمبنى الأساسي الذي يدور حوله هذا البحث هو مسألة عدالة جميع الصحابة الذي أصبح محط أنظار العلماء ، ونحن فيما سبق قد ناقشنا هذه المسألة وبيّنا بطلان القول بعدالة جميع الصحابة ، وعليه فتجري قواعد الجرح والتعديل عليهم وتبحث أحوالاتهم ، ومن ثمّ يميّز الصحيح من السقيم منهم .

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ١٥ ـ ١٨ .

٩٤

وأمّا الأحاديث التي استشهد بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ومنها الحديث المنسوب إلىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « النجوم أمنة السماء... » .

فنقول : إن هذا الحديث ـ المروي بهذه الصورة ـ يشكل حجة علىٰ الشيخ وعلىٰ القائلين بقوله ، وليس حجة لهم ، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأنا أمنة لأصحابي ، فاذا ذهبت أتىٰ أصحابي ما يوعدون... » ، فان هذا يثبت ما نذهب إليه من أن الكثير من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انقلبوا علىٰ أعقابهم ، وهو توضيح لأحاديث ( الحوض ) التي ذكرناها سابقاً .

أما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأصحابي أمنة لأُمتي فاذا ذهب أصحابي أتىٰ أُمتي ما يوعدون » ، فذلك يقتضي أن الأمّة قد ضلّت بعد انقراض الصحابة وستبقىٰ كذلك إلىٰ قيام الساعة ، لأننا لا نتوقع عودة الصحابة إلىٰ الحياة مرة أُخرىٰ ، أما إذا كان المقصود بأن الأُمة ستبتلىٰ بالفتن بعد ذهاب الصحابة ، فالأُمة قد ابتليت بهذه الفتن في وجود الصحابة ، وما مقتل عثمان وما جرىٰ من حروب الجمل وصفين وغير ذلك إلّا دليلاً علىٰ ما نقول .

إن هناك تناقضاً في هذا الحديث لا يمكن حلّه ، لأن هذا الحديث قد تعرّض إلىٰ عملية تحريف في صيغته خدمة لأغراض

٩٥

القائلين بعدالة الصحابة المطلقة ، ولكنهم أوقعوا أنفسهم في هذا التناقض ، ويأبىٰ الله إلا أن يكشف الزيف .

أما كيف يمكن أن يُحل هذا الاشكال ؟ فذلك لا يتم إلا بالرجوع إلىٰ الصيغة الصحيحة لهذا الحديث ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « النجوم أمان لأهل السماء فان طمست النجوم أتىٰ السماء ما يوعدون ، وأنا أمان لأصحابي فاذا قبضت أتىٰ أصحابي ما يوعدون ، وأهل بيتي أمان لأُمتي فاذا ذهب أهل بيتي أتىٰ أُمتي ما يوعدون » (١) .

وبذلك يتبين أن أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الأمان لأهل الأرض ، وهم الذين أخبر النبي بأنهم الثقل الثاني الذي لا يفارق الثقل الأكبر ( القرآن الكريم ) حتىٰ يردا عليه الحوض معاً .

والشواهد علىٰ ذلك أكثر من أن تحصىٰ ، وقد اعترف بذلك العديد من علماء وحفاظ أهل السنة .

قال ابن حجر الهيتمي المكي : وفي رواية صحيحة : « إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما : كتاب الله وأهل بيتي عترتي » ، وزاد الطبراني : « إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم »... .

_______________

(١) المستدرك ٣ / ٤٥٧ .

٩٦

والحاصل أن الحث وقع علىٰ التمسك بالكتاب وأهل البيت ، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الكتاب وأهل البيت إلىٰ قيام الساعة .

ثم اعلم أن لحديث التمسك بالكتاب وأهل البيت طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً... وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ، وفي أُخرىٰ أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أُخرىٰ أنه قال ذلك بغدير خم ، وفي أُخرىٰ أنه قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف... .

ولا تنافي ، إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها ، إهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة...

وفي أحاديث الحث علىٰ التمسك بأهل البيت إشارة إلىٰ عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلىٰ يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض... (١) .

وتكفينا هذه الشهادة من خصم عنيد للشيعة ، فانه بعد أن يعترف بكل ذلك يعود إلىٰ تعصبه فيتحامل علىٰ الشيعة ويكيل لهم الاتهامات الباطلة ، وما ذلك إلا لجهله بحقيقة الشيعة الذين فهموا

_______________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣٠ ـ ٢٣٢ .

٩٧

جيداً وصية نبيهم الكريم وتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ .

أما الحديث الذي يدعي أن الله قد غفر لأهل بدر مهما عملوا ، فيكذبه الواقع ، لأن بعض البدريين خالفوا أوامر النبي ووصاياه ، وطبع علىٰ قلب البعض منهم بنص القرآن الكريم كما ثبت في قصة ثعلبة بن حاطب .

أما أن أحداً ممن حضر الحديبية لا يدخل النار ، فعلماء أهل السنة ينقضون ذلك ، فقد قال ابن حزم : وعمار رضي‌الله‌عنه قتله أبو العادية يسار بن سبع السلمي ، شهد بيعة الرضوان ، فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه ، فأبو العادية رضي‌الله‌عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجراً واحداً !! وليس هذا كقتلة عثمان رضي‌الله‌عنه ، لأنهم لا مجال للإجتهاد في قتله ... !! بل هم فساق محاربون سافكون دماً حراماً عمداً بلا تأويل علىٰ سبيل الظلم والعدوان ، فهم فساق ملعونون (١) .

يقول ابن حزم هذا وينسىٰ أن في جملة قتلة عثمان رجل ممن شهد بيعة الرضوان في الحديبية وهو عبد الرحمن بن عديس البلوي ، وفي ترجمته مايأتي :

_______________

(١) الفصل في الملل والنحل ٤ / ١٦١ .

٩٨

مصري شهد الحديبية ، عن يزيد بن حبيب قال : كان عبد الرحمن ابن عديس البلوي ممن بايع تحت الشجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال أبو عمرو : هو كان الأمير علىٰ الجيش القادمين من مصر إلىٰ المدينة الذين حصروا عثمان وقتلوه (١) .

فاذا كان قتلة عثمان كما يصفهم ابن حزم وغيره كابن كثير ، فكيف تكون الشهادة لهم بالجنة ؟!!

وفضلاً عن ذلك ، فان الأحاديث الصحيحة قد جاءت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإخبار بأن قاتل عمار بن ياسر وسالبه في النار ، وأبو العادية قاتل عمار وهو من أهل الحديبية فهو في النار رغم كل إدعاءات ابن حزم وغيره ، مما يثبت عدم صحة الحديث الذي يدعي بأن أحداً ممن بايع تحت الشجرة لا يدخل النار .

أما الحديث المزعوم عن الرافضة ، فنقول فيه : إن هذا الحديث هو من جملة الاحاديث المكذوبة التي اختلقتها السياسة الجائرة لتتخذها ذريعة للفتك بالمعارضين لأنظمة الحكم التي كان يقودها الطغاة من بني أُمية وبني العباس ، ومسألة الوضع في الحديث من باب الخصومة السياسية والمذهبية مسألة معروفة عند الباحثين

_______________

(١) الاستيعاب ٢ / ٨٤٠ ، أُسد الغابة ٣ / ٣٧٠ .

٩٩

المحققين في حوادث القرن الأول الهجري وما بعده .

وإذا كان المقصود بالروافض الذين رفضوا خلافة الشيخين ، فقد كان ينبغي علىٰ الصحابة المخلصين الملتزمين بأوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبادروا إلىٰ قتل كل من أمير المؤمنين عليه‌السلام وجميع بني هاشم وعدداً من كبار الصحابة كسعد بن عبادة والزبير بن العوام وعمار بن ياسر وغيرهم ، لأنهم امتنعوا عن بيعة أبي بكر لفترة ما ، أما سعد بن عبادة فقد امتنع عن البيعة حتىٰ توفي كما هو ثابت في مصادر التاريخ والحديث .

فضائل الصحابة

وقال محمد بن عبد الوهاب أيضاً :

وقد تواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يدل علىٰ كمال الصحابة (رضي الله عنهم) خصوصاً الخلفاء الراشدين ، فان ما ذكر في مدح كل واحد مشهور بل متواتر ، لأن نقلة ذلك أقوام يستحيل تواطؤهم علىٰ الكذب ويفيد مجموع أخبارهم العلم اليقيني بكمال الصحابة وفضل الخلفاء... (١) .

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ١٨ .

١٠٠