لا تخونوا الله والرسول

صباح علي البيّاتي

لا تخونوا الله والرسول

المؤلف:

صباح علي البيّاتي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-291-1
الصفحات: ٣٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فانهم كلهم بالنص والابصار عمن قبله ، وهذه دعوىٰ بلا دليل مشتملة علىٰ كذب ، فبطلانها أظهر من أن يبين ، ويتوسلون بها إلىٰ بطلان خلافة من سواهم ، في ذلك تكذيب لنصوص واردة في خلافة الخلفاء الراشدين وخلافة قريش (١) .

أما ادعاء الشيخ أن دعوىٰ الشيعة بلا دليل ، فسوف نثبت أن دعواهم بدليل ، ولا أدري لماذا لا يكلف الشيخ نفسه سوق بعض الأدلة القوية لاثبات صحة ادعاءاته ويكتفي بالقول أن بطلان ادعاءات الشيعة أظهر من أن يبين ؟!!

أما قولنا ببطلان خلافة الخلفاء الثلاثة ، فسوف نثبت ذلك بالأدلة الدامغة ، وأما النصوص التي يدعيها الشيخ علىٰ صحة خلافة الخلفاء الثلاثة ، فنحن بصدد بطلانها في هذا الفصل .

لقد ورد حديث الاثني عشر خليفة من قريش في معظم مصادر أهل السنة وصحاحهم باختلاف يسير في بعض الألفاظ ، حيث وردت عبارات ( خليفةً ، أميراً ، رجلاً ، قيّماً ) في هذه الروايات ، وسوف أستشهد ببعض هذه الروايات ، ثم أُسجل آراء العلماء والحفاظ في شرح متن هذا الحديث الصحيح :

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٢٧ .

٤١

١ ـ أخرج البخاري عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : « يكون إثنا عشر أميراً » فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنه قال : « كلهم من قريش » (١) .

٢ ـ أخرج مسلم عدة روايات ، أورد منها هاتين الروايتين :

عن جابر بن سمرة ، قال : دخلت مع أبي علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسمعته يقول : « إن هذا الأمر لا ينقضي حتىٰ يمضي فيهم إثنا عشر خليفة » ، قال : ثم تكلّم بكلام خفي علي ، قال : فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : « كلّهم من قريش » .

وعن جابر بن سمرة أيضاً قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً » ، ثم تكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ فقال : « كلهم من قريش » .

٣ ـ في سنن الترمذي « يكون من بعدي إثنا عشر أميراً » (٢) .

٤ ـ في سنن أبي داود قريب من ذلك أيضاً (٣) .

٥ ـ وأخرج الطبراني عن جابر بن سمرة قال : كنت مع أبي

_______________

(١) صحيح البخاري ٩ / ١٠١ كتاب الأحكام ، باب الاستخلاف .

(٢) سنن الترمذي ٤ / ٥٠١ .

(٣) سنن أبي داود ٤ / ١٠٦ .

٤٢

عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : « يكون لهذه الاُمة إثنا عشر قيّماً لا يضرهم من خذلهم » (١) .

وقد تحيّر علماء أهل السنة في تفسير هذا الحديث ، فقال ابن كثير : وليسوا بالاثني عشر الذين يدّعون إمامتهم الرافضة...

وبعد أن يورد الروايات التي في هذا الشأن ، يبدأ بالتخبط ، فيذكر رأي البيهقي الذي مفاده أن هذا العدد قد وجد بالصفة المذكورة إلىٰ وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، لكنه يعترف بأن الخلفاء إلىٰ زمن الوليد بن يزيد أكثر من اثني عشر علىٰ كل تقدير ، ثم يقوم بمحاولات أُخرىٰ باسقاط البعض منهم أو إضافة آخرين ، ولكن العدد عنده لا يستقيم مطلقاً ، فتارة يبلغون خمسة عشر ، وأُخرىٰ أكثر من ذلك (٢) .

أما ابن بطّال فيروي عن المهلب أنّه لم يلق أحداً يقطع في هذا الحديث بشيء معين .

أما القاضي عياض فيحاول الجمع بين هذا الحديث وحديث « الخلافة ثلاثون سنة » ثم يقول : وقد مضىٰ منهم الخلفاء الأربعة ولابد من تمام العدة قبل قيام الساعة .

_______________

(١) المعجم الكبير ٢ / ١٩٦ .

(٢) البداية والنهاية ٦ / ٢٤٨ ـ ٢٥٠ .

٤٣

وأما ابن الجوزي فيقول في كشف المشكل : قد أطلت البحث عن معنىٰ هذا الحديث وتطلبت مضانه وسألت عنه فلم أقع علىٰ المقصود به ، لأن ألفاظه مختلفة ، ولا أشك أن التخليط من الرواة .

وقال ابن المنادي : يحتمل في معنىٰ حديث « يكون إثنا عشر خليفة » أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان .

وأما ابن حجر العسقلاني فيورد الآراء المتقدمة دون أن يعطي نتيجة حاسمة في الأمر (١) .

أما السيوطي فيقول : وقد وجد من الاثني عشر : الخلفاء الأربعة ، والحسن ومعاويه وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ، هؤلاء ثمانية ، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي ، لأنه في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين ، والظاهر العباسي ، أيضاً لما أوتيه من العدل ، ويبقىٰ الاثنان المنتظران ، أحدهما المهدي من أهل البيت (٢) .

لكن الخلافة الاسلامية سقطت وأُلغيت ولمّا يظهر الخليفة الحادي عشر ، فمتىٰ يظهر إذاً ؟!

إن هذا الاضطراب والتخبط كله ناجم عن إعراض أُولئك العلماء

_______________

(١) فتح الباري ١٣ / ١٧٩ ـ ١٨٣ .

(٢) تاريخ الخلفاء : ١٠ .

٤٤

عن الحقيقة المتمثلة برأي الامامية الذين فهموا النص ووضحه لهم أئمتهم الهداة ، وهو أن المقصودين بالأمر ليسوا إلّا أئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم‌السلام .

ولقد فهم الكثير من أهل الكتاب ذلك بعد أن وجدوا في التوراة الصفة التي تنطبق عليهم فاعتنقوا الاسلام علىٰ مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، كما يعترف بذلك ابن كثير الدمشقي حيث يقول : وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : ( إن الله تعالىٰ بشر إبراهيم باسماعيل وانه ينمّيه ويكثرّه ويجعل من ذريته إثني عشر عظيماً ) (١) .

ثم ينقل ابن كثير رأي ابن تيمية بقوله : قال شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية : وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة ـ وقرر أنهم يكونون مفرقين في الأُمة ـ ولا تقوم الساعة حتىٰ يوجدوا ، وغلط كثير ممن تشرف بالاسلام من اليهود فظنوا أنهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم... (٢) .

ونحن نقول لابن تيمية : كيف عرفت أنهم يكونون مفرقين في الأُمة وليس في الحديث بمختلف رواياته ما يدل علىٰ ذلك ؟ وإن

_______________

(١) العهد القديم ، إصحاح ١٧ : آية ٢٠ .

(٢) البداية والنهاية ٦ / ٢٥٠ .

٤٥

أُولئك اليهود لم يغلطوا ، ولكن أنت المخطئ ، لانك أسدلت غشاوة التعصب علىٰ بصيرتك ، وإلّا فلماذا لم تبين لنا من هم أُولئك الاثنا عشر إن كنت تدري ؟!!

إن المشكلة التي حيرت العلماء هي لفظة ( خليفة ) التي وردت في بعض الروايات ، فحاولوا أن يطبقوها علىٰ الخلفاء الذين جلسوا علىٰ منصة الخلافة بغير حق ، وحاشا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبشر أُمته بأئمة الجور والضلالة من بني أُمية وبني العباس .

نحن نعتقد أن لفظة خليفة ـ وإن كانت لا تعني بالضرورة من يستلم الحكم بعد النبي كما تدل عليه الآيات القرآنية في استخلاف آدم مثلاً ـ هي السبب في عدم فهم القوم لمعنىٰ الحديث ، إلّا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يترك شيئاً لم يبينه لأُمته ، فقال في إحدىٰ الفاظ حديث الثقلين المتواتر : « إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتىٰ يردا علي الحوض » (١) .

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبر اُمته بأن الخلفاء من بعده هما : القرآن الكريم ، والأئمة من أهل بيته عليهم‌السلام ، وليس الخلفاء الجبابرة أو

_______________

(١) مسند أحمد ٥ / ١٨١ ـ ١٨٢ ، ١٨٩ ـ ١٩٠ ، كتاب السنة لابن أبي عاصم : ٣٣٧ ، ٦٢٩ ، وقد صححه الألباني في ( ظلال الجنة ) ـ المطبوع مع الكتاب ـ حديث : ٧٥٤ .

٤٦

بالأحرىٰ الملوك العتاة من بني أُمية وغيرهم ، وبهذا فقط ينتهي الاشكال ولا سبيل إلىٰ غيره .

روايات الاقتداء بالشيخين :

أما الروايات التي أوردها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، والتي فيها الحث علىٰ الاقتداء باللذين من بعده أبي بكر وعمر ، وهي كثيرة أخرجها غير واحد من المحدثين ، واستند المتكلمون من أهل السنة في كثير من الأحيان إليها في بيان حجية خلافة الشيخين .

لكن متابعة دقيقة لمتون هذه الروايات وأسانيدها ، وطعن كبار العلماء من أهل السنة أنفسهم فيها كافية لاثبات بطلان هذه الروايات .

لقد وردت روايات الاقتداء في بعض السنن والمسانيد ، ولم يخرجها الشيخان ، وحيث أن أصحاب السنن والمسانيد لم يخرجوا هذه الأحاديث إلّا من رواية حذيفة وابن مسعود رضي الله عنهما ، لذا فسوف أكتفي بمناقشة هذه الروايات ، وأعرض عما تبقىٰ اختصاراً للوقت .

أما حديث حذيفة فقد أخرجه :

٤٧

١ ـ الترمذي ، قال : حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » .

حدثنا أحمد بن منيع وغير واحد ، قالوا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير نحوه . وكان سفيان بن عيينة يدلّس في هذا الحديث ، فربما ذكره عن زائدة عن عبد الملك بن عمير ، وربما لم يذكر فيه زائدة .

وروىٰ سفيان الثوري هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير ، عن مولىٰ لربعي ، عن ربعي ، عن حذيفة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) .

٢ ـ أحمد بن حنبل ، رواه بنفس الاسناد (٢) .

٣ ـ ابن ماجة ، بنفس الاسناد (٣) .

٤ ـ الحاكم النيسابوري ، بنفس الاسناد (٤) .

هذه هي عمدة هذه الروايات عن الاقتداء بالشيخين ، وفي

_______________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٦٠٩ ـ ٦١٠ .

(٢) مسند أحمد ٥ / ٣٨٢ ، ٣٨٥ .

(٣) سنن ابن ماجة ١ / ٣٧ .

(٤) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ٧٥ .

٤٨

جميع أسانيدها ، عبد الملك بن عمير :

قال أحمد : عبد الملك مضطرب الحديث جداً مع قلة روايته ، ما أرى له خمسمائة حديث ، وقد غلط في كثير منها .

وقال إسحاق بن منصور : ضعفه أحمد جداً .

وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين : مخلّط (١) .

وقال ابن خراش : كان شعبة لا يرضاه ، وذكر الكوسج عن أحمد أنه ضعفه جداً .

وأما ابن الجوزي فذكره ، فحكىٰ الجرح وماذكر التوثيق (٢) .

وفي بعض طرق هذا الحديث : حفص بن عمر الايلي :

قال العقيلي : قال الشيخ : وهذا الحديث عن مسعر ليس يرويه غير أبي إسماعيل ، وإنما هذا الحديث عند مسعر بهذا الاسناد : « اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر » ، ولحفص بن عمر هذا غير ما ذكرت من الحديث ، وأحاديثه كلها إما منكر المتن أو منكر الاسناد وهو إلىٰ الضعف أقرب (٣) .

وإضافة إلىٰ ذلك فان في بعض أسانيد الحاكم ( يحيىٰ الحماني ) :

_______________

(١) تهذيب التهذيب ٦ / ٣٦٥ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ٦٦٠ .

(٣) الضعفاء ٢ / ٧٩٧ .

٤٩

قال الحافظ الهيثمي : وهو ضعيف (١) .

وأخرج الحاكم النيسابوري الحديث من طريق آخر ، قال :

وقد وجدنا له شاهداً باسناد صحيح عن عبدالله بن مسعود ، حدثنا أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ عبدالله بن أحمد بن حنبل ، ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي الزعراء ، عن عبدالله بن مسعود رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود » .

قال الذهبي في التلخيص : سنده واهٍ .

ونكتفي بشهادة الذهبي .

وأخرجه بنفس الاسناد الترمذي ، وقال : يحيىٰ بن سلمة يضعّف في الحديث .

كما أخرج الترمذي الحديث عن حذيفة بطريق آخر ، قال : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ، حدثنا وكيع ، عن سالم بن العلاء المرادي ، عن عمرو بن هرم ، عن ربعي بن خراش ، عن حذيفة رضي‌الله‌عنه ، قال : كنا جلوساً عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : « إني لا أدري ما

_______________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ٢٩٥ .

٥٠

بقائي فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي » وأشار إلىٰ أبي بكر وعمر (١) .

وفي إسناده سالم بن العلاء المرادي :

قال الذهبي : ضعفه ابن معين والنسائي (٢) .

هذا هو حال أقوىٰ الروايات ، فناهيك بالأخريات ، وتكفينا شهادة ابن حزم إذ قال : ولو أننا نستجيز التدليس ، والامر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً ، لاحتججنا بما روي : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، ولكنه لم يصح ، ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح !!! (٣) .

قصة الكتاب :

أما الرواية التي استشهد بها شيخ الوهابية عن عائشة حول الكتاب الذي أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتبه لأبي بكر ، ففيه أمران :

الأول : إذا كان يأبىٰ الله والمؤمنون إلّا أبا بكر ، وإن هذا الحديث يخرج من يأبىٰ خلافة أبي بكر عن المؤمنين ، فهذا يعني إخراج جملة من خيرة الصحابة من السابقين الأولين وخيار الأنصار من

_______________

(١) الترمذي ٥ / ٦١٠ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ١١٢ .

(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٤ / ٨٨ .

٥١

دائرة الايمان ، وفي طليعتهم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو رابع الخلفاء الراشدين وأفضل الأُمة بعد الخلفاء الثلاثة عند أهل السنة كما هو معلوم ، وقد ثبت ذلك من رواية عائشة المتفق عليها والتي مرت فيما سبق .

كما ويخرج جميع بني هاشم أيضاً من دائرة الايمان ، لان الزهري أكد أن أحداً من بني هاشم لم يبايع أبا بكر إلّا بعد ستة أشهر (١) .

كما امتنع الزبير بن العوام عن مبايعة أبي بكر ، وامتنع عمار بن ياسر وغيره من السابقين الأولين .

وإذا كان هؤلاء قد بايعوا فيما بعد ، فان الصحابي العظيم سعد بن عبادة لم يبايع حتىٰ توفي واعترف ابن تيمية نفسه بذلك حيث قال : ولم يتخلف عن بيعته ـ يعني أبا بكر ـ إلّا سعد بن عبادة (٢) .

الثاني : إن هذه الرواية ليست صحيحة دون شك مهما كان مصدرها ، وضعت في مقابل الرواية الصحيحة التي أخرجها عدد من المحدّثين ، ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير ، قال : قال ابن عباس : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟! اشتد برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

_______________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٨ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٣١ .

(٢) منهاج السنة النبوية ٤ / ١٢١ .

٥٢

وجعه ، فقال : ائتوني اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ـ ولا ينبغي عند نبي تنازع ـ فقالوا : ما شأنه يهجر استفهموه ، فذهبوا يردون عليه ، فقال : « دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه » ، وأوصاهم بثلاث ، قال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أُجيزهم » وسكت عن الثالثة أو قال : فنسيتها (١) .

وأخرج البخاري عن إبن عباس قال : لما حُضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده » فقال عمر : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « قوموا » ، قال عبيدالله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (٢) .

_______________

(١) صحيح البخاري ٦ / ١١ ـ ١٢ باب مرض النبي ووفاته .

(٢) صحيح البخاري ٧ / ١٥٦ باب قول المريض قوموا عني .

٥٣

وأخرج البخاري ومسلم عن عبيدالله بن عبدالله بن عباس ، قال : لما حُضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « هلم اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده » فقال بعضهم : إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، ومنهم من يقول غير ذلك ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « قوموا » . قال عبيدالله : قال ابن عباس : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم (١) .

قال ابن كثير تعليقاً علىٰ الرواية : وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون إليه من مقالاتهم... (٢)

لكننا نقول لابن كثير : إن الشيعة يقولون : إن هذا الكتاب لم يكن إلّا وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخطية لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالخلافة ، ولذا امتنع بعض من في البيت ـ وعلىٰ رأسهم عمر بن الخطاب ـ عن الامتثال لأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن علموا مقصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتىٰ

_______________

(١) نفس المصدر .

(٢) البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ .

٥٤

اتهموه بأنه يهجر .

ولو أننا نظرنا إلىٰ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هلم اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده » وإلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين الصحيح :

عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلىٰ الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتىٰ يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (١) .

وفي رواية أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلىٰ الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتىٰ يردا علي الحوض » (٢) .

يتبيّن لنا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وضع شرطاً ينجي أُمته من الضلالة إلىٰ الأبد ، وهو التمسك بعترته أهل بيته بعد كتاب الله عزوجل ، وقد فهم عمر بن الخطاب ذلك ، ففصل بين الكتاب والعترة ، وقال : حسبنا كتاب الله .

ومهما كانت التأويلات التي حاول البعض الاعتذار فيها لعمر بن

_______________

(١) صحيح الترمذي ٢ / ٢٢٠ .

(٢) مسند أحمد ٣ / ١٤ ، ٣ / ١٧ ، ٣ / ٢٦ ، ٣ / ٥٩ .

٥٥

الخطاب عن موقفه هذا ، فان ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً ، ويستطيع المنصف أن يكتشف أن الشيعة مصيبون في دعواهم بأن مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أن يكتب كتاباً يوصي فيه بالخلافة لأهل بيته المتمثلين بعميدهم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكن المسلمين ضيعوا تلك الفرصة الذهبية ، فكان مصيرهم هذا الاختلاف الذي نراه اليوم والذي تعود جذوره إلىٰ مئات السنين ، وكان أولها اختلافهم في السقيفة .

فالكتاب المدّعىٰ لأابي بكر لا حقيقة له ، وإنما وضعته البكرية في مقابل هذا الكتاب الذي أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعصم به أُمته من الضلالة .

أما الادعاء بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سأل الله أن يقدم علياً عليه‌السلام فأبىٰ الله إلّا تقديم أبي بكر ، فهو في غاية التهافت ويكذبه الواقع ، فلماذا امتنع أمير المؤمنين عليه‌السلام عن بيعته إذاً ، وإذا كان تقديم أبي بكر أمراً إلهياً فهذا ينافي عدم النص علىٰ أحد وهو ما لا يقول به أهل السنة .

تعاقب الخلفاء :

أما رواية وضع الحجارة عند بناء المسجد ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هؤلاء الخلفاء من بعدي » ، فيرده ما ذكرنا سابقاً من احتجاج أهل

٥٦

السنة بعدم وجود نص ، وكلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا نص صريح العبارة ، ولعمري لو وجد هذا النص لاحتج به أبو بكر وعمر في السقيفة ، فأين تلك الحجة ، وفي أي مصدر نجدها ؟ فضلاً عن أن في سند الرواية حشرج بن نباتة ، وسوف تأتي ترجمته فيما بعد .

ونذكر بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أغفل ذكر علي بن أبي طالب عليه‌السلام وعثمان أيضاً في بعض هذه الروايات ، فهل يعني ذلك عدم شرعية خلافتهما ؟!

أما الاحتجاج بالآية الكريمة من سورة التحريم والادعاء بأنها تعني الاخبار بخلافة أبي بكر وعمر ، فهو من أسقط الاحتجاجات ، ويتصادم مع كل النصوص السابقة التي تظهر النبي وهو يعلن علىٰ الملأ أسماء خلفائه ، بينما نجد الآيات الكريمة من سورة التحريم مشحونة بالتهديد والوعيد لعائشة وحفصة اللتان أفشتا سر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يتفق ذلك مع الادعاء بالنص علىٰ أبي بكر أو غيره ؟ ولماذا يُسرّ النبي بذلك إلىٰ نسائه فقط ؟ وأي محذور من الجهر به؟ أحقاً يستدعي ذلك كل هذا التهديد في قوله تعالىٰ : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّـهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ

٥٧

الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ) (١) .

وفضلاً عن ذلك فان التفاسير قد وردت بشأن هذه الآية في قصة المغافير المشهورة وليس هذا مجال ذكرها .

أما ادعاء الشيخ أن قوله تعالىٰ : ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ... ) الآية ، إشارة إلىٰ خلافة أبي بكر ، لأنه هو الذي جاهد أهل الردة .

فليس صحيحاً ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تصدىٰ للمرتدين في حياته ، كما أن الآيات عامة ، وهي تخاطب الجميع ومن بينهم الصحابة أنفسهم ، والحكم فيها باق إلىٰ يوم القيامة .

أما استشهاد الشيخ بقوله تعالىٰ : ( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ... ) الآية ، علىٰ أنها إشارة إلىٰ أبي بكر .

فغير صحيح أيضاً ، قال الآلوسي : والانصاف أن الآية لا تكاد تصح دليلاً علىٰ إمامة الصديق رضي‌الله‌عنه ، إلّا إن صح غير مرفوع في كون المراد بالقوم بني حنيفة ونحوهم ، ودون ذلك خرط القتاد... (٢) .

أما قوله تعالىٰ : ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ... ) الآية ، وأن تفسيرها بخلافة أبي بكر وعمر .

فان ذلك من استنتاجات بعض المفسرين دون الاستناد إلىٰ

_______________

(١) سورة التحريم : ٤ .

(٢) روح المعاني ١٣ / ٢٥٩ .

٥٨

حديث أو أثر صحيح ، لكن أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام يفسرونها بالاستناد إلىٰ روايات أئمتهم عليهم‌السلام أنها في المهدي من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روىٰ العياشي باسناده عن علي بن الحسين عليهما‌السلام أنه قرأ الآية وقال : « هم والله شيعتنا أهل البيت ، يفعل ذلك بهم علىٰ يدي رجل منا وهو مهدي هذه الأُمة ، وهو الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتىٰ يلي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً » . وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام (١) .

سنوات الخلافة :

قول الشيخ : وما صح من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة » .

نقول : إن هذا الحديث غير صحيح ، لأن في سنده :

١ ـ سعيد بن جهمان :

قال أبو حاتم : لا يحتج به (٢) .

_______________

(١) الميزان في تفسير القرآن ١٨ / ١٥٨ ـ ١٥٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ١٣١ .

٥٩

وقال ابن معين : روى عن سفينة أحاديث لا يرويها غيره . وقال البخاري : في حديثه عجائب (١) .

٢ ـ حشرج بن نباته :

قال النسائي : ليس بالقوي .

قال البخاري : لا يتابع في حديثه ـ يعني وضعهم الحجارة في أساس مسجده ـ وقال : هؤلاء الخلفاء من بعدي . قال البخاري في كتاب الضعفاء له : وهذا لم يتابع عليه ، لأن عمر وعلياً قالا : لم يستخلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) .

٣ ـ سويد بن سعيد :

قال ابن حبان في الثقات : يخطئ ويقرب ، وذكره الخطيب في المتفق والمفترق فقال : روىٰ عن علي بن عاصم حديثاً منكراً... (٣) .

وقال الذهبي : لا يكاد يعرف ، روىٰ عن علي بن عاصم خبراً منكراً ، قاله ابن الجوزي (٤) .

_______________

(١) تهذيب التهذيب ٤ / ١٣ .

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٥٥١ ، وانظر تهذيب التهذيب ٢ / ٣٢٥ .

(٣) تهذيب التهذيب ٤ / ٢٤٢ .

(٤) ميزان الاعتدال ٢ / ٢٥١ .

٦٠