لا تخونوا الله والرسول

صباح علي البيّاتي

لا تخونوا الله والرسول

المؤلف:

صباح علي البيّاتي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-291-1
الصفحات: ٣٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

النص علىٰ الخلافة

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :

وليس في قوله « من كنت مولاه » أن النص علىٰ خلافته متصلة ، ولو كان نصاً لادعاها علي رضي‌الله‌عنه ، لأنه أعلم بالمراد ، ودعوىٰ ادعائها باطل ضرورة ، ودعوىٰ علمه يكون نصاً علىٰ خلافته وترك ادعائها تقية أبطل من أن يبطل .

ما أقبح ملّة قوم يرمون إمامهم بالجبن والخور والضعف في الدين مع أنه من أشجع الناس وأقواهم... (١) .

لاشك أن إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يستند علىٰ الواقع ، فالمطلع علىٰ السنة النبوية في كتب أهل السنة نفسها ، يجد من الشواهد الصحيحة ما يدعم قول الامامية بأن حديث الغدير هو استخلاف مباشر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين بلا فصل .

وقد وردت في مصادر الشيعة روايات صحيحة تثبت الخلافة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ولأولاده المعصومين بأسمائهم ، لكنني سأُعرض عن تلك الروايات مكتفياً بالشواهد التي وردت في كتب

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٧ .

٢١

أهل السنة التي أخرجها حفاظهم ومحدثوهم واعترفوا بصحتها لأن فيها الكفاية :

١ ـ أخرج أبو داود الطيالسي بسند صحيح قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : « أنت ولي كل مؤمن من بعدي » (١) .

٢ ـ أخرج هذا الحديث ابن عبد البر بنفس السند وقال : هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد لصحته وثقة نقلته (٢) .

٣ ـ أخرج ابن أبي شيبة الحديث من طريق آخر قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، قال : حدثني يزيد الرشك ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية واستعمل عليهم علياً ، فصنع علي شيئاً أنكروه ، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعلموه ، وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّموا عليه ونظروا إليه ثم ينصرفون إلىٰ رحالهم . قال : فلما قدمت السرية سلّموا علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ، ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا ؟ فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يُعرف في وجهه الغضب ـ فقال : « ما تريدون من علي ؟ ما

_______________

(١) مسند الطيالسي : ٣٦٠ رقم الحديث ٢٧٥٢ .

(٢) الاستيعاب ٣ / ١٠٩١ .

٢٢

تريدون من علي ؟ علي مني وأنا من علي ، وعلي ولي كل مؤمن بعدي » (١) .

٤ ـ أخرجه أحمد بن حنبل بنفس السند وفيه : « دعوا علياً ، دعوا علياً ، إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي » (٢) .

٥ ـ أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث جعفر بن سليمان (٣) .

٦ ـ وأخرجه النسائي بنفس السند (٤) .

٧ ـ الحافظ أبو يعلىٰ الموصلي (٥) .

٨ ـ الطبري ، كما في كنز العمال (٦) .

٩ ـ ابن حبان ، كما عن الرياض النضرة (٧) .

١٠ ـ الطبراني (٨) .

_______________

(١) المصنف ١٢ / ٨٠ .

(٢) مسند أحمد ٤ / ٤٣٨ ، ٥ / ٣٥٦ .

(٣) جامع الترمذي ٥ / ٦٣٢ .

(٤) الخصائص : ١٠٩ .

(٥) مسند أبي يعلىٰ ١ / ٢٩٣ رقم ٣٥٥ ، وقال محققه : رجاله رجال الصحيح .

(٦) كنز العمال ١٣ / ١٤٢ ( ش وابن جرير وصححه ) .

(٧) الرياض النضرة ٣ / ١٢٩ .

(٨) المعجم الكبير ١٨ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ، الأوسط ٥ / ٤٢٥ .

٢٣

١١ ـ الحاكم (١) .

١٢ ـ أخرج الخطيب البغدادي الحديث بطريق آخر قال : أخبرنا أبو محمد عبدالله بن علي بن عياض بن أبي عقيل القاضي ـ بصور ـ أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع الغساني ، أخبرنا أبو عبدالله محمد بن مخلد العطاء ـ ببغداد ـ حدثنا أحمد بن غالب بن الأجلح بن عبد السلام ـ أبو العباس ـ حدثنا محمد بن يحيىٰ بن الضريس ، حدثنا عيسىٰ بن عبدالله بن عمر بن علي بن أبي طالب ، حدثني أبي عبدالله بن عمر ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « سألت الله فيك خمساً فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة :

سألته فأعطاني فيك : أنك أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ، وأنت معي معك لواء الحمد ، وأنت تحمله ، وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي » (٢) .

١٣ ـ الحافظ ابن عساكر (٣) .

_______________

(١) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١١٠ .

(٢) تاريخ بغداد ٤ / ٣٣٩ .

(٣) تاريخ دمشق ٤٢ / ١٠٢ .

٢٤

١٤ ـ الحافظ ابن الاثير (١) .

١٥ ـ المتقي الهندي ، وفيه « علي مني وأنا من علي ، وعلي ولي كل مؤمن بعدي » وقال : ( ش عن عمران بن حصين ، صحيح ) (٢) .

فهذه النصوص الصحيحة وغيرها ـ ممّا لم أذكره ـ تقطع بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام علىٰ المسلمين كافة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يقتضي عدم الفصل ، لأنه لم يرد استثناء أحد من الدخول في الولاية قطعاً ، رغم أن البعض حاول أن يدعي أن لفظة بعدي تعني البعدية المطلقة ولا يراد بها البعدية المباشرة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن ـ وكما يقول الأستاذ مروان خليفات ـ ماذا نفعل بلفظ ( كل ) في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وهو ولي كل مؤمن بعدي » ؟ أليست هي من ألفاظ العموم ؟ إذاً فعلي ولي كل مؤمن بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن كان فيهم أبوبكر وعمر وعثمان (٣) .

قعود أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أما لماذا قعد أمير المؤمنين عليه‌السلام عن حقه ولم يطالب القوم به ؟

_______________

(١) أُسد الغابة ٣ / ٦٠٤ .

(٢) كنز العمال ١١ / ٦٠٨ .

(٣) وركبت السفينة : ٤٩٥ .

٢٥

فالواقع يثبت أنه لم يقعد عنه في بداية الأمر ، لأن في امتناعه عن مبايعة أبي بكر مدة ستة أشهر دليلاً علىٰ ذلك ، وقد أثبت ذلك معظم المؤرخين والمحدثين ، ويكفينا في هذا المقام الاستشهاد برواية الصحيحين ـ باعتبارهما أقوىٰ مصادر أهل السنة ـ لاثبات ذلك مما اتفق الشيخان علىٰ إخراجه ، واللفظ للبخاري :

عن عائشة ، أن فاطمة بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلت إلىٰ أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما أفاء عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبوبكر : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « لانورث ما تركنا صدقة » ، إنما يأكل آل محمد عليهم‌السلام في هذا المال وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأبىٰ أبوبكر أن يدفع إلىٰ فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة علىٰ أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتىٰ توفيت ، وعاشت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلىٰ عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم

٢٦

وحدك ، فقال أبوبكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ، والله لآتينهم ، فدخل عليهم أبوبكر ، فتشهد علي فقال : إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وكنا نرىٰ لقرابتنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نصيباً ، حتىٰ فاضت عينا أبي بكر ، فلما تكلم أبو بكر قال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيها عن الخير ، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصنعه فيها إلّا صنعته ، فقال علي لأبي بكر : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلىٰ أبوبكر الظهر رقى علىٰ المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ، ثم استغفر وتشهد علي فعظم حق أبي بكر وحدث أنه لم يحمله علىٰ الذي صنع نفاسة علىٰ أبي بكر ولا إنكاراً للذي فضله الله به ، ولكنا نرىٰ لنا في هذا الأمر نصيباً ، فاستبد علينا ، فوجدنا في أنفسنا ، فسر بذلك المسلمون وقالوا : أصبت ، وكان المسلمون إلىٰ علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف (١) .

الملاحظ علىٰ هذه الرواية ، أن فيها اعترافاً صريحاً بأن أمير

_______________

(١) صحيح البخاري ٥ / ١٧٧ ـ ١٧٨ باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم ٣ / ١٣٨٠ كتاب الجهاد والسير .

٢٧

المؤمنين عليه‌السلام لم يبايع أبا بكر طيلة ستة أشهر ، وليست قضية ميراث الزهراء عليها‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هي السبب في تأخر بيعة أمير المؤمنين لأبي بكر ـ كما يوحي كلام أبي بكر بذلك وكما ادعىٰ البعض ـ إذ أن كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام يؤكد أن السبب هو استبداد أبي بكر بالأمر من مستحقيه الحقيقيين .

أما لماذا بايع أمير المؤمنين في نهاية الأمر ؛ فلأنه نظر إلىٰ مصلحة الاسلام العليا فقدمها علىٰ حقه خوفاً من ذهاب الاسلام كله بحدوث فتنة لا تبقي ولا تذر ، ففضل التضحية بشطر الأمر بدلاً من التضحية بكله ، وقد بين سيدنا الامام شرف الدين قدس‌سره الأمر بشكل جلي حيث قال :

السلف الصالح لم يتسنَّ له أن يقهرهم يومئذ علىٰ التعبد بالنص فرقاً من انقلابهم إذا قاومهم وخشية من سوء عواقب الاختلاف في تلك الحال ، وقد ظهر النفاق بموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقويت بفقده شوكة المنافقين وعتت نفوس الكافرين وتضعضعت أركان الدين ، وانخلعت قلوب المسلمين وأصبحوا بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب عادية ووحوش ضارية ، وارتدت طوائف من العرب ، وهمت بالردة أُخرىٰ . . . فأشفق علي عليه‌السلام في ذلك الظرف أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس مخافة البائقة وفساد العاجلة ،

٢٨

والقلوب علىٰ ما وصفنا ، والمنافقون علىٰ ما ذكرنا ، يعضون عليهم الانامل من الغيظ ، وأهل الردة علىٰ ما بينا ، والاُمم الكافرة علىٰ ما قدمنا ، والانصار قد خالفوا المهاجرين وانحازوا عنهم يقولون منا أمير ومنكم أمير ، فدعاه النظر للدين إلىٰ الكف عن طلب الخلافة والتجافي عن الاُمور ، علماً منه أنّ طلبها والحال هذه يستوجب الخطر بالأُمة والتغرير في الدين ، فاختار الكف إيثاراً للاسلام وتقديماً للصالح العام وتفضيلاً للآجلة علىٰ العاجلة . غير أنه قعد في بيته ـ ولم يبايع حتىٰ أخرجوه كرهاً ـ احتفاظاً بحقه واحتجاجاً علىٰ من عدل عنه ، ولو أسرع إلىٰ البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له برهان ، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين ، والاحتفاظ بحقه من إمرة المؤمنين ، فدل هذا علىٰ أصالة رأيه ورجاحة حلمه وسعة صدره وإيثاره المصلحة العامة ، ومتىٰ سخت نفس امرئ عن هذا الخطب الجليل والأمر الجزيل ، ينزل من الله تعالىٰ بغاية منازل الدين ، وإنما كانت غايته من فعل أربح الحالين له وأعود المقصودين عليه ، بالقرب من الله عزوجل (١) .

أما قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأن في ذلك اتهاماً من

_______________

(١) المراجعات : ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، المراجعة ٨٤ .

٢٩

الشيعة لإمامهم بالجبن ـ والعياذ بالله ـ فنقول : لقد كان لأمير المؤمنين عليه‌السلام في هارون عليه‌السلام أسوة حسنة حين قال كما في قوله تعالى ( قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « فنظرت فاذا ليس لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت وأغضيت علىٰ القذىٰ وشربت علىٰ الشجا وصبرت علىٰ أخذ الكظم وعلىٰ أمرّ من طعم العلقم » (٢) .

_______________

(١) سورة الأعراف : ١٥٠ .

(٢) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٥٦ ، الخطبة ٢٦ .

٣٠

الفصل الثاني : خلافة الخلفاء

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :

ومنها إنكارهم صحة خلافة الصديق رضي‌الله‌عنه ، وإنكارها يستلزم تفسيق من بايعه واعتقد خلافته حقاً ، وقد بايعه الصحابة (رضي الله عنهم) حتىٰ أهل البيت كعلي رضي‌الله‌عنه ، وقد اعتقدها حقاً جمهور الاُمة... (١) .

ثم ساق الشيخ عدداً كبيراً من الروايات للتدليل علىٰ صحة خلافة أبي بكر وهي :

١ ـ عن علي رضي‌الله‌عنه قال : دخلنا علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلنا : يا رسول الله ، استخلف علينا ، قال : « إن يعلم

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٨ .

٣١

الله فيكم خيراً يول عليكم خيركم » ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : فعلم الله فينا خيراً فولّىٰ علينا خيرنا أبا بكر رضي‌الله‌عنه .

رواه الدارقطني ، وهذا أقوىٰ حجة علىٰ من يدعي موالاة علي رضي‌الله‌عنه .

٢ ـ وعن جبير بن مطعم قال : أتت امرأة إلىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمرها أن ترجع إليه فقالت : إن جئت ولم أجدك ؟ كأنها تقول الموت ، قال : « إن لم تجديني فأتي أبا بكر » .

رواه البخاري ومسلم .

٣ ـ عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : جاءت امرأة إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسأله شيئاً ، فقال : « تعودين » ، فقالت : يا رسول الله إن عدت فلم أجدك ـ تعرض بالموت ـ فقال : « إن جئت فلم تجديني فأتي أبابكر فانه الخليفة من بعدي » .

رواه ابن عساكر .

٤ ـ وعن ابن عمر رضي‌الله‌عنه قال : سمعت رسول الله يقول : « يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبوبكر لا يلبث إلّا قليلاً » .

رواه البغوي بسند حسن .

٥ ـ وعن حذيفة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « اقتدوا باللذين بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما » .

٣٢

رواه أحمد والترمذي وحسنه ابن ماجة والحاكم وصححه ورواه الطبراني عن أبي الدرداء والحاكم عن ابن مسعود .

٦ ـ وعن حذيفة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وتمكسوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه » .

رواه أحمد وغيره .

٧ ـ وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، واهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد ابن مسعود » .

رواه ابن عدي .

٨ ـ وعنه : بعثني بنوالمصطلق إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أسأله : إلىٰ من ندفع صدقاتنا بعدك ؟ فقال : « إلى أبي بكر » .

رواه الحاكم وصححه .

٩ ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مرضه الذي مات فيه : « إدعي لي أباك وأخاك حتىٰ أكتب كتاباً ، فاني أخاف أن يتمنىٰ متمن ويقول قائل : أنا أولىٰ ويأبىٰ الله والمؤمنون إلّا أبابكر » .

رواه مسلم وأحمد ، وهذا الحديث يخرج من يأبىٰ

٣٣

خلافة الصديق عن المؤمنين .

١٠ ـ عن علي رضي‌الله‌عنه قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « سألت الله أن يقدمك ثلاثاً فأبىٰ الله إلّا تقديم أبي بكر » ، وفي رواية زيادة : « ولكني خاتم الأنبياء وأنت خاتم الخلفاء » .

رواه الدارقطني والخطيب وابن عساكر .

١١ ـ وعن سفينة قال : لما بنىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد وضع في البناء حجراً وقال لأبي بكر : « ضع حجرك إلىٰ جنب حجري » ، ثم قال لعمر : « ضع حجرك إلىٰ جنب حجر أبي بكر » ، ثم قال : « هؤلاء الخلفاء بعدي » .

رواه ابن حبان ، وقال أبو زرعة : إسناده قوي لا بأس به والحاكم وصححه والبيهقي .

١٢ ـ روي في تفسير قوله تعالىٰ : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ ) ، الاخبار بخلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، قيل يشير إلى خلافة الصديق رضي‌الله‌عنه ، قوله تعالىٰ : ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، لأنه هو الذي جاهد أهل الردة .

١٣ ـ قوله تعالىٰ : ( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ

٣٤

سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ) الآية ، لانه هو الذي باشر قتال بني حنيفة الذين كانوا من أشد الناس حين ارتدوا .

وقوله تعالىٰ : ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ ) الآية ، وقد مكن الاسلام بأبي بكر وعمر فكانا خليفتين حقّين ، لوجود صدق وعد الله تعالىٰ .

وما صح من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « الخلافة بعدي ثلاثون » ، وفي بعض الروايات : « خلافة رحمة » ، وفي بعضها : « خلافة النبوة » .

١٤ ـ وما صح من أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر في مرض موته بامامة الناس ، وهذا التقديم من أقوىٰ امارات حقيقة خلافة الصديق ، وبه استدل أجلاء الصحابة كعمر وأبي عبيدة وعلي (رضي الله عنهم أجمعين) .

فهذه وما شاكلها تسوّد وجوه الرافضة والفسقة المنكرين خلافة الصديق رضي‌الله‌عنه (١) .

_______________

(١) رسالة في الردّ على الرافضة : ٩ ـ ١٢ .

٣٥

تناقض النصوص

إن القارئ إذا أمعن النظر في هذه النصوص التي نسبت إلىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوراً وبهتاناً ، علىٰ أنها النصوص الدامغة ـ علىٰ خلافة الخلفاء الثلاثة الأولين ـ يستطيع أن يلاحظ بكل جلاء أنها تناقض بعضها البعض ، ويكذبها الواقع وسير الحوادث التاريخية في عصر صدر الاسلام ، وآثار الوضع واضحة عليها .

إن من الأمور المتسالم عليها عند جمهور أهل السنة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوص بالخلافة إلىٰ أحد من بعده ، بل وهم يستندون في ذلك إلىٰ مقولات صدرت عن خلفائهم وبخاصة الشيخين أبي بكر وعمر للاستدلال علىٰ عدم استخلاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحداً من بعده ، فهم ينقلون عن أبي بكر أنه تمنىٰ عند موته لو كان سأل النبي عن ثلاث ، إحداها قوله : ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الامر نصيب (١) .

وتمنىٰ عمر بن الخطاب ذلك أيضاً بقوله : ثلاث لأن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهن لنا أحب إلي من الدنيا وما فيها : الخلافة

_______________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٤٣١ وغيره من المصادر .

٣٦

والكلالة والربا (١) .

كما روىٰ الشيخان ـ واللفظ للبخاري ـ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قيل لعمر : ألا تستخلف ؟ قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ـ أبو بكر ـ وإن أترك فقد ترك من هو خير مني ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأثنوا عليه ، فقال : راغب راهب وددت أني نجوت منها كفافاً لا لي ولا علي ، لا أتحملها حياً وميتاً (٢) .

فهذه التمنيات وغيرها تدل علىٰ أن أياً من أبي بكر أو عمر لم يدع النص عليه بتاتاً ، فضلاً عن أن الحجج التي احتج بها الشيخان علىٰ الأنصار في السقيفة كانت خالية من ادعاء النص .

أما الروايات التي استشهد بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ ومن سبقه في ذلك ـ فهي تناقض نفسها .

وقد أثبت الكثير من علماء أهل السنة وحفّاظهم بطلان معظمها !

فالرواية الأولىٰ المختلقة علىٰ لسان أمير المؤمنين عليه‌السلام يردها أُمور منها :

_______________

(١) مسند أحمد ١ / ٣٥ ، تفسير الطبري ٦ / ٣٠ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٤٧ ، سنن البيهقي ٨ / ١٤٩ .

(٢) صحيح البخاري ٩ / ١٠٠ كتاب الاحكام باب الاستخلاف ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٥٤ باب الاستخلاف وتركه .

٣٧

١ ـ أنّ الرواية المتفق عليها ـ والتي ذكرناها في الفصل السابق ـ أثبتت أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد تأخر عن بيعة أبي بكر ستة أشهر ، لأنه اعتبره مستبداً عليه ، ومعلوم قطعاً أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لو كان قد سمع من النبي شيئاً مما ادُّعي عليه في فضل أبي بكر لما تخلف عن بيعته .

٢ ـ أنّ المصادر التي نقلت خطبة أبي بكر ـ بعد الاستخلاف ـ قد اتفقت علىٰ أن أبابكر قال فيها : إني قد وليت عليكم ولست بخيركم... (١) .

وهذا يدل علىٰ أن أبابكر لم يكن يرىٰ لنفسه هذه الأفضلية المزعومة .

٣ ـ ذكرت مصادر أهل السنة وصحاحهم أن عمر بن الخطاب قد أعلن علىٰ المنبر بأن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقىٰ الله شرها (٢) .

ويقيناً لو أن عمر كان قد سمع نصاً أو إشارة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ أبي بكر لادعاه ، لأنه صاحبه ورفيقه الذي وقف معه بكل حزم ، كما أكدت ذلك المصادر التاريخية .

_______________

(١) الكامل في التاريخ ٢ / ٢٣٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢١٠ ، التمهيد : ٤٨٧ .

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٢١٠ باب رجم الحبلىٰ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٧ ، مسند أحمد ١ / ٥٥ ، تاريخ الاسلام للذهبي ٣ / ٦ ، وقال متفق علىٰ صحته .

٣٨

قال ابن أبي الحديد المعتزلي : وعمر هو الذي شدّ بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لما جرده ودفع في صدر المقداد ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة وقال : اقتلوا سعداً قتل الله سعداً ، وحطّم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، وتوعد من لجأ إلىٰ دار فاطمة عليها‌السلام من الهاشميين وأخرجهم منها ، ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة (١) .

أما الروايات التي في مقابل الرواية الصحيحة عن ذؤيب : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما حُضر قالت صفية : يا رسول الله ، لكل امرأة من نسائك أهل تلجأ إليهم ، وإنك أجليت أهلي ، فان حدثَ حدثٌ فالىٰ من ؟ قال : « إلىٰ علي بن أبي طالب » (٢) .

فهذه الرواية الصحيحة تثبت حجتنا بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وكّل إلىٰ أمير المؤمنين عليه‌السلام رعاية مصالح المسلمين كافة من بعده ـ ومنهم أهل بيت النبي وأزواجه ـ بعد أن نصبه ولياً علىٰ الأمة كافة من بعده كما أثبتنا فيما سبق .

أما الرواية التي وردت علىٰ لسان ابن عمر والتي يحدد النبي

_______________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٧٤ .

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١١٢ ـ ١١٣ وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح .

٣٩

فيها خلفاءه باثني عشر ، وورد فيها اسم أبي بكر ، فان ذيل الرواية موضوع ، إذ وردت الروايات الصحيحة عن الخلفاء الاثني عشر بدون ذكر اسم أحد في أهم كتب الحديث المعتمدة عند أهل السنة .

والامامية يستدلون بهذا الحديث علىٰ أن الاثني عشر المذكورين هم الأئمة المعصومون من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليسوا غيرهم كما سوف نثبت ذلك .

وقد حيّر هذا الحديث حفاظ أهل السنة وشرّاحهم ، لأنهم جهدوا في تأويل هذا الحديث لكي ينطبق علىٰ الخلفاء الأربعة وبعض خلفاء بني أُمية وحتىٰ بني العباس ، لكنهم عجزوا عن إثبات ذلك .

وسوف أذكر بعض آراء علماء أهل السنة في هذا الحديث ، ثم أُحاول استخلاص النتيجة بما يوافق استدلال الشيعة بهذا الحديث علىٰ صحة منهجهم .

الخلفاء الاثنا عشر :

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في « مطلب انحصار الخلافة في اثني عشر » :

ومنها دعواهم انحصار الخلافة في اثني عشر ،

٤٠