صباح علي البيّاتي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-291-1
الصفحات: ٣٣٦
« التزويج الدائم لا يكون إلّا بولي وشاهدين ... » (١) .
وأخيراً أختم هذا المبحث بقول الشيخ المفيد في هذا الباب :
وذوات الآباء من الأبكار ينبغي لهن ألا يعقدن علىٰ أنفسهن إلّا باذن آبائهن ، وإن عقد الأب علىٰ إبنته البكر البالغ بغير إذنها أخطأ السنّة ، ولم يكن لها خلافه ، وإن عقدت علىٰ نفسها بعد البلوغ بغير إذن أبيها خالفت السنّة وبطل العقد إلّا أن يجيزه الأب (٢) .
وطء الجارية بالاباحة :
قال الشيخ في « مطلب وطء الجارية بالإباحة » :
|
ومنها : تجويزهم وطء الجارية للغير
بالاباحة ، قال الحلي : يجوز إباحة الأمة للغير بشرط كون المبيح مالكاً لرقه جائز التصرف ، وكون الأمة مباحة بالنسبة إلىٰ من أُبيحت له ، ويكفي في رد هذا الباطل قوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) ، ومعلوم قطعاً أن وطأها ليس بالنكاح ولا بملك اليمين ، وقوله تعالىٰ : |
_______________
(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٤ .
(٢) المقنعة : ٥١٠ .
|
( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ) (١) . |
هذه أيضاً واحدة من المسائل الفقهية المختلف فيها ، ومن المؤسف أن البعض لم يكتفوا بما سطره الشيخ ابن عبد الوهاب قبل مئات السنين بما يوغر صدور المسلمين ويغري بينهم بالعداوة والبغضاء ، فراحوا يردّدون مقالاته إلىٰ يومنا هذا ، فقد نشرت مجلة ( الدعوة ) السعودية مقالاً حمل فيه كاتبه إبراهيم السليمان الجهمان علىٰ الشيعة وعقائدهم ، فسبّ وشتم ماشاءت له قريحته ، فمما قال : إن الشيعة قائلون بجواز تحليل وإباحة فروج الاماء للغير ، وهذا مخالف لقوله تعالى : ( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ... ) الآية (٢) .
نقول : إن هذه المسألة من المسائل التي وقع الاختلاف فيها بين الفريقين أولاً ، وبين أبناء الطائفة الواحدة ثانياً .
فجمهور أهل السنة قالوا بالمنع ، أما الشيعة فقد اختلفوا فيه .
قال ابن إدريس : إنه جائز عند أكثر أصحابنا المحصلين ، وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين الطائفة والعمل عليه والفتوىٰ به ، ومنهم من منع منه .
_______________
(١) رسالة في الردّ على الرافضة : ٣٨ .
(٢) سورة المؤمنون : ٥ .
أما الشيخ الطوسي فقد حكىٰ قولاً في المبسوط بالمنع منه ، وكذلك نقل عن الشيخ الطوسي عدم الجواز في النهاية في مسألة تحليل المولىٰ أمته لعبده .
وممن قال بعدم الجواز أيضاً ، العلامة في المختلف ، وولده .
أما القائلون بالجواز فيستدلّون بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (١) .
حيث استدل ابن إدريس بهذه الاية علىٰ حلية الاستمتاع بالتحليل لدخوله في قوله تعالىٰ : ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) ، لأن المراد من ملك اليمين ما يشمل تحليل الأمة المملوكة ، والتحليل هذا هو ( تمليك المنفعة ) .
ويمكن أن يدخل التحليل أيضاً في قوله تعالىٰ : ( إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ ) ، لأن الأصحاب اختلفوا في أن التحليل هنا هل هو عقد أو إباحة وتمليك منفعة ؟ فنقل عن السيد المرتضىٰ رحمهالله أنه عقد متعة .
وعلى فرض عدم شمول الآية لتحليل الأمة المملوكة فيخصص عموم الآية ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) بتخصيص آخر غير القسمين المذكورين فيها ، للروايات الواردة عن أئمة أهل
_______________
(١) سورة المؤمنون : ٥ .
البيت عليهمالسلام ، لأن أقوالهم حجة ، بدليل حديث الثقلين وآية التطهير وغيرهما .
قال الشيخ يوسف البحراني رحمهالله : لا ريب من اعتبار صيغة لهذا النكاح ، فان مجرد التراضي لا يكفي حل الفروج إجماعاً ، وقد أجمعوا علىٰ الجواز بلفظ التحليل ، لأنه هو الوارد في النصوص ... فيصح بقوله : أحللت لك وطء فلانة ، أو جعلتك في حل من وطئها ، قاصداً به الانشاء (١) .
والذين يشنعون علىٰ الشيعة في هذا الباب يغمضون أعينهم عما جاء في كتب أهل السنة من الاعتراف باباحة ذلك ، مما قد ورد عن عدد من الصحابة والتابعين ، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه ( باب : الرجل يحل أمته للرجل ) :
١ ـ عن الحسن يقول : إذا أحل الرجل الجارية للرجل ، فعتقها له ، فان حملت أُلحق به الولد .
٢ ـ عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء قال : كان يُفعل ، يُحل الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وأبيه ، والمرأة لزوجها ، وما أحب أن يفعل ذلك ، وما بلغني عن ثبت ، وقد بلغني أن الرجل يرسل
_______________
(١) الحدائق الناضرة : ٢٤ / ٣١٥ .
وليدته إلىٰ ضيفه .
٣ ـ عن طاووس أنه قال : هي أحلّ من الطعام ، فان ولدت فولدها للذي أُحلت له ، وهي لسيدها الأول .
٤ ـ عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاووساً يقول : قال ابن عباس : إذا أحلّت إمرأة الرجل أو إبنته أو أُخته له جاريتها فليصبها وهي لها ، قال ابن عباس : فليجعل به بين وركيها .
٥ ـ عن ابن جريج قال : أخبرني ابن طاووس عن أبيه كان لا يرىٰ بأساً ، قال : هو حلال ، فان ولدت فولدها حر ، والأمة لامرأته ، لا يغرم زوجها شيئاً .
٦ ـ عن ابن جريج قال : أخبرني عبدالله بن قيس عن الوليد بن هشام ، أخبره أنه سأل عمر بن عبد العزيز فقال : امرأتي أَحلّت جاريتها لابنها ، قال : فهي له (١) .
الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها
قال الشيخ في « مطلب الجمع بين المرأة وعمّتها » :
|
ومنها : تجويزهم الجمع بين المرأة
وعمتها وبين |
_______________
(١) المصنف ٧ / ٢١٦ ـ ٢١٧ .
|
المرأة وخالتها ، وعلىٰ هذا ما ورد عن علي رضياللهعنه قال : قال رسول الله : « لا تنكح المرأة علىٰ عمتها ولا العمة علىٰ بنت أخيها ولا المرأة علىٰ خالتها والخالة علىٰ بنت أُختها ، ولا تنكح الصغرىٰ علىٰ الكبرىٰ ولا الكبرىٰ علىٰ الكبرىٰ ، رواه البزار ... وبهذا وأمثاله تعرف أن الرافضة أكثر الناس تركاً لما أمر الله وإتياناً لما حرّمه ، وأن كثيراً منهم ناشيء عن نطفة خبيثة موضوعة في رحم حرام ، ولذا لا ترىٰ منهم إلا الخبيث اعتقاداً وعملاً !! وقد قيل : كل شيء يرجع إلىٰ أصله (١) . |
قلت : لم يصدق الشيخ إلّا في العبارة الأخيرة : كل شيء يرجع إلىٰ أصله ! نعم ، فلو كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتملك أدنىٰ مقومات الايمان أو الاسلام ، لما تفوه بمثل هذا الكلام القبيح الذي يندىٰ له الجبين عرقاً ، والنبى صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده » ، وقال صلىاللهعليهوآله : « ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان » (٢) .
فقد نفىٰ الشيخ ابن عبد الوهاب عن نفسه صفة الايمان والاسلام ،
_______________
(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٣٨ ـ ٣٩ .
(٢) كتاب السنة : ٤٧٣ ابن أبي عاصم وصححه الألباني .
وهو يُقذِع في وصف أُمّة مسلمة يربو عددهم علىٰ المائتي مليون ، ولكن ليس لنا أن نجاريه في هذه السفاهة ، فأتباع أهل البيت عليهمالسلام يُجلون ألسنتهم وأقلامهم عن مثل هذا الفحش ، وكل شيء يرجع إلىٰ أصله .
نقول بعد هذا : إن المسلمين متفقون علىٰ أن الاجتهاد في الفروع أمر جائز تبعاً للأدلة المتوفرة ، وقد خالف أئمة أهل السنة وفقهاؤهم بعضهم بعضاً ، ولم يقدح ذلك في أحدهم .
لكن من المؤلم حقاً أن الشيخ لا يكتفي بالافتراء علىٰ الشيعة ، بل يفتري علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه المنتجبين أيضاً ، حيث ينسب لهم ما لم يقولوه ، ذلك أن الرواية التي يستشهد بها ويدعيها علىٰ لسان أمير المؤمنين عليهالسلام فيما يخبر عن النبي ، لم ترد بهذا الشكل المشوه الذي يدعيه الشيخ ، بل هي كما يأتي :
عن علي قال : قال رسول الله : « لا تنكح المرأة علىٰ عمتها ولا علىٰ خالتها » (١) .
وهنا ينبغي لنا أن نقف قليلاً أمام النصوص التي وردت عن
_______________
(١) مجمع الزوائد ٤ / ٢٦٣ وقال : رواه أحمد وأبو يعلىٰ والبزار وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح .
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مما أخرجه أئمة أهل السنة ، ونحاول أن نستشف منها الحكم ، ثم نقارن ذلك مع ما ورد عند الشيعة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علىٰ لسان الأئمة الأطهار من أهل البيت حتىٰ يمكن الخروج بالنتيجة المرضية :
١ ـ أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضياللهعنه أن رسول الله قال : « لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (١) .
٢ ـ أخرج البخاري عن الشعبي : سمع جابراً رضياللهعنه قال : نهىٰ رسول الله أن تنكح المرأة علىٰ عمتها أو خالتها .
٣ ـ وأخرج عن الزهري قال : حدثني قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة يقول : نهىٰ النبي أن تنكح المرأة علىٰ عمتها والمرأة وخالتها ... لأن عروة حدثني عن عائشة قالت : حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب (٢) .
٤ ـ وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله نهىٰ عن أربع نسوة أن يجمع بينهن ، المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها .
_______________
(١) صحيح البخاري ٧ / ١٥ ، صحيح مسلم ٢ / ١٠٢٨ كتاب النكاح : باب تحريم الجمع بين المرأه وعمتها أو خالتها .
(٢) صحيح البخاري ٧ / ١٥ كتاب النكاح : باب لا تنكح المرأة علىٰ عمتها ، صحيح مسلم ٢ / ١٠٢٨ ـ ١٠٢٩ وليس فيه حديث عروة عن عائشة .
٥ ـ وأخرج عن أبي هريرة أيضاً ، عن النبي قال : « لا يخطب الرجل علىٰ خطبة أخيه ، ولا يسوم علىٰ سوم أخيه ، ولا تنكح المرأة علىٰ عمتها ولا علىٰ خالتها ، ولا تسأل المرأة طلاق أُختها لتكتفىء صحفتها ، ولتنكح ، فانما لها ما كتب الله لها » (١) .
وأخرج البيهقي إضافة إلىٰ رواية أمير المؤمنين عليهالسلام المتقدم ذكرها :
١ ـ عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله : « لا تنكح المرأة علىٰ عمتها ولا علىٰ خالتها » رواه أحمد ورجاله ثقات .
٢ ـ وعنه أن رسول الله استند إلىٰ بيت فوعظ الناس وذكرهم وقال : « لا يصلي أحد بعد العصر حتىٰ الليل ، ولا بعد الصبح حتىٰ تطلع الشمس ، ولا تسافر المرأة إلّا مع ذي رحم مسيرة ثلاث ، ولا يعقد من إمرأة علىٰ عمتها ولا علىٰ خالتها » رواه أحمد والطبراني في الاوسط وزاد في رواية : أنه نهىٰ عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة وركوبها وأكل لحمها . ورجال الجميع ثقات إلّا أن إسناد الطبراني الأول فيه محمد بن أبي ليلىٰ وهو ضعيف الحديث وقد وثّق .
_______________
(١) صحيح مسلم ٢ / ١٠٢٨ ـ ١٠٣٠ .
٣ ـ وعن عبدالله بن مسعود رفعه أحمد بن إسحاق قال : « لا تنكح المرأة علىٰ عمتها ولا علىٰ خالتها ولا تسأل المرأة طلاق أُختها لتكتفئ ما في صحفتها ، رواه البزار وقال : لا نعلمه عن عبدالله عن النبي إلّا بهذا الاسناد . ورواه الطبراني في الكبير وإسناده منقطع بين المنهال بن خليفة وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار ، ورجالهما ثقات .
٤ ـ وعن ابن عمر أن رسول الله نهىٰ أن تنكح المرأة علىٰ عمتها وعلىٰ خالتها وعن لبستين عن الصماء وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد وليس علىٰ فرجه منه شيء . رواه الطبراني في الأوسط والبزار باختصار اللبستين ، ورجالهما رجال الصحيح .
٥ ـ وعن سمرة قال : نهىٰ رسول الله أن تنكح المرأة علىٰ عمتها أو علىٰ خالتها . رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال البزار ثقات (١) .
نلاحظ مما سبق أن جميع هذه الروايات قد ورد فيها النهي عن التزوج بابنة الاخ علىٰ عمتها وابنة الأخت علىٰ خالتها ، إذ أن اللفظ المشترك بينها تقريباً « أن تنكح المرأة علىٰ عمتها أو علىٰ خالتها » ،
_______________
(١) مجمع الزوائد ٤ / ٢٦٣ .
ولم يرد النهي فيها عن العكس ، أي التزوج من العمة علىٰ إبنة أخيها أو الخالة علىٰ إبنة أُختها ، وهذا هو محل الخلاف :
فجمهور أهل السنة حكموا بتحريم الجمع في كلتا الصورتين .
قال النووي : وقوله : « لا يجمع بين المرأه وعمتها ولا بين المرأة وخالتها » ظاهر في أنه لا فرق بين أن ينكح البنتين معاً أو تقدم هذه أو هذه ، فالجمع بينهما حرام كيف كان ، وقد جاء في رواية أبي داود وغيره « لا تنكح الصغرىٰ علىٰ الكبرىٰ ولا الكبرىٰ علىٰ الصغرىٰ » لكن إن عقد عليهما معاً بعقد واحد فنكاحهما باطل وإن عقد علىٰ إحداهما ثم الأُخرىٰ فنكاح الأُولىٰ صحيح ونكاح الثانية باطل والله أعلم (١) .
وقد أخرج الأئمة من أهل السنة كثيراً من هذه الروايات ، فقد أخرج النسائي تسع روايات عن أبي هريرة جماعها : لا تنكح المرأة علىٰ خالتها ولا علىٰ عمتها ، وأخرج ثلاث روايات عن جابر ، جماعها : نهىٰ رسول الله أن تنكح المرأة علىٰ عمتها وخالتها ، وأخرج الترمذي عن ابن عباس : أن النبي نهىٰ أن تزوج المرأة علىٰ عمتها أو علىٰ خالتها ، قال : حدثنا نصر بن علي ، حدثنا عبد
_______________
(١) شرح صحيح مسلم ٥ / ١٩٢ .
الأعلىٰ ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي بمثله ، وفي الباب عن علي وابن عمر وعبدالله بن عمرو وأبي سعيد وأبي أمامة وجابر وعائشة وأبي موسىٰ وسمرة بن جندب (١) .
وأخرج الدارمي عن أبي هريرة : نهىٰ أن يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها (٢) .
هذه الروايات كما نلاحظ مجمعة علىٰ النهي عن التزوج بابنة الأخ أو إبنة الأُخت جمعاً مع العمة والخالة ، ولم ترد الزيادة علىٰ ذلك إلّا عن طريق واحد ، هو :
حدثنا الحسن بن علي الخلّال ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا داود بن أبى هند ، حدثنا عامر عن أبي هريرة ، أن رسول الله نهىٰ أن تنكح المرأة علىٰ عمتها أو العمة علىٰ إبنة أخيها أو المرأة علىٰ خالتها أو الخالة علىٰ بنت أُختها ، ولا تنكح الصغرىٰ علىٰ الكبرىٰ ولا الكبرىٰ علىٰ الصغرىٰ (٣) .
هذه هي الرواية التي استشهد بها النووي علىٰ التحريم ، وهي معارضة بكل الروايات المتقدمة التي ليس فيها هذه الزيادة ، فلا
_______________
(١) جامع الترمذي ٣ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣ .
(٢) سنن الدارمي ٢ / ٣٦ .
(٣) الترمذي ٣ / ٤٣٣ ، سنن أبي داود ٢ / ٢٢٤ .
تقوم بها حجة ، فضلاً عن أن في إسنادها :
١ ـ الحسن بن علي الخلال ، أبو محمد الحلواني : قال داود بن الحسين البيهقي : بلغني أن الحلواني قال : لا أكفر من وقف في القرآن ، قال داود : فسألت سلمة بن شبث عن الحلواني فقال : يُرمىٰ في الحش ، من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر .
وقال الامام أحمد : ما أعرفه بطلب الحديث ولا رأيته يطلبه ، ولم يحمده . ثم قال : بلغني عنه أشياء أكرهها ، وقال مرة : أهل الثغر عنه غير راضين ، وما هذا معناه (١) .
٢ ـ يزيد بن هارون : ذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه أنه كاتب أبي شيبة القاضي جد أبي بكر بن أبي شيبة ، قال : سمعت أبي ـ يعني أبا خيثمة زهير بن حرب ـ يقول : كان يعاب علىٰ يزيد حين ذهب بصره ، ربما إذا جاء سئل عن حديث لا يعرفه فيأمر جاريته فتحفظه من كتابه . قال : وسمعت يحيىٰ بن معين يقول : يزيد يدلّس من أصحاب الحديث لأنه لا يميز ولا يبالي عمن روىٰ (٢) .
٣ ـ داود بن أبي هند : قال الذهبي : حجة ، ما أدري لم لم يخرّج له البخاري (٣) .
_______________
(١) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٦٢ .
(٢) تهذيب التهذيب ١١ / ٣٢٢ .
(٣) ميزان الاعتدال ٢ / ١١ .
وقال ابن حبان : روىٰ عن أنس خمسة أحاديث لم يسمعها منه ، وكان في خيار أهل البصرة من المتقين في الروايات إلّا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه .
قال الأثرم عن أحمد : كان كثير الاضطراب والخلاف (١) .
من هذا يتبين أن هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها في التحريم ، وتبقىٰ الروايات الأُخرىٰ المتكاثرة التي تنهىٰ عن نكاح ابنة الأخ أو إبنة الأُخت علىٰ العمة والخالة فقط ولا عكس ، وقد فهم الشيعة ذلك ، وبذلك وردت الروايات عن أئمتهم الاطهار عليهمالسلام :
١ ـ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « لا تزوج إبنة الأخ ولا إبنة الأُخت علىٰ العمة ولا علىٰ الخالة إلّا باذنهما ، وتزوج العمة والخالة علىٰ إبنة الأخ وإبنة الأُخت بغير إذنهما » .
٢ ـ عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ بن جعفر عليهالسلام قال : سألته عن إمرأة تزوج علىٰ عمتها وخالتها ؟ قال : « لا بأس » ، وقال : « تزوج العمة والخالة علىٰ إبنة الأخ وإبنة الأُخت ، ولا تزوج بنت الأخ أو الأُخت علىٰ العمة والخالة إلّا برضىً منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل » .
_______________
(١) تهذيب التهذيب ٣ / ١٧٧ .
٣ ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « إنما نهىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تزويج المرأة علىٰ عمتها وخالتها إجلالاً للعمة والخالة ، فاذا أذنت في ذلك فلا بأس » (١) .
الطلاق الثلاث :
قال الشيخ في « مطلب الطلاق بالثلاث في لفظ واحد » :
|
ومنها : قولهم : أنّ من طلق إمرأته بالثلاث في لفظ واحد لا يقع شيء ، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة وإجماع أهل الاسلام ، فانهم أجمعوا علىٰ وقوع الطلاق ، وإنما اختلافهم في عدد الطلاق أهي واحدة أم ثلاث ... وروىٰ البيهقي عن مسلمة بن جعفر الأحمس قال : قلت لجعفر بن محمد : أن قوماً يزعمون أنّ من طلق ثلاثاً بجهالة ردّ إلىٰ السنة ، يجعلونها واحدة يروونها عنكم ، قال : معاذ الله أن يكون هذا من قولنا ، من طلق ثلاثاً فهو كما قال !! وتعرف بهذا وأضرابه إفتراء الرافضة
الكذبة علىٰ أهل البيت وأن مذهبهم مذهب أهل السنة
|
_______________
(١) وسائل الشيعة ٢٠ / ٤٨٧ ـ ٤٩٠ كتاب النكاح : باب عدم جواز تزويج بنت الأخ علىٰ عمتها وبنت الأخت علىٰ خالتها نسباً ورضاعاً إلّا باذنهما ، فان فعل بطل ، ويجوز العكس بغير إذن .
|
والجماعة ... فهؤلاء الامامية خارجون عن السنة بل عن الملة واقعون في الزنا ... (١) . |
هذه فرية أُخرىٰ من إفتراءات شيخ الوهابية علىٰ الشيعة ، وهذه كتبهم في الحديث والفقه تملأ الخافقين كلها تكذّب مقالته ، فالشيعة أيضاً يقولون بوقوع الطلاق إذا طلق الرجل إمرأته بالثلاث ، ولكنهم يعتبرونها طلقة واحدة ، وهم متفقون علىٰ ذلك بالاجماع ، لكن فقهاء أهل السنة هم الذين اختلفوا في كونها طلقة واحدة أو ثلاث .
ومذهب الشيعة في ذلك يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام ، ففي كتاب الله ، قوله عز من قائل : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (٢) ، وقوله تعالىٰ ( فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) (٣) .
وأما الرواية المنسوبة إلىٰ الامام الصادق عليهالسلام فهي مفتراة عليه ـ وكم افتري علىٰ لسان الأئمة كما أخبر بذلك الامام محمد بن علي الباقر عليهالسلام فيما ذكرناه عنه في مبحث سابق ـ لأن الروايات قد تواترت عنهم عليهمالسلام بما يدحض هذه الفرية ، والشيعة الامامية أعلم
_______________
(١) رسالة في الرد علىٰ الرافضة : ٤١ ـ ٤٢ .
(٢) سورة البقرة : ٢٢٩ .
(٣) سورة البقرة : ٢٣٠ .
من غيرهم بسنة أئمتهم وأحاديثهم التي هي امتداد لسنة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وليست مخالفة لها ، وكتب الشيعة مكتظة برواياتهم عليهمالسلام في هذا الشأن ، نذكر بعضاً منها :
١ ـ عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن رجل طلق إمرأته ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهر ؟ قال : « هي واحدة » (١) .
٢ ـ عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : قال أبو عبدالله عليهالسلام : « لا يقع الطلاق إلّا علىٰ كتاب الله والسنة ، لأنه حد من حدود الله عزوجل ، يقول : ( إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ) ، ويقول : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ، ويقول : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) ، وأما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ردَّ طلاق عبدالله بن عمر لأنه كان علىٰ خلاف الكتاب والسنة » (٢) .
٣ ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام ـ في حديث ـ أنه قال لنافع مولىٰ ابن عمر : « أنت الذي تزعم أن ابن عمر طلق إمرأته واحدة وهي حائض ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عمر أن يأمره أن يراجعها ؟ » فقال : نعم . فقال له : « كذبت ـ والله الذي لا إله إلّا هو ـ أنا سمعت ابن
_______________
(١) وسائل الشيعة ٢٢ / ٦٢ كتاب الطلاق : باب إن من طلق مرتين أو ثلاثاً أو أكثر مرسلة من غير رجعة وقعت واحدة مع الشرائط .
(٢) المصدر السابق ٢٢ / ١٧ .
عمر يقول : طلقتها علىٰ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثاً ، فردها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليَّ » وأمسكتها بعد الطلاق ؛ فاتق الله يا نافع ولا ترو علىٰ ابن عمر الباطل (١) .
٤ ـ عن عمرو بن البراء ، قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : إن أصحابنا يقولون إن الرجل إذا طلق إمرأته مرة أو مائة مرة فانما هي واحدة ، وقد كان يبلغنا عنك وعن آبائك أنهم كانوا يقولون « إذا طلق مرة أو مائة مرة فانما هي واحدة » ، فقال : « هو كما بلغكم » .
وقال الشيخ المفيد : وإِذا دخل الرجل بالمرأة ، وكانت ممن ترىٰ الدم بالحيض وكانا مجتمعين في بلد واحد ، ثم أراد طلاقها ، لم يجز ذلك حتىٰ يستبرئها بحيضة ، فاذا طهرت من دمها طلقها بلفظ الطلاق مرة واحدة ، فقال لها : ( أنت طالق ) أو ( هي طالق ) ـ وأومىٰ إليها بعينها ـ و ( فلانة بنت فلان طالق ) ويُشهد علىٰ نفسه بذلك رجلين مسلمين عدلين ، فاذا فعل ذلك فقد بانت منه بواحدة وهو أملك برجعتها مالم تخرج من عدتها ، فان بدا له من فراقها وهي في العدة وأراد مراجعتها ، أشهد نفسين من المسلمين علىٰ أنه قد راجعها ، فقال : أشهد علىٰ أنني قد راجعت فلانة ، فاذا قال ذلك عادت إلىٰ
_______________
(١) وسائل الشيعة ٢٢ / ٢٢ .
نكاحه ، ولم يكن لها الامتناع عليه .
ولو لم يشهد علىٰ رجعته كما ذكرناه ويقول فيها ما شرحناه ، وعاد إلىٰ إستباحة زوجته فوطأها قبل خروجها من عدتها أو قبلها أو أنكر طلاقها ، لكان بذلك مراجعاً لها ، وهدم فعاله هذا حكم عدتها ، وإنما ندب إلىٰ الاشهاد علىٰ الرجعة وسُنّ له ذلك إحتياطاً فيها لثبوت الولد منه واستحقاقه الميراث بذلك ، ودفع دعاوىٰ المرأة استمرار الفراق المانع للزوج من الاستحقاق . ومتىٰ تركها حتىٰ تخرج من عدتها فلم يراجعها بشيء ـ مما وصفناه ـ فقد ملكت نفسها ـ وهو كواحد من الخطاب ـ إن شاءت أن ترجع إليه رجعت بعقد جديد ومهر جديد ، وإن لم تشأ الرجوع إليه لم يكن له عليها سبيل . وهذا الطلاق يسمىٰ طلاق السنة (١) .
هذا هو رأي الشيعة في الطلاق عامة وطلاق الثلاث ، وهو ـ كما نرىٰ ـ موافق لكتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأن الشيعة ليسوا بخارجين عن السنة ، بل هم أهلها الحقيقيون ، وحاشاهم من الفرىٰ القبيحة التي يرميهم بها شيخ الوهابية .
ولنا أن نذكر مثالاً عن رأي أهل السنة في مسألة الطلاق ، حتىٰ
_______________
(١) المقنعة : ٥٢٦ .
نعلم عدم تمسك الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالكتاب والسنة .
قال بهاء الدين المقدسي : ولا يحل جمع الثلاث ، ولا طلاق المدخول بها في حيضتها ، أو في طهر أصابها فيه ، لما روي عن ابن عمر أنه طلق إمرأة له وهي حائض ، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « مُرهُ فليراجعها ثم يمسكها حتىٰ تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، فان بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها » .
قال المقدسي : ولا يحل جمع الثلاث ، وهو
إحدىٰ الروايتين ، وهو طلاق بدعة وهو محرّم ، روي ذلك عن عمر وعلي وجماعة من الصحابة ، فروي عن عمر أنه كان إذا أُتي برجل طلق ثلاثاً أوجعه ضرباً ، وعن مالك بن الحارث قال : جاء رجل إلىٰ ابن عباس فقال : إن عمي طلق إمرأته ثلاثاً ؛ فقال : إن عمك عصىٰ الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجاً ، ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة فحرم كالظهار . والرواية الاُخرىٰ أنه مكروه غير محرم ، لأن عويمراً العجلاني لما لاعن زوجته قال : كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتها ؛ فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، متفق عليه . ولم ينقل إنكار رسول الله صلىاللهعليهوسلم
عليه ، وفي حديث إمرأة رفاعة أنها قالت : يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي . متفق عليه . وفي حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أَرسل إليها بثلاث تطليقات والاولىٰ