لا تخونوا الله والرسول

صباح علي البيّاتي

لا تخونوا الله والرسول

المؤلف:

صباح علي البيّاتي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-291-1
الصفحات: ٣٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

قلت : فالعجب كل العجب من الدارقطني ، كيف يستدل بهذه الرواية علىٰ وجوب غسل الرجلين والنص الصريح فيها قوله : « ويمسح برأسه ورجليه ... » ؟!! أليس ذلك دليلاً دامغاً علىٰ وجوب المسح ، وأن النبي قد أكد أنه لا تتم صلاة أحد حتىٰ يفعل ذلك ؟

من أين جاء الغسل :

عند ما نستعرض الروايات التي تقول بغسل القدمين ، نلاحظ أنها في معظمها تنتهي أسانيدها إلىٰ بعض الصحابة والتابعين المعروفين بولائهم لبني أُمية ، مما يؤكد أن بدعة غسل الرجلين هي من إختراع بني أُمية وولاتهم الذين كانوا يشجعونها ويحملون الناس عليها في محاولة لمحق السنة النبوية الشريفة وتغيير أحكام القرآن ، وإليك بعض الأدلة علىٰ ذلك :

١ ـ عن موسىٰ بن أنس قال : خطب الحجاج بن يوسف الناس فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، فاغسلوا ظاهرهما وباطنهما وعراقيبهما فان ذلك أقرب إلىٰ جنتكم ؛ فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلىٰ الكعبين (١) .

_______________

(١) المصنف ١ / ١٨ .

٢٤١

وأورد البيهقي الرواية وزاد عليها : قرأها جرّاً ، فانما أنكر أنس بن مالك القراءة دون الغسل ... (١) .

أقول : من المعلوم أن الحجاج بن يوسف الثقفي هو أحد ولاة بني أُمية الطغاة ، ومن أكبر مروّجي سياساتهم ، وتصرفه يدل علىٰ محاولته علىٰ حمل الناس علىٰ غسل الرجلين مخالفة للكتاب والسنة ، وقد حاول البعض توجيه الرواية بأن أنس بن مالك قد اعترض علىٰ قراءة الحجاج بالنصب لأن أنساً كان يقرأها بالخفض ولم يكن اعتراضه علىٰ الغسل ، وفساد هذا الرأي ظاهر تماماً ، فضلاً عن أن القراءة بالخفض ـ التي كان يراها أنس ـ إنما تدل علىٰ المسح أيضاً .

وأعجب من ذلك هو إدعاء البعض أنَّ أنس بن مالك وغيره من الصحابة مثل أمير المؤمنين عليه‌السلام وابن عباس رضي‌الله‌عنه كانوا يمسحون ثم رجعوا عنه إلىٰ الغسل ! فاذا كان هؤلاء الصحابه الثلاثة بالذات ـ وهم أكثر الصحابة لصوقاً بالنبي ـ لا يعرفون وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وظلوا فترة طويلة يمسحون ، فمن الذي يعرف وضوء النبي إذاً ؟! وإذا كان أنس قد اعترض علىٰ الحجاج فهذا يعني أنه قد فعل ذلك في أواخر عمره ، فمتىٰ رجع عن القول بالمسح إذاً ؟!

_______________

(١) السنن الكبرى ١ / ٧١ .

٢٤٢

ومعلوم قطعاً أن المغيرة بن شعبة هو أيضاً أحد ولاة بني أُمية الطغاة ، وهو أول من امتثل لأمر معاوية بسب أمير المؤمنين عليه‌السلام علىٰ المنبر ، مع قول النبي : « من سب علياً فقد سبني » (١) .

وبذلك يتبين أن غسل القدمين ما هو إلا بدعة أُموية في مقابل السنة النبوية الصحيحة ، وكم لها من مثيلات مذكورة في كتب أهل السنة ، كبدعة ترك معاوية للتلبية بغضاً لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وترك الجهر بالبسملة وغيرها من الأُمور التي يستطيع الباحث أن يجدها في أُمهات كتب أهل السنة .

فعلى هذا نجد إن جميع روايات الغسل قد وضعت في مقابل الروايات التي تؤكد علىٰ المسح دون شك .

الجمعة والجماعة :

قال الشيخ في « مطلب تركهم الجمعة والجماعة » :

ومنها : ترك الجمعة والجماعة ، وكذلك اليهود فانهم لا يصلون إلّا فرادىٰ ، ومنها تركهم قول آمين وراء الامام في الصلاة فانهم لا يقولون آمين يزعمون

_______________

(١) المستدرك علىٰ الصحيحين وصححه ووافقه الذهبي ، وفي رواية « من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى » .

٢٤٣

أن الصلاة تبطل به ، ومنها تركهم تحية السلام فيما بينهم وإذا سلموا فعلوا بعكس السنة ، ومنها خروجهم من الصلاة بالفعل وتركهم السلام في الصلاة فانهم يخرجون من الصلاة من غير سلام بل يرفعون أيديهم ويضربون بها علىٰ ركبهم كأذناب الخيل الشُّمس ، ومنها شدة عدوانهم للمسلمين ... حتىٰ أنهم يعدونهم أنجاساً ... (١) .

هذه الادعاءات الباطلة تكذبها الوقائع ومصنفات علماء الشيعة في هذا الباب ، أما أن الشيعة يتركون بعض الأُمور المتعارف عليها عند أهل السنة فلعلّة سوف نبينها في هذه المباحث إن شاء الله ، ولنبدأ بمسألة الجمعة والجماعة .

قال العلامة الحلي قدس‌سره : الجماعة مشروعة في الصلوات المفروضة اليومية بغير خلاف بين العلماء كافة ، وهي من جملة شعائر الاسلام وعلاماته ، والأصل فيه قوله تعالىٰ (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ) (٢) وداوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ إقامتها حضراً وسفراً ، وكذا أئمته وخلفاؤه ، ولم يزل المسلمون يواظبون عليها بلا خلاف .

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٤٤ .

(٢) سورة النساء : ١٠٢ .

٢٤٤

وفي الجماعة فضل كثير ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة » وفي رواية « بخمس وعشرين » .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « الصلاة في جماعة تفضل علىٰ صلاة الفذ بأربع وعشرين درجة تكون خمساً وعشرين صلاة » .

وقال عليه‌السلام : « إن أُناساً كانوا علىٰ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبطأوا عن الصلاة في المسجد ، فقال رسول الله : « ليوشك قوم يَدَعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع علىٰ أبوابهم فتوقد عليهم فتحرق عليهم بيوتهم » ... ولا ينبغي لأحد ترك الجماعة وإن صلاها بنسائه أو عبيده أو إمائه أو أولاده إذا لم يحضر المسجد (١) .

وفيما يتعلق بصلاة الجمعة قال السيد محمد بن علي الموسوي : أجمع العلماء كافة علىٰ وجوب صلاة الجمعة ، والأصل فيه : الكتاب والسنة ، قال الله تعالىٰ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) (٢) .

_______________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ / ٢٢٧ في فضل الجماعة .

(٢) سورة الجمعة : ٩ .

٢٤٥

أجمع المفسرون علىٰ أن المراد بالذكر هنا الخطبة وصلاة الجمعة ، تسمية للشيء باسم أشرف أجزائه ، والأمر للوجوب كما قرر في الأُصول ، وهو هنا للتكرار باتفاق العلماء ، والتعليق بالنداء مبني علىٰ الغالب ، وفي الآية مع الأمر الدال علىٰ الوجوب ضروب من التأكيد وأنواع الحث بما لا يقتضي تفصيله المقام ، ولا يخفىٰ علىٰ من تأمله من أُولي الافهام .

وأما الأخبار فمستفيضة جداً ، بل تكاد تكون متواترة ، فمن ذلك صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : « إن الله عزوجل فرض في كل سبعة أيام خمساً وثلاثين صلاة ، منها صلاة واجبة علىٰ كل مسلم أن يشهدها إلّا خمسة : المريض ، والمملوك ، والمسافر ، والمرأة ، والصبي ... » (١) .

هذا ما يقوله علماء الشيعة عن صلاة الجمعة والجماعة ، وأود الاشارة إلىٰ إدعاء الشيخ ابن عبد الوهاب بأن الشيعة يعادون أهل السنة ويتنجسون منهم ، هذا الإدعاء الباطل الذي يستهدف تشويه صورة الشيعة أمام المسلمين ، ويكفي في رد هذا الادعاء الباطل أن استشهد بما أورده السيد محمد بن علي الموسوي بهذا الشأن ، قال :

_______________

(١) مدارك الاحكام ٤ / ٥ ـ ٦ .

٢٤٦

فائدة : يستحب حضور جماعة أهل الخلاف استحباباً مؤكداً ، فروىٰ ابن بابويه في الصحيح عن زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال له : « يا زيد خالقوا الناس باخلاقهم صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا ، فانكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية ، رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه ، وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية ، فعل الله بجعفر ، ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه » .

وفي الصحيح عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : « من صلىٰ معهم في الصف الأول كان كمن صلىٰ مع رسول الله في الصف الأول » .

فالشيعة الذين هم تلامذة أهل البيت عليهم‌السلام أولىٰ بأن يتمسكوا بوصية إمامهم فيحضرون الصلوات مع إخوانهم وإن كانوا مخالفين لهم حفاظاً علىٰ وحدة الصف الاسلامي وكيداً لأعداء الاسلام والمسلمين كأمثال الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي يريد الفتنة وتفريق المسلمين وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم .

٢٤٧

قول آمين :

أمّا في هذا المورد فرأينا يخالف رأي إخواننا أهل السنة ، إذ أن الشيعة يعتبرون قول آمين مبطلاً للصلاة .

قال الشيخ علي بن الحسين الكركي قدس‌سره : وكذا تبطل لو قال آمين آخر الحمد علىٰ المشهور ، لرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنه سأله : أقول آمين إذا فرغت من فاتحة الكتاب ؟ قال : « لا » ، ولقول النبي : « إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الآدميين » ، وآمين من كلام الآدميين ، إذ ليست بقرآن ولا ذكر ولا دعاء ، وإنما هي إسم للدعاء ، أعني : استجب ، والاسم مغاير لمسماه الوضعي ، وعلىٰ هذا فلا فرق في البطلان بين أن يقولها في آخر الحمد أو غير ذلك كالقنوت وغيره من حالات الصلاة ، ولا بين أن يقولها سراً أو جهراً (١) .

تحية السلام :

أما إدعاء الشيخ أن الشيعة يتركون تحية السلام فيما بينهم ، فمن

_______________

(١) جامع المقاصد ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ كتاب الصلاة باب القراءة .

٢٤٨

أسقط الافتراءات ، ولا أدري كيف يكون السلام بعكس السنة ! إذ لم يوضح الشيخ هذا النوع المبتكر من السلام .

وعلىٰ أي حال فان الشيعة ليسوا من سكان الكواكب الأُخرىٰ ، ولا هم من الأُمم البائدة حتىٰ يتعذر الوصول إليهم ، فهم موجودون في كل مكان ويمكن معرفة عدم صحة إدعاءات الشيخ من ملاحظة سلامهم علىٰ إخوانهم المسلمين وتحيتهم بتحية الاسلام .

أما خروجهم من الصلاة وتركهم السلام ، فهو أيضاً من المفتريات الداحضة كما تشهد علىٰ ذلك مصنفات الشيعة في الفقه والحديث ، فمن ذلك :

١ ـ عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إفتتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم » .

٢ ـ عن علي بن أسباط ، عنهم عليهم‌السلام قال : قال : ـ فيما وعظ الله به عيسىٰ عليه‌السلام ـ « يا عيسىٰ ، أنا ربك ورب آبائك » ـ وذكر الحديث بطوله إلىٰ أن قال : ـ « ثم أُوصيك يابن مريم البكر البتول بسيّد المرسلين وحبيبي ، فهو أحمد » ـ إلىٰ أن قال : ـ « يُسمّي عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كل يوم خمس صلوات متواليات ، ينادي إلىٰ الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتتح بالتكبير ، ويختتم بالسلام » .

٢٤٩

٣ ـ عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلىٰ المأمون ، قال : « تحليل الصلاة التسليم » (١) .

أما الفقهاء من الفريقين ـ السنة والشيعة ـ فقد اختلفوا في أن التسليم هل هو واجب أو مستحب ، تبعاً لدلالة الأدلة المتوفرة لديهم .

وقد نقل العلامة الحلي قدس‌سره بعض هذه الاختلافات في باب التسليم بقوله :

اختلف علماؤنا في وجوبه ، فقال المرتضىٰ وجماعة من علمائنا به ، وبه قال الشافعي والثوري ، لقوله عليه‌السلام : « مفتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم » ، ولانه ذكر في أحد طرفي الصلاة فكان واجباً كالتكبير .

وقال الشيخان ومن تبعهما : بالاستحباب ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو الأقوىٰ عندي عملاً بالاصل ، ولأن الحدث المتخلل بين الصلاة علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبينه غير مبطل للصلاة لقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن رجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم ، قال : « تمت صلاته » ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته ، ولأن التسليمة الثانية

_______________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٤١٨ أبواب التسليم .

٢٥٠

ليست واجبة فكذا الأُولىٰ ، ونمنع الحديث والحصر ، ونمنع كونه طرفاً ، بل الصلاة علىٰ النبي وآله عليهم السلام .

إذا ثبت هذا ، فقال أبو حنيفة : الخروج من الصلاة واجب ، وإذا خرج بما ينافي الصلاة عن عمل أو حدث أو غير ذلك كطلوع الشمس أو وجدان المتيمم الماء أجزأه (١) .

رفع اليدين فوق الرأس :

أما قول الشيخ بأن الشيعة يرفعون أيديهم ويضربون بها ـ بعد الفراغ من الصلاة ـ فلأن الشيخ جاهل بالسنة النبوية ، لأن في كتب أهل السنة وصحاحهم ما يثبت أن ذلك سنة نبوية شريفة ، والشيعة يرفعون أيديهم ، ثم يكبرون الله ثلاثاً ـ بعد التسليم والخروج من الصلاة ـ عملاً بهذه السنة الشريفة ، وكما علمهم أئمتهم المطهرون ، وفي ذلك جملة من الأخبار ، أذكر منها هذه الرواية :

عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : لأي علة يكبّر المصلي بعد التسليم ثلاثاً ، يرفع بها يديه ؟ فقال : « لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما فتح مكة صلىٰ بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلما سلّم رفع

_______________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ .

٢٥١

يديه وكبر ثلاثاً وقال : لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعزّ جنده وغلب الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو علىٰ كل شيء قدير » ثم أقبل علىٰ أصحابه فقال : « لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كل صلاة مكتوبة ، فان من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا كان قد أدىٰ ما يجب عليه من شكر الله تعالىٰ علىٰ تقوية الاسلام وجنده » (١) .

ولو أن الشيخ كان علىٰ شيء من العلم لأدرك أن كتب أهل السنة وصحاحهم تشتمل علىٰ ذلك أيضاً ، فمنها :

١ ـ عن ابن عباس ، قال : كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتكبير .

٢ ـ أبا معبد أن ابن عباس أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان علىٰ عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه قال : قال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (٢) .

فاذا كان التكبير بعد التسليم سنة يستحب الاتيان بها ، وقد أكد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها ، فما ذنب الشيعة إذا تمسكوا بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

_______________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣ .

(٢) صحيح مسلم ١ / ٤١٠ كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الذكر بعد الصلاة .

٢٥٢

وتركه الآخرون رغبة عنه ؟ أفينبغي أن يتخلىٰ الشيعة عن السنة النبوية الشريفة إِرضاءً للشيخ وغيره من أعداء السنة النبوية حتىٰ يكفوا ألسنتهم عنهم ؟!

٢٥٣
٢٥٤

الفصل الثاني عشر : نكاح المتعة

قال الشيخ في « مطلب المتعة » :

ومنها إباحتهم نكاح المتعة بل يجعلونها خيراً من سبعين نكاحاً دائماً ، وقد جوّز لهم شيخهم الغالي علي بن العالي أن يتمتع إثنا عشر نفساً في ليلة واحدة بأمرأة واحدة وإذا جاءت بولد منهم أقرعوا فمن خرجت قرعته كان الولد له ، قلت : هذا مثل أنكحة الجاهلية التي أبطلها الشرع كما في الصحيح ، وعن علي رضي‌الله‌عنه أنه قال : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهىٰ عن نكاح المتعة ، رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، وعن سلمة بن الأكوع رضي‌الله‌عنه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أباح نكاح المتعة ثم حرمها رواه الشيخان ، وروىٰ مسلم في صحيحه عن سبرة نحو ذلك ، وعن ابن عمر : نهانا عنها يعني المتعة

٢٥٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رواه الطبراني باسناد قوي ، وقد نقل عن ابن عباس رجوعه عنها ، وروىٰ الطبراني عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه : هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث ، وإسناده حسن ، وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : كانت المتعة في أول الاسلام حتىٰ نزلت هذه الآية : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ) وتصديقها من القرآن ( إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) وما سوىٰ هذا فهو حرام ، رواه الطبراني والبيهقي ، والحاصل أن المتعة كانت حلالاً ثم نسخت وحرمت تحريماً مؤبداً ، فمن فعلها فقد فتح علىٰ نفسه باب الزنا (١) .

إن موضوع نكاح المتعة قد أصبح هو الآخر من الأُمور التي يُشنع بها علىٰ الشيعة دائماً ، رغم أن هذا الموضوع من الأُمور الخلافية الفقهية بين الطائفتين ، لكن من المؤسف حقاً أن يستغل خصوم الشيعة هذه المسألة لتشويه صورة الشيعة ـ أتباع الثقلين ـ أمام المسلمين متهمين إياهم باباحة الزنا بالقول بحلية المتعة ، ولو أنصف هؤلاء الخصوم ـ وأنّىٰ لهم أن ينصفوا ـ ونظروا إلىٰ المسألة بموضوعية وتجرد بعيداً عن النظرة المتعصبة الضيّقة لأدركوا أن الشيعة يستندون إلىٰ أدلّة قاطعة في قولهم بحلّيّة المتعة ، وأنّهم لا

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٣٤ ـ ٣٥ .

٢٥٦

يخالفون الكتاب ولا السنة النبوية الشريفة مطلقاً .

وسوف أُناقش أدلّة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وأترك الحكم للقارئ المنصف .

الاتفاق علىٰ إباحة المتعة :

بدءاً نقول : إنّ الطرفين متفقان علىٰ أن المتعة كانت مباحة ـ كما اعترف الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه بذلك ـ ولكنهم اختلفوا في أنه هل نسخت أم لا ؟ فذهب أهل السنة إلىٰ القول بنسخها ، وتمسك الشيعة بعدم النسخ .

لقد اعترف أكثر المفسرين والعلماء أن المتعة قد أُبيحت بقوله تعالىٰ : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (١) .

حيث روىٰ معظم المفسرين حلّيتها بهذه الآية عن جمع من الصحابة والتابعين : كابن عباس وأبي بن كعب والحكم وسعيد بن جبير ومجاهد وقتاده وشعبة وأُبي بن ثابت والسدي والحسن وغيرهم (٢) .

_______________

(١) سورة النساء : ٢٤ .

(٢) أُنظر : تفسير الطبري ٥ / ٩ ـ ١٠ ، تفسير القرطبي ٥ / ١٣٠ ، تفسير الرازي ١٠ / ٥٢ ،

٢٥٧

إلّا أنّ أهل السنة بعد ما أذعنوا إلىٰ إباحتها إدعوا نسخها ، نذكر مثلاً قول الفخر الرازي :

إنا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة ، إنما الذي نقوله أنها صارت منسوخة ، وعلىٰ هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة علىٰ أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحاً في غرضنا ، وهذا الجواب أيضاً عن تمسكهم بقراءة ابن عباس ، فان تلك القراءة ( فما استمتعتم به منهن إلىٰ أجل مسمىٰ فاتوهن أُجورهن ) الآية ، بتقدير ثبوتها لا تدل إلّا علىٰ أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إنما الذي نقوله أن النسخ طرأ عليها ... (١) .

وإلى هذا القول ذهب معظم مفسري أهل السنة .

أما حجة أهل السنة بالقول بالنسخ فتعتمد علىٰ بعض الآيات الكريمة ، منها :

١ ـ قوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (٢) .

_______________

تفسير السيوطي ٢ / ٤٨٤ ، تفسير ابن كثير ١ / ٤٨٦ ، تفسير أبي حيان ٣ / ٢١٨ ، تفسير الشوكاني ١ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠ ، تفسير ابن العربي المالكي ١ / ٣٨٩ ، وغيرهم .

(١) التفسير الكبير ١٠ / ٥١ ـ ٥٢ .

(٢) سورة المؤمنون : ٥ ـ ٦ ، سورة المعارج : ٢٩ ـ ٣٠ .

٢٥٨

لكن يبطل القول بالنسخ بهذه الآية أنها مكية ، وآية المتعة في سورة النساء وهي مدنية ، والمكي لا ينسخ المدني طبعاً لأنه متقدم عليه .

٢ ـ قوله تعالىٰ : ( إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (١) .

قال البلاغي في تفسيره : إن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان مورداً للطلاق ، وإلّا فما تقول في التسري والوطء بملك اليمين ، فان مورد الطلاق هو العقد المبني علىٰ الدوام ، لان الطلاق هو الحل لعقدة الزواج الدائم وقطع لدوامه ، وإن قلت أن النسخ بالعدة ، قلنا أن المستمتع بها عليها تنقص عن عدة الدائم بحسب الدليل كما نقصت عدة الأمة كما عليه الامامية وجمهور أهل السنة ما عدا داود وأصحابه الظاهريين ، وقد روي في الدر المنثور من طريق عمار مولىٰ الشريد عن ابن عباس أن المستمتع بها تعتد بحيضه ، وفي كنز العمال مما أخرجه عبد الرزاق عن جابر في المتعة : وكنا نعتد من المستمتع بها منهن بحيضة ، وروىٰ أيضاً عن السدي أنها تستبرئ رحمها ...

وأما الصدقة أي النفقة ، إن كان المراد منها الصداق فان المتعة

_______________

(١) سورة الطلاق : ١ .

٢٥٩

فيها صداق ، ولئن سمي أجراً فان القرآن قد سمىٰ الصداق في العقد الدائم أجراً ، فمن أين يجيء النسخ يا ترىٰ ؟ ... وأما الميراث ، فان آية ميراث الزوجين تقتضي بنفسها أن يتوارث المستمتع والمستمتع بها لأنهما زوجان ، نعم دل الدليل علىٰ عدم توارثهما فخصص به الكتاب ، ولعل ذلك لضعف علقتهما بكونها موقتة ، وقد اتفق جمهور أهل السنة علىٰ جواز نكاح الكتابية بالعقد الدائم واتفقوا علىٰ عدم التوارث بينهما وبين زوجها المسلم ، تخصيصاً منهم لعموم الارث بما رووه من قول النبي « لا يتوارث أهل الملتين » ونحوه ، وأجمع المسلمون علىٰ أن القاتل من أحد الزوجين للآخر لا يرث منه ... (١) .

٣ ـ قوله تعالىٰ : ( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) (٢) .

وقد ورد عن أهل السنة دعوىٰ أن الآية ناسخة لآية المتعة برواية ابن عباس ، وهذه الدعوىٰ باطلة من وجهين :

أحدهما : أن ذلك يخالف مذهب ابن عباس القائل بإباحة المتعة .

والثاني : أنه لو صحت الرواية عن ابن عباس لما كان ذلك سبباً

_______________

(١) آلاء الرحمان ٢ / ٨٢ ـ ٨٣ .

(٢) سورة النساء : ٢٤ .

٢٦٠