لا تخونوا الله والرسول

صباح علي البيّاتي

لا تخونوا الله والرسول

المؤلف:

صباح علي البيّاتي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-291-1
الصفحات: ٣٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الفصل الثامن : عصمة الأئمّة عليهم‌السلام

قال الشيخ في « مطلب العصمة » :

ومنها اشتراطهم كون الامام معصوماً وايجابهم علىٰ الله عدم إخلاء الزمان من إمام معصوم وحصر الامام المعصومين في إثني عشر ، وبطلان هذا وتناقضه واشتماله علىٰ سوء الأدب مع الله أظهر من أن يذكر ، وأبطلوا بهذا القول الباطل الجماعة في الصلاة . . . (١) .

لا أدري ما وجه البطلان في وجوب العصمة في الامام الذي تؤيده الأدلة العقلية والنقلية .

وإذا كان وجوب العصمة يستلزم مشاركة الأنبياء في وصف

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٣٤ .

١٨١

العصمة ـ كما يقول الشيخ عبد الوهاب في « مطلب العصمة » أيضاً (١) ـ فنحن نقول بذلك فعلاً ، فالأئمة يشاركون الانبياء عليهم‌السلام في الرسالة كلها عدا النبوة ، وقد أثبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الحقيقة بقوله لعلي عليه‌السلام في الحديث المتفق عليه بين جميع الطوائف الاسلامية : « أما ترضىٰ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰ إلّا أنه لا نبوة بعدي » (٢) .

فالنبي قد أثبت لأمير المؤمنين عليه‌السلام جميع المراتب التي لهارون ـ وهو نبي ـ ولم يستثنِ منها إلّا النبوة ، ومعلوم أن العصمة إحدىٰ هذه المراتب ، فطالما أنّ هارون نبي معصوم ، فعلي بن أبي طالب عليه‌السلام إمام معصوم ، وهكذا الأمر في أولاده المعصومين عليهم‌السلام .

أما اشتراط الامامية العصمة في الامام ، فان الادلة العقلية والنقلية تثبت ذلك .

يقول المحقق الطوسي رحمه‌الله : وامتناع التسلسل يوجب عصمته ، ولأنه حافظ للشرع ، ولوجوب الإنكار عليه لو أقدم علىٰ المعصية ، فيضاد أمر الطاعة ويفوت الغرض من نصبه ، ولانحطاط رتبته عن

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٢٧ .

(٢) صحيح مسلم ٤ / ١٨٧٠ ، صحيح البخاري ٥ / ٢٤ ، مسند أحمد ١ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، ١ / ١٧٠ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ٣ / ٣٢ ، ٣٣٨ ، ٨ / ٣٦٩ ، ٤٣٨ ، وغيرها .

١٨٢

أقل العوام (١) .

وهذا حق ، لأن الناس من الرعية ليسوا بمعصومين ، فيحتاجون إلىٰ المعصوم لتسديدهم ، فاذا لم يكن الامام معصوماً فسوف يحتاج إلىٰ من يسدده ، والآخر يحتاج إلىٰ من يسدده ، فيحدث التسلسل الذي لا نهاية له .

ولأن الامام حافظ للشرع بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد وأن يكون معصوماً ، لأن الكتاب والسنة لم يحيطا بكل الدقائق والتفاصيل ، والدليل علىٰ ذلك هو هذه الخلافات ـ ليس بين المذاهب المختلفة فحسب ، بل وبين أبناء المذهب الواحد أيضاً ـ فالإمام المعصوم هو الذي يستطيع أن يتكفل تبيين أُمور الشريعة ، لأنه العالم بكتاب الله الحافظ لسنة نبيه الصحيحة .

ولقد أثبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عصمة أهل البيت عليهم‌السلام عند ما قرنهم بكتاب الله وجعلهم أعداله الذين لا يفترقون عنه حتى يردوا عليه الحوض جميعاً ، كما هو واضح في حديث الثقلين .

وكتاب الله العزيز قد أثبت العصمة للأئمة عليهم‌السلام في قوله تعالىٰ :

_______________

(١) تجريد الاعتقاد : ٢٢٢ .

١٨٣

( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) .

قال الشيخ المظفر رحمه‌الله : فانه تعالىٰ أوجب طاعة أُولي الأمر علىٰ الاطلاق كطاعته وطاعة الرسول ، وهو لا يتم إلا بعصمة أُولي الأمر ، فان غير المعصوم قد يأمر بمعصية وتحرم طاعته فيها ، فلو وجبت أيضاً اجتمع الضدان : وجوب طاعته وحرمتها ، ولا يصح حمل الآية علىٰ إيجاب الطاعة له في خصوص الطاعات ، إذ مع منافاته لإطلاقها لا يجامع ظاهرها من إفادة تعظيم الرسول وأُولي الأمر بمساواتهم في وجوب الطاعة ، إذ يصبح تعظيم العاصي ولاسيما المنغمس بأنواع الفواحش ، علىٰ أن وجوب الطاعة في الطاعات ليس من خواص الرسول وأُولي الأمر ، بل تجب طاعة كل آمر بالمعروف ، فلابد أن يكون المراد بالآية بيان عصمة الرسول وأُولي الأمر ، وأنهم لا يأمرون ولا ينهون إلّا بحق (٢) .

أما كون الامامة واجبة علىٰ الله تعالىٰ ، فيثبته قوله تعالىٰ لابراهيم عليه‌السلام : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٣) .

_______________

(١) سورة النساء : ٥٩ .

(٢) دلائل الصدق ٢ / ١٧ .

(٣) سورة البقرة : ١٢٤ .

١٨٤

فالله سبحانه وتعالىٰ قد اختار إبراهيم عليه‌السلام إماماً ، وعند ما طلب إبراهيم جعلها في ذريته أخبره الله تعالىٰ أن الامامة عهد من الله سبحانه وتعالى متعلق بمشيئته سبحانه في اختيار الأصلح لهذا المنصب ، وليس لأحد غيره سبحانه أن يتولّىٰ نصب الامام .

فبهذا وغيره يبطل إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأن إيجاب الامامة علىٰ الله سبحانه والقول بضرورة عصمة الامام ، هو من إدعاءات الشيعة ولم يرد به نص أو سنة أو دليل عقلي ... .

فالنص الالهي والسنة النبوية المطهرة والعقل كلها تثبت صحة نظرية الشيعة في الامام وعصمة الامام .

وسيأتي الحديث عن الجمعة والجماعة في مباحث لاحقة .

ذرية الحسن عليه‌السلام

قال الشيخ في « مطلب نفي ذرية الحسن » :

ومنها قولهم : إن الحسن بن علي لم يعقب وأن عقبه انقرض وأنه لم يبق من نسله الذكور أحد ، وهذا القول شائع فيهم وهم مجمعون عليه ولا يحتاج إلىٰ إثباته ، كذا قيل ، ومنهم من يدّعي أن

١٨٥

الجاج (١) مثلهم كلهم ، وتوصلوا بذلك إلىٰ أن يحصروا الامامة في أولاد الحسين... (٢) .

إن هذا المطلب أتفه من أن يحتاج إلىٰ إبطاله ، وقول الشيخ : كذا قيل ، يدل علىٰ أنه ينقل من مصادر غير موثوقة ، إذ ليس بين الشيعة كلهم من يقول بمثل المقالة التي يدعيها الشيخ ، ولا وجدت رواية واحدة في أي كتاب من كتبهم تشير إلىٰ ذلك .

والسادة الحسنيون يعدون بالأُلوف ، بل أن بعض مراجع الشيعة العظام كالسيد محسن الحكيم رحمه‌الله هو من نسل الامام الحسن عليه‌السلام ، ولا حاجة للافاضة في هذا الموضوع سوىٰ الاشارة إلىٰ أن ديدن الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو الافتراء والكذب ، وقد صرّح بعض مَن ناظرناه في هذه المسألة بخطأ محمد بن عبد الوهاب في هذا الإدعاء ، فقلنا له : إن إنساناً ينسب إلىٰ فرقة قولاً ويدعي عليه أنه شائع فيهم وهم مجمعون عليه !! مع أنه لم يقل به واحد منهم ، بل لم يسمعوا به ، هكذا شخص كيف يلقب بشيخ الإسلام ؟!! .

_______________

(١) لم يتضح لي المقصود من هذه الكلمة .

(٢) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٢٩ .

١٨٦

الفصل التاسع : أحكام المخالفين

قال الشيخ في « مطلب خلافهم في خروج غيرهم من النار » :

ومنها أنه قال الحلي في شرح التجريد : اختلف الأئمة في غير الاثني عشرية من الفرق الاسلامية هل يخرجون من النار ويدخلون الجنة أم يخلدون فيها بأجمعهم ؟ قال : والاكثرون علىٰ الثاني ، وقال شرذمة بالأول ، وقال ابن نوبخت : يخرجون من النار ولا يدخلون الجنة بل هم بالاعراف ، انتهى . وهذا مبني علىٰ أن مذهبهم اعتقادهم أهل الجنة كفاراً أو فساقاً مع اعتقادهم أن الفاسق لا يخرج من النار أبداً ، وهذا يستلزم تكذيب ما صح عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من إخراج عصاة الموحدين من النار ، وما روي في فضل السواد

١٨٧

الاعظم الذين هم أهل السنة ، وقد صح أن الصحابة وأخيار التابعين مذهب أهل السنة مذهبهم ، وقولهم هذا يشبه قول أهل الكتاب حيث قالوا : لن يدخل الجنة إلّا من كان هوداً أو نصارىٰ . وكذلك هؤلاء يقولون بأفواههم : لن يدخل الجنة إلا من كان رافضياً ، أُنظر كيف يفترون علىٰ الله الكذب ، بل أفعالهم تقتضي حرمانهم عنها (١) .

أقول : إن الشيخ لم يكن أميناً في نقل عبارة العلامة الحلي قدس‌سره ، وهذه للأسف هي إحدىٰ الوسائل الملتوية التي يلجأ إليها خصوم الشيعة عند ما يعجزهم الدليل في قرع الحجة بالحجة ، فيلجؤون إما إلىٰ تزييف النصوص الواردة عن الشيعة أو بترها والتصرف فيها بحيث تعطي معنىٰ معاكساً للمقصود منها .

وعبارة العلامة الحلي قدس‌سره لم ترد بهذا الشكل الذي يستهدف الشيخ من ورائه إثارة الضغائن وتأليب المسلمين بعضهم علىٰ بعض وإيقاع الفتنة بينهم ، إذ أن عبارة الشيخ توحي بأن الشيعة يكفّرون غيرهم من المسلمين ، وهذا إفتراء عظيم وبهتان يبرأ الشيعة منه ، وسوف أُورد بعض الأمثلة التي تكذب هذا الادعاء بعد نقل عبارة

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٣٠ .

١٨٨

العلامة الحلي قدس‌سره كاملة حتىٰ يتبين وجه الزيف فيما ينقل الشيخ عنه .

قال العلامة الحلي قدس‌سره ـ في شرحه علىٰ تجريد الاعتقاد للمحقق الطوسي قدس‌سره ـ في أحكام المخالفين :

قال : محاربو علي عليه‌السلام كفرة ، ومخالفوه فسقه :

المحارب لعلي عليه‌السلام كافر لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « ياعلي ، حربك حربي » ، ولا شك في كفر من حارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما مخالفوه في الإمامة ، فقد اختلف قول علمائنا ، فمنهم من حكم بكفرهم لأنهم دفعوا ما علم ثبوته من الدين ضرورة وهو النص الجلي الدال علىٰ إمامته مع تواتره ، وذهب آخرون إلىٰ أنهم فسقة ، وهو الأقوىٰ ، ثم اختلف هؤلاء علىٰ أقول ثلاثة :

أحدها : أنّهم مخلدون في النار لعدم استحقاقهم الجنة .

الثاني : قال بعضهم : إنهم يخرجون من النار إلىٰ الجنة .

الثالث : ما ارتضاه ابن نوبخت وجماعة من علمائنا أنهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود ولا يدخلون الجنة لعدم الايمان المقتضي لاستحقاق الثواب (١) .

أما قول الشيخ : هذا مبني علىٰ أن مذهبهم اعتقادهم أهل الجنة

_______________

(١) كشف المراد ٣٩٨ .

١٨٩

كفاراً ... مع اعتقادهم أن الفاسق لا يخرج من النار ... إلخ .

فهذا أيضاً من الافك الذي يبرأ الشيعة منه ، فلننظر مثلاً إلىٰ ما يقوله المحقق الطوسي رحمه‌الله في انقطاع عذاب صاحب الكبائر :

أ ـ والكافر مخلّد ، وعذاب صاحب الكبيرة منقطع ... لاستحقاقه الثواب بايمانه ، ولقبحه عند العقلاء ، والسمعيات متأولة ، ودوام العقاب مختص بالكافر .

ب ـ الشفاعة : والاجماع علىٰ الشفاعة ، فقيل : لزيادة المنافع ، ويبطل منا في حقه ، ونفي المطاع لا يستلزم نفي المجاب ، وباقي السمعيات متأولة بالكفار .

وقيل : في إسقاط المضار ، والحق صدق الشفاعة فيهما ، وثبوت الثاني له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله : « إدّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي » (١) .

أما إدعاء الشيخ أن قول الشيعة يشبه قول النصارىٰ واليهود ، فالحقيقة أن رأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباع مدرسته هو الذي يشبه ذلك ، لأنهم يعتبرون أنفسهم الموحدين دون غيرهم ، ويعتبرون باقي المسلمين ـ سنة وشيعة ـ من المشركين ، ويستطيع كل باحث في آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكل من يخالطهم

_______________

(١) تجريد الاعتقاد : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ .

١٩٠

أن يلاحظ ذلك عياناً .

أما الشيعة ، فان ما جاء في روايات أئمتهم المعصومين عليهم‌السلام يثبت أن الشيعة لا يكفّرون أحداً من أهل القبلة ، وإليك بعض الأمثلة :

١ ـ عن شريك المفضل قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « الاسلام يحقن به الدم وتؤدىٰ به الأمانة وتستحل به الفروج ، والثواب علىٰ الايمان » (١) .

٢ ـ عن سفيان بن السمط قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه‌السلام عن الاسلام والايمان ، ما الفرق بينهما ... فقال : « الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس : شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، فهذا الاسلام ... » الحديث (٢) .

٣ ـ وعن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « الايمان ما استقر في القلب وأفضىٰ به إلىٰ الله عزوجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره ، والاسلام ماظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء

_______________

(١) أصول الكافي ٢ / ٢٠ .

(٢) المصدر السابق .

١٩١

وعليه جرت المواريث وجاز النكاح ، واجتمعوا علىٰ الصلاة والصوم والحج ، فخرجوا بذلك من الكفر وأُضيفوا إلىٰ الايمان ... » الحديث (١) .

كما أن إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن مذهب الصحابة هو مذهب أهل السنة ، فغير صحيح ، وسنثبت ذلك في المطلب الآتي .

مخالفة أهل السنة :

قال الشيخ في « مطلب مخالفتهم أهل السنة » :

ومنها أنهم جعلوا مخالفة أهل السنة والجماعة الذين هم علىٰ ما عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه أصلاً للنجاة ، فصاروا كلّما فعل أهل السنة تركوه ، وإن تركوا شيئاً فعلوه ، فخرجوا بذلك عن الدين رأساً ، فان الشيطان سوّل لهم ، وأملىٰ لهم وادعوا بأن هذه المخالفة علامة أنهم الفرقة الناجية ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « الفرقة الناجية هي السواد الأعظم وما أنا عليه وأصحابي » ، فلينظر إلىٰ الفرق ومعتقداتهم وأعمالهم ، فما وافقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه هي الفرقة الناجية ، وأهل السنة هم المتبعون لآثاره صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآثار

_______________

(١) المصدر السابق ٢ / ٢٢ باب أن الاسلام يحقن به الدم وتؤدىٰ به الأمانة .

١٩٢

أصحابه كما لا يخفىٰ علىٰ منصف ينظر بعين الحق ، فهم أحق أن يكونوا الفرقة الناجية وآثار النجاة ظاهرة فيهم لاستقامتهم علىٰ الدين من غير تحريف وظهور مذهبهم وشوكتهم في غالب البلاد ووجود العلماء المحققين والمحدثين والأولياء والصالحين فيهم ، وقد نزع الولاية عن الرافضه فما سمع فيهم ولي قط (١) .

أقول : إن إدعاء الشيخ بالمخالفة لا أساس له من الصحة ، لكن الحقيقة المؤسفة هي أن أهل السنة هم الذين خالفوا سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أكثر من مورد واتبعوا سنن الذين أحدثوا في الدين ـ كما أخبر النبي بذلك ـ وأهل السنة يعترفون صراحة بمخالفة السنة النبوية بدعوىٰ أنهم يخالفون الشيعة أوالروافض كما يسمونهم ، وإليك طائفة من هذه الاعترافات :

١ ـ قال ابن تيمية : ذهب من ذهب من الفقهاء إلىٰ ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم ـ يعني الشيعة ـ فانه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك ، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميز السني من الرافضي ، ومصلحة التميّز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٣٠ .

١٩٣

من مصلحة هذا المستحب (١) .

فابن تيمية يعترف بأن أهل السنة هم الذين يخالفون السنة النبوية ويتركون المستحبات بدعوىٰ مخالفة الشيعة والتميّز عنهم .

٢ ـ قال البيهقي : عن سفيان التمار أنه حدّثه أنه رأىٰ قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسنَّماً ، رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن مقاتل عن عبدالله بن المبارك ، ومتىٰ صحت رؤية القاسم بن محمد قبورهم مبطوحة ببطحاء العرصة فذلك يدل علىٰ التسطيح ، وصحت رؤية سفيان التمار قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسنَّماً ، فكأنه غُيّر عما كان عليه في القديم ، فقد سقط جداره في زمن الوليد بن عبدالملك وقيل في زمن عمر بن عبدالعزيز ثم أُصلح ، وحديث القاسم بن محمد في هذا الباب أصح وأولىٰ أن يكون محفوظاً ، إلّا أن من أهل العلم من أصحابنا استحب التسنيم في هذا الزمان لكونه جائزاً بالاجماع ، وأن التسطيح صار شعاراً لأهل البدع فلا يكون سبباً لإطالة الالسنة فيه ورميه بما هو منزّه عنه من مذاهب أهل البدع (٢) .

٣ ـ وقال الشعراني : والسنة في القبر التسطيح ، وهو أولىٰ علىٰ

_______________

(١) منهاج السنة النبوية ٢ / ١٤٧ .

(٢) السنن الكبرىٰ ٤ / ٣ ـ ٤ .

١٩٤

الراجح من مذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : التسنيم أولىٰ ، لأن التسطيح صار شعاراً للشيعة (١) .

فأهل السنة يعترفون أن السنة في القبور هي التسطيح ، ولكنهم عدلوا إلىٰ التسنيم إتباعاً لبني أُمية الذين غيروا قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان مسطحاً فجعلوه مسنّماً !!

وأهل السنة يعترفون بمخالفتهم للسنة النبوية في ذلك ، لكنهم يبررون ذلك بمخالفة الشيعة ، لأن الشيعة يسطّحون قبورهم تبعاً للسنة النبوية !!

٤ ـ قال الزمخشري : عن عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتختم في يمينه ، وقُبض صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخاتم في يمينه ، وذكر السلامي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده ، فنقله معاوية إلىٰ اليسار ، فأخذ المروانية بذلك ... (٢) .

هذا مع العلم أن الشيعة ما زالوا محافظين علىٰ السنة النبوية بلبس الخاتم في اليمين .

٥ ـ قال الزرقاني : وروىٰ ابن أبي شيبة وأبو داود الطيالسي

_______________

(١) رحمة الأُمة بهامش الميزان ١ / ١٠١ ـ ١٠٢ .

(٢) ربيع الأبرار ٤ / ٢٤ .

١٩٥

والبيهقي عن علي ، قال : « عمّمني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعمامة سدل طرفها علىٰ منكبي » .

لم يبن أهو الأيمن أو الأيسر ... فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردها إلىٰ الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم ، إلّا أنه صار شعار الإمامية فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم (١) .

فهذه الأمثلة القليلة تثبت أن أهل السنة هم الذين يخالفون الشيعة رغم أن الشيعة متمسكون بالسنة النبوية المطهرة ، ولا أدري ما ذنب الشيعة حتىٰ يستحقوا المخالفة والمقاطعة كما تبين من أقوال علماء أهل السنة وعلىٰ رأسهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقدوته ابن تيمية الحراني ، فهل ينتظر هؤلاء من الشيعة أن يتخلوا عن السنة النبوية ـ وهم أتباع أهل البيت المطهرين الذين أمر النبي باتباعهم ـ ؟ وهل أن لفظة أهل السنة تليق بمخالفي السنة أم بأتباعها ؟!

وإذا كانت سمة الفرقة الناجية ـ كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ هي موافقتهم سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه الذين تمسكوا بها ، فقد أثبت الشيخ بذلك القول أن الشيعة هم تلك الفرقة وليس غيرهم .

أما إدعاء الشيخ بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عيّن الفرقة الناجية بالسواد

_______________

(١) شرح المواهب ٥ / ١٣ .

١٩٦

الأعظم ، فليس صحيحاً ، لأن ذلك يخالف القرآن الذي جاءت آياته بذم الاكثرية دائماً ، ومنها قوله تعالىٰ : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ) (١) .

وحديث السواد الاعظم أخرجه عدد من الحفاظ ، من بينهم ابن ماجة في سننه (٢) ، قال محققه : في المجمع : في إسناده أبو خلف الاعمىٰ ، وإسمه حازم ابن عطاء ، وهو ضعيف ، وقد جاء الحديث بطرق في كلها نظر ، قاله شيخنا العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي ، وقد سأل رجل إسحاق بن راهويه : يا أبا يعقوب ، من السواد الاعظم ؟ قال : محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعه ، ثم قال إسحاق : لم أسمع عالماً منذ خمسين سنة كان أشد تمسكاً بأثر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من محمد بن أسلم (٣) .

وقال إسحاق بن راهويه أيضاً : لو سألت الجهال عن السواد الأعظم قالوا : جماعة الناس ، ولا يعلمون أن الجماعة عالِمٌ متمسك بأثر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة ومن خالفه فيه ترك الجماعة (٤) .

_______________

(١) سورة الانعام : ١١٦ .

(٢) سنن إبن ماجه ٢ / ١٣٠٣ باب السواد الاعظم .

(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ١٩٦ ـ ١٩٧ .

(٤) حلية الاولياء ٩ / ٢٣٨ .

١٩٧
١٩٨

الفصل العاشر : الرجعة

قال الشيخ في « مطلب الرجعة » :

ومنها أنه ما قال أضلهم محمد بن بابويه القمي في عقائده في مبحث الايمان بالرجعة : فانهم عليهم الصلاة قالوا : « من لم يؤمن برجعتنا فليس منا » ، وإليه ذهب جميع علمائهم ، قالوا : إن النبي وعلياً رضي‌الله‌عنه والأئمة الاثني عشر يحيون في آخر الزمان ويحشرون بعد خروج المهدي وبعد قتله الدجال ، ويحيا كل من الخلفاء الثلاثة وقتلة الأئمة ، فيقتل النبي الخلفاء حدّاً والقتلة قصاصاً ويصلبون الظالمين ويبتدئون بصلب أبي بكر وعمر علىٰ شجرة ، فمن قائل يقول : إن تلك تكون رطبة فتجف تلك الشجرة بعد أن صلبا عليها فيضل بذلك خلق

١٩٩

كثير من أهل الحق ويقولون ظلمناهم ، ومن قائل يقول : الشجرة تكون يابسة فتخضر بعد الصلب ويهتدي به جم غفير من محبيهما . قيل ذكروا في كتبهم أن تلك الشجرة نخلة وأنها تطول حتىٰ يراها أهل المشرق والمغرب وأن الدنيا تبقىٰ بعد ذلك خمسين ألف سنة ، وقيل : مائة وعشرين ألف سنة لكل إمام من الاثني عشر ، اثني عشر الف سنة ، وقال بعضهم : إلّا المهدي فان له ثمانين ألف سنة ثم يرجع آدم ثم شيث ثم إدريس ثم نوح ثم بقية الأنبياء إلىٰ أن ينتهي إلىٰ المهدي ، وأن الدنيا غير فانية وأن الآخرة غير آتية ، كذا نقل عنه والله أعلم ... (١) .

قلت : يكفينا في إدانة الشيخ بنقله هذه الأساطير قوله : قيل ذكروا في كتبهم ، أو كذا نقل عنه ... ، مما يدل علىٰ عدم تثبت الشيخ في نقل ما يستشهد به ، وأنه إنما يرجم بالغيب معتمداً علىٰ نقل تخرصات قوم لا يتصفون بالأمانة والصدق .

ومقتضىٰ هذه الرواية أن الشيعة لا يؤمنون بالقيامة ، وهذا من أقبح الافتراءات عليهم ، كيف ذلك وهم أتباع أهل البيت الذين

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٣١ ـ ٣٢ .

٢٠٠