لا تخونوا الله والرسول

صباح علي البيّاتي

لا تخونوا الله والرسول

المؤلف:

صباح علي البيّاتي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-291-1
الصفحات: ٣٣٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

والوعيد وعداوة أهل الجاه الجورة ، وأنها تكون بالكفر فما دونه من بيع وهبة ونحو ذلك (١) .

٥ ـ فخر الدين الرازي ، قال :

التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « من قُتل دون ماله فهو شهيد » ، ولأن الحاجة إلىٰ المال شديدة ، والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء وجاز الاقتصار علىٰ التيمم دفعاً لذلك القدر من نقصان المال ، فكيف لا يجوز ههنا والله أعلم . قال مجاهد : هذا الحكم كان ثابتاً في أول الاسلام لأجل ضعف المؤمنين ، فأما بعد قوة دولة الاسلام فلا . روىٰ عوف عن الحسن أنه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلىٰ يوم القيامة ، وهذا القول أولىٰ ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان (٢) .

٦ ـ وقال الجصاص :

قال أصحابنا فيمن أُكره بالقتل وتلف بعض الأعضاء علىٰ شرب الخمر وأكل الميتة لم يسعه أن لا يأكل ولا يشرب ، وإن لم يفعل

_______________

(١) البحر المحيط ٢ / ٤٢٤ .

(٢) التفسير الكبير ٨ / ١٤ .

١٦١

حتىٰ قُتل كان آثماً ، لأن الله تعالىٰ قد أباح ذلك في حال الضرورة عند الخوف علىٰ النفس فقال ( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) (١) .

٧ ـ وقال ابن الجوزي :

الاكراه علىٰ كلمة الكفر يبيح النطق بها ، وفي الاكراه المبيح لذلك عن أحمد روايتان : إحداهما أنه يخاف علىٰ نفسه أو علىٰ بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أُمر به . والثانية أن التخويف لا يكون إكراهاً حتىٰ ينال العذاب ، وإذ ثبت جواز التقية ، فالأفضل ألا يفعل ، نص عليه أحمد في أسير خُيّر بين القتل وشرب الخمر فقال : إن صبر علىٰ القتل فله الشرف ، وإن لم يصبر فله الرخصة ، فظاهر هذا الجواز (٢) .

٨ ـ الآلوسي حيث قال :

وفي هذه الآية دليل علىٰ مشروعية التقية ، وعرّفوها لمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء (٣) .

٩ ـ الشافعي ، قال في حكم المكره علىٰ الردة :

لو شهد عليه شاهدان أنهما سمعاه يرتد وقالا : ارتد مكرهاً أو

_______________

(١) أحكام القرآن ٣ / ١٩٣ .

(٢) زاد المسير ٤ / ٤٩٦ .

(٣) روح المعاني ٣ / ١٢١ .

١٦٢

ارتد محدوداً أو ارتد محبوساً ، لم يغنم ماله ، وورثه ورثته من المسلمين (١) .

١٠ ـ الغزالي ، قال ـ في بيان ما رخص فيه من الكذب ـ :

الكلام وسيلة إلىٰ المقاصد ، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام ، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان محصل ذلك القصد مباحاً ، وواجب إن كان المقصود واجباً ، كما أن عصمة دم المسلمين واجبة ، فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفىٰ من ظالم فالكذب فيه واجب (٢) .

١١ ـ وقال السرخسي :

والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه ، وقد كان بعض الناس يأبىٰ ذلك ويقول إنه من النفاق ، والصحيح أن ذلك جائز ، لقوله تعالىٰ : ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) ، وإجراء كلمة الشرك علىٰ اللسان مكرهاً مع طمأنينة القلب بالايمان من باب التقية (٣) .

_______________

(١) الأُم ٦ / ١٦٢ .

(٢) إحياء علوم الدين ٣ / ١٣٧ .

(٣) المبسوط ٢٤ / ٤٥ .

١٦٣

١٢ ـ وقال ابن حزم في كتاب الاكراه :

الاكراه ينقسم قسمين : إكراه علىٰ الكلام ، وإكراه علىٰ فعل ، فالاكراه علىٰ الكلام لا يجب به شيء وإن قاله المكره كالكفر والقذف والنكاح والانكاح والرجعة والطلاق والبيع والابتياع والنذر والأيمان والعتق والهبة... فصح أن كل من أُكره علىٰ قول ولم ينوه مختاراً له فانه لا يلزمه (١) .

هذا ما قاله بعض المفسرين والفقهاء والعلماء من أهل السنة ـ علىٰ اختلاف مذاهبهم ـ حول مفهوم التقية في حالة الخوف وترك بعض الواجبات وإتيان بعض المحرمات دفعاً للضرر ، وهذا هو نفس مفهوم التقية عند الشيعة ، فلماذا يشنّع علىٰ الشيعة وحدهم في ذلك ؟!

أما سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل وكل الأنبياء عليهم‌السلام ، والصحابة والتابعين وغيرهم من عظماء المسلمين ، فتشهد بجواز التقية ، لأنهم قد مارسوها بأنفسهم في بعض الحالات الاضطرارية ، والأمثلة علىٰ ذلك أكثر من أن يحاط بها ، ولكنني سأكتفي بأمثلة قليلة مما نجد في مصادر أهل السنة من ذلك :

_______________

(١) المحلىٰ ٨ / ٣٢٩ .

١٦٤

١ ـ أخرج البخاري عن عائشة : أنه استأذن علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل فقال : « إئذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة » ، فلما دخل ألان له الكلام ، فقلت له : يا رسول الله ، قلت ما قلت ثم ألنت له في القول ، فقال : « أي عائشة إن شرّ الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه » (١) .

٢ ـ وأخرج أيضاً عن عبدالله بن أبي مليكة : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أُهديت له أقبية من ديباج مزررة بالذهب ، فقسمها في أُناس من أصحابه وعزل منها واحداً لمخرمة ، فلما جاء قال : « خبأتُ هذا لك » قال أيوب بثوبه أنه يريه إياه ، وكان في خلقه شيء... (٢) .

فتصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تجاه هذين الشخصين إتقاء لشرهما لا يمكن أن يحمل إلّا علىٰ باب التقية .

٣ ـ عن أبي هريرة قال : حفظت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعاءين ، فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم (٣) .

قال ابن حجر العسقلاني في شرحه لهذا الحديث : وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه علىٰ الأحاديث التي فيها تبيين أسامي

_______________

(١) صحيح البخاري ٨ / ٣٨ .

(٢) المصدر السابق ، باب المداراة مع الناس .

(٣) صحيح البخاري ١ / ٤١ ، كتاب العلم ، باب حفظ العلم .

١٦٥

أُمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفاً علىٰ نفسه منهم ، كقوله : أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان . يشير إلىٰ خلافة يزيد بن معاوية ، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة (١) .

٤ ـ وقال البخاري أيضاً : ويذكر عن أبي الدرداء : إنا لنكشّر في وجوه أقوام ، وإن قلوبنا لتلعنهم (٢) .

٥ ـ وروىٰ البخاري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « قال إبراهيم لامرأته هذه أُختي ، وذلك في الله » (٣) .

٦ ـ وقال الهيثمي : عن ابن عمر قال : سمعت الحجاج يخطب ، فذكر كلاماً أنكرته ، فأردت أن أُغيّر فذكرت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : « لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه » قال : قلت يا رسول الله ، كيف يذل نفسه ؟ قال : « يتعرض من البلاء لما لا يطيق » (٤) .

٧ ـ قال السرخسي : ذكر عن مسروق رحمه الله قال : بعث

_______________

(١) فتح الباري ١ / ١٧٥ .

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٣٧ ـ ٣٨ كتاب الأدب ، باب المداراة مع الناس .

(٣) صحيح البخاري ٩ / ٢٨ .

(٤) مجمع الزوائد ٧ / ٢٧٤ وقال : رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير باختصار ، وإسناد الطبراني في الكبير جيد ورجاله رجال الصحيح غير زكريا بن يحيىٰ بن أيوب الضرير ، ذكر الخطيب : روىٰ عن جماعة وروىٰ عنه جماعة ولم يتكلم فيه أحد .

١٦٦

معاوية بتماثيل من صفر تباع بأرض الهند ، فمر بها علىٰ مسروق رحمه الله ، قال : والله لو أني أعلم أنه يقتلني لغرّقتها ، ولكني أخاف أن يعذبني فيفتنني ، والله لا أدري أي الرجلين معاوية : رجل قد زُين له سوء عمله ، أو رجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع في الدنيا... ومسروق من علماء التابعين ، وكان يزاحم الصحابة رضي الله عنهم في الفتوىٰ... وتبين أنه لا بأس باستعمال التقية وأنه يرخص له في ترك بعض ما هو فرض عند خوف التلف علىٰ نفسه (١) .

هذه أدلة قليلة إرتأيت الاكتفاء بها لاثبات أن التقية أمر مشروع في الاسلام ، أقره الكتاب العزيز ، والتزم به الأنبياء عليهم‌السلام ، وأفتىٰ بجوازها ـ بل بوجوبها أحياناً ـ الفقهاء ، ولقد أدرك الصحابة أيضاً مشروعية التقية ومارسوها ، كما فعل كل من أبي هريرة وابن عمر وغيرهما ، وأما قضية التابعي مسروق مع معاوية فهي تغني عن كل بيان ، حيث خشي مسروق أن يعذبه معاوية فيفتنه عن دينه .

ونحن نسأل بدورنا إذا كان هذا موقف معاوية مع تابعي كبير ليس متهماً بالتشيع ، فما بالك بخصومه من شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ،

_______________

(١) المبسوط ٢٤ / ٤٥ ، ٤٧ .

١٦٧

وكيف لا يتمسكون بالتقية وهو يعذبهم ويريد فتنتهم عن دينهم ، حتىٰ جعلها سنة لمن جاء بعده ؟!

وإذا كان شيخ الوهابية ينعىٰ علىٰ الشيعة تمسكهم بالتقية بعد كل ما ظهر لنا ، فما باله وأتباعه قد خالفوا عقيدتهم في هدم المشاهد المقدسة ، ولماذا تركوا قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر قائمة ولم يلحقوها بالارض كما فعلوا بغيرها ؟؟ أليس ذلك تقية منهم ؟!!

١٦٨

الفصل السابع : حرب أمير المؤمنين عليه‌السلام

قال الشيخ في « مطلب تكفير من حارب علياً » :

ومنها تكفير من حارب علياً رضي‌الله‌عنه ، مرادهم بذلك عائشة وطلحة والزبير وأصحابهم ومعاوية وأصحابه ، وقد تواتر منه ما يدل علىٰ إيمان هؤلاء وكون بعضهم مبشراً بالجنة ، وفي تكفيرهم تكذيب لذلك ، فان لم يصيروا كفرة بهذا التكذيب فلا شك انهم يصيرون فسقة ، وذلك يكفي في خسارتهم في تجارتهم (١) .

إن الشيعة حين يكفرون من حارب أمير المؤمنين عليه‌السلام فانما

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٢٦ .

١٦٩

يقولون ذلك تصديقاً لله ورسوله ، إذ حكم الله ورسوله بكفر من حارب علياً ، ويشهد علىٰ ذلك مجموعة من الأحاديث الشريفة التي أخرجها الأئمة الحفاظ والمحدثون من أهل السنة .

فمن ذلك : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : « من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني » (١) .

وعن أبي هريرة قال : نظر النبي إلىٰ علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » (٢) .

وعن زيد بن أرقم أن النبي قال لفاطمة وعلي وحسن وحسين : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » (٣) .

وعن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : لما دخل علي رضي‌الله‌عنه بفاطمة رضي الله عنها جاء النبي أربعين صباحاً إلىٰ بابها يقول : « السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمكم الله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ، أنا حرب لمن

_______________

(١) المستدرك ٣ / ١٢٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٠٧ .

(٢) مسند أحمد ٢ / ٤٤٢ ، المستدرك ٣ / ١٤٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٩ .

(٣) سنن الترمذي ٥ / ٦٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٢ ، كنز العمال ١٣ / ٦٤٠ .

١٧٠

حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم » (١) .

فقد أثبت النبي بهذه الأحاديث الشريفة وأمثالها مما أخرجه الأئمة الأعلام من أهل السنة في كتبهم أن من حارب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أو أحداً من أهل بيته أو فارقهم فقد صار محارباً لرسول الله ، ومن حارب النبي فقد صار محارباً لله تعالىٰ كما هو معلوم بديهة ، ومن حارب الله ورسوله فقد كفر ، بدلالة قوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٢) ، وقوله تعالىٰ : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٣) .

وقد خرجت عائشة أُم المؤمنين وطلحة والزبير ومن معهم علىٰ جماعة المسلمين وإمامهم الشرعي ، فوقعوا تحت حكم المفارقين للجماعة المفرقين لشمل المسلمين ، الذين وصفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدد من الأحاديث الشريفة ، نذكر منها :

١ ـ عن أُسامة بن شريك قال : قال رسول الله : « من فرّق بين

_______________

(١) تفسير الطبري ٢٢ / ٥ ، تاريخ بغداد ١٠ / ٧٨ ، الدر المنثور ٦ / ٦٠٦ .

(٢) سورة التوبة : ٦١ .

(٣) سورة المائدة : ٣٣ .

١٧١

أُمتي وهم جميع فاضربوا رأسه كائناً من كان » (١) .

٢ ـ عن زياد بن علاقة أنه سمع عرفجة ، سمع النبي يقول : « إنها ستكون هناة وهناة ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأُمة وهم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائناً من كان » (٢) .

٣ ـ عن أبي هريرة ، عن النبي أنه قال : « من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ، مات ميتة جاهلية . ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلىٰ عصبية فقُتل ، فقتلة جاهلية ، ومن خرج علىٰ أُمتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه » (٣) .

٤ ـ عن ابن عباس يرويه قال : قال رسول الله : « من رأىٰ من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فانه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية » (٤) .

_______________

(١) سنن النسائي ٢ / ١٦٦ ، كتاب السنة لابن أبي عاصم : ٥١٢ ، وصححه الألباني .

(٢) مسند الطيالسي : ١٢٢٤ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٧٩ ، سنن النسائي ٢ / ١٦٦ ، مسند أحمد ٥ / ٢٣ ـ ٢٤ ، كتاب السنة : ٥١٢ وصححه الألباني .

(٣) صحيح مسلم ٣ / ١٤٧٦ ـ ١٤٧٨ كتاب الامارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج علىٰ الطاعة ومفارقة الجماعة .

(٤) المصدر السابق .

١٧٢

٥ ـ عن ابن عمر : سمعت رسول الله يقول : « من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » (١) .

فهؤلاء المذكورون قد خرجوا علىٰ جماعة المسلمين وإمامهم بحجج واهية رغم تحذير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكونهم من الصحابة لا يكفي لنجاتهم ، لما أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هلاك جم غفير من أصحابه كما سبق وذكرنا في حديث الحوض الذي تقدم في فصل الصحابة .

وأما معاوية وأصحابه ، فيكفي أن نذكر قول النبي في عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه : « يا ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلىٰ الجنة ويدعونه إلىٰ النار » (٢) .

فقد أثبت النبي في هذا الحديث المتفق عليه أن قاتلي عمار من أهل النار ، لأن أهل الجنة لا يدعون إلىٰ النار ، ومعلوم أن معاوية وفئته الباغية هم قتلة عمار رضي‌الله‌عنه .

أما إدعاء البعض باجتهاد هؤلاء ، فعذر لا تقوم به حجة ، وقد بسطت القول في هذا الموضوع في كتابي الصحوة ، فليراجع .

_______________

(١) المصدر السابق .

(٢) صحيح البخاري ١ / ١٢٢ باب بناء المسجد ، صحيح مسلم ٤ / ٢٢٣٦ ، مسند أحمد ٣ / ٩١ ، المستدرك ٣ / ٣٨٧ ، سنن البيهقي ٨ / ١٨٩ .

١٧٣

وأما القول بأن بعض هؤلاء مبشر بالجنة ، فذلك يناقض الأحاديث الصحيحة التي وردت في بيان مآلهم ، إذ أن الأحاديث الواردة في فضل هؤلاء موضوعة ، اختلقتها أجهزة معاوية الدعائية لتضليل المسلمين ، وقد حققت في ذلك نجاحاً كبيراً .

وبالنسبة لأُم المؤمنين عائشة ، فان كونها زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكفي لنجاتها ، والأحاديث الواردة في تبشيرها برفقة النبي في الجنة موضوعة أيضاً ، وهي تصادم كتاب الله ، وقد أثبت الكتاب العزيز أن زوجتي نوح ولوط عليهما‌السلام كانتا من الهالكين ولم ينجهما أنهما زوجتا نبيين ، وذلك في قوله تعالىٰ في سورة التحريم التي تضمنت الآيات المشحونة بالتهديد والوعيد لكل من عائشة وحفصة اللتين تظاهرتا علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عز من قائل : ( ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (١) .

وقد حذّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة من مغبة الخروج في حديث الحوأب المشهور ، فقامت عليها الحجة ، ولكنها رغم ذلك ركبت رأسها وهتكت الحجاب الذي فرضه الله تعالىٰ عليها ، وأشعلت نار

_______________

(١) سورة التحريم : ١٠ .

١٧٤

الحرب بين المسلمين حتىٰ أُريقت بسببها دماء الآلاف منهم في حرب الجمل .

افضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام :

قال الشيخ ابن عبد الوهاب في « مطلب فضل الإمام علي » :

ومنها أنه قال إبن المطهر الحلي : اجتمعت الامامية علىٰ أن علياً بعد نبينا أفضل من الأنبياء غير أُولي العزم وفي تفضيله عليهم خلاف ، قال : وأنا من المتوقفين في ذلك وكذلك الأئمة من آله . وقال الطوسي في تجريده : وعلي أفضل الصحابة لكثرة جهاده . إلىٰ أن قال : وظهور المعجزات عنه واختصاصه بالقرابة والأخوة ووجوب المحبة والنصرة ومساواة الانبياء . وقال الشارح : ويؤيده قوله : « من أراد أن ينظر إلىٰ آدم في علمه وإلىٰ نوح في تقواه وإلىٰ إبراهيم في حلمه وإلىٰ موسى في هيبته وإلىٰ عيسىٰ في عبادته ، فلينظر إلىٰ علي بن أبي طالب » . فانه أوجب مساواته الأنبياء في صفاتهم . انتهى . وفي صحة هذا نظر ، وبعد فرض صحته لا يوجب المساواة ، لان المشاركة في بعض الأوصاف لا تقتضي المساواة كما هو بديهي ، ومن اعتقد في غير الأنبياء

١٧٥

كونه أفضل منهم ومساوياً لهم فقد كفر ، وقد نقل علىٰ ذلك الاجماع غير واحد من العلماء ، فأي خير في قوم اعتقادهم يوجب كفرهم (١) .

لا أدري ما الذي يستوجب الكفر في اعتقاد أفضلية أمير المؤمنين ، والحديث الذي استشهد به الشيخ موجود في كتب أهل السنة ودلالته واضحة ، كما أن الاجماع الذي يدعيه الشيخ ابن عبد الوهاب لا يستند علىٰ دليل نقلي ثابت ، بل علىٰ العكس ، فان أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام علىٰ جميع البشر عدا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثابتة في القرآن والسنة النبوية المطهرة .

فمن الكتاب :

أخرج الامام مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله

_______________

(١) رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : ٢٨ ـ ٢٩ .

١٧٦

خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله : « أما ترضىٰ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰ إلّا أنه لا نبوة بعدي » ، وسمعته يقول يوم خيبر : « لأُعطي الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » ، قال : فتطاولنا فقال : « ادعوا لي علياً » ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : « اللهم هؤلاء أهلي » (١) .

قال العلامة الحلي قدس‌سره : واتفق المفسرون كافة علىٰ أن الأبناء إشارة إلىٰ الحسن والحسين عليهما‌السلام ، والنساء إشارة إلىٰ فاطمة عليها‌السلام ، والانفس إشارة إلىٰ علي عليه‌السلام ، ولا يمكن أن يقال أن نفسيهما واحدة فلم يبق المراد من ذلك إلّا المساوي ، ولا شك في أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الناس ، فمساويه كذلك أيضاً (٢) .

ومن السنة النبوية

١ ـ عن عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه قال : كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة

_______________

(١) صحيح مسلم ٤ / ١٨٧١ كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، سنن الترمذي ٥ / ٦٣٨ .

(٢) كشف المراد في شرح الاعتقاد : ٣٨٥ .

١٧٧

ذي العشيرة ، فلما نزلها رسول الله وأقام بها رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل ، فقال لي علي : يا أبا اليقظان هل لك أن تأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون ؟ فجئناهم فنظرنا إلىٰ عملهم ساعة ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب فنمنا ، فوالله ما أيقظنا إلّا رسول الله يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء ، فقال رسول الله : « يا أبا تراب » لما يرىٰ عليه من التراب ، فقال رسول الله : « ألا أُحدثكما بأشقىٰ الناس رجلين ؟ » قلنا : بلىٰ يا رسول الله ، قال : « أُحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي علىٰ هذه ـ يعني قرنه ـ حتىٰ تبتل هذه من الدم ـ يعني لحيته ـ » (١) .

فإذا أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن قاتل أمير المؤمنين عليه‌السلام هو أشقىٰ الآخرين ، فهذا يعني أن له منزلة عظيمة عند الله تعالىٰ لا تضاهيها حتىٰ منزلة بعض الأنبياء الذين قُتلوا كيحيىٰ بن زكريا عليهما‌السلام وغيره من أنبياء بني إسرائيل ، إذ لم يخبرنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن قتلة هؤلاء الأنبياء هم من أشقىٰ الناس ، مما يدل علىٰ أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام حتىٰ

_______________

(١) المستدرك ٣ / ١٤١ وقال هذا حديث صحيح علىٰ شرط مسلم ووافقه الذهبي ، مسند أحمد ٤ / ٢٦٣ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٢٤٩ ، الطبقات الكبرىٰ ٢ / ١٠ ، وغيرها من الصادر .

١٧٨

علىٰ أُولئك الأنبياء عليهم‌السلام .

٢ ـ كما جاء في الحديث الشريف أن عيسىٰ عليه‌السلام ـ وهو من الأنبياء من أُولي العزم ـ يصلي خلف الإمام المهدي عليه‌السلام ، وهو الإمام الثاني عشر من المعصومين عند الشيعة الامامية ، وبما أن أهل السنّة يستدلّون بصلاة أبي بكر في مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ أفضليته ، فنحن نعتقد أن الامام المهدي عليه‌السلام ينبغي أن يكون أفضل من عيسىٰ عليه‌السلام الذي يأتمّ بصلاته .

١٧٩
١٨٠