هبة السماء

علي الشيخ

هبة السماء

المؤلف:

علي الشيخ


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-22-6
الصفحات: ٢٣٠

على الحجر ، ولا داخل القبر ، بل يذكر فيما هن محتارات إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة ( لو ٢٤ : ١ ـ ٤ ) وأما يوحنا فإنه كما ذكرنا يذكر أن مريم المجدلية لم تر ملاكا قط ، بل ذهبت إلى بطرس وجاءت به ، وبعد مضي بطرس والتلميذ نظرت مريم المجدلية إلى القبر فرأت ملاكين بثياب بيض ( يو : ٢٠ : ١ ـ ١٣ ).

فهذه القصة لم يروها شاهد عيان ، ويبقى السؤال : كيف ينقل كاتب شيئا لم يره؟ فيأتي الجواب كالسابق أن الوحي والإلهام الإلهي هو الذي ألقى في روع الكاتب تدوين هذه القصة ، وأعتقد أن هذا الجواب أقبح من السكوت مع هذه التناقضات في هذه القصة.

فلا يبقى لنا سوى أن نقول : أن مسألة صلب المسيح ( عليه السلام ) وموته وقيامته كانت نتيجة ما انتشر بين الناس من أحاديث ، وأعتقد أن الكتب الأخرى التي حرمتها الكنيسة لو كانت موجودة لكشفت لنا الكثير من الحقائق ، ولكنها للأسف ضاعت أو ضيعت.

وأما مسألة ظهوره لتلاميذه فهي الأخرى ليست بأحسن حال من الصلب والقيامة وما ذكرته من الاختلافات فيها يكفي لردها ..

والمسألة الأخرى المهمة أيضا هي يهوذا الإسخريوطي ، فالأناجيل الأربعة لا تذكر عنه شيئا إلا إنجيل متي ( ٢٧ : ٣ ) حيث يذكر ( أن يهوذا ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ ثم مضى وخنق نفسه ، فأخذ رؤساء الكهنة الفضة واشتروا

٨١

بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء ).

وأما في أعمال الرسل فيذكر لوقا نهاية أخرى ليهوذا إذ ينقل عن بطرس في حديثه عن يهوذا فإن هذا أقتني حقلا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها ، وصار ذلك معلوما عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما أي حقل دم أعمال الرسل : ١ : ١٥ ـ ٢٠ ) ، وكلام بطرس كان بين التلاميذ الذين يذكرهم لوقا بأسمائهم ، ومن ضمنهم ( متي ) صاحب الإنجيل ، فكيف خفي على ( متي ) نهاية يهوذا وأنه هو الذي اشترى الحقل لا رؤساء الكهنة ، وأنه سقط وانسكبت أحشاؤه فمات ، ولم يمت مخنوقا ، فإذا كانت هذه القصة حسب أعمال الرسل مشهورة ومعلومة عند سكان أورشليم كيف خفي ذلك على ( متي ) الرسول؟

إذن اعتقد أن مسألة خيانة يهوذا صحيحة ولكن كيفية موته ونهايته متناقضة ، لذا فإن التفسير الاسلامي لمسألة صلب المسيح ( عليه السلام ) وأنه يصلب ولكن شبه لهم هي الصحيحة ، ويؤيد ذلك إنجيل برنابا الذي يذكر أن يهوذا هو الذي صلب بدل عيسى ( عليه السلام ) ويحتمل أن نهايته هذه كانت قد ذكرت في الكتب ( المنحولة ) الأخرى التي رفضتها الكنيسة.

والآن يمكننا أن نفهم لماذا رفضت الكنيسة في القرن الرابع

٨٢

الميلادي كل تلك الكتب ، واختارت كل ما يصب في صالح العقيدة التي تريد أن تلبسها للمسيح ( عليه السلام ) وتعاليمه فتجعلها ديانة منسوبة إليه أسما.

والمسألة الأخرى التي أراها مهمة هي أن الأناجيل كلها والأسفار لم تذكر شيئا واحدا عن مريم العذراء ( عليها السلام ) وهي والدة المسيح ( عليه السلام ) والشخصية المقدسة الثانية في المسيحية بعد المسيح ( عليه السلام ) فهي لم يذكر عنها أنها رأت المسيح ( عليه السلام ) بعد قيامته ولم تحضر عند قبره ، وهل يعقل أن المسيح ( عليه السلام ) يظهر لمريم المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطين ، ولا يظهر لأمه العذراء مريم ( عليها السلام ) ليهدئ ويخفف من آلامها وحزنها؟ ألم تكن هي الأجدر بالظهور لها ، لأنها أمه أولا ولمنزلتها الرفيعة المباركة ثانيا؟ وأعتقد أن لهذا السكوت دلائل ومؤشرات وتساؤلات نتركها لعلماء الكنيسة ليجيبوا عنها ..

كانت هذه خلاصة عن صلب المسيح ( عليه السلام ) وقيامته وأما قصة الفداء والخطيئة الأصلية فنشير إليها مختصرا ؛ لأنّها تعتبر من العقائد الأساسية للمسيحية.

٨٣
٨٤

الفداء والخطيئة الأصلية

أن من العقائد الأساسية والمهمة في الديانة المسيحية ، والتي كنت أعتقد بها هي مسألة الفداء. ومن أجل فهم هذه العقيدة يجب الرجوع ، إلى الخطيئة الأولى التي اقترفها أبونا آدم ( عليه السلام ).

فنحن كمسيحين كنا نعتقد أن آدم وحواء ( عليهما السلام ) وبسبب خطيئتهما منذ الزمن الأول ، فإن الإنسان قطع علاقته مع ربه وخالقه ، وتخلى عن الله سبحانه ، وآدم ( عليه السلام ) بهذه الخطيئة جعل ذريته كلها في حال ابتعاد وانفصال عن الله ، وكان نتيجة هذا الانفصال موت الإنسان ، وهكذا دخل الموت إلى جميع الناس كعقاب للخطيئة.

وهذا الموت هو روحي وأبدي وانتقلت هذه الخطيئة إلى ذريته جيلا بعد جيل ، فيولد الإنسان وهو حامل لها ، ومتلوث بها ، وبسبب هذه الخطيئة خسر الإنسان الطهارة وبانت عورته شهواته وأهواؤه الآثمة.

٨٥

وآدم ( عليه السلام ) بعمله هذا هدم صورة الله فيه وحطم التضامن والمحبة بينه وبين الله ، ولكن بما أن آدم ( عليه السلام ) قد تاب من خطيئته وقبل الله توبته ، لم يتخل الله عنه نهائيا ، وذلك بسبب توبته الصادقة ، بل وعده بالخلاص وبانتصاره على عدوه اللدود ( الشيطان ) ، ووعد بإرسال المخلص والمفدي الذي يفدي البشرية عن خطاياها ، ويحمل هو تلك الخطايا عنهم ، فتفتح أبواب الملكوت بمجيئه وتتم المصالحة بين الله والانسان من خلاله.

وعندما تم الزمان بعد طول انتظار أرسل الله سبحانه ابنه الحبيب ليفدي البشرية كلها عن خطاياها ويفتح عهدا جديدا بين الله والانسان ، وبالآلام والصلب الذي يتحمله هذا الابن ( الوحيد ) ترفع الخطيئة عن كاهل الإنسان ويتطهر منها ، ليعيش حياة جديدة وسعيدة مع هذا الحدث الإلهي الموعود.

هذا باختصار ما كنا نؤمن به من عقيدة الفداء ، ولهذا ومن أجل إكمال فصول هذه العقيدة رأينا كيف أن العهد الجديد يذكر لنا قصة آلام المسيح ( عليه السلام ) وصلبه وقيامته ويؤكد عليها.

ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه العقيدة ( الخطيئة الأصلية والفداء ) لا نجدها في الأناجيل الأربعة المهمة ، فهذه الأناجيل لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى موضوع آدم وخطيئته الأولى ،

٨٦

وأنما ظهرت هذه العقيدة من رسائل بولس ولا سيما رسالته إلى الرومانيين ، فهو يقول في ( ٥ : ١٢ ) ( من أجل ذلك كأنما بانسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع ، فإنه حتى الناموس كانت الخطيئة في العالم ).

فبولس هو أول من تكلم عن الخطيئة الأصلية وأن البشرية كلها قد تلوثت بسبب هذه الخطيئة ، ويعود بولس مجددا ليبين أنه كما بانسان واحد دخلت الخطيئة والموت إلى العالم كذلك الحياة والخلاص يكون بانسان واحد وهو المسيح ( عليه السلام ) ، إذ يقول بولس في رسالته إلى الرومانيين ( ٥ : ١٧ ـ ١٩ ) لأنه كان بخطيئة الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولى كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح ( عليه السلام ). فإذا كما بخطيئة واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة.

فهنا وجه شبه بين آدم ( عليه السلام ) والمسيح ( عليه السلام ) وهو أنه كما كان آدم سبب الخطيئة و الموت لكل الذين يتعلقون به بالولادة الطبيعية كذلك المسيح ( عليه السلام ) هو علة التبرير والحياة لجميع الذين يتعلقون به بالولادة الروحية (١).

فيمكننا القول بأن واضع حجر الأساس لهذه العقيدة هو بولس

__________________

(١) تفسير العهد الجديد : ٣٩٠.

٨٧

وليس المسيح ( عليه السلام ) ، وهنا أيضا نشير إلى بعض التساؤلات والنقاط حول هذه العقيدة فنقول :

أن مسألة مهمة وأساسية في العقيدة المسيحية ( كمسألة الخطيئة الأصلية والفداء ) هل يمكن القول أن المسيح ( عليه السلام ) تجاهلها أو نساها فلم يتحدث عنه ( على الأقل حسب ما تنقل الأناجيل الأربعة الملهمة ) وسكت ، وجاء بعد ذلك رجل متعصب لليهودية ( بولس ) ومضطهد وقاتل لأتباع المسيح ( عليه السلام ) فيعلن عن هذه العقيدة فقبلتها الكنيسة واعتبرتها ركنا من أركانها ، هل يليق هذا بالمسيح ( عليه السلام )؟ ومع أن هدفه ( والقول للمسيحيين ) خلاص البشرية و فدائها ، ولكنه لا يوضح المهمة الأساسية التي أرسل من أجلها ، ولا يفهم الناس أنهم كلهم ملوثون بخطيئة آدم ( عليه السلام ) الأولى وهو الذي ينقذهم من هذه الخطيئة ، بل يوكل الأمر إلى بولس ليبينها ويعلنها مع أنه ليس من التلاميذ الذين أختارهم المسيح ( عليه السلام ) في حياته.

أولم يكن من الأولى للمسيح ( عليه السلام ) أن يبين هذه العقيدة بشكل واضح لتلاميذه على أقل تقدير ، ليتسنى لهم توضيحها للناس وخصوصا أنه أرسلهم إلى كل الأمم ليبشروا بالإنجيل وتعاليمه.

٨٨

فنحن نجد أن الأناجيل الأربعة ولا سيما إنجيلي متي ويوحنا ( الذين يزعم المسيحيون أنهما منسوبان لمتي ويوحنا الرسولين ) لا تتحدث ولا تشير إلى خطيئة آدم ( عليه السلام ) أبدا ، بل حتى مرقس ( تلميذ الوصي والرسول بطرس ) هو الآخر لم يذكرها في إنجيله مع أنه حسب ما ينقل كان من المقربين لبطرس ، بل أن إنجيله كما يذكر هو زبدة تعاليم بطرس ، وإضافة إلى ذلك فقد كان مرافقا لبولس نفسه فكيف لم يسمع بهذه المسألة المهمة ولم يدونها ، وكذلك الحال بالنسبة إلى لوقا فإنه كان رفيق بولس في بعض أسفاره ، ولكنه لم يذكر شيئا عن الخطيئة الأصلية والفداء.

وتساؤلات أخرى كلها تثير الشكوك حول هذه العقيدة ، التي لم ينطق بها المسيح ( عليه السلام ) ولا تلاميذه ورسله ، بل كانت من وحي وخيال بولس ، وأعتقد أن بولس باضطهاده وقتله للمسيحيين بشدة قبل توبته أشعرته بعظم الخطيئة التي ارتكبها بعد التوبة والإيمان ، وللخلاص من تأنيب الضمير وتبرير تلك الأفعال والخطايا التي قام بها ، جاء بهذه الفكرة وألبس البشرية كلها ثوب الخطيئة والمصيبة إذا عمت هانت هذا كله إذا أحسنا الظن بالقديس بولس وإيمانه وتوبته الصادقة وصحة الرسائل المنسوبة إليه.

إضافة إلى كل هذا يبقى هناك سؤال مهم يطرح نفسه حول هذه العقيدة وهو : ما ذنب الناس منذ القرون الأولى للبشرية أي منذ زمن آدم ( عليه السلام ) حتى زمن المسيح ( عليه السلام ) ، فهل كلهم خطاة

٨٩

ولم يغفر لهم ، مع أن فيهم كما يذكر الكتاب المقدس بعهديه ، أنبياء وأولياء وأتقياء وشهداء استشهدوا في سبيل الله كما يذكر عيسى ( عليه السلام ) نفسه في العهد الجديد عن مقتل زكريا ، فماذا كان مصيرهم؟

وللحرج الذي يقع فيه المسيحيون من هذا السؤال يجيبون عنه جوابا أعتقد أنه مخالف للفطرة والعقل البشري وفيه إهانة كبيرة إلى كل الأنبياء العظام فيقولون أما مصير الذين ماتوا قبل هذه الساعة فقد هلك الخطاة ، وأما أصحاب القلوب النقية ـ يقول المسيحيون ـ فقد ماتوا على رجاء الخلاص ، وهذا ما يفسر بوضوح نزول المسيح ( عليه السلام ) إلى الجحيم ليحرر هذه النفوس التي كانت تنتظر مجيئه (١).

فعلى هذا يجب أن نقول أن نوحا نبي الله وإبراهيم خليل الله وموسى كليم الله وداود وإسحاق ويعقوب والأنبياء العظام كلهم ( صلوات الله وسلامه عليهم ) يصلون الجحيم منتظرين نزول المسيح ( عليه السلام ) إليهم لإنقاذهم!!!

فأي عقل سليم يقبل مثل هذا الهراء؟ إضافة إلى ذلك فإنه مخالف للعهد الجديد نفسه إذ يقول متي في إنجيله ( ٨ ـ ١ ١ ) وأقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق المغارب ويتكئون مع إبراهيم و إسحاق ويعقوب في ملكوت السموات.

__________________

(١) المسيح في الفكر الاسلامي : ٣٤٥.

٩٠

وأيضا من تصريح المسيح ( عليه السلام ) من أن الأطفال والأولاد لهم ملكوت السموات ، فإن كان المسيح ( عليه السلام ) يعظم الأنبياء في أماكن كثيرة من العهد الجديد ويؤكد أنهم في ملكوت السموات ، فلا أدري من أين جاءوا بمثل هذه الأقاويل ونسبوها زورا وتحريفا إلى السيد يسوع المسيح ( عليه السلام ) فهل يعقل أن يختار الله سبحانه في هذه الدنيا أنبياء وأولياء قضوا جل أعمارهم في طاعته وعبادته وقدموا أرواحهم وأنفسهم في سبيل تبليغ تعاليمه وهداية الناس إليه ، فمنهم الخليل والكليم وغيرهما الكثير ، وبعد موتهم يلقيهم في جهنم جزاء لخطيئة آدم ( عليه السلام ) وإلى أن يرسل المسيح ( عليه السلام ) ويخلصهم!!

وفي الواقع فأني وقفت متحيرا وذاهلا كيف كنت أقبل مثل هذه العقائد واعتبرها من الأمور المسلمة ، ليس سوى أن الكنيسة قد اعتبرتها وقبلتها وأن كانت مخالفة للعقل والفطرة.

وأختم الحديث عن هذا الموضوع فأقول أن هذه العقيدة مخالفة للكتاب المقدس أيضا ، إذ نجد عكس هذه المسألة تماما في كتاب العهد القديم ، مثلا يقول حزقيل النبي ( ١٨ : ٢٠ ) من أخطأ فهو الذي يموت والابن لا يحمل خطيئة أبيه ، وكذلك الأب لا يحمل خطيئة ابنه ، فالبار سيحاسب على بره ، والشرير سيحاسب على شروره. وغيرها الكثير ، ولأني تعمدت الاختصار قدر الإمكان في هذا الكتاب اكتفي بهذا المقدار ، على أني سأتوسع في البحث في هذا

٩١

الموضوع في رسالة مستقلة بإذن الله ، ونفرق هناك بين الخطيئة الفردية والجماعية كما يزعم المسيحيون وكما يفسرون مثل هذه الكلمات في الكتاب المقدس.

٩٢

من هو المسيح (ع)؟

السؤال المهم الذي يطرح في العقيدة المسيحية هو : من هو المسيح ( عليه السلام ) وللإجابة عن هذا السؤال نلجأ إلى الكتاب المقدس ( العهد الجديد ). فيعرف لنا المسيح ( عليه السلام ) بأنه ( ابن الإنسان ، ابن الله ، الله المتجسد ) فالعهد الجديد يعطي هذه الألقاب للمسيح ( عليه السلام ) ، ونحن هنا بدورنا نستعرض هذه الأسماء لنرى هل نستطيع أن نوفق بين كل هذه الصفات والألقاب بأن تكون لكائن واحد لا غير؟

ابن الإنسان

من يطالع العهد الجديد بدقة يجد أن المسيح ( عليه السلام ) يؤكد على هذا اللقب له بصورة كبيرة ، وأني هنا أقدم إحصاء بسيطا عن هذا اللقب في الأناجيل الأربعة : فقد ذكر المسيح ( عليه السلام ) حسب إنجيل متي هذا الاسم ( ٢٧ مرة ) لا حظ متي : ( ٨ : ٢١ ، ٩ : ٦ ،

٩٣

١٠ : ٢٣ ، ١١ : ١٩ ، ١٢ : ٨ ، ١٣ : ٣٢ ، ١٣ : ٤١ ، ١٣ : ٣٧ ، ١٣ : ٤٠ ، ١٦ : ١٤ ، ١٦ : ٢٧ ، ١٧ : ٩ ، ١٧ : ١٢ ، ٢٤ : ٢٨ ، ٢٤ : ٤٠ ، ٢٥ : ١٣ ، ٢٥ : ٣١ ، ٢٦ : ١ ، ٢٦ : ٢٣ ، ٢٦ : ٤٦ ، ٢٦ : ٦٤ ).

وحسب إنجيل مرقس ( ١٢ مرة ) أنظر مرقس : ( ٢ : ١٠ ، ٢ : ٢٨ ، ٨ : ٣١ ، ٩ : ١٠ ، ٩ : ٣١ ، ١٠ : ٣٣ ، ١٠ : ٤٤ ، ١٣ : ٢٥ ، ١٤ : ٢١ ، ١٤ : ٤١ ، ١٤ : ٦٢ ). وحسب إنجيل لوقا ( ٢١ مرة ) أنظر لوقا : ( ٥ : ٢٤ ، ٦ : ٥ ، ٧ : ٣٤ ، ٩ : ٢٢ ، ٩ : ٤٥ ، ١١ : ٣٠ ، ١٢ : ٨ ، ٢ : ١٠ ، ٦ : ٢٢ ، ٩ : ٥٦ ، ٩ : ٥٧ ، ١٢ : ٤٠ ، ١٧ : ٢٢ ، ١٧ : ٢٥ ، ١٧ : ٢٦ ، ١٧ : ٣٠ ، ١٨ : ٨ ، ١٨ : ٣٢ ، ١٩ : ١٠ ، ٢١ : ٢٧ ، ٢١ : ٣٦ ، ٢٢ : ٢٢ ، ٢٢ : ٤٨ ، ٢٢ : ٦٨ ).

وحسب إنجيل يوحنا ( ١٠ مرات ) أنظر يوحنا ( ١ : ٥١ ، ٣ : ٣١ ، ٥ : ٢٧ ، ٦ : ٢٧ ، ٦ : ٥٣ ، ٦ : ٦٣ ، ٨ : ٢٨ ، ١٢ : ٢٣ : ١٢ : ٣٤ ، ٣ : ١٤ ).

وأعتقد أن تأكيد المسيح ( عليه السلام ) على أنه ابن إنسان فيه دلالة وإشارة واضحة وجنبته الإنسانية ، فإنه كان يمارس حياته العادية كباقي البشر ، فهو يجوع ويعطش و ينام ويفرح ويتألم ويحتاج في حياته إلى الكثير من الأمور الأخرى ، فهو بتأكيده هذا يريد أن يبين أنه لا يعدو كونه انسانا كسائر الناس ، ولكنه يختلف عنهم بأنه نبي يوحى إليه ، فهو على ارتباط مع السماء ، كباقي الأنبياء.

ولكن المسيحيين يرون في هذا اللقب بعد آخر ، وهو أن المسيح ( عليه السلام ) شاركنا في حالتنا من الاتضاع والألم ، ولكن

٩٤

بما أنه كان ابن الإنسان ذا الأصل السماوي ، فهو آدم الجديد ، رأس البشرية المجددة فهو آدم السماوي الذي يلبس القائمون من بين الأموات صورته (١).

ويعتقدون أن ابن الإنسان عبارة غامضة توحي بجانب من السمو العالق بشخصية المسيح ( عليه السلام ) وتحجبه في الوقت نفسه. فعبارة ابن الإنسان عند المسيحيين لها شمول أعمق بكثير مما نفترضه للوهلة الأولى ، وهذه العبارة ( حسب المسيحيين ) عندما يتكلم بها يسوع المسيح ( عليه السلام ) فهو يريد أن يحقق بذلك ما كان مذكورا في العهد القديم ، حسب رؤيا دانيال الذي يتحدث عن ابن الإنسان وعن القديم ( يقصد به الله ) محاكما جميع الناس والملوك ( دنيا : ٧ ).

فكان التقليد اليهودي واعيا للميزة الفائقة لابن الإنسان ، ولوجوده السابق للعالم (٢).

ولهذا فهم اليهود من خلال هذا اللقب أنه تجديف كما يذكر ذلك إنجيل متي : ( متي : ٢٦ : ٦٥ : ) ( فأجاب رئيس الكهنة ، وقال له أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ، قال له يسوع أنت قلت ، وأيضا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء ... فقال رئيس الكهنة

__________________

(١) معجم اللاهوت المسيحي : ٣٣.

(٢) المسيح في الفكر الاسلامي الحديث وفي المسيحية : ٢٤٩.

٩٥

قد جدف ) ، فكان من الواضح لهم أن يسوع كان يدعي أكثر من ذلك ، إذ رفع نفسه إلى درجة الألوهية (١).

وفي الواقع فالانسان يبقى مندهشا عند سماعه لمثل هذا الكلام ، فما معنى أن يكون المسيح ( عليه السلام ) انسانا وابن إنسان ولكنه الله في نفس الوقت وابن الله ، نعم من الممكن أن يصل إلى درجة عالية من القرب الإلهي من خلال العبادة والطاعة لمولاه ، فيقول للشئ كن فيكون ، أما أن يكون الإنسان انسانا وإلها في آن واحد ، فهو مما لا يحتمله العقل البشري.

ابن الله :

أن الكنيسة تعتبر هذا اللقب هو السر الذي يشير إلى حقيقة المسيح ( عليه السلام ) وتصر على تسمية المسيح ( عليه السلام ) به. إذ من خلال قبول هذا اللقب للمسيح ( عليه السلام ) تكتمل فصول عقيدة الفداء والخلاص ، وكذلك عقيدة الثالوث الأقدس ، إذ أن المسيح ( عليه السلام ) في هذا الثالوث هو الاقنيم الثاني.

ومما يثير الدهشة أن المسيح ( عليه السلام ) لم يسم بهذا الاسم ولا مرة واحدة في الأناجيل الموافقة ( متي ، مرقس ، لوقا ) ، بل كما رأينا فهو دائما يطلق على نفسه ابن الإنسان ، وما تذكره الأناجيل لهذه

__________________

(١) نفس المصدر.

٩٦

التسمية ( ابن الله ) هو إما من تعبير الكاتب ، أو يذكره نقلا عن لسان آخرين ، بل كان كل الذي ذكره في بعض المواضع من هذه الأناجيل هو أنه يشير إلى الله سبحانه بكلمة أبي ، والتي سوف نتعرض لها من خلال البحث.

نعم حسب إنجيل يوحنا فإنه يسمي نفسه ( ابن الله ) في ثلاثة مواضع ، وكذلك يشير إلى نفسه بالابن وإلى الله بالأب في بعض كلامه ، ويعتقد المسيحيون أن هذا اللقب ليس مجازيا في حق المسيح ( عليه السلام ) بل هو حقيقي.

وبعد تدوين العهد الجديد أعلنت ألوهيته بشكل علني ورسمي ، فالإيمان المسيحي يعلن أن يسوع هو ابن الله ، وهو الله ذاته (١).

ولكن بالرغم من هذا فهم يعتقدون أن الله الأب له امتيازات عن الابن السماوي له ، ( فإن كانت كرامة يسوع تجعله مساويا لله ، فإن هذا لا يمنع الأب من الاحتفاظ بامتيازاته الأبوية ، بشهادة المسيح ( عليه السلام ) نفسه ، وشهادة كتبة العهد الجديد ، فالأب مصدر كل الأشياء وغايتها ، ولذا فالابن الذي لا يعمل إلا تبعا له سيخضع له في آخر الأزمنة ، خضوعه لرأسه ) (٢).

__________________

(١) المسيح في الفكر الاسلامي : ٢٣٣.

(٢) معجم اللاهوت المسيحي : ٢٤.

٩٧

والحديث عن ابن الله سيقودنا طبيعيا إلى البحث عن الثالوث الأقدس ، ونقف هنا عند سر الأسرار ( الثالوث الأقدس ) ونبينه من وجهة نظر المسيحيين. ثم نناقش مسألة ( ابن الله ) والتثليث معا إن شاء الله.

٩٨

الثالوث الأقدس

أن عقيدة الثالوث الأقدس تعتبر السر الأول في العقيدة المسيحية ، فهي الأساس الذي بنيت عليه المسيحية ، كما أن التوحيد هو الأساس في الإسلام ، فنحن في كل عمل كنا نقوم به نبدأ ( باسم الأب والابن والروح القدس ) وهو أول شئ تعلمته منذ نعومة أظفاري ، فعند الأكل نبتدأ به ، وعند الدخول إلى الكنيسة وعند الصلاة ، ولهذا لا أعتقد أن هناك عقيدة مترسخة في نفس كل مسيحي كعقيدة التثليث ، ولكن بالرغم من هذا ففهمها مشكل جدا ، بل مستحيل فنحن نعتقد أن التثليث ولأنه يرتبط بحقائق إلهية فائقة الوصف ، فهو بعيد عن متناول عقل الإنسان ، ولذا فهو يبقى سراغا مضا لا يفهم. فهو فوق الادراك البشري.

وقبل الدخول في البحث عن هذه العقيدة ، لا يفوتني أن أذكر من أن المسيحيين لا يعتقدون بثلاثة آلهة كما يتصور البعض ، بل هم يؤمنون بإله واحد له ثلاثة أقانيم وهي ( الأب والابن والروح القدس ).

٩٩

في الواقع أن كلمة ( التثليث أو الثالوث ) لم ترد في الكتاب المقدس ، ويظن أن أول من صاغها واستعملها هوترتوليان في القرن الثاني للميلاد ، ثم ظهر سبيليوس في منتصف القرن الثالث وحاول أن يفسر العقيدة بالقول أن التثليث ليس أمرا حقيقيا في الله ، لكنه مجرد إعلان خارجي ، فهو حادث مؤقت وليس أبديا ثم ظهر أريوس الذي نادى بأن الأب وحده هو الأزلي بينما الابن والروح القدس مخلوقان متميزان عن سائر الخليقة ، وأخيرا ظهر أثناسيوس الذي وضع أساس العقيدة ( الثالوث الأقدس ) (١) وبعد مناقشات وتشاجرات بين علماء المسيحية وكبار قادة الكنيسة الذين افترقوا بين مؤيد لأريوس ، ومؤيد لأثناسيوس دفعت بالامبراطور قسطنطين إلى الدعوة لعقد أول مجمع مسكوني في عام ٣٢٠ ميلادي في نيقية ـ وحضر هذا الاجتماع أكابر العلماء والأساقفة ، وبعد شهر أو أكثر من النقاش والجدال ، انتصرت عقيدة أثناسيوس وكسبت أكثر الآراء ، وتم تشكيل عقيدة التثليث والتي نصت على ما يلي :

نحن نعبد إلها واحدا في الثالوث ، والثالوث في التوحيد لأن هناك شخصا للأب وآخر للابن وأخر لروح القدس ، أنهم ليسوا ثلاثة آلهة ولكن إله واحد. فكل الأشخاص الثلاثة هو أزليون معا و متساوون معا ، وهكذا فإن الإنسان الناجي هو ذلك الذي يعتقد

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس : ٢٣٢.

١٠٠