هبة السماء

علي الشيخ

هبة السماء

المؤلف:

علي الشيخ


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-22-6
الصفحات: ٢٣٠

الكتاب المقدس

إن الكتاب المقدس ـ كما يعتقد المسيحيون ـ هو مجموع الكتب الموحاة من الله ، والمتعلقة بخلق العالم وتاريخ معاملة الله لشعبه وكذلك مجموع النبوءات عما سيكون حتى المنتهى ، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع بني البشر في كل الأزمنة. وفي الكتاب المقدس جميع أنواع الكتابة من نثر وشعر ، وتاريخ وقصص ، وحكم وأدب ، وتعليم وفلسفة وأمثال وإنذار (١).

ويبلغ عدد الكتاب ( الملهمين ) الذين كتبوا الكتاب المقدس أربعين كاتبا. وهم من جميع الطبقات ، فبينهم الراعي والصياد وجابي الضرائب والقائد والنبي والسياسي والملك و ...

وقد استغرقت مدة كتابة الكتاب المقدس ألفا وستمائة سنة ، وكان جميع هؤلاء الكتاب من الأمة اليهودية ما عدا لوقا كاتب

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس ص ٧٦٢.

٢١

الإنجيل الذي دعي باسمه إذ يظن أنه كان أمميا من أنطاكية ، والنسخ الأصلية للكتاب المقدس ليست موجودة الآن ، بل كل ما هو موجود هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل.

ويعتقد المسيحيون كذلك أن الكتاب المقدس ـ باعتباره أصل الإيمان المسيحي ومصدره ـ خال من الأخطاء والزلل وفيه كل ما يختص بالإيمان والحياة الروحية ، وأنه كلمة الله وقاعدة الإيمان والحياة العملية لجميع البشر (١).

وينقسم الكتاب المقدس إلى عهدين :

١ ـ العهد القديم.

٢ ـ العهد الجديد.

وسوف نبحث في كل من هذين العهدين بشكل مستقل ، ولأن المسيحيين يعتقدون أن العهد القديم كان تمهيدا للعهد الجديد وأن العهد الجديد هو المتمم له ، فهو أكثر أهمية من العهد القديم لذا سنتوسع فيه أكثر.

__________________

(١) مقدمة الكتاب المقدس.

٢٢

العهد القديم

كتب أكثر العهد القديم باللغة العبرانية ، وقد وجدت بعض الفصول بالأرامية وهي لغة شبيهة بالعبرانية ، والعهد القديم الموجود بين أيدينا مأخوذ عن النسخة الماسورية التي أعدتها جماعة من علماء اليهودية في طبرية من القرن السادس إلى الثاني عشر للميلاد (١).

ويتألف العهد القديم من (٣٩) سفرا أو ( ٤٣ ـ ٤٤ ) سفرا حسب الكنيسة وذلك بإضافة أسفار أو أجزاء أسفار وصفت بالقانونية ـ اللاحقة ... وقد قسم اليهود أسفار العهد القديم إلى ثلاثة أقسام وهي :

١ ـ التوراة أو الناموس.

٢ ـ الأنبياء ، وهم الأولون والمتأخرون

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس : ص ٧٦٣.

٢٣

٣ ـ الكتب. وذلك في اجتماع لمعلمي الشريعة من مختلف البلدان في فلسطين سنة ٩٠ ( ب. م ) (١).

وأما ترتيبها فهي كالآتي :

أ ـ التوراة أو الناموس : وهي أسفار موسى ( عليه السلام ) الخمسة وهي :

١ ـ تك : لسفر التكوين : وهو الأول من التوراة ويسمى أيضا بسفر ( الخليقة ) بمقتضى تسمية الترجمة السبعينية ، ويسمى في العبرانية ( جر نشيت ).

٢ ـ خر : لسفر الخروج ، وهو الثاني بتسمية السبعينية ، وفي العبرانية يسمى ( واله شموت ).

٣ ـ لا : لسفر اللاويين ، وهو الثلث بتسمية السبعينية ، وفي العبرانية يسمى ( ويقرا ).

٤ ـ عد : لسفر العدد وهو الرابع بتسمية السبعينية ، وفي العبرانية يسمى ( ويدبر )

٥ ـ تث : لسفر التثنية وهو الخامس بستمية السبعينية ، وفي العبرانية يسمى ( اله ) ويسمى أيضا دباريم.

وأما بقية الأسفار فهي :

__________________

(١) مقدمة الكتاب المقدس.

٢٤

٦ ـ يش : لسفر يشوع النبي.

٧ ـ قض : لسفر القضاة.

٨ ـ ( را ) لكتاب راعوث

٩ ـ ١ ، اصم : لسفر صموئيل الأول.

١٠ ـ ٢ ، اصم : لسفر صموئيل الثاني.

١١ ـ ١ ، امل : لتاريخ الملوك الأول.

١٢ ـ ٢ ، مل : لتاريخ الملوك الثاني.

١٣ ـ ( ١ أي ) لتاريخ الأيام الأولى.

١٤ ـ ( ٢ أي ) لتاريخ الأيام الثاني.

١٥ ـ ( عز ) لكتاب عزرا.

١٦ ـ ( نح ) لكتاب نحيا.

١٧ ـ ( اس ) لكتاب لكتاب أستير.

١٨ ـ ( أي ) لكتاب أيوب.

١٩ ـ ( مز ) لمزامير داود أي الزبور.

٢٠ ـ ( أم ) لأمثال سليمان.

٢١ ـ ( جا ) لكتاب الجامعة المنسوب لسليمان.

٢٢ ـ ( نش ) لنشيد الأنشاد.

٢٥

٢٣ ـ ( اش ) لكتاب أشعيا.

٢٤ ـ ( ار ) لكتاب أرميا.

٢٥ ـ ( حرا ) لمرائي أرميا.

٢٦ ـ ( حز ) لكتاب حزقيال.

٢٧ ـ ( دا ) لكتاب دانيال.

٢٨ ـ ( هو ) لكتاب هو شع.

٢٩ ـ ( يؤ ) لكتاب يوئيل.

٣٠ ـ ( عا ) لكتاب عاموس.

٣١ ـ ( عو ) لكتاب عوبديا.

٣٢ ـ ( يون ) لكتاب يونان أي يونس بن متي.

٣٣ ـ ( مي ) لكتاب ميخا.

٣٤ ـ ( نا ) لكتاب ناحوم.

٣٥ ـ ( حب ) لكتاب حبقوق.

٣٦ ـ ( صف ) لكتاب صنفينا.

٣٧ ـ ( حج ) لكتاب حجي.

٣٨ ( زك ) لكتاب زكريا.

٣٩ ـ ( مل ) لكتاب ملاخي.

٢٦

ولهذه الكتب في النسخ العبرانية ترتيب آخر من حيث التقديم والتأخير (١).

وأما الأسفار ( القانونية ـ اللاحقة ) فهي :

١ ـ سفر طوبيا.

٢ ـ سفر يهوديت.

٣ ـ سفر نبوءة باروك.

٤ ـ سفر المكابين (٢).

والكنيسة تعتبر أسفار العهد القديم أسفارا قد دونت بالهام روح القدس ، وعلى هذا فهي تقبله في عداد الكتب المقدسة ، مع أن هناك اختلافا بين العهد القديم عند اليهود والذي قبلته الكنيسة ، ويعود هذا الاختلاف ، إلى اختلاف اللاهوتيين اليهود أنفسهم ، فالبعض يصرحون في الواقع أن الروح ( أي روح الله الذي يوحي ) لم ينزل على أحد منذ غياب الأنبياء المتأخرين مثل : حجي وزكريا وملاخي ، وبعض الفئات الأخرى من اليهود ( الأسانيين قي قمران ، واليهود المتشتتين في المعمورة ) تمسكوا باستمرارية الوحي. والكنيسة تمسكت بدورها بهذه الاستمرارية مستندة في ذلك إلى شهادة المسيح ( عليه السلام )

__________________

(١) الهدى إلى دين المصطفى : ص ٧.

(٢) كتاب ( المسيح في الفكر الاسلامي الحديث وفي المسيحية ) ص ١١١.

٢٧

والرسل.

وأيضا تتمسك بالترجمة ( السبعينية ) (١) وهي ( ترجمة يهود الاسكندرية للعهد القديم إلى اللغة اليونانية ويعتبرونها كتابهم الخاص ) لنفس السبب (٢).

واعتقاد أرباب الكنيسة بأن العهد القديم كتاب سماوي وموحى يستندون فيه إلى استشهاد المسيح ( عليه السلام ) والرسل بالعهد القديم فهم كانوا يعتبرونه كتابا ملهما ، روحيا ، إلهيا والاستشهاد به دليل على ذلك (٣).

ويتضح من هذه المقدمة أن أسفار العهد القديم قد ظهرت للوجود تدريجيا ولمدة حوالي خمسة عشر قرنا لتؤلف لنا العهد

__________________

(١) ( الترجمة السبعينية ) : ( التي بدأت سنة ٢٥٠ وانتهت حوالي ١٥٠ ق. م وقد بدأت هذه الترجمة بأمر بطليموس فيلادلفوس الذي حكم مصر عالم ٢٨٠ ق. م وقيل إن عدد هؤلاء المترجمين كان اثنين وسبعين ولهذا دعيت بالسبعينية.

وكان اليهود يزعمون أن الله أوحى للعلماء الذين قاموا بالترجمة السبعينية بكلمات هذه الترجمة ، ولكن عندما أخذ المسيحيون يستشهدون بآياتها ضد

العادات والتعاليم اليهودية التي كانت سائدة في عصرهم عاد اليهود إلى الأصل العبراني وأهملوا هذه الترجمة ). قاموس الكتاب المقدس : ٧٦٨.

(٢) المسيح في الفكر الاسلامي : ص ١١٠.

(٣) نفس المصدر.

٢٨

القديم ، وأن المسيحيين يرون أن هذا العهد كله كان تمهيدا وبشارة بمجئ يسوع المسيح ( عليه السلام ) ويستشهدون بنبوءات كثيرة جاءت فيه وتحققت هذه النبوءات في المسيح ( عليه السلام ).

وفي الحقيقة فأني لست في صدد البحث في العهد القديم وتاريخه بشكل مفصل هنا ، وإن شاء الله سوف نقدم بحثا مستقلا عن الكتاب المقدس بعهديه نتطرق فيه إلى العهد القديم بشكل موسع ، ولكن لا بد هنا من الإشارة إلى بعض النقاط التي أوقفتني من خلال الدراسة فيه ومنها :

١ ـ أن هذه الأسفار ( المقدسة ) قد كتبت خلال فترة خمسة عشر قرنا تقريبا أو أكثر ومعظم النصوص الأصلية أو كلها مفقودة الآن ، إضافة إلى هذا فإن الكثير منها لا يعرف مؤلفوها فهي مجهولة ولا من هو ناسخها ومتى كتبت ، والنسخ المتوفرة مأخوذة عن نسخ أصلية كما يعتقد في أحسن الأحوال ، فهل يمكن القول بأن الناسخ لهذه الكتب الجديدة لم يخطئ ، ولا سيما عند القول بأن هذه الكتب مترجمة من اللغة العبرية إلى اللغات الأخرى؟!

وهل هذه الترجمة ـ كما كان يعتقد اليهود في الترجمة السبعينية ـ إنما تمت بوحي من الله تعالى أم لا؟

ولهذا أعتقد أن هذه الكتب والأسفار التي بين أيدينا الآن من العهد القديم لا يمكن الاعتماد عليها بشكل قاطع ويقيني ولا يمكن

٢٩

الاطمئنان من أنها لم تتسرب إليها الأخطاء إذ ينقل في قاموس الكتاب المقدس ما نصه وكل ما وصل إلينا هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل. ومع أن النساخ قد اعتنوا بهذه النسخ اعتناء عظيما فقد كان لا بد من تسرب بعض السهوات الإملائية الطفيفة جدا إليها (١).

فعلى أقل تقدير هناك شك في أن هذه النسخ الموجودة هي نفس النسخ الأصلية ، ولذا نرى الاختلافات القائمة بين علماء الكتاب المقدس حول هذه الأسفار.

٢ ـ نحن باعتبارنا مؤمنون بالله ورسالاته وعلى اختلاف المذاهب والأديان نعتقد بأن الأنبياء الإلهيين هم من أفضل البشرية ولهذا نستطيع القول بأنهم صالحون وعلى الأقل معصومون من الذنوب والخطايا التشريعية ، ولكننا للأسف نجد في هذه الأسفار ، وفي مواضع كثيرة نسبة هذه المعاصي والخطايا الكبيرة لهؤلاء الأنبياء العظام ، كشربهم للخمر والزنا بالمحارم وغير ذلك من الأمور التي يأبى كل مؤمن شريف التفكير بها فضلا عن مزاولتها ، وها أنا أذكر بعض الأمثلة على هذا ومن أراد التوسع فليطالع العهد القديم.

ينقل في العهد القديم أن النبي لوط ( عليه السلام ) قد شرب الخمر وسكر ومن ثم ارتكب خطيئة الزنا مع من حرم عليه الزواج منهن ( بناته ) ومن ثم حملن منه ( أنظر : سفر التكوين ( ١٩ ـ ١ ـ ٣٨ ) ،

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس : ص ٧٦٣.

٣٠

وكذلك ينقل عن النبي سليمان ( عليه السلام ) الذي كان مملوءا بالحكمة ، أن السنوات الأخيرة من حكمه كانت مؤسفة ، فقد بدأ بتعدد الزوجات ، وأحب نساء كثيرات إضافة إلى بنت فرعون ( زوجته ) فكان له سبعمائة من الزوجات وثلاثمائة من السراري استطعن أن يميلن قلبه إلى الآلهة الغريبة حتى بنى أماكن لعبادة الأوثان أيضا ، إرضاء لهن فغضب الرب عليه أنظر ( ١ ملوك : ١١ : ١ ـ ٢٥ ).

وكذلك قصة نوح النبي ( عليه السلام ) إذ ينقل في العهد القديم أنه صنع مسكرا وشربه وسكر فكشف عورته أمام أولاده فغطوه. أنظر التكوين : ٩ : ١ ـ ٢٩ ) وقصة يعقوب ومصارعته مع الرب وغيرها من القصص الأخرى تجعلنا نعتقد أن هذه الأسفار قد دخلت فيها بعض التحريفات التي تدفعنا للاعتقاد بأن هذا العهد القديم الموجود بين أيدينا وعلى أقل تقدير ليس كله وحيا إلهيا.

إضافة إلى هذا ، هناك بعض القصص العجيبة التي يرفضها العقل مثلا ( فالأنبياء يتعرون ) ـ وفيما شاول ذاهب إلى هناك حل عليه روح الله فأخذ يتنبأ طول الطريق ونزع أيضا ثيابه وتنبأ أيضا أمام صموئيل وانطرح عريانا كل ذلك النهار وليله لذلك يقال شاول أيضا من الأنبياء ). ( أنظر : اصم : ١٩ : ٢٠ ـ ٢٤ ).

وأيضا أشعيا ( ٢٠ : ١ ـ ٦ ) فالنبي أشعيا ( مشى عاريا حافيا

٣١

لمدة ثلاث سنين ، كذلك يمشون سبايا مصر عراة حفاة مكشوفة مؤخراتهم وغيرها الكثير.

٣ ـ من المسائل التي يمكن ذكرها أيضا كثرة التناقضات الموجودة فيها ، ففي القصة الواحدة مثلا نرى أن بعض الأسفار تخالف الأسفار الأخرى بل ونجد في السفر الواحد بعض التناقضات ففي سفر التكوين ينقل عن قصة نوح والسفينة بأنه أمر أن يأخذ معه من كل ذي جسد اثنين ذكرا وأثنى. أنظر ( تك ٦ : ١٩ ـ ٢٠ ) وفي نفس السفر يأتيه الأمر أن تأخذ سبعة سبعة ذكرا وأنثى. أنظر ( تك ٧ : ٢ ـ ٣ ) وأمثال هذا كثير في أسفار العهد القديم ، وهو ما يقودنا إلى القول بأنه هذه الأسفار من وحي ونتاج الخيال البشري ويستحيل قبولها على أنها وحي إلهي.

وأكتفي بهذا المقدار من الحديث عن العهد القديم ، على أمل أن أوفق للبحث فيه بشكل مستقل وموسع إن شاء الله في المستقبل القريب.

٣٢

العهد الجديد

أن كتاب العهد الجديد له مكانته الخاصة عند المسيحيين ، فهو يعتبر متمما ومصدقا لما جاء في العهد القديم ، وهو الأساس لكل العقائد المسيحية ولهذا فأني سأحاول التوسع فيه بعض الشئ.

ويعتقد بعض علماء الكتاب المقدس أن العهد الجديد قد كتب بلغة يونانية تسمى ( بالكوني ) وهي اللغة العامية ممزوجة ببعض الاصطلاحات العبرانية ، وأهم النسخ الكاملة من العهد الجديد هي النسخة السينائية والنسخة الفاتيكانية إذ يعتقد أنهما كتبتا في القرن الرابع الميلادي ، وكذلك النسخة الاسكندرانية المكتوبة في القرن الخامس الميلادي (١).

ويتألف العهد الجديد من (٢٧) سفرا وهي : الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل وعدة رسائل لبولس وبطرس ويعقوب ويهوذا ويوحنا

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس : ص ٧٦٣.

٣٣

مع رؤية يوحنا ، وإليك نبذة تاريخية مختصرة عن كل واحد من هذه الأسفار.

( الأناجيل الأربعة )

١ ـ إنجيل متي :

وهو أول الأناجيل ويرجح أن يكون كاتبه هو الرسول متي أحد الاثني عشر رسولا ، وهو لاوي بن حلفي وكان عشارا يجمع الأموال للحكومة الرومانية. وقد أختلف القول بخصوص هذا الإنجيل في لغته وزمان تأليفه فذهب البعض إلى أنه كتب أولا بالعبرانية أو الآرامية ( التي كانت لغة فلسطين في تلك الأيام ) وترجم بعد ذلك إلى اليونانية ، وذهب آخرون إلى أنه كتب باليونانية كما هو الآن. وأما زمان تأليفه فقد أختلف فيه أيضا إذ يحتمل أنه كتب بين ٣٧ إلى ٦٣ ميلادي (١). ويسمى هذا الإنجيل مع إنجيلي مرقس ولوقا بالأناجيل المتوافقة أو الإزائية وذلك لأنها متشابهة إلى حد كبير.

و يتميز هذا الإنجيل عن الأناجيل الثلاثة الباقية بأنه يحكي حوادث وأمثالا لا توجد في الإنجيل الأخرى ، كما أنه الإنجيل

__________________

(١) نفس المصدر مادة متي ص ٨٣٣.

٣٤

الوحيد الذي يشير إلى الكنيسة ويذكرها باسم ( الكنيسة ) على وجه التخصيص.

٢ ـ إنجيل مرقس :

ويعتقد بأن مؤلف هذا الإنجيل هو مرقس أحد تلامذة بطرس الرسول ، فهو ليس من تلاميذ السيد المسيح ( عليه السلام ).

وكان الاعتقاد السائد في أواخر القرن الأول الميلادي أن هذا الإنجيل قد كتب في روما ووجه إلى المسيحيين الرومانيين.

فقد كتب بابيوس مستندا إلى ما استقاه من يوحنا الرسول :

هذا أيضا ما قاله الشيخ أن مرقس وقد كان مفسرا لبطرس ومترجما لآرائه ، سجل جميع الأشياء التي تذكرها من أقوال المسيح ( عليه السلام ) وأعماله وذلك لم يسمع الرب ( يسوع ) ولا كان من أتباعه ولكنه أتبع بطرس فيما بعد (١).

وأما تاريخ هذا الإنجيل فهو يتراوح بين سنة ٦٤ م وسنة ٧٠ م.

وفي هذا الصدد يقول الأب ( إيرينيوس ) أحد آباء الكنيسة الأولين أن مرقس كتب البشارة التي تحمل اسمه قائلا بعد أن نادى بطرس وبولس بالإنجيل في روما وبعد انتقالهما سلم لنا مرقس كتابة

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس مادة مرقس : ص ٨٥٤.

٣٥

مضمون ما نادى به بطرس وعلى هذا يحتمل كتابة هذا الإنجيل بين عام ٦٥ م و ٦٨ م (١).

ومرقس هذا كما زعم البعض فهو الشاب الذي تبع يسوع لما أخذه اليهود في بستان الزيتون وأقاموا الدليل على ذلك أن مرقس انفرد برواية ما جرى لذلك الشاب وكأنه يريد أن يشير إلى نفسه فيقول :

وتبعه شاب ليس عليه غير إزار فأمسكوه. فتخلى عن الإزار وهرب عريانا ( إنجيل مرقس ١٤ : ٥١ ـ ٥٢ ). وكان مرقس نسيب الرسول برنابا ، أحد وجهاء كنيسة أورشليم القدس وكبار المبشرين بالإنجيل وكان ابن امرأة اسمها مريم ساكنة في أورشليم والظاهر أنه اهتدى إلى الإيمان المسيحي بواسطة خدمة بطرس الذي كان يتردد على بيت أمه ، وصاحب بولس وبرنابا في أورشليم إلى أنطاكية ، ولكنه فارقهما لأسباب لم تعرف (٢). ويعتبر إنجيل مرقس أقصر الأناجيل الأربعة.

٣ ـ إنجيل لوقا :

حسب الاعتقاد السائد في القرن الثاني للميلاد فإن كاتب هذا

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) تفسير العهد الجديد : ص ٨٨.

٣٦

الإنجيل هو لوقا وهو رفيق وصديق بولس ، ويحتمل أيضا أنه كاتب سفر أعمال الرسل ، ولهذا فما هو معروف عنه مأخوذ من سفر الأعمال حيث يذكر أنه كان مع بولس في قسم من أسفاره. ولد لوقا من أبوين يونانيين في أنطاكية ـ سورية ـ وكان يمارس الطب وزعم البعض أنه كان رساما ، وتتلمذ لبولس وكان غالبا في صحبته إلى أن استشهد بولس فتركه ، إلا أنه لا يعرف أين قضى بقية عمره ولا أين مات غير أن الكنيسة تكرمه تكريم الشهداء (١).

وكتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية ، وأما تاريخ كتابة هذا الإنجيل فيعتقد أن أعمال الرسل قد كتب بعد كتابة الإنجيل بوقت قصير ، ويرجح أن سفر أعمال الرسل كتب سنة ٦٢ أو ٦٣ ميلادية ولهذا يحتمل علماء الكتاب المقدس أنه مكتوب في سنة ٦٠ ميلادية تقريبا. كما قد ورد في هذا الإنجيل بعض الحوادث التي لم تذكر في غيره من الأناجيل. ويظهر من مقدمة إنجيله أنه لم يكن معاينا للحوادث التي كتبها بل ألف إنجيله من شهادة الذين عرفوا المسيح.

ومما يخص به هو نقل الحوادث التي جرت قبل ولادة المسيح ( عليه السلام ). وبعدها والظاهر أنه أخذها عن كتابة ربما نقلت عن أم الرب ( مريم ) لأنه لم يعرف أحد غيرها كثيرا مما ذكر بهذا الشأن (٢).

__________________

(١) المسيح في الفكر الاسلامي : ص ١٢٧.

(٢) تفسير العهد الجديد : ص ٣٠.

٣٧

٤ ـ إنجيل حسب يوحنا :

وهو الإنجيل الرابع والذي يختلف كثيرا عن الأناجيل الثلاثة ، إذ يعتقد أن ٩٠ % من هذا الإنجيل غير موجود في الأناجيل الثلاثة ، وهو من أكثر الأناجيل التي دارت حولها الشكوك بين علماء الكتاب المقدس ، فذهب البعض إلى أن كاتبه هو يوحنا ابن زبدي الرسول وأحد التلاميذ المقربين جدا ليسوع المسيح ( عليه السلام ) ، ويذكر المؤرخون أن يوحنا الرسول كان تلميذا ليوحنا المعمدان ( يحيى ) ( عليه السلام ) ومن ثم دعاه عيسى ( عليه السلام ) فاتبعه وأخيه يعقوب ، فأصبح هو ويعقوب وبطرس من التلامذة المقربين ليسوع ( عليه السلام ).

وينقل أيضا أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الشيخ ويعتقد أنه ( يوحنا الشيخ ) هو نفسه يوحنا الرسول. وقد ذكر أن الهدف من كتابة هذا الإنجيل هو تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح ( عليه السلام ) وناسوته ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة ، كبدع الدوكنيين ، والغنوسيين وغيرها (١).

ويوحنا هذا مع أنه هرب مع بقية التلاميذ لما أمسك بالمسيح

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس : ص ١١١٠.

٣٨

( عليه السلام ) ولكنه كما ينقل يوحنا في إنجيله ( ١٩ ـ ٢٦ ) أودعه المسيح ( عليه السلام ) العناية بأمه العذراء مريم ( عليها السلام ).

ويشكك بعض علماء العهد الجديد في صحة نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا ، إذ ينقل ( برطشنيدر ) إن هذا الإنجيل كله وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه ، بل إنما صنفه بعضهم في ابتداء القرن الثاني ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس. ورجح البعض الآخر أن هذا الإنجيل هو من تأليف طالب من طلبة الاسكندرية. وأما زمن كتابة هذا الإنجيل فيحتمل أنه كتب بين سنة ٩٦ ـ ١٠٠ ميلادية.

وإذا عرف زمان شهادة يوحنا الرسول لأمكن معرفة صحة انتساب هذا الإنجيل إليه أو لا ، ولكن في زمن شهادته اختلاف أيضا ، إذ يقول البعض أنه استشهد سنة ١٠٠ ميلادية ، بينما يعتقد آخرون أنه كان سنة ٧٠ ميلادية.

وأما مضمون هذا الإنجيل فإنه يختلف تماما عن بقية الأناجيل كما ذكرنا ، إذ أنه يجسد بوضوح الناحية الإلهية من حياة يسوع المسيح ( عليه السلام ). والمسيحيون يعتمدون على هذا الإنجيل في إثبات ألوهية المسيح ( عليه السلام ) أكثر من بقية الأناجيل ، إضافة إلى ذلك فإنه ينقل للمسيح ( عليه السلام ) بعض المعاجز التي لم تذكر في أي من الأناجيل السابقة.

٣٩

سفر أعمال الرسل

هذا هو عنوان السفر الخامس من أسفار العهد الجديد. وترجع هذه التسمية إلى القرن الثاني الميلادي ، وفي الحقيقة فإن هذا الاسم لا يدل على أن السفر يذكر كل أعمال الرسل ، بل القصد من السفر هو إظهار كيفية تأسيس الكنيسة المسيحية ، وانتشار المسيحية بين اليهود.

وابرز شخصية في القسم الأول من السفر هي شخصية بطرس الرسول رئيس الكنيسة ، وأما الشخصية البارزة في القسم الثاني من السفر فهي شخصية بولس.

إضافة إلى ذلك فإن السفر يذكر شخصيات وأعمال غيرهما من الرسل في مناسبات عدة.

والسفر معنون باسم رجل يدعى ثاوفيليس ، وهو نفسه الذي كان قد أهداه الإنجيل. ويعتقد أن مؤلف هذا السفر هو نفسه لوقا الإنجيلي ، وقد كتب بين سنة ٦٤ ـ ٧٠ ميلادية ، باللغة اليونانية التي كتب بها إنجيل لوقا.

الرسائل :

وتتألف الرسائل من قسمين رئيسين ، أولهما رسائل بولس وثانيهما الرسائل العامة.

٤٠