حوار مع صديقي الشيعي

المؤلف:

الهاشمي بن علي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-428-0
الصفحات: ١٦٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الدليل على هذه العقيدة ؟

قال صديقي : قبل أن أجيبك أسألك بدوري سؤالا : هل تؤمن بأن الإسلام دين شامل كامل لكلّ البشر إلى يوم القيامة وأنه سيظهر على الدين كلّه ؟

أجبته قائلا : نعم ، هذا ما تعلمته وسمعته منذ نعومة أظفاري.

عقّب صديقي : وهل تعلم أننا اليوم كمسلمين متفرقون طرائق قددا لا يكاد يجمعنا شيء غير القرآن والقبلة وأنّ ربنا واحد ونبيّنا واحد ؟! وهل تعلم أننا اختلفنا في وضوءنا وصلاتنا وحجّنا ووو ..؟!

أجبت صديقي : نعم ، وماذا في ذلك ؟!

علّق صديقي : كيف سنتحد إذن ونوحّد بقية الأمم تحت راية واحدة ؟! ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال ، ثم أردف قائلاً : وعليه نحن نحتاج إلى شخصية عبقريّة تعيد جميع المسلمين إلى صفاء الإسلام وتطهّره من تحريف المحرّفين ومن غبار القرون حتّى يعود غضّا طريّا كما كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قلت معلّقاً : أنا موافق لك تماما في هذه المسألة ، فنحن فعلا نحتاج هكذا شخصية معجزة وإلاّ فإنّ واقعنا يعسر على كلّ حكيم.

قال صديقي : هذا هو المهدي ، سمّه العبقري ، أو سمّه الموحّد ، أو سمّه صاحب النهضة الإسلامية. كلّها تعني المهدي.

سألت صديقي مختبراً : جيّد وماذا لو كان هذا المهدي مالكيّا أو سنّيا بالمعنى الأعم ؟!

أجابني صديقياً : وماذا لو كان شافعيّا أو حنبلياً أو أو. الإشكال

١٤١

يبقى. فنحن لم يستطع الأمويّون أن يوحّدونا ولا استطاع العبّاسيّون ولا فعل العثمانيّون بالرغم من اتحادنا جغرافيّا ، فالمالكي بقي مالكيا والشافعي شافعيّا وكلٌّ كان متمسّكا بمذهبه. بل من الطريف أنّ العثمانيّين عندما حكموا تونس لمدة ٤ قرون كان لهم مُفتيان ، مفتي حنفي للبلاط وآخر مالكي لبقية الشعب.

المهدي هو ممثّل الإسلام المحمّدي الصحيح الذي هو خط كلّ الأنبياء ، ولهذا سيصلّي عيسى بن مريم عليه‌السلام وراءه باعتبار أنّ الإسلام هو دين الله الكامل والذي بشّر به كلّ الأنبياء والمرسلون.

قلت لصديقي ممازحا : وطبعا ستقول لي : إنّ الإسلام الصافي الأصيل هو مذهب الشيعة ؟!

أجابني صديقي بنبرة حازمة : لا أقول لك شيئا ، أنت إبحث عن الحق ولن تعدم الوصول إليه أو إلى طرف منه.

قلت : جيّد ، كيف تقولون إنّ المهدي حيّ وإن عمره الآن ـ لا أدري كم ـ وو .. هل هذا معقول ؟!

قال صديقي : هل تريدني أن أجيبك بالحديث عن قدرة الله أم بما جاء في الكتاب والسنّة ؟!

قلت معلّقا : بل بالدليل من الكتاب والسنّة لأني أعرف أنّ الله على كلّ شيء قدير وقد يجعلني أنا الإمام المهدي.

أجاب صديقي : أوّلا طول العمر ليس شيئا بدعا ، بل حقيقة يؤكدها القرآن الكريم ، ألا ترى أنّ نوحا عليه‌السلام لبث في قومه ألف عام إلاّ خمسون ، ثم هو قطعا لم يهلك بالطوفان بل عاش بعد قومه ، وعندنا روايات تقول إنّه

١٤٢

ربّما وصل عمره عليه‌السلام إلى أربعة آلاف سنة.

ثم واصل كلامه : وعندنا عيسى بن مريم عليه‌السلام ، فنحن بشهادة القرآن نؤمن أنّه حيّ ولم يُصلَب وسيرجع إلى الدنيا وسيعيش فيها.

قلت مقاطعاً : يا أخي هؤلاء أنبياء والمهدي ليس بنبيّ.

أجابني صديقي : المهم أنّ مسألة طول العمر ثابتة سواء لنبيّ أو لغيره ، فنحن كلامنا في مسألة طول العمر. ثم قال : لماذا تخلط الأمور ببعضها ؟!

قلت متسائلاً : لكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما كنت أسمع : « إنّ أعمار أمته بين الستّين والسبعين » والمهدي من أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال صديقي مجيباً : الحديث يقصد أنّ السمة الغالبة على أعمار أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي بذلك المقدار ، وهذا لا ينفي أن يقلّ أو يتجاوز عمر المسلم عن ذلك ، وخذ لك اليوم مئات بل آلاف الأمثلة على ذلك.

وأضاف قائلاً : أنا سأعطيك دليلا من غير الأنبياء والمرسلين : أصحاب الكهف (١) لم يقل أحد أنهم أنبياء ؟! بل كانوا فتية آمنوا بربهم ، فلبثوا في كهفهم ثلاثة قرون وعادوا إلى الحياة كما تقرأ في القرآن ، وكذا الخضر عليه‌السلام والذي أجمع المسلمون على طول عمره وأنه مازال حيّا إلى يومنا هذا.

قلت مقاطعاً : عفواً ، الخضر نبيّ على ما أعتقد.

أجاب صديقي : هناك خلاف في المسألة ، كونه نبيّا لم يرد فيه دليل ، وشأن الخضر كشأن لقمان لم تثبت نبوّتهما وإن كان ذلك

_____________________

١) ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ... ) [ سورة الكهف : ١٣ ].

١٤٣

أمرا محتملاً.

واعلم أنّ كل فرق المسلمين تقريبا مجمعة على مسألة المهدي وظهوره وأنه من أهل البيت ، لكن الخلاف بين السنّة والشيعة هو أنّ الشيعة يقولون : إنّه ولد وهو ابن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، والسنّة ينكرون ذلك ويقولون : إنّه سيولد في آخر الزمان (١).

قلت متسائلاً : كيف الحلّ إذن ؟!

قال صديقي : أنا أعطيك ثلاثة أدلة لتعلم يقينا أنّ المهدي وُلِدَ وأنّه حي يرزق ، ثم جلس على صخرة كانت مرميّة على الشاطىء الرملي بحافة الماء ، وأخذت أنا أيضا مكاني إلى جانبه ، فقال مواصلاً :

الدليل الأوّل : أليس يروي المسلمون وكتب الحديث أنه من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية (٢) ؟!

قلت معترفا : نعم هكذا سمعت.

قال : فمن هو إمام زمانك أنت ؟!

سكتّ لأني كنت أريد أن أقول له الإمام مالك لكن خشيت أن يقول

_____________________

١) ذكر المهدي وخروجه كثير من أعلام أهل السنة : أحمد بن حنبل في مسنده ٥ / ٢٧٧ و ٣ / ٣٧ ، الترمذي في صحيحه كتاب الفتن والسفاريني النابلسي صاحب ( نظم الدرّة المضيّة ، حيث يقول فيها :

منها الإمام الخاتم الفصيح

محمّد المهدي والمسيح

٢) مسند أحمد بن حنبل ٤ / ٩٦. وأنظر : تفسير الدّر المنثور للسيوطي حيث يورد خلال تفسيره لسورة الإسراء الآية ٧١ : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ... ) يورد حديثاً عن علي بن أبي طالب يقول فيه : يُدعى كلّ قومٍ بإمامِ زمانهم وكتابِ ربّهم وسنّةِ نبيّهم.

وهذا يدلّ على أنّ لفظ الإمام ليس يعني الكتاب أو النبيّ كما ذهب إلى ذلك البعض.

١٤٤

لي إنّه ميت منذ قرون.

قال صديقي : هذا دليل ، والدليل الثاني : ألا تقرأ في صحيح مسلم وغيره قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إنّ الخلفاء من بعدي اثنا عشر وكلهم من قريش » (١).

فمن هم هؤلاء الأئمة عند السنّة ومن هو آخرهم ؟ بل من هو أولهم ؟!

سكتّ أيضا لأني أعلم أنّ الجماعة أدخلوا ملوك بني أمية الفراعنة ، وهناك اضطراب حقيقي في شرح الحديث.

قال صديقي : والدليل الثالث : هو حديث الثقلين الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض » وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى قريبة.

وبجمع ما تفرّق نقول : إنّ لكلّ زمان إمام خاصّ به ، لأنه حسب الحديث الأول لا يخلو زمان من إمام. وعدد الأئمة الشرعيّين بعد رسول الله اثنا عشر. والأئمة من أهل البيت والقرآن هما ثقلا هذه الأمة ولن يفترقا أبدا ما كان هناك إسلام.

فالخلاصة إذن لا بدّ أن يكون هذا الإمام الثاني عشر غائبا عن الأنظار حيّ موجود وهو إمام زماننا ، وأنه سيظهر في وقت معيّن بعد أن كان مختفيا خوفا من بطش الظالمين كما بطشوا بآباءه الطاهرين كعليّ

_____________________

١) أنظر : صحيح مسلم كتاب الإمارة ج ٣ ، ومسند أحمد ٥ / ١٠٠ ، وتفسير ابن كثير ٣ / ٣١٢ ، سنن أبي داود ٤ / ٨٦ ، وغيرها.

١٤٥

والحسين وجعفر الصّادق وغيرهم.

واعلم ، أنه إذا لم تستخلص معي هذه النتيجة فستبقى الأحاديث متناثرة متراكمة لا يجمع بينها شيء ! ونحن نقول لمن يعتقد أنّ الإمام المهدي سيولد : إمامك من هو ؟ إمام زمانك الآن حتّى تعرفه ولا تموت ميتة جاهليّة ؟ وننتظر منه الجواب إذا أجاب.

أنهى صديقي كلامه وربّت على كتفي قائلاً : لاتُعر بالاً لكلّ هذا الضجيج الذي تسمعه حول عقائد الشيعة فإنّك رأيت بنفسك كذب ذلك الصياح ، إنّهم لم يتركوا عقيدة من عقائدنا إلاّ وأقاموا الدنيا حولها تهريجا. فحول المتعة تهريج ، وحول الإمامة تهريج ، وحول الصحابة صخب ، وهكذا ، كلّ ذلك لكي يُبعدوا الناس عنّا لكي لا يسمعوا لنا ، بل وصل الأمر ببعضهم أن حذّر مريديه وأفتى تابعيه بأن لا يناقشوا الشيعة لأنهم يفتنون الإنسان ، بل ويسحرونه كما تعتقد بعض الشعوب في المشرق. ووصل الأمر بأحد مفتي البلاد العربيّة أن أمر مريديه بجمع بعض الكتب الشيعية بكميات كبيرة وأمر بحرقها ضاناً هذا المسكين أنه حلّ المشكل. سياسة النعامة دائما.

ولا أدري ! إنّ القوم يزعمون إنّ فكرهم الإسلامي لا يقف أمامه أحد ، فلماذا يخافون وماذا سيفعلون مع التيارات الجديدة من مادية وعلمانيّة وو .. التي ملأت الأرض بالشبهات ؟! والأدهى من ذلك أنّ علماء معتبرين من أهل السنّة خالفوا سنناً عديدة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدعوى أنها أصبحت شعارا للرافضة وذلك مثل التختّم باليمين وتسطيح القبر وغيرها.

١٤٦

ولهذا طالما أنّ الإمام المهدي هو شعار الرافضة فلن يذعنوا بكلّ الأدلة وسيخالفونها بالتأكيد نكاية في الروافض !! وكان عليهم أن يغيّروا القبلة أيضا ويتركوا صيام رمضان لأنهما من شعار الرافضة. وهكذا أطاع كثير من الناس ساداتهم وكبراءهم فأضلّوهم السبيل ولن يغنوا عنهم من الله شيئا يوم يتبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ».

واصل صديقي كلامه لي : ولهذا إذا أردت الحقيقة فخذها من أهلها ولا تقل : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ) (١) ، وإلاّ لكان للمسيحي اليوم الحق في أن يتمسّك بدين آباءه وأجداده وهكذا كلّ فرد من كلّ دين وملّة ، وهذه حجّة داحضة بصريح القرآن.

قام صديقي بعد أن أكمل كلامه ثم قمت وراءه واتجهنا عائدين من نفس الطريق ، وقد واعدته أن أدفع له ثمن قهوة دافئة نحتسيها في مقهى على جانب طريق الشاطىء في ظهر ذلك اليوم الربيعي الدافىء.

_____________________

١) سورة الزخرف : ٢٢.

١٤٧
١٤٨



رمتني بدائها ... وانسلّت :

كان في يدي ذات يوم مقال لمجلّة عربية أرسله أحد القراء وكان مليئا بالسبّ والشتم لمن سمّاهم بالرافضة ، وكان من جملة ما كتب أنّ الروافض يؤمنون بتناسخ الأرواح !!!

طبعا ، صار لي تحفّظ شديد على أي كلام يقال ضدّ الشيعة ، بل وغير الشيعة ، لأنه كما قالت العرب « ربّ مشهور لا أصل له » ، وأذكر أنّني مرّة تحدثت مع أحد المعارف فجرى الحديث عن الهندوس وتعجبت أنا كيف أنهم يعبدون البقرة ، فاستغرب صاحبنا وقال : إنّ الهندوس لا يعبدون البقرة لكنهم يقدسونها والعهدة عليه. المهمّ عوّدت نفسي أن لا أتّهم ولا أحكم أحكاما جازمة على عقيدة وفكر أي أحد وأي فريق حتّى أتيقن أنا بنفسي من ذلك خاصّة إذا كان ذلك ممكنا لي ومتاحا.

طبعا ، لم أصدّق هذا الكاتب الذي رمى الشيعة الإمامية بفرية عظيمة وهي القول بتناسخ الأرواح ، لكن قلت في نفسي : لا بدّ أنّ هناك مسألة عند الشيعة بنى عليها القوم حكمهم هذا.

وفي أوّل لقاء لاحق مع صديقي الشيعي أريته ذلك المقال الذي احتفظت به في جيبي.

قرأ صديقي المقال بعجل ، ثم وضع الورقة على طاولته وقال : إنّي أحياناً أتأسّف على العصور الإسلامية الماضية حيث كان عند المسلمين فعلا علماء من مختلف المذاهب ، حتّى كانت مناظراتهم وعباراتهم نحو

١٤٩

بعضهم البعض تظهر ما كانوا عليه من رفيع الأخلاق وبالأخصّ ما كانوا عليه من روح علميّة محايدة إلى حدّ ما. والعجيب ونحن في قرن وعصر العلم كما يقال مازلنا ترى أنّ هناك من يعيش معنا ويعتقد حول الشيعة وغيرهم هكذا اعتقادات ، وما سمعته أنا أغرب من هذا بكثير ، حتّى أنّ هناك أناسا في بلاد إسلامية يعتقدون أنّ للشيعة ذيولا كذيول القردة !! أو أنّ الشيعة يقولون بأنّ جبرئيل عليه‌السلام قد خان الأمانة ، لذا هم نكاية فيه يُعقّبون بعد صلواتهم اليومية بترديد عبارة « خان الأمين » ثلاثة مرات وغيرها.

هذا مع الأسف إحدى نتائج انحطاط المسلمين وتراجع الحضارة الإسلامية ».

واستخلص صديقي قائلاً : وطبعا نتلقى النصيب الأكبر من الإتهامات والبهتان من الوهابيين ، ولا يزول عجبي من هذه الفرقة الصنيعة التي هي آخر أو من آخر ما ظهر من الحركات الإسلامية وهي تكفّر وتبدّع أعرق الفرق الإسلامية تاريخا وفكرا. والجدير ذكره هي حركة لا تجد لها أصلا ( كشجرة خبيثة ) وإلاّ لو كانت تنتهي إلى المذهب الحنبلي كما يقولون لما خالفت هذا المذهب مخالفات شديدة قد تُخرج أحمد بن حنبل نفسه من دائرة الإسلام بعد تطبيقنا لما يقولونه وما يعتقدونه في حقّ أحمد وسيرة أحمد.

أمّا قضية التناسخ التي يرموننا بها فنحن نطلب منهم دليلا أو قولا واحدا ولو شاذا قال به أحد علمائنا على مرّ التاريخ ، وهكذا الأمر بالنسبة لخيانة جبرئيل عليه‌السلام وغيرها.

ويواصل صديقي : أمّا ما شذ من الأقوال والآراء كمسألة القول

١٥٠

بتحريف القرآن ، فإنّ في كتب القوم كصحيح البخاري مثلا وغيره أحاديث وآراء عن صحابة كبار كعمر وعائشة (١) تُفهم أنّ القرآن ناقص ، لكن نحن طبعا لا نقول إنّ أهل السنّة يقولون بتحريف القرآن ، ففي كلّ مذهب هناك آراء شاذة لا يلتفت إليها أصلا.

ومسألة المتعة كذلك ، إذا تصفّحت كتب إخواننا فستجد أحاديث يرويها كبار الصحابة تؤكّد حلّيتها.

وأمّا عن الإسرائيليات فحدّث ولا حرج فقد امتلأت كتب القوم بأحاديث تضرب أخلاق الأنبياء والمرسلين ، بل حتّى أخلاق سيّد المرسلين فضلا عن ضربها لعصمتهم عليهم‌السلام (٢).

وغيرنا يتهمنا بأنّنا لا نؤمن بالشورى بما تعنيه من ديمقراطية وغير ذلك ، في حين لا تجد في تاريخ من يعتبرونهم خلفاء شرعيّين ولا في أقوال أو أفعال الصحابة أثرا لمسألة الشورى ، بل لا تجد إلاّ السّيف حاكما وهاديا.

وعندما تقول الشيعة مثلا بعصمة الأئمة ، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها تشنيعا واستهزاء ، ويقولون لا أحد معصوم إلاّ النبيّ ، بل حتّى النبيّ يهجر ويخرّف ويخطأ ويسهو. وفي الوقت نفسه يصرّون إصرارا

_____________________

١) أنظر قول عمر في ضياع آية الرجم وآية أخرى من كتاب الله : صحيح البخاري ٨ / ٢٠٩ ، وانظر قول عائشة في آية الرجم وآية رضاعة الكبير عشراً واللّتان ضاعتا بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سنن ابن ماجة ١ / ٦٠٩ كتاب النكاح ، سنن أبي داود ٢ / ١٨٤ كتاب النكاح ، سنن النسائي ٦ / ١٠٠ كتاب النكاح.

وهناك أحاديث أخر عن غير عمر وعائشة من الصحابة.

٢) كأحاديث أبي هريرة في صحيحي البخاري ومسلم والتي تقشعر منها الأبدان ، أنظر مثلاً : صحيح مسلم ٤ / ١٨٤٢ فضائل موسى : ص ١٨٣٩.

١٥١

مميتا على أنّ كل الصحابة عدول ، ثقات ، لا يتطرق الشكّ ولا إلى واحد منهم (١) وهم عشرات الألوف !

عندما تقول الشيعة أنّ أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ بن أبي طالب لأنه لم يكن أحد من الصحابة مثله في سابقته وجهاده وعلمه (٢) وحلمه وبأحاديث يرويها كلا الفريقين ، ترى الدنيا تقوم ولا تقعد ويتهموننا بالغلوّ وو .. في حين نجد هناك أحاديث عند إخواننا السنّة تقول إنّ عمر من الذين تحدثهم الملائكة (٣) وأنه لو لم يُبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبُعث عمر بن الخطاب (٤) وو ...

يا أخي نحن نطلب قليلا من الإنصاف فقط. ونقول لغيرنا : تعال اقرأ كتبنا ، زُر علماءنا وتجوّل في بلاد الشيعة ، ومن العجيب أنّك ترى أحدنا يفاخر بأنّه زار متحف « اللّوفر » وصعد إلى « برج إيفل » أو قرأ المجموعة الكاملة للمسرحي الإنكليزي « شكسبير » وأنه يعرف الأكلات الصينية والإيطالية وغير ذلك ، ثم تجده « صُمٌّ بُكْمٌ » إذا سألته عن أهم عقائد الشيعة.

الإنصاف والأمانة العلمية في النقل هذا كلّ ما نطلبه من غيرنا ليس أكثر.

_____________________

١) أنظر : كتاب الإصابة لابن حجر : ٦ ـ ٧ ، العقيدة الطحاوية حيث يقول مؤلفها : « وحبّهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان ».

٢) وهو أول من أسلم ، وبدر وأحد والخندق تشهد على ما فعله بالكفار.

٣) صحيح البخاري ٥ / ١٥ ، الجامع الكبير للترمذي ٦ / ٦٤ حديث ٣٦٩٣.

٤) أو لو كان نبيّ بعدي لكان عمر [ المستدرك للحاكم ٣ / ٨٥ ، والجامع الكبير للترمذي ٦ / ٥٩ حديث ٣٦٨٦ ].

١٥٢



ثم ماذا .. :

ثم تبيّن الصبح لذي عينين ، فسبحان مغيّر الأحوال ، إذ بينما أنا جاهل بكلّ عقائد الشيعة ، بل كان في ذهني حولها نفور شديد ، إذ بي أرى الحقيقة ساطعة بعد أن زال الضباب.

ولشدّما تعجّبت ممّا تُرمى به الشيعة من أوصاف ومعتقدات لم تسمع بها الشيعة نفسها لا من قريب ولا من بعيد.

ووجدتُ أنّ صفو الإسلام عند عقائد الشيعة بعد ربط الخيوط مع بعضها ووضع الصور إلى جانب بعض ، فانحلّت الألغاز وعلمت أنّ الإسلام ـ كغيره من الأديان ـ هُوجم بأشرس الهجمات من الداخل فضلا عن الهجوم عليه من الخارج ، فإنّ حكّام الضلال لم يدّخروا وسعاً في إضافة أشياء وحذف أشياء وتقريب جماعة وتبعيد أخرى.

وإنّ قوماً رموا الكعبةَ المشرّفة بالمنجنيق ـ الكعبة التي كانت العرب الجاهليّة تعظّمها ـ واستباحوا مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معقل الأنصار وقبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بكبير عندهم تغيير سنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبعاد الناس ـ بالترغيب والترهيب ـ عن آل بيت رسول الله عليهم‌السلام.

ولكن الحمد لله الذي تعهّد لنا بحفظ كتابه الكريم (١) وإلاّ لكان أثراً بعد عين ، على أنّ حكام السوء تلاعبوا أيضا بمعاني الآيات ، فصار معنى

_____________________

١) ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

١٥٣

أهل البيت زوجات الرسول (١) ، وصار أولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم وقرن طاعته وطاعة رسوله بهم حكّام بني أمية المُعَربِدون وحكام بني العبّاس الفاسقون ، وصارت الثورة والقيام على أولئك القردة (٢) فتنة ونكث بيعة وو .. وهل يريد أولئك الحكام أكثر من ذلك ؟ فليصلّ المسلمون حتّى تنفلق جباههم ، وليحجّوا حتّى تتورّم أقدامهم مادام مُلْكُ أولئك محفوظا بأحاديث وضعها لهم من يسيل لعابه من الدرهم والدينار ، هذا بالرغم من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذّر من كثرة الوضّاعين من بعده.

وفهمت ولله الحمد لماذا يُصرّ البعض على عدالة جميع الصحابة جميعا ، ولماذا يعتبرونهم خطّاً أحمر لا يجوز تعدّيه ، ولماذا يأمروننا بالسكوت عمّا شجر بينهم.

فهل هذا إلاّ فعل معاوية [ الصحابي ] ومن جاء بعده ؟ وكيف لا يفعل ذلك وهو الذي فعل ما فعل وشق عصى المسلمين. أتريدون أن يكتب التاريخ عنه أنه غاصب ، وأنه لا يصلح للخلافة ولا تصلح له (٣) ؟!

أتريدون أن تتحدّث الأجيال من بعده عن فضائحه وقتله خيار الصحابة كعمّار (٤) والحسن بن عليّ وحجر بن عديّ ومحمد بن أبي

_____________________

١) كما كان ينادي بذلك عكرمة الخارجي في الأسواق [ أنظر ترجمة عكرمة المنحرف هذا في كتب الرجال ].

٢) لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى في رؤيا له أن بني الحكم بن أمية ينزون على منبره على شكل قردة. [ المستدرك ٤ / ٤٨٠ ].

٣) أنظر قول عمر في الطلقاء وأنّ الخلافة لا تصلح لهم في [ طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤٢ ].

٤) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عمـّار تقتله الفئة الباغية » [ صحيح البخاري ٤ / ٢٥ ، مسند أحمد ٢ / ١٦١ ].

١٥٤

بكر وغيرهم ؟!

فما الحلّ إذن ؟ الحلّ هو وضع أحاديث مكذوبة في عدالة جميع الصحابة حتّى أولئك الذين رأوا رسول الله مرّة واحدة. والحلّ في وضع أحاديث مكذوبة تتوعّد من يفتح « ملفّ » الصحابة حتّى لا تنكشف عورة الكثير منهم. هذا هو الحلّ كما رآه معاوية الطليق ابن الطليق.

وعرفت فيما بعد لماذا يكون لمعاوية ولهند ولأبي سفيان وغيرهم فضائل. هل تريدون أن يسمح معاوية ـ وهو الحاكم الأول للمسلمين في عصره ـ أن يَذكر المسلمون فضائح والده وأمه ؟! فلماذا يكون خليفة إذَا لم يَمْحِ تلك المثالب ويُبدلها بفضائل تسير بها الركبان ؟!

وعرفت لماذا جعلوا من أبي طالب عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووالد أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عدوّ معاوية الأوّل ـ في النار !!

إنهم بحثوا في تاريخ عليّ عليه‌السلام فما وجدوا فيه أي هنّة ولا أي نقطة سوداء ، فجعلوا والده في ضحضاح من نار ، وأبا سفيان مسلما حسن إسلامه كما حسن إسلام هند البتول !!

وعرفتُ لماذا نكّل يزيد بالمدينة وقتل الأنصار (١) في وقعة الحرّة الشهيرة. أليس الأنصار هم الذين فتكوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآبائه وأجداده وأخواله في معركة بدر ؟! ألم يقم الإسلام بالأنصار ؟!

وهكذا مسألة عاشوراء حيث يُقتل سيّد شباب أهل الجنة الحسين

_____________________

١) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحبّ الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله » [ سنن ابن ماجه ١ / ٥٧ فضائل الأنصار ، مسند أحمد ٢ / ٥٠١ ].

١٥٥

ابن عليّ على يد جيش يزيد كما حورب أبوه عليّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بواسطة معاوية وكما حورب جدّه رسول الله من طرف جدّ يزيد أبي سفيان.

وهل ينسى يزيد ثاراته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! هيهات إنّه رضع حليب الحقد والحسد من جدّته هند آكلة الأكباد التي لاكت كبد حمزة سيّد الشهداء في أحد. وهل تابت وتاب الطلقاء فيما بعد ؟! التّاريخ وأفعالهم تنفي ذلك.

وقد واليتُ بفضل الله ومنّه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١) وأبناءه المعصومين حتّى أكون بريء الذمة مع الله ورسوله. أليس الله يقول بلغة الحصر : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٢).

وانظر إلى التفاسير رغم التعتيم والحذف والزيادة والتمويه قالت : إنّ المقصود بالآية هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وهل لغير عليّ ما له من الفضائل ؟! وحتّى على افتراض أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوص لأحد من بعده ، فكان لابدّ أن يكون عليّ هو الخليفة لسبقه إلى الإسلام (٣) ولطهارته منذ مولده إلى شهادته ولجهاده حتّى قالت العرب « لا إله إلاّ الله » ، في حين فرّ فلان وفلان وكانت سيوفهم نظيفة لم

_____________________

١) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ عليّاً مني وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي [ أنظر : سنن الترمذي ٥ / ٦٣٢ مناقب عليّ ].

٢) سورة المائدة : ٥٥ ـ ٥٦.

٣) قال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : « صلّيت قبل الناس سبعَ سنين » [ ابن ماجه ١ / ٤٤ فضائل علي ].

١٥٦

يخدشوا بها أي مشرك حتّى الضعيف فضلا عن القوي (١).

ويقول الله تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) (٢) وهل أحد أعلم من عليّ ؟! عليّ الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » (٣). وما معنى تشبيهه عليه‌السلام بالباب ؟! أليس عليّ هو الذي نزل فيه وفي فاطمة والحسن والحسين قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٤) ألم ينزل فيهم قوله تعالى ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) (٥).

ألم يقل لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض » (٦) ، فمن هم أهل البيت ؟! هل هم عائشة وحفصة اللّتان نزلت سورة كاملة تتوعّدهما بالطلاق والنّار (٧) ؟! أم هم باعتراف كبار الصحابة وأمهات المؤمنين بأنهم أصحاب الكساء الخمسة (٨).

_____________________

١) عن كتاب « ابن تيمية ـ حياته عقائده » ص ٣٢٠ لصائب عبد الحميد.

٢) سورة الزمر : ٩.

٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٦ كتاب معرفة الصحابة.

٤) سورة آل عمران : ٦١.

٥) سورة الإنسان : ٨.

٦) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ٣ / ١٤٨ كتاب معرفة الصحابة.

٧) هي سورة التحريم.

٨) كاعتراف سعد بن أبي وقاص أمام معاوية بذلك ، أنظر : صحيح مسلم ٤ / ١٨٧١ فضائل الصحابة.

١٥٧

ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش » (١) ، فمن هم هؤلاء الخلفاء ؟! هل نجعل معاوية منهم ؟ هل نجعل يزيدا منهم ؟ هل نجعل ملوك بني أمية وملوك بني العباس منهم ؟! إذا لا يستقيم العدد.

لماذا لا يعترف العلماء والشراح بأنّ هؤلاء هم الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ؟! هل نكاية في الشيعة يضربون بأقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قبل ذلك بآيات القرآن عرض الحائط ؟!

ثم بعد المطالعة وجدتُ أنّ المحرّفين لم يكتفوا بإخفاء فضائل عليّ وأبناءه ، بل جعلوا في غيرهم فضائل تضحك الثكلى من تهاويها ووهنها (٢).

ووجدت أنّ الشيعة تُتهم بتهم عجيبة منها سبّ الصحابة ، والأعجب من ذلك أنّ الصحابة هم أوّل من سبّ بعضهم بعضا (٣) ، في حياة رسول الله وبعد وفاته !

وتُتهم الشيعة بالقول بالمتعة وأكابر الصحابة كابن عبّاس وجابر وابن حصين أكدوا حلّيتها بأحاديث في صحاح السنّة !!

وغير ذلك من التهم الواهية التي كثر حولها الصخب والتهريج.

_____________________

١) صحيح مسلم ج٣ كتاب الإمارة.

٢) مثل : « أنا مدينة العلم وعلي بابها وأبو بكر جدرانها وعمر سقفها ومعاوية حلقتها » ، أو : « أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة » ليقابلوا الحديث الصحيح : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ».

٣) أنظر : صحيح مسلم ٤ / ١٨٧١.

١٥٨

لهذا كلّه عرفت أنّ مذهب الشيعة رغم ما يقال وما يتهم به مذهب متين ، صاف لا يخالف لا العقل ولا النقل.

ثم عرفت مدى سفاهة رأي من يقول إنّه لا يجوز لنا الخوض في أحقية المذاهب لأننا لسنا علماء. وعلى هذا الرأي فغير المسلم يحق له التمسّك بدينه حتّى يصبح عالما بالتوراة والإنجيل وغيرهما. ويصبح دين الله دينا نخبويّا بحتا ، ويصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبعوثا للعلماء دون العوام ؟!

وبعد البحث رأيت أنّ الجدال سهل بسيط لمن يريد أن يُنكر الحقائق ، ولكن هلمّوا إلى كتاب الله المنزل لنكتفي به حجّة ودليلا ونترك ما سواه من كتب الفريقين.

إنّ كلّ عقائد الشيعة موثقة بالقرآن (١).

وهكذا رأيت أنّ الشيعة على حقّ ، ولو كانوا بعيدين عنه فغيرهم أبعد. ولو كان غيرهم قريب من الحق فهم أقرب. ولو كان غيرهم على الحق ـ وهو محال إذ أنّ الحق لا يتجزّأ ، وهل بعد الحق إلاّ الضلال ـ فهم

_____________________

١) أنظر : سورة المائدة الآية [ ٥٥ ] حول ولاية علي عليه‌السلام.

وفي موضوع الصحابة : سورة الحجرات [ آية ٥ ، ٦ ] سورة التوبة [ ٢٥ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٧٥ ـ ٧٧ ] سورة الأحزاب [ ١٢ ، ٥٣ ] سورة آل عمران [ ١٢١ ، ١٥٢ ، ١٥٥ ] سورة الجمعة [ ١١ ] سورة التحريم [ ٤ ـ ٥ ] سورة النور [ ١١ ] سورة الأنفال [ ٦٧ ـ ٦٩ ] سورة الأنعام [ ٩٣ ].

وفي موضوع التقية : سورة آل عمران [ ٢٨ ] سورة غافر [ ٢٨ ] سورة النحل [ ١٠٦ ].

وفي مسألة المتعة : سورة النساء [ ٢٤ ].

وفي مسألة أفضلية أهل البيت عليهم‌السلام : سورة الأحزاب [ ٣٣ ] سورة آل عمران [ ٦١ ] سورة الإنسان [ ٨ ].

١٥٩

أحقّ. وكلّ هذا بالأدلة وليس بالأماني والخيال.

وإنّي ولله الحمد قد توفّرت لي الفرصة للإطلاع على مذهب الشيعة ولكن غيري لم تتوفر له هذه الفرصة. وأنا أقول له أعرف مذهب الشيعة من كتبهم وعلمائهم لا بما يقوله الفاسقون (١) المغرضون.

والحمد لله الذي عرّفني وله الفضل أوّلا وآخرا بالمذهب الحق من بين المذاهب العديدة والتي قال رسول الله إنها ستصل من بعده إلى ثلاث وسبعين (٢) ، وقد وجدت الشيعة بريئين ممّا رُميوا به عبر التاريخ ، وقد تعرّفت على علمائهم فيما بعد ورأيت بلادهم فلم أر إلاّ خيرا. والعجب أن كثيرا ممّن يدعي العلم يصدّ عن سبيل الله فيمنع أتباعه ومريديه ويفتي بحُرمة قراءة كتب الشيعة ويأمر بحرقها إن وجدت. أليس هذا صدّ عن سبيل الله ؟! فإذا كانت الشيعة ضلاّلا وأهل باطل ، فهلاّ قرأتم كتبهم ورددتم عليها بالدليل والبرهان لا بالسبّ والشتم ، وإذا كانت صحيحة فما بالكم ... ؟!

سبحان الله ، هل يريد هؤلاء أن ينشروا دين الله في كلّ الدنيا وهم يخافون من كتاب ؟! كيف يقنعوا غير المسلم بالإسلام إذن ؟! وكيف يردّون على شبهات عويصة تعصف بشباب المسلمين وتفتك بأصل الدين من الأساس ؟!

هذا وقد رأيت أنّ الشيعة رغم ما يلاقونه ولا قوة يمدّون أيديهم إلى

_____________________

١) ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمَاً بِجَهَالَة ... ) [ سورة الحجرات : ٦ ].

٢) أنظر سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٢١ كتاب الفتن ومسند أحمد ٢ / ٣٣٢.

١٦٠