الشيعة الجذور والبذور

محمود جابر

الشيعة الجذور والبذور

المؤلف:

محمود جابر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-46-1
الصفحات: ١٧٩
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ورسولنا صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل لقاتله جعل عظيم ، فهل نعدّ هذا الرجل من يهود هذه الأمّة (كما يحلوا للبعض أن يسمّيهم) ، وإن كان يهود الأمّة هذا فعلهم ، فما هو فعل خُلَّص المؤمنين ؟!

والقارىء المنصف الذي يقرأ الأحاديث الواردة في العترة كحديث الغدير ، وغيره الكثير في مصنّفات أهل العلم ، يعلم ـ على اختلاف مذهبه ـ أنّ الشيعة لم تتجمع حول قواعد بدعية ، ولكنّها تستند إلى أصول أصيلة في الدين ، والذين عايشوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علموا مكانة عليّ منه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعظم قدره عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى تشيّعوا له وناصروه ، وكانوا نواة الشيعة هم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذا ما علمنا مكانة أصحاب النبي في التشريع الإسلامي ، وأنّهم حملة هذا الدين إلى الناس ، وأنّ الله تعالى منّ على أناس بصحبة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك يتحقق لنا صحة أصل التشيع من الدين.

٦١

الفصل الثاني

تعريف الشيعة

التشيع لغةً : هو المشايعة ، أي : المتابعة والموالاة (١).

والشيعة بالمعنى اللغوي هم الأتباع والأنصار ، وقد غلب هذا الاسم على أتباع علي بن أبي طالب ، حتّى اختص بهم ، وأصبح إذا أطلق ينصرف إليهم.

واصطلاحاً : هو الاعتقاد بآراء وأفكار معيّنة. وقد اختلف الباحثون في هذه الأفكار والآراء كثرة وقلة.

وقد ورد لفظ الشيعة في القرآن في تسعة مواضع بلفظ « شيعة » ، ولفظ « شيع » ، و لفظ « أشياع » ، أمّا بلفظ « شيعة » : فقال تعالى ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (٢) ، وفي قوله تعالى ( هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ) (٣) ، وقوله تعالى ( ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ) (٤).

وأمّا بلفظ « شيع » ففي قوله تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ ) (٥) ، وفي قوله تعالى ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ) (٦) ، وفي قوله

_______________

(١) صحاح الجوهري ، الجزء الثالث ص١٥٦ ، تاج العروس ولسان العرب مادة (شيع).

(٢) الصافات : ٨٣.

(٣) القصص : ١٥.

(٤) مريم : ٦٩.

(٥) الحجر : ١٠.

(٦) الأنعام : ٦٥.

٦٢

تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) (١) ، وفي قوله تعالى ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ) (٢).

وأمّا بلفظ « أشياع ».

قوله تعالى ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) (٣) ، وفي قوله تعالى ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ) (٤) ، وفي حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال « إنّ هذا (علي) وشيعته لهم الفائزون » (٥). وقول الإمام علي عليه‌السلام في واقعة صفين (قتلوا شيعتي وعمّالي) (٦).

_______________

(١) الأنعام : ١٥٩.

(٢) القصص : ٤.

(٣) القمر : ٥١.

(٤) سبأ : ٥٤.

(٥) السيوطي : الدرّ المنثور ، قوله تعالى ( أولئك خير البرية ) قال المصنف : أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي ، فقال النبي : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ج ١٢ : ٣٧٩ ، وقد حدّثنا ابن حميد قال : ثنا عيسى بن فرقد عن أبي الجارود عن محمّد بن علي ( أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) فقال النبي : أنت يا علي وشيعتك. ج ١٢ : ١٧١ ، جامع البيان في تفسير القرآن : الطبري. وعن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده ، فذكر الحديث السابق ، فنزلت ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) فكان أصحاب محمّد إذا أقبل قالوا : قد جاء خير البرية ، أخرجه ابن عساكر ، فتح البيان في مقاصد القرآن ـ القنوجي البخاري ١٥ : ٣٧٧.

(٦) نصر بن مزاحم ، وقعة صفين ، ص ١٦٢.

٦٣

وانطلاقاً من كون التشيّع اعتقاداً بآراء معيّنة ذهب الباحثون تبعاً لذلك إلى تعريفه على اختلاف بينهم في مدى سعة هذه التعاريف وضيقها ، وإليك نماذج من تعريفاتهم :

١ ـ الشهيد الثاني في كتابه الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية قال : الشيعة من تابع علياً ، أي : اتّبعه وقدّمه على غيره في الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة ، فيدخل فيهم الإمامية ، والجارودية من الزيدية ، والإسماعيلية غير الملاحدة منهم ، والواقفية والقطعية (١).

٢ ـ الشيخ المفيد في كتاب الموسوعة كما نقله عن المؤلف قال : الشيعة هم من شايع علياً وقدّمه على أصحاب الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، واعتقد أنّ الإمام بوصية من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بإرادة من الله تعالى نصاً كما يرى الإمامية أو صفة كما يرى الجارودية (٢).

٣ ـ النوبختي في كتابه فرق الشيعة قال : الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمّون بشيعة علي في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ، معروفون بانقطاعهم إليه ، والقول بإمامته ، منهم : المقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، وأبو جندب بن جنادة الغفاري ، وعمار بن ياسر ، وغيرهم ممن وافقت مودّته مودّة علي عليه‌السلام وهم أوّل من تشيّع من هذه الأمّة ; لانّ التشيّع قديم (٣).

_______________

(١) الشهيد الثاني ، شرح اللمعة ، ٢ / ٢٨٨.

(٢) جعفر الخليلي مدخل موسوعة العتبات المقدسة ، ص ٩١.

(٣) النوبختي ، فرق الشيعة ، ص ٢٨.

٦٤

٤ ـ يقول أبو حاتم الرازي : إنّ الشيعة لقب قوم كانوا قد ألفوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حياة الرسول وعرفوا به مثل سلمان وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر ، وقد كانوا يقال لهم شيعة علي وأصحاب علي إلى أن آن أوان صفين ، فاشتهر بين موالي علي (١).

٥ ـ الشهرستاني في الملل والنحل قال : الشيعة هم الذين شايعوا علياً ، وقالوا بإمامته وخلافته إمّا نصاً جلياً ، وإمّا خفياً ، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده (٢).

٦ ـ محمّد فريد وجدي قال : الشيعة هم الذين شايعوا علياً في إمامته ، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج عن أولاده ، ويقولون بعصمة الأئمة من الصغائر والكبائر ، والقول بالتولّي ، والتبري قولا وفعلا إلّا في حال التقية إذا خافوا بطش ظالم ، وهم خمس فرق : كيسانية ـ زيدية ـ إمامية ـ إسماعيلية وغلاة (٣).

٧ ـ ابن الأثير في مادة (شيع) : وأصل الشيعة الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى

_______________

(١) كتاب الزينة ، مخطوط ، وأبو حاتم من أعلام القرن الرابع وتوفي ٣٢٢ هـ.

(٢) الشهرستاني ، الملل والنحل ، ص ١٠٧.

(٣) فريد وجدي ، دائرة المعارف ، ٥ / ٤٢٤.

٦٥

واحد وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنّه يتولّى علياً رضي‌الله‌عنه وأهل بيته ، حتّى صار لهم اسماً خاصاً ، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف أنّه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا ، أي : عندهم. وتُجمع الشيعة على شيع ، وأصلها من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة (١).

٨ ـ أحمد أمين في فجر الإسلام قال : إن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام ، ولكن بمعنى ساذج ، وهو أنّ علياً أولى من غيره من وجهتين : كفايته الشخصية ، وقرابته للنبي (٢).

وممّا سبق يتّضح أنّ نظر الباحثين على اختلاف مذاهبهم ، هو أنّ الأساس في تعريف الشيعة هو تقديم علي بن أبي طالب على غيره من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سواء كان لوجود نص أو صفات اختص بها ولم تتوفر في غيره ، وهنا يظهر بوضوح أنّ الإمامة في مذاهب الشيعة ليست بالانتخاب ، ولكن بالتعيين أو الوصية من إمام لآخر ، من ولد علي خاصّة ، وأنّها وليدة النصوص ، وبذلك فهي امتداد للنبوّة.

وبهذا المنطق نقول : إنّ التشيع في بداياته ونهاياته واحد ، وأنّ التطوّر الحاصل فيه ، ما هو إلّا تبرعم أفكار مستنبطة من الأُصول ، وثمرة البحث في الحجج والأفكار.

ولكن إذا كان هذا النبت غير طبيعي ، وقد اختلط بتعاليم غير إسلامية

_______________

(١) ابن الأثير ، النهاية ، ٢ / ٥٢٠.

(٢) أحمد أمين ، فجر الإسلام ، ص ٤٣٩.

٦٦

كما يزعم البعض ، فلابد أن نطرح سؤالا ونقول : متى بدأ التشيع ؟

ولكن قبل الإجابة على السؤال نقول : إنّ الشيعة ذهبت إلى أن آيات من القرآن تدل على صدق ما ذهبوا إليه من أنّ علياً عليه‌السلام هو الوصي والإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

لقوله تعالى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) وسمّيت هذه الآية بآية الولاية.

وقد ذهبوا إلى أنّه إمام المسلمين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ; لأنّ لفظ إنّما يفيد الحصر ، و (وليكم) يفيد من هو أولى بتدبير الأمور فيجب طاعته ، وهي نزلت في علي عليه‌السلام بلا خلاف.

وآية المباهلة ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) وقد ورد بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باهل بأهل بيته عليهم‌السلام وهم الحسن والحسين وفاطمة وعلي ابن أبي طالب ، وهم أحق بالخلافة من غيرهم من الذين سبقوا الإمام علي عليه‌السلام. وقول الله تعالى ( أَنفُسَنَا ) المراد به هو الإمام علي الذي هو كنفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كان كذلك فمن يسبقه ؟!

وقد ذكر الطبري روايات عدّة تؤيّد ما ذهب إليه الشيعة في آية

_______________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) آل عمران : ٦١.

٦٧

الولاية ، منها : رواية عن إسماعيل بن إسرائيل قال : ثنا أيوب بن سويد قال : ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) (١) قال : علي بن أبي طالب.

وذكر في الرواية الثانية : أنّ الحارث قال : ثنا عبد العزيز قال : ثنا غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهداً يقول في قوله تعالى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ) : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع ، وجاء بمثل هذه الروايات ابن كثير والزمخشري وغيرهما.

متى بدأ التشيع :

للرجوع إلى أصل التشيع وبذرته التاريخية ، وما هي أرضيته وعوامل تكوينه ، وهل هي عملية عاطفية أم عقلائية انتهى إليها معتنقوها بمعاناة وتقييم واعيين ؟

ولمّا كان هذا الأمر ممّا يُختلف فيه تبعاً لاستنتاج الباحثين وانتماءاتهم ، وما يترجّح لديهم من مرجّحات فلا بدّ من تقديم نماذج من آراء الباحثين في هذا الموضوع ، وسأعرض بعض هذه النماذج ومناقشتها :

ذهب البعض إلى أنّ التشيع نشأ بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم : ابن خلدون في تاريخه قال : إنّ الشيعة ظهرت لمّا توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر ، وأنّ الخلافة لرجالهم دون سواهم

_______________

(١) المائدة : ٥٥.

٦٨

من قريش ، وكان جماعة من الصحابة يتشيّعون لعلي ، ويرون استحقاقه على غيره ، ولمّا عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك (١) :

أحمد أمين قال : وكانت البذرة الأولى للشيعة ، الجماعة الذين رأوا بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه (٢).

حسن إبراهيم قال : ولا غرو فقد اختلف المسلمون إثر وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن يولّونه الخلافة ، وانتهى الأمر بتولية أبي بكر ، وأدّى ذلك إلى انقسام الأمّة العربية إلى فريقين جماعية وشيعية (٣).

اليعقوبي قال : ويعد جماعة من المتخلّفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيّع ، ومن أشهرهم سلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، والعباس بن عبد المطلب (٤).

وإنّ ما عليه جمهور الباحثين والمؤرّخين الذين ذهبوا إلى أنّ التشيّع ظهر بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخاصّة يوم السقيفة ، فإنّ هذا يعدّ دليلاً على وجوده في حياة النبي ; لأنّه من غير المعقول أن يتبلور هذا الفكر في يومين من وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى السقيفة ، ويتّخذه الناس مذهباً لهم بميزته وخواصّه الفكرية ، ولهذا ذهب باحثون آخرون إلى تخطئة من يؤرّخ للشيعة في عصور متأخرة مع أنّ الأحداث التاريخية شديدة

_______________

(١) تاريخ ابن خلدون ، ٣ / ٣٦٤.

(٢) أحمد أمين ، فجر الإسلام ، ص ٤٣٩.

(٣) دكتور حسن إبراهيم ، تاريخ الإسلام السياسي ، ١ / ٣٧١.

(٤) أحمد بن أبي يعقوب ، تاريخ اليعقوبي ، ٢ / ١٠٤.

٦٩

الدلالة على وجود التشيّع لعلي في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي هذا يقول الطبري : تعليقاً على قوله تعالى ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) ودعاهم إلى إتّباعه فلم يجب إلّا علي بن أبي طالب ، فأخذ النبي برقبته وقال : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا (٢).

ومن الخطأ أيضاً أن يقال : إنّ الشيعة إنّما ظهروا لأوّل مرّة عند انشقاق الخوارج ، بل كان بدء التشيّع وظهوره في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أمره ربّه بإنذار عشيرته (٣).

وذهب الشيعة وغيرهم من المحققين إلى أنّ التشيّع ولد أيام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الذي غرسه في نفوس أصحابه عن طريق الأحاديث التي جاءت عن النبي في حق عليّ ومكانته ، وهذا ما رواه أهل العلم من سنّة وشيعة ، فقد روى السيوطي عن ابن عساكر عند تفسيره الآيتين السادسة والسابعة من سورة البيّنة بسنده وعن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، فنزل قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٤) وأخرج ابن عدي عن ابن

_______________

(١) الشعراء : ٢١٤.

(٢) محمّد بن جرير الطبري ، تاريخ الطبري ، ٦ / ٢١٦ ، وابن الأثير ، النهاية ٢ / ٢٨.

(٣) يحيى فرغل ، عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ١ / ١٠٥.

(٤) البينة : ٧.

٧٠

عباس قال : لمّا نزلت ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : هم أنت وشيعتك.

وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألم تسمع قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) : هم أنت وشيعتك ، وموعدي ، وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غراً محّجلين (١).

وذهب أبو حاتم الرازي إلى أنّ أوّل اسم في الإسلام ظهر هو الشيعة ، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة ، وهم : أبو ذر ، وعمار بن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ولمّا آن أوان صفين اشتهر موالي علي بهذا اللقب (٢).

وعندما نزل قوله تعالى ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٤) قال الطبري : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا علياً ، وأمره أن يصنع طعاماً ، ويدعوا آل عبد المطلب ، وعددهم يومئذ أربعون رجلاً ، وبعد أن أكلوا وشربوا من لبن أعد لهم قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : يابني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر

_______________

(١) السيوطي ، الدرّ المنثور ٦ / ٣٧٦. ـ جامع البيان للطبري ١٢ / ١٧١ ـ القنوجي البخاري ، فتح البيان في مقاصد القرآن ، ١٥ / ٣٣٧.

(٢) الخونساري ، روضات الجنّات ، ص ٨٨.

(٣) الشعراء : ٢١٤.

٧١

على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فأحجم القوم عنها جميعاً ، يقول علي : وقلت وإنّي لأحدثهم سناً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (١).

وكذا أورد ابن كثير في تفسيره روايات عديدة في تفسير هذه الآية ، فيها طلب العون من رجال بنى هاشم ، حتّى قام إليه علي بن أبي طالب (٢).

وأورد الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة من حديث عبد الله بن نوفل في تفسير الآية بنحو ما سبق.

هذا ما جاء في أكثر كتب أهل العلم وأسفارهم في تفسير هذه الآية ، وثبوت نزولها في علي بن أبي طالب ، وكلّها دليل على ما سبق.

وموقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم ، وذلك عند نزول الآية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٣) (٤) وعند ذلك

_______________

(١) محمّد بن جرير الطبري ، تاريخ الطبري ، ٢ / ٢١٦.

(٢) الحافظ ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، ٣ / ٣٦٢ ، ٢٦٣.

(٣) المائدة : ٦٧.

(٤) وقد أشار المحدّثون والمفسّرون إلى نزول هذه الآية يوم الغدير ، انظر

٧٢

أوقف صلى‌الله‌عليه‌وآله الركب ، وصنعوا له منبراً من أحداج الإبل ، خطب عليه خطبته ، وأخذ بيد علي وقال : (من كنت مولاه ، فهذا عليّ مولاه اللّهم وال من والاه ، وعاد من عداه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله).

وقد ذكر الرازي في سبب نزول الآية عشرة وجوه ، منها : أنّها نزلت في علي ، ثمّ عقب بعد ذلك بقوله : وهو قول ابن عباس ، والبراء بن عازب ، ومحمّد بن علي (الباقر) (١).

ومن المعلوم أنّ حديث الغدير أخرجه جماعة من حفاظ أهل السنة ، وليس كما يدّعيه البعض من أنّ هذه الروايات غير صحيحة (٢) ، فقد رواه ابن حجر في صواعقه عن ثلاثين صحابيا ، ونص على أنّ طرقه صحيحة ، بعضها حسن (٣).

وأورده ابن حمزة الحنفي مخرجاً له عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : إنّ أسامة بن زيد قال لعلي : لست مولاي ، وإنّما مولاي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كأنّي قد دعيت فأجبت إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، إن الله

_______________

السيوطي ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ ، الشوكاني ، فتح القدير ٢ / ٥٧ ، القندوزي ، ينايع المودّة ص ١٢٠ ، المنار ٦ / ٤٦٣.

(١) الرازي ، مفاتيح الغيب ، ٣ / ٤٣١.

(٢) نقل حديث الغدير ورواه (١١٠) من الصحابة ، (٨٩) من التابعين ، (٣٥٠٠) من العلماء والمحدّثين ، انظر كتاب الغدير للعلامة الأميني.

(٣) ابن حجر الهيتمي ، الصواعق المحرقة ، الباب الثاني ، الفصل التاسع.

٧٣

مولاي وأنا مولى كل مؤمن ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه (١).

رجال الشيعة الأوائل :

وقد أوردت كتب التراجم والرجال عدداً كبيراً من روّاد التشيّع الأوائل منهم :

جندب بن جنادة (أبو ذر الغفاري) ، عمار بن ياسر ، سلمان الفارسي ، المقداد بن ثعلبة الكندي ، حذيفة بن اليمان (صاحب سرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، خزيمة بن ثابت الأنصاري (ذو الشهادتين) ، الخباب بن الأرت الخزاعى (أحد المعذّبين في الله) ، سعد بن مالك (أبو سعيد الخدري) ، أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري ، قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، أنس بن الحرث بن منبه (أحد شهداء كربلاء) ، أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد (بدري) ، جابر بن عبد الله الأنصاري ، هاشم بن أبي وقاص ، محمّد بن أبي بكر ، مالك بن الحرث (مالك الأشتر) ، مالك ابن نويرة (ردف الملوك الذي قتله خالد بن الوليد) ، البراء بن عازب الأنصاري ، أُبي بن كعب (سيّد القراء) ، عبادة بن الصامت ، عبد الله بن مسعود (صاحب وضوء النبي وأحد سادات القراء) ، أبو الأسود الدؤلي ، ظالم بن عمير (واضع أُسس النحو بأمر الإمام علي) ، خالد بن سعيد بن

_______________

(١) إبراهيم بن محمّد الحنفي ، البيان والتعريف ، ٢ / ١٣٦.

٧٤

أبي عامر بن أمية بن عبد الشمس (خامس من أسلم) ، أسيد بن ثعلبة الأنصاري (بدري) ، الأسود بن عيسى بن وهب (بدري) ، الحارث بن النعمان بن أمية الأنصاري (بدري) ، رافع بن خديج الأنصاري (ممن شهد أُحداً ولم يبلغ وأجازه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، كعب بن عمير بن عبادة الأنصاري (بدري) ، سماك بن خرشة أبو دجانة الأنصاري (بدري) ، سهيل بن عمرو الأنصاري (بدري) ، عتيك بن التيهان (بدري) ، ثابت بن حطيم بن عدي الأنصاري (من أهل بدر) ، سهيل بن حنيف الأنصاري (بدري) ، أبو مسعود عقبة بن عمر (بدري) ، أبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهد المشاهد كلها وهاجر الهجرتين ، أبو بردة بن دينار الأنصاري (بدري) ، أبو عمر الأنصاري (بدري) ، أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري ، عقبة بن عمر بن ثعلبة الأنصاري (بدري) ، قرظة بن كعب الأنصاري ، بشير بن عبد المنذر الأنصاري (أحد نقباء بيعة العقبة) ، يزيد بن نويرة بن الحارث الأنصاري (المشهود له من النبي بالجنة مرّتين) ، ثابت بن عبد الله الأنصاري ، جبلة بن عمير بن أوس الأنصاري ، حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، زيد بن أرقم الأنصاري ، أعين بن ضبيعة بن ناجية التميمي ، الأصبغ بن نباتة ، جبلة بن ثعلبة الأنصاري ، يزيد بن الأسلمي ، تميم بن خزام ، ثابت بن دينار (أبو حمزة الثمالي) ، جندب بن زهير الأزدي ، جعدة بن هبيرة المخزومي ، حارثة

٧٥

ابن قدامة التميمي ، جبير بن الجناب الأنصاري ، حبيب بن مظاهر الأسدي ، حكيم بن جبلة العبدي الليثي ، خالد بن أبى دجانة الأنصاري ، زيد بن صوحان الليثي ، الحجاج بن غاربة الأنصاري ، زيد بن شرحبيل الأنصاري ، بديل بن ورقاء الخزاعي ، أبو عثمان الأنصاري ، ثعلبة أبو عمرة الأنصاري ، أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ، سعد بن الحارث بن الصمد الأنصاري ، زيد بن جبلة التميمي ، مسعود بن مالك الأسدي ، عبد الله بن حزام الأنصاري ، سعد بن منصور الثقفي ، الحارث بن عمر الأنصاري ، سليمان بن صرد الخزاعي ، شرحبيل بن مرة الهمداني ، شبيب بن رت النميري ، سهل بن عمر ، حرملة بن المنذر الطائي أبو زبيد ، سهيل بن عمر ، عبد الرحمن الخزاعي ، أويس القرني الأنصاري ، عبد الله بن سليم العبدري ، عبيد بن التيهان الأنصاري (أوّل من بايع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة) ، أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس من أمراء السرايا أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه جملة ممّن بايعوا علياً ، وجاء ذكرهم في كتب الرجال المتعددة (١).

يقول الذهبي في تاريخ الإسلام : عامر بن واثلة بن عمرو الليثي الكناني ( أبو الطفيل ) آخر من رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدنيا بالإجماع ، وكان من شيعة علي ، وقد لقاه معاوية بالشام ، فقال له : كيف حبّك لعلي ؟ قال :

_______________

(١) الكامل للمبرد ، رغبة الأمل ج ٧ ، ص ١٣٠ ، أسد الغابة ج ١ ، ص ٣٥ ، فجر الإسلام ص ٢٢٧ ، الاستيعاب لابن عبد البر ج ١ ، ص ٢٨٠.

٧٦

حب أم موسى لموسى ، وإلى الله أشكو التقصير (١) ، ثمّ أنشد :

فإن تكن العداوة قد أكنت

فشر عداوة المرء السباب (٢)

وفي الاستيعاب في ترجمة أبي الطفيل : روى نحو أربعة أحاديث ، وكان محبّاً لعلي ، وكان من أصحابه في مشاهده ، وكان ثقة مأموناً (٣).

ونحب أن نقول : أنّنا خلال المراجعات الكثيرة لكتب التاريخ لم نر من هؤلاء من عمد إلى شتم أو تجريح أحد من الصحابة ـ في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتّى نهاية خلافة الخلفاء ـ حتّى في أشد جمحات عاطفة الولاء. نعم ، من قيّم الخلفاء.

بل حتّى في عهود الأمويين كان معظم الشيعة يتورعون عن شتم أحد من الصحابة ، يقول ابن خلكان في ترجمة يحيى بن يعمر : كان شيعياً من القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم (٤).

يقول أبو الأسود الدؤلى :

أحب محمّداً حباً شديداً

وعباساً وحمزة والوصيا

يقول الأرذلون بنو قشير

طوال الدهر ما تنسى عليا

أحبهم لحب الله حتّى

أجىء إذا بعثت على هويا

بنو عم النبي وأقربوه

أحب الناس كلهم إليا

_______________

(١) الذهبي ، تاريخ الإسلام ، ٣ / ٢٠٧.

(٢) ابن عبد البر ، الاستيعاب ، ١ / ٢٨٠.

(٣) ابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ، ٢ / ١٩٣.

(٤) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ٢٦٩.

٧٧

فإن يك حبهم رشداً أصبت

ولست بمخطىء إن كان غيا

بين الشيعة والرافضة :

نود في البداية أن نقول : هل الشيعة هم الرافضة ؟

وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نبدأ أولاً في البحث عن معنى الكلمة ، وبداية هذه التسمية ، ومن أين أتت ؟

١ ـ تاج العروس : الروافض كل جند تركوا قائدهم ، والرافضة فرقة منهم ، والرافضة أيضاً فرقة من الشيعة. قال الأصمعي : سمّوا بذلك ; لأنّهم بايعوا زيد بن علي ، ثمّ قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى قال : لا كانا وزيري جدي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه (١).

٢ ـ الصحاح : مادة (رفض) ذكر نفس مضمون الزبيدي (٢) ؟

٣ ـ المعجم الوجيز : مادة (رفض) ذكر الشي رفضاً تركه وجانبه ورماه ، طرده فهو مرفوض رفيض ، الرافضة فرقة من الشيعة تجيز الطعن في الصحابة ، سمّوا بذلك ; لأنّهم رفضوا نصح زيد بن علي حين نهاهم عن الطعن في الشيخين أبي بكر وعمر ، وجمعها (روافض) (٣) ؟

٤ ـ مقالات الإسلاميين : وإنّما سمّوا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر ، وهم مجمعون على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نص على خلافة علي بن أبي

_______________

(١) محمّد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس ، ٥ / ٣٤.

(٢) صحاح الجواهري ، ٣ / ١٠٧٨ تسلسل عام الكتاب.

(٣) المعجم الوجيز ، مجمع اللغة العربية مصر ، ص ٢٧١.

٧٨

طالب باسمه ، وأظهر ذلك وأعلنه ، وأنّ أكثر الصحابة ضلّوا بتركهم الاقتداء به بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الإمامة لا تكون إلّا بنص (١).

٥ ـ الفتاوى : وهذا هو أصل مذهب الرافضة ، فإنّ الذي ابتدع الرفض كان يهودياً أظهر الإسلام نفاقاً ، ودسّ إلى الجهّال دسائس يقدح بها في أصول الإيمان ، ولهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة (٢).

٦ ـ الفرق بين الفرق : ثمّ افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه أربعة أصناف : زيدية ، وإمامية ، وكيسانية ، وغلاة (٣).

٧ ـ العواصم من القواصم : تحت عنوان ما أدخلته الشيعة في التاريخ الإسلامي (ملحق) بقلم : صالح بن عبد الله المحسن ، عميد كلية الدعوة وأصول الدين يقول : وبدعة الرفض هي أوّل بدعة أسست لهذا الغرض ، وأوّل مكيدة دبّرت تحت هذا الستار ، وهي الفتنة الكبرى التي دبّرت ضدّ عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ، وهو ثالث الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، فإنّ هذه الفتنة بدأت بإشاعة وتلفيق الأخبار المكذوبة أو المروية على غير وجهها الصحيح ، وذلك لتأليب الجهّال وغوغاء الناس عليه ، ممّا أدّى إلى قتله ، والذي خطط ونفّذ هذه الفتنة هو عبد الله بن سبأ اليهودي (٤).

_______________

(١) أبو الحسن الأشعري ، مقالات الإسلاميين ، ١ / ١٦.

(٢) ومن حقّنا أن نسأل من هم الجهّال ، هل أبو ذر الذي أشاعوا عنه بأنّ الذي ألبّه على معاوية وعثمان كان عبد الله بن سبأ ، فهل هذا من حسن الأدب مع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! انظر : فتاوى ابن تيمية ٤ / ٣٢٨.

(٣) عبد القاهر البغدادي ، الفرق بين الفرق ، ص ٢٠.

(٤) أبو بكر بن العربي ، العواصم من القواصم ، ص ٢١٩.

٧٩

٨ ـ مصادر مختلفة : زيد بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب (أبو محمّد) كان قد بايعه خلق في أيام هشام بن عبد الملك ، وشجّعوه على الخروج ، وحارب متولي العراق يوسف بن عمر الثقفي ، فظفر به يوسف ، فقتله وصلبه ، وبقي مصلوباً مدّة ، قال الذهبي : أربع سنوات.

وحين خرج جاءت طائفة كبيرة ، وقالوا : تبرّأ من أبي بكر وعمر ، ونحن نبايعك ونحارب معك ، فأبى ، فقالوا : إذن فنحن نرفضك ، فسمّي هؤلاء بالرافضة ، وبقي اسم (الزيدية) على من بقي معه ، وقد اختلف في عام وفاته ، فقيل : ١٢٠ ، وقيل : ١٢١ ، وقيل : ١٢٢ هــ.

وممّا سبق نقول : إنّ الرفض هو الطرد والترك ، والرافضة فرقة من الشيعة ، أي : جزء من الكل ، وهي الفرقة من الجيش التي تترك قائدها.

وأمّا التعريف الذي ساقه أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين لم يفرّق بين الشيعة (الكل) وبين الرافضة (الجزء) ، وهذا تعريف في غاية القصور. وكذلك فعل عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق.

وأمّا ابن تيمية فبعمد أراد أن يثير أكبر حملاته في الهجوم على الشيعة كفرقة ، فخلط بينها وبين السبئية ، والتي هي مترسّخة في الوعي العام للناس ، وأنّهم كفّار خارجين عن الملة ، وبذلك أراد أن يسحب هذه على تلك ، ثمّ أضاف إليهم الرفض ; لكي يشتركوا جميعاً في حكم

٨٠