شرح زيارة آل ياسين

الشيخ علي الكوراني العاملي

شرح زيارة آل ياسين

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٦

فالميثاق هو العهد الذي يعطيه الطرف ويثق به صاحب الحق ، وصاحب الحق الأكبر هو الله تعالى ، وقد أخذ الميثاق على بني آدم قبل أن يخلقهم في الأرض ، وجعله أمانة عند ملك من ملائكته ، ثم حول هذا الملك الى جوهرة وجعلها في ركن الكعبة ، فلمسها الناس فاسودَّت!

روى أحمد « ١ / ٣٠٧ » : « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضاً من الثلج ، حتى سودته خطايا أهل الشرك ».

وروينا في الكافي « ٤ / ١٨٤ » : « إن الله عز وجل حيث أخذ ميثاق بني آدم دعا الحجر من الجنة ، فأمره فالتقم الميثاق ، فهو يشهد لمن وافاه بالموافاة.

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود ، وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدم عليه‌السلام فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق ، وذلك أنه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان ، وفي ذلك المكان تراءى لهم ، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم عليه‌السلام فأول من يبايعه ذلك الطائر وهو والله جبرئيل عليه‌السلام ، وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره. وهو الحجة والدليل على القائم ، وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان ، والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل على

٨١

العباد. وأما القُبلة والإستلام فلعلة العهد .. ألا ترى أنك تقول : أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته ، لتشهد لي بالموافاة ».

كل ما نفعله هنا اخترناه في عالم الذر والميثاق

في الكافي « ١ / ٤٢٨ » عن الإمام الصاق عليه‌السلام : « في قول الله عز وجل : لايَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ، يعني في الميثاق. أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ، قال : الإقرار بالأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام وأمير المؤمنين خاصة ، قال : لاينفع إيمانهالأنها سُلبته ».

ومعنى ذلك : أن الأصل في الأعمال والجزاء ، امتحاننا في عالم الذر والميثاق ، وحتى لو آمن الإنسان في الدنيا وأقر بالأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ولم يكن آمن بهم في عالم الذر ، فلا ينفعه ذلك ، لأنه يُسلب منه قبل موته!

كل مقادير الإنسان اختارها في عالم الميثاق

في الكافي « ٥ / ٥٠٤ » : « عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام لا يرى بالعزل بأساً ، فقرأ هذه الآية : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى. فكل شئ أخذ الله منه الميثاق فهو خارج ، وإن كان على صخرة صماء ».

٨٢

وفي الكافي « ٦ / ١٢ » : « عن سلام بن المستنير قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ، فقال : المخلقة هم الذر الذين خلقهم الله في صلب آدم عليه‌السلام أخذ عليهم الميثاق ثم أجراهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وهم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق. وأما قوله : وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ، فهم كل نسمة لم يخلقهم الله في صلب آدم عليه‌السلام حين خلق الذر وأخذ عليهم الميثاق. وهم النطف من العزل ، والسقط قبل أن ينفخ فيه الروح والحياة والبقاء ».

أول من أجاب من المخلوقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

في الكافي « ١ / ٤٤١ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إن بعض قريش قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال : إني كنت أول من آمن بربي ، وأول من أجاب حين أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ، فكنت أنا أول نبي قال بلى ، فسبقتهم بالإقرار بالله ».

٨٣

وأول من أجاب من الملائكة مَلك الميثاق عليه‌السلام

كما ورد أن أول من أجاب من الملائكة كان الملك الذي حوله الله الى الحجر الأسود ، ففي الكافي « ١ / ١٨٥ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « كان ملكاً من عظماء الملائكة عند الله فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق ، كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك ، فاتخذه الله أميناً على جميع خلقه ، فألقمه الميثاق وأودعه عنده ، واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل عليهم ».

أخذ الله ميثاق النبيين على الإقرار بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله

ذكر القرآن أنواعاً من المواثيق التي أخذها الله على عباده.

منها على الأنبياء بالطاعة : وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَامَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. « آل عمران : ٨١ ».

وروت أحاديثنا كيف أخذ الله ميثاق الأنبياء عليهم‌السلام لسيد الرسل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. ففي الكافي « ٨ / ١٢١ » أن نافعاً القسيس كان مع الخليفة هشام بن عبد الملك في مكة فسأل الإمام الباقر عن المدة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين عيسى عليه‌السلام فقال له :

٨٤

« بقولكم ست مئة سنة ، وبقولنا خمس مئة. فقال : أخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه : وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. من الذي سأل محمد وكان بينه وبين عيسى خمس مائة سنة؟ قال : فتلا أبو جعفر عليه‌السلام هذه الآية : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين عليهم‌السلام ، ثم أمر جبرئيل عليه‌السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي على خير العمل ، ثم تقدم محمد فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم : على مَ تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله ، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، فقال نافع : صدقت يا أبا جعفر ».

وأخذ الله ميثاق النبيين على نصرة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجعة

ومن أعجب المواثيق أن الله تعالى أخذ ميثاق الأنبياء عليهم‌السلام على نصرة النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجعة ، التي ستكون في المستقبل!

٨٥

روى في مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان / ١٦٨ ، بسنده عن الإمامين الباقر والصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ : قال : ما بعث الله نبياً من لدن آدم فهلم جراً ، إلا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام ».

فالله يعلم كيف ستكون تلك الرجعة وكيف يكون مجتمعها ، ولكن أحاديثها العديدة تدل على أن أمرها يحتاج الى إحياء الأنبياء كلهم عليهم‌السلام ورجوعهم الى الدنيا ، وجهاد أعدائهم من جديد ، ويكون الرسول نبينا محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحامل رايته علي عليه‌السلام!

وفي مختصر بصائر الدرجات / ٣٢ ، عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من حديث :

قد نصرت محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ، ووفيت لله بما أخذ عليَّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .. وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرات ، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ، وأنا قرن من حديد ، وأنا عبد الله وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٨٦

وأخذ الله ميثاق المؤمنين على البلايا والتحمل والصمت

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع ، أيسرها عليه مؤمنٌ يقول بقوله يحسده ، أو منافقٌ يقفو أثره ، أو شيطانٌ يغويه أو كافرٌ يرى جهاده ، فما بقاء المؤمن بعد هذا » « الكافي « ٢ / ٢٤٩ ».

وفي رسائل الشهيد الثاني / ٣٣١ ، عن علي عليه‌السلام : « أخذ الله ميثاق المؤمن أن لا يصدق في مقالته ولا ينتصف له من عدوه ، وعلى أن لا يَشفى غيظَه إلا بفضيحة نفسه ، لأن كل مؤمن ملجم ، وذلك لغاية قصيرة وراحة طويلة ».

وميثاق المؤمنين على محبة بعضهم

في علل الشرائع « ١ / ٨٤ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق العباد وهم أظلة قبل الميلاد ، فما تعارف من الأرواح ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ».

وميثاق المؤمنين على محبة علي عليه‌السلام

في كتاب الغارات للثقفي « ٢ / ٥٢٠ » : « عن حبة العرني عن علي عليه‌السلام قال : إن الله أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي ، وأخذ ميثاق كل منافق على بغضي ، فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني ».

٨٧

وميثاق الخلق على الإقرار بنبينا وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله

وفي الكافي « ٢ / ٨ » عن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام قال : « إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذباً وماء مالحاً أجاجاً ، فامتزج الماءان ، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً ، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون : إلى الجنة بسلام ، وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا أبالي ، ثم قال : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. ثم أخذ الميثاق على النبيين ، فقال : ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي ، وأن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا : بلى. فثبتت لهم النبوة. وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله رسولي ، وعلي أمير المؤمنين ، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي ، وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي ، وأُعبد به طوعاً وكرهاً؟ قالوا : أقررنا يا رب وشهدنا ». فالإيمان بالمهدي عليه‌السلام من ميثاق الله تعالى.

٨٨

أما ميثاق المواثيق فهو : ولاية أهل البيت عليهم‌السلام

كل ميثاق أخذه الله فهو ميثاق الله وله حرمته ، لكن ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ميثاق المواثيق ، لأنها مفتاح الإقرار بالتوحيد والنبوة والمعاد ، ومفتاح العبادة الصحيحة التي يريدها الله تعالى ، فهي الميثاق الأهم عملياً ، ولذلك استحقت أن تكون ميثاق الله على الإطلاق ، وصح أن نقول للإمام المهدي عليه‌السلام : السلام عليك يا ميثاقَ الله.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام كما في الكافي « ٢ / ١٨ » : « بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ، قال زرارة : فقلت وأي شئ من ذلك أفضل؟ فقال : الولاية أفضل لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن. قلت : ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟

فقال : الصلاة ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الصلاة عمود دينكم.

قال قلت : ثم الذي يليها في الفضل؟ قال : الزكاة ، لأنه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الزكاة تذهب الذنوب.

قلت : والذي يليها في الفضل؟ قال : الحج ، قال الله عز وجل : وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لحَجَةَّ ٌمقبولة خير من عشرين صلاة

٨٩

نافلة ، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له. وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال.

قلت : فماذا يتبعه؟ قال : الصوم. قلت : وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الصوم جنة من النار.

قال ثم قال : إن أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه ، إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع شئ مكانها دون أدائها ، وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياماً غيرها ، وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك ، وليس من تلك الأربعة شئ يجزيك مكانه غيره.

قال ثم قال : ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه ، وباب الأشياء ورضا الرحمن : الطاعة للإمام بعد معرفته ، إن الله عز وجل يقول : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً. أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ، ولا كان من أهل الإيمان. ثم قال : أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته ».

٩٠

المواثيق العامة والمواثيق المؤكدة

الميثاق بنفسه عهد مؤكد ، والميثاق المؤكد هو المشدد ، وقد ذكر القرآن نوعين منه ، أحدهما في حقوق الزوجة فعقد الزواج ميثاق غليظ ، قال تعالى : وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظاً.

ووصف العهد الذي أخذه الله على الأنبياء لنصرة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ اقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. « آل عمران : ٨١ ».

قال في الفروق اللغوية / ٥٢٥ : « قال بعضهم : العهد يكون حالاً من المتعاهدين ، والميثاق يكون من أحدهما ».

معنى : السلام عليك يا ميثاق الله

معناه : أنت ياسيدي الحلقة الأخيرة والحاسمة في الميثاق الذي أخذه الله لجدك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأنبياء والعباد ، وأكد عليهم العمل به.

وهو ميثاق ثقيل يوجب على الجميع الإقرار والطاعة.

وهذا الميثاق ياسيدي متجسد فيك ، فأنت ميثاق الله تعالى.

وأنا يا سيدي وفيٌّ لميثاقي في الإقرار بكم ، ونفسي وأهلي ومالي فداءٌ لكم ، ونصرتي لكم معدة ، وأنا رهن أمرك.

٩١

« ٩ » السلام عليك يا وعدَ الله الذي ضَمِنَه

الوعد الإلهي بدولة العدل

في القرآن الكريم بضع آيات تؤكد على الوعد بدولة العدل الإلهي في الأرض ، كقوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً.

وقال تعالى : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ. « الأنبياء : ١٠٥ » وهي مطلقة ، تشمل الوراثة في الدنيا والآخرة.

وقال تعالى : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ. « البقرة : ٣٠ ».

فلم ينفِ الله عز وجل إفساد بني آدم في الأرض وسفكهم الدماء ، لكنه قال للملائكة إني أعلم ما لاتعلمون ، أي أن ذلك سيكون الى وقت معين ، ثم أنهيه وأقيم دولة العدل في الأرض!

وقال تعالى : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى

٩٢

لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. « النور : ٥٥ ».

وهو وعدٌ للمؤمنين من أمة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن ينصرهم بعد خوفهم ، ويمكِّن لهم دولة العدل ، فلا يكفر بعدها إلا قلة شاذة.

وقال تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الآنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا. « الفتح : ٢٨ ـ ٢٩ ».

فالذين معه هم لا بد أن يكونوا منظومة الأئمة من عترته ، وهم غير الصحابة الذين آمنوا معه ، وهم شطأ شجرته أي أولادها ، وهم الرحماء بينهم ، والصحابة أشداء بينهم.

وقد وعد الله تعالى أن يغيظ بهم الكفار ، وهو الى الآن لم يحصل.

وقال تعالى : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَاكَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. « هود : ٨ ».

٩٣

والآية تدل على أن هذا العذاب حتمي على فجار هذه الأمة ، وأنه لم يرفع ولكنه أُخر الى وقته ، وسيكون على يد أمة معدودة من الناس.

وقد ورد تفسير الأمة المعدودة بأنهم أصحاب المهدي عليه‌السلام.

وفسر بعضهم الأمة بالمدة ، ولا يصح لأنها لم ترد بمعنى المدة.

الى غير ذلك من آيات الوعد الإلهي بدولة العدل ، والتي لم يَدَّعِ أحد أنها تكون إلا على يد المهدي عليه‌السلام ، وأيدت ذلك الأحاديث المفسرة لها.

تأكيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام على حتمية الوعد الإلهي

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ». « الكبير للطبراني : ٢٢ / ٣٧٥ ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ويحُ هذه الأمة من ملوك جبابرة ، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم ، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه. فإذا أراد الله عز وجل أن يعيد الإسلام عزيزاً ، قصم كل جبار ، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمةً بعد فسادها.

٩٤

فقال عليه‌السلام : يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلايوم واحد لطوَّلَ الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي ، تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام ، لايخلف وعده وهو سريع الحساب ». « مسند أحمد : ١ / ٩٩ ».

وفي مسند البزار « ٢ / ١٣٤ » : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً ».

وبشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام فقال لها : « نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة ، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، وهو ابن عم أبيك جعفر ، ومنَّا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين ، وهما إبناك ، ومنا المهدي ». « الطبراني الصغير : ١ / ٣٧ ».

وفي أمالي الطوسي : ١ / ٣٦١ ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى من حديث جاء فيه : « معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج ، فإن وعد الله لا يخلف ، وقضاءه لا يرد ، وهو الحكيم الخبير ، فإن فتح الله قريب. اللهم إنهم أهلي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. اللهم أكلأهم وارعهم وكن لهم ، وانصرهم وأعنهم وأعزهم ولا تذلهم ، واخلفني فيهم. إنك على كل شئ قدير ».

هذا ، وقد عقدنا فصلاً في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام / ١٧٥ ، لبشارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة من أهل بيته عليهم‌السلام ، بالمهدي عليه‌السلام.

٩٥

الوعد الإلهي فوق المحتوم

في غيبة النعماني / ٣١٥ ، عن الإمام الجواد عليه‌السلام قال : « قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم. فقال : إن القائم من الميعاد ، والله لايخلف الميعاد ».

وقد تسأل عن وصف الوعد بالمضمون مع أن كل وعد إلهي مضمون.

والجواب : أن وصفه بالمضمون ليس لوجود وعد غير مضمون ، بل لبيان أن ضمان الوعد بدولة العدل أمر كبير معقد ، لكنه على الله تعالى هَيِّنٌ ، فهو سبحانه يملك كل الأوراق ، وسيدير حياة الإنسان ومجتمعه حتى تخضع لدوله المهدي عليه‌السلام وينهي الظلم ويقيم دولة العدل.

* *

٩٦

« ١٠ » السلام عليك أيُّهَا العَلَمُ المَنْصُوب

والعِلْمُ المَصْبُوب ، والغَوْثُ والرحمةُ الواسعة ، وعداً غيرَ مكذوب

معنى العَلَمُ المنصوب

العَلَم المنصوب : الإمام الذي نصبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمته عَلَماً ، تهتدي به في طريقها ، فهو وصيه وخليفته في أمته ، تتلقى منه معالم دينها وتطيعه.

قال حذيفة في حديثه : « فخرجنا إلى مكة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : أنصب علياً عَلَماً للناس ، فبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى اخضلت لحيته ، وقال : يا جبرئيل إن قومي حديثوا عهد بالجاهلية ، ضربتهم على الدين طوعاً وكرهاً حتى انقادوا لي ، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري ، قال : فصعد جبرئيل .. الى آخر الحديث ». « إقبال الأعمال : ٢ / ٢٤٠ ».

وفي الحديث القدسي في المعراج : « فانصب علياً علماً لعبادي ، يهديهم إلى ديني ». « الجواهر السنية / ٥٨٧ ».

٩٧

والإمام المهدي عليه‌السلام منصوب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إماماً نصباً مباشراً بنصه عليه ، ونصباً غير مباشر لأنه منصوب من أبيه وأجداده حتى يصل الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. فالمعنى : السلام عليك يا من نصبه رسول الله إماماً وَعَلَماً.

معنى : العِلْمُ المَصْبُوب

قال الله تعالى : فَلْيَنظُرِ الاِْنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الاَْرْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. « عبس : ٢٤ ـ ٢٨ ».

وقد فسر اللغويون صب الماء بالسكب ليكون مهيأً للشرب أو الإستفادة ، فيكون معنى أن الإمام عليه‌السلام هو العِلْمُ المصبوب : أنه صاحب عِلْمٍ رباني وافر متنوع ، مسكوب للناس ومهيأ لاستفادتهم ، في المكان المناسب ، والقدر اللازم لحاجتهم.

فالتعبير بالصب يشير الى أن مصدر العلم هو الله تعالى ، ويشير الى الحكمة في تيسيره. والتعبير بأن الإمام هو العلم يشير الى كثرة علمه ودوامه كما تقول : زيدٌ عدلٌ ، أي شديد العدالة دائمها.

كما أن العلم المصبوب يقابل العلم المخزون أوالمكتوم ، ويدل على أن المهدي يتميز عن المعصومين الذين أمروا أن يكتموا بعض علمهم.

٩٨

الإمام المهدي غوث الأمة والعالم

عرَّفوا الغوث بأنه : نصرة المضطر عند الشدة. « مقاييس اللغة : ٤ / ٤٠٠ ». ومعناه أن الله تعالى يُغيث العباد بالإمام المهدي عليه‌السلام ، فيخلصهم من شدائدهم التي تورطوا فيها.

وفي حديث عقد الددر للسلمي / ٩٠ ، عن علي عليه‌السلام قال : « فيأمر الله عز وجل جبريل عليه‌السلام فيصيح على سور مسجد دمشق : ألا قد جاءكم الغوث يا أمة محمد ، قد جاءكم الغوث يا أمة محمد ، قد جاءكم الفرج ، وهو المهدي ، خارجٌ من مكة فأجيبوه ».

وقد وردت الإستغاثة به بعد زيارته عليه‌السلام : « يا مولاي يا صاحب الزمان ، الغوثَ الغوثَ الغوث ، أدركني أدركني أدركني ». « مزار المشهدي / ٥٩١ ».

وفي نسخة : الأَمَانَ الأَمَانَ الأَمَانَ. السَّاعَةَ السَّاعَةَ السَّاعَةَ ، الْعَجَلَ الْعَجَلَ الْعَجَلَ.

أما المتصوفة فقد صادروا لقب الغوث ، وسموا به رئيسهم!

ففي تهذيب ابن عساكر « ١ / ٦٢ » : « النقباء ثلاث مائة والنجباء سبعون ، والبدلاء أربعون ، والأخيار سبعة ، والعمد أربعة ، والغوث واحد ، فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سياحون في الأرض ، والعُمُد في زوايا الأرض. ومسكن الغوث

٩٩

مكة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ثم الأخيار ، ثم العُمُد ، فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث ، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته ».

أقول : هذه المناصب افتراضية منهم ، وكذلك ما زعموه للغوث ، وقد يسمونه القطب ، وقولهم إنه لا ترد له دعوة تعني أنه معصوم!

الإمام المهدي : الرحمة الواسعة

قد يقال كيف يوصف الإمام المهدي عليه‌السلام بأنه الرحمة الواسعة ، وهو النقمة الإلهية من الظالمين والعصاة؟

ففي الكافي « ٨ / ٢٣٣ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية ، فإن الله بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ويبعث القائم نقمة ».

وفي البحار « ٦٠ / ٢١٣ » عن تاريخ قم ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « ثم يظهر القائم ويصير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد ، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة »

فهو الغضب الرباني والنقمة ، فكيف يكون الرحمة الواسعة؟

١٠٠