شرح زيارة آل ياسين

الشيخ علي الكوراني العاملي

شرح زيارة آل ياسين

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٦

فداعي الله تعالى منصبٌ ربانيٌّ ، يثبت بالنص عليه ، أو بإذن المنصوص عليه ، ومن ادعاه غيره فهو كاذب ، كمن يدعي النبوة أو الإمامة. وتعبير داعي الله يقصد به الداعي الأصلي ، للتمييز بينه وبين وبين المأذون لهم منه في الدعوة. ولا بد أن يكون قوله تعالى : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ. منسجماً مع هذه القاعدة ، فيكون أمراً للمأذون لهم ، أو أمراً بأخذ الإجازة منهم.

وفي مقابل الدعاة الى الله : الدعاة الى النار : وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ. والدعاة لغير الله : وَلاتَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ ، والدعاة بدون إذن الله تعالى : وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ. الى آخر المنظومة.

* *

٤١

دعوة الإمام المهدي العالمية

وقد بدأت إمامته عليه‌السلام ودعوته الى الإسلام بعد شهادة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، حيث آتاه الله الحكم صبياً ، وكان متخفياً من السلطة يدير شيعته بواسطة سفرائه ، وبقي على هذه الحالة ثلاثاً وسبعين سنة حتى وقعت الغيبة التامة ، وتسمى الغيبة الكبرى.

فكان عليه‌السلام وما زال يعمل بأمر ربه مع الخضر عليه‌السلام وأصحابه الخاصين ، حتى يأذن الله له بالظهور ، فيدعو العالم الى الإسلام ، ويقيم دولة العدل الإلهي على كل الأرض.

مقام الداعي الى الله تعالى

قال الله تعالى : اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. « النور : ٣٥ ـ ٣٦ ».

فهذا النور الإلهي موجود دائماً في بيوت الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « الدر المنثور : ٥ / ٥٠ » : « عن أنس بن مالك وبريدة قال : قرأ

٤٢

رسول الله هذه الآية : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ ، فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها لبيت عليٍّ وفاطمة؟ قال : نعم من أفاضلها ».

وهو تعبيرٌ آخر عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الثقلين : وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. وتعبيرٌآخر عن قول الإمام الصادق عليه‌السلام : « لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت ». « الكافي / ١ / ١٧٩ ».

وتعبيٌر آخر عن نظرية الفيض الإلهي التي تقول إن أنواعاً من عطاء الله تعالى للناس تتم عن طريق مركز نوره في الأرض ، صلوات الله عليه.

فهذه المقامات والمكانة العليا كلها ثابتةٌ لداعي الله تعالى ، بل الأمر أعظم من ذلك ، فأنت إذا بعثت شخصاً ليدعوالناس ليكونوا من أنصارك ، تختار من يتصف بأفضل الصفات ، ليمثلك ويحبب الناس بك ، فكيف برب العالمين عز وجل ، الذي بيده الأمر والخلق؟!

٤٣

إن داعيَ الله تعالى يجب أن يكون أحب شخصية الى الله وعباده ، وأقدر شخصية على الفهم من ربه ، وفهم الناس وتفهيمهم ، وفهم تكوينة المجتمع البشري وقوانينه.

وإذا جعله الله خليفته في أرضه ، وحاكماً بين عباده ، فلا بد أن يوفر له مقومات عمله ونجاحه ، وأول ذلك العلم بالله تعالى ومخلوقاته ، والعلم بالطبيعة ، وكل العلوم التي يحتاج اليها البشر.

بل ورد أن الله يلهم المؤمنين في عصره مايحتاجون اليه من العلوم!

فعن علي في وصف المهدي عليه‌السلام : « ويقذف في قلوب المؤمنين العلم ، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم ، فيومئذ تأويل هذه الآية : يُغْنِ اللهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً ». « مختصر البصائر / ٢١٠ ».

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ، ويجتزئون بنور الإمام ». « تفسير القمي : ٢ / ٢٥٣ ».

ومن معاني هذا الكلام : أنهم يستغنون بالنور الذي يخرجه لهم الإمام عليه‌السلام بدل ضوء الشمس.

* *

٤٤

السلام عليك يا داعيَ الله وربانيَّ آياته

معنى رباني آياته : أن عنده آيات الله تعالى ، فعندما يطلبها أو تكون لازمة يُظهرها الله تعالى ، ويستجيب دعوة وليه. ومعناه : أنه خبيرٌ رباني بها يفسرها للناس ، ويطلبها من ربه عز وجل عندما يلزم ذلك.

الربانيون والربيون والعالم الرباني

ورد تعبير الربانيين في القرآن وصفاً للعلماء المؤتمنين على الشريعة بعد الأنبياء عليهم‌السلام ، وذكر أنهم نوعان ، فمنهم من يحكم بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ومنهم من يقصر ولا ينهى عن المعاصي ، قال تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ. « المائدة : ٤٤ ».

وقال تعالى : لَوْلايَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الآثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. « المائدة : ٦٣ ».

٤٥

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك ، وإنهم لما تمادوا في المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك ، نزلت بهم العقوبات ». « الكافي « ٥ / ٥٧ ».

ومعناه أن الربانيين ائتمنهم الرب على دينه وأمرهم بحفظه ، فمنهم من وفى ، ومنهم من قصر واستحق الذم والعقوبة.

ولهذا اختار الله تعالى تعبير الرِّبيين للمؤمنين المقاتلين مع الأنبياء عليهم‌السلام فهو أخص من الربانيين ، لأنه للمدوحين فقط. قال تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. « آل عمران : ١٤٦ ».

فالرِّبيون نخبة الربانيين ، وهم منسوبون الى الرب تعالى ، في علمهم به وإخلاصهم له ، وتضحيتهم في سبيله.

وقد استعملت السنة تعبير العالم الرباني للمعصوم وهو أفضل من الرَّباني المحض والرِّبِّي المجاهد ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

٤٦

« الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ». « نهج البلاغة : ٤ / ٣٦ ».

فالعالم الرباني : الذي علمه من الرب تعالى. وتفسيره بالفقهاء والرواة خطأٌ كما أعتقد ، لأن الفقهاء والمؤمنين متعلمون على سبيل نجاة.

قال الإمام الكاظم عليه‌السلام لهشام بن الحكم « الكافي : ١ / ١٧ » : « ولا علم إلا من عالم رباني ، ومعرفة العلم بالعقل ».

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : « فَلْيُشَرِّقِ الحَكَمُ ولْيُغرب ، أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل ». « الكافي : ١ / ٤٠٠ ».

والإمام المهدي عليه‌السلام رباني بهذا المعنى الأخير ، لأن علمه من الرب تعالى وهو علمٌ متجدد ومستمر ، لأنه مهديٌّ من ربه الى كل ما يحتاج اليه.

فهو رباني ، في علمه وسلوكه ، وهو رباني آيات الله ، بمعنى صاحبها ورُبانها ، الذي يأتي بها ، وعالمها وخبيرها.

٤٧

معنى آيات الله تعالى

قال الراغب الأصفهاني في المفردات : « الآية : هي العلامة الظاهرة ، وحقيقته لكل شئ ظاهر ، وهو ملازم لشئ لا يظهر ظهوره ».

والصحيح أنها : العَلَامة المقنعة عادةً. وأصلها عند الخليل : أَأْية فقلبت ألفها ياء فصارت أيِيَّة ، فحذفت فصارت آية كراية وغاية. « العين : ٨ / ٤٤٠ ». وأصلها عند سيبويه أوِيَّة. وجمعها : آيٌ وآياتٌ وآيايٌ وآياءٌ.

وفي حديث الإسراء : « وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلوا جملاً ». « الكافي : ٨ / ٣٦٤ ».

وفي صفة الخوارج : « آية ذلك أن فيهم رجلاً أسود مُخَدَّج ». « أحمد : ١ / ٨٨ ».

واستعملت في القرآن مفردةً أربعاً وثمانين مرة. وآياتٍ : مئة وثمانية وأربعين مرة. وآياتنا : اثنين وتسعين مرة. وآياته : سبعاً وثلاثين مرة .. الخ. وهذا يدل على سعة مصاديقها في القرآن.

أنواع آيات الله وأنواع الذين يتلونها

ذكر القرآن أنواع آيات الله تعالى ، وأنواع تلاوتها على الناس.

فالله تعالى يتلو آياته على الرسل : تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ.

٤٨

والرسل وغيرهم يتلون آيات الله تعالى : وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ .. يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا .. بَلْ هُوَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ..

وآيات الله تعالى أنواع ، فمنها المحكم والمتشابه : مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ.

ومنها المحكم ثم المفصل : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ.

ومنها مبصرةٌ وأقل إبصاراً : فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً.

ومنها بيناتٌ وأقل بياناً : فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ.

وآياتٌ كبرى وصغرى : لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.

ومنها آيات لأنواع الناس : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لايَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ .. لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ .. لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .. لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ..لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .. وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ.

وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِلْعَالِمِينَ.

ومنها في الآفاق والأنفس وغيرهما : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ.

وأعطى الله نبيه موسى عليه‌السلام تسع آيات : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ .. وهي : « الطوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم ، والحجر ، والبحر ، والعصا ، ويده ». « الخصال / ٤٢٤ ».

٤٩

فمعنى أن الإمام المهدي عليه‌السلام رباني آيات الله : أنه الذي يتلو هذه الآيات على الناس ، ويعلمهم إياها ، ويفسرها ، وهو القَيِّم عليها.

« ٣ » السلام عليك يا باب الله وديان دينه

يقول لك إسلام السلطة : يمكنك أن تعرف الله تعالى من أي طريق ، وأن تعبده وتتقرب اليه من أي باب.

ويقول لك مذهب أهل البيت عليهم‌السلام : لا يمكنك أن تعرف الله تعالى إلا عن طريق واحد ، هو الطريق الصحيح ، وغيره طرقٌ خاطئة توقعك في انحرافات! فالذين طلبوا معرفة الله عن غير طريق أهل البيت عليهم‌السلام وقعوا في التشبيه والتجسيم ، فجهلوا الله تعالى وعبدوا معبوداً خيالياً!

ويقول لك أتباع السلطة : يمكنك أن تعبد الله تعالى وتتقرب اليه ، عن أي طريق ، فالطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق!

ويقول لك مذهب أهل البيت عليهم‌السلام : الطريق الصحيح واحدٌ لا غير! فإن أردت معرفة الله فمن بابه الذي عينه ، وإن أردت عبادته فمن طريقه الذي حدده. فإن دخلت من باب آخر فأنت واهم ولن تصل ، لأن المعرفة والعبادة لا تكون إلا من الطريق التي أمر بها الله تعالى.

٥٠

قال الإمام محمد الباقر عليه‌السلام « الكافي : ١ / ١٩٨ » : « فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باب الله الذي لا يؤتى إلا منه ، وسبيله الذي من سلكه وصل إلى الله عز وجل ، وكذلك كان أمير المؤمنين عليه‌السلام من بعده ، وجرى للأئمة عليهم‌السلام واحداً بعد واحد ، جعلهم الله عز وجل أركان الأرض أن تميد بأهلها ، وعَمَد الإسلام ، ورابطةً على سبيل هداه ، لا يهتدي هاد إلا بهداهم ، ولا يضل خارج من الهدى إلا بتقصير عن حقهم.

أمناءُ الله على ما أهبط من علم أو عُذر أو نُذر ، والحجة البالغة على من في الأرض ، يجري لآخرهم من الله مثل الذي جرى لأولهم ، ولا يصل أحد إلى ذلك إلا بعون الله ».

معنى أن الإمام المهدي عليه‌السلام باب الله تعالى

معنى هذا الوصف للنبي والأئمة عليهم‌السلام :

١. أن الواحد منهم باب معرفة الله والعلم به ، لذلك يجب أن تكون معرفة الله تعالى من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وأبنائه الأئمة عليهم‌السلام في تفسير التوحيد والقرآن.

٥١

والإمام المهدي عليه‌السلام ممثل هذا الخط وامتداده وشارحه ، وهو الداعي الى الله الواحد الأحد ، كما وصف نفسه في القرآن.

فيكون معنى التسليم عليه بهذا اللقب : السلام عليك يا باب معرفة الله عز وجل ، معرفة ذاته وصفاته ، معرفةً صحيحةً ، خاليةً من الباطل والخطأ ، نقيةً من الجهل والتحريف والزيغ والهوى.

٢. ومعنى : السلام عليك يا بابَ الله ، أنه مصدرُ تلقِّي الدين ، فمن أراد بعد العقيدة علم الشريعة ومعرفة الحلال والحرام ، وجب أن يتلقى من الإمام المهدي ، ومن أجداده عليهم‌السلام ، لا من مخالفيهم.

والتلقي من الإمام المهدي عليه‌السلام مع غيبته ، يعني التلقي من أجداده الذين هو امتداد لهم ، وعند ظهوره يتحقق التلقي الكامل منه مباشرة.

٣. ومعنى باب الله : أنه باب العطاء الإلهي ، لأنه النور الإلهي في الأرض : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ.

٤. ومعنى باب الله : أنه الإمام الذي يجب الإعتقاد بإمامته ، والإنتساب اليه ، لندعى به في محشر القيامة : يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ.

٥٢

٥. ومعنى باب الله : أن الإمام المهدي عليه‌السلام باب التوجه الى الله ، فيصح التوجه به الى الله تعالى ، ويصح التوجه اليه ، لأنه باب الله تعالى.

وقد تقدم معنى قول عليه‌السلام : إذا أردتم التوجه بنا إلى الله ، وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى : سلام على آل ياسين ، ذلك هو الفضل المبين.

وقد عَلَّمَنَا الأئمة كيف نتوجه بهم الى الله تعالى ، قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي. اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي ، بمحمد. ثم سل حاجتك ». « الكافي : ٣ / ٤٧٨ ».

وفي التهذيب : ٦ / ١٠١ : « اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار ، لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم ».

التكبر على أهل البيت عليهم‌السلام تكبر على الله تعالى!

عَيَّنَ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عترته من بعده مصدراً لتلقي الدين وقدوةً للأمة ، وقرنهم بالقرآن فقال : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأهل بيتي.

٥٣

وبدل أن تقول قريش : سمعنا وأطعنا ، قالت : نحن نعبد الله ونؤمن بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ونتلقى ديننا عن صحابته ، وليس عن أهل بيته!

لكن الله لا يقبل عبادته إلا من الطريق التي عينها. فقد روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : « الإستكبار هو أول معصية عصي الله بها. قال : فقال إبليس : يا رب ، أعفني من السجود لآدم ، وأنا أعبدك عبادةً لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل!

قال الله تبارك وتعالى : لاحاجة لي إلى عبادتك ، إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد. فأبى أن يسجد فقال الله تعالى : قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ». « تفسير القمي : ١ / ٤٢ ».

السلام عليك يا باب الله وديان دينه

قال الصدوق (قدس سره) في التوحيد / ٢١٦ : « الدَّيَّان : هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم. والدِّينُ : الجزاء ، ولا يجمع لأنه مصدر ، يقال : دانَ يدين دِيناً. ويقال في المثل : كما تَدين تُدان ، أي كما تجزي تجزى ، قال الشاعر :

كما يدينُ الفتى يوماً يدانُ به

من يَزرع الثومَ لا يقلعْهُ ريحانا ».

٥٤

وقال الزمخشري في أساس البلاغة / ٢٩١ : « داينته : حاكمته. وكان عليٌّ دَيَّانَ هذه الأمة بعد نبيها ، أي قاضيها ».

وقال ابن منظور « ١٣ / ١٦٦ » : « الدَّيّانُ : من أَسماء الله عز وجل معناه الحكَم القاضي. وسئل بعض السلف عن علي بن أَبي طالب فقال : كان دَيّانَ هذه الأُمة بعد نبيها ، أَي قاضيها وحاكمها ».

وفي كتاب سُليم / ٢٨٣ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليٌّ ديان هذه الأمة والشاهد عليها ». وفي رواية : ياعلي أنت ديان هذه الأمة والشاهد عليها.

وهذه الصفة لعلي عليه‌السلام ثابتة لكل الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ففي الزيارة الجامعة : « وميراث النبوة عندكم ، وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم ». « من لايحضره الفقيه : ٢ / ٦١٢ ».

أقول : إن الله تعالى هو مالك يوم الدين وديان الدين ، وهو الذي يحاسب الخلق يوم القيامة ، فيوكل بذلك ملائكته ، فلا عجب أن يوكل به محمداً وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم أفضل من الملائكة باتفاق المسلمين.

٥٥

فعن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث الإسراء : « أذن جبرئيل وأقام الصلاة فقال : يا محمد تقدم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تقدم يا جبرئيل ، فقال له : إنا لانتقدم على الآدميين منذ أُمرنا بالسجود لآدم »! « علل الشرائع : ١ / ٨ ».

قال الصدوق (قدس سره) في كتابه الإعتقادات / ٧٣ : « والحساب منه ما يتولاه الله تعالى ، ومنه ما يتولاه حججه. فحساب الأنبياء والرسل والأئمة عليهم‌السلام يتولاه الله عز وجل ، ويتولى كل نبي حساب أوصيائه عليهم‌السلام ، ويتولى الأوصياء حساب الأمم. والله تعالى هو الشهيد على الأنبياء والرسل ، وهم الشهداء على الأوصياء ، والأئمة شهداء على الناس.

وذلك قوله عز وجل : لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا. وقوله عز وجل : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا. وقال عز وجل : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ. والشاهد أمير المؤمنين. وقال عز وجل : إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ».

وعندما يجعل الله تعالى حساب الخلق بيد ملائكته ، أو نبيه وأهل بيته فهو لايتخلى عنهم ، بل يعلمهم قواعد المحاسبة المفصلة ، أو يزودهم بخبراء محاسبة من ملائكته ، وهو الرقيب عليهم.

٥٦

ويؤيده ما روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « لو وليَ الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا ، والله سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة ». « مجمع البيان : ١٠ / ١٢٠ ».

ومعناه أنه يُعَلِّمُ قواعد الحساب وطريقته لقضاة المحشر ، ولولا ذلك لما استطاعوا محاسبة الناس في خمسين ألف سنة ، ولا مئة ألف سنة!

والنتيجة : أن دياني الناس بدين الله هم النبي وأهل بيته عليهم‌السلام ، ولهذا وصف الإمام المهدي بأنه باب الله وديان دينه ، لأنه أحد القادة الديانين يوم القيامة ، وأحد الأشهاد الذين قال الله فيهم : وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ. وفي تفسير القمي « ٢ / ٢٥٨ » أنهم الأئمة عليهم‌السلام.

وفي العدد القوية / ٨٩ : « عن الحارث وسعيد بن قيس ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا واردكم على الحوض ، وأنت يا علي الساقي ، والحسن الذائد ، والحسين الآمر ، وعلي بن الحسين الفارط « الرائد » ومحمد بن علي الناشر ، وجعفر بن محمد السايق ، وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين ، وعلي بن موسى مزين المؤمنين ، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم ،

٥٧

وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور العين ، والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به ، والمهدي شفيعهم يوم القيمة ».

وفي المناقب « ١ / ٢٥١ » : « يا علي أنا نذير أمتي وأنت هاديها ، والحسن قايدها ، والحسين سايقها ، وعلي بن الحسين جامعها ، ومحمد بن علي عارفها ، وجعفر بن محمد كاتبها ، وموسى بن جعفر محصيها ، وعلي بن موسى معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومُدْني مؤمنيها ، ومحمد بن علي قايدها وسايقها ، وعلي بن محمد سايرها وعالمها ، والحسن بن علي ناديها ومعطيها ، والقائم الخلف ساقيها وناشدها وشاهدها ».

« ٤ » السلام عليك يا خليفة الله وناصرحقه

١. خلط بعضهم بين الإستخلاف التكويني لأجيال الإنسان ، وبين نصب الله تعالى خليفةً له في الأرض ، كآدم وداود ومحمد وآله عليهم‌السلام.

فقوله تعالى : إِنْ يَشَا يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ. وقوله : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ. وقوله : وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ .. كل ذلك في الإستخلاف التكويني ولاعلاقة له بمنصب

٥٨

الخلافة ، لكن قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً. وقوله : يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ.

وأمثالها من الآيات والأحاديث تتعلق بمنصب الخلافة الذي جعله الله تعالى لآدم عليه‌السلام ، ولبعض رسله ، وليس كلهم.

٢. فالخلافة لغةً : كل شئ يخلف شيئاً. لكنها في الإصطلاح الإسلامي الشخص الذي يختاره الله تعالى خليفةً له في الأرض.

ولذلك قال المأمون للفقهاء في مناظرته : « فخبروني عن رجل تختاره الأمة فتنصبه خليفة ، هل يجوز أن يقال له خليفة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قِبَل الله عز وجل ولم يستخلفه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله! فإن قلتم : نعم ، فقد كابرتم. وإن قلتم : لا وجب أن أبا بكر لم يكن خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا كان من قبل الله وأنكم تكذبون على نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنكم متعرضون لأن تكونوا ممن وسمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدخول النار!

وخبروني في أي قوليكم صدقتم؟ أفي قولكم مضى رسول الله ولم يستخلف ، أو في قولكم لأبي بكر يا خليفة رسول الله؟!

٥٩

فإن كنتم صدقتم في القولين فهذا ما لايمكن ، كونه إذ كان متناقضاً! وإن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر! فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم ودعوا التقليد ، وتجنبوا الشبهات ، فوالله ما يقبل الله تعالى إلا من عبد لايأتي إلا بما يعقل ولايدخل إلا فيما يعلم أنه حق. والريب شكٌّ وإدمان الشك كفر بالله تعالى وصاحبه في النار ». « عيون أخبار الرضا : ٢ / ١٩٩ ».

٣. وقد ثبت عندنا بأحاديث صحيحة متواترة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نص على أن الأئمة من عترته هم خلفاء الله تعالى في أرضه. ففي الكافي « ١ / ١٩٣ » عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه ».

وفي رواية أمالي الصدوق / ٧٠ : « فإنهم خلفائي ، وأوصيائي ، وحجج الله على الخلق بعدي ، وسادة أمتي ».

فيكون معنى : السلام عليك يا خليفة الله ، يا من جعلك الله خليفته في أرضه. وقد ورد وصف الإمام المهدي عليه‌السلام بالخليفة في مصادر السنة أيضاً ، ففي كتاب الفتن لنعيم بن حماد « ١ / ٢٢٤ » عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يكون في أمتي خليفةٌ يحثي المل حثياً ، لا يَعُدُّهُ عَدّاً ».

٦٠