إفادات من ملفّات التاريخ

محمّد سليم عرفة

إفادات من ملفّات التاريخ

المؤلف:

محمّد سليم عرفة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-17-X
الصفحات: ٢٦٩

بالكتاب الذي فيه عهد الخلافة ، فقال له : ما في الكتاب يا أبا حفص؟

قال : لا أدري ، ولكنّي أوّل من سمع وأطاع.

فقال الرجل : لكنّي والله أدري ما فيه ، أمرّته عام أوّل ، وأمّرك العام (١).

فما قولك في ذلك؟

ج ـ لو شاء عمر بن الخطاب لكان الخليفة الأوّل ، فقد قلت له يوم السقيفة : أبسط يدك أُبايعك ، ولكن هو قدّمني ، وقد حفظت له هذه ، ثمّ هو الذي ركز البيعة فينا ، أي المهاجرين في السقيفة ، وهو صاحب المقالة : إنّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيها من غيركم ، ولكنّ العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلاّ من كانت النبوّة فيهم ، من ينازعنا سلطان محمّد ونحن أهله وعشيرته إلاّ مدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، أو متورّط في هلكه (٢).

وهو الذي أخذ عصابة وذهب إلى بيت عليّ وأخرج الممتنعين عن البيعة من بني هاشم والزبير.

وهو الذي أمر بإحراق بيت فاطمة وعليّ إن لم يخرجوا للبيعة.

وهو الذي طالب المجتمعين في المسجد لمبايعتي بقوله : مالي

____________

١ ـ الإمامة والسياسة ١ : ٣٨.

٢ ـ تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٩ ، الإمامة والسياسة ١ : ٢٥.

٨١

أراكم حلقاً شتى ، قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار.

وهو الذي أصدر أمراً بقتل سعد بن عبادة في السقيفة.

وهو الذي هدّد عليّ بن أبي طالب بضرب العنق إن لم يبايع.

وهو الذي ضمّ أبا سفيان إلينا بأن نصحني بترك ما بيده من الصدقات ، ثمّ ولّى ابنيه يزيد ومعاوية على الجيش.

باختصار : إنّ عمر كان الرجل الثاني في الدولة في خلافتي ، وقد كنت أسمع رأيه وآخذ به.

وقد كان أكثر من ذلك ، فقد كان يحلّ ويبرم في خلافتي وكأنّه الأمير ، فقد كتبت لعيينه بن حصن والأقرع بن حابس كتاباً ، فأخذاه إلى عمر ليشهد ، فما أن شاهد عمر الكتاب لم يعجبه ، فتفل فيه فوراً ومحاه ، فرجعا إليَّ وقالا لي : والله لا ندري أأنت الأمير أم عمر؟

فقلت لهم : بل هو لو شاء كان.

فجاء عمر إليَّ وقرّعني بشدّة على هذا الكتاب.

فقلت له : فلقد قلت لك : إنّك أقوى منّي على هذا الأمر لكنّك غلبتني (١).

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٢ : ٥٩ ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٩ : ١٩٦ ، الإصابة لابن حجر ٤ : ٦٤٠.

٨٢

حوار مع عمر بن الخطاب ( الخليفة الثاني )

رزيّة الخميس.

منع إعلان وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

أحداث السقيفة.

الخليفة الأوّل صورة.

كراهيّة جمع النبوّة والخلافة لبني هاشم.

منع رواية الحديث.

حجر الأساس لبني أُميّة.

شورى عمر.

٨٣
٨٤

حوار مع عمر بن الخطّاب ( الخليفة الثاني )

س ١ ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليك؟

ج ـ اسمي عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رازح بن عدي بن كعب بن لؤي ، وكنيتي ( أبو حفص ).

وأمي : حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأوّل من كنّاني بالفاروق هم أهل الكتاب! (١)

أسلمت بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى وعشرين امرأة ، أي بعد ستّة وستّين شخصاً! (٢)

واشتركت في كلّ غزوات الرسول.

س ٢ ـ ولكن يقال : إنّك لم تثبت في معركة ، ولم تبارز أحداً من المشركين ، ولم تقتل أو تجرح أحداً ، فقد ثبت أنّك هربت مع عثمان

____________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٢٦٧ ، تاريخ المدينة لابن شبية ٢ : ٦٥٤ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ١٩٠.

٢ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٢٧٠ ، تاريخ المدينة لابن شيبة ٢ : ٦٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٤٤ : ٤٠.

٨٥

يوم أحد (١).

وانهزمت يوم حنين (٢).

وأيضاً يوم خيبر (٣).

ولم يُذكر عنك يوم الخندق شيء ما.

فأين أنت ممّا يدّعيه البعض من أنّ الله قد أعزّ بك الإسلام؟

ج ـ لأنّني ليس لي من يحميني ، فقبيلتي بنو عدي قبيلة ضعيفة ، لذلك لم أقتل أحداً أو أبارز في أيّ معركة حتى لا يكون عليّ دم لأي عشيرة ، ولئلا يعاديني أحد من قريش.

رزيّة الخميس :

س ٣ ـ لقد منعتَ رسول الله من كتابة كتاب يحفظ فيه المسلمين من الضلالة ، فلماذا فعلت ذلك؟ وسنذكر الحادثة كما جاءت في كتب الحديث والسير.

قال ابن عباس : « يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثمّ بكى حتى

____________

١ ـ كنز العمال للمتقي الهندي ٢ : ٣٧٦ ، جامع البيان لابن جرير ٤ : ١٩٣ ، الدر المنثور للسيوطي ٢ : ٨٨ ، الاكمال في أسماء الرجال للتبريزي : ١٢٢.

٢ ـ صحيح البخاري ٥ : ٩٩ ، كتاب التفسير ، باب قوله تعالى : ( ويوم حنين .. ).

٣ ـ المستدرك للحاكم ٣ : ٣٨ وقال : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » ، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ١٢٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ : ٥٢١ ، كنز العمال للمتقي الهندي ١٠ : ٤٦٣.

٨٦

بل دمعه الحصى.

فقلت : يا بن عباس ، وما يوم الخميس؟

قال : اشتدّ برسول الله وجعه ، فقال : « ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي » فتنازعوا وما ينبغي عند نبيّ تنازع ، وقالوا : ما شأنه أهجر؟ استفهموه!

قال : « دعوني فالذي أنا فيه خير » (١).

وفي رواية البخاري : فقال عمر : إنّ رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.

فقال رسول الله : « قوموا ... ».

فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم هذا الكتاب من اختلافهم ولغطهم » (٢).

وفي مسند أحمد ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ النبيّ دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلّون بعده ، فخالف عمر ابن الخطاب حتى رفضها (٣) حتى قال رسول الله : « قوموا عنّي

____________

١ ـ صحيح البخاري ٤ : ٣١ ، كتاب الجهاد ، باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة ، صحيح مسلم ٥ : ٢٧٥ ، كتاب الوصية ، باب ترك الوصية ، مسند أحمد ١ : ٢٢٢.

٢ ـ صحيح البخاري ٧ : ١٩ ، كتاب المرضى ، باب قول المريض قوموا ، صحيح مسلم ٥ : ٧٦ ، كتاب النذر ، باب الأمر بقضاء النذر ، مسند أحمد ١ : ٣٢٥ ، صحيح ابن حبان ١٤ : ٥٦٢.

٣ ـ مسند أحمد ٣ : ٣٤٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ٣٣.

٨٧

والذي أنا فيه خيرٌ مما تدعوني ، اخرجوا ».

فما الذي حملك على منع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كتابة الكتاب؟

ج ـ عند عودتنا من حجّة الوداع عرفنا أنّ أجل رسول الله قد دنا ، فقد استوقفنا رسول الله بعدما صدر من حجّته في مكان يدعى غدير خُم فنادى الصلاة جامعة ، فاجتمعنا المهاجرون والأنصار ، وقام رسول الله وسطنا فقال : « كأنّي قد دُعيت فأجبت ، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى ، وعترتي أهل بيتي. فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فقد أنبأني العلي القدير بأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض وإنّي سأسألكم عنهما ».

ثمّ ضرب بيده إلى عضد عليّ فأقامه فنزع عضده فأخذ بذراعه فقال : « أتعلمون إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟

قالوا : نعم ، يا رسول الله.

فقال رسول الله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ».

فلقيته بعد ذلك فقلت له : هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (١).

____________

١ ـ مصادر هذا الحديث كثيرة جداً وبألفاظ مختلفة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

٨٨

____________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٢٨١.

٢ ـ سنن الترمذي ٥ : ٦٣٣ ح٢٩٧.

٣ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٤٣ ـ ٤٥.

٤ ـ المستدرك للحاكم النيسابوري ٣ : ١٠٩ و ١١٠ و ١١٦ و ٣٧١.

٥ ـ مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ١٠٤ ـ ١٠٦.

٦ ـ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ٢ : ١٣ و ٤٥ و ٤٧.

٧ ـ فتح الباري لابن حجر ٧ : ٦١ وقال : « حديث من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ».

٨ ـ البداية والنهاية لابن كثير ٥ : ٢٢٨.

٩ ـ تاريخ الإسلام للذهبي ٣ : ٦٢٩.

١٠ ـ خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ح٥٠ و ٦٤ و ٩٤ و ٩٥ و ٩٦ و ١٠٠.

١١ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٤٩٥ و ٤٩٦ و ٤٩٩ و ٥٠٣ و ٥٠٦.

١٢ ـ المصنّف للصنعاني ١١ : ٢٢٥.

١٣ ـ كتاب السنّة لابن أبي عاصم : ٥٥٢ و ٥٩٠ و ٥٩١ و ٥٩٢ و ٥٩٦.

١٤ ـ البداية والنهاية لابن كثير ٥ : ٢٢٨ و ٢٢٩ و ٧ : ٣٧٠ و ٣٧٤ و ٣٧٦ و ٣٨٠ و ٣٨٣.

١٥ ـ السنن الكبرى للنسائي ٥ : ٤٥ و ١٠٨ و ١٣٠ و ١٣١ و ١٣٢ و ١٣٤.

١٦ ـ مسند أبي يعلى ١ : ٤٢٩ و ١١ : ٣٠٧.

٨٩

وقبل أن يقف رسول الله هذا الموقف نزلت الآية ٦٧ من سورة المائدة :

آية التبليغ :

( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ

____________

١٧ ـ صحيح ابن حبان ٥ : ٣٧٦.

١٨ ـ المعجم الأوسط للطبراني ١ : ١١٢ و ٢ : ٢٤ و ٦ : ٢١٨ و ٧ : ٧٠ و ٨ : ٢١٣.

١٩ ـ المعجم الصغير للطبراني ١ : ٦٥ و ٧١.

٢٠ ـ موارد الضمآن للهيثمي ٧ : ١٣٦ و ١٣٨.

٢١ ـ الاستذكار لابن عبد البرّ ٨ : ٢٣٩.

٢٢ ـ الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ١٧٧ و ٦٤٢.

٢٣ ـ كنز العمال للمتقي الهندي ١ : ١٨٧ و ١١ : ٣٣٧ و ٦٠٣ و ٦٠٨ و ٦٠٩ و ٦١٠ و ١٣ : ١٠٥ و ١٣١ و ١٣٤ و ١٣٦ و ١٣٧ و ١٥٤ و ١٥٧ و ١٥٨ و ١٦٣ و ١٦٩ و ١٧٠.

٢٤ ـ كشف الخفاء للعجلوني ٢ : ٢٧٤ وقال : « .. الحديث متواتر ومشهور ».

٢٥ ـ أسد الغابة لابن الأثير ١ : ٣٦٧ ، ٣ : ٩٢ ، ٤ : ٢٨ ، ٥ : ٢٠٥.

وللحصول على مصادر هذا الحديث الأُخرى راجع الغدير للعلامة الأميني ١ : ١٥٢.

٩٠

الْكـافِرِينَ ... ) (١) (٢).

____________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ تنبيه : أكّدت الكثير من المصادر على نزول هذه الآية على رسول الله حينما كان في طريق العودة من حجّة الوداع في مكان ( غدير خمّ ) وأنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب ، ومن هذه المصادر :

١ ـ السيوطي في الدر المنثور ٢ : ٢٩٨ عن أبي سعيد الخدري قال : « نزلت هذه الآية ( يا أيُّها الرَّسُولُ ... ) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ في علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ».

٢ ـ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ : ٢٥١ بإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى الآية : ...

قال : « نزلت في علي ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلّغ فيه ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام فقال من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه ».

٣ ـ الواحدي في أسباب النزول : ١٣٥ : بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال : « نزلت هذه الآية ... يوم غدير خمّ في علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ».

٤ ـ الفخر الرازي في التفسير الكبير ١٢ : ٤٩ ـ ٥٠ قال في سياق تعداد الوجوه الواردة في سبب نزول هذه الآية :

« العاشر : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ولمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ».

فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عباس والبرّاء بن عازب ومحمّد بن علي ».

٩١

ولم يكد ينتهي من خطبته حتى نزلت هذه الآية من سورة المائدة :

آية إكمال الدين :

( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (١).

____________

٥ ـ فتح القدير للشوكاني ٢ : ٦٠ قال : « أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك أن عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ».

(١) توضيح : أشارت الكثير من مصادر التفسير والتاريخ إلى نزول هذه الآية بعد الانتهاء من الخطبة في غدير خم ومن هذه المصادر :

١ ـ السيوطي في الدر المنثور ٢ : ٢٥٩ ذكر عن ابن مردويه وابن عساكر ، كلاهما عن أبي سعيد الخدري قال : « لما نصب رسول الله عليّاً يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط [ جبرئيل ] بهذه الآية .. ».

وذكر عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة قال : « لما كان يوم غدير خم وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة قال النبيّ : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ، فأنزل الله هذه الآية ».

٢ ـ الحمويني في فرائد السمطين : ١ : ٧٤ ح٤٠ روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما دعا الناس إلى علي عليه‌السلام في غدير خم وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ ، [ قُمَّ : أي أزيل ] وذلك يوم الخميس ،

٩٢

وهنا وعند نزول هذه الآية وما قال رسول الله تأكدتُّ أنّ هذا الأمر أصبح لعليّ بن أبي طالب ، ولكنّي كنت أعلم أنّ قريش لن ترضى به; لأنّه قتل ساداتها في حروب الرسول ، وأيضاً فقريش لن ترضى أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، وهذا ما صرّحت به

____________

فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله ، ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزلت هذه الآية ( اليوم أكملت .. ) فقال رسول الله : « الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي ».

٣ ـ ابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ دمشق : ٤٢ : ٢٣٣ روى بإسناده عن أبي هريرة قال : « من صام ثمانية عشر من ذي الحجّة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خمّ لمّا أخذ النبيّ بيد علي فقال : ألست ولي المؤمنين؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم ، فأنزل الله الآية ».

٤ ـ الحاكم الحسكاني الحنفي أيضاً في شواهد التنزيل ١ : ٢٠١ ح ٢١١ روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري ، قال : « إن رسول الله لما نزلت هذه الآية قال : ( الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي وولاية علي اللهمّ والي من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».

٥ ـ تاريخ بغداد ٨ : ٢٨٤ ، وذكر نحو ما تقدّم.

٦ ـ البداية والنهاية لابن كثير ٧ : ٣٨٦.

٩٣

عندما أصبحت الخليفة واستتب لي الأمر فقد قلت لابن عباس : يا بن عباس ، أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمّد؟

قال ابن عباس : فكرهت أن أُجيبه ، فقلت : إن لم أكن أدري ، فإنّ أمير المؤمنين يدري.

فقلت : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة فتجحّفوا على قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت.

فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، إن تأذن لي في الكلام وتحطّ عنّي الغضب تكلّمت.

فقلت له : تكلّم.

قال ابن عباس : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : ( اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت ) ، فلو أنّ قريشاً اختارت من حيث اختار لها الله لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأمّا قولك : ( إنّهم أبو أن تكون لنا النبوّة والخلافة ) فإنّ الله عزّ وجلّ وصف قوماً بالكراهيّة فقال : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالـهُمْ ) (١).

فقلت له : هيهات يا بن عباس ، قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرّك عليها فتزيل منزلتك منّي.

____________

١ ـ محمّد : ٩.

٩٤

فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، فإن كانت حقّاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه.

فقلت له : بلغني أنّك تقول : صرفوها عنا حسداً وبغياً وظلماً.

قال ابن عباس : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : ( ظلماً ) فقد تبين للجاهل والحليم ، وأمّا قولك : ( حسداً ) فأنّ آدم حُسد ونحن ولده المحسودون.

فقلت ( عمر ) : هيهات هيهات ، أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلاّ حسداً لا يزول.

فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين مهلاً ، لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بالحسد والغش ، فإنّ قلب رسول اللّه من قلوب بني هاشم.

فقلت له : إليك عني يا بن عباس (١).

ومنذ عاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع فقد كان يحاول أن يثبت هذا الأمر لعليّ لعلمه من أنّ قومه لن يرضوا به بعد وفاته ، لذلك حاول إبعاد كلّ كبار الصحابة وذلك بتجهيز جيش جعل جل الصحابة فيه ، وقد جنّدني فيه مع أبي بكر وأبي عبيدة وعثمان ، وأمّر علينا أُسامة بن زيد ، وهو شاب لم يتجاوز السابعة عشر من العمر ، وقد

____________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٨٩.

٩٥

عرفت مقصد الرسول من هذا الأمر ، لذلك حاولت تعطيل خروج الجيش بعدّة وسائل :

أولها :

طعني بأُسامة بن زيد لصغر سنه ونحن كبار الصحابة مجنّدون في جيشه ، وقد راقت هذه الفكرة للكثيرين ، لذلك تأخّر البعث ، وقد بلغ رسول الله ذلك ، فخرج معصّب الرأس محموماً يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان الأرض من شدّة ما به من لغوب ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

« أيّها الناس ، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أُسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أُسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وأيم والله إنّه خليقاً بالإمارة ، وإنّ ابنه من بعده لخليق بها » (١).

« لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة بن زيد » (٢).

ومع ذلك تشدّدنا في الأمر ، ولم ينفذ البعث ريثما نرى ما تنجلي عنه الأُمور.

____________

١ ـ ورد بألفاظ مختلفة في مسند أحمد ٢ : ٢٠ ، صحيح البخاري ٥ : ٨٤ ، كتاب المغازي ، باب عمرة القضاء ، صحيح ابن حبان ١٥ : ٥٣٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٥٩.

٢ ـ الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ١٧٣ ، شرح المواقف للجرجاني : ٦١٩ نقلا عن جواهر المطالب في مناقب الإمام علي ٢ : ١٧٣.

٩٦

س ٤ ـ كيف علمت بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يريد أن يصرح باسم علي عليه‌السلام في كتابة الوصيّة ، وماذا فعلت؟

ج ـ قلت لك : إنّنا أخّرنا بعث جيش أسامة ، وفي هذا الوقت كنّا لا نغادر المسجد ودار الرسول ، لذلك عندما طلب رسول الله أن يكتب الكتاب بقوله : « هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ».

فقد تبادر إلى ذهني ما حصل في غدير خمّ ، فعلمت أنّه يريد أن يصرّح باسم عليّ بكتاب ، فإنّه قال في خطبته : « تركت فيكم ما إن تمسّكت بهما لن تضلّوا أبداً : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي » ، وقال : « فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

وهنا يقول : « اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ».

إذاً الأمر واضح لذلك ودون أي تمهل قلت : إنّ رسول الله يهجر. أو إنّ رسول الله غلب عليه الوجع ، وقد صرّحت بذلك في كلام لي مع عبد الله ابن عباس في زمن خلافتي.

فقد سألت يوماً عبد الله ابن عباس ونحن نتحدث ، فقلت له : يا عبد اللّه ، عليك دماء البدن إن كتمتها ، هل بقي في نفس عليّ شيء من أمر الخلافة؟

قال ابن عباس : نعم.

قلت له : أيزعم أنّ رسول الله نصّ عليه؟

قال : نعم ، وأزيدك : إنّي سألت أبي عمّا يدّعيه فقال : صدق.

٩٧

فقلت له : لقد كان في رسول الله من أمره ذروٌ من قول ( طرف من قول ) لا يثبت حجّة ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعته من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام! وربّ هذه البنية ( يعني الكعبة ) لا تجتمع عليه قريش أبداً! فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه فأمسك (١).

س ٥ ـ هل قلت وحدَك : إنّ رسول الله يهجر ( معاذ الله )؟

ج ـ عندما قلت : إنّ رسول الله يهجر ، انقسم الناس فقوم يقولون : قرّبوا لرسول الله يكتب لكم ، وقوم يقولون ما قلت ، وعندما كثر اللغط قال رسول الله : قوموا عنّي ، فقد علم رسول الله أنّه لم يعد هناك داع من كتابة الكتاب لما سوف يوجب الطعن في مقام النبوّة.

وخرجنا من عند رسول الله بعدما قال قوموا عني ، وكان هذا آخر عهدي برسول الله.

س ٦ ـ هذا يعني أنّ رسول الله مات وهو غاضب منك وممّن كان معك ، ووقف موقفك في ذلك اليوم؟

ج ـ هذا صحيح ، ولكن كان قصدي هو فقط عدم التصريح لعليّ بالخلافة مخافة أن ينقسم المسلمون; لأنّ قريشاً لن ترضى به خليفة كما قلت آنفاً ، وهذا سبب مقالتي التي قلتها.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٢ : ٢١.

٩٨

منع إعلان وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

س ٧ ـ ماذا فعلتَ بعد ذلك ، وما كانت خطّتك؟

ج ـ أوّلا ، كان يجب أن أبقى في المدينة قريباً من المسجد ودار رسول الله ، لذلك كما قلت لك : أخّرت جيش أُسامة بن زيد ، وبما أنّي كنت قريباً من دار الرسول ، فكنت أوّل من علم بوفاة الرسول ، ولكن أبا بكر لم يكن موجوداً بسبب ذهابه إلى أهله في السنح ، فكان لابدّ أن أنتظره ريثما يحضر لنتابع الخطّة معاً ، ولذلك حملت سيفي ، ووقفت على باب المسجد ومنعت الدخول والخروج من المنزل ، وكنت أقول : إنّ رسول الله لم يمت وإنّما ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى ، وإنّه سوف يعود ويقطع أيدي وأرجل رجال يقولون إنّه مات ، وقد أرسلت إلى أبي بكر لكي يأتي ، وانتظرت على هذه الحالة حتى وصل أبو بكر ، وعندما خرج وقال قولته الشهيرة : من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت.

وبينما الناس بين مصدّق ومكذّب ، انتهزت هذه الفرصة وقلت لأبي بكر : هيا بنا إلى سقيفة بني ساعدة; لأنّ الأنصار مجتمعون عند رئيسهم سعد بن عبادة وقد كان مريضاً ، ولا بدّ أن نصل هناك لننفذ خطتنا ، وفعلا ذهبنا وأخذنا معنا أبا عبيدة بن الجرّاح ، وفي طريقنا رأينا ( عويم بن ساعدة الأنصاري ومعن بن عدي ) ، وهما من صفوة

٩٩

الأنصار ، وقد شهدا بدراً وكانا ذاهبين إلى المسجد ليستعلما عن حال رسول الله ، وعندما أخبرناهما أنّ رسول الله توفي قالا لنا : عودوا واقضوا أمركم بينكم ، وافترقنا ، هما ذهبا إلى المسجد ونحن ذهبنا إلى السقيفة (١).

أحداث السقيفة :

س ٨ ـ ماذا حصل عند وصولكم إلى السقيفة ، ومن بدأ الكلام؟

ج ـ أتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة ، وإذا بين أظهرهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا؟

قالوا : سعد بن عبادة.

فقلت : ما شأنه؟

قالوا : وجع.

فقام رجل منهم فحمد الله وقال : أمّا بعد فنحن الأنصار كتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر قريش رهط بيننا ، وقد دفت إلينا من قومكم دافة.

فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر ، وقد

____________

١ ـ صحيح البخاري ٨ : ٢٧ ، كتاب المحاربين ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ٢٣.

١٠٠