إفادات من ملفّات التاريخ

محمّد سليم عرفة

إفادات من ملفّات التاريخ

المؤلف:

محمّد سليم عرفة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-17-X
الصفحات: ٢٦٩

غاصبية ، واجعل أوتاد الأرض لبني أُميّة » (١).

وهذه كانت البداية ، وقد كان أبو سفيان مستشاري ، وقد استمعت لنصيحته فولّيت بني أُميّة الولايات فأعطيتهم الأعطيات فمثلا :

ـ وهبت خمس أفريقيا لمروان بن الحكم.

ـ وأدخلت الوليد بن عقبة الفاسق بنصّ الآية ( اِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ ) (٢) ، وولّيته على الكوفة.

ـ وقربت بني عمومتي ، أنشأت لهم العمل والولايات وهم أحداث غلمة لا صحبة لهم مع رسول الله.

ـ وتركت المهاجرين والأنصار لا أستعملهم على شيء ولا أستشيرهم واستغني برأيي عن رأيهم.

وما كان من الحمى حول المدينة ، ومن إدارة القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبيّ ولا يغزون ولا يذبون (٣).

وقد كان هذا لصلة رحمي ، وأني كنت كبير السنّ وقد قرّبتهم منّي لمشاورتي ، وليكن الأمر لهم من يحركون الأمور دون الرجوع إليّ ،

____________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٢٣ : ٤٧١.

٢ ـ الحجرات : ٦.

٣ ـ الإمامة والسياسة ١ : ٣٥.

١٤١

وهذا لم يرق لكثير من الصحابة الذين هضم حقّهم ورأوا أنّني قد بدلّت ما كان من سيرة أبي بكر وعمر وبدأوا بالطعن عليَّ.

س ٥ ـ هذا يعني أنّهم لم يطعنوا عليك لتغييرك سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل لانحرافك عن سنّة الشيخين ، وبسبب تصرّفك في الأعطيات والمنح في بني عمومتك ومنعها عن الصحابة؟!

ج ـ هذا صحيح; لأنّي لم أُخالف صاحبي في أمر سنّة رسول الله ، فقد كنت منعت كتابتها كما منعاها ، ولم تكن هناك سنّة مكتوبة على عهدي لكي أحرقها; لأنّ من كان قبلي قد سبقني إلى حرقها ، ولكن كنت قد خالفتهم في اجتهاداتهم ، ولكن طعنهم عليّ في أُمور قد فعلها عمر من قبلي ، ولكن لم يقفوا في وجهه; لأنّه كان يسكتهم ، فقد أعطى ومنع وحمل عليهم بالدرة.

وقد قمت خطيباً بعدما طعنوا عليّ فقلت : أمّا بعد أيّها الناس ، فإنّ لكلّ شيء آفة ولكل نعمة عاهة ، وإنّ آفة هذا الدين وعاهة هذا الملّة قوم عيّابون طعّانون ، يرونكم ما تحبون ، ويسرون ما تكرهون ، أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار ، لقد عبتم عليَّ أشياء ونقمتم أموراً قد أقررتم لابن الخطّاب مثلها ، ولكنّه وقمكم وقمعكم.

( وفي الطبري : ولكنّه وطأكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه ، فدفعتم له على ما أحببتم أو تكرهون ).

١٤٢

ولم يجترئ أحد يملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إليه ، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عدداً ، وأقرب ناصراً وأجدر ... أتفقدون من حقوقكم شيئاً؟

فما لي لا أفعل في الفضل ما أريد ، فلم كنت إماماً إذاً؟

أما والله ما عاب عليَّ من عاب منكم أمراً أجهله ، ولا أتيت الذي أتيت إلاّ وأنا أعرفه (١).

يعني أنّي كنت قد أعطيتهم ما كان يعطيهم عمر وأكثر ، وما بقي كنت أعطيه لقرابتي ، وهذا صلة لرحمي واجتهاد منّي.

س ٦ ـ هل تقصد أنّك لم تجتهد برأيك في مقابل النصوص ، وأنّ كلّ من وقف ضدّك كان من أجل توزيعك المال على أقربائك فقط؟

ج ـ بلى ، كنت قد خالفت السنن المعروفة باجتهادات من عندي ، ولكن لم يقف في وجهي لمخالفتي هذه السنن إلاّ عليّ ومن شايعه; لأنّه كان يعلم بالسنن ، أمّا بقية الصحابة فلم يكترثوا باجتهاداتي; لأنّهم ألفوها على عهد أبي بكر وعمر ، وإنّما طعنوا بي لأنّي عزلتهم عن الأُمور السياسية وولّيت بني عمومتي.

والدليل على ذلك أنّ هؤلاء الصحابة حضروا كثيراً من المواقف التي أحدثت فيها :

____________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٣٧٧.

١٤٣

( كإتمام صلاة السفر ، ومنعي من التلبية ، وتركي للتكبير في الصلاة ، ومنعي من التمتع في الحجّ ) فلم ينكر عليَّ غير عليّ بن أبي طالب (١).

ـ واعتللت وأنا بمنى ، فأتى عليّ ، فقيل له : صلّ بالناس.

فقال علي : إن شئتم ، ولكن أُصلّي لكم صلاة رسول الله ، يعني ركعتين!

فقالوا : لا ، إلاّ صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعاً ، فأبى عليّ أن يصلي بهم (٢).

ـ واجتمعت أنا وعليّ في مكّة والمدينة ، وأنا أنهى عن المتعة وأن يجمع بينهم ( أي الحجّ والعمرة ) ، فلمّا رأى ذلك عليّ أهلّ بهما جميعاً قائلا : لبيك عمرة وحجّة معاً.

____________

١ ـ قال عبدالرحمن بن يزيد : كنّا مع عبدالله بن مسعود ، فلمّا دخل مسجد منى قال : كم صلّى أمير المؤمنين عثمان؟ قال أربعاً ، فصلى أربعاً. قال : فقلنا : ألم تحدثنا أنّ النبيّ صلّى ركعتين وأبو بكر صلى ركعتين؟! فقال : بلى وأنا أحدّثكم الآن ، ولكن عثمان كان إماماً فما أخالفه والخلاف شرّ. السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ١٤٤ ، سنن أبي داود ١ : ٤٣٨.

يا للعجب من هذا الصحابي عبدالله بن مسعود إذ يرى في خلاف عثمان شرّاً ، ويرى في خلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ الخير.

٢ ـ المحلّى لابن حزم ٤ : ٢٧٠.

١٤٤

فقلت له : تراني أنهى الناس عن شيء وتفعله أنت؟

فقال عليّ : لم أكن لأدع سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول أحد (١).

لذلك ترى أن من وقف ضدّي من الصحابة غير عليّ لم يقفوا لتغييري في سنّة رسول الله كما قلت ، ولكن لتقصيري عليهم في المنح وعزلي لهم عن المناصب.

أبرز معارضي عثمان :

س ٧ ـ من كان أبرز معارضيك ، ولماذا وقفوا ضدّك؟

ج ـ ١ ـ عائشة بنت أبي بكر : لقد كانت عائشة على عهد أبيها وصاحبه شريكتهم في المشاورة بأمر السياسة والحكم ، فكلّ ما يقومان به لديها حديث يؤكّده أو تأويل يدعمه ، لذلك برزت في أيامهم وخبا نجم باقي نساء الرسول ، وقد زاد عمر في عطائها عن جميع نساء النبيّ ، فقسّم لكلّ واحدة بعشرة آلاف دينار وهي باثني عشر ألف دينار ، وأيضاً كانت في أوّل أمري تساعدني وتدافع عنّي وتتأوّل لي ، مثل إتمامها صلاة السفر (٢).

____________

١ ـ صحيح البخاري ٢ : ١٥١ ، كتاب الحجّ ، باب التمتع والأقران.

٢ ـ أخرج البخاري في صحيحه ٢ : ٣٦ ، كتاب الكسوف ، باب صلاة التطوع عن عائشة أنّها قالت : « الصلاة أوّل ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر

١٤٥

حتى جاء يوم وأتتني طالبة إرثها من رسول الله وقد كنت مستلقياً في داري ، وعندما قالت : أنّها تريد إرثها من رسول الله ، عدلت جلستي وضربت على ركبتي وقلت : فلتعلمن فاطمة أي ابن عمّ أنا لها اليوم؟

وقلت لها : إنّ فاطمة أتت أباك وطالبته فقال : إن رسول الله قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، وقد أيدتِ ما فعلاه وكنت معهم فيه ، والآن تطلبين مني هذا؟ لا والله.

فخرجت وأخرجت من دارها قميص رسول الله وقالت : لقد بدلّ عثمان وأبلى سنّة رسول الله قبل أن يبلى قميصه ، اقتلوا نعثلاً فقد كفر! (١)

٢ ـ طلحة بن عبد الله : لقد انضم طلحة إليَّ وبايعني بالخلافة ، وقد أغدقت عليه بالأعطيات والمنح بدون حساب ، فكثرت أمواله ومواشيه وعبيده ، حتى بلغ غلته من العراق وحده كلّ يوم ألف دينار (٢).

____________

وأتمت صلاة الحضر ، قال الزهري : فقلت لعروة : ما بال عائشة تتمّ؟

قال : تأوّلت كما تأوّل عثمان.

١ ـ الإمامة والسياسة : ٧٠ ـ ٧١.

٢ ـ قال ابن سعد في طبقاته ٣ : ٢٢٢ ، كانت قيمة ما ترك طلحة بن عبد اللّه من

١٤٦

لكلّ ذلك طغى طلحة وتجبّر وبدأ يؤلّب الناس ليطيح بي ويأخذ مكاني ، وقد كان من أشدّ المحرّضين عليّ ، حتى منعني من شرب الماء أيام الحصار وقد قلت في ذلك : « ويلي على ابن الحضرميّة ( طلحة ) أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي ويحرض على نفسي ، اللهمّ لا تمتّعه به واقب بغيه » (١).

وقد كانت عائشة عندما بلغها مقتل عثمان وأنّ الناس قد بايعوا طلحة فرحت فرحاً شديداً.

وقالت : « بعداً لنعثل وسحقاً ، إيه ذا الإصبع ، إيه أبا شبل ، إيه ابن عمّ ، لله أبوك ، أما إنّهم وجدوا طلحة لها كفؤاً » (٢).

٣ ـ الزبير بن العوّام : لن أتكلم عنه كثيراً ، ولكن كان مرتبطاً مع طلحة ، فلا يُذكر طلحة إلاّ والزبير معه ولا الزبير إلاّ وطلحة معه ، وهو أيضاً ممّن تنافسوا في الدنيا وملؤوا منها البطون ، فقد بلغت تركته ألف دينار وألف فرس وألف عبد ، وضياعاً كثيرة في البصرة والكوفة وفي مصر ، ويروي البخاري أنّه خلّف في تركته خمسين ألف ألف

____________

العقار والأموال وما ترك من الناضح ثلاثين ألف ألف درهم ، وترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار ، والباقي عروض ».

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ٣٥.

٢ ـ أنساب الأشراف للبلاذري : ٢١٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢١٥.

١٤٧

ومائتي ألف دينار (١).

وقد كان مع طلحة في إمالة الناس عنّي.

٤ ـ عمرو بن العاص : وكان والياً لمصر بعهد عمر ، فأقريته كما أقريت غيره من عمّال عمر وقتاً ما ، ولكن العام الأوّل من ولايتي لم يكد ينتهي حتى جعلت قرابتي تنظر إلى مصر نظرة لا تخلو من طمع فيها وطموح إليها ، فقد أغار عمرو على إفريقية فأصاب شيئاً من غنيمة ثمّ رجع ، فكففت يده عن هذا الغزو وأرسلت إلى إفريقية جيشا لا يذعن لسلطان عمرو في مصر وإنّما يتصل مباشرة بالمدينة ، متخطياً عمراً على غير المألوف ، وأمرّت على هذا الجيش عبد الله ابن أبي سرح ، وقلت له : إن فتحت إفريقية فلك خمس الخمس من الغنيمة ، ولذلك غضب عمرو بن العاص ، لأنّي خسيت به عن نظرائه من العمال.

وممّا أجج الموضوع أكثر توليتي لعبد الله بن سعد بن أبي سرح لخراج مصر وتركي لعمرو صلاتها وحربها ، وعندما نشب الخلاف بين الاثنين عزلت عمرو وجمعت لعبد الله صلاة مصر وحربها إلى ما كان عليه من الخراج ، لذلك أصبح عمرو بن العاص عدوا لدودا وممّن كان له الباع الأكبر في قتلي.

____________

١ ـ صحيح البخاري ٤ : ٥٢ ، كتاب الجهاد والسير.

١٤٨

وكان يحرّض الناس على قتلي والتشنيع عليَّ وكان يقول : والله إنّي كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان.

وعندما علم بقتلي قال : أنا أبو عبد الله ، ما حككت قرحة إلاّ أدميتها (١).

على أي حال ، فإنّ من وقف ضدّي كان ممّن أغدقت عليه بالمنح والعطايا ، حتى معاوية الذي بسطت يده على بلاد الشام وما حولها وأطلقت يده فيها ، فعند علمه بمحاصرتي بعث بجيشه إلى المدينة وأمرهم ألاّ يدخلوا ، بل أن يعسكروا خارج المدينة ، وعندما علموا بموتي رجعوا إلى الشام ، فهو كان يريد موتي ليخلوا له الأمر من بعدي ، وإلاّ كان باستطاعته أن يدخل ويفكّ الحصار عنّي ويخلّصني (٢).

ابن السوداء :

س ٨ ـ من هو ابن السوداء ، والذي يقولون إنّه كان من المؤلّبين عليك؟

ج ـ أطلق اسم : العبد الأسود أو ابن السوداء على عمّار بن ياسر ،

____________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٣٩٢ ـ ٣٩٥.

٢ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٤٠٢.

١٤٩

وأوّل من أطلقه هو مروان بن الحكم ، وذلك عندما اجتمع الناس من أصحاب الرسول وكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما أنكر الناس عليَّ من الأُمور التالية :

١ ـ هبتي خمس إفريقية لمروان بن الحكم ، وفيه حقّ الله والرسول ، وفيهم ذوو القربى واليتامى والمساكين.

٢ ـ التطاول في البنيان حتى عدوا سبع دور بنيتها في المدينة ، داراً لنائلة ، وداراً لعائشة وغيرهم من أهلي وبناتي.

٣ ـ بنيان مروان القصور بذي الخشب ( موضع بالمدينة ).

٤ ـ عمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ورسوله.

٥ ـ وما كان من إفشاء العمل والولاية في أهلي وبني عمومتي من بني أُميّة وهم غلمة لا صحبة لهم مع الرسول.

٦ ـ وما كان من الوليد بن عقبة إذ صلّى بهم الصبح وهو سكران أربع ركعات ، ثمّ قال لهم : إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم ، وإنّي لم أقم عليه الحدّ.

٧ ـ تركي المهاجرين والأنصار لا أستعملهم على شيء ولا أستشيرهم.

٨ ـ وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة ..

٩ ـ إدرار القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة

١٥٠

ليست لهم صحبة من رسول الله ، ثمّ لا يغزون ولا يذبّون.

١٠ ـ مجاوزتي الخيزران إلى السوط ، وإنّي أوّل من ضرب بالسياط ظهور الناس.

ثمّ تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يدي ، وكان ممّن حضر عمّار ابن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه لي والكتاب بيد عمّار ، جعلوا يتسللون عن عمّار حتى بقي وحده.

فمضى حتى جاء إلى داري فأستأذن عليَّ فأذنت له في يوم شات ، فدخل عليَّ وعندي مروان بن الحكم وأهلي من بني أُميّة ، فدفع الكتاب فقرأته.

فقلت له : أنت كتبت هذا.

قال : نعم.

قلت : ومن كان معك؟

قال : كان معي نفر تفرّقوا خوفاً منك.

قلت : من هم؟

قال : لا أخبرك بهم.

قلت : فلم اجترأت عليَّ من بينهم؟

فقال مروان : يا أمير ، إنّ هذا العبد الأسود قد جرأ عليك ، وإنّك إن

١٥١

قتلته نكلت به من ورائه.

فقلت : اضربوه فضربوه وضربته معهم حتى فتق بطنه ، فغشي عليه ، فجروه حتى طرحوه على باب الدار (١).

وهكذا ، فإنّ مروان بن الحكم هو أوّل من أطلق هذا الاسم على عمّار بن ياسر.

س ٩ ـ لكن يقولون إنّ ابن السوداء هذا يهوديّ ، ويُدعى عبد الله ابن سبأ ، وقد كان يفتن الناس عنك في مصر والشام والعراق وأججّ الناس ثمّ أتى إلى المدينة ، فما تقول؟

ج ـ أنا لم أسمع بوجود شخص يحمل هذا الاسم في أيامي ، ولو كان موجوداً لأحضره لي معاوية ، كما أحضر أبا ذر ونبذته إلى الربذة.

فلن يكون هذا المزعوم أعظم عندي من صاحب رسول الله أو من عمّار بن ياسر الذي ضربته مع القوم حتى فتق بطنه ، أو من عبد الله ابن مسعود ، وقد قتله عبد الله بن أبي سرح في مصر ، فلن يكون هذا اليهودي الذي يزعم به أعزّ عليَّ من محمّد بن أبي بكر أو محمّد ابن أبي حذيفة الذي كان يريد أن يفتك بهما لولا منعي له.

____________

١ ـ الإمامة والسياسة ١ : ٥١.

١٥٢

نهاية أمر عثمان :

س ١٠ ـ كيف كانت نهاية هذا الأمر؟

ج ـ اشتدّ الطعن عليَّ ، وذلك بسبب عبد الله بن أبي سرح ، فقد طلب أهل مصر تغييره فقلت : اختاروا رجلاً نولّيه على مصر ، فاختاروا محمّد بن أبي بكر ، ورضي الناس ، وعندما أرسلت محمّد ابن أبي بكر برسالة إلى عبد الله بن أبي سرح بطلب منه أن يقتل محمّد بن أبي بكر ومن معه ويقرّه على عمله ، وأُلقي القبض على حامل الرسالة وكان الكتاب بخاتمي ، وطالبت الجماهير الثائرة بمروان ، فأبيت أن أُسلّمه وتجمّعوا حول الدار ومنعوا عنّي الماء ، وبعث لي علي بالحسنين ليوصلا الماء لي وليحمياني ، لكنّ الثائرين تسوّروا الدار ودخلوا عليّ وقتلوني (١).

____________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٤٠٢ ـ ٤١٠.

١٥٣
١٥٤

حوار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام

( الخليفة الرابع )

استسلام عائشة لعواطفها.

آية الإنذار.

حديث الثقلين.

آية المودة.

آية المباهلة.

حديث المنزلة.

حديث السفينة.

آية التبليغ.

آية الولاية.

انقسام الأُمّة الإسلاميّة.

١٥٥
١٥٦

حوار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام الخليفة الرابع

س ١ ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليكم؟

ج ـ أنا أبو الحسن علي بن أبي طالب ـ واسمه عبد مناف ـ بن عبد المطلب ـ واسمه شيبة الحمد ـ بن هاشم ( عمرو ) بن عبد مناف ابن قصي.

وكان ابني الحسن يدعوني في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا الحسين.

ويدعوني الحسين أبا الحسن.

وكانا يدعوان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أباهما.

فلمّا توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعواني بأبيهما.

وكنّاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأبي تراب ، وكان قد وجدني نائماً على تراب قد سقط عنّي ردائي وأصاب التراب جسدي ، فجاء حتى أيقظني ، وجعل يمسح التراب عن ظهري.

ويقول لي : اجلس ، إنّما أنت أبو تراب ، فكانت من أحبّ الأسماء

١٥٧

التي كنتُ أفرح إذا دُعيت بها (١).

وكانت بنو أُميّة ترغّب خطباءها أن يسبّوني بها على المنابر ، وجعلوه نقيصة لي ووصمة عليَّ ، فكأنّما كسوني بها الحلي والحلل ، كما قال الحسن البصري (٢).

وكان اسمي الأوّل الذي سمّتني به أمي ( حيدرة ) باسم أبيها أسد بني هاشم.

والحيدرة : هو الأسد ، فغيّر أبي اسمي وسمّاني عليّاً (٣).

ودُعيت بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بوصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لوصيّته إليّ بما أراد.

وأُمّي : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، وهي أوّل هاشمية ولدت لهاشمي ، وكنت أصغر بنيها ، وجعفر أسنّ منّي بعشر سنين ، وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين ، وفاطمة بنت أسد أُمّنا جميعاً.

وأُمّي فاطمة أسلمت بعد عشرة من المسلمين ، فكانت الحادية

____________

١ ـ صحيح البخاري ٤ : ٢٠٨ ، كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب علي بن أبي طالب.

٢ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٢.

٣ ـ شرح صحيح مسلم للنووي ١٢ : ١٨٥.

١٥٨

عشرة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكرمها ويعظمها ويدعوها ( أُمّي ).

وأوصت إليه حين حضرتها الوفاة ، فقبل وصيتها ، وصلّى عليها ونزل في لحدها وأضطجع فيه قبل دفنها ، ثمّ البسها قميصه.

فقال له أصحابه : إنّا ما رأيناك صنعت يا رسول الله بأحد ما صنعت بها ، فقال : « إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها ، إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ، وأضطجعت معها ليهون عليها ضغطة القبر » (١).

وفاطمة أُمّي هي أوّل امرأة بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء (٢) ، ولِدْتُ في الكعبة ، وأنا أوّل وآخر إنسان يولد بها منذ بناها نبيّ الله إبراهيم عليه‌السلام للناس.

وعندما صار عمري ستّ سنوات أصاب قريشاً قحط ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّيه حمزة والعباس : « ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا المحل » ، فجاؤوا إليه وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفّوا أمرهم ، فقال : دعوا عقيلا وخذوا من شئتم ، فأخذ العباس طالباً ، وأخذ حمزة جعفراً ، وأخذني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال لهم : « قد اخترت من

____________

١ ـ الاستيعاب لابن عبد البرّ ٤ : ١٨٩ ، أسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٥١٧ ، سير أعلام النبلاء للذهبي ٢ : ١١٩.

٢ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٤.

١٥٩

اختاره الله لي عليكم ـ عليّاً » (١).

فكنت في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ كان عمري ستّ سنوات.

لذلك عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأُمّة سبع سنين ، وقد كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حينئذ صامت ما أُذن له في الإنذار والتبليغ.

وذلك لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أظهر دعوته وعمري ستّ سنوات ، لذلك عبدت الله قبل الناس أجمعهم ـ إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخديجة ـ بسبع سنين (٢).

قاتلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ معاركه وغزواته إلاّ غزوة تبوك ، فقد استخلفني في أهله فقلت : أتخلّفني في الصبيان والنساء؟

فقال : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي » (٣).

س ٢ ـ مولاي أمير المؤمنين ، سؤالي التالي ليس سؤال مستنكر

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٥.

٢ ـ سنن ابن ماجه ١ : ٤٤ وقال المحقّق : « في الزوائد : هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات. رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال وقال : صحيح على شرط الشيخين ».

٣ ـ صحيح البخاري ٤ : ٢٠٨ ، و ٥ : ١٢٩ ، صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ و ١٢١ ، كتاب الفضائل ، باب فضائل علي ( رضي الله عنه ).

١٦٠