إفادات من ملفّات التاريخ

محمّد سليم عرفة

إفادات من ملفّات التاريخ

المؤلف:

محمّد سليم عرفة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-17-X
الصفحات: ٢٦٩

ج ـ أقول لك بصراحة : إنّ بعض اجتهاداتي والتي تقول : إنّها تخالف النصوص الصريحة من الكتاب وسنّة رسول الله خلال حياته ، فقد كنت أسكن في عوالي المدينة وكان لي صديق من الأنصار من بني أُميّة وكنّا نتناوب النزول على رسول الله ، فينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك (١).

____________

وقد أجمعت الأُمّة الإسلاميّة على أصل مشروعيّة متعة النساء بالآية المذكورة والسنّة النبويّة ، وما قولهم بنسخها إلاّ تغطية لما أحدثه عمر بن الخطاب من البدعة.

ثم أكبر دليل على حليتها هو تحريم عمر لها بقوله :

»متعتان كانتا على عهد رسول الله ... « فهو يؤكّد على مشروعيّتها ، وأنّها كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه هو من يحرّمها.

وقد ذكر القوشجي ـ وهو من متكلّمة الأشاعرة ـ نص عمر بن الخطّاب وهو على المنبر : « ثلاثة كنَّ على عهد رسول الله وأنّي أنهى عنهن وأحرمهنّ وأعاقب عليهن : متعة النساء ، ومتعة الحجّ وحيّ على خير العمل » شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٤.

ثمّ اعتذر القوشجي : « بأنّه ( أي عمر ) قد اجتهد في ذلك »!!

وهذا الاعتذار ليس إلاّ تغطية لبدعة ببدعة مثلها; لأنّ الاجتهاد إنّما هو استنباط الأحكام من الأدلّة الشرعيّة ، وليس معنى الاجتهاد تحريم ما هو معلوم الحلّية!!

هذا غيض من فيض من اجتهادات عمر مقابل النصوص.

(١) صحيح البخاري ١ : ٣١ ، كتاب العلم باب التناوب في العلم.

١٢١

ومع ذلك فإنّ اليوم الذي أنزل فيه كان يلهيني فيه الصفق بالأسواق والتجارة ، فقد حدث في أثناء خلافتي أن استأذن أبو موسى عليّ وقد كنت مشغولا ، فرجع فقلت لحاجبي الموجود على الباب : ما الذي منع أبو موسى من الدخول ، ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس! ائذنوا له فدُعي له.

فقلت له : ما حملك على ما صنعت؟

فقال : إنّا كنا نؤمر بذلك.

فقلت له : فائتني على هذا بينة أو لأوجعن ظهرك وبطنك أو تأتي بمن يشهد لك على ذلك ، فانطلق إلى مجلس الأنصار ، فقالوا : لا يشهد إلاّ أصغرنا.

فقام أبو سعيد الخدري فقال : قد كنّا نؤمر بهذا.

فقلت : خفي عليّ هذا من أمر النبيّ ، ألهاني الصفق بالأسواق (١).

حتى إنّي كنت أغيب عن رسول الله في المناسبات الكبرى التي يجتمع فيها المسلمون كافة كيوم الفطر والأضحى ، لذلك كنت أسأل الصحابة عمّا كان يقرأ رسول الله في عيد الفطر والأضحى.

فقد سألت مرّة أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ رسول الله في الأضحى والفطر؟

____________

١ ـ صحيح مسلم ٦ : ١٧٩ ، كتاب الآداب ، باب الاستئذان.

١٢٢

فقال : كان يقرأ فيهما بـ ( ق والقرآن المجيد ) و ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) (١).

س ١٨ ـ عرفنا منك أنّك كنت تجهل الكثير من السنّة النبويّة الشريفة بسبب انشغالك بالصفق بالأسواق ، لكن يبدو أنّك كنت تخطئ كثيراً في الأحكام الموجودة في القرآن ، فما سبب ذلك؟

ج ـ إنّي لم أكن أحفظ من القرآن الكريم إلاّ النزر اليسير ، لذلك فقد حكمت في الكلالة التي قضيت فيها بعدّة أحكام متناقضة ، رغم نزولها في كتاب الله ، وبالرغم ممّا جاء فيها من التفصيل والبيان في السنّة ، وقد سألت النبيّ عن ميراث الجدّ مع الإخوة.

فقال لي النبيّ : ما سؤالك عن هذا يا عمر؟ إني أظنك تموت قبل أن تعلمه.

قال سعيد بن المسيب : فمات عمر قبل أن يعلمه (٢).

وقد قامت لي مرّة امرأة في المسجد عندما حاولت أن أُحدد المهور وصححت لي ، وذكّرتني بآية من كتاب اللّه.

فقلت : كلّ الناس أفقه من عمر حتى ربّات الحجال (٣).

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ : ٢١ كتاب صلاة العيدين ، باب ما يقرأ في صلاة العيدين.

٢ ـ كنز العمال للمتقي الهندي ١١ : ٥٨.

٣ ـ مجمع الزوائد للهيثمي ٤ : ٢٨٤ ، كشف الخفاء للعجلوني ١ : ٢٦٩.

١٢٣

وفي أُمور كنت أرى أنّ النصوص الواردة هي اجتهادات من رسول الله ، قد اجتهد فيها لمصلحة ، فإذا رأيت مصلحة في مخالفتها اجتهدت بمخالفة تلك النصوص ، مثل منع الرسول من كتابة كتاب يعصم الناس من الضلالة ، وهو على فراش الموت ، وكنت أعلم أنّه سيوصي لعلي بناءً على المقدّمات والنصوص الكثيرة الموجودة; لأنّ قريشاً تكره أن تكون النبوّة والخلافة في بني هاشم.

وتوجد اجتهادات اتخذتها وهي آنيّة لظرف حصل في وقتي ، ولكن الناس قد اتخذوها سنّة من بعدي وليس هذا ذنبي ، مثل صلاة التراويح والمتعتين ، فقد حرّمت المتعة من أجل قصة معروفة ، وهي قصة عمرو بن حريث ولم يكن تحريمي أبدياً أو بنصّ قد علمته وجهله كلّ الصحابة (١).

____________

١ ـ صحيح مسلم ٤ : ١٣١ ، كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة.

بقي أن نقول للذين يجعلون من معارضتك لكتاب الله وسنّة رسوله ، يجعلون ذلك من مفاخرك ومناقبك التي يمدحونك لأجلها ، والذين يلتمسون لذلك أعذاراً وتأويلات لا يقبلها عقل ولا منطق ، وإلاّ كيف تكون معارضتك لكتاب الله وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله من المجتهدين والله يقول في كتابه الله العزيز :

( وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب : ٣٦.

فقد ربط الله عزّ وجلّ إرادته بإرادة رسوله وجعلهما واحدة ، أي : من يعص

١٢٤

حجر الأساس لبني أُميّة :

س ١٩ ـ من المعروف عنك ، أو بمعنى آخر ما وصلنا عنك ، أنّك كنت كثيراً ما تغيرّ الولاة ، وخاصّة الذين يغتنون أو يبدوا عليهم آثار

____________

الرسول فقد عصى الله. وهذا واضح ولكن ( لا تَعْمَى الأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحجّ : ٤٦.

قال تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ) ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) المائدة : ٤٤ ـ ٤٥ ـ ٤٧.

ثمّ كيف يدافعون عنك ويقولون : إنّك قد رأيت مصلحة في مخالفة ما أمر به الرسول وقد جاء في الحديث الذي ذكره البخاري : « ما كان النبيّ يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي فيقول : لا أدري ، أو لم يُجب حتى ينزل عليه الوحي » صحيح البخاري ٨ : ١٤٨ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب ما يذكر من ذمّ الرأي وتكلف القياس.

ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى : ( بما أراك الله ) ، وقد قال العلماء قولا واحداً : « إنّه من قال في كتاب الله برأيه فقد كفر » وهذا بديهي من خلال الآيات المحكمات ومن خلال أقوال وأفعال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف ننسى هذه القاعدة إذا تعلق الأمر بك أو بأحد الصحابة أو أحد أصحاب المذاهب الأربعة فقط ، فيصبح القول بالرأي في معارضة أحكام الله اجتهاداً يؤجر عليه صاحبه أجراً إن أخطأ ، وأجران إن أصاب؟!

فهل أن الله قد أنزل ديناً ناقصاً وترك لكم أن تكملوه معاذ الله ، فقد قال الله تعالى في سورة المائدة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) المائدة : ٣.

١٢٥

النعمة والتبذير ، فقد كنت تصادر منهم نصف أموالهم وتعزلهم عن ولاياتهم ، إلاّ معاوية بن أبي سفيان ، فقد تركته في ولايته على دمشق بعد أخيه يزيد مدّة حكم أبي بكر وحكمك ، بالرغم ممّا كان يأتيك من أخباره وتبذيره وما تراه أنت ، حتى وصفته أنت بـ ( كسرى العرب ) ، ولم تعزله حتى صار له نفوذ كبير ممّا أسّس فيما بعد لقيام دولة بني أُميّة؟

ج ـ نعم ، هذا صحيح فقد كنت أعزل من تأتيني الأخبار عنهم بأنّهم قد خالفوا ما أمرتهم به من خشونة العيش ، ولكن من كنت أعزله كان ممّن لا أخاف منه الفتنة وتقليب الأُمور عليَّ ، أمّا معاوية فقد كنت أكسب به ولاء بني أُميّة أجمعين ، لذلك تركته في مقامه ، ولو أنّي وأبا بكر لم ندع ما في أيدي أبي سفيان من الصدقات وجعلنا ابنيه قادة للجيش الذاهب إلى الشام لما استقام لنا الأمر ، ولم نفز بهذا التحالف ضدّ عليّ وبنيه ، ولمّا استقام لنا الأمر.

س ٢٠ ـ لقد وصفت بيعة أبي بكر بأنها : « فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » (١).

فلماذا قلت هذا الكلام مع أنّ هذا طعن منك في أبي بكر وفي وصيّته لك بالخلافة; لأنّ خلافتك وليدة تلك الفلتة التي تقولها أنت؟

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٣١.

١٢٦

ج ـ نعم ، أنا قلت ذلك على مسمع ومرأى من الناس في خلافتي ، وذلك لأنّي سمعت أحد الأصحاب يقول : لو مات عمر لبايعت فلاناً ( يعني عليّاً ) ، لذلك خفت إن حصل لي شيء ، وإن أنا أوصيت لأحد كما فعل رسول الله أن يأتي أحدهم بغتة والناس مشغولون في موتي ويبايع ( عليّاً ) من دون الالتفات إلى وصيّتي ، فيخرق ما أجمعت عليه أنا وقريش ، لذلك وقفت على المنبر وقلت : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. وبذلك قطعت الطريق على من يريد أن يبايع أحداً وحصرت الخلافة من بعدي في من أوصي به (١).

س ٢١ ـ هذا يعني أنّك كنت مصرّاً على عدم عودة هذا الأمر إلى صاحبه الشرعي وإن بايعه الناس ، لذلك هدّدت بالقتل كلّ من يحاول إعادة ما فعلتماه! ثمّ افتعلت شوراك التي لم يعهد بمثلها!

فكيف كانت هذه الشورى ، وكيف ضمنت إقصاء الخلافة عن عليّ مع وجوده ضمن أصحاب الشورى الذين سمّيتهم؟

شورى عمر

ج ـ لما طعنني أبو لؤلؤة قال لي الناس : استخلف.

____________

١ ـ المصدر السابق ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٢٦.

١٢٧

وهنا رجعت بذاكرتي إلى السقيفة ، فقد كان ثالثنا أبو عبيدة بن الجراح ، فقلت لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته ، وبقي أمامي أوّل من بايع من المهاجرين وهو عثمان بن عفان ، ولأنّه هو الذي كتب عهد أبي بكر وقد جعلني فيه وأمضاه أبو بكر ، فأردت أن أُوصي له ، فدبّرت الأمر بنفسي ورتّبته حيث ينتهي إليه ، وأكون أمام الصحابة وبني هاشم قد جعلتها شورى ، لذلك قلت لمن كان عندي : إنّ رسول الله مات وهو راض عن هؤلاء الستّة من قريش : علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف.

وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم على طريقتي ، ليختاروا بأنفسهم ، ثمّ قلت لهم : أكلكم يطمع في الخلافة بعدي! فوجموا ، فقلتها لهم ثانية ، فأجابني الزبير وقال : وما الذي يبعدنا منها! وليتها أنت فقمت بها ، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة.

فغضبت منه; لأنّه ذكّرني بوضعي في قريش سابقاً ، وإنّهم أسمى منّي وأقدم مني إسلاماً.

فقلت لهم : أفلا أخبركم عن أنفسكم!

فقال الزبير : قل ، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا.

فقلت : أمّا أنت يا زبير فوعق لَقِس ضجر مبرم لا تستقيم على وجه ، مؤمن الرضى ، كافر الغضب ، يوماً إنسان ويوماً شيطان ، ولعلّها

١٢٨

لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مُدٍّ من شعير! أفرأيت إن أفضت إليك! فليت شعري ، من يكون للناس يوم تكون شيطاناً؟ ومن يكون يوم تغضب؟ وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأُمّة وأنت على هذه الصفة.

ـ ثم أقبلت على طلحة ـ وكنت مبغضاً له منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قاله عني ـ فقلت : أقول أم أسكت؟

فقال : قل ، فإنّك لا تقول من الخير شيئاً.

فقلت : أمّا أنّي أعرفك منذ أصيبت اصبعك يوم أحد والبأو ( الكبر والفخر ) الذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب!

فقد قال طلحة بمحضر ممّن نقل عنه إلى رسول الله : ما الذي يغنيه حجابهن اليوم! وسيموت غداً فننكحهن.

ـ ثمّ قلت لعبد الرحمن بن عوف : وأمّا أنت يا عبد الرحمن ، فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به ، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما لزهرة وهذا الأمر!

ـ ثمّ أقبلت على عليّ : فقلت له : لله أنت لولا دعابة فيك! أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحقّ الواضح ، والمحجة البيضاء.

ـ ثمّ أقبلت على عثمان فقلت له : هيهاً إليك! كأنّي بك قد قلدتك

١٢٩

قريش هذا الأمر لحبها إياك ، فحملت بني أُميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء.

ثمّ قلت : ادعوا إليّ أبا طلحة الأنصاري ، فدعوه لي ، فقلت له : انظر يا أبا طلحة ، إذا عدتم من حفرتي ، فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم ، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله ، واجمعهم في بيت ، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم ، فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما ، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن بن عوف ، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه ، فإن أصرّت الثلاثة الأُخرى على خلافها فاضرب أعناقها ، وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستّة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم (١).

وهنا وبهذا الترتيب قد أخرجت عليّاً من الخلافة وضمنتها لعثمان دون أن أذكره بالاسم!

لأنّ طلحة من بني تيم ، وبني تيم صار بينها وبين بني هاشم ضغن من عدم مبايعة علي لأبي بكر وطعنه فيه.

وسعد بن أبي وقاص ابن عمّ عثمان ، وسوف يقف معه.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٨ : ١٨٧.

١٣٠

وعبد الرحمن بن عوف صهر عثمان أيضاً.

ولم يبق مع علي إلاّ الزبير! وحتى لو كان طلحة مع علي فلن يغني عنه شيئاً; لأنّ الغلبة تكون للجهة التي يكون فيها عبد الرحمن بن عوف.

وإن اختلفوا جميعاً ولم يتفقوا قتلوا جميعاً وقتل عليّ ولم تصل له الخلافة ، وبذلك تكون الخلافة قد خرجت من بني هاشم أيضاً.

ـ وهكذا تمّ الأمر ووصلت الخلافة إلى عثمان ( وبني أُميّة ) ، لذلك نكتفي بالأسئلة الموجهة لعمر بن الخطاب الخليفة الثاني ، ونأتي الآن إلى الخليفة الثالث الذي وصل إلى الخلافة بنصّ من عمر ، ولكن بعد أمر دبر بليل كما يقول المثل.

١٣١
١٣٢

حوار مع عثمان بن عفان ( الخليفة الثالث )

شورى عمر المعهودة.

معارضة الصحابة.

أبرز معارضي عثمان.

ابن السوداء.

نهاية أمر عثمان.

١٣٣
١٣٤

حوار مع عثمان بن عفان ( الخليفة الثالث )

س ١ ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليك؟

ج ـ اسمي عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُميّة بن عبد شمس ابن عبد مناف ، وكنيتي ( أبو عمرو ) ، وأُمّي أروى بنت كريز بن ربيعة ابن حبيب بن عبد شمس (١).

أسلمتُ بعد ستة أو سبعة نفر من الصحابة; لأنّ أبا بكر بعد أن أسلم صحبني إلى الرسول وأسلمت على يديه.

خرجت مع رسول الله في معظم غزواته.

ولم أثبت في معركة!

ولم أكن بالقوّي الذي يذكر في ميدان القتال!

فقد هربت يوم أحد! ويوم حنين ، وقد عاتبني رسول الله لأنّي لم أعد إلاّ بعد ثلاثة أيام من انتهاء معركة أحد قائلا : لقد ذهبت بها

____________

١ ـ الإصابة لابن حجر ٤ : ٣٧٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٩٨.

١٣٥

عريضاً يا عثمان (١).

س ٢ ـ كيف وصلت إلى الخلافة؟

ج ـ لقد وصلت إلى الخلافة بتدبير من عمر أو قُل : بوصيّة منه ولكن مموهة ، وكنت لا أشكّ بأنّي الخليفة الثالث منذ مات أبو عبيدة ابن الجراح; لأنّ المتتبع لأمر السقيفة يعلم أنّ الخطة كانت أن يتولوا الخلافة بالتتالي ، وأنا أوّل من بايع من المهاجرين عندما دخل أبو بكر وعمر إلى المسجد ، فبايع بنو أُميّة ، ثمّ تتابع الناس ولم أعارض أي عمل فعله صاحباي (٢).

وقد كنت موضع سرّ أبي بكر ، فأنا كاتب وصيته ، وقد قال لي أبو بكر عندما كتبت اسم عمر :

« والله لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لها » (٣).

وكنت موضع سرّ عمر أيضا ، فكان الناس إذا أرادوا أن يسألوا عمر شيئاً رموه بي ، كنت اُدعى في إمارة عمر بالرديف ، والرديف

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٢١ ، الاستيعاب لابن عبد البرّ ٣ : ١٠٧٤ ، أسد الغابة لابن الأثير ٣ : ٤١٩ ، البداية والنهاية لابن كثير ٤ : ٢٢.

٢ ـ تقدّم التخريج.

٣ ـ كنز العمال للمتقي الهندي ٥ : ٦٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٢٩ : ١٨٥ ، تاريخ المدينة لابن شيبة ٢ : ٦٦٧.

١٣٦

بلسان العرب : الرجل الذي بعد الرجل ، والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد زعيمهم.

شورى عمر المعهودة :

س ٣ ـ ماذا حصل يوم الشورى المعهودة؟

ج ـ بعد دفن عمر ، جمعنا أبو طلحة الأنصاري ووقف على باب البيت في خمسين من الأنصار حاملي السيوف كما أمرهم عمر ، ثمّ تكلّمنا وتنازعنا ، فأوّل ما عمل طلحة أنّه أشهدنا على نفسه أنّه وهب حقّه من الشورى لي ، وذلك لعلمه أنّ الناس لا يعدلون بعلي أو بي أحداً ، وأن الخلافة لا تخلص له ونحن موجودان ، فأراد تقوية أمري وإضعاف جانب عليّ بهبة أمر لا انتفاع به ولا تمكن له فيه.

وهنا قال الزبير في معارضته : وأنا أشهدكم على نفسي أنّي قد وهبت حقّي من الشورى لعليّ.

وإنّما فعل ذلك لما رأى عليّاً قد ضعف وانخذل بهبة طلحة حقّه لي. دخلته حمية النسب; لأنّه ابن عمّة علي وهي صفية بنت عبد المطلب وأبو طالب خاله. وإنّما مال طلحة لي لانحرافه عن علي ، باعتبار أنّه تيمي ، وابن عمّ أبي بكر ، وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم شق شديد لأجل الخلافة ، وكذلك صار في صدور

١٣٧

تيم على بني هاشم ، وهذا مركوز في طبيعة البشر ، وخصوصاً طينة العرب وطباعها ، والتجربة إلى الآن تحقّق ذلك ، فبقي من الستّة أربعة.

ـ فقال سعد بن أبي وقاص : وأنا قد وهبت حقّي من الشورى لابن عمّي عبد الرحمن ، وذلك لأنهما من بني زهرة ، ولعلم سعد أنّ الأمر لا يتمّ له. فلم يبقى إلاّ ثلاثة أنا وعلي وعبد الرحمن.

فقال عبد الرحمن لعلّي ولي : أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟

فلم يتكلّم منّا أحد.

فقال عبد الرحمن : أشهدكم أنني أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدكما ، فأمسكنا ، فبدأ بعليّ وقال له : أُبايعك على كتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر.

فقال : بل على كتاب الله وسنّة رسوله واجتهاد رأيي.

فعدل عنه إليّ فعرض ذلك عليَّ ، فقلت : نعم.

فعاد إلى عليّ فأعاد قوله ، فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثاً ، فلمّا رأى أنّ عليّاً غير راجع عمّا قاله وأنّي أنعم له بالإجابة ، صفق على يدي وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين.

فقال عليّ : والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما

١٣٨

من صاحبه ، دقّ الله بينكما عطر منشم.

( منشم : اسم امرأة كانت بمكّة عطّارة ، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها ، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم ، فكان يقال أشأم من عطر منشم ) (١).

قيل : ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن ، فلم يكلّم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن.

س ٤ ـ يقول الحسن البصري : إنّه شهدك تخطب على المنبر بعد أن تولّيت الخلافة تقول : أيّها الناس ، اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافية ، أيها الناس اغدوا على كسوتكم فيغدون ، فيجاء بالحلل فتقسم بينهم ، حتى والله سمعت إذناي : يا معشر المسلمين اغدوا على السمن والعسل فيغدون فيقسمون بينهم السمن والعسل ، ثمّ يقول : يا معشر المسلمين اغدوا على الطيب وما على الطيب والمسك والعنبر ، والعدوان والله متّقي ، والأعطيات دارّة والخير كثير ، وما على الأرض مؤمن يخاف مؤمناً ... فماذا حصل بعد ذلك ، ولماذا أنكر عليك الناس ما يعدّ أشرا وبطرا؟ (٢)

____________

١ ـ لسان العرب ١٢ : ٥٧٧.

٢ ـ الإمامة والسياسة ١ : ٣١ ، تاريخ المدينة لابن شيبة ٣ : ١٠٢٣ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ٩٤.

١٣٩

معارضة الصحابة :

ج ـ عند وصولي إلى الخلافة وتوزيعي الأعطيات سُرّ الناس ، لأنّهم كانوا يعيشون شظف العيش على عهد أبي بكر وعمر ، ودخل السرور إلى قلوب قريش وفي مقدّمتهم بني أُميّة; لأنّها وصلت أخيراً إلى ما كانت تطمح له من قبل الرسالة ، وهو شرف قيادة العرب وإقصاء بني هاشم عن هذا الشرف ، وممّا يؤكد ذلك أنّ أبا سفيان دخل علىّ مرة وكان قد كفّ بصره ، فقال : هل هنا أحد.

فقالوا له : لا.

فقال : صارت إليك بعد تيم وعدي ، فأدرها كالكرة ، فإنّما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة ولا نار!!

وقال بعبارة أُخرى : « تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار » (١).

« يا بني أُميّة تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة » (٢).

وقال بعبارة أُخرى : «اللهمّ اجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك

____________

١ ـ تاريخ الطبري ٨ : ١٨٥ ، النزاع والتخاصم للمقريزي : ٥٩.

٢ ـ مروج الذهب ١ : ٤٤٠ ، نقلا عن الغدير للأميني ٨ : ٢٧٨.

١٤٠