معراج الهداية

الدكتور سعيد يعقوب

معراج الهداية

المؤلف:

الدكتور سعيد يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-430-2
الصفحات: ٢٠٢

القديم ، واعتقاداتهم ، فهو ليس بدعة ، وإنما بات بمنزلة اليقين لدينا بعد أن اختلطنا ببعض المعارف في علم النفس ، وبعد أن أجرينا جملة من التحليلات التي تلزم من أجل ابراز هذا الأمر واظهاره من مطامر الغياب ، إلى مرايا الحضور ، وبعد أن وصفت لنا آيات الله سبحانه المصطفين من رجاله ، والموظفين لديه في ابلاغ الناس عنه ، وتحميلهم الأمانات التي تسير في الناس بالقسط ، تدارسنا حياتهم ، وبالنظر إلى أن هذا الكتاب يمهد طريقاً نحو طريق ، فإنه اقتصر على جزء من حضور الإمامة ، وكان بذلك المشهد العلوي المقدّس ، هو فاتحة هذا الأمر.

والذي يرسي دعائم التصديق في الاتجاهات جميعها ، أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام رجل اختصه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لنفسه مثلما اختص الله أنبيائه لنفسه ، كما أدركنا كيف أن علي عليه‌السلام أيضاً أفنى نفسه فداءً لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانسجمت بذلك نفسيهما ، وهو القائل فيه : « عليّ مني وأنا منه ولا يؤدّي عني إلاّ عليّ » (١) ، وسبق أن قلنا : إنّ هذا ليس من أجل إبراز الفضائل ، إنما هو من أجل إجلاء الحق ، والتعرف على قائد النفس إلى فطرتها ، ومذكرها بآي ربها.

بذلك يمكن أن نلتقط ايحاءات كلماته عندما يأخذ في القول حول المصطفى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فعند تعليقه عن الكيفية التي تواترت فيها

__________________

١ ـ راجع تذكرة الخواص : ٤٢٠.

١٦١

الرسالة والنبوة إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول في وصف الأنبياء : « فاستودعهم في أفضل مستودع ، وأقرّهم في خير مستقر ، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام ، كلّما مضى منهم سلف ، قام منهم بدين الله خلف ، حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً ، وأعز الأرومات مغرساً ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه ، وانتجب منها أمناءه ، عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حرم ، وبسقت في كرم ، لها فروع طوال ، وثمرة لا تنال ، فهو إمام من اتقى ، وبصيرة من اهتدى ، وسراج لمع ضوؤه ، وشهاب ساطع نوره ، وزند برق لمعه ، سيرته القصد ، وسنته الرشد ، وكلامه الفصل ، وحكمه العدل » (١).

فإذا تأملنا في كلمات هذا التعريف بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبله عليه‌السلام ، رأينا أن لهذا التوصيف أبعاد شتى ، وإذا أخذنا مثلا جملة : ( الشجرة التي صدع منها أنبيائه ) ، أو جملة : ( هو امام من اتقى ، وبصيرة من اهتدى ) ، أو تلقفنا قوله : ( سراج لمع ضوؤه ، وشهاب سطع نوره ) ، سوف نجد استقراراً لمكين الحبّ في عمق نفسه له ، فمن ذا الذي أفرد نفسه للدفاع عنه ، منذ ليلة الهجرة حتى لحظة التحاقه بباريه سبحانه.

إنّ في هذه الكلمات توسع ، فالذي آمن برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٩٣.

١٦٢

شخص عادي شأنه شأن من آمن من الآخرين ، وعلّة هذا أن يراه يتقلّب في أصلاب الأنبياء ، ولا يخالط طهره شحوب أو رياء ، فهو من هذه الجهة ليس فقط مطمئناً للنبوّة اطمئنان من قامت عليه الحجة فدخل في دين الله ، بل يظهر أن يعرف كنه النبوّة ، ويعرف تمام القائم بها لا عن إعمال عقل ، وإنما عن بصيرة نبعت من ذاته ، فتراه يصفه بأنه أمام من اتقى ، ثم في مكان آخر يعرف الناس بأنه ( بلغ الرسالة صادعاً بها ، وحمل على المحجة دالا عليها ، وأقام أعلام الإهتداء ، ومنار البيضاء » (١).

فهو في جميع الأحوال آخذ من الله ، معطي إلى عباده كوسيط ينقل وحيه ، ولكن ليس هذا الوسيط من الأمر في غياب عن الاندماج في أصله ، بل مندمج فيه ، ليس دالا عليه فحسب ، بل تكاد تكون النبوة هي الشيء الوحيد الذي عبّر به عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر ، لكن ثمة ذلك الفارق الذي يفصل بين الإنسان مثلا والعمل الذي يقوم به ، فلنقل أن فلاناً صانع سفن ، فإن الصنعة شيء يضاف إلى الإنسان ، ولا يعبّر عن حقيقته ، وبمعنى آخر فإن كل أولي الوظائف الذين يقومون بأداء أعمالهم ، تنفصل العمال عنهم انسانياً ، أي من حيث هم بشر من جهة ، ومن حيث أنهم يمارسون الأعمال من جهة ثانية.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٨٥.

١٦٣

بينما عندما نتأمل في توصيف عليّ عليه‌السلام لمحمدٍّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإننا نكاد نتلمس كلاماً في أعماق الكلام ، يدلّ بشكل غير بعيد المنال ، على أن ثمة دمج تام بين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله النبيّ الرسول وبين النبوّة والرسالة ، هذا مثلا عند قوله عليه‌السلام : « قد صُرفت نحوه أفئدة الأبرار ، وتنبت إليه أزمّة الأبصار » (١).

سبق أن قلنا أن الغاية من ايفاد الرسل بحسب الآي الكريم ، هي أن يقوم الناس بالقسط ، هذا من جهة سلامة عيش الناس في الدار الدنيا ، وهم عليها لمكافؤون ، ولكن هنالك في عمق اللحظة البشرية عمق الحقيقة ، ثمة ضوء الحق الذي تنجذب نحوه الأفئدة ، وهي هنا جوهر ، كينونه ، ليست وظيفة ، فالذي تنصرف إليه الأفئدة بذاته أمر يتعلّق الأمر به ، لكن الذي تنصرف إليه الأبصار ، فإنّه جوهر نبوّة ، جوهر صفوة إلهية ، بذلك تكون النبوّة إحدى ملكاته التي تعبّر عنه ، وإن كان هو الذي في الواقع يعبر عنها ، ومن يكون ميلان الأبصار بكليتها نحوه ، معناه أنه ملاذ كل مخلوق ، عندما ينكشف عنه حجاب الظلمة أو ينزل منازل الأبرار ، ونجد أن عليّ عليه‌السلام عندما يتحدّث عن رفقته برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « أنا من رسول الله كالصنو من الصنو » (٢) ويدلنا على نفسه بطرائق ايضاحه للحقيقة المحمدية ، فهو في كل مرة

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٩٥.

٢ ـ نهج البلاغة : كتاب ٤٥ ، وقد مرّ.

١٦٤

يأتي فيها على ذكره عليه‌السلام ، يكشف حجاباً من الحجب التي لا يدركها عامة الناس ، ويحتاج معها المرء إلى هاد يسوس قلبه إلى إمامه الذي هو وإياه « كالصنو من صنوه » فيفرج مفردة تلو أخرى ، فنراه عندما يبتدىء الصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تارة يقدم صفة من صفاته ، وأخرى يظهر اداءً من أداءاته وفي غير مكان ينصرف لتقديس حقيقته.

وننظر هنا مثلا قوله فيه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله « الموضّحةُ به أشراط الهدى ، والمجلوُّ به غِربيبُ العمى » (١) ، والناظر إلى هذا القول ، يحتاج إلى دراية مكمن الغاية من ايراده ، فهذه ليست صفة من صفات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو عملا من أعماله ، إنما هي حقيقة من حقائقه ، فيه أي ( بذاته بمعناه ) تنكشف دلالات وعلاقات الهدى ، وبه أيضاً بما هو هو ، تنكشف ضلالات الظلمة ، فيخرج القلب من العمى إلى البصيرة.

وهذا مثل قوله عليه‌السلام في إظهار حقيقة آل محمد عليهم‌السلام عند ذكره « بنا اهتديتم في الظلماء » (٢) ، وهذا يشير إلى حقيقة النور الذي تكرس فيهم ، فالخروج من الظلمة كما سلف والدخول في النور يستلزم الانكشاف على الإمام ، وتهافت الأفئدة نحوه ، لذلك نجد الذي يخرج عن مدارات أنواره ، إنما هو ذلك الإنسان الذي لم يعمر الله

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٧٨.

٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٤.

١٦٥

قلبه ، وإن هو فعل لكان قد بلغ الاقبال بكلّيته عليه ، ولكان ممن أحباب الحكمة ، ولا غرابة في قوله عليه‌السلام ، ومشابهته التامة بينه وبين رسول الله ، سوى في تنزيل القرآن ، فقد أورد في مكان آخر ما نصه في سبيل ايضاح حقيقته للناس قوله : « إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، ولا يعي حديثنا إلاّ صدور أمينه ، وأحلام رزينة » (١).

وفي عطف هذا القول على ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ عليه‌السلام : « عليّ مني وأنا من عليّ » نجد أن هذا التلازم بين محمد وعليّ وآل البيت عليهم‌السلام ، هو تلازم في الكينونة في الماهية والذات ، الأمر الذي يجعلنا نقرّ بأن الإمامة في الناس هنا أيضاً قد انكشفت عن وحدة كما قدمنا بين رسل الله ، مستمرة متناقلة غير مفرقة فيما بين واحد منهم والآخر ، ولهذه الاستمرارية أعلام يظهرون فيما بين الزمن والآخر ، ولدى كل واحد منهم على السابق واللاحق.

يقول عليّ عليه‌السلام : « كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمّرت مع أولهم إلى آخرهم » (٢) ، ويقول في مكان آخر « أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم » (٣) ، فهو في مقولته الأولى يدلي بأنه جائز على

__________________

١ ـ نهج البلاغة : خطبة ١٨٩.

٢ ـ نهج البلاغة : كتاب ٣١.

٣ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٣٦.

١٦٦

معارف من سبق ومن لحق ، ويؤكدها غير مرة ، يقول هنا مثلا : « اللهم بلى! لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، أو خائفاً مغموراً ، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته » (١) ، ثم ليست هذا فحسب ، بل يترك الناس إلى الصدوع بأمر هذا الفهم للإمام ، ويكفي الحاذق أن يتأمّل قوله وهو يشير إلى صدره قائلا : « إنّ ههنا لعلماً جمّاً ، لو أصبت له حمله » (٢).

والذي يُستنتج مما تقدم ، إنّ علياً وآل بيت رسول الله جميعاً ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من جوهر واحد ، وان أمر هذا الجوهر صعب ، بل شديد الصعوبة ، لذلك لا يجد الإمام فيمن كان يغشاهم نوره ، من يتمكّن من تلقّي المزيد من معرفته ، كما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كرّر وصيته للناس في النظر في كيفية حفظهم لأهل بيته ، فهو يعلم أن القوم لا يعون معناهم (٣).

وفي العودة إلى تعريف عليّ عليه‌السلام الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نتابع طرقه في الكشف عن الحقيقة المحمدية ، وهو في هذه المرة يشير إلى ما حمّله الله نبيّه من أمانة تؤدّى في الناس ، يقول :

« أرسله بأمره صادعاً ، وبذكره ناطقاً ، فأدى أميناً ، ومضى

__________________

١ ـ نهج البلاغة : قصار الحكم ١٣٩.

٢ ـ المصدر نفسه.

٣ ـ أنظر التذكرة في وصية النبي بأهل بيته ، م. س.

١٦٧

رشيداً » (١) في هذه تجمل الأنبياء لديه عليه‌السلام ، فهو في مكان آخر من كلامه ، يقول : « واصطفى سبحانه من ولده أنبياء ـ أي آدم ـ ، أخذ على الوحي ميثاقهم ، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم ، لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم ، فجهلوا حقّه ، واتخذوا الأنداد معه ، ... وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ » (٢).

لعل هذا عمل من أعمال الأنبياء ، وكما أشرنا قبلا فإن ثمة مراتب يبوح بالتعريف فيها الإمام ، تارة تظهر الحقيقة بما هي جوهر ، وتارة تصدر لتعرف أو تشير إلى أداء من أداءاتها ، أو صفة من صفاتها ، فهو هنا يعبر عن صفة أكثر من كونها كنه أو ذات ، ونلاحظ مراودة الكلمة للمعنى عندما يريد لها أن تشير إلى صفة كيف تندرج إلى عالم الصفات ، وعندما يستدرجها كي تعبّر عن الحقيقة ، كيف ترتفع معه إلى مصافها ، وفي تعبير منه عن المكان الذي يضع فيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أمانته ، يقول في آل النبيّ عليهم‌السلام « هم موضع سرّه ، ولجأ أمره ، وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ، بهم أقام انحناء ظهره ، واذهب ارتعاد فرائصه » (٣).

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٩٩.

٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١.

٣ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٢.

١٦٨

وفي انتقال إلى موضع يذكر فيه النبيّ بقوله : « اجعل شرائف صلواتك ، ونوامي بركاتك ، على محمد عبدك ورسولك ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما انغلق ، والمعلن الحق بالحق ، والدافع جيشات الأباطيل ، والدامغ صولات الأضاليل » (١).

يلعب اظهار نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياة عليّ عليه‌السلام الدور الأكثر حسماً ، والأشد وضوحاً لسببين فيما نرى رئيسيين :

الأول : يفهم من اجمال مواقفه وكلماته عليه‌السلام بأن الناس قد ذهبوا بعيداً في التغيير في البناء النفسي الذي رسخ معالمه وابتدأ انشاءه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد يلاحظ المتابع لمواقفه وآرائه وخطابه أنه يلهج وراء اعادة المستوى النفسي الإيماني للبشر كافة ، وكان شيئاً مخالفاً جداً لما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد صار في حياة الناس شأناً اعتيادياً ، والذي يدركه الإمام بالقطع لا قدرة لأحد على ادراكه ، فهو كرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) لخصيصة الإقامة جوهرياً ، والتي يلزم منها بالضرورة كون هذا الإمام شاملا علمه ، تامة معارفه ، لا يعلمه أحد ، ولا يشعر أحد بأنه أشد منه بأساً في أي شأن من شؤون الدنيا والآخرة ، وأنه بناءً على ما قدمت لنا أبحاث نظرية الإمامة ، فهو كامل العصمة ، وعلته أن الله سبحانه اصطفاه ، مثلما برهنا في المكان الذي ورد فيه معنى العصمة بالإجمال.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٧١.

١٦٩

إذن ، فالناس مفارقة للدين الذي صرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمره من أجل إعلاء شأنه ، بحسب ما يفهم من كلام الإمام ، ونأخذ مثالا على ذلك هذا المقطع من خطابه لأصحابه ، يقول :

« وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون! وأنتم لنقض ذممم آبائكم تأنفون! وكانت أمور الله عليكم ترد ، وعنكم تصدر ، وإليكم ترجع ، فمكّنتم الظلمة من منزلتكم » (١).

فالملاحظ في معظم كلمته عليه‌السلام أن الناس قد صرفتهم الدنيا عما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو معظمهم ، فبذل جهده في إعادة هذا الأمر إلى نصابه ، وكان بذلك يعبّر عندما يريد الدخول في اعادته ، أي أنه كان يحضر ذكر الرسول الكريم ، ويجلي صدور الناس بتعداد مزاياه تارة ، واظهار حقيقته أخرى ، واعادة سيرته مرات ، بهدف توثيق العلاقات ما بينه وبين الناس ، في مواجهة نكوصات وانتكاس الناكسين. هذا الأمر الأول.

والأمر الثاني : يمكن التعرّف إليه أيضاً من خلال سيرته في الناس ، وهو التدليل على الإمام الهادي ، الإمام ( المثال ) ، في مواجهة زيغ قلوب الناس نحو أشخاص لا يرى فيهم ابتداءً أهلية القيادة ، فضلا عن أن منصب الإمامة لا يطالونه بحال ، ليس فقط لقصر قوامهم ، وإنما لما هو من تدبير الله ورسوله ، أعني من الشؤون التي

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٠٥.

١٧٠

يرتبها الله ورسوله في الناس ، ويصعب على الناس التدخّل فيها ، وإن تدخّلوا من غير حق ، قام صاحب الأمر الواقعي بإظهار هذا التدخّل ، ومكافحته ، حتى لا يختلط الحق بالباطل.

وهنا يشير عليه‌السلام إلى أن الله سبحانه قد بعث الرسول في الناس كي يخرجوا من ربقة الوثنية ، ومن سيطرة الشيطان ، وأيّده بكتابه المحكم البيّن ، حتى يتعلموا ويعلموا ربهم بعد أن جهلوه ، يقول :

« وليقروا به بعد إذ جحدوه ، وليثبتوه بعد إن أنكروه » (١).

ويقول عليه‌السلام في أبرز تعبير عما حواه القرآن الكريم :

« فتجلّى سبحانه لهم في كتابه من غير أن يكونوا رأوه ، بما أراهم من قدرته ، وخوفهم من سطوته » (٢).

إن تجلّي الله لعباده من خلال الكتاب الذي أنزل على محمد لهو من الكلام الذي يدلّ على أن الإمام قد خبر لبَّ الحقيقة ، وجاء بنا إلى جادة معرفته ، من خلال ما يدل به على نبيّه وكتابه.

فقد ارتكزت كلماته عليه‌السلام حول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على مرتكز معرفته الخاصة به ، لذلك جاءت تعبيراته عنه بهذا المقدار من الدقّة ، وهو بعد ذلك يقول لابنه الحسن عليه‌السلام لقد كان لك في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كاف لك من الأسوة ، مستنداً على القرآن الكريم في هذا ( لقد كان لكم في

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٤٧.

٢ ـ المصدر نفسه.

١٧١

رسول الله أسوة حسنة ) (١) ، ويتابع وصيته لولده وهي كما ذكرنا قبلا ، أنها تمثّل سعة الإمام في احتضان جميع أمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي لا تقف عند الإمام الحسن عليه‌السلام.

يتابع قائلا : « ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها ، وكثرة مخازيها ومساويها ، إذ قبضت عنه أطرافها ، ووطئت لغيره أكتافها ... فتأسَ بنبيك الأطيب الأطهر صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن فيه أسوة لمن تأسّى ، وعزاءً لمن تعزى وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيّه ، والمقتص لأثره ، قضم الدنيا قضماً ، ولم يعرها طرفاً ، اهضم أهل الدنيا كشحاً ، واخمصهم من الدنيا بطناً ، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها ، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه ، وحقّر شيئاً فحقّره ، وصغّر شيئاً فصغّره ، ولو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض الله ، وتعظيمنا ما صغّر الله ، لكفى به شقاقاً لله » (٢).

إن هذه الكلمات ، هي بحسب الوثائق التاريخية ، وصيته لابنه الحسن عليه‌السلام ، لكنها بحسب ميزان هذه الدراسة ، فإنها دستور يقف عليه كل من أدرك أن الإسلام هو الله ورسوله وكتابه وأهل بيته.

كيف هذا؟

إنّ الله سبحانه اصطفى أنبياءه وخاصته ، وأوفدهم إلى خلقه ، وأقام معهم الكتاب ، ثم بعد أن ختم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك في الناس الهداة ،

__________________

١ ـ الأحزاب : ٢١.

٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٦٠.

١٧٢

وبالاستدلال على الذين يهدون بما أنزل الله بلا تردد وما سنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا انقطاع ، نلتمس أن الإمام عليّ عليه‌السلام في هذه الوصية قد فتح نافذة جديدة على متابعة شؤون الطريق إليه به ، وستكون هذه النافذة ، حول تعريفه بآل البيت وحول بعض ما انكشفت له من حقائقه معرفة الله جلّ وعلا.

من هم آل محمد في خطاب الإمام عليّ عليه‌السلام

كلما اقتربنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر كلّما انفتحت أبواب رحمته علينا ، ولفح أرواحنا نوره أكثر ، ولعل الحزبية والعشائرية هي أكثر ما تكون بعداً فيما يجب في الإسلام ، فالله سبحانه علّم المسلمين أن لا يتفاضل بعضهم على بعض ، لا بنسب ، ولا بجمال ، ولا بقوة ، ولا بسلطان ، ولا مال ، ولا بأي شأن من شؤون الدنيا ، وإنّما جعل الفضل كما هو معروف عند صغار المسلمين قبل كبارهم ، جعله بالتقوى ، وجعلها مفتاح العروج إلى سدّة رحمته.

وقد تقدّم في بحث الأمة ، كيف أن النظرة القرآنية إلى الناس ، هي نظرة ترفع المؤمنين أياً كانت أعراقهم وألسنتهم وأوضاعهم الاجتماعية ، فقراء كانوا أم أغنياء ، أشداء كانوا أم ضعفاء ، لونهم أبيض كان أم أسود ، وعلى أي أرض وفي أي زمان ، بينما تخفض المنافقين والكافرين وجميع من يدخل في تسمية غير المؤمن ،

١٧٣

وتجعل مرتبتهم في نظر الله تعالى دون من يستحق حتى أن يذكر ، ولولا أن الكتاب أتى ليهدي الناس ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، بفضل ربهم ، لما رأينا القرآن يعير سوى المؤمنين أية عناية.

من هنا ينبغي أن تعلم! أن الله سبحانه ورسوله ، وآل بيته الذين لم يختلفوا في القرآن ولم يخالفوه ، جميعاً يدعون إلى أمة واحدة ، هي أمة مبنية على الالتزام بمبادىء الإسلام ، أي على أساس عقائدي ، لا على أي أساس آخر.

هكذا نفهم من كلام الله وكلام رسوله وآل بيته ، لذلك عندما نأخذ في تناولنا هنا آل بيت النبيّ بحسب ما يقودنا إليه كلام الإمام ، فإن الذي لا ينبغي أن يظن ، أنهم شكلوا حزباً قبلياً ، أو اعتصموا بالطريقة الجاهلية في التعامل ، وإنما تدلّنا سيرتهم على أنهم باعدوا بين من لم يلتزم تعاليم الله تعالى ، أو خالفها ، وإن كان من خاصة نسبهم ، وقرّبوا من التزم بدين الله تعالى ، وإن كان من أبعد الأبعدين عنه.

والمراد من هذا أن عليّاً عليه‌السلام لما أتى على ذكرهم ، لم يكن اتيانه هنا على أسس حزبية أو عشائرية ، حاشاه ، إنما جاءت موازنته ما بينهم وبين الناس فيما فضلهم الله به عليهم ، فهم بحسب تعبيره : « إنّا صنائع ربنا ، والناس صنائع لنا » (١) (٢).

__________________

١ ـ نهج البلاغة : كتاب ٢٨.

٢ ـ آل النبي أسراء احسان الله عليهم ، والناس أسراء فضلهم بعد ذلك.

١٧٤

من يملك من المؤمنين والمؤمنات أن يختار رداً لقضاء الله ورسوله إذا اختارا شيئاً ، الله سبحانه يقرّر ذلك : ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) (١) بهذه الآية المباركة تفهم كلمته بأن أهل البيت صنائع الله ، والذي يمعن الإمام في اظهاره هنا ، هو الوقوف في وجه من يرغب عن قضاء الله ورسوله ، لا عن تعصّب ، إنما تنفيذاً لحكمه ، والزاماً لغير الراضين.

وهو بعد ذلك يرفد الناس بالاطلاع عليهم مبتدأ بنفسه وبالدور الذي يضطلع به في الناس ، ويرجى الالتفات والتأمل هنا في أوضاع المخاطبين ، فهو يعبّر عن حال الدين بعد الفاصل بين قيادته للأمة « القيادة السياسية هذه المرة » وبين المسافة التي قطعتها الناس فيما تلا وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

يقول : « أيتها النفوس المختلفة ، والقلوب المتشتتة ، الشاهدة أبدانهم ، والغائبة عنهم عقولهم ، أظأركم على الحق وأنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد هيهات أن أطلع بكم سرار العدل (٢) ، أو أقيم اعوجاج الحق.

اللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ، ولا

__________________

١ ـ الأحزاب : ٣٦.

٢ ـ أي ان اكشف ما عرف على العدل من الظلمة.

١٧٥

التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنرد المعالم من دينك ، ونظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام المعطلة من حدودك » (١).

الملاحظ بلا كثير عناء أن الإمام يوثق في الناس دور الأئمة من جهة ، ويظهر الوضع الذي آل إليه الدين بين الناس من جهة ثانية ، ويظهر أيضاً وهو الأكثر أهمية هنا بالنسبة لبحثنا ، أنه يشير إلى قيامه بأمر الله تعالى ، يعرف بحقيقة إمامته ، فهو لا يخرج للناس كي يتسلم زمام سلطة ولا ليتكسب أو يعتاش ويثري ، فهذا لم يعرف عنهم آل البيت عليهم‌السلام ، لعدم حاجتهم إلى ذلك ، شأنهم شأن كل الهداة من رسل وأنبياء ، فغايتهم القيام بأمر الله ومحاولة ايصال الناس إليها ، ويتزعم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام هذا الإظهار منذ نومه في فراش رسول الله ليلة هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن يسلّم في الناس عهده إلى ولده الإمام الحسن عليه‌السلام.

ويدلّنا قوله هنا على أولية لحاقه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

« لم يسبقني إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة » (٢).

هذا في تعريفه بنفسه في البداية ، ولم يترك أيضاً النهايات فحدّث الناس عما يأتي من ورائه في عدّة مواطن من خطبه ، نأخذ مثلا هنا هذا الشاهد ، يقول : « إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٣١.

٢ ـ المصدر نفسه.

١٧٦

أخفى من الحق ، ولا أظهر من الباطل ، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله » (١).

ونلاحظ أنه عليه‌السلام عندما يستخدم كلمة بعدي ، فإنه يشير ليس فقط إلى الحين من الزمان ، إنما يشير أيضاً إلى الموقف الذي تتخذه الناس ، فإن كان معه « وهو الذي يدور الحق معه حيث ما دار » (٢) فإن أصحاب هذا الموقف ظاهر فيهم الحق ، وإن كان سوى ذلك ، فإن الكلام هنا يفيد عكس الحق ، « فبعدي » تشير أيضاً إلى النهج إن استمر فهو لا خروج معه عن دين الله تعالى.

وهذا ينبغي أن يلتمس في الهداة من آل البيت عليهم‌السلام ، فهو عليه‌السلام يؤكد أنهم « عيش العلم ، وموت الجهل ، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق ، وصامت ناطق » (٣).

ويعلّل الإمام وصفه لآل البيت بقوله : « نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً » (٤).

بدون شك يصل المتأمّل للطريقة التي يظهر فيها الإمام حقيقتهم ،

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٤٧.

٢ ـ أنظر الاحتجاج للطبرسي : ١ / ١٩١.

٣ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٤٧.

٤ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٥٤.

١٧٧

أي الأئمة من آل البيت عليهم‌السلام تنكشف له ظواهر يلج من خلالها إلى البواطن ، فالذي عرف عليّ عليه‌السلام ، عرف أنه أصدق من نطق هو ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنه لم تأخذه في الحق لومه لائم ، وهنا يتابع وصفه وتعريفه بهم ، يقول :

« فيهم كرائم القرآن ، وهم كنوز الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يسبقوا » (٢).

وفي دمج هذه الخطبة مع قوله : « هم الذين يخبركم حكمهم من علمهم » ، نصل إلى أن حقيقتهم جميعاً واحدة ، ونقف عند قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك : « عليّ مني وأنا منه » (٢) ، ونعلم أن رسول الله لا ينطق عن هوى ، فتكون مع النتيجة الموضوعية أن أئمة الهدى من معدن واحد ، جميعاً أنبياء ورسل وأوصياء ، بدلالة الحق الذي اظهره الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام علي عليه‌السلام كما تبيّن في عدّة مواطن.

وعندما يستخرج من نصوص الكتاب والسنة ، ذاك الفارق بين النور والظلمة ، ونقف على حقيقة النور ( البصيرة ) والظلمة ( العمى ) ، يترتب علينا التوجّه إلى الله ورسوله بأئمتنا الهداة ( المثل ) الذين ينبغي من أجل التعرّف على حقيقتهم ، أن نلج : نور الله من خلالهم ، ونخرج شرك الظلمات من حياتنا ، مستدلين على ذلك بقوله عليه‌السلام : « بنا

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٥٤.

٢ ـ ورد مصدر هذا الحديث فيما سبق ، فراجع.

١٧٨

اهتديتم في الظلماء » ، وهو إذ يقول هذا دائماً لا ينفصل فيه عن كتاب الله ورسوله ، وقد أوضح معنى النور في عدّة أماكن ، وهو الذي سطع بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأضاء به (١) ، وهو الذي « أجلي به غربيب العمى » ، وفي توطيد انبثاقه عن الحقيقة المحمدية ، يقول عليه‌السلام : « بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى » (٢).

هكذا يمهد الإمام علي عليه‌السلام لنا طرقات معرفته ، ويدلّنا به وبالقرآن والنبيّ وآل البيت على ملاذ قلوبنا ، على من تسلّم له زمام الأفئدة ، وتروى من عطشها به الظمآء ويربطنا بوصيته عليه‌السلام هنا في قوله :

« أما وصيتي : فالله لا تشركوا به شيئاً ، ومحمداً فلا تضيعوا سنته ، أقيموا هذين العمودين ، وأوقدوا هذين المصباحين » (٣).

الكلمة التي تنتهي بأوقدوا هذين المصباحين تلفت الانتباه إلى أمر فيه الأهمية ، معناه : انّ اتباع الهدى والانكشاف على نور الله ومعرفة الرسول والإمام هي تحت تصرّف المرء ، أي ليس بعاجز عن فتح أبواب الله تعالى على قلبه ، كما أنه ضمن امكاناته أيضاً اغلاقه ، ودعونا ننجز هذا المبحث باقتطاع هذه الكلمات من احدى خطبه عليه‌السلام في أهل بيت النبوة عليهم‌السلام ، يقول :

__________________

١ ـ راجع الخطبة الثانية من النهج ، بعد انصرافه عليه‌السلام من صفين.

٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٤٤.

٣ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٤٩.

١٧٩

« لا يقاس بآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الأمة أحد ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين إليهم يفيئ الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة » (١).

وإذا أردنا أن نبصر بعد ذلك طريقاً نلتمس به رياض الإسلام وأنوار الكتاب والنبيّ ، فإن عليّ وآل البيت هم كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله الأبواب ، وعلينا أن نعرف شيئاً ونلقي سمع الأذن والفؤاد إلى قوله : « أريدكم لله وتريدوني لأنفسكم » ، وإذا انتبه قارئ إلى هذه الجملة الآتية من كلامه ، وارتعد فؤاده لقراءتها ، عرف طريقاً يسلكه إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام خارج متاهات الاستدلال على الإمام ، وفق طرق تغييبه التي اتبعت عند عامة من بحث عنه على شروط توضع من أجل أن يتبؤا منصبه ، فلا شرط إذن سوى حكمة الله تعالى في اصطناع أنبيائه لنفسه وبعثهم في الناس ، واطلاق الهداة الذين اختصهم فكانوا ممن يلحق بهم التالي ، ولا يقاس بهم أحد.

وفي كلمة نختم بها هذا المبحث هنا ، هي مثار تأمل لذي لب ، يقول عليه‌السلام لشخص امتحنه في أن جعله من عماله ، وتعبّر هذه المقولة عن ذروة معرفته بنفسه والحق الذي هو عليه بتمامه وكماله : « لأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلاّ دخل النار » (٢).

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٢.

٢ ـ نهج البلاغة : كتاب ٤١.

١٨٠