الامام محمّد الجواد عليه السلام .. سيرة وتاريخ

السيد عدنان الحسيني

الامام محمّد الجواد عليه السلام .. سيرة وتاريخ

المؤلف:

السيد عدنان الحسيني


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-217-2
الصفحات: ١٤٩

تُنكِرُونه ؟

ثم أقبل علىٰ أبي جعفر عليه‌السلام فقال له : أتخُطب يا أبا جعفر ؟ قال : « نعم يا أمير المؤمنين » فقال له المأمون : أخطب ، جُعلت فداك لنفسك ، فقد رضيتك لنفسي وأنا مُزَوِّجُكَ أم الفضل ابنتي وإن رغم قومٌ لذلك.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « الحمدُ لله إقراراً بنعمته ، ولا إله إلّا الله إخلاصاً لوحدانيته ، وصلّى الله علىٰ محمدٍ سيِّدِ بريَّته والأصفياء من عترته.

أما بعدُ : فقد كان من فضل الله علىٰ الأنام أن أغناهُم بالحلال عن الحرام ، فقال سُبحانه : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (١). ثم إنَّ محمد بن علي بن موسىٰ يَخطُبُ أم الفضلِ بنتَ عبدالله المأمون ، وقد بَذَلَ لها من الصداق مهر جدَّته فاطمة بنت محمد عليهما‌السلام وهو خمسمائة درهم جياد ، فهل زوَّجته يا أمير المؤمنين بها علىٰ هذا الصداق المذكور ؟ ».

قال المأمون : نعم ، قد زوَّجتُك أبا جعفر أم الفضل ابنتي علىٰ هذا الصداق المذكور ، فهل قَبِلتَ النكاحَ ؟ قال أبو جعفر عليه‌السلام : « قد قَبِلتُ ذلك ورَضِيتُ به ». فأمر المأمون أن يقعد الناس علىٰ مراتبهم في الخاصة والعامّة.

قال الريان : ولم نلبث أن سمعنا أصواتاً تُشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم ، فإذا الخدم يجرُّون سفينةً مصنوعةً من فِضَّةٍ مشدودة بالحبال من الإبريسم علىٰ عجلٍ مملوءةً من الغالية (٢) ، فأمر المأمون أن تُخضبَ

________________

١) سورة النور : ٢٤ / ٣٢.

٢) الغالية : ضرب من الطيب مركب من مسك وعنبر وكافور ودهن البان وعود.

٦١

لحىٰ الخاصة من تلك الغالية ، ثمَّ مُدَّت إلىٰ دار العامّة فطُيِّبوا منها ، ووضعت الموائد فأكل الناس ، وخرجت الجوائز إلىٰ كلِّ قوم علىٰ قدرهم ، فلما تفرَّق الناس وبقي من الخاصة من بقي ، قال المأمون لأبي جعفر : إن رأيت ـ جُعلت فداك ـ أن تذكر الفقه فيما فصَّلته من وجوه قتلِ المُحرِم الصيد لنعلمه ونستفيده.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « نعم ، إنَّ المُحرِم إذا قتَلَ صيداً في الحلِّ وكان الصيدُ من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاةٌ ، فإن كان أصابه في الحرم فعليه الجزاءُ مضاعفاً ، وإذا قتلَ فرخاً في الحلِّ فعليه حملٌ قد فطم من اللبن ، وإذا قتله في الحرم فعليه الحملُ وقيمةُ الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرةٌ ، وان كان نعامة فعليه بدنةٌ ، وان كان ظبياً فعليه شاةٌ ، فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاءُ مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة ، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحجِّ نَحَرَه بمنىٰ ، وإن كان إحرامُه للعمرة نحره بمكّة. وجزاءُ الصيد علىٰ العالم والجاهل سواء ، وفي العمد له المأثم ، وهو موضوع عنه في الخطأ ، والكفارة علىٰ الحرِّ في نفسه ، وعلىٰ السيد في عبده ، والصغير لا كفارة عليه ، وهي علىٰ الكبير واجبةٌ ، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة ، والمصرُّ يجب عليه العقابُ في الآخرة ».

فقال له المأمون : أحسنت ـ أبا جعفر ـ أحسن الله إليك ، فإن رأيت أن تسأل يحيىٰ عن مسألةٍ كما سألك. فقال أبو جعفر ليحيى : « أسألك ؟ ». قال : ذلك إليك ـ جُعلت فداك ـ فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلّا استفدته منك.

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : « خَبِّرني عن رجل نظرَ إلىٰ امرأةٍ في أول النهار فكان

٦٢

نظرهُ إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار حلَّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلَّت له ، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه ، فلما دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلَّت له ، فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه ، فلما طلع الفجر حلَّت له ، ما حال هذه المرأة وبماذا حلَّت له وحرمت عليه ؟ ».

فقال له يحيىٰ بن أكثم : لا والله ما أهتدي إلىٰ جواب هذا السؤال ، ولا أعرف الوجه فيه ، فإن رأيت أن تفيدناه.

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : « هذه أمةٌ لرجلٍ من الناس نظر إليها أجنبيٌّ في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلَّت له ، فلمّا كان الظهر أعتقها فحرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر تزوجها فحلَّت له ، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه ، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفَّر عن الظِّهار فحلَّت له ، فلمّا كان نصف الليل طلَّقها واحدة فحرمت عليه ، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلَّت له ».

قال : فأقبل المأمون علىٰ من حضره من أهل بيته فقال لهم : هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب ، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال ؟! قالوا : لا والله ، إن أمير المؤمنين أعلم وما رأىٰ.

فقال لهم : ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصُّوا من الخلق بما ترون من الفضل ، وإنَّ صغر السنِّ فيهم لا يمنعهم من الكمال ، أما علمتم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام وحكم له به ، ولم يدع أحداً في سنِّه غيره. وبايع الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما ابناه دون الستّ سنين ولم يبايع صبيّاً غيرهما ، أفلا تعلمون الآن ما اختصَّ الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذريّةٌ بعضها

٦٣

من بعضٍ ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم ؟! قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين ، ثمَّ نهض القوم.

فلمّا كان من الغد احضر الناس ، وحضر أبو جعفر عليه‌السلام ، وصار القوّاد والحُجّاب والخاصّة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر عليه‌السلام ، فأخرجت ثلاثة أطباقٍ من الفضَّة فيها بنادق مسكٍ وزعفرانٍ معجون ، في أجواب تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنيَّة واقطاعات ، فأمر المأمون بنثرها علىٰ القوم من خاصَّته ، فكان كلُّ من وقع في يده بندقة ، أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فاطلق له. ووضعت البِدَر ، فنثر ما فيها علىٰ القوّاد وغيرهم ، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا. وتقدَّم المأمون بالصدقة علىٰ كافّة المساكين. ولم يزل مكرماً لأبي جعفر عليه‌السلام معظّماً لقدره مدة حياته ، يؤثره علىٰ ولده وجماعة أهل بيته (١).

الثورات والانتفاضات في عهد الإمام عليه‌السلام

لم تزل الثورات العلوية والانتفاضات الشيعية ، منذ وضعت حرب الإمام الحسين عليه‌السلام أوزارها ، تتأجج وتشتعل بين الحين والآخر كلّما سنحت لذلك فرصة ، وكلّما برز قائد ناهض. يساعد علىٰ ذلك ؛ استمرار دور

________________

١) إعلام الورىٰ ٢ : ١٠١ ـ ١٠٥. والاحتجاج : ٢ : ٤٦٩ ـ ٤٧٧ / ٣٢٢ الطبعة الاُولىٰ المحققة ١٤١٣ ه‍ مثله. وذكر نحوه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ١ : ١٨٢. والطبري في دلائل الإمامة : ٣٩١ / ٣٤٥. والمفيد في الاختصاص : ٩٨ طبع قم ١٤٠٢ ه‍. وابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٦٧ ، وغيرها من المصادر.

٦٤

الأئمة عليهم‌السلام وحركتهم التغييرية داخل الاُمّة أولاً ؛ وثانياً : استمرارية تسلط الحكومة الجائرة الظالمة اللاشرعية علىٰ رقاب المسلمين ، وانتشار الفساد الاجتماعي والاداري والتعسف والجور.

وسنتناول هنا ما سجّله لنا التاريخ من ثورات أو انتفاضات انطلقت في عهد إمامة أبي جعفر الثاني عليه‌السلام. مع أن البعض من تلك الأحداث وإن وقعت في حياته عليه‌السلام إلّا أننا أعرضنا عن ذكرها ؛ لئلّا تطول بنا صحائف هذه الدراسة الموجزة ؛ ولأن تلك الحوادث كانت مما وقع في عهد ( إمامة ) الإمام الرضا عليه‌السلام ؛ كثورة محمد بن إبراهيم بن طباطبا في الكوفة ، وما تلاها من مساجلات وحروب لقائده العسكري أبي السرايا السري بن منصور (١). ثم انتفاضة اليمن بقيادة إبراهيم ابن الإمام موسىٰ بن جعفر عليه‌السلام ؛ وخروج محمد ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام في المدينة المنورة (٢) ؛ وانتفاضة الكوفة مرة اُخرىٰ سنة ( ٢٠٢ ه‍ ) بقيادة أبي عبدالله ابن منصور أخو أبي السرايا (٣). كما أن حركة حدثت بقيادة جعفر بن داود القمي سنة ( ٢١٤ ه‍ ) ذكرها الطبري في تاريخه (٤) بشكل مقتضب ، ولم نعثر علىٰ تفاصيل تاريخية لهذه الحركة ، ولم نقف علىٰ ذكر لجعفر القمي هذا ، ومن يكون ؟

وتحت تأثير القسوة التي أبداها المأمون العباسي ، والدهاء الذي أظهره ، من خلال تسليم ولاية العهد للإمام الرضا عليه‌السلام ، أصبحت الأوضاع السياسية في حالة شبه مستقرة ، واستحالت الثورات وكل تحرك ضد سلطته القائمة

________________

١) راجع مقاتل الطالبيين : ٤٣٥.

٢) مقاتل الطالبيين : ٤٣٨.

٣) راجع : تاريخ الطبري ٨ : ٥٥٨. وتاريخ الإسلام / الذهبي ١٤ : ٨ حوادث سنة ٢٠١ ـ ٢١٠ ه‍.

٤) تاريخ الطبري ٨ : ٦٢٢.

٦٥

إلىٰ رماد ، ولو أنه كان يخبئ تحته ناراً..

ثم يخيّم وجوم.. ويسود صمت ( شيعي ـ علوي ).. يدوم بضع سنين.. والناس في حيرة ووجل مما يفعله المأمون بابن الرضا عليه‌السلام ، فبين شاكٍّ ، ومصدِّق ، ومنتظر ما يؤول إليه الأمر غداً ، وهو ما أراده المأمون من مناورة الاستدعاء للإمام الجواد عليه‌السلام إلىٰ بغداد ثم تزويجه من ابنته واسكانه بالقرب منه والجعجعة به. ويستمر هذا الحال والإمام يمارس دور الإمامة ومهامها الكبرىٰ بأناة وتروٍّ ، حتىٰ تحين سنة ( ٢٠٧ ه‍ ).

١ ـ ثورة عبدالرحمن في اليمن :

بعد استتباب الاُمور للمأمون ، وسيطرته التامة علىٰ مجاري الشؤون الداخلية للدولة الإسلامية المترامية الأطراف ، تندلع ثورة في نقطة بعيدة من أقاصي المملكة في اليمن بقيادة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو يدعو للرضا من آل محمد (١) سنة ( ٢٠٧ ه‍ ). وكان ذا جاه ، فالتفّ حوله خلق كثير من شيعة أهل اليمن ومن غيرهم ممن ضاقوا ذرعاً من العباسيين وولاتهم. وسرعان ما سيطرت الحركة علىٰ البلاد ، لتعاطف جماهير الاُمّة معها. والتاريخ جد ظنين بأحداث هذه الثورة وظروفها وأسبابها ومداخلاتها.

وهناك قول لم نتحقق صحته ، أن الثائر عبدالرحمن أقدم من المدينة محمد بن علي بن موسىٰ عليه‌السلام ودعا إليه سنة سبع ومئتين ( ٢٠٧ ه‍ ) (٢).

________________

١) الرضا من آل محمد : اصطلاح يطلق علىٰ كل علوي يرتضونه خليفة عليهم ، ويتصدىٰ لقيادة الثورة فينادون به. أو يراد منه إمام الوقت دون التعريف باسمه.

٢) المجدي في أنساب الطالبيين / ابن الصوفي العمري العلوي : ٢٩٥ طبع مكتبة المرعشي النجفي ١٤٠٩

٦٦

وتتسارع أنباء الثورة إلىٰ بغداد عاصمة الخلافة ، فيجهّز المأمون جيشاً كثيفاً بقيادة دينار بن عبدالله ، ويرسله إلىٰ اليمن لمساعدة واليه المفوّض هناك علىٰ تهامة اليمن محمد بن إبراهيم بن عبيدالله بن زياد ابن أبيه ، وعاصمته زبيد ، لقمع الثورة ، وكتب مع قائد الجيش كتاب أمان إلىٰ عبدالرحمن. وما أن وصلت طلائع الجيش إلىٰ مشارف اليمن ، وعلم عبدالرحمن أن لا قبل له بها ، وكان قد قُرئ عليه كتاب الأمان ، عندئذٍ لم يجد بداً من تسليم نفسه علىٰ شرط الكتاب فقُبض عليه وأُرسل إلىٰ بغداد ، فغضب المأمون بسببه علىٰ الطالبيين ومنعهم من الدخول إلىٰ مجلسه ، ثم أجبرهم علىٰ لبس السواد العباسي بدل الخضرة الطالبية (١).

وكان محمد بن إبراهيم الزِّياديّ من أشد الناس بغضاً لعلي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم‌السلام ؛ لهذا لا يبعد أن يكون الرجل كجدّه لغير رشده (٢). فاستعان هذا بالجيش في تقوية مركزه ، فأوقع بالعلويين وأنصارهم وقتل شيعتهم وفرّق جمعهم ، وبدّد أوصالهم ، واجتاح مناطق تواجدهم ، وأخذ يوسّع منطقة نفوذه حتىٰ تم له الاستيلاء علىٰ أغلب البلاد اليمنية (٣).

________________

١٤٠٩ ه‍.

١) تاريخ الطبري ٧ : ١٦٨ حوادث سنة ( ٢٠٧ ه‍ ) طبعة القاهرة ١٣٥٨ ه‍. والكامل في التاريخ : ٥ : ٤٦٨ الطبعة الثانية ١٤١٥ ه‍ ، تحقيق محمد يوسف الدقاق.

٢) أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٢ : ٢٨٧ الطبعة المحققة ، بسنده عن مالك بن أنس ، عن ابن أبي الزناد قوله : ( قالت الأنصار : إن كنا لنعرف الرجل إلىٰ غير أبيه ببغضه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ).

وراجع : فرائد السمطين / الجويني الشافعي ١ : ٣٦٥ / ٢٩٣ فقد أخرجه بطريقة عن مالك بن أنس ، عن ابن أبي الزناد أيضاً ، وراجع أيضاً ما أخرجه في ١ : ١٣٤ / ٩٧ عن الزهري عن أنس بن مالك منه أنه لا يبغض علياً من قريش إلّا سفحيّ ، ولا من العرب إلّا دعيّ ، ولا من سائر الناس إلّا شقيّ.

٣) راجع : تاريخ ابن خلدون ٤ : ١٤٨ ، ٢١٧. وطبقات سلاطين الإسلام / استانلي لين بول : ٨٦ ـ ٨٨

٦٧

٢ ـ انتفاضة القميين :

إنّ القبضة الحديدية للسلطة العباسية تجاه أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم ، لم تمنع من ظهور الحركات والثورات ضد التعسف والجور العباسي بين الفينة والاُخرىٰ ، من هذه الحركات حركة أهالي قم وانتفاضتهم عام ( ٢١٠ ه‍ ). ومعلوم تشيّع القميين وولاؤهم لأهل البيت عليهم‌السلام ، فإنّهم وتبرماً من كثرة ما يدفعون من خراج السلطان الذي فرض عليهم ، إذ كان عليهم دفع مليوني (٢٠٠٠٠٠٠) درهم سنوياً ، فاستكثروا هذا المبلغ وطلبوا تخفيفه أُسوة بما لحق الري من حطيطة خراجهم. ورُفع طلبهم إلىٰ المأمون ، فرفض إجابتهم إلىٰ ما سألوا ، فامتنعوا من أداء خراج هذا العام ، وثاروا فخلعوا واليهم وطردوه ، ونجحوا في السيطرة علىٰ البلد ، ولو استمر نجاحهم لتغير الحال إلىٰ وضع لا تُحمد عقباه بالنسبة للسلطة المركزية ، لكن المأمون تدارك أمرهم بعلي بن هشام علىٰ رأس جيش أتبعه بآخر بقيادة عجيف بن عنبسة ، ثم ألحقهما بسرية كانت عائدة من خراسان.

فالتقى الطرفان في حرب غير متكافئة بالعدة والعدد حتىٰ ظفر علي بن هشام بالقميين وقتل رئيسهم يحيىٰ بن عمران ، وهدم سور المدينة ، وفرض عليهم بدل المليونين سبعة ملايين درهم سنوياً ، جباها منهم في سنته ، فدفعوها إليه صاغرين (١).

٣ ـ ثورة محمد بن القاسم العلوي

من أهم الثورات العلوية الشيعية التي حدثت في زمن إمامة الإمام

________________

الطبعة الاُولىٰ ١٤٠٦ ه‍ الدار العالمية ـ بيروت.

١) راجع : تاريخ الطبري ٧ : ١٨٤. والكامل في التاريخ ٥ : ٤٨١.

٦٨

الجواد عليه‌السلام ، هي ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه‌السلام الملقب بالصوفي ؛ للبسه ثياب الصوف والمكنّىٰ بأبي جعفر. كان من أهل العلم والفقه والدين والزهد.

وقد فصّل خروجه ومنازلاته ثم القبض عليه أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين قائلاً : وكان خروجه في منطقة الطالقان التي تبعد عن مرو أربعين فرسخاً ودعوته كانت للرضا من آل محمد كما هي حال كل الثورات العلوية ، وقد تبعه عدد من وجوه الزيدية كيحيىٰ بن الحسن بن الفرات الحريري ، وعباد بن يعقوب الرواجني ، وكانوا يدعون الناس إليه فتبعهم في مدة يسيرة خلق كثير. وتمت سيطرته علىٰ الطالقان مدة أربعة أشهر.

فلما بلغ خبره عبدالله بن طاهر وجّه إليه الجيوش ، فكانت له بين قواد عبدالله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها ، انهزم أخيراً محمد وأصحابه وتفرقوا في النواحي والآكام ، ولجأ محمد بن القاسم إلىٰ ( نسا ) فوشي به هناك فأُلقي عليه القبض ، وقُيّد بالحديد وأُرسل إلىٰ عبدالله بن طاهر ، فأرسله عبدالله إلىٰ المعتصم في ( سرّ من رأىٰ ) فأُدخل عليه في مجلس شرابه ولهوه يوم ١٥ ربيع الثاني سنة ( ٢١٩ ه‍ ) ، وكان يوم نوروز ، فأوقفه المعتصم حتىٰ فرغ الغلمان من اللعب والراقصات الفرغانيات من الرقص ، وكانت أكؤس الشراب تُدار في المجلس أمام ناظري محمد بن القاسم ، فلما رأىٰ هذا الوضع بكىٰ ثم قال : اللهم إنّك تعلم أني لم أزل حريصاً علىٰ تغيير هذا وإنكاره.

ثم أمر به المعتصم فحبس في سرداب ضيق كاد أن يموت فيه ، فأمر بإخراجه منه وإيداعه في سجن في بستان. فلما كان ليلة عيد الفطر احتال محمد بطريقة فهرب بها من السجن وغاب عن الأنظار ولم يعرف له خبر

٦٩

بعد ذلك. وقيل : إنّه رجع إلىٰ الطالقان فمات بها. وقيل : بل إنّه اختفىٰ ببغداد مدة ثم انحدر إلىٰ واسط فمكث بها حتىٰ مات ، وهو الذي مال إليه أبو الفرج الأصفهاني وصححه. وقيل : إنّه توارىٰ أيام المعتصم والواثق ، وأُخذ في أيام المتوكل فحبسه حتىٰ مات في محبسه ، ويقال : إنّه دس إليه سماً فمات منه (١).

قال المسعودي : وقد انقاد إلىٰ إمامته خلق كثير من الزيدية إلىٰ هذا الوقت ، وهو سنة ( ٣٣٢ ه‍ ) ، ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمداً لم يمت ، وأنه حيّ يُرزق ، وأنه يخرج فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، وأنه مهدي هذه الاُمّة ، وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان (٢).

هذا ما وقفنا عليه من حوادث وأحداث خلال سني إمامة أبي جعفر الجواد عليه‌السلام ، ومع أن التاريخ لم يحدثنا عن موقف علني للإمام عليه‌السلام من هذه الثورات والانتفاضات إلّا أنها بلا شك كانت ستنال رضا الإمام عليه‌السلام فيما لو نجحت في تحقيق أهدافها في الإطاحة بالمتسلطين علىٰ الحكم ظلماً وعدواناً.

________________

١) مقاتل الطالبيين : ٤٦٤ ـ ٤٧٢. وتاريخ الطبري ٧ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ حوادث سنة ( ٢١٩ ه‍ ). عمدة الطالب / أحمد بن علي الداوودي : ٣٠٦ الطبعة الحيدرية ـ النجف. والبحر الزخّار / أحمد بن يحيىٰ بن المرتضى ( ت / ٨٤٠ ه‍ ) ١ : ٢٢٨ المقدمة ، وفيه : أن المعتصم حبسه أياماً وهرب من حبسه ، فأخذه وضرب عنقه صبراً ، وصلبه بباب الشماسية وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وهو أحد أئمة الزيدية وعلمائهم وزهّادهم.

٢) مروج الذهب ٤ : ٦٠ ـ ٦١.

٧٠



الفصل الثالث

العطاء الفكري للإمام عليه‌السلام

لا بدّ للإمام المعصوم أن يمارس نفس الأدوار والمهام التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمارسها في حياة الاُمّة من تبليغ الرسالة.. وهداية الاُمّة إلىٰ الرشاد.. أصالة عن دوره في تحمل أعباء الإمامة المتعينة من قبل السماء ، والتي « هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء.. » (١) ، ونيابة عن النبوة الخاتمة باعتبارهم الإمتداد الطبيعي لها بما اكتسبوه من عصمة في الفكر والسلوك ، و « إنّ الإمامة خلافة الله ، وخلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.. » (٢) ، ولهذا وذاك فإنّ حاجة الناس إلىٰ الإمام كحاجتها إلىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لتعليق نظام أمورها الدينية والدنيوية عليه.

وعليه فدراسة حياة الأئمة عليهم‌السلام باعتبارهم أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن تعتمد المنهجية الأصيلة في البحث ؛ فتُبرز خصائص الإمام الذاتية وسيرته وسلوكه علىٰ أنّها متممة للسيرة النبوية المباركة من جانب ، ومن جانب آخر عليها ـ أي الدراسة ـ إبراز جانب التكليف الالهي لمنصب وصاية الأنبياء ، ووظيفة الإمام الرسالية في البناء الفكري والعقيدي للاُمّة

________________

١) الكافي ١ : ٢٠٠ / ١ عن الإمام الرضا عليه‌السلام.

٢) المصدر السابق نفسه.

٧١

الإسلامية ، ثم هداية الشعوب والاُمم إلىٰ خط الإسلام الأصيل ، تماماً كما كان يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إبّان الدعوة ، وبعد انتشار الإسلام. وهكذا تحتفظ مسيرة حركة الأنبياء بتعجيلها في انطلاقتها إلىٰ آخر عمر الدنيا ، حيث إنّ الإسلام رسالة خاتمة ، وليس بعده نبوّة أو رسالة.

ولهذا اكتسب منصب الإمامة والوصاية أهمية بالغة وخطيرة في حركة الاُمّة ، ومن هنا ندرك معنىٰ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي » (١).

فالأئمة إذن ؛ قوّام الله علىٰ خلقه ، وعرفاؤه علىٰ عباده ، ولا يدخل الله أحداً الجنة إلّا من قد عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه (٢).

ومن خلال هذه السلسلة لأئمة الهدىٰ الاثني عشر تطالع الأنموذج الأمثل لسيرة أولياء الله الصالحين ، الهادين المهديين ، وهي تضارع سيرة الأنبياء إن لم تكن تماثلها أو تسمو عليها في بعض الحالات. ولا تحسبنّ ذلك غلوّاً منّا أو شططاً من القول ، فالصحيح المتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن عيسىٰ بن مريم وهو نبي من أولي العزم ينزل عند خروج المهدي صاحب الزمان (عج) ويكون بمثابة وزيره ، ويصلي خلفه مأموماً (٣).

________________

١) كنز العمال ١٢ : ١٠٣ / ٣٤١٩٨ عن الطبراني في المعجم الكبير باسناده عن ابن عباس.

٢) راجع : نهج البلاغة : ٢١٢ خطبة ١٥٢ تنظيم صبحي الصالح.

٣) راجع : مصنّف ابن أبي شيبة ١٥ : ١٩٨ / ١٩٤٩٥. والحاوي للفتاوى / السيوطي ٢ : ٧٨. وفيض

٧٢

وهكذا جميع الأئمة عليهم‌السلام كلّ له دوره المتميز ، وهم متحدون في الصفات والأهداف ، ومنهم إمامنا الجواد عليه‌السلام الذي لا يختلف عن آبائه المعصومين عليهم‌السلام ، إنّما تميزوا باختلاف أدوارهم ، وتنوع مواقفهم حسب ظروف المرحلة التي مرّوا بها وطبيعتها.

ورغم قصر عمر أبي جعفر الثاني ، فقد تميزت حياته بدور فاعل ومؤثر في حركة المجتمع خاصة وأنه مهّد الطريق ، وهيأ الأجواء لثلاثة أئمة أتوا من بعده كانت ظاهرة صغر السن بالنسبة إلىٰ بعضهم تشكّل أمراً بالغ الخطورة ، خاصة في قضية الإمام القائم محمد بن الحسن المهدي عليه‌السلام.

وسوف نلمس العطاء الفكري والعلمي للإمام الجواد عليه‌السلام من خلال أصحابه وتلامذته والرواة عنه ، ومن خلال ما تناوله من علوم ومعارف أثرىٰ بها مدوّناتنا الفقهية والحديثية ، رغم ( الحصار المبطن ) الذي أُحيط بالإمام طيلة إقامته في بغداد والتي لم يُفصح المؤرخون عن مدتها تحديداً ؛ ومن خلال كلماته القصار التي هي مناهج للعقيدة.. وبرامج عمل نحو السمو والتكامل الروحي لبناء الإنسان وفق المنظور الإسلامي.

أصحاب الإمام والرواة عنه :

أصحاب الأئمة عليهم‌السلام عموماً ، والمحدِّثون والرواة منهم خاصة ، يشكّلون بلا ريب الامتداد الحضاري لفكر الإمام ورسالته علىٰ طول الفترة الزمنية التي يعيشها المحدِّث ، ثم الذي يحدِّث عنه.. وهكذا كلما تطاولت سلسلة الرواة عبر التاريخ كماً وكيفاً ، زادت الصلة وتوثقت ، وتعمّق الترابط بين

________________

القدير ٦ : ١٧. وراجع : دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٩ ففيه مزيد شرح وتفصيل.

٧٣

تراثنا العريق وبين الحاضر المعاصر الجديد.

وسبق الحديث عن ما لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام من دور في حركة المجتمع والتاريخ ، كذلك أصحابهم ووكلاؤهم عليهم‌السلام كان لهم أيضاً دور فاعل في عملية التغيير والبناء الرسالي التكاملي للاُمّة ، فقد كانوا بمثابة أذرع الإمامة الممتدة في الاُمّة ، وأصواتها الموصلة لرسالتهم إلىٰ جماهير الناس وأفرادها.

ثم إنّ هؤلاء هم الحافظون لتراثهم الإسلامي الأصيل ، والناقلون له إلىٰ الأجيال التالية من بعدهم. لهذا كان الأئمة عليهم‌السلام يحرصون علىٰ اصطفاء مجموعة من الأصحاب الثقات المخلصين الذين يرون فيهم أهلية تحمّل بعض علوم الإمام واستيعابها. فكانوا عليهم‌السلام يعدّونهم إعداداً خاصاً ؛ ليفضوا إليهم ببعض أسرارهم وعلومهم.

وبذا فقد تخرّج من مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام رجال أفذاذ يُعتبرون من مفاخر التاريخ ، ونوادر الدنيا في مختلف العلوم من فقه وحديث وتفسير ولغة وفلسفة وأخلاق إلىٰ غير ذلك ما شاء الله من العلوم والمعارف الإسلامية.

ولو تصفحنا تاريخ الثلة المؤمنة من أولئك الرجال الأماثل ، وتتبعنا ما حفظوه لنا من تراثنا الإسلامي ، فسنجد أن هناك كنوزاً من الذخائر أودعوها لنا في مدوّنات بلغ ما كتبه منها محمد بن أبي عمير ـ مثلاً ـ أربعاً وتسعين كتاباً ، وما كتبه الفضل بن شاذان يبلغ مئة وثمانين كتاباً ، ويونس ابن عبدالرحمن أكثر من ثلاثمئة كتاب ، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم أكثر من سبعين كتاباً ، وعلي بن مهزيار خمساً وثلاثين كتاباً.

٧٤

فهذه أكثر من ستمئة وسبعين كتاباً لخمسة فقط من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، علماً بأن لدينا ما يزيد علىٰ ستة آلاف وستمائة كتاب (١) مؤلفة في أبواب الفقه والأحكام ، اشتهر منها (٤٠٠) كتاب سمّيت ( أصولاً ) كانت هي المعوّل عليها في الرجوع إلىٰ المسائل الفقهية واستكشاف جواباتها الواقعية التي هي جوابات الأئمة عليهم‌السلام عن المسائل التي كانت تطرحها الناس عليهم ، ثم اعتُمدت هذه الاُصول فيما بعد في كتابة مدوناتنا الحديثية.

ولو نظرنا إلىٰ المعاجم الرجالية الاُولىٰ ، فسنجد أن لكلِّ إمام من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام مجموعة كبيرة من الرجال والمحدِّثين تحيط به ، تسمع منه ، وعنه تأخذ أحكام الدين ، وعن طريقه تعيد سماع أحاديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وإمامنا الجواد عليه‌السلام واحد من تلك الكوكبة المختارة رحمة للبشرية ، والقطب الذي كانت تدور عليه العلماء والفقهاء ، ليس من الشيعة فحسب ، بل ومن غير الشيعة من المذاهب والفرق والتيارات الاُخرىٰ. وفي تقديرنا أن عدد الأصحاب والرواة يشير إلىٰ مدىٰ تحرك الإمام في الاُمّة ، وطبيعي أن للظروف السياسية أثراً إيجابياً في تحديد الكم الظاهري الذي يدور حول محور الإمام عليه‌السلام ، والذي يستقطب إليه كل التيارات وإن كانت معاكسة ومخالفة في مسيرها للاتجاه الطبيعي للتحرك الإسلامي. وهذه هي إحدىٰ مهام وأهداف الإمامة في العمل الرسالي ، والتوجه التربوي الذي تقوم عليه.

فالإمام هو القاسم المشترك الذي تلتقي عنده كل المعادلات ، وتقبله جميع الأرقام السياسية والعقيدية والفكرية ، وهو أمر لا يتهيأ لكلِّ أحد إلّا

________________

١) راجع : الفائدة الرابعة من فوائد خاتمة الوسائل : ٣٠ / ١٦٥.

٧٥

من عصمه الله تعالىٰ من الزلل والخطل ، وأعدّه لتولي هداية البشر.

ولو نظرنا إلىٰ أصحاب ورواة الإمام أبي جعفر الثاني عليه‌السلام نظرة تحليلية فاحصة ، فإننا نجد أن هناك مجموعة كبيرة من الرواة والأصحاب نسبة إلىٰ باقي الأئمة عليهم‌السلام مع الأخذ بنظر الاعتبار قصر عمر الإمام ، والظروف السياسية الخاصة التي كانت تحيط به ، ثم صغر سنّه وما قد عرفت فيما مضى من تردّد البعض في قبول إمامته ، ومع كل هذا فقد كانت حصيلة إمامنا الجواد عليه‌السلام من الصحابة والرواة والوكلاء أن أحصينا تعدادهم بما يقرب من (٢٥٠) وهو عدد لم يسبقنا إليه أحد ممن ترجم للإمام عليه‌السلام وعدّ أو أحصىٰ رواته وصحبه من الرجاليين ، فالشيخ الطوسي ـ مثلاً ـ عدّ في موسوعته الرجالية ( ١١٦ ه‍ ) من أصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام ورواته.

كما أنك تلحظ أن بين هذه الجمهرة من الصحابة والرواة كبار العلماء والفقهاء والمحدِّثين ، وأعلام الفكر والأدب ، كما أن فيهم من العامة والغلاة والمجاهيل لدينا أو لمن ذكرهم بالمجهولية ، وهذه الجمهرة إن دلّت علىٰ شيء فإنّها أول ما تدلُّ علىٰ مقدار ومدىٰ ما يتمتع به الإمام عليه‌السلام من حصيلة علمية ثرة يتصاغر أمام سعتها وشموليتها أكابر العلماء ، وعظماء الفقهاء ، كما أن العدد الجم الذي صحب الإمام وهو في أوان شبابه ، ما صحبوه إلّا للاستفادة من ثراء علمه وحاجتهم إليه. كما تجد من بين هذا العدد الغفير ما يزيد علىٰ الأربعين من الرواة الثقات أو الوكلاء ، وفيهم من أجمعت الطائفة علىٰ تصحيح كل ما رووه وإن أرسلوا ، ومنهم نحو هذا العدد أيضاً من أصحاب المؤلفات والشعراء. ولا يخفىٰ ما لهؤلاء الأعلام من دور إيجابي فاعل في حفظ ونشر التراث الإسلامي الأصيل ، تراث أهل البيت عليهم‌السلام.

فمن ذُكر في أصحاب الإمام أبي جعفر الثاني عليه‌السلام من العلماء والفقهاء من

٧٦

أصحاب المصنّفات :

١ ـ إبراهيم بن أبي البلاد يحيىٰ ، أبو يحيىٰ الكوفي : ثقة ، قارئ ، أديب ، له كتاب. عمّر طويلاً فصحب من الأئمة الصادق والكاظم والرضا والجواد عليهم‌السلام. وروىٰ عن الإمام الجواد عليه‌السلام ، أثنىٰ عليه الإمام الرضا عليه‌السلام في رسالة بعثها إليه.

٢ ـ إبراهيم بن أبي محمود الخراساني : ثقة ، جليل القدر ، من أهل الحديث والرواية ، مصنّف. مكفوف البصر. عُدَّ في أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، دعا له الإمام الجواد عليه‌السلام بالجنة.

٣ ـ إبراهيم بن مهزيار ، أبو إسحاق الأهوازي : هو أخو علي بن مهزيار ، عُدَّ في أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام ، وأدرك الإمام المهدي عليه‌السلام وشاهده. له كتاب البشارات.

٤ ـ أحمد بن إسحاق بن عبدالله ، أبو علي الأشعري القمي : ثقة ، عين ، شيخ القميين ومبعوثهم ورابطهم مع الأئمة عليهم‌السلام ، اختص بالإمام العسكري عليه‌السلام وتوكّل له. عُدَّ في أصحاب الإمامين الجواد والعسكري عليهما‌السلام ، وتشرّف بلقاء الإمام المهدي عليه‌السلام. له مؤلفات في الفقه.

٥ ـ أحمد بن عبدالله بن عيسىٰ بن مصقلة الأشعري القمي : له كتاب عن الإمام الجواد عليه‌السلام.

٦ ـ أحمد بن محمد بن خالد ، أبو جعفر البرقي : فقيه ، محدِّث ، مصنّف ، له نحو مئة مصنّف كلّها مفقودة عدا كتاب المحاسن المشهور وكتاب في الرجال عُرف ب‍ « رجال البرقي ». توفي سنة ( ٢٧٤ ه‍ ) وقيل سنة : ( ٢٨٠ ه‍ ).

٧٧

٧ ـ أحمد بن محمد بن عبيدالله الأشعري القمي : ثقة ، له كتاب ، يُعد في أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام.

٨ ـ أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر ، أبو جعفر البزنطي : ثقة ، ثبت ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الأئمة الكاظم والرضا والجواد عليهم‌السلام ، توفي سنة ( ٢٢١ ه‍ ).

٩ ـ أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، أبو جعفر الأشعري القمي : فقيه ، مصنّف ، شيخ القميين ورئيسهم. وهو أول من سكن قم من الأشعريين ، جليل القدر ، يلقىٰ السلطان والولاة مكرماً مهاباً. عُدَّ في أصحاب الأئمة الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام.

١٠ ـ إسماعيل بن سهل الدهقان : له كتاب ، ذكر في أصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام ، وفيه ضعف.

١١ ـ إسماعيل ابن الإمام موسىٰ بن جعفر عليه‌السلام ، أبو أحمد : مصنّف ، ذُكر في أصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام.

١٢ ـ أيوب بن نوح بن دراج ، أبو الحسين الكوفي : ثقة ، مأمون ، مصنّف ، عُدَّ في أصحاب الأئمة الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام. من خواص الإمام الجواد عليه‌السلام ، ولي قضاء الكوفة.

١٣ ـ بكر بن أحمد بن إبراهيم ، أبو محمد الأشج : مصنّف ، ذُكر في أصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام.

١٤ ـ بكر بن صالح الرازي : له كتاب ، عُدَّ في أصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام.

١٥ ـ جعفر بن محمد بن يونس الأحول الصيرفي : ثقة ، له كتاب. عُدَّ في

٧٨

أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام.

١٦ ـ الحسن بن سعيد بن حمّاد ، أبو محمد الأهوازي : مصنّف ، جليل القدر ، واسع الرواية ، كوفي الأصل. عُدَّ في أصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام شريك أخيه الحسين في تصانيفهما.

١٧ ـ الحسن بن العباس بن الحريش ، أبو علي الرازي : له كتاب ، عُدَّ في أصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام.

١٨ ـ الحسن بن علي بن زياد ، أبو محمد الكوفي الخزاز المعروف بالوشّاء : وجه من وجوه الشيعة ، له كتاب. عُدَّ في أصحاب الإمامين الرضا والهادي عليهما‌السلام ، وروىٰ عن الإمام الجواد عليه‌السلام. وهو القائل في مسجد الكوفة : أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول حدّثني جعفر ابن محمد.

١٩ ـ الحسن بن علي بن يقطين : له كتاب. عُدَّ في أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام ، ويروي عن الإمام الجواد عليه‌السلام.

٢٠ ـ الحسن بن محبوب بن وهب ، أبو علي السراد الكوفي : ثقة ، فقيه ، مصنّف. أحد الأركان الأربعة في عصره. وهو من المجمع علىٰ تصحيح ما يروون وإن أرسلوا. ذكر في أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، روىٰ عن الإمام الجواد عليه‌السلام. توفي أواخر سنة ( ٢٢٤ ه‍ ).

٢١ ـ الحسين بن سعيد بن حماد الأهوازي : ثقة ، مصنّف ، كوفي ، شارك أخاه الحسن في جميع تصانيفهما.

٢٢ ـ حمدان بن إسحاق الخراساني : مصنّف ، ذكر في أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام.

٧٩

٢٣ ـ سعد بن سعد الأحوص بن سعد الأشعري القمي : ثقة ، مصنّف ، من أصحاب الإمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام. ترحّم عليه الإمام الجواد عليه‌السلام هو وآخرين ، وعُدَّ في رجاله والرواة عنه.

٢٤ ـ سهل بن زياد ، أبو سعيد الآدمي الرازي : مصنّف. عُدَّ في أصحاب الأئمة الجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام.

٢٥ ـ صفوان بن يحيىٰ ، أبو محمد البجلي الكوفي : فقيه ، ثقة ، عين ، مصنّف ، ورع ، زاهد ، من أوثق أهل زمانه. توفي بالمدينة المنورة سنة ( ٢١٠ ه‍ ) ، فأمر الإمام الجواد عليه‌السلام عمه إسماعيل بن موسىٰ الكاظم بالصلاة عليه ، دفن بالبقيع.

٢٦ ـ عبد الرحمن بن عمرو بن مسلم ، أبو الفضل التميمي الكوفي : ثقة ، محدِّث ، مصنّف ، عُدَّ في أصحاب الإمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام.

٢٧ ـ عبدالسلام بن صالح بن سليمان ، أبو الصلت الهروي : ثقة ، إمامي ، صحيح الحديث مأمون ، مصنّف. مخالط للعامّة. أطراه العامة والخاصة. مولده بالمدينة ، وفاته كانت سنة ( ٢٣٢ ه‍ ) ، وقال الخطيب : سنة ( ٢٣٦ ه‍ ).

٢٨ ـ عبدالعزيز بن يحيىٰ بن أحمد ، أبو أحمد الجلودي البصري : ثقة ، شيخ البصرة ، مصنّف ، له حوالي (١٩٠) كتاباً في مختلف المواضيع. ذُكر في أصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام.

٢٩ ـ عبدالله بن الصلت ، أبو طالب القمي : ثقة ، مسكون إلىٰ روايته ، يُعرف له كتاب في التفسير. عُدَّ في أصحاب الإمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام.

٣٠ ـ عبدالله بن محمد بن حصين الحصيني العبدي الاهوازي : ثقة ،

٨٠