الامام محمّد الجواد عليه السلام .. سيرة وتاريخ

السيد عدنان الحسيني

الامام محمّد الجواد عليه السلام .. سيرة وتاريخ

المؤلف:

السيد عدنان الحسيني


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-217-2
الصفحات: ١٤٩

١

٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيِمْ

مقدِّمة المركز

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وصلّىٰ الله علىٰ سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..

وبعد.. فإننا مع الإمام الجواد عليه‌السلام سنعيش لأول مرة ظاهرة مثيرة بحق ، تستوقف النظر وتستحث العقول ، ألا وهي الإمامة المبكرة ، الظاهرة التي نصادفها لأول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام ، فابن الثامنة من العمر يتولىٰ هنا إمامة المسلمين بكل ما يتعلق بها من مسؤوليات ومهام ، وما تتطلبه من علم كامل بالشريعة وأحكامها ، ومن الصعب بل المتعذّر أن يدّعىٰ كل هذا لمن هو في هذه السن ، إلّا أن يكون محاطاً بعناية إلهية خاصة وقد اصطنعه الله تعالىٰ لهذه المهمة ، وأُعدّ لها الإعداد التام من قبل.

وهذا ما ينقلنا علىٰ الفور الىٰ استدعاء البعد المميز لشأن المصطَفَين ودور الاصطفاء في إحداث النقلة النوعية في الذات الإنسانية ، الأمر الذي يجعل مقارنة المختصّ بهذا الاصطفاء مع غيره من سائر الناس حتىٰ أصحاب المواهب الخاصة مقارنة فاقدة لموضوعها ، غير مبرَّرة بحال... وهذا ما يجعل ظاهرة كهذه أمراً طبيعياً ، في دائرة الإمكان ، وبلا غرابة ، وهذا ما ينقلنا مرّة أخرىٰ الىٰ النماذج الأسبق في هذه الدائرة ، والذي باصطحابه ستكون الظاهرة التي اقترنت بالإمام الجواد عليه‌السلام إنّما هي أنموذجاً مكرّراً لظاهرة أسبق تاريخاً ، بكثير ، ففي دائرة الاصطفاء قد سبقت النبوّة لعيسىٰ ابن مريم في السابعة من عمره بعد أن تكلم بها في مهده ، ثم سبقت بكل مهماتها ولوازمها لصبيّ ما يزال في بواكير صباه ، ذلك يحيىٰ بن زكريا عليهما‌السلام : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ).. فلسنا إذن مع أمر ممكن الوقوع فحسب ، بل مع أنموذج مكرر لواقع محقق ، وضمن الدائرة ذاتها ، دائرة الاصطفاء..

٥

ثم بعد ذلك فإنّ المتقلّد لهذه المهمة سوف يعيش بين الناس عالمهم وجاهلهم ، فليس من الصعب إذن التحقق من صحّة هذا التقليد والتقدم ، وهذا ما وقع مبكراً مع الإمام الجواد عليه‌السلام من قِبَل من استنكر شأنه ، وفي مجلس عقده المأمون وشحنه بأهل العلم ممّن هم حوله أذعن قاضي قضاته يحيىٰ بن أكثم بأنّ ابن الثامنة ، الجواد بن الرضا عليهما‌السلام ، إن هو إلّا إمام معلَّم ، وليس هو بفتىٰ ملهم وحسب.. ثم عاش الإمام الجواد عليه‌السلام تجربته كلها ومن حوله علماء فحول ، من أصحاب القرآن والحديث والكلام ، في عصر ازدهرت فيه العلوم وقعّدت قواعدها ، وأسست أصولها ، فلم يرَ منه أصحابه أو خصومه دون ما كانوا يرون من آبائه العظام من علم وحلم وحكمة ، وتلك تجربة أمّة امتدت به سبع عشرة سنة ، حتىٰ وفاته عليه‌السلام ، وليس هناك في التاريخ قضية هي أثبت من تجربة أمّة.. فكيف إذا كانت تجربة في عصر عصيب ، يطارد الحكام أصحابها ، ومن قبل قتلوا جدّه الكاظم عليه‌السلام سجيناً ، ثم اغتالوا أباه الرضا عليه‌السلام ، ثم هم من حوله يتربّصون به وبأصحابه ؟! إنّ هذا لمن أهم ما يثبت عظمة تلك التجربة وعظمة رائدها الذي لو وجد فيه خصومه السياسيون وهم الحاكمون ، والدينيون وهم متوافرون ، من مغمزٍ لما توانوا في نشره ، بل لطربوا له ولنسجوا من حوله الحكايات والأساطير..

وفي صفحات إصدارنا هذا سنعيش مع هذه الظاهرة ، وفي رحاب رائدها الأول في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام ، والثالث في دائرة الاصطفاء ، مؤدّين بعض الحق لهذا الإمام العظيم ، مستلهمين المزيد من الدروس والعبر.. وكم هو جميل أن يتزامن إصدارنا هذا مع مرور ألف ومئتي عام علىٰ وفاته سلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً.

مركز الرسالة

٦

المقدِّمة

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام علىٰ رسوله الأمين وآل بيته الطيبين الطاهرين المنتجبين ، وصحبه الهداة المهديين.

فقد درجت الاُمم والشعوب منذ عهدها بالتدوين علىٰ تخليد قادتها ورجالاتها ، عرفاناً منها لما أسدوه لها من خدمات جليلة ، وبما زانوا مجدها وتأريخها بكل طارف وتليد. ونحن كأُمّة إسلامية لنا أعظم دين ، وأغنىٰ تراث ، وأرقىٰ حضارة ، ما كنّا بدعاً من الاُمم والحضارات في تخليد عظمائنا ورجالاتنا الذين شادوا مجد هذه الاُمّة ، وبنوا صرحها الشامخ. بل ، نحن أحق من غيرنا بذلك للعديد من الاعتبارات..

وربّ تساؤل يقفز إلىٰ ساحة الذهن ، بأنّهم كُثر أُولئك الذين كان لهم دور في عملية صياغة التاريخ ، وصناعة المجد ، وبناء الحضارة.. فمن من اولئك حقيق بالتخليد والذكر الجميل ؟ ثم ، كيف نُحيي تراثهم ، ونُعيد تأريخهم ؟ ولماذا.. ؟

وطبيعي أن يأتي الجواب بأن أي دراسة يجب أن تتناول النخبة الصالحة الرشيدة التي بذلت كل ما في وسعها من أجل أن تحيا هذه الاُمّة علىٰ مبادئ رسالتها الخالدة ، وأن تشتمل تلك الدراسة علىٰ تاريخ حياة أولئك الأعلام المضحين ، ومناهجهم في عملية البناء والتغيير ، وجهادهم وجهودهم المضنية في هذا المجال ، كما ينبغي تناول سيرتهم العملية وأقوالهم بالدرس والتحليل.

وأما الغرض من تدارس أحوال ومواقف أولئك العظام ؛ فهو لاستلهام

٧

مناهجهم في الحياة ، وفي البناء الحضاري ، وللاستنارة من فيض علومهم ومعارفهم الخلّاقة ، وإسهاماتهم في تبيين معالم الدين ، وتوضيح أصول الشريعة.. أضف إلىٰ ذلك مكافحتهم للجهل ، ومقارعة الظلم والظالمين ، ونشر العدل ، وإحقاق الحق.. بل ، واتخاذهم منارات يُسترشد بهديهم لجميع الأجيال البشرية علىٰ رغم تعاقبها مرّ الدهور.

ولا ريب بأن الأحقّ بهذا التدارس والتعظيم ، هو شخص النبوة الكريم ، أشرف موجود ، وسيّد الكائنات وأقدسها. وهل أحد أحق من بعده غير أهل بيته المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس ، واختارهم قادة رساليين يُقتدىٰ بهم ؟ حتىٰ صار دورهم ملموساً ومتميزاً في بناء الإنسان وصيانته وحفظ المجتمع وكيانه. ومن هنا أصبح تسليط الضوء علىٰ حياتهم المشرقة بالعطاء ـ بعد اختلاط الأوراق ـ وفاءً لرسالة الإسلام الخالدة باعتبارهم عليهم‌السلام قادتها الأمناء الحقيقيين.

فالأئمة المعصومون الاثنا عشر من أهل البيت عليهم‌السلام الذين نصّ عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدة أحاديث صحاح ، هم محور الحياة الذي تدور عليه كلّ مكرمة وفضيلة ، فقد جعلهم الله حياة للأنام ، ومصابيح الظلام ، ومفاتيح الكلام ، ودعائم للإسلام.. ووصفهم أمير البيان عليه‌السلام بقوله : « هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم. لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق ».

فدراسة حياة الأئمة الميامين عليهم‌السلام يجب أن تنطلق من تلك الحقائق المهمة ، وينبغي التركيز علىٰ المنهج الأصيل والدور الحقيقي والواقعي لهم عليهم‌السلام باعتبارهم وحدة متكاملة لا فرق بين القائم منهم بالسيف أو المتصدي بالدعاء أو الناشر للعلم أو غيرها من مناهج العمل والتغيير للوصول إلىٰ الهدف المشترك للجميع. فهم عليهم‌السلام رغم تنوّع أدوارهم ، وفق

٨

طبيعة المرحلة والظروف السياسية المحيطة بهم ، يحملون هدفاً مشتركاً واحداً لا يختلفون فيه ، ذلك هو حفظ الكتاب الكريم وسُنّة الرسول المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطلب الاصلاح والهداية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ونحن علىٰ أعتاب مرور اثني عشر قرناً ( ١٢٠٠ عام ) علىٰ شهادة الإمام الجواد عليه‌السلام ، فالأمل يحدونا أن تستطيع هذه الدراسة الموجزة من سيرة تاسع أئمة أهل البيت عليهم‌السلام إلقاء بعض الضوء علىٰ الدور الفاعل والكبير لتحرك الإمام أبي جعفر الثاني الجواد عليه‌السلام في الاُمّة ، من خلال جسّ مواقع حركته التغييرية والإصلاحية في الزمن القصير الذي عاشه.

ويمكن تلمّس تحرك الإمام عليه‌السلام ، واستشفاف الحقائق الناصعة في أدوار حياته عبر الفصول الأربعة التي اشتملتها هذه الدراسة.

فمروراً بالتعريف بظروف مولد الإمام عليه‌السلام ، إلىٰ التعريف بشخصه المبارك وبعض سماته ، ثم النصوص الدالّة علىٰ إمامته ، وأخيراً كان لنا بحث مقتضب حول مسألة العمر ومنصب الإمامة ، كل ذلك تضمّنه الفصل الأول.

أما الفصل الثاني : فقد عرض للمرحلة التالية من حياة الإمام الجواد عليه‌السلام خاصة بعد شهادة أبيه ، وما رافق ذلك من إرهاصات انعكست مباشرة علىٰ حياة الإمام. فكان لابدّ من استبيان الظروف والأحداث السياسية خلال هذه الفترة الزمنية من عمر الإمام ، خاصة ما كان من مقولة خلق القرآن ، ثم علاقة الإمام عليه‌السلام بالجهاز الحاكم الذي كان يتربّص به الدوائر للقضاء عليه. كما استعرضنا أحداث عقد قرانه عليه‌السلام علىٰ ابنة المأمون العباسي ثم زواجه منها ، وما رافق ذينك الحدثين من حوادث كان لها انعكاسات مباشرة علىٰ حياته عليه‌السلام. وفي خاتمة الفصل كانت لنا إطلالة علىٰ بعض الثورات

٩

والانتفاضات التي كانت تصبّ في خط أهل البيت عليهم‌السلام وتدعو لهم.

وأمّا الفصل الثالث : فقد حاولنا أن نستجمع فيه عطاءه الفكري ودوره الرسالي ، ونشاطه في استقطاب الأصحاب والوكلاء وتوجيه الاُمّة نحو المسار الإسلامي الصحيح ، وممارسة دوره العلمي في إرساء قواعد التشريع الإسلامي ، ومناظراته واحتجاجاته في الدين والعقيدة. ولم يفتنا اقتباس شذرات من أنوار كلمه النديّة ، كي نروّي بها صحراء نفوسنا المجدبة.

وأخيراً كان لنا فصل رابع بحثنا فيه عن كيفية استدعاء المعتصم العباسي للإمام من المدينة إلىٰ بغداد ، والأسباب والدواعي التي دفعت مثلث الاغتيال إلىٰ التآمر علىٰ الإمام وتنفيذ عملهم الدنيء بقتله بالسم وهو في غضارة شبابه ، ثم عرجنا علىٰ من أشاد بشخصية الإمام الجواد عليه‌السلام وأقرّ بفضله وتقدمه فانتقينا منهم ما يسمح لنا به سعة الكتاب.

وقبل الوداع كان مسك الختام جولة في رحاب شعر المديح والرثاء لجواد الأئمة عليه‌السلام.

اللهمَّ فاجعلنا به مهتدين ، وبنوره مستوضحين طريق الحق ، وببركته مستمطرين خير السماء وبركاتها ، فإنّه حجتك العليا ، ومثلك الأعلىٰ ، وكلمتك الحسنىٰ.. الداعي إليك ، والدالّ عليك ، الذي نصبته علماً لعبادك ، ومترجماً لكتابك ، وصادعاً بأمرك ، وناصراً لدينك ، وحجتك علىٰ خلقك ، ونوراً تُخرق به الظلم ، وقدوة تُدرك بها الهداية ، وشفيعاً تُنال به الجنّة..

والحمدُ لله ربِّ العالمين

١٠



الفصل الأول

الجواد في ظلِّ أبيه عليهما‌السلام

ظروف ما قبل الميلاد :

لو عدنا قليلاً إلىٰ الوراء.. أي إلىٰ ما قبل مولد أبي جعفر الثاني عليه‌السلام بسنة أو نحوها ، لوجدنا أن ظروفاً عصيبة مرّت بأبيه الإمام الرضا عليه‌السلام ، الذي عانىٰ في أخريات سني حياته الشريفة من أزمات حادة ، كان يثيرها بعض الواقفة والانتهازيين ؛ للتشكيك بإمامته عليه‌السلام بعدم إنجابه الوَلَد. ذلك أنّه كان مركوزاً في الذهنية العامة للمسلمين أنّ من علامات الإمام المعصوم أن يخلفه إمام من صلبه ، إذ لا تكون الإمامة في أخ أو عمٍّ أو غيرهم ، فقد سُئل الإمام الرضا عليه‌السلام ، أتكون الإمامة في عمٍّ أو خالٍ ؟ فقال : « لا ، فقلت : ففي أخ ؟ قال : لا ، قلت : ففي مَن ؟ قال : في ولدي ، وهو يومئذٍ لا ولد له » (١).

وأغلب الظنّ أنّ الأيدي العباسية لم تكن بعيدة عن ساحة قدس الإمام الرضا عليه‌السلام في التنقيب وافتعال الحوادث والمواقف للنيل من إمامته عليه‌السلام والطعن فيها.

نعم ، من هنا كانت معاناة الإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام تتزايد يوماً بعد

________________

١) اُصول الكافي / الكليني ١ : ٢٨٦ / ٣ كتاب التوحيد.

١١

يوم ، خاصة وقد امتدّ به العمر إلىٰ نحو الخامسة والأربعين ، ولم يكن قد خلّف بعدُ ( الولد ) الذي يليه بالإمامة ، ثم الذي زاد المحنة سوءاً هو تكالب بعض إخوته وعمومته وأبناء عمومته من العلويين والعباسيين عليه ، حسداً من بعضهم ، وبغضاً وكرهاً من البعض الآخر.. وثمّة تأليب الانتهازيين والسلطويين علىٰ البيت النبوي عموماً ، حيث أثاروا جميعاً حول شخصية الإمام العظيمة غبار حسدهم وأحقادهم الدفينة.

لكنّ الإمام عليه‌السلام كان يقف أمامهم بحزم.. ويجيبهم جواب الواثق المطمئن من نفسه بأنّ الليالي والأيام لا تمضي حتىٰ يرزقه الله ولداً يُفرّقُ به بين الحق والباطل. هذا الموقف نستشفّه من رواية محمد بن يعقوب الكليني ، قال : كتب ابن قياما (١) إلىٰ أبي الحسن الرضا عليه‌السلام كتاباً يقول فيه : كيف تكون إماماً وليس لك ولد ؟

فأجابه أبو الحسن عليه‌السلام : « وما علمك أنّه لا يكون لي ولد ؟! والله لا تمضي الأيام والليالي حتىٰ يرزقني الله ذكراً يُفرّق بين الحق والباطل » ) (٢).

وينقلنا الكليني عليه الرحمة إلىٰ مشهد آخر مع نفس هذا الواقفي ، وهو يصف حواره مع الإمام الرضا عليه‌السلام بقوله : دخلتُ علىٰ علي بن موسىٰ ، فقلت له : أيكون إمامان ؟ قال : « لا ، إلّا أن يكون أحدهما صامتاً ». فقلت له : هو ذا أنت ، ليس لك صامت ! فقال لي : « والله ليجعلنَّ الله مني ما يُثبت به الحق وأهله ، ويمحق به الباطل وأهله » ولم يكن في الوقت له ولد ، فولد له أبو

________________

١) ابن قياما الواسطي : واقفي ، مخالف معروف.

٢) اُصول الكافي ١ : ٣٢٠ / ٤ ، وعنه نقل الشيخ المفيد في الارشاد ٢ : ٢٧٧ بواسطة أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه. وراجع إثبات الوصية / المسعودي : ١٨٣.

١٢

جعفر عليه‌السلام بعد سنة (١).

وحتىٰ بعد مولد أبي جعفر التقي عليه‌السلام لم يكن المشككون منفكّين من محاولاتهم تلك حتىٰ رأوا البيّنة وأذعنوا لها صاغرين ، هم ومن جاءوا بهم من القافة أجمعين. وهنالك رقىٰ ابن الرضا عليه‌السلام درجات منبرٍ ، وألقىٰ خطبة قصيرة بليغة ، وصلت في مداها أقصىٰ غاية المنىٰ في تأنيب المشككين ، وردع ( الواقفة ) والمتصيدين في الضباب ، أو عكرٍ من الماء ، حين طعنوا في بنوّة أبي جعفر عليه‌السلام وانتسابه للإمام الرضا عليه‌السلام. فلقد جاءوا بالإفك ، وقول الزور.. وإنّه لكبير ما ادّعوه علىٰ قدس الإمامة ، والشرف الباذخ للبيت النبويّ الطاهر.

مطهّرون نقيّات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم كلّما ذكروا

كانت هذه لمحة ضوء خاطفة تطلّعنا من خلال أشعتها علىٰ بعض الظروف التي واكبت وسبقت ولادة الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام.. ثم يحين اليوم الموعود..

بشرىٰ المولد العظيم :

« اللهمّ إنّي أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمد المنتجب... » (٢) الدعاء.

هذا الدعاء أورده شيخ الطائفة الطوسي رحمه‌الله ( ت / ٤٦٠ ه‍ ) في مصباح

________________

١) اُصول الكافي ١ : ٣٢١ / ٧. والارشاد ٢ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

٢) الإمام علي بن محمد التقي يلقّب بالنجيب أيضاً ، وأن أباه الإمام الجواد عليه‌السلام يلقّب بالمنتجب ، فلاحظ.

١٣

المتهجّد (١) ، وابن عياش أحمد بن محمد بن عبدالله الجوهري صاحب كتاب ( مقتضب الأثر ) ، وقيل هو دعاء مأثور عن صاحب الأمر عليه‌السلام ، قال ابن عياش : خرج إلىٰ أهلي علىٰ يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي‌الله‌عنه في مقامه عندهم. وبه أخذ بعض المؤرخين بناء علىٰ نقل ابن عياش من أن مولد الجواد عليه‌السلام كان في يوم الجمعة العاشر من رجب سنة ( ١٩٥ ه‍ ) الموافق لسنة (٨١١) الميلادية. وهو التاريخ المعمول به عند الطائفة اليوم.

لكن العلماء ومشايخ الطائفة يذهبون إلىٰ أن ولادته الميمونة كانت في شهر رمضان من عام ( ١٩٥ ه‍ ) ، وترددوا بين (١٥ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩) منه ، ولعلّ ثانيها (٢) هو الأرجح من بين هذه التواريخ ، لكن الأكثر قال بالتاريخ الأخير بناءً علىٰ نقل اللاحق عن السابق (٣).

وأما حدث المولد العظيم وساعته وما جرىٰ فيه من الكرامة فتحكيه السيدة الكريمة حكيمة بنت أبي الحسن موسىٰ بن جعفر عليه‌السلام قالت : ( لمّا حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر عليه‌السلام دعاني الرضا عليه‌السلام ، فقال : « يا حكيمة احضري ولادتها » ، وأدخلني وإيّاها والقابلة بيتاً ووضع لنا مصباحاً ، وأغلق الباب علينا.

فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح ، وكان بين يديها طست ، فاغتممت بطفء المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه‌السلام في الطست ، وإذا

________________

١) مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد : ٧٤١.

٢) إعلام الورى ٢ : ٩١. وتاج المواليد / الطبرسي أحمد بن علي ( ت / ٥٤٨ ه‍ ) : ٥٢ المطبوع ضمن كتاب « مجموعة نفيسة ».

٣) اُصول الكافي ١ : ٤٩٢. والإرشاد ٢ : ٢٧٣. وعيون المعجزات : ١٢١. ومناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٧٩. وكشف الغمة ٣ : ١٣٥.

١٤

عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتىٰ أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء. فجاء الرضا عليه‌السلام وفتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه ووضعه في المهد ، وقال لي : « ياحكيمة إلزمي مهده ».

قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلىٰ السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ». فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن عليه‌السلام ، فقلت : سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال « وما ذاك ؟ » ، فأخبرته الخبر. فقال : « يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر » (١).

رعاية أبوية خاصة :

ليس أمراً غريباً أن يكتنف الإمام الرضا عليه‌السلام وليده برعاية وعناية خاصتين ، بل ويحيطه بهالة من التعظيم والتبجيل وهو طفل رضيع ، ذلك أن أبا جعفر هو وحيد الإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام الذي رُزقه بعدما جاوز عليه‌السلام الخامسة والأربعين من العمر ، فعليه تكون الإمامة منحصرة بوليده الفرد. لهذا كلّه فقد كان إمامنا الرضا عليه‌السلام يوليه تربية خاصة ، وعناية زائدة ، كما كان يتوسم فيه بركة وخيراً عظيماً علىٰ شيعته ومحبيه.

فعن يحيىٰ الصنعاني ، قال : دخلت علىٰ أبي الحسن الرضا عليه‌السلام وهو بمكة وهو يقشّر موزاً ويطعم أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت له : جعلت فداك هو المولود المبارك ؟ قال : « نعم يا يحيىٰ ، هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركة علىٰ شيعتنا منه » ) (٢).

________________

١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٩٤. والفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٢) الفروع من الكافي ٦ : ٣٦٠ / ٣.

١٥

وينقل لنا الرواة والمؤرخون أيضاً كيف أنّ الإمام الرضا عليه‌السلام كان يترقب وبشوق بالغ ، ولهفة عجلىٰ مولد ابنه محمداً ، فلما ولد كان عليه‌السلام يلازم مهده ، وفي بعض الأحيان كان يناغيه وهو في مهده طول ليلته (١) ؛ بل إنّ علقته بطفله الرضيع بلغت حداً أنّه عليه‌السلام كان يلازم مهده لعدة ليالٍ حتىٰ إن أحد شيعته كلمه في أن يكف عن كثرة ملازمته لمهد وليده قائلاً له : جُعلت فداك قد وُلد للناس أولاد قبل هذا ، فكل هذا تعوّذه ؟

لقد ظن هذا المعترض أن الإمام أبا الحسن عليه‌السلام ، ولشدة حبّه لمولوده ، فإنّه يخاف عليه من عيون الحسّاد ؛ لذلك فهو يعوّذه طوال هذه المدة. لكن الإمام عليه‌السلام أجاب المستفهم بأن حنوّه علىٰ ولده ليس لغرض التعويذ ، بل إنّه عليه‌السلام يلقي إليه أمر الإمامة وعلومها ، بقوله : « ويحك ليس هذا عوذة ، إنّما أغرّه بالعلم غرّاً » (٢) ، كما كان يطعمه بنفسه ، وما كان يفارقه طويلاً ، حتىٰ إنّه عليه‌السلام ليصطحبه في سفره وتنقلاته داخل المدينة وخارجها تنويهاً به عليه‌السلام ، وزيادة في إعظامه وإكرامه.

وأما تعظيم الإمام الرضا عليه‌السلام لمولوده المبارك ، فإنّه ما كان يناديه إلّا بكنيته منذ نعومة أظفاره ، فقد تحدّث محمد بن أبي عبّاد وكان يكتب للرضا عليه‌السلام ، ضمه إليه الفضل بن سهل ، قال : ما كان عليه‌السلام يذكر محمداً ابنه إلّا بكنيته ، ويقول : كتب إليّ أبو جعفر.. وكنت أكتب إلىٰ أبي جعفر.. وهو صبيّ بالمدينة ، فيخاطبه بالتعظيم ، وترد كتب أبي جعفر عليه‌السلام في نهاية البلاغة والحُسن ، فسمعته يقول : « أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من

________________

١) عيون المعجزات : ١٢١. وعنه بحار الأنوار ٥٠ : ١٥ / ١٩.

٢) إثبات الوصية : ١٨٣.

١٦

بعدي » (١) ، وربما كتب إليه الإمام الرضا عليه‌السلام : فداك أبوك !!

فقد روىٰ العياشي عن محمد بن عيسىٰ بن زياد. قال : كنت في ديوان أبي عباد ، فرأيت كتاباً يُنسخ فسألت عنه فقالوا : كتاب الرضا إلىٰ ابنه عليهما‌السلام من خراسان ، فسألتهم أن يدفعوه إليّ فإذا فيه : « بسم الله الرحمن الرحيم ، أبقاك الله طويلاً وأعاذ من عدوّك يا ولد ، فداك أبوك... » ثم يوصيه عليه‌السلام بالإنفاق وخاصة علىٰ الهاشميين من قرابته ، ويختم كتابه بقوله : « وقد أوسع الله عليك كثيراً ، يا بنيّ فداك أبوك لا تستر دوني الأمور لحبّها فتخطئ حظّك ، والسلام » (٢).

ويبلغ حبّ الوالد لولده مداه ويغرق فيه نزعاً ، حتىٰ يوصله إلىٰ امتزاج روحيهما في روح واحدة هي روح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ذلك الاغراق في الحبّ والمودّة يوقفنا عليه بنان بن نافع في خبر يرويه حول محاورة في الإمامة جرت بينه وبين الإمام الرضا عليه‌السلام من جهة وبين الإمام الجواد عليه‌السلام من جهة اُخرىٰ.

يقول ابن نافع في نهاية الخبر : ثم دخل علينا أبو الحسن ، فقال لي : « يابن نافع سلّم واذعن له بالطاعة ، فروحه روحي وروحي روح رسول الله » (٣).

وأخيراً ينقل لنا صاحب كتاب دلائل الإمامة خبراً عن أُمية بن علي القيسي الشامي يمكننا من خلاله الوقوف علىٰ درجة العلاقة بين الوالد والولد ، وشدة حبّ الوالد لولده واهتمامه به من جهة ، ومدىٰ تعلّق الولد

________________

١) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٦٦ باب ٦٠. وعنه بحار الأنوار ٥٠ : ١٨ / ٢.

٢) تفسير العياشي ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

٣) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٨.

١٧

بوالده من جهة اُخرىٰ ، فقد نقل قول أُمية : كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام بمكة ، في السنة التي حجّ فيها ، ثم صار إلىٰ خراسان ، ومعه أبو جعفر ، وأبو الحسن عليه‌السلام يودّع البيت ، فلمّا قضىٰ طوافه عدل إلىٰ المقام فصلّىٰ عنده ، فصار أبو جعفر إلىٰ الحجر فجلس فيه ، فأطال. فقال له موفق : قم جُعلت فداك. فقال : « ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلّا أن يشاء الله » ، واستبان في وجهه الغم. فأتىٰ موفق أبا الحسن عليه‌السلام فقال له : جُعلت فداك قد جلس أبو جعفر في الحجر ، وهو يأبىٰ أن يقوم ، فقام أبو الحسن عليه‌السلام فأتىٰ أبا جعفر فقال : « قم يا حبيبي ». فقال عليه‌السلام : « ما أريد أن أبرح من مكاني هذا ». قال عليه‌السلام « بلىٰ يا حبيبي ». ثم قال عليه‌السلام : « كيف أقوم وقد ودّعت البيت وداعاً لاترجع إليه » ؟ فقال له عليه‌السلام : « قم يا حبيبي » ، فقام معه (١).

نسبه الشريف :

سمّي محمداً وهو بعد في الأصلاب الشامخات والأرحام المطهّرات ، أبوه علي الرضا عليه‌السلام ، وجدّه الكاظم موسىٰ بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي السجاد زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.

نسب وضّاح ، وذريّة طيبة مطهّرة نقيّة.. نعم ، إنّها ( سلسلة الذهب ) باعتراف عشرين ألفاً أو يزيدون من الكتّاب أو النسّاخ ، وطلبة العلم والحديث ورواته في نيسابور ، وعلىٰ رأسهم الحافظان أبو زرعة ، ومحمد ابن أسلم الطوسي (٢).

________________

١) كشف الغمة ٣ : ١٥٥.

٢) أخبار الدول / القرماني ٣ : ٣٤٤.

١٨

أُمّه عليها‌السلام :

أما أُمّه ، فهي أم ولد اسمها ( سبيكة ) ، نوبيّة. وقيل : سكن المريسية (١). وقيل أيضاً : إنّ الإمام الرضا عليه‌السلام لما اشتراها لاستيلادها أطلق عليها اسم « خيزران » ، وهي من قبيلة مارية القبطية زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلىٰ كلِّ حال.. فقد كانت من الجلال والقدر أن عُدَّت في زمانها أفضل بنات جنسها ، وإليها أشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يذكر الإمام محمداً التقي عليه‌السلام بقوله : « بأبي ابن خيرة الإماء ، ابن النوبية الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم » (٢).

ويدلُّ علىٰ مكانتها وجلالة قدرها أيضاً ، أن الإمام الكاظم موسىٰ بن جعفر عليه‌السلام طلب من يزيد بن سليط أن يبلغها منه السلام إن استطاع إلىٰ ذلك سبيلاً ، فقد ورد في الخبر أن الإمام الكاظم عليه‌السلام التقاه في طريق مكة وهم يريدون العمرة. فقال له : « إنّي أؤخذ في هذه السنة ، والأمر إلىٰ ابني عليّ سمي عليّ وعليّ. فأما عليّ الأول فعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأما علي الآخر فعلي بن الحسين.. يا يزيد فإذا مررت بالموضع ولقيته ، وستلقاه فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل مارية القبطية جارية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن قدرت أن تبلغها مني السلام ، فافعل ذلك ». والرواية سنوردها بتمامها بعد قليل في موضوع النص علىٰ إمامة الجواد عليه‌السلام.

وفي خبر آخر أورده المحدِّث الشيخ حسين بن عبدالوهاب في « عيون

________________

١) نسبة إلىٰ مرّيسة وهي قرية في صعيد مصر من بلاد النوبة.

٢) اُصول الكافي ١ : ٣٢٣ / ١٤.

١٩

المعجزات » بسند ذكره ، عن كلثم بن عمران (١) ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : ادع الله أن يرزقك ولداً. فقال : « إنّما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني ». فلما ولد أبو جعفر عليه‌السلام قال الرضا عليه‌السلام لأصحابه : « قد ولد لي شبيه موسىٰ بن عمران ، فالق البحار ، وشبيه عيسىٰ بن مريم ، تقدّست أُمٌّ ولدته ، قد خُلقت طاهرة مطهّرة » (٢).

كنيته :

وكُنّي بأبي جعفر من يوم مولده ، وما كان الإمام الرضا عليه‌السلام يدعوه إلّا بها ، وهي الكنية المشهور بها (٣) ، ثم عرّفه الرواة والمحدِّثون بالثاني لتمييزه عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام. ويكنّى أيضاً بأبي عليّ ، ولا يُعرف بها.

حليته :

كان عليه‌السلام شديد الأدْمَه (٤) ، ضاوي الجسم (٥) قصيره ، قطُّ الشعر مثل حلك الغراب (٦) ، وطبيعي جداً أن يكون الإمام أبو جعفر عليه‌السلام ـ وهو من بين أب حجازي وأمّ نوبية ـ حائل اللون ، ولا ريب في ذلك ، هذا وإن كان الإمام الجواد عليه‌السلام حائل اللون إلّا أنّه :

________________

١) وجاء في مصادر اُخرىٰ باسم : كليم. وبأي الاسمين ورد فهما واحد.

٢) عيون المعجزات : ١٢١. وعنه الأنوار البهية / المحدّث الشيخ عباس القمي : ٢٠٩.

٣) الكافي ١ : ٣٢٠ ، ٤٦٩. وإثبات الوصية : ١٨٣ ـ ١٩٤. وتهذيب الأحكام ٦ : ٩٠ باب ٣٧ وما بعده.

٤) دلائل الإمامة : ٣٨٤ / ٣٤٢ ، و ٤٠٤ / ٣٦٥.

٥) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٧. ودلائل الإمامة : ٤٠٤ / ٣٦٥.

٦) راجع : دلائل الإمامة : ٣٩٧ / ٣٤٦. وفي مقاتل الطالبيين : ٤٥٦ جاء أيضاً ما هذا نصّه : وزوّج المأمون ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسىٰ علىٰ حلكة لونه وسواده..

٢٠