الامام محمّد الجواد عليه السلام .. سيرة وتاريخ

السيد عدنان الحسيني

الامام محمّد الجواد عليه السلام .. سيرة وتاريخ

المؤلف:

السيد عدنان الحسيني


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-217-2
الصفحات: ١٤٩

لغير الله. قال : « ما ذُبح لصنم أو وثن أو شجر ، حرّم الله ذلك كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١) أن يأكل الميتة ». قال : فقلت له : يابن رسول الله ، متىٰ تحلّ للمضطر الميتة ؟ فقال : « حدّثني أبي عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُئل فقيل له : يا رسول الله إنا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة ، فمتىٰ تحلُّ لنا الميتة ؟ قال : ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفوا بقلاً ، فشأنكم بهذا ».

قال عبدالعظيم : فقلت له : يابن رسول الله فما معنىٰ قوله عزَّ وجلَّ : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ ) ؟ قال : « العادي : السارق ، والباغي : الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً ؛ ليعود به علىٰ عياله ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا ، هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار ، وليس لهما أن يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر ».

قال : قلت له : فقول الله تعالىٰ : ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) (٢). قال : « المنخنقة : التي انخنقت بأخناقها حتىٰ تموت. والموقوذة : التي مرضت ووقذها المرض حتىٰ لم تكن بها حركة. والمتردّية : التي تتردّىٰ من مكان مرتفع إلىٰ أسفل أو تتردّىٰ من جبل أو في بئر فتموت. والنطيحة : التي تنطحها بهيمة اُخرىٰ فتموت. وما أكل السبع منه فمات. وما ذُبح علىٰ حجر أو علىٰ صنم ، إلّا ما أُدركت ذكاته فذُكيّ ».

قلت : ( وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ) ؟ قال : « كانوا في الجاهلية يشترون بعيراً فيما بين عشرة أنفس ، ويستقسمون عليه بالقداح ، وكانت عشرة ، سبعة

________________

١) سورة المائدة : ٥ / ٣.

٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧٣.

١٠١

لهم أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها. أما التي لها أنصباء : فالفذّ ، والتوأم ، والنافس ، والحِلس ، والمسبل ، والمعلّىٰ ، والرقيب (١). وأما التي لا أنصباء لها : فالسفح ، والمنيح ، والوغد. وكانوا يجيلون السهام بين عشرة ، فمن خرج باسمه سهم من التي لا أنصباء لها أُلزم ثلث ثمن البعير ، فلا يزالون كذلك حتىٰ تقع السهام التي لا أنصباء لها إلىٰ ثلاثة ، فيُلزم ثمن البعير ، ثم ينحرونه ويأكل السبعة الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئاً ، ولم يطعموا منه الثلاثة شيئاً. فلما جاء الإسلام حرّم الله تعالىٰ ذكره ذلك فيما حرّم ، وقال : ( وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ) يعني حراماً » (٢).

دوره في ترسيخ العقائد الإسلامية :

في هذا المقطع التاريخي الذي عاصره الإمام الجواد عليه‌السلام كانت حمّىٰ ظهور المذاهب الكلامية والعقائدية تأخذ بالانتشار هنا وهناك ، يساعد علىٰ ذلك توجه الحاكم نفسه إلىٰ اللعب بالورقة المذهبية من جهة وظهور طبقة من وعّاظ السلاطين نظّمت نفسها وكيّفتها علىٰ نمط خاص للدخول في اكمام السلطان والعيش تحت آباطه ، قانعين بما ينالهم من نتانة الموقع ، والإذلال والصغار ، مقابل أن لا يُحرموا من بذخ القصور ، ودعة العيش ، وفاخر الثياب ، وبدر الدراهم.

وتموج الاُمّة في ضلال تيارات عقيدية وفكرية عديدة فمن مشبّهة إلىٰ معطّلة إلىٰ مجبرة إلىٰ غير ذلك من العقائد الباطلة والدعاوىٰ المنحرفة ، التي أثيرت في عصره عليه‌السلام ، مما لا تتسع له صفحاتنا هذه ، وكان للإمام الجواد عليه‌السلام

________________

١) وقيل في ترتيبها غير ذلك.

٢) تهذيب الأحكام ٩ : ٨٣ / ٣٥٤.

١٠٢

دور بارز في ترسيخ العقائد الإسلامية والدفاع عنها ، وتصحيح معتقدات الناس مما قد يخطر في أذهانهم من تصورات خاطئة حول اُصول الاعتقاد.

التوحيد والصفات :

فعندما يُسئل من قبل عبدالرحمن بن أبي نجران عن التوحيد حين قال له : أتوهّم شيئاً ؟

أجابه الإمام عليه‌السلام من فوره : « نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام.

كيف تُدركه الأوهام وهو خلاف ما يُعقل ، وخلاف ما يُتصوّر في الأوهام ؟ إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود » (١).

ويُسأل الإمام عليه‌السلام أيضاً عن الباري تبارك وتعالىٰ أنه يجوز أن يقال له : إنّه شيء ؟

( قال : « نعم ، يُخرجه من الحدين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه » ) (٢).

وفي الكافي أيضاً أن عبدالرحمن بن أبي نجران كتب إلىٰ أبي جعفر عليه‌السلام أو سأله قائلاً : ( جعلني الله فداك ، نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد ؟

فقال : « إنّ من عبد الإسم دون المسمّىٰ بالأسماء أشرك وكفر وجحد ، ولم يعبد شيئاً ، بل اعبُد الله الواحد الأحد الصمد المسمّىٰ بهذه الأسماء ، دون

________________

١) اُصول الكافي ١ : ٨٢ / ١ باب إطلاق القول بأنه شيء من كتاب التوحيد.

٢) اُصول الكافي ١ : ٨٢ / ٢. وراجع : التوحيد / الصدوق : ١٠٧.

١٠٣

الأسماء. إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه » ) (١).

وفي إطار الأسماء والصفات لله تبارك وتعالىٰ ، يسأله داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري عن معنىٰ الواحد. فيجيبه الإمام عليه‌السلام قائلاً : « إجماع الألسن عليه بالوحدانية ، كقوله تعالىٰ : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) » (٢).

وروىٰ داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري أنّ رجلاً ناظر الإمام الجواد عليه‌السلام في أسماء الله تعالىٰ وصفاته ، فقال : ( كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فسأله رجل فقال : أخبرني عن الربِّ تبارك وتعالىٰ ، له أسماء وصفات في كتابه ؟ وأسماؤه وصفاته هي هو ؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إنّ لهذا الكلام وجهين :

إن كنت تقول : هي هو ، أي أنه ذو عدد وكثرة فتعالىٰ الله عن ذلك.

وإن كنت تقول : هذه الصفات والأسماء لم تزل فإنّ ( لم تزل ) محتمل معنيين : فإن قلت : لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها ، فنعم.

وإن كنت تقول : لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها ، فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره ، بل كان الله ولا خلق ، ثم خلقها ـ أي الأسماء ـ وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ، ويعبدونه وهي ذكره.

وكان الله ولا ذكر ، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل ، والأسماء والصفات مخلوقات. والمعاني والمعنيُّ بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّئ ، فلا يقال : الله مؤتلف ، ولا : الله

________________

١) اُصول الكافي ١ : ٨٧ / ٣ باب المعبود من كتاب التوحيد.

٢) اُصول الكافي ١ : ١١٨ / ١٢. والآية من سورة الزخرف : ٤٣ / ٨٧.

١٠٤

قليل ، ولا كثير ، ولكنه القديم في ذاته ؛ لأنّ ما سوىٰ الواحد متجزّئ ، والله واحد لا متجزئ ، ولا متوهّم بالقلة والكثرة ، وكلّ متجزئ أو متوهَّم بالقلّة والكثرة فهو مخلوق دالٌّ علىٰ خالقٍ له.

فقولك : ( إنّ الله قدير ) ، خبّرت أنه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز ، وجعلت العجز سواه. وكذلك قولك : ( عالم ) ، إنّما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهل سواه. وإذا أفنىٰ الله الأشياء أفنىٰ الصورة والهجاء والتقطيع ، ولا يزال من لم يزل عالماً ».

فقال الرجل : فكيف سمّينا ربّنا سميعاً ؟

فقال الإمام : « لأنّه لا يخفىٰ عليه ما يُدرك بالأسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس ، وكذلك سميناه بصيراً ؛ لأنّه لا يخفىٰ عليه ما يُدرك بالأبصار. من لون أو شخص أو غير ذلك ، ولم نصفه ببصر لحظة العين.

وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفىٰ من ذلك ، وموضع النشوء منها ، والعقل والشهوة للسفاد والحدب علىٰ نسلها ، وإقام بعضها علىٰ بعض ، ونقلها الطعام والشراب إلىٰ أولادها في الجبال والمفاوز والأودية والقفار. فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف ، وإنّما الكيفية للمخلوق المكيّف.

وكذلك سمّينا ربّنا قوياً لا بقوة البطش المعروف من المخلوق ، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة ، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصاً كان غير قديم ، وما كان غير قديم كان عاجزاً.

فربّنا تبارك وتعالىٰ لا شبه له ولا ضدّ ، ولا ندّ ، ولا كيف ، ولا نهاية ، ولا

١٠٥

تبصار بصر. ومحرّم علىٰ القلوب أن تُمثّله ، وعلىٰ الأوهام أن تحدّه ، وعلىٰ الضمائر أن تكوّنه جلّ وعزّ عن أداة خلقه ، وسمات بريّته ، وتعالىٰ عن ذلك علوّاً كبيراً » ) (١).

الفرق المنحرفة :

في رجال الكشي عن علي بن مهزيار قال : ( سمعتُ أبا جعفر عليه‌السلام يقول ـ وقد ذُكر عنده أبو الخطّاب (٢) ـ : « لعن الله أبا الخطّاب ، ولعن أصحابه ، ولعن الشاكّين في لعنه ، ولعن من وقف فيه ، وشك فيه... » (٣).

وبالإضافة إلىٰ لعن الإمام عليه‌السلام لأبي الخطّاب وأصحابه ، فإنّه عليه‌السلام وقف موقفاً حاسماً من الفرقة الواقفية وغيرها. فقد أورد الكشي بسنده عن محمد بن رجاء الحنّاط ، عن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام أنّه قال : « الواقفة حمير الشيعة ».

________________

١) اُصول الكافي ١ : ١١٦ / ٧. وراجع : التوحيد / الصدوق : ١٩٣.

٢) أبو الخطّاب : هو محمد بن أبي زينب مقلاص الأسدي الكوفي الأجدع. كان في بادئ أمره من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، ثم انحرف عن خط أهل البيت عليهم‌السلام ، بل وعن الدين ، فأخذ ينسب أباطيله وعقائده الفاسدة إلىٰ الإمام الصادق عليه‌السلام كذباً وزوراً ، وتبعه عدد من المضلّلين والنفعيين حتىٰ شكّلوا فرقة سمّيت فيما بعد بالخطّابية. من عقائدهم زعموا أن الصلاة والصيام والتكاليف الاُخرىٰ ، والخمر والزنا والسرقة وغيرها هي أسماء رجال ، والآيات القرآنية الآمرة بأداء تلك الأعمال والناهية عنها ، إنّما هي آمرة بمحبة أولئك الرجال أو النهي عن محبتهم فقط. كما أظهروا كثيراً من البدع والضلالات والإباحات ، حتىٰ وصل بهم الأمر إلىٰ الدعوة إلىٰ نبوّة أبي الخطاب. بعث إليهم والي المدينة جيشاً ـ بعد أن استفحل أمرهم ـ فقاتلوهم حتىٰ أبادوهم عن آخرهم إلّا رجلاً واحداً منهم نجا من القتل.

٣) اختيار معرفة الرجال : ٥٢٨ / ١٠١٢.

١٠٦

ثم تلا قوله تعالىٰ : ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) (١).

كما تجلّىٰ موقفه الحاسم هذا في نهيه عن التعامل مع الفطحية والواقفة ولم يجوّز الصلاة خلف أحدهم (٢).

الردّ علىٰ الأحاديث الموضوعة :

وفي إطار البحوث العقائدية ردّ الإمام الجواد عليه‌السلام علىٰ جملة وافية من الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة ، التي روّج لها بنو أُمية منذ زمان معاوية بن أبي سفيان ، وصرفوا الأموال الطائلة في سبيل وضعها ونشرها ، وذلك لبلوغ أهدافهم السياسية والمحافظة علىٰ أركان ملكهم واستمرار تسلطهم غير المشروع علىٰ الخلافة الاسلامية.

فقد روي أن ابن أكثم ناظر الإمام أبا جعفر عليه‌السلام بمحضر المأمون وجماعة كبيرة من أركان دولته وخاصته ، فقال يحيىٰ للإمام عليه‌السلام : ما تقول يابن رسول الله في الخبر الذي روي أن جبرائيل نزل علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا محمد إنّ الله يقرؤك السلام ، ويقول لك : سل أبا بكر هل هو راضٍ عني ، فإنّي راضٍ عنه ؟

فقال عليه‌السلام : « لست بمنكر فضل أبي بكر ، ولكن يجب علىٰ صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع : قد كثُرت عليَّ الكذابة وستكثر ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه علىٰ كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به ، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به. وليس يوافق هذا الخبر

________________

١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٤٤.

٢) راجع : تهذيب الأحكام ٣ : ٢٨ / ٩٨.

١٠٧

كتاب الله ، قال الله تعالىٰ : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (١) فالله عزَّ وجلَّ خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتىٰ سأل عن مكنون سرّه ؟! هذا مستحيل في العقول ».

ثم قال يحيىٰ بن أكثم : وقد روي أنّ مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء.

فقال الإمام عليه‌السلام : « وهذا أيضاً يجب أن يُنظر فيه ؛ لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقرّبان ، لم يعصيا الله قط ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة. وهما ـ أي أبو بكر وعمر ـ قد أشركا بالله عزَّ وجلّ ، وإن أسلما بعد الشرك ، وكان أكثر أيامهما في الشرك بالله ، فمحال أن يُشبِّههما بهما.. ».

قال يحيىٰ : وقد روي أنهما سيدا كهول أهل الجنة ، فما تقول فيه ؟

فقال عليه‌السلام : « وهذا محال أيضاً ؛ لأنّ أهل الجنة كلّهم يكونون شباباً ، ولا يكون فيهم كهل ، وهذا الخبر وضعه بنو أُمية لمضادة الخبر الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحسن والحسين بأنّهما سيدا شباب أهل الجنة ».

فقال يحيىٰ بن أكثم : وروي أن عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنة.

فقال عليه‌السلام : « وهذا أيضاً محال ؛ لأنّ في الجنة ملائكة الله المقربين ، وآدم ، ومحمداً وجميع الأنبياء والمرسلين ، لا تضيء بأنوارهم حتىٰ تضيء بنور عمر ؟! ».

قال يحيىٰ : وروي أنّ السكينة تنطق علىٰ لسان عمر.

________________

١) سورة ق : ٥٠ / ١٦.

١٠٨

فقال عليه‌السلام : « لست بمنكر فضائل عمر ، لكنّ أبا بكر ـ وأنه أفضل من عمر ـ قال علىٰ رأس المنبر : إنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا ملتُ فسدّدوني ».

فقال يحيىٰ : قد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو لم أُبعث لبُعث عمر.

فقال عليه‌السلام : « كتاب الله أصدق من هذا الحديث ، يقول الله في كتابه : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ ) (١) فقد أخذ الله ميثاق النبيين ، فكيف يمكن أن يستبدل ميثاقه ؟ وكان الأنبياء لم يشركوا طرفة عين ، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك ، وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله ؟! وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نُبِّئتُ وآدم بين الروح والجسد ».

قال يحيىٰ : وقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما احتبس الوحي عني قط إلّا ظننته قد نزل علىٰ آل الخطّاب.

فقال عليه‌السلام : « وهذا محال أيضاً؛ لأنّه لا يجوز أن يشكّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نبوّته ، قال الله تعالىٰ : ( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ) (٢). فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممن اصطفاه الله إلىٰ من أشرك به ؟ ».

قال يحيىٰ : روي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو نزل العذاب لما نجىٰ منه إلّا عمر.

فقال عليه‌السلام : « وهذا محال أيضاً ، إنّ الله تعالىٰ يقول : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (٣) فأخبر سبحانه أنه لايعذّب أحداً مادام فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما داموا يستغفرون الله تعالىٰ ».

________________

١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧.

٢) سورة الحج : ٢٢ / ٧٥.

٣) سورة الأنفال : ٨ / ٣٣.

١٠٩

فأُفحم يحيىٰ بن أكثم وسكت ، بعد أن أعيته أجوبة الإمام عليه‌السلام عن إيجاد مخرج لما تورط فيه (١).

توظيف المعجزة والكرامة في الهداية والارشاد :

الحدث المعجز إنّما يجريه الله سبحانه وتعالىٰ علىٰ يد أنبيائه ورسله أو أوصيائهم ؛ للتدليل علىٰ أن النبي المرسل أو الوصي المختار مرتبط بالسماء بشكل أو بآخر ، وأن المعجزة ـ وهي أمر خارق للعادة الطبيعية ـ هي تأييد لدعوىٰ النبي بأنّه ينطق عن السماء ، وأن ما يأتي به من تعاليم إنّما تصدر عن الله تبارك وتعالىٰ ؛ وتأييد لدعوىٰ الوصي أو الإمام المعصوم أيضاً بأنّه يتصل بالنبوة التي هي بدورها من مختصات السماء.

ولقد وظّف أئمة أهل البيت عليهم‌السلام المعاجز والكرامات التي كانت تجري علىٰ أيديهم في استقطاب أفراد الاُمّة حول محور الإمامة ، ثم إرشادهم وهدايتهم نحو المسار الصحيح.

ومن ذلك ، الخبر الذي يبيّن بجلاء توظيف الإمام عليه‌السلام للمعجزة في هداية الناس إلىٰ طريق الحق ، وإلفات نظرهم إلىٰ عظيم منزلة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عند الله سبحانه. فقد جاء عن علي بن خالد ، قال : كنت بالعسكر ، فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً أُتي به من ناحية الشام مكبولاً ، وقالوا : إنّه تنبأ (٢).

قال : فأتيت الباب وداريت البوّابين حتىٰ وصلت إليه ، فإذا رجل له فهم

________________

١) الاحتجاج / الطبرسي ٢ : ٢٤٥ طبعة النجف ـ دار النعمان ١٣٨٦ ه‍ ، تعليق السيد محمدباقر الخرسان.

٢) تنبأ أي ادّعىٰ النبوة.

١١٠

وعقل ، فقلت له : يا هذا ما قصتك ؟

فقال : إنّي كنت رجلاً بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال إنّه نُصب فيه رأس الحسين عليه‌السلام فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبلٌ علىٰ المحراب أذكر الله تعالىٰ إذ رأيت شخصاً بين يديّ ، فنظرت إليه. فقال لي : قم ، فقمت معه فمشىٰ بي قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة ، قال : فصلّىٰ فصلّيت معه ثم انصرف وانصرفت معه ، فمشىٰ قليلاً فإذا نحن بمسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّم علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّىٰ وصلّيت معه ، ثم خرج وخرجت معه فمشىٰ قليلاً فإذا أنا بمكّة ، فطاف بالبيت وطفت معه ، ثم خرج فمشىٰ قليلاً فإذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد الله تعالىٰ فيه بالشام ، وغاب الشخص عن عيني ، فبقيت متعجِّباً حولاً مما رأيت.

فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ، ودعاني فأجبته ، ففعل كما فعل في العام الماضي ، فلمّا أراد مفارقتي بالشام قلت له : سألتك بحقّ الذي أقدرك علىٰ ما رأيت منك إلّا أخبرتني من أنت ؟

فقال : « أنا محمد بن علي بن موسىٰ بن جعفر ».

فحدّثتُ من كان يصير إليّ بخبره ، فرقي ذلك إلىٰ محمد بن عبدالملك الزيّات ، فبعث إليّ فأخذني وكبلني في الحديد وحملني إلىٰ العراق وحبست كما ترىٰ ، وادُّعي عليَّ المحال.

فقلت له : فأرفع عنك قصة إلىٰ محمد بن عبدالملك الزيّات.

فقال : إفعل.

فكتبت عنه قصة شرحت أمره فيها ورفعتها إلىٰ محمد بن عبدالملك

١١١

الزيّات ، فوقّع في ظهرها : قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلىٰ الكوفة ومن الكوفة إلىٰ المدينة ومن المدينة إلىٰ مكة وردَّك من مكة إلىٰ الشام ، أن يخرجك من حبسك هذا.

قال علي بن خالد : فغمني ذلك من أمره ورققت له وانصرفت محزوناً عليه ، فلما كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال وآمره بالصبر والعزاء ، فوجدت الجند وأصحاب الحرس وأصحاب السجن وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون ، فسألت عن حالهم فقيل لي : المحمول من الشام المتنبئ افتقد البارحة من الحبس ، فلا يُدرىٰ أخُسِفت به الأرض أو اختطفته الطير !

وكان هذا الرجل ـ أعني علي بن خالد ـ زيدياً ، فقال بالإمامة لمّا رأىٰ ذلك وحسُنَ اعتقاده (١).

وروي عن القاسم بن المحسن (٢) ، قال : كنت فيما بين مكّة والمدينة فمرَّ بي أعرابي ضعيف الحال ، فسألني شيئاً فرحمته وأخرجت له رغيفاً فناولته إياه ، فلما مضىٰ عني هبّت ريح شديدة ـ زوبعة ـ فذهبت بعمامتي من رأسي ، فلم أرها كيف ذهبت ؟ وأين مرّت ؟ فلما دخلت علىٰ أبي جعفر بن الرضا عليه‌السلام ، فقال لي : « يا قاسم ! ذهبت عمامتك في الطريق ؟ ».

قلت : نعم.

قال : « يا غلام أخرج إليه عمامته » ، فأخرج إليَّ عمامتي بعينها ، قلت :

________________

١) الإرشاد ٢ : ٢٨٩ ـ ٢٩١. وراجع : دلائل الإمامة : ٢٠٥ / ٣٦٦. وإعلام الورىٰ : ٣٤٧. وكشف الغمة ٣ : ١٤٩.

٢) الظاهر أنّه : القاسم بن الحسن البزنطي ، إذ لا وجود للقاسم بن المحسن في كتب الرجال.

١١٢

يابن رسول الله! كيف صارت إليك ؟

قال : « تصدقت علىٰ الأعرابي ، فشكر الله لك ، وردّ عمامتك ، وان الله لا يضيع أجر المحسنين » (١).

ونقل الإربلي عن القاسم بن عبدالرحمن ـ وكان زيدياً ـ قال : خرجت إلىٰ بغداد فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعاودون ويتشرّفون ويقفون قلت : ما هذا ؟ فقالوا : ابن الرضا ، ابن الرضا.

فقلت : والله لأنظرنّ إليه ، فطلع علىٰ بغل ـ أو بغلة ـ فقلت : لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إنّ الله افترض طاعة هذا.

فعدل إليَّ وقال : « يا قاسم بن عبدالرحمن ( أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ) (٢) ».

فقلت في نفسي : ساحر والله.

فعدل إليَّ فقال : « ( أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ) » (٣).

قال : فانصرفت وقلت بالإمامة ، وشهدت أنه حجة الله علىٰ خلقه واعتقدت (٤).

دوره في التربية الأخلاقية والاجتماعية :

إنّ دور الإمام عليه‌السلام في المجتمع هو نفس دور الأنبياء والرسل عليهم‌السلام ، يتمثل

________________

١) كشف الغمة ٣ : ١٥٩ ـ ١٦٠.

٢) سورة القمر : ٥٤ / ٢٤.

٣) سورة القمر : ٥٤ / ٢٥.

٤) كشف الغمة ٣ : ١٥٠.

١١٣

في بناء وصياغة الإنسان النموذج ؛ لأنّ النبي أو الإمام هو شاهد منتخب من قبل عالم الغيب ، ويتحمل في عالم الشهادة مسؤولية تأسيس أُمّة صالحة من الداخل ، بعد أن يغرس في أعماقها كل المعاني والمُثُل والقيم الفاضلة ، ثم قيادتها وفق الأوامر الإلهية ، للوصول إلىٰ المجتمع التوحيدي المتكامل.

ومن خلال استقراء منهج الأنبياء والرسل في قيادة البشرية وهدايتها عبر سلسلتهم الطويلة الممتدة منذ بدء الخليقة المتمثلة بالإنسان الأول ، والذي كان نبياً أيضاً ، وحتىٰ الرسالة الخاتمة المتمثلة بأشرف الأنبياء والرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو خاتمهم ، نجد أنّ هذا المنهج يعتبر الإنسان محور حركته...

الإنسان لا كعقل مجرد ، بل الإنسان صاحب العقل والروح والأحاسيس والمشاعر.. الإنسان صاحب القلب والعواطف..

وعليه فمشروع الأنبياء عليهم‌السلام وأوصيائهم ـ وخاتمتهم الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام ـ في صياغة الإنسان وتربيته وصنعه ، يتم من خلال التعامل مع تلك المقومات الإنسانية التي ذكرنا بشكل عاطفي وعملي ، وليس كالفلاسفة الذين يتعاملون ويتجاذبون مع العقول المجردة.

بعد هذه المقدمة الموجزة نستعرض بعض المرويات عن إمامنا جواد الأئمة عليه‌السلام والتي تكشف لنا كيفية توعيته لأصحابه وشيعته وعموم الاُمّة وارشادهم إلىٰ السلوك الإيماني القويم ومن ذلك ؛ الخبر الذي أورده ابن شعبة في تحف العقول حيث نقل أن أبا هاشم الجعفري قال للإمام أبي جعفر عليه‌السلام في يوم تزوج أُم الفضل ابنة المأمون : ( يا مولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم.

١١٤

فقال عليه‌السلام : « يا أبا هاشم ! عظمت بركات الله علينا فيه ».

قلت : نعم يا مولاي ، فما أقول في اليوم.

فقال عليه‌السلام : « تقول فيه خيراً فإنّه يصيبك ».

قلت : يا مولاي أفعل هذا ولا أخالفه.

قال عليه‌السلام : « إذاً ترشد ولا ترى إلّا خيراً » ) (١).

ومن ذلك أيضاً الخبر المروي في تهذيب شيخ الطائفة قدس‌سره بسنده عن أبي ثمامة قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : إنّي أُريد أن ألزم مكة أو المدينة ، وعليّ دين ، فما تقول ؟

فقال عليه‌السلام : « إرجع إلىٰ مؤدي دينك واُنظر أن تلقىٰ الله عزَّ وجلَّ وليس عليك دين ، إن المؤمن لا يخون » (٢).

وفي الكافي أورد عن ابن مهران ، قال : كتب أبو جعفر الثاني عليه‌السلام إلىٰ رجل : « ذكرت مصيبتك بعلي ابنك ، وذكرتَ أنه كان أحبّ ولدك إليك ، وكذلك الله عزَّ وجلَّ إنّما يأخذ من الولد وغيره أزكىٰ ما عند أهله ؛ ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة. فأعظم الله أجرك ، وأحسن عزاك ، وربط علىٰ قلبك ، إنّه قدير ، وعجّل الله عليك بالخلف ، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله تعالىٰ » (٣).

ونقل المجلسي في بحاره بسند رفعه إلىٰ بكر بن صالح قال : ( كتب صهر

________________

١) تحف العقول : ٣٣٩ طبعة النجف ١٣٨٠ ه‍.

٢) تهذيب الأحكام ٦ : ١٨٤ / ٣٨٢.

٣) الفروع من الكافي ٣ : ٢٠٥. وراجع أيضاً : ٢١٨.

١١٥

لي إلىٰ أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أن أبي ناصب خبيث الرأي ، وقد لقيت منه شدّة وجهداً ، فرأيك ـ جعلت فداك ـ في الدعاء لي ، وما ترىٰ جُعلت فداك ؟ أفترىٰ أن أكاشفه أم أُداريه ؟

فكتب : « قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك ، ولست أدع الدّعاء لك إن شاء الله ، والمداراة خير لك من المكاشفة ، ومع العسر يسر ، فاصبر إن العاقبة للمتقين ثبتك الله علىٰ ولاية من تولّيت ، نحن وأنتم في وديعة الله الذي لا يضيع ودائعه ».

قال بكر : فعطف الله بقلب أبيه حتىٰ صار لا يخالفه في شيء ) (١).

وحدّث الشيخ الصدوق عن أبيه قوله : ( حدثني سعد بن عبدالله ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن اسماعيل بن سهل ، قال : كتبت إلىٰ أبي جعفر الثاني عليه‌السلام علّمني شيئاً إذا أنا قلته كنت معكم في الدنيا والآخرة.

قال : فكتب بخطّه أعرفه : « أكثر من تلاوة ( إنّا أنزلناه ) ورطّب شفتيك بالاستغفار » (٢).

روائع من نور كلمه

أئمة أهل البيت عليهم‌السلام هم أزِمّة الحقّ ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ! إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يُسبقوا. فهم عيش العلم ، وموت الجهل.

________________

١) بحار الأنوار ٥٠ : ٥٥ / ٣٠.

٢) ثواب الأعمال : ١٦٥ باب ثواب الاستغفار.

١١٦

يُخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حِكَم منطقهم ، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. إن سكتوا كان سكوتهم ذكراً ، وإن نظروا كان نظرهم عبرة ، وإن نطقوا كان منطقهم الحكمة. فكلامهم : لا يُملُّ ، وحديثهم لا تمجّه الآذان ، وتستأنس به النفوس ، وهو إلىٰ القلب أسرع منه إلىٰ السمع وإن كان يمر عبر صيوانه ؛ وذلك لأنّ لسان حالهم أسبق من لسان مقالهم. وانّ ما يخرج من القلب لا شك أنه يدخل مفترشاً صحراء القلب ، ولا يبقىٰ عالقاً في شفير المسامع.

فكما أن كلامهم عليهم‌السلام ، وكلّ كلامهم نور.. ونطقهم حكمة.. فإنّ إمامنا الجواد عليه‌السلام ـ وهو أحد أهل البيت النبوي الطاهر ـ له أيضاً كلمات حكيمة ، ومواعظ نورانية ، وآداب إلهية.

وقد آثرنا ونحن نقترب من خاتمة هذه الدراسة ، نقل قبسات من أنوار حكمه عليه‌السلام والتي هي في مضامينها مناهج عمل ، وبرامج توعية وهداية للسالكين طريق الحق والصلاح.

فمما قاله عليه‌السلام : « لا تعادِ أحداً حتىٰ تعرف الذي بينه وبين الله تعالىٰ ، فإن كان محسناً فإنه لا يسلمه إليك ، وإن كان مسيئاً فإن علمك به يكفيكه ، فلا تعاده ».

وقال عليه‌السلام أيضاً : « الثقة بالله تعالىٰ ثمن لكلِّ غالٍ ، وسُلّم إلىٰ كلِّ عالٍ ».

وقال عليه‌السلام : « من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة ».

وقال عليه‌السلام : « كيف يضيع من الله كافله ؟! وكيف ينجو من الله طالبه ؟! ومن انقطع إلىٰ غير الله وكّله الله ـ تعالىٰ ـ إليه ، ومن عمل علىٰ غير علم أفسد أكثر

١١٧

مما يصلح » (١).

وقال عليه‌السلام : « استصلاح الأخيار بإكرامهم ، والأشرار بتأديبهم ، والمودّة قرابة مستفادة ».

وقال عليه‌السلام : « القصد إلىٰ الله تعالىٰ بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال ».

وقال عليه‌السلام : « من أصغىٰ إلىٰ ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق يؤدي عن الله عزَّ وجلَّ فقد عبد الله ، وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان » (٢).

وقال عليه‌السلام : « لو كانت السموات والأرض رتقاً علىٰ عبد ثم اتقىٰ الله تعالىٰ لجعل منها مخرجاً ».

وقال عليه‌السلام : « لا تكن ولياً لله في العلانية ، وعدواً له في السرِّ ».

وقال عليه‌السلام : « من استغنىٰ بالله افتقر الناس إليه ، ومن اتقىٰ الله أحبه الناس وإن كرهوا ».

وقال عليه‌السلام : « لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتىٰ يؤثر دينه علىٰ شهوته ، ولن يهلك حتىٰ يؤثر هواه وشهوته علىٰ دينه ».

وقال عليه‌السلام : « عزّ المؤمن غناه عن الناس ».

وقال عليه‌السلام : « من أطاع هواه أعطىٰ عدوّه مناه ».

________________

١) التذكرة الحمدونية / ابن حمدون ١ : ١١٣ / رقم ٢٢٨.

٢) الفروع من الكافي ٦ : ٤٣٤ / ٢٤.

١١٨

وقال عليه‌السلام : « من هجر المداراة قارنه المكروه ، ومن لم يعرف الموارد ، أعيته المصادر » (١).

وقال عليه‌السلام : « راكب الشهوات لا تُستقال له عثرة ».

وقال عليه‌السلام : « ما عظمت نعمة الله علىٰ عبد إلّا عظمت عليه مؤونة الناس ، فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرّض النعمة للزوال ».

وقال عليه‌السلام : « من كثر همّه سقم جسده ».

وقال عليه‌السلام :«من لم يرض من أخيه بحسن النية ، لم يرض بالعطية ».

وقال عليه‌السلام : « أهل المعروف إلىٰ اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه ؛ لأنّ لهم أجره وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنّما يبدأ فيه بنفسه ، فلا يطلبنّ شكر ما صنع إلىٰ نفسه من غيره ».

وقال عليه‌السلام : « من أخطأ وجوه المطالب خذلته وجوه الحيل ».

وقال عليه‌السلام : « من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه ».

وقال عليه‌السلام : « موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل ، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر ».

وقال عليه‌السلام : « ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله تعالىٰ : كثرة الاستغفار ؛ ولين الجانب ؛ وكثرة الصدقة. وثلاث من كنّ فيه لم يندم : ترك العجلة ، والمشورة ؛ والتوكّل علىٰ الله عند العزم ».

وقال عليه‌السلام : « المؤمن يحتاج إلىٰ ثلاث خصال : توفيق من الله ؛ وواعظ من

________________

١) التذكرة الحمدونية ١ : ٣٨٣ / رقم ١٠٨.

١١٩

نفسه ، وقبول ممن ينصحه ».

وقال عليه‌السلام : « التوبة علىٰ أربع دعائم : ندم بالقلب ؛ واستغفار باللسان ؛ وعمل بالجوارح ؛ وعزم أن لا يعود ».

وقال عليه‌السلام : « أربع من كنّ فيه استكمل الإيمان : من أعطىٰ لله ؛ ومنع في الله ؛ وأحب لله ؛ وأبغض فيه ».

وقال عليه‌السلام : « الجمال في اللسان ، والكمال في العقل ».

وقال عليه‌السلام : « العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنىٰ ، والصبر زينة البلاء ، والتواضع زينة الحسب ، والفصاحة زينة الكلام ، والعدل زينة الإيمان ، والسكينة زينة العبادة ، والحفظ زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن الأدب زينة العقل ، وبسط الوجه زينة الحلم ، والإيثار زينة الزهد ، وبذل المجهود زينة النفس ، وكثرة البكاء زينة الخوف ، والتقلل زينة القناعة ، وترك المن زينة المعروف ، والخشوع زينة الصلاة ، وترك ما لا يعني زينة الورع ».

وقال عليه‌السلام : « يوم العدل علىٰ الظالم أشد من يوم الجور علىٰ المظلوم ».

وقال عليه‌السلام : « إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له ».

وقال عليه‌السلام : وقد سُئل عن الحزم : « هو أن تنظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك » (١).

وقال لبعض الثقات عنده ، وقد أكثر من تقريظه : « أقلل من ذلك ، فإنّ

________________

١) التذكرة الحمدونية ١ : ٣٨٣ / رقم ١٠٠٥.

١٢٠