تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

أحمد علي مجيد الحلي

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

المؤلف:

أحمد علي مجيد الحلي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي
الطبعة: ١
ISBN: 964-297-132-5
الصفحات: ٢١٦

الباب الخامس

في ذكرعمارة مقام

صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة

٨١
٨٢

إن الباحث عن تاريخ عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ، يجد أن تأريخ هذا المقام ظل متواكباً مع تاريخ الحلة من أبان بزوغ عصرها العلمي ، فهو فيها كالقلب من الجسد ، فتجد فيه العالم والمتعلم والوالي , الرعية والمعافي والسقيم ، حتى أنه مامرّ بالحلة من وافد إلا وتشرف بمشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه ، فذلك ابن بطوطة وذا سيد علي رئيس المصري وغيرهم ، ولو لا حقد المتعصبين لذكر لنا التاريخ عدة من الزائرين لهذا المقام الشريف ، وسوف نذكر في هذا الباب تاريخ عمارة المقام حسب التسلسل التاريخي لها :

١ ـ في القرن السادس الهجري :

لا علم لنا بتاريخ عمارة المقام وإنشائها في هذا القرن ، إلا انها كانت موجودة ، ويحسب التواريخ التالية ، وللأسف الشديد فُقد كتاب ( المناقب المزيدية في أخبار الدولة الاسدية ) (١) للمؤلف أبي البقاء هبة الله بن نما ، فأن البلاد الاسلامية خلت من هذه النسخة ، سوى نسخة واحدة موجودة في المتحف البريطاني وتحت رقم (٢٣٠٢٩٦) ولا بد من ذكر لهذا المقام في هذا الكتاب لأن مؤلفه كان من رجال ذلك القرن.

٢ ـ في القرن السابع الهجري :

كانت العمارة موجودة ، ومنذ بدأ هذا القرن وهذا ما نجده في

__________________

١ ـ انظر : تاريخ الحلة / ابن كركوش رحمه‌الله ج ٢ / ص ٥٠ ، علما ان هذا الكتاب لم يذكر في كتاب ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) للشيخ اغا بزرك الطهراني فهو مما يستدرك عليه.

٨٣

ما كتبه الشيخ الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلي ما صورته :

حوادث سنة ( ٦٣٦ هـ ) : فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي بيوت الدرس الى جانب المشهد المنسوب الى صاحب الزمان عليه‌السلام بالحلة السيفية ، وأسكنها جماعة من الطـلبة. (١)

سنة ( ٦٧٧ هـ ) : في داخل المقام نسخ السيد الحسين الطبري رحمه‌الله كتاب ( نهج البلاغه ). (٢)

٣ ـ في القرن الثامن الهجري :

كانت عمارة المقام شامخة في قلب الحلة وعلى شهرة واسعة من الذكر من قبل الخاص والعام ففي بداية هذا القرن وفي داخل المقام كتب الشيخ محمد حسن بن ناصر الحداد كتابه الدرة النضيدة. (٣)

وفي سنة ( ٧٢٣ هـ ) : في داخل المقام نسخ محمود بن محمد بن بدر كتاب ( تحرير الاحكام الشرعية ) للعلامة الحلي رحمه‌الله. (٤)

في سنة ( ٧٧٦ هـ ) : في داخل المقام نسخ جعفر بن محمد العراقي كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحلي رحمه‌الله. (٥)

__________________

١ ـ انظر : لؤلؤة البحرين / البحراني رحمه‌الله ص ٢٧٢ تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم رَحَمَهُ.

٢ ـ انظر : الباب الثاني من كتابنا هذا.

٣ ـ انظر : الباب الثاني من كتابنا هذا.

٤ ـ انظر : المصدر السابق.

٥ ـ انظر : المصدر السابق.

٨٤

و أما وصف عمارة المقام في القرن الثامن الهجري فعلى ما يلي :

محراب المقام : ورد ذكر المحراب على لسان الراوي لحكاية ( أبي راجح الحمامي ) وهو الشيخ محمد بن قارون ، والحاصلة في هذا القرن قائلا : ( وكان يجلس في مقام الامام عليه‌السلام في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ) ، (١) والقبلة الشريفة كناية عن محراب المقام.

باب المقام : ورد ذكر باب المقام على لسان ( ابن بطوطة ) في رحلته الحاصلة في سنة ٧٢٥ هـ قائلا : « وبمقربه من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ».(٢)

قبة المقام : ورد ذكر لقبة المقام في هذا القرن أربع مرات في حكاية ( ابن الخطيب وعثمان ) الحاصلة في سنة ٧٤٤ هـ قائلاً ( أي الراوي للحكاية ) : « فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه‌السلام ... وبتنَ باجمعهنّ في باب القبة ... لما جعلتنني في القبة وخرجتنّ ... ورأيت القبة قد امتلأت نوراً ». (٣)

وذكرت القبة ثانيةً في هذا القرن في حكاية ( جمال الدين الزهدري ) الحاصلة في سنة ٧٥٩ هـ على لسان الراوي لها مرتين قائلا : « وقيل لها ألا تبيتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة

بمقام صاحب الزمان عليه‌السلام ... وقد اباتتني جدتي تحت القبة ». (٤)

__________________

١ ـ انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا.

٢ ـ انظر : الباب الرابع من كتابنا هذا.

٣ ـ انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا.

٤ ـ انظر : المصدر السابق.

٨٥

وآخر الذكر لعمارة هذا المقام هو ما جرى على لسان ( ابن ابي الجواد النعماني حينما سأل الامام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف قائلاً :

يا مولاي. لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة فأين تكون فيهما؟ ». (١)

٤ ـ في القرن التاسع الهجري :

وفي سنة ( ٨٧٣ هـ / ١٣٥٢ م ) : قال الغياثي في تأريخه في حوادث تلك السنة : « أرسل حسن علي ، أمير بغداد ، جيشاً الى الحلة للقضاء على حكومة شاه علي بن اسكندر ، فلما وصل الجيش الى قلعة بابل رأى قراغول ( حراس ) فجرت معركة بين الطرفين ، ثم اصطلحوا وعاب القرعول أميرهم وقالوا لهم ، الجسر منصوب نمضي على غفلة ، وساروا وعبروا الجسر والناس يظنونهم القرغول الذين أرسلوا ومضوا الى أن وصلوا الى دار السلطان وأحاطوا بها وكان ابن اسكندر وابن قرا موسى في القلعة فأخذوهما عريانين وقتلوا ابن قرا موسى ، وأما ابن اسكندر فألقى بنفسه الى صاحب الزمان ، وقال : كنت درويشاً وجاء بـي ابن قرا موسى قهراً وطـلب الامان ... ».(٢)

أقول : هكذا وردت العبارة في تاريخ الغياثي والظاهران المقصود بعبارة ( فالقى بنفسه الى صاحب الزمان ) أنه القى بنفسه الى مقام صاحب الزمان ارواحنا فداه ، داخلاً بذمته آملاً منه أن يتركوه لأنه احتمى بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ويؤيد كلامنا هذا ، انه لا يوجد شيء ينسب الى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة سوى هذا المقام الشريف ،

__________________

١ ـ انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا.

٢ ـ انظر : تأريخ الحلة ، لأبن كركوش ج ١ / ص ١١٠.

٨٦

فحذف كلمة مقام أو مشهد من العبارة إما أن تكون من سهو النّساخ ، أو انما وردت على سبيل المجاز والأنساع بحذف المضاف وهو شائع في لغة العرب ومحاوراتهم وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَسْئَلِ اْلقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) (١) والتقدير على ما أجمع عليه المفسرون ، أهل القرية وأهل العِير ، كما أنه كائع في لغتنا اليوم ، فيقول أحدنا زرت علياً

عليه‌السلام وزرت الحسين عليه‌السلام يريد انه زار كلاً من مشهدهما.

٥ ـ في القرن العاشر وما بعده :

ذكرت عمارة المقام عندما زاره سيد علي رئيس المرسل من قبل سلطان مصر سنة ٩٦١ هـ (٢) وفي عهد الدولة الصفوية ( ٩٣٠ ـ ١١٢٠ هـ ) ذكرت عمارة المقام أنضا حينما عينت تلك الدولة ( ال القيم ) لسدانة المقام.(٣)

٦ ـ في القرن الرابع عشر :

في سنة ( ١٣١٧ هـ / ١٨٩٦ م ) ، (٤) سعى لعمارة مقام الغيبة الواقع في الحلة العلامة الكبير السيد محمد ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد احمد القزويني ( ١٢٦٢ ـ ١٣٣٥ هـ ).

الذي كان يهتم تعمارة الاثار التأريخية.

__________________

١ ـ أنظر : سورة يوسف ، آية ٨٢ العِير : القافلة.

٢ ـ أنظر : الباب الرابع من كتابنا هذا.

٣ ـ انظر : الباب الثامن من كتابنا هذا.

٤ ـ ذكر السيد محسن أمين العاملي رحمه‌الله في كتابه أعيان الشيعة ج ٤٧ ، ص ٧٢ إن تاريخ عمارة المقام سنة ١٣١٥ هـ والحال انها حصلت في سنة ١٣١٧ هـ ، حسب ما أرخه الشاعر محمد الملا في قصيدته ، وهو ما كتب على باب المقام أيضا.

٨٧

أقول : بقيت هذه العمارة الى سنتنا هذه وهي سنة ١٤٢٥ هـ وقد أرخ تلك العمارة الشيخ محمد الملا. (١) تـ ١٣٢٢ هـ في آخر قصيدة له قائلا :

محمداً فيك العلا قسـمت (٢)

آخيت (٣) اسمك اشتق من الحمد

بأنك الحائز علماً به

تهدي الى الايمان والرشد

شيدت للقائم من هاشم

مقام قدسِ شامخ المجدِ

فلم يزل تهتف فيك العلى (٤)

على لسان الحر والعبدِ

ذا خلف المهدي قد (٥)

( شاد مقام الخلف المهدي ) (٦)

والشعر هذا موجود ومكتوب الى الآن على ياب المقام كتب بالقاشي الازرق ، وقم يتغير الى الان وأنا نقلته هنا على ما كتب على باب المقام وقد أورد الشيخ الخاقاني رحمه‌الله قي كتابه ( شعراء الحلة ج ٥ ص ٢٤٢ ) هذا الشعر باختلاف يسير ، أوردته بالهامش.

____________

١ ـ هو الشيخ محمد بن حمزه بن حسين بن نور علي التستري الاهوازي الحلي المعروف بالملا ، أديب كبير ، وخطيب مفوه ، ومربي ممتاز هاجر جده الاعلى من تستر الى الحلة قبل قرنين من الزمن ، وذكره صاحب الحصون المنيعة في ج ٢ ص ٣٣ فقال : كان شاعرا ماهرا اديبا طريفا ، نظم الشعر في صباه فاعاد الى الفيحاء عهد

الصفي الحلي في تحري البديع والفن فيه حتى أصبح علما من أعلام هذا الفن.

٢ ـ الأصح ( محمد ) ورد في شعراء الحلة ( محمد فيك العلا اقسمت ).

٣ ـ هكذا ورد في الاصل والذي يقتضيه السياق ( حيث ) وورد في شعراء الحلة ( ان اسمك ... ).

٤ ـ ورد في شعراء الحلة ( فلم يزل يهتف فيك الثنا ).

٥ ـ ورد في شعراء الحلة ( ذا خلف المهدي مذ ارخوا ).

٦ ـ انظر : شعراء الحلة / الخاقاني رحمه‌الله ج ٥ / ص ٢٤٢ وكذلك أعيان الشيعة / الامين رحمه‌الله ج ٤٧ / ص ٧٢.

٨٨

كما ان الحاج عبد المجيد العطار ( ١٢٨٢ ـ ١٣٤٢ هـ ) أرخ هذه العمارة ببيتين من الشعر ضمنهما بـ ( ٢٨ ) تاريخاً قائلاً :

توقع جميل الاجـر في حرم البنا

بصاحب عصر ثاقـب باسمه السنا

بفتحك بالنـصر العـزيز رواقا

نجدّ اقتراباً ما أجار وراقا (١) (٢)

٧ ـ في القرن الخامس عشر الهجري :

سنة ١٤٢٢ هـ / ٢٠٠١ م :

سعى المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله

الوارف بتجديد عمارة المقام وبجهود بعض المؤمنين الخيرين ، بالرغم من تلك الظروف الحرجة من محاربة وطمس آثار التشيع من قبل حزب البعث الحاكم آنذاك وتضمن هذا التجديد :

١ ـ تغليف القبة المنيفة السامية الشامخة للمقام بالقاشي الازرق.

٢ ـ تغليف أرضية المقام وجدرانه بالمرمر الفاخر.

٣ ـ تزيين سقف المقام والقبة من الداخل بالمرايا.

٤ ـ تغيير الآيات التي كتبت على واجهة المقام.

____________

١ ـ ويلحق هنا في تأريخ المقام في هذا القرن قول المرحوم الشيخ جعفر ال محبوبة تـ ١٣٧٧ هـ في كتابه ماضي النجف وحاضرها ج ١ ص ٩٥ ( حدثني بعض الثقاة المتتبعين للاثار والاخبار انه وجد في بعض الكتب المؤلفة في غيبة الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف ان للحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف مقاماً في النعمانية ، وفي الحلة ، وفي مسجد السهلة ، وفي النجف ).

٢ ـ انظر : البابليات ج ٣ ق ٢ ص ٧٠ / البعقوبي.

٨٩

٥ ـ تكييف المقام وإنارته بالمصابيح والثريا.

ولقد أرخ هذه العمارة الشاعر السيد عصام الحسيني السويدي قائلاً :

ياحجـة الله التي

في أرضهِ للعبدِ

شُدنا مقامكَ علّنا

نحظى بنيلِ السّعدِ

أرواحنا قبل الحجا

رةِ سابقت والايدي

بالحمدِ تمّ مؤرخـا

( أنظر مقام المهدي ) ١٤٢٢ هـ

والشعر هذا مكتوب على لوحة وضعت فوق باب المقام من الداخل.

أقول :

وفي تلك السنة أي سنة ١٤٢٢ هـ وفي حكم حزب البعث الظالم جاءت بعثة من بغداد من دائرة الاوقاف والشؤون الدينية ، وكان بنيتها دراسة هدم المقام كلياً بحجة توسعة جامع الحـلة الـكبير وان المقام لا قـيـمة له ، فأجابهم أحد الموظفين في دائرة الاوقاف والشؤون الدينية في الحلة ، بأن أصل الجامع هو من المقام ، فولوا مدبرين وأبى الله الاّ ان يتم نوره ولو كره المشركون ، وهذا مما اشتهر عند أهل الحلة وسمعته منهم ، وهو أيضا ما أخبرني به أحد موظفي دائرة الوقف الشيعي ، وكان هذا الموظف هو الراد على تلك البعثة ، وقال ما مضمونه : « على ان الله عَزَ وجَل انطقني في أن أقول أن الجامع هو أصلاً من المقام ».

علما انني احتفظت ببعض الاوراق التي تخص تلک العمارة الاخيرة وسوف أوردها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا.

ومن الذين قالوا شعرا بمناسبة هذه العمارة أيضاً الاستاذ ( عبد العظيم الحاج رحيم الصفار الخفاجي ) أحببت إيراده هنا قائلاً :

٩٠

في الحلة اثرٌ يتجدد

من آثارِ آلِ محمد

يتـوارثه أهـل بلادي

ابناءً آباءً عن جد

حتى يرث الارض جميعاً

الصـالح من آل محمد

قد شيده من قد سلفوا

وبأيدي الابناء تجدد

رحم الله الماضي منهم

والحاضر يحفظه الاوحـد

والقادم يتصل بهم

وسيقـى البنـيان مشيد

قف واخلع نعليك وصلِّ

في هـذا المحراب

واهتف ( يا ابن الحسن المهدي

الأمجد يا غائباً جـُدَداً جَدّدْ )

وتتميماً للفائدة في آخر هذا الباب نذكر ترجمة السيد العلامة الكبير محمد القزويني رحمه‌الله للتبرك بذكره الشريف ، وقد حفلت بترجمته العاطرة كثير من كتب التراجم ، ونحن نختصر ما ورد في ( الكنى والالقاب ) للشيخ المرحوم عباس القمي رحمه‌الله ، ج ٣ ص ٥١ ، قائلاً : « سلالة الفقهاء وسلافة الادباء ابو المعز السيد محمد ابن السيد مهدي حسن ابن السيد احمد الذي هو أول من انتقل من قزوين الىالعراق وقطن النجف الاشرف ابن الحسين ابن الامير ابي القسم امير الحاج في الدولة الصفوية ينتهي نسبه الى محمد بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ولد في الحلة سنة ١٢٦٢ هـ وأخذ في التعلم الى أن راهق البلوغ فهاجر هو وأخويه الاعلام وهم الميرزا جعفر والسيد حسين المتوفي سنة ١٣٢٥ هـ الى النجف مقر العلم والعلماء ومنتدى الادب والادباء فأتقن العلوم العقلية والنقلية على كثير من الاساتذة العظام والفضلاء الفخام وكان بعكس

٩١

أبيه قليل التأليف والتصنيف لا يكاد يرتضي ما صنفه حتى يغيره بعد الملاحظة والمراجعة فظهر له منظومة في المواريث ورسالة في علم التجويد ومنسك في الحج وديوان شعره وله اثار إصلاحية كاصلاح نهر الحلة وتعمير قبور العلماء في الحلة كقبر المحقق وال طاوس وابن ادريس والشيخ ورام وغيرهم ومقام الغيبة وتجديد مقام مشهد الشمس ولما خلت الحلة من أعلام هذه الاسرة واستأصل الموت شأفتهم كتب اليه الحليون وحثوه على المجئ فلبى دعوتهم فهاجر الى الحلة سنة ١٣١٣ هـ فاستقبله جمهور هم على مسافة ميلين وكان يوماً مشهوداً كيوم وفاته وأخذت العلماء والشعراء يفدون عليه لتهنئته ، وكان في الحلة الى أن باغتته المنية وأنشبت فيه أظفارها وذلك في أول سنة ١٣٣٥ ونقل الى النجف الاشرف ودفن في مقبرة ال قزوين قدس‌سره ).

٩٢

الباب السادس

في ذكر الساحة الأصلية للمقام

وتاريخ الجامع الكبير المجاور للمقام

٩٣
٩٤

هذا الباب من أبواب كتابنا يتضمن فوائد مهمة تتعلق بأمور تأريخية كادت أن تنسج عليها عناكب النسيان وكشف حقائق حاولت طمسها والتضبيب عليها أيد ي العبث والتمويه ، ولتسليط الضوء على هذه الامور لا بدّ من جمع حقائق تحص مساحة المقام الاصلية التي صارت تتضائل جيلاً بعد جيل ، فالمساحة الكلية للمقام اليوم هي نحو ٣٥ متراً مربعاً ، ولقد علمت أنه في سنة ( ١٤٢٢ هـ / ٢٠٠١ م ) أرادوا هدم المقام بحجة جعله بيتاً خاصاً لأمام وخطيب أهل السنة في جامع الحلة الكبير المجاور للمقام ، لكن أبى الله إلاّ أن يتم نوره ، حيث أن النقول التاريخية المبثوثة في المصادر المعتبرة تثبت سعة مساحة المقام الشريف كما يظهر ذلك مما جمعناه من شوارد متناثرة وموارد مشتتة في بطون الكتب وطيات الآثار وقد استعنا الله تعالى في جمعها وتصنيفها أولاً فأولاً ودونك التفصيل :

أولاً : في مساحة المقام الاصلية وأن الجامع الكبير المجاور له تابع للمقام الشريف :

أ ـ إن اسم جامع الحلة الكبير عند أهل الحلة مشهور بـ ( جامع الغيبة ) وقد أخذوا هذا الاسم والشهرة على جهة التسالم يداً عن يد وخلفاً عن سلف.

ب ـ إن مقام الغيبة الآن يختوي على القبة فقط دون منارة والحال إن

٩٥

مقامات الائمة عليهم‌السلام ومشاهدهم على كثرتها في العراق لم نرها خالية من المنارة وهذا مما يدل على أن الجامع الذي يختوي على المنارة وهو بدون قبة والمقام الذي يحتوى على القبة وبدون منارة مكان واحد.

جـ ـ أن جامع الحلة الكبير يحتوي على المنارة فقط دون القبة والحال ان المساجد الاسلامية على كثرتها في العالم الاسلامي صغيرها وكبيرها تحتوي على منارة وقبة وهذا يدل على أن الجامع الذي يحتوي على منارة بدون قبة والمقام الذي يحتوي على قبة بدون منارة مكان واحد وخصوصاً إذا ما عرفنا أن الكتابة التي كانت على المنارة ( أي حولها من الاعلى ) كانت تحتوي على لفظ الجلالة واسم الرسول وأهل بيته الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين ، وفي عام ( ١٣٩٥ هـ / ١٩٧٥ م ) هدمت تلك المنارة وكتابتها ضاعت علينا وجعل بدلها منارة جديدة وكتب عليها سورة الاخلاص لتغيير تلك المعالم والخصائص التاريخية.

حدثني بذلك أقدم موظف في دائرة الوقف الشيعي ( وقد رغب بعدم ذكر اسمه ) وكان مشرفاً على بناء بلك المنارة الجديدة وذكر لي انه رأى تلك الكتابة القديمة التي على المنارة السابقة الذكر ، وكان باني المنارة الجديدة من أهالي الديوانية وكان القاشي المكتوب عليه أسماء الاثني عشر عليهما السَّم محفوظاً لمدة في دائرة الاوقاف ، وطلبت منه تصويره فوتوغرافيا فقال لا أعلم أين هو الآن ، وكذلك سألنا الوجيه الشاعر عبد الامير محمود الجبوري صاحب كتاب ( صرخة الثقلين ) في مدح ورثاء أهل البيت عليهم‌السلام وهو رجل كبير السن ، انه هل رأى تلك الكتابة؟ قال : نعم ، وسألنا الوجيه أمجد هلال

٩٦

مبارك وهو من مواليد ١٩٣٥ م ومحله قريب من الجامع الكبير ، فقال انا رأيت بلك المنارة وما هو مكتوب عليها سابقا ، وانها هدّمت في سنة ١٩٧٥ م وبني على أسها منارة جديدة وذلك لتغيير معالم ذلك الجامع ، منكراً ما قاله لي موظف من دائرة الوقف الشيعي بأن المنارة القديمة كانت آيلة للسقوط ، فقال الحاج أمجد انه لم تكن آيلة للسقوط ، ووانها هدمت بسبب ما علنها من الاسماء الطاهرة ، كما ذكر لي هذا الرجل أن مقام الغيبة كان في وسط الجامع الكبير ويقرب المنارة التي في الجامع ولكثرة زائري المقام من الرجال والنساء وبغية عدم اختلاطهم جعل مقام رمزي الأمام عليه‌السلام خاص بالنساء في جنوب الجامع ومن ثم اخبزل هذا المقام الذي كان خاصا بالنساء واغتصب المقام الاصلي الذي هو في الجامع من قبل الدولة العثمانية ، ثم قال هذا ما سمعته من والدي هلال عبود وهو من مـواليد ١٨٩٨ م ومن أهل السوق القدماء.

أقول : وهذا لا يبعد مما عرفناه من أفعال الدولة العثمانية وما نثبته تأريخيا بعد هذه الاسطر كاف ، وكان سبب تدويني لأقوال هذا الرجل ، لقربه من الجامع ، ولكبر سنة ، ولعلاقة أجداده بتاريخ هذا الجامع كما ستعرف ، كما ذكر لي السيد حيدر آل وتوت صاحب كتاب المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء ) إن رجلاً من آل القيم وهم من سدنة المقام لقرون رأى بلك الكتابة ، ومما يؤيد هذا الكلام قرب المسافة بين المنارة والقبة ، وهذا ما تراه في الصورة الفوتغرافية التي نوردها في آخر الكتاب ، إذ المسافة بينهما تبعد نحو ٢٥ متراً.

٩٧

حـ ـ ما ذكره الشيخ محمد علي اليعقوبي رحمه‌الله في كتابه ( البابليات ) ج ٢ ص ١٠٥ في ترجمة الملا محمد القيم قال : ( ابو الحسن محمد بن يوسف بن يوسف ين ابراهيم بن اسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي ، وكان جده هذا سادناً وقيماً على مقام الامام المهدي عليه‌السلام الواقع في سوق الهرج في الحلة المسمى بالغيبة وهو المقام الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته وابن خلدون في مقدمته ، وكان السادن المذكور يتولى أيضاً اوقاف الجامع الكبير الذي يجاوره مقام الغيبة جنوبا وذلك قبل أربعة قرون تقريبا ، كما بحكيه الصكوك والوثائق التي بأيدي هذه الاسرة من الحكومتين الصفوية والعثمانية ، ومن ثم عرفوا بآل ( القيم ) وهم حتى اليوم يستغلون ثمرة بلك الاوقاف الواقعة شمالي الحلة في الزاضع المعروف بـ [ الزوير ].

أقول : إن هذا الكلام يدل على أن أوقاف الجامع والمقام وهي الواقعة في الموضع المفروف بـ ( الزوير ) كانت واحدة ، كما إن الرجل المتولي عليها واحد ، وهذا مما يؤيد أن المكان ( أي المقام والجامع ) كان واحدا.

ز ـ قول الرحالة ابن بطوطة في أثناء زيارته الاولى للحلة في سنة ٧٢٥ هـ « وبمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ، ومن عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة ، عليهم السلاح وبأيديهم سيوف مشهورة فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر فيأخذون منه فرساً ملجماً أو بغلة ، كذلك ويضربون الطبول والانفار والبوقات أمام بلك الدابة تتقدمها خمسون منه ويتبعها مثلهم ويمشي

٩٨

آخـرون عن يمينها وشمالها ويأتون مشهد صـاحب الـزمان فيقفون بالباب ... ». (١)

وقوله في زيارته الثانية : « ثم الى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض تلك الايام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان ... ». (٢)

فلنستخرج من كلامه ما يهمنا :

١ ـ قوله عن موضع المقام ( وبمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ) أنظر قوله من السوق الاعظم ، ولم يقل أن موضعه خارج السوق ، كما هو الآن ، وخصوصا إذا ما عرفنا أن السوق كان أضيق من الآن بكثير فلقد وسِّع مرتين مرة في أواخر العهد العثمانـي ( في عهد الوالي عمر باشا ) وفي عهد الستينات الميلادية من عصرنا هذا.

٢ ـ وصف المقام ومساحته : مرةً ذكره بأنه مسجد صاحب الزمان ومرةً مشهد صاحب الزمان وأنه من السوق وأنه يسع لنحو مئة رجل ، فهذا الوصف الذي قال عنه ابن بطوطة لا يشبه وصف المقام الحالي وذلك لمساحته الصغيرة التي لا تزيد على ٣٩ متراً مربعاً ، فأن المقام الآن لا يسع لعشرين رجلاً ، ثم لو أن المقام على موضعه الحالي في ظهر السوق ومساحته الصغيرة لو كان هكذا في عصر ابن بطوطة لما التفت اليه ابن بطوطة ولما نوه عنه أصلا لما عرفت من تعصبه

__________________

١ ـ أنظر : رحلة ابن بطوطة ص ١٣٩.

٢ ـ أنظر : المصدر السابق ص ١٧٤.

٩٩

لأهل السنة ولو كان الجامع الذي بظهر المقام وهـو لأهل السنة الآن موجوداً في عصر ابن بطوطة لأشاد به وتبجح بذكره أي تبجح.

ط ـ موضع الشباك الحالي في داخل المقام : دأب الشيعة أن يضعوا في مقامات أئمتهم ( شباكاً ) أو نحو ذلك وعلى جهة القبلة فهذا مسجد السهلة ومقاماته وكذلك مسجد الكوفة ومقاماته وغيرها من المقامات المشهورة عند الشيعة ، لكن ما نراه الآن أن شباك هذا المقام يقع في ظهر القبلة بالنسبة للسصلي في داخل المقام وهذا يخالف القاعدة ومما يؤيد قول الشيخ محمد بن قارون في حكاية أبي راجح الحمامي التي أوردناها في الباب الثالث ( كان حاكم الحلة المسمى مرجان الصغير كلما يدخل هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه وعندما شاهد فضية أبو راجح الحمامي ، تغيرت عقيدته ، وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه ) أنتهى.

والحال أن في الوقت الحالي جميع الداخلين للمقام حالهم كحال هذا الحاكم في جلوسه الأول ، لأن القبلة الشريفة كناية عن هذا الشباك الموضوع في جهة القبلة.

ظ ـ قول الراوي في حكاية ابن الخطيب ، التي أوردناها في الباب الثالث ( وبتنَ بأجمعهنّ بباب القبة ) أي مجموعة النساء اللواتي كنّ يرافقن أم عثمان ، والحال أن من يبيت الآن بباب القبة ينام في وسط السوق لضيق المحل.

م ـ قول الشسخ الزهدري في حكايته الواردة في الباب الثالث من كتابنا هـذا ( وانطبق عليّ الناس حتى كادوا أن يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من

١٠٠