تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

أحمد علي مجيد الحلي

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

المؤلف:

أحمد علي مجيد الحلي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي
الطبعة: ١
ISBN: 964-297-132-5
الصفحات: ٢١٦

ورد في سير كثير من أعلام الشيعة الامامية ( أنار الله برهانهم ) انهم تشرفوا بلقاء الامام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وقد دون بعض العلماء الاعلام كالعلامة المجلسي رحمه‌الله والميرزا النوري رحمه‌الله في كتبهم ، تلك اللقاءات وكان لعلماء مدينة الحلة من ذلك نصيب موفور وحظ غير منقوص ويمكن أن يستأنس أن لقاء بعضهم وتشرّفه به عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا المقام فاتصل خبر هذا اللقاء المبارك ، وهذا لا يمنع أن يكون الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف قد شرف هذا الموضع قبل هؤلاء الاجلاء ، وان الله تعالى جعل لهذا الموضع من القدسية ما خصه بكثرة وجوده فيه ، ومعلوم أن الله خصّ بعض الازمنة ، بخصائص تشريف وتعظيم ، فكان من موارد هذا التشريف والتعظيم هو هذا الموضع المبارك الشريف ، وقد خفظ لنا التاريخ اسماء جماعة من أعاظم علماء الحلة ، ولقد أسلفنا ذكر ثلاثة منهم ، في الباب الثالث من كتابنا هذا وهم :

أبو راجح الحمّامي ( صاحب الحمام العمومي في الحلة ).

وأم عثمان ( المرأة التي كشف بصرها برؤية طلعته المباركة ).

والشيخ جمال الدين الزاهدري ( الذي شفي من الفالج ببركة يده صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

والان نأتي على من لم نذكرهم وهم : ( وذكرهم في هذا الباب ، حسب التسلسل التاريخي ).

١ ـ السيد رضي الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني رحمه‌الله تـ ( ٦٥٤ هـ ) : وأما حكاية لقائه على ما نقله العلامه الحلي رحمه‌الله في كتاب ( منهاج الصلاح ) قال :

١٤١

نوع آخر من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر رحمه‌الله عن السيد رضي الدين الآوي الحسيني رحمه‌الله

عن صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو : أن يقرأ فاتحة الكتاب عشر مرات ، وأقلّه ثلاث مرات ، والأدون منه مرة ، ثم يقرأ ( انا انزلناه ) عشر مرات ، ثم يقرأ هذا الدعاء ثلاث مرات : « اللهم اني استخيرك بعلمك بعواقب الامور ، واستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والمحذور ، اللهم إن كان الامر الفلاني قد نيطت بالبركة اعجازه وبواديه وحفّت بالكرامة أيامه ولياليه ، فخر لي خيرة درك شموسه ذلولاً وتقعص أيامه سروراً ، اللهم إمّا أمر فأأتمر ، وإما نهي فانتهي اللهم اني استخيرك برحمتك خيرة في عافية ».

ثم يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته ، ويخرج إن كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل ، وإن كان فردا لا تفعل ، أو بالعكس. (١)

وقد نقل العلامة النوري رحمه‌الله لقاء ثانياً لهذا السيد الآوي نقل فيه السيد دعاء العبرات المشهور ولم أنقله هنا خوفاً من الاطالة ومن أراده فليراجع ، النجم الثاقب ج ٢ ص ١٢٧ ، جنة المأوى ص ٢٢١ ، كما نقل السيد رضي الدين ابن طاووس هذا الدعاء عن السيد نفسه في كتاب ( مهج الدعوات ).

٢ ـ السيد الاجل صاحب الكرامات الباهرات السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس ( تـ ٦٦٤ هـ ) : وقد صرح في مطاوي كتبه بتلك اللقاءات ومن خلال فقرات من كتابه ( كشف المحجة لثمرة

__________________

١ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري الله رَحَمَهُ ، ج ٢ ص ١٢٦ ، وقد نقل الشهيد الاول في الذكرى هذه الاستخارة عن السيد.

١٤٢

المهجة ) الذي كتبه لولده وكان عمره حينئذ سبع سنين استدل شيخنا الميرزا حسين النوري رحمه‌الله صاحب كتاب مستدرك الوسائل ان باب لقائه إياه صلوات الله عليه كان مفتوحاً دائماً وأبداً له.

قال العلامة الحلي في حقه في إجازته الكبيرة : ( وكان رضي الدين علي رحمه‌الله صاحب كرامات حكى لي بعضها وروى لي والدي رحمة الله عليه البعض الآخر وكان أعبد من رأيناه من أهل زمانه ).

ولقد نقل العلامة النوري لهذا السيد عدة لقاءات وسوف نذكر هنا لقاءين.

اللقاء الاول : قال السيد الجليل القدر علي بن طاووس في كتاب ( مهج الدعوات ) : ( وكنت أنا بسر من رأى فسمعت سحراً دعاءه عليه‌السلام فحفظت منه عليه‌السلام من الدعاء لمن ذكره من الاحياء والاموات ( وابقهم ) أو قال : « وأحيهم في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا » وكان ذلك في ليلة الاربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة. (١)

اللقاء الثاني : وذكر في ملحقات كتاب أنيس العابدين انه نقل عن ابن طاووس رحمه‌الله انه سمع سحراً في السرداب عن صاحب الامر عليه‌السلام انه يقول : « اللهم ان شيعتنا خُلقتمن شعاع أنوارنا وبقية طينتنا ، وقد فعلوا ذنوباً كثيرة اتكالاً على حّبنا وولايتنا ، فان كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا ، وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاص بها عن خمسنا ، وأدخلهم الجنّة وزحزحهم عن النار ، ولا تجمع بينهم وبين أعدائهم في سخطك ».(٢)

__________________

١ ـ أنظر : النجم الثاقب ، النوري رحمه‌الله ، ج ٢ ، ص ١٢٠.

٢ ـ أنظر : النجم الثاقب ، النوري رحمه‌الله ، ج ٢ ، ص ١٢٠.

١٤٣

٣ ـ رجل اسمه عبد المحسن : وهو من الزاهدين العابدين المتمسكين بحبل ولائه عليه‌السلام وأرسل الامام عليه‌السلام على يديه رسالة خاصة الى السيد ابن طاووس.

وأما حكاية لقائه بالامام فلقد أوردها العلامة النوري في كتبه ونحن نتبرك بذكرها ( والكلام للسيد ابن طاووس ).

« ... وتوجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلة ، فوصلنا ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة بحسب الاستخارة ، فعرّفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصاً يقال له : عبد المحسن ، من أهل السواد (١) قد حضر بالحلة وذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهراً في اليقظة ، وقد أرسله الى عندي برسالة فنفذت قاصداً وهو محفوظ بن فرا فحضر ليلة السبت ثامن عشر من جمادى الآخرة المقدم ذكرها ، فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن ، فعرفته هو رجل صالح ، لا يشك النفس في حديثه ، ومستغنٍ عنا وسألته فذكر أن اصله من حصن بشر وانه انتقل الى الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهديّة ، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن ، وانه مقيم هناك وليس له عمل بالدولاب ولا زرع ، ولكنه باجر في شراء غليلات وغيرها ، وانه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها ، وبات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.

فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية ، فخرج فقصد النهر ، والنهر في جهة المشرق ، فما احسّ بنفسه إلا وهو في تل السلام

__________________

١ ـ قال المؤلف رحمه‌الله : يعني قرى العراق.

١٤٤

في طريق مشهد الحسين عليه‌السلام في جهة المغرب وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادى الاخرة من سنة احدى وأربعين وستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله عليّ فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

فجلست أريق ماء وإذا فارس عندي ما سمعت له حساً ولا وجدت لفرسه حركة ولا صوتاً ، وكان القمر طالعاً ، ولكن كان الضباب كثيراً.

فسألته عن الفارس وفرسه ، فقال : كان لون فرسه صداءً (١) وعليه ثياب بيض وهو متحنّك بعمامة ومتقلد بسيف.

فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن : كيف وقت الناس؟ قال عبد المحسن : فظننت انه يسأل عن ذلك الوقت ، قال : فقلت الدينا عليه (٢) ضباب وغبرة ، فقال : ما سألتك عن هذا ، أنا سألتك عن حال الناس ، قال : فقلت الناس طيبين مرخّصين آمنين (٢) في أوطانهم وعلى أموالهم.

فقال : تمضي الى ابن طاووس ، وتقول له كذا وكذا ، وذكر لي ما قال صلوات الله عليه ثم قال عنه عليه‌السلام : فالوقت قد دنا ، فالوقت قد دنا.

قال عبد المحسن : فوقع في قلبي وعرفت نفسي انه مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام ، فوقعت على وجهي وبقيت كذلك مغشياً عليّ الى أن طلع الصبح ، قلت له : فمن أين عرفت انه قصد ابن طاووس عني؟ قال : ما أعرف من

__________________

١ ـ أي احمر غامق مائل للسواد.

٢ ـ كذا ورد في المطبوع والاصح عليها.

٣ ـ هكذا ورد في النص والاصح بالرفع أي ( طيبون ، مرخصون ، امنون ).

١٤٥

بني طاووس إلا أنت ، وما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة اليك ، قلت : أي شيء فهمت بقوله عليه‌السلام فالوقت قد دنا ، فالوقت قد دنا هل قصد وفاتي ( قد دنا ) ام ( قد دنا وقت ظهوره ) صلوات الله وسلامه عليه؟ فقال : بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.

قال : فتوجهت ذلك الوقت الى مشهد الحسين عليه‌السلام وعزمت انني الزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالى ، وندمت كيف ما سألته صلوات لله عليه عن أشياء كنت اشتهي اسأله فيها.

قلت له : هل عرّفت بذلك أحداً؟ قال : نعم ، عرّفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية ، وتوهموا اني قد ظللت وهلكت بتأخيري عنهم ، واشتغالي بالغشية التي وجدتها ، ولأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه‌السلام فوصيّته أن لا يقول ذلك لأحد أبداً وعرضت عليه شيئاً ، فقال : انا مستغن عن الناس وبخير كثير.

فقمت أنا وهو فلما قام عني نفذت له غكاء وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الان بالحلة ، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن (١) في خلوة ، فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة اراه أنا.

فرأيت كأن مولانا الصادق عليه‌السلام قد جاءني بهدية عظيمة ، وهي عندي وكأنني ما أعرف قدرها ، فاستيقظت وحمدت الله وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادى الآخرة

__________________

١ ـ الروشن : الكوة.

١٤٦

فأصعد فتح (١) الابريق الى عندي فممدت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة ، فقلت : لعل الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فان لله عَزَوَجَل عليّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها.

فناديت الى فتح ، وقلت : من أين ملأت الابريق؟ فقال : من المصبّة ، فقلت : هذا لعله نجس فاقلبه وطهره (٢) واملأه من الشط فمضى وقلّبه وأنا اسمع صوت الابريق وشطفه وملأه من الشط ، وجاء به فلزمت عروته وشرعت اُقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني منه ، فعدت وصبرت ، ودعوت بدعوات ، وعاودت الابريق وجرى مثل ذلك ، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة ، وقلت في خاطري لعل الله يريد أن يجري عليّ حكماً وابتلاءولا يريد أن ادعو الليلة في السلامة من ذلك ، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.

فنمت وأنا جالس ، وإذا برجل يقول لي ( يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة ) كان ينبغي ان تمشي بين يديه ، فاستيقظت ووقع في خاطري انني قد قصرت في احترامه واكرامه ، فتبت الى الله جَلَ جَلالَه واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك ، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبداً فم الابريق وتركت على عادتي فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل ، وفهمت انني ما قمت بحق هذه

__________________

١ ـ فتح : اسم غلامه.

٢ ـ قال المؤلف رحمه‌الله : « في نسخة الفاضل الهندي : فاشطفه ، وهي الأصح لغة ، وبقرينة ما يأتي ».

١٤٧

الرسالة ، فنزلت الى الشيخ عبد المحسن وتلقيته وأكرمته ، وأخذت له من خاصّتي ستة دنانير ومن غير خاصّتي خمسة عشر ديناراً مما كنت أحكم فيه كمالي وخلوت به في الروشن ، وعرضت ذلك عليه ، واعتذرت اليه ، فامتنع من قبول شيء أصلاً ، وقال : إن معي مائة دينار وما آخذ شيئاً ، اعطه لمن هو فقير ، وامتنع غاية الامتناع.

فقلت : إن رسول مثله ( عليه الصلاة والسلام ) ، يعطى لأجل الاكرام لمن أرسله لالأجل فقره وغناه ، فامتنع ، فقلت له ( مبارك ) اما الخمسة عشر ، فهي من غير خاصّتي ، فهي من غير خاصّتي ، فلا أكرهك على قبولها وأما هذه الستة دنانير فهي من خاصّتي فلابد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من من قبولها ، فألزمته فأخذها ، وعاد تركها ، فألزمته فأخذها ، وتغديت أنا وهو ، ومشيت بين يديه كما اُمرت في المنام الى ظاهر الدار وأوصيته بالكتمان ، والحمد لله وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين ». (١)

٣ ـ اسماعيل بن الحسن الهرقلي : (٢) وأما حكاية لقائه بالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف نقلاً عن كتاب ( كشف الغمة ) قال العالم الفاضل علي بن عيسى الاربلي :

« ... وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل ، مات في زماني وما رأيته ، حكى لي ولده شمس الدين قال : حكى لي والدي انه خرج فيه ( وهو شباب ) على فخذه الايسر توثة (٣) مقدار قبضة الانسان ، وكانت في

__________________

١ ـ انظر : النجم الثاقب ، النوري رحمه‌الله ج ٢ ص ١٠٥.

٢ ـ هرقل : قرية من قرى الحلة.

٣ ـ التوثة : بثرة متقرحة.

١٤٨

كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله ، وكان مقيماً بهرقل ، فحضر الحلة يوماً ودخل الى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس رحمه‌الله وشكا اليه ما يجده منها وقال : أريد أن اداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ، فقالوا : هذه التوثة فوق العرق الاكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت ، فقال له السعيد رضي الدين ( قدس الله روحه ) : أنا متوجه الى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فأصعد معه وأحضر الاطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره ، فقال له السعيد : إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ، ولا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله ، فقال له والدي : إذا كان الامر على ذلك وقد وصلت الى بغداد فأتوجه الى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى على مشرفه السلام ، ثم انحدر الى أهلي فحسّن له ذلك ، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجّه ، قال : فلما دخلت المشهد وزرت الائمة عليهم‌السلام ونزلت في السرداب واستغثت بالله تعالى وبالامام عليه‌السلام وقضيت بعض الليل في السرداب وبتّ في المشهد الى الخميس ، ثم مضيت الى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً وملأت ابريقاً كان معي ، وصعدت أريد المشهد ، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف ، وشيخاً منقباً بيده رمح والآخر متقلد بسيف ، وعليه فرجية (١) ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته ، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعبه

__________________

١ ـ الفرجية : نوع من انواع الملابس.

١٤٩

في الارض ، ووقف الشابان عن يسار الطريق ، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ، ثم سلموا عليه فرد عليهم‌السلام ، فقال له صاحب الفرجية : أنت غداً تروح الى أهلك؟ فقال : نعم ، فقال له : تقدم حتى ابصر ما يوجعك؟ قال : فكرهت ملامستهم ، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة : وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول ، ثم اني بعد ذلك تقدمت اليه فلزمني بيده ومدّتي اليه وجعل يلمس جانبي من كتفي الى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده ، فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان ، فقال لي الشيخ : أفلحت يا اسماعيل ، فعجبت من معرفته باسمي ، فقلت : أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله ، فقال لي الشيخ : هذا هو الامام ، قال : فتقدمت اليه فاحتضنته وقبلت فخذه ، ثم انه ساق وانا امشي معه محتضنه ، فقال : ارجع فقلت : لا إفارقك أبداً فقال : المصلحة رجوعك ، فأعدت عليه مثل القول الاول ، فقال الشيخ : يا اسماعيل ما تستحي ، يقول لك الامام مرتين ارجح وتخالفه؟ فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت الي وقال : إذا وصلت بغداد فلابد أن يطلبك ابو جعفر ( يعني الخليفة المستنصر رحمه‌الله ) فاذا حضرت عنه وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك الى علي ابن عوض ، فانني أوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم سار وأصحابه معه ، فلم إزل فائماً أبصرهم الى أن غابوا عني ، وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت الى الارض ساعة ثم مشيت الى المشهد ، فاجتمع القوّام حولي وقالوا : نرى وجهك متغيراً أوجعك شيء؟ قلت : لا ، قالوا : أخاصمك أحد؟ قلت : لا ، ليس عندي مما تقولون خبر ، لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟ فقالوا : هم من الشرفاء

١٥٠

أرباب الغنم : فقلت : لا ، بل هو الامام عليه‌السلام فقالوا : الامام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت : هو صاحب الفرجية : فقالوا : أريته المرض الذي فيك؟ فقلت : هو قبضه بيده وأوجعني ، ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثراً ، فتداخلني الشك من الدهش ، فأخرجت رجلي الاخرى فلم أر شيئاً ، فأنطبق الناس عليّ ومزقوا قميصي فأدخلني القوّام خزانة ومنعوا الناس عني ، وكان ناظراً بين النهرين بالمشهد ، فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه ، فجاء الى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرفته اني خرجت في أول الاسبوع ، فمشى عني ، وبتّ في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي الى أن بعدت عن المشهد ، ورجعوا عني ووصلت الى أوانا (١) فبتّ بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه واين كان ، فسألوني عن اسمي ومن اين جئت ، فعرفتهم فاجتمعوا عليّ ومزقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم ، وكان ناظر بين النهرين كتب الى بغداد وعرفهم الحال ثم حملوني الى بغداد وازدحم الناس عليّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام ، وكان الوزير القمي رحمه‌الله قد طلب السعيد رضي الدين رحمه‌الله وتقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر.

قال : فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبى ، (٢) فرد أصحابه الياس عني ، فلما رآني قال : أعنك يقولون؟ قلت : نعم ،

__________________

١ ـ أوانا : بلدة كثيرة البساتين نزهة من نواحي دجيل بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.

٢ ـ باب النوبى : من ابواب دار الخلافة العباسية في الجانب الشرقي من بغداد.

١٥١

فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئاً ، فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول : يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس الى قلبي ، فسألني الوزير عن القصة فحكيت له ، فأحضر الاطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا : ما دواؤها الاّ القطع بالحديد ومتى قطعها مات ، فقال لهم الوزير : فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا : في شهرين وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر ، فسألهم الوزير. متى رأيتموه؟ قالوا : منذ عشرة أيام ، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الالم وهي مثل اختها ليس فيها أثر أصلاً ، فصاح أحد الحكماء : هذا عمل المسيح ، فقال الوزير : حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها ، ثم انه أحضر عند الخليفة المستنصر رحمه‌الله فسأله عن القصة فعرّفه بها كما جرى فتقدّم له بألف دينار ، فلما حضرت قال : خذ هذه فأنفقها ، فقال : ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة ، فقال الخليفة : مِمن تخاف؟ فقال : من الذي فعل معي هذا ، قال : لا باخذ من أبي جعفر شيئاً؟ فبكى الخليقة وتكدر ، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.

قال : أفقر عباد الله تعالى الى رحمته علي بن عيسى عفا الله عنه : كنت في بعض الايام أحكي هذه القصة لجماعة عندي ، وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال : أنا ولده لصلبه ، فعجبت من هذا الاتفاق وقلت : هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال : لا لأني أصبو عن ذلك ولكني رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها ، وقد نبت في موضعها شعر ، وسألت السيد صفي

١٥٢

الدين محمد بن محمد ين بشر العلوي الموسوي ، ونجم الدين حيدر بن الايسر رَحمهُمَا الله ، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم ، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي ، فأخبراني بصحة هذه القصة ، وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها وحكى لي ولده هذا انه كان بعد ذالك شديد الحزن لفراقه عليه‌السلام ، حتى انه جاء الى بغداد وأقام بها في فصل الشتاء ، وكان كل ايامه يزور سامراء ويعود الى بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعاً ان يعود له الوقت الذي مضى أو يقضي له الحظ فيما قضى ومن الذي اعطاه دهره الرضا ، أو ساعده بمطالبه صرف القضاء فمات رحمه‌الله بحسرته ، وانتقل الى الآخرة بغصته ، والله يتولاّه وإيانا برحمته بمنه وكرامته ». (١)

أقول : ولقد نظم لقاء اسماعيل الهرقلي بالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف الشيخ محمد السماوي رحمه‌الله في ارجوزته ( وشائح السراء في شأن سامراء فأحببت إيرادها هنا قال :

وذكر الوزير فخر الامة

فيما أفاده بكشف الغمة

بأنّ اسماعيل بن الحسن

الهرقلي نسبة للوطن

قد آلمته توثة تقيح

في رجله فليس يستريح

واُشغلته عن مجاري العادة

في الصوم والصلاة والعبادة

فجاء للرضي (٢) يشكو العله

إذ لم يفد شيئاً طبيب الحله

فأصعد الشاكي الى بغداد

مستحضراً اطبة البلاد

__________________

١ ـ انظر : كشف الغمة / علي بن عيسى الاربلي رحمه‌الله ، ج ٢ ، ص ٤٩٣ ـ ٤٩٧.

٢ ـ هو السيد الرضي علي بن طاووس المتوفى سنة ٦٦٤.

١٥٣

فقال كلٌ هي ذات رجع

وليس تنفك بغير القطع

قال فلا لكنني استشفع

سادة سامراء ثم ارجع

فسار ثم زارهم وراحا

لدجلة يغسل ما قد قاحا

وعاد فاستقبله فوارس

يقدمهم فتى لهم موانس

وخلفه شيخ وراه اثنان

مرتبو السير على عنان

فصد عنهم بغية احتياط

وجار على لا حبة الصراط

فعارضوه والفتى ترجلا

يمسح بالراحة منه الارجلا

وقال لا تمض غدا بل بعد غد

ولا تنل جدوى خليفة البلد

واذهب الى علي بن عوض

يعطيك من دراهمي ما ييقتضي

ثم ارتقى متن الجواد ووثب

ولحظه ترنو الي عن كثب

قال فقال الشيخ وهو متكي

على القنا أفلحت فيما تشتكي

قلت فمن ذا قال لي الإمام

فساق شوق وحدا التزام

فقال لي ارجع قلت لا والمحيي

فقال لي الشيخ الا تستحي

ترد قول صاحب الزمان

وانت ذو هدي وذو ايمان

فعدت حتى أن مضت تلك الغرر

نظرت في رجلي فلم أجد أثر

ثم شككت فنظرت الثانية

فكانت الاولى لها مساوية

فرحت في نهجي فابتداني

بعض يسالون عن الفرسان

قالوا اكان منهم تعدي

فقلت فيهم الامام المهدي

ونظروا رجلي فمزقوا الرادا

تبركا وسار من سار غدا

فسلتبهم في الطريق جمهره

وصار للرضي من قد اخبره

١٥٤

وسرت بعدهم فصادفت الرضي

مستقبلا مستخبرا عن عرضي

فقبل الرجل وقال بابي

موضع كف الحاضر المغيب

ثم مضى بي للوزير القمي

فاحضر الاولى اتوفي مقمي

وسالهم عني فقالوا يقطع

قال النظروا فضاع ذاك الموضع

فقال قائل بلا تلويح

هذا وربي عمل المسيح

ثم مضوا بي للقا المستنصر

وكان طالب اللقا من خبري

حتى اذا استخبر قال يتبع

بالف دينار فقلت قد منع

فلامني الرضي في كفافي

فقلت لم اجسرلا على الخلاف

ثم ذهبت لعلي بن عوض

في الحلة الفيحا فاعطى ما فرض

قال الوزير ونقلت ذا الخير

في مجلسي يوما لبعض من حضر

فقال بعض الحاضرين قيلي

انا محمد بن إسماعيل

وقد رأيته على الحالين

وكان ما قلت بغير مين

فزدت اعجابا بنقلي المعجزه

الى اين من ادركه وانتهزه

وبشهادة ابنه المنادي

بصحة المعجز والاسناد (١)

٣ ـ العلامة الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) : الحسن بن سديد الدين ومقامه اُشهر من أن يذكر ، وللعلامة الحلي رحمه‌الله على مانقله العلماء رحمهم‌الله لقاءان مع الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الـشريف ، وأما حكاية لقائه الاول بالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف على ما نقله لنا السيد حسن الابطحي في كتابه اللقاء مع الامام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ( ص ١٥٧ ) قال : كان في عصر العلامة الحلي ( رضوان الله تعالى عليه ) أحد المخافين لأهل

__________________

١ ـ انظر : وشائح السراء في تأريخ سامراء / السماوي رحمه‌الله ، ص ١١ ـ ١٣.

١٥٥

بيت العصمة والطهارة وكان قد كتب كتاباً في الرد على الشيعة وكان ينتفع به في المجالس الخاصة والعامة كما أنه لم يسمح باعطاء الكتاب لأي فرد كان حتى لا يقع في أيدي المعارضين ويستفيدون منه للرد عليه ، لكن العلامة الحلي ( عليه الرحمه ) مع ما كان عليه من العظمة والجلال والعلم الوفير فكّر في طريقة للحصول على هذا الكتاب فتقدم الى ذلك الرجل صاحب الكتاب وقدم نفسه باعتباره طالب علم لديه وبقي مدة يدرس على يديه حتى وثق به وأصبح من أقرب أصدقائه وفي أحد الايام طلب العلامة الحلي منه ذلك الكتاب ولما كانت له تلك المكانة المحمودة لديه ، لم يستطع أن يرده وقال : لكنني لن ولم أسمح لنفسي أن أعطي هذا الكتاب ، وفور وصوله للدار بدأ ينقل محتويات الكتاب بكل سرعة حتى يتمكن من اتمامه في تلك الليلة ، ولما انتصف الليل شعر العلامة بضغط السهر عليه ولم يستطع مغالبة الكرى ، وفي هذه الاثناء دخل عليه ضيف نوراني جليل ملأ الغرفة برائحة زكية وانوار متلألئة وقال له : نم يا حلي ودع كتابة بقية المحتويات عليّ ، فيغط العلامة ( رضوان الله تعالى عليه ) في نوم عميق دون أن يجادل أو يستفسر الامر ، وعندما استيقظ في الصباح هرع الى الكتاب ليرى ما جرى له وإذا به يجده منقولاً نقلاً كاملاً وفي نهاية الكتاب كتبت العبارة التالية ( كتبه الحجة ). (١)

أقول : وانا الفقير حتى انني كنت أظن أن منشأ هذا المقام ربما نشأ من هذا اللقاء أي ان أصل المقام هو دار العلامة الحلي ومن ثم

__________________

١ ـ انظر : اللقاء مع الامام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الابطحي ، ص ١٥٧.

١٥٦

استبعدته بالتأريخ الذي قدمناه في الباب الثاني والذي يحكي عن وجود المقام في سنة ( ٦٣٦ هـ ) وهذا التأريخ قبل ولادة العلامة الحلي باثنتي عشرة سنة.

حكاية اللقاء الثاني للعلامة الحلي رحمه‌الله :

كان العلامة الحلي في إحدى ليالي الجمعه قد تشرف بزيارة سيد الشهداء عليه‌السلام وكان لوحده راكباً على حماره وبيده سوط ، وفي أثناء الطريق صاحبه شخص عربي وكان راجلاً ، ثم تكلما في المسائل العلمية والعلامة يسأله عن مشكلاته في العلوم واحدة تلو الاخرى ، وكان هذا الشخص يجيب عليها ويقوم بحلها حتى انجر الحديث الى إحدى المسائل فأفتى ذلك الشخص بخلاف ما يراه العلامة الحلي وقال :

لن يرد حديث عندنا يؤيد هذه الفتوى ، فقال الرجل :

« إن حديثاً في هذا الباب قد ذكره الشيخ الطوسي في ( التهذيب ) فتصفح كتاب التهذيب ، وفي الصفحة الفلانية والسطر الفلاني تجده مذكورا ».

فأخذت العلامة الحيرة ، من يكون هذا الشخص؟

فسأل الرجل وقال : هل يمكن في زمان الغيبة الكبرى أن نرى صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف أو ، لا؟

وفي هذه الاثناء سقط السوط من يد العلامة ، فأخذ الرجل السوط من الارض ووضعه بيد العلامة.

وقال : « وكيف لا يمكن أن يرى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والحال أن يده في يدك ».

١٥٧

فسقط العلامة وبدون اختيار من حماره الى الارض وهو يقبل قدمي الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأغمي عليه ، ولما انتبه لن ير أحدا ، وبعد أن رجع الى البيت تصفح كتاب ( التهذيب ) فوجد الحديث المذكور في تلك الصفحة وذلك السطر ، كما دله عليه.

وبعد ذلك كتب العلامة بخطه على حاشية ( التهذيب ) : وهذا الحديث هو الذي أرشدني اليه صاحب الامر. (١)

٣ ـ السيد مهدي ابن السيد حسن القزويني الحلي ( تـ ١٣٠٠ هـ ) : نقل العلامة النوري رحمه‌الله في كتبه ( خاتمة المستدرك ، النجم الثاقب ، جنة المأوى ) لهذا السيد ثلاث حكايات للقائه بحجة الله في أرضه أعني صاحب الامر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ونحن نتبرك هنا بذكرها.

حكاية اللقاء الأوّل في إظهار قبر ابي يعلى ( الحمزة العلوي العباسي ) : (٢)

قال العلامة النوري رحمه‌الله ، نقلا عن السيد محمد ابن السيد مهدي القزويني المذكور : وحدثني الوالد أعلى الله مقامه قال : لازمت الخروج الى الجزيرة مدة مديدة لأجل إرشاد عشائر بني زبيد الى مذهب الحق ، وكانوا كلهم على رأي أهل التسنن ، وببركة هداية الوالد قدس‌سره وإرشاده ، رجعوا الى مذهب الامامية كما هم عليه الآن ، وهم عدد كثير يزيدون على عشرة آلاف نفس ، وكان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم ، يزوره الناس ويذكرون له كرامات كثيرة ، وحوله قرية تحتوي على مائه دار تقريباً.

__________________

١ ـ انظر : اسوة العارفين / محمود البدري ، ص ٢٨٥.

٢ ـ وقبره في الحلة في قضاء المدحتية مشهور ويعرف بالحمزة الغربي.

١٥٨

قال قدس‌سره : فكنت استطرق الجزيرة وأمر عليه ولا أزوره لما صحّ عندي أن الحمزة بن الكاظم

مقبور في الرّي مع عبد العظيم الحسني ، فخرجت مرة على عادتي ونزلت ضيفاً عند أهل تلك القرية ، فتوقّعوا مني أن أزور المرقد المذكور فابيت وقلّت رغبة الناس فيه لاعراضي عنه ، ثم ركبت من عندهم وبتُّ تلك الليلة في قرية المزيدية ، عند بعض ساداتها ، فلما كان وقت السحر جلست لنافلة الليل وتهيأت للصلاة ، فلما صليت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر ، وأنا على هيئة التعقيب إذ دخل عليّ سيد أعرفه بالصلاح والتقوى ، من سادة تلك القرية ، فسلم وجلس.

ثم قال : يا مولانا بالامس تضيفت أهل قرية الحمزة وما زرته؟ قلت : نعم ، قال : ولمّ ذلك؟ قلت : لأني لا أزور من لا أعرف والحمزة بن الكاظم مدفون بالرّي ، فقال : ربّ مشهور لا أصل له ، ليس هذا قبر الحمزة بن موسى الكاظم وان اشتهر انّه كذلك ، بل هو قبر ابي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العباسي أحد علماء الاجازة وأهل الحديث ، وقد ذكره أهل الرجل في كتبهم ، وأثنوا عليه بالعلم والورع.

فقلت في نفسي : هذا السيد من عوام السادة ، وليس من أهل الاطلاع على الرجال والحديث ، فلعله أخذ هذا الكلام عن بعض العلماء ، ثم قمت لأرتقب طلوع الفجر ، فقام ذلك السيد وخرج وأغفلت أن اسأله عمّن أخذ هذا لأن الفجر قد طلع ، وتشاغلت بالصلاة فلما صليت جلست للتعقيب حتى طلعت الشمس ، وكان معي جملة من كتب الرجال فنظرت فيها وإذا الحال كما ذكر ، فجاءني أهل

١٥٩

القرية مسلّمين عليّ وفي جملتهم ذلك السيد ، فقلت : جئتني قبل الفجر وأخبرتني عن قبر الحمزة أنه أبو يعلى حمزة بن القاسم العلوي ، فمن أين لك هذا وعمّن أخذته؟ فقال : والله ما جئتك قبل الفجر ولا رأيتك قبل هذه الساعة ، ولقد كنت ليلة أمس بائتاً خارج القرية ـ في مكان سماه ـ وسمعنا بقدومك فجئنا في هذا اليوم زائرين لك.

فقلت لأهل القرية : الآن ألزمني الرجوع الى زيارة الحمزة فأني لا أشك في أن الشخص الذي رأيته هو صاحب الامر عليه‌السلام قال : فركبت أنا وجميع أهل تلك القرية لزيارته ، ومن ذلك الوقت ظهر هذا المزار ظهوراً تاماً على وجه صار بحيث تشدّ الرحال اليه من الاماكن البعيدة.

قلت : في رجال النجاشي : حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أبو علي ثقة جليل القدر من أصحابنا كثير الحديث له كتاب ( من روى عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام من الرجال ) ، ويظهر من كلمات العماء والاساتذة أنه من العلماء الغيبة الصغرى وكان معاصراً للصدوق علي بن بابويه. (١)

حكاية اللقاء الثاني : أحببت ايرادها هنا ، لما فيها من رعاية الامام ارواحنا فداه لزائري الامام الحسين عليه‌السلام.

قال السيد محمد القزويني رحمه‌الله ، وسمعت أيضا مشافهة وبالسند المذكور المؤيد المتقدم ذكره ، وسمعت ايضا مشافهة عن نفس المرحوم قدس‌سره انه قال : خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلة أريد زيارة الحسين عليه‌السلام ليلة النصف منه ، فلما وصلت الى شط

__________________

١ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري رحمه‌الله ج ٢ ، ص ٣١٩ ـ ٣٢١.

١٦٠