تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

أحمد علي مجيد الحلي

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

المؤلف:

أحمد علي مجيد الحلي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي
الطبعة: ١
ISBN: 964-297-132-5
الصفحات: ٢١٦

الأمر الأوّل : في ذكر سدنة المقام :

اهتم الشيعية الامامية بمشاهد العترة الطاهرة ، فبقوا يحافظون على تلك المشاهد المنسوبة اليهم ، بالعمارة بعد العمارة ، وفي كل مشهد من تلك المشاهد المعظمة وضعوا طائفة وظيفتها أن تهتم بتنظيف تلك المشاهد والعناية بها ، واحترام زائريها وبقديم الخدمات لهم ، وسموا تلك الطائفة بالسدنة ، ومن تلك المشاهد ، مشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ، فان مشهده لم يخلُ من تلك الطائفة لكن التاريخ لم يحفظ لنا أسماء من تلك الطائفة ، إلا ما وجدته من اسم واحد ، وبيت واحد ، وهو بيت ( آل القيم ) وأكرم به من بيت ، فيخدمتهم لهذا المقام الشريف نالوا ذلك اللقب السامي ، وقد نال هذا البيت الحظ الأوفر من تلك السدانة وبحقبة زمنية تقدر بنحو ثلاثة قرون أو أكثر ، يستلمها خلف عن سلف وكابر عن كابر ، فقد ذكرهم الشيخ الخاقاني رحمه‌الله في كتابه ( شعراء الحلة ) قائلاً : إن صاحب كتاب ( ديوان القيم ) الذي جمعه الشيخ محمد علي اليعقوبي رحمه‌الله ، هو حسن بن الملا محمد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي ، وكان جده هذا سادناً على مقام العيبة التي في نهاية سوق الهرج من جهة الغرب ومن هنا جاءهم لقب ( القيم ) وكانت السدانة لهم من لدن دولة الصفويين في العراق ( ٩٣٠ ـ ١١٢٠ هـ ) وهم حتى

١٢١

اليوم يستغلون ثمرة أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة ، ولد المترجم له أي الشاعر سنة ١٢٧٦ هـ (١)

أقول : ربما ان أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة هي مما وقفه الحكام الصفويّون للماقم الشريف ، وكان هذا من عادتهم مع المشاهد الشريفة.

ومن ثمّ انتقلت السدانة الى بيت آخر من بيوتات الحلة ولمدة قصيرة ، ومن بعد تحولت الى بيت آخر ثالث يدعى بـ ( ال الصفار ).

وكان السادن الأول منهم الحاج حميد حسين الظاهر الصفار الخفاجي الذي خدم المقام نحواً من أربعة عقود وكان معروفاً بتدينه وورعه وتوفي هذا السادن سنة ( ١٤٠٨ هـ ) ثم استلم السدانة بعده ولداه عبد الله وعبد علي اللذان كانا يسعيان بين حقبة وأخرى لترميم وصيانة وتطوير المقام وبالشكل اللائق وببعض جهود الخيرين دامت توفيقاتهم وأخبرني سادن المقام عبد الله الصفار عن كرامة رآها بأم عينيه أحببت تدوينها هنا وهي من إملائه عليّ قال : في سنة ( ١٤٠٨ هـ / ١٩٨٨ م ) وفي الشهر الخامس وفي يوم الجمعة حدثت كرامة في هذا المقام وهي : كان مفتاح باب المقام عند رجل كبير السن وكان مؤمناً اسمه حمزة الحمود ( ابو ابراهيم الصفار ) اُمر هذا الرجل من قِبل مدنة المقام لغيابهم عنه في تلك المدة بفتح وغلق باب المقام ، وعندما اغلق الباب

__________________

١ ـ انظر : شعراء الحلة / الخاقاني رحمه‌الله ج ٣ / ق ١ / ص ٥٠ ( بتصرف ) وذكر لي بعض اهل العلم الثقاة انه سأل الحاجّ خليلاً القيّم حفيد الحاج حسن القيم المذكور عن نسبهم فاجابه انهم ينتمون الى بني اسد.

١٢٢

ليلة الجمعة اغفل أمراً مهماً وهو أن بعضاً من النساء وضعنَ بعض الشموع ومباشرة على كرسي خشب قديم كان داخل المقام ، وكان المقام مفروشاً بحصير من النايلون ( البلاستك ) لان الموسم كان صيفاً ، فأغفل الرجل إطفاء تلك الشموع التي وضعت على الكرسي مباشرة ، فجاء يوم الجمعة صباحاً لفتح باب المقام فوجد أمراً عجيباً! قد حدث وهو أن الكرسي قد احترق بأكمله ولم يبق إلا رمادُ ولم يروا أثراً لاحتراقه على الحصير سوى بقع صغيرة بقدر الدرهم والحصير لم يحترق فاجتمع الناس لرؤية هذه الكرامة وأخذ الناس رماد ذلك الكرسي للتبرك فيركة صاحب هذا المقام لم يحترق الحصير ولو احترق الحصير لحرق المقام بأكمله لكن أبى الله الا أن يتم نوره ولو كره المشركون.

أقول : لقد انطفأ النور الناتج من احتراق الكرسي عندما حضر النور الالهي تواضعاً منه لذلك النور المقدس فخمدت تلك النيران ببركات يمن وجوده عليه‌السلام كما خمدت نيران كسرى ببركات يمن جده صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الأمر الثاني : في ذكر الأوقاف الخاصة بالمقام :

دأبت الشيعة الامامية ( أنار الله برهانهم ) بجعل وقف من الاراضي أو المشاريع الخيرية وذلك لتعاهد عمارة تلك المشاهد بالبناء والتعمير وقد قدمنا ذكر أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة التي من المحتمل أن تكون خاصة بهذا المقام ، والان نأتي على ما تبقى من الذكر ، أقول : إنني زرت في سنة ١٤٢٥ هـ دائرة الوقف الشيعي في الحلة فعثرت في طيات مخزوناتها على أوراق عثمانية يدّعى فيها وجود مقام للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في منطقة المحتية

١٢٣

التابعة للحلة ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو قطعة ١١٤ و ١١ أو ١٤ و ١٥ العوادل خيكان الغربي وخيكان الشرقي / مدحتية ، كما عثرت في أوراق عثمانية أخرى على ادّعاء وجود مقام آخر للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في قضاء الكفل التابع للحلة ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو ٥ و ٦ م ٢ هور الشوك / كفل ، جار ابن الجباوي ، والذي اعتقده أن الموضعين المذكورين ليس فيهما مقامان للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لعدم وجود عين ولا أثر لهما ولو كان لهما وجود لما طمست آثارهما ودرست معالمهما وأغلب الظن أنهما من جملة المواضع الموقوفة على مقام الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة الذي كتبنا هذا البحث في تحقيقه ، وقد لا يبعد أن يكون ذكر هذين المقامين في المكانين المزبورين هو من تزويرات الدولة العثمانية المتعصبة على الشيعة تعصباً لاهوادة فيه ( وتوظيفاً ) لهذا التعصب وبدافع التشويش والتضبيب على عقائد الشيعة اختلقت لهم ما لم يعرفوه ولم ينقله منهم ناقل.

١٢٤

الباب التاسع

في موقع ووصف

مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة

١٢٥
١٢٦

يقع المقام في مركز مدينة الحلة السيفية في منطقة تدعى ( السنية ) وفي سوق الصفارين على يمين الداخل الى هذا السوق ، ويقع على يسار الداخل للسوق الكبير ، وخلف جامع الحلة الكبير بالضبط.

والمشهور عند أهل الحلة ( مقام الغيبة ) مشتقة من الغائب الذي هو اسم من أمائه عليه‌السلام.

وفي يوم ٢ من شهر ربيع الأول من سنة ١٤٢٥ هـ تشرفت بزيارة المقام كما كنت أتردد عليه كثيراً وخاصة عند نزولي في الحلة وهي البلدة التي ولدت فيها في سنة ١٣٩١ هـ في منزل يقع بالقرب من قبر المحقق الحلي صاحب كتاب ( شرائع الاسلام ) ثم انتقلت الى الارض المقدسة التي حوت جسد أمير المؤمنين عليه‌السلام وعشت بجواره متنعماً مدة حياتي سوى خمس سنين وأشهر قضيتها في الحلة أوائل عمري.

وعوداً الى بدء أقول : إن المقام يطل على السوق بمساحة قدرها ( ٥ ، ٩ م ) والمساحة الكلية للمقام بنحو ( ٣٥ م ٢ ) ويتوسط واجهة المقام باب من خشب الساج ارتفاعه ( ٢ م ) ويعلو الباب شعر يؤرخ عمارة السيد القزويني ( ١٣١٧ هـ ) ويعلو واجهة المقام آية التطهير جددت عام ( ١٤٢٢ هـ ) وزيارة مختصرة للامام عجل الله تعالى فرجه الشريف وزينت واجهة المقام بالزخارف الاسلامية ، ويقع على يمين الداخل من الخارج مكان للوضوء.وعند الدخول للمقام ترى أمامك شباك مصنوع من خشب الساج علوه ( ٧٥ ، ١ م ) وعرضه ( ١م ) تعلوه زيارة للامام عجل الله تعالى فرجه الشريف وهي الزيارة

١٢٧

المعروفة بـ ( السلام على الحق الجديد ) (١) كتبت بالقاشي الازرق وعند توجهك الى جهة القبلة يكون الشباك خلفك وباب المقام أمامك وكتب على لوح فوق الباب من الداخل شعر يؤرخ العمارة الاخيرة وهـي في سـنة ( ١٤٢٢ هـ ) ثم يعلو الباب الدعاء المعروف ( يا من أظهر الجميل ) ( دعاء أهـل البيت المعمور ) وعليه تأريخ كتابته عـام ( ١٤١٧ هـ / ١٩٩٦ م ) وكتب بالقاشي الازرق ، والقبة من الداخل مزينة وكتب فيها آية النور وأسماء اهل البيت عليه‌السلام يعلوها لفظ الجلالة وتتوسطها ثريا جميلة وفاخرة ، وصعدنا على مكان مرتفع لنشاهد القبة الشريفة السامية المنيفة فرأيتها قد جدد تغليفها حديثاً وهي خالية من الكتابة والتأريخ سوى أسماء المعصومين عليها‌السلام وهي شامخة ظاهرة للعيان من بعد ، ومن خلال قلمنا هذا ندعو العلماء الأعلام ودائرة الوقف الشيعي والاخوة المؤمنين والمؤسسات الخيرية الذين يريدون أن يعظموا شعائر الله ان يلتفتوا لتوسعة حرم المقام الذي لا يتجاوز مساحته سوى ( ٣٥ م ٢ ) وذكرنا أنّ المقام كان أوسع بكثير ولكن ... فان مساحته لا تليق وعمره التأريخي وذلك بضم بعض المحلات الى مساحته حتى تشملهم رعاية الأمام عليه‌السلام ولطفه.

__________________

١ ـ هذه الزيارة موجودة في كتاب ( مفاتيح الجنان ) وهي زيارة مطلقة يزار بها في كل الازمنة والامكنة ، نقلها السيد ابن طاووس في كتابه ( مصباح الزائر ) ، ولم أوردها هنا خوف الاطالة.

١٢٨

الباب العاشر

في ذكر عدة أمور تتعلق بزيارة مولانا

صاحب الزمان اروحنا فداه في هذا المقام

١٢٩
١٣٠

الأمر الأوّل : في أن هذا المقام بيت من بيوت الله تعالى يجب تعظيمه :

قال المحدث النوري رحمه‌الله : وليس خفياً أن من جملة الأماكن المختصة المعروفة بمقامه صلوات الله عليه مثل : وادي السلام ومسجد السهلة. والحلة ، ومسجد جمكران في خارج قم ، وغيرها ، والظاهر انه تشرف في تلك المواضع بعض من رآه أرواحنا فداه أو ظهرت هناك معجزة ولهذا دخلت في الاماكن الشريفة المباركة ، وأن هناك محلّ أنس وهبوط الملائكة وقلة الشياطين ، وهي أحد الاسباب المقربة لاجابة الدعاء وقبول العبادة.

وجاء في بعض الأخبار : ان الله عَزَّوَجَل يحب أن يعبد في الاماكن التي هي أمثال هذه الاماكن مثل المساجد ومشاهد الائمة عليها‌السلام ومقابر أولاد الائمة والصالحين والابرار في أطراف البلاد ، وهي من الألطاف العينيّة ( الغيبية خ. ل ) الإلهية للعباد الضالّين والمضطرّين والمرضى والمستدينين والمظلومين والخائفين والمحتاجين ونظائرهم من أصحاب الهموم وموزّعي القلوب ومشتّتي الظاهر ومختلّي الحواسّ ، فإنّهم يلجئون الى هناك ويتضرّعون ويتوسلون الى الله عَزَّوَجَل بصاحب ذلك المقام ، ويطلبون علاج أوجاعهم وشفاءهم ودفع شر الاشرار وكثيراً ما يجابون فيعود الذي ذهب الى هنا مريضاً مشافيً مشافياً ، ويذهب المظلوم فيرجع بظلامته ، ويذهب المضطرب هاديء فيرجعالبال ، وبالطبع فكلّما يسعى أن يكون هناك أكثر ادياً واحتراماً فسوف يرى خيراً أكثر ، ويحتمل انّ جميع تلك المواضع داخلة في جملة

١٣١

بيوت الله تعالى الّتي أمر أن ترفع ويذكر فيها اسم الله عَزَّوَجَل ومدح من سبّح الحقّ تعالى بكرةً وأصيلاً ولا يسع المقام تفصيلا أكثر من هذا. (١)

الامر الثاني : في استحباب زيارة مولانا صاحب الزمان ارواحنا فداه في كل زمان ومكان.

قال العلامة المجلسي رحمة الله عليه : اعلم انّه يستحبّ زيارته صلوات الله عليه في كل مكان وزمان ، وفي السرداب المقدس ، وعند قبور أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين افضل ، وفي الازمنة الشريفة لاسيّما ليلة ميلاده وهي النصف من شعبان على الاصح ، وليلة القدر التي تنزل عليه فيها الملائكة والروح انسب. (٢)

نذكر الان رواية يستفاد منها هذا المطلب :

روى سليمان بن عيسى ، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟ قال : قال لي :

يا عيسى ، إذا لم تقدر على المجيء ، فاذا كان يوم الجمعة فاغتسل او توضأ ، واصعد الى سطحك ، وصلّ ركعتين وتوجّه نحوي ، فانّه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي ، ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي.

بيان : هذا الخبر يدل على أن زيارة الامام الحي أيضاً تجوز بهذا الوجه ، فهذا مستند لزيارة القائم صلوات الله عليه في أي مكان أراد. (٣)

__________________

١ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري رحمه‌الله ج ٢ / ص ١٣٩.

٢ ـ انظر : البحار / المجلسي رحمه‌الله ج ١٠٢ / ص ١١٩.

٣ ـ انظر : البحار / المجلسي رحمه‌الله ج ١٠١ / ص ٣٦٦.

١٣٢

وقال الشيخ الجليل تقي الدين ابراهيم الكفعمي : يستحب زيارة المهدي عليه‌السلام في كل مكان وزمان ، والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله علي عند زيارته. (١)

الأمر الثالث : في استحباب زيارته ارواحنا فداه في هذا المقام ليلة الجمعة ويومها.

أقول : روي لنا ، كما نقلناه في الباب الثاني من كتابنا هذا ، عن ابن أبي الجواد النعماني ما مضمونه أن الامام صاحب الزمان عليه‌السلام موجود في هذا المقام ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة ، وليعل القاريء العزيز ، أن يوم الجمعة هو أصلاً يومه ، وباسمه ، ويستحب فيه زيارته إذ هو اليوم المتوقع فيه ظهوره ، فلا بأس بأن يزار الامام عليه‌السلام بما يزار به يوم الجمعة وهي « السلام عليك يا حجة الله في أرضه ، السلام عليك يا عين الله في خلقه ، السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به المهتدون ، ويفرج به عن المومنين ، السلام عليك أيها المهذب الخائف ، السلام عليك ايها الولي الناصح ، السلام عليك يا سفينة النجاة ، السلام عليك يا عين الحياة ، السلام عليك صلى الله عليك وال بيتك الطيبين الطاهرين ، السلام عليك عجل الله لك ما وعدك من النصر وظهور الامر ، السلام عليك يا مولاي ، انا مولاك عارف باولاك واخراك ، اتقرب الى الله تعالى بك وبال بيتك ، وانتظر ظهورك وظهور الحق على يديك وأسال الله ان يصلي علي محمد وال محمد ، وان يجعلني من المنتظرين لك ، والتابعين والناصرين لك على اعدائك ، والمستشهدين بين يديك في جملة اوليائك ، يا مولاي يا صاحب الزمان ، صلوات الله عليك وعلى ال بيتك ، هذا يوم الجمعة وهو يومك

__________________

١ ـ انظر : البلد الامين / الكفعمي رحمه‌الله ص ٤٣٢.

١٣٣

المتوقع فيه ظهورك ، والفرج فيه للمؤمنين على يديك ، وقتل الكافرين بسيفك ، وانا يا مولاي فيه ضيفك وجارك ، وانت يا مولاي كريم من اولاد الكرام ، ومأمور بالضيافة ، والاجارة فاضفني وأجرني ، صلوات الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين ».

قال السيد الاجل رضي الدين علي بن طاووس : وأنا اتمثل بعد هذه الزيارة بهذا الشعر واشير اليه عليه‌السلام واقول :

نزيلك حيث ما اتجهت ركابي

وضيفك حيث كنت في البلاد (١)

الامر الرابع : في زيارة خاصة للامام صاحب الزمان أرواحنا فداه فيها هذا المقام

أقول : نقل ابن ابي الجواد انعماني زيارة خاصة لهذا المقام وهي مما رواه عنه عليه‌السلام.

قال الامام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف : « وما من رجل دخل مقامي بالادب يتأدب ويسلم عليّ وعلى الائمة وصلى عليّ وعليهم اثني عشر (٢) مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة إلا اعطاه الله تعالى ما يسأله أحدها المغفرة ».

فقال انعماني : يا مولاي علمني ذلك؟ ( أي المناجاة )

فقال : قل « اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين وإن كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف ما أدبتني به وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك ». (٣)

____________

١ ـ انظر : مفاتيح الجنان / القمي رحمه‌الله ص ١٤٣.

٢ ـ هكذا ورد في اصل المطبوع والاصح ( اثنتي عشرة ).

٣ ـ انظر : رياض العلماء / للأفندي رحمه‌الله عن النجم الثاقب للنوري رحمه‌الله ج ٢ / ص ١٣٨.

١٣٤

الامر الخامس : في علّة اشتهار زيارته ارواحنا فداه في مقاماته المنسوبة اليه في ليلة الاربعاء.

أقول : لم أجد رواية صريحة تنص على استحباب زيارته عجل الله تعالى فرجه الشريف في ليلة الاربعاء خاصة سوى قول السيد ابن طاووس رحمه‌الله في مصباح الزائر قال : « إذا أردت أن تمضي الى السهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء الاخرة من ليلة الاربعاء ، وهو أفضل من غيره ». (١)

ولعل اشتهار زيارة أوليائه من شيعته ومجيه في تلك الليلة أصلها من هذا القول ، وذلك لمنزلة القائل به عندهم حفظهم الله وأيدهم.

ومن عادة أهل الحلة النجباء ، أنهم خصصوا يوم الثلاثاء بأكمله للنساء فقط ، فهنّ يجتمعن في هذا المقام الشريف وفي هذا اليوم لبث شكواهنّ الى إمام زمانهن ارواحنا فداه.

الامر السادس : في تأكيد الدعاء بالفرج لأمامنا صاحب الزمان ارواحنا فداه في هذا المقام.

قال الميرزا محمد تقي الاصفهاني رحمه‌الله في كتابه مكيال المكارم ، عند ذكر الامكنة التي يتأكد فيها الدعاء له عليه‌السلام ومنها : المقامات المنسوبة اليه ، ومشاهده ، ومواقفه المباركة بيمن وقوفه عليه‌السلام فيها ، كمسجد الكوفة ، ومسجد السهلة ، ومسجد صعصعة ، ومسجد جمكران وغيرها ، لأنّ عادة أهل المودّة جارية على انّهم إذا شهدوا موقفاً من مواقف محبوبهم تذكّروا لأخلاف ، وتألّموا لفراقه ، ودعوا في حّقه ، بل يأنسون بمواقفه ، ومنزله حبّاً له ، كما قيل :

__________________

١ ـ انظر : مصباح الزائر / السيد ابن طاووس رحمه‌الله ص ٥٤.

١٣٥

امرّ على الديار ديار ليلى

اُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

فما حبّ الديار شغفن قلبي

ولكن حبّ من سكن الديارا

وقيل أيضا في هذا المعنى :

ومن مذهبي حبّ الديار لأهلها

وللناس فيما يعشقون مذاهب

فينبغي للمؤمن المخلص إذا دخل السرداب المباركة (١) أو شهد موقفاً من مواقفه الكريمة المشرّفة ، أن يتذكّر صفات مولاه ، من صفات الجمال والجلال ، والكمال وما هو فيه من بغي أهل العناد والضلال ، ويتفجّع غاية التفجّع من تصوّر تلك الاحوال ، ويسأل من القادر المتعال أن يسهّل فرج مولاه ، ويعطيه ما نتمنّاه ، من دفع الاعداء ونصر الاولياء.

هذا ، مضافاً إلى أنّ المقامات المذكورة مواقف عبادته ودعائه عليه‌السلام.

فينبغي للمؤمن المحبّ التأسّي به في ذلك ، فانَّ الدعاء بتعجيل فرجه ، وكشف الكرب عن وجهه ، من أفضل العبادات ، وأهمّ الدعوات. (٢)

الامر السابع : في سرعة اجابة الدعاء في هذا المقام الشريف.

سألت أحد المجاورين للمقام ، وهو السيد عصام الحسيني السويدي ، هل من كرامة رأيتها بالعيان حتي أدونها؟ قال : لم ارَ بالعيان ، ولكن كثرة توافد الزائرين للمقام تدل على سرعة الاجابة فيه وحدوثها عاجلة وهي مما جٌرّب كثيراً ، أقول وأنا الفقير ، إن أهل الحلة يعتقدون اعتقاداً شديداً بهذا المقام ، وصاحبه عليه‌السلام ، ولذلك يتوافدون

__________________

١ ـ هكذا ورد في المطبوع من كتاب ( مكيال المكارم ) ط ٤ والاصح ( المبارك ).

٢ ـ انظر : مكيال المكارم / الاصفهاني رحمه‌الله ج ٢ ص ٦٤.

١٣٦

عليه بكثرة ، وانني مازرت هذا المقام ووجدته فارغاً قط ، حتى في وقت الظهيرة ، وحتى في أثناء عمارته وبدون انقطاع ، ومن عادة أهل الحلة من رجال ونساء أن يفرقوا بعض الحلوى في المقام الشريف ، بعد إجابة دعواتهم ، حتى اني في بعض زياراتي للمقام أكلت من تلك الحلوى ، التي تفرق على زائري المقام الشريف.

١٣٧
١٣٨

الباب الحادي عشر

في ذكر من شاهد الامام

صاحب الزمان أرواحنا فداه من أهل الحلة

١٣٩
١٤٠