موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-500-7
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٠

فقال ابن عباس : ثكلتك أمّك يا ابن الأزرق ، إنّ للقيامة أحوالاً وأهوالاً وفظائع وزلازل ، فإذا شققت السماوات وتناثرت النجوم ، وذهب ضوء الشمس والقمر ، وذهلت الأمهات عن الأولاد ، وقذفت الحوامل ما في البطون ، وسجّرت البحار ودكدكت الآكام ، ولم يلتفت والد إلى ولد ، ولا ولد إلى والد ، وجئ بالجنّة تلوح فيها قباب الدر والياقوت حتى تنصب عن يمين العرش ، ثم جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام من حديد ، ممسك بكلّ زمام سبعون ألف ملك ، لها عينان زرقاوان ، تجر الشفة السفلى أربعين عاماً ، تخطر كما يخطر الفحل ، لو تركت لأتت على كلّ مؤمن وكافر ، ثم يؤتى بها حتى تنصب عن يسار العرش ، فتستأذن ربها في السجود فيأذن لها ، فتحمده بمحامد لم يسمع الخلائق بمثلها تقول : لك الحمد إلهي إذ جعلتني أنتقم من أعدائك ، ولم تجعل شيئاً ممّا خلقت تنتقم به منّي إلاّ أهلي (١) ، فلهي أعرف بأهلها من الطير بالحبّ على وجه الأرض ، حتى إذا كانت من الموقف على مسيرة مائة عام وهو قول الله تعالى : ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ )(٢) ، زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا صدّيق منتجب ، ولا شهيد ما هنالك ، إلاّ خرّ جاثياً على ركبتيه.

قال : ثم تزفر الثانية زفرة فلا تبقى قطرة من الدموع إلاّ ندرت ، فلو كان لكلّ آدمي يومئذ عمل اثنين وسبعين نبيّاً لظنّ أنّه سيواقعها.

قال : ثم تزفر الثالثة زفرة فتتقلع القلوب من أماكنها فتصير بين اللهوات

____________

١ ـ كذا في الأصل.

٢ ـ الفرقان / ١٢.

٦١

والحناجر ، ويعلو سواد العيون بياضها ، ينادي كلّ آدمي يومئذ يا ربّ نفسي نفسي لا أسألك غيرها ، حتى إنّ إبراهيم ليتعلق بساق العرش ينادي يا ربّ نفسي نفسي لا أسألك غيرها ، ونبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( يا ربّ أمتي أمتي لا همة له غيركم ).

قال : فعند ذلك يدعى بالأنبياء والرسل فيقال لهم : ماذا أجبتم؟

قالوا : لا علم لنا ، طاشت الأحلام ، وذهلت العقول.

فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها ( نَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )(١).

قال : وأمّا قوله تعالى : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )(٢) ، فهذا وهم بالموقف يختصمون ، فيؤخذ للمظلوم من الظالم ، وللمملوك من المالك ، وللضعيف من الشديد ، وللجمّاء من القرناء ، حتى يؤُدى إلى كلّ ذي حق حقه ، فإذا أُدي إلى كلّ ذي حق حقه ، أُمر بأهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، فلمّا أمر بأهل النار إلى النار اختصموا ، فقالوا : ( رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا )(٣) ، و ( رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ )(٤).

قال : فيقول الله تعالى : ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ )(٥) ، إنّما الخصومة بالموقف وقد قضيت بينكم بالموقف فلا تختصموا لدى.

____________

١ ـ القصص / ٧٥.

٢ ـ الزمر / ٣١.

٣ ـ الأعراف / ٣٨.

٤ ـ صّ / ٦١.

٥ ـ قّ / ٢٨.

٦٢

قال : وأمّا قوله عزوجل : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ )(١) ، فهذا يوم القيامة حيث يرى الكفار ما يعطى الله أهل التوحيد من الفضائل والخير ، يقولون : تعالوا حتى نحلف بالله ما كنّا مشركين.

قال : فتتكلم الأيدي بخلاف ما قالت الألسن ، وتشهد الأرجل تصديقاً للأيدي.

قال : ثم يأذن الله للأفواه فتنطق.

فقالوا : ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ )(٢) ، يعني جوارحهم ) (٣).

وجاء في ( تفسير الخازن ) في تفسير قوله : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )(٤) :

( سأله نافع بن الأزرق معنى الورود؟

فقال ابن عباس : هو الدخول.

فقال نافع : ليس الورود الدخول؟

فقرأ ابن عباس : ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ )(٥) ، أدخلها هؤلاء أم لا؟ وقال : ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ )(٦) ، أوردَ هو أم لا؟

____________

١ ـ يّس / ٦٥.

٢ ـ فصلت / ٢١.

٣ ـ تاريخ بغداد ١٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٤.

٤ ـ مريم / ٧١.

٥ ـ الأنبياء / ٩٨.

٦ ـ هود / ٩٨.

٦٣

أمّا أنا وأنت فسندخلها ، وأنا أرجوا أن يخرجني الله منها ، فانظر هل تخرج منها أم لا؟ وما أرى الله مخرجك منها ، بتكذيبك.

قال الراوي : فضحك نافع.

فقال ابن عباس : فيم الضحك إذاً؟ ) (١).

وقد روى ابن عبد البر في ( التمهيد ) (٢) ، عن مجاهد ، عن نافع بن الأزرق :

( سأل ابن عباس عن قول الله عزوجل : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )(٣)؟

فقال ابن عباس : واردها : داخلها.

فقال نافع : يرد القوم ولا يدخلون؟

فاستوى ابن عباس وكان متكئاً ، فقال له : أمّا أنا وأنت فسنردها ، فانظر هل تنجو منها أم لا؟ أما تقرأ قول الله عزوجل : ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ )(٤) ، أفتراه ويلك أوقفهم على شفيرها؟ والله تعالى يقول : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )(٥).

وقال أيضاً : وذكر ابن جرير ، عن عطاء عن ابن عباس ، قال : إنّ الورود الذي ذكره الله عزوجل في القرآن : الدخول ، ليردنّها كلّ برّ وفاجر.

ثم قال ابن عباس : في القرآن أربعة أوراد : قوله : ( فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ )(٦) ، وقوله :

____________

١ ـ تفسير الطبري ١٦ / ١٠٨ ـ ١١١ ، تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني ٣ / ١١.

٢ ـ التمهيد ٣ / ١٤٧.

٣ ـ مريم / ٧١.

٤ ـ هود / ٩٧ ـ ٩٨.

٥ ـ غافر / ٤٦.

٦ ـ هود / ٩٨.

٦٤

( حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ )(١) ، وقوله : ( وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً )(٢) ، وقوله : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )(٣). قال ابن عباس : والله لقد كان من دعاء من مضى : ( اللهم أخرجني من النار سالماً وأدخلني الجنة غانماً ) (٤).

وجاء في تفسير ( التحوير والتنوير ) :

( أنّ نافع بن الأزرق سأل ابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟

قال : نعم ، وتلا قوله تعالى : ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ_ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ )(٥) ) (٦).

وجاء في تفسير ( الدر المنثور ) في قوله تعالى : ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ )(٧) :

( قال السيوطي : وأخرج عبد بن حميد ، عن علي بن الحكم : أنّ نافع بن الأزرق سأل ابن عباس ، فقال : أرأيت إذا أرسلت كلبي وسمّيتُ فقتل الصيد آكله؟

قال : نعم.

____________

١ ـ الأنبياء / ٩٨.

٢ ـ الأنبياء / ٩٨.

٣ ـ مريم / ٧٢.

٤ ـ التمهيد ٣ / ١٤٧.

٥ ـ الروم / ١٧ ـ ١٨.

٦ ـ تفسير التحوير والتنوير لابن عطية ، في تفسير الآية.

٧ ـ المائدة / ٧.

٦٥

قال نافع : يقول الله ( مَا ذَكَّيْتُمْ )(١) ، تقول أنت وإن قتل.

قال : ويحك يا بن الأزرق ، أرأيت لو أمسك عليَّ سنّور ، فأدركت ذكاته أكان يكون عليَّ بأس ، والله إنّي لأعلم في أيّ كلاب نزلت ، في كلاب بني نبهان من طي. ويحك يا بن الأزرق ليكونن لك نبأ ) (٢).

هذه بعض المسائل التي تعنّت نافع بن الأزرق فسألها من ابن عباس ، وستأتي بقية مسائله في غريب القرآن في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

فقد سأله حتى أضجره وأملّه. وأحسب أنّ ما رواه الطبري في تفسيره ، بسنده عن القاسم بن محمد ، قال : ( قال ابن عباس : كان عمر رضي‌الله‌عنه إذا سئل عن شيء ، قال : لا آمرك ولا أنهاك.

ثم قال ابن عباس : والله ما بعث الله نبيّه محمّد إلاّ زاجراً آمراً ، محلّلاً مُحرِّماً.

قال القاسم : فسلط الله على ابن عباس رجل يسأل عن الأنفال؟

فقال ابن عباس : إنّ الرجل يُنّفل فرس الرجل وسلاحه.

فأعاد عليه الرجل ، فقال له مثل ذلك ، ثم أعاد عليه حتى أغضبه.

فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء على عقبيه أو على رجليه.

فقال الرجل : أمّا أنت فقد أنتقم الله لعمر منك ) (٣).

____________

١ ـ المائدة / ٧.

٢ ـ الدر المنثور٢ / ٢٦٠.

٣ ـ تفسير الطبري ٩ / ١٧٠.

٦٦

ثانياًً : مع نجدة بن عامر ـ عويمر ـ الحنفي رأس النجدات من الحرورية

وهذا كان شريك نافع في المسائل التي عرفت باسم نافع في غريب ألفاظ من القرآن المجيد ، فأجاب عليها ابن عباس مع شاهد من الشعر ، كما ستأتي في الحلقة الثالثة ، ويبدو بعد مفارقة الخوارج لابن الزبير وتفرّقهم في البلدان بقي نجدة يكتب إلى ابن عباس يسأله في بعض المسائل ، وكان ابن عباس يجيبه مرغماً.

ففي رواية يزيد بن هرمز ، قال : ( كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس يسأله عن أشياء ، فشهدت ابن عباس حين قرأ كتابه وحين كتب جوابه ، فقال ابن عباس : لولا أردّه عن شر يقع فيه ، ما كتبت إليه ولا نعمة عين ) (١).

وخشية أن يكون عدم الجواب من كتمان العلم. وهذا ما صرّح به ابن عباس رضي‌الله‌عنه. فلنقرأ ما جاء في كتاب ( الأم ) للشافعي ، و ( جامع بيان العلم ) لابن عبد البر باقتضاب :

( عن يزيد هرمز : أنّ نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال.

فقال ابن عباس : إنّ ناساً يقولون إنّ ابن عباس يكاتب الحرورية ، ولولا أنّي أخاف أن أكتم علماً لم أكتب إليه.

فكتب نجدة إليه : أمّا بعد فأخبرني هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهنّ بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟

فكتب إليه ابن عباس : إنّك كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغزو

____________

١ ـ مسند احمد ١ / ٢٤٨.

٦٧

بالنساء ، وقد كان يغزوبهن فيداوين المرضى ، ويُحذَين من الغنيمة ، وأمّا السهم فلم يضرب لهنّ بسهم.

وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقتل الولدان فلا تقتلهم ، إلاّ أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله ، فتميز بين المؤمن والكافر ، فتقتل الكافر وتدع المؤمن.

وكتبت متى ينقضي يتم اليتيم؟ ولعمري الرجل لتشيب لحيته وإنّه لضعيف الأخذ ، ضعيف الإعطاء ، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس ، فقد ذهب عنه اليتم.

وكتبت تسألني عن الخمس ، وإنّا كنّا نقول هو لنا ، فأبى ذلك علينا قومنا ، فصبرنا عليه ) (١).

أقول : وكان نجدة حين يسأل ابن عباس رضي‌الله‌عنه إنّما يسأله سؤال متعلم متعمق غير متعنت فيما يبدو.

فقد سأله يوماً : لماذا طلب سليمان عليه‌السلام الهدهد؟

قال : ليخبره بالماء ، فإنّه يبصر الماء تحت الأرض وإن كان إلى مائة ذراع ، فقال : إنّه لا يبصر الفخ تحت التراب فكيف يبصر الماء تحت الأرض؟

فقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : إذا جاء القدر عمي البصر (٢).

وهو في هذا ألين عريكة وأكثر أدباً من زميله نافع بن الأزرق الذي

____________

١ ـ الأم ٤ / ٢٧٢ ، وجامع بيان العلم ١ / ٦ باقتضاب.

٢ ـ المبسوط للسرخسي ١٠ / ٣٠.

٦٨

كان أشدّ وطأة في تعنته كما مرّ سؤاله في هذا وأعظم منه جرأة. ولو أعدنا صيغة السؤال للمقارنة بين الرجلين ، عرفنا كيف كان عناد نافع وسوء أدبه.

ففي ( الكامل وشعب الإيمان ) للبيهقي : ( أنّ نافعاً سأل ابن عباس ، فقال : سليمان عليه‌السلام مع ما خوله الله تعالى من الملك كيف عني بالهدهد مع صغره؟

فقال ابن عباس : إنّه إحتاج الماء ، والهدهد كانت الأرض له كالزجاج.

فقال ابن الأزرق لابن عباس : قف يا وقّاف ، كيف ينظر الماء من تحت الأرض ولا يرى الفخ إذا غطي بقدر إصبع من تراب؟

فقال ابن عباس : إذا نزل القضاء عمي البصر ) (١).

فلو قارنا بين صيغتي السؤالين لوجدنا جفاف خلق ابن الأزرق في قوله : ( قف يا وقّاف ) ، بلغة السخرية!

وقد روى العياشي في تفسيره ، بإسناده عن أبي عبد الله ـ الصادق عليه‌السلام ـ قال : ( كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن موضع الخمس؟

فكتب إليه ابن عباس : أمّا الخمس فإنّا نزعم أنّه لنا ، ويزعم قومنا إنّه ليس لنا فصبرنا ) (٢).

وهكذا روى الإمام الصادق عليه‌السلام بقية مسائل نجدة من ابن عباس ، يجدها الباحث متفرقة ومجتمعة في المصادر التالية ، من التفاسير : ( مجمع البيان ، ونور اليقين ، والصافي ، والميزان ) ، وغيرها من التفاسير الشيعية سوى

____________

١ ـ أنظر بحار الأنوار ٦١ / ٢٨٨.

٢ ـ تفسير العياشي ٢ / ٦١.

٦٩

كتب الحديث كالوسائل ، والبحار ، ومستدرك الوسائل ، وغيرها ..

أما المصادر السنيّة فحسبك رواية ( جامع الأصول ) لابن الأثير ، نقلاً عن سنن النسائي ، وصحيح أبي داود في ( بيان مواضع قسم الخمس ) عن يزيد ابن هرمز : ( أنّ نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير ، أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى ويقول لمن تراه؟

قال ابن عباس : لقربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمه لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حظّنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله ) (١).

وهذا مروي في كثير المصادر الفقهية من كتب الخلاف.

كما نجد لنجدة محاورة مع ابن عباس حول العقيدة.

( فقد قال له ـ لابن عباس ـ : كيف معرفتك بربّك ، فإن مَن قبلنا قد أختلفوا علينا؟

فقال له ابن عباس : إنّ مَن ينصب دينه للقياس ، لا يزال الدهر في التباس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعناً في الإعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير جميل. أعرفه بما عرّف به نفسه ، تبارك وتعالى من غير رؤية ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير تثبيت صورة ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف بغير شبيه ، ومتدان في بُعده ، ولا تخفى عليه خافية ، لا تُتوهم

____________

١ ـ جامع الأصول ٣ / ٢٩٨.

٧٠

ديمومتُه ، ولا يُمثّل بخليقته ، ولا يجور في قضيته ، فالخلق إلى ما علم منقادون ، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون ، لا يعملون بخلاف ما منهم علم ، ولا إلى غيره يردّون ، فهو قريب غير ملتزق ، وبعيد غير منفصل ، يُحقق ولا يُمثّل ، ويُوحّدّ ولا يُبعّض ، يدرك بالآيات ، ويثبت بالعلامات ، هو الكبير المتعال تبارك وتعالى.

فقام نجدة مفحماً مخصوماً متعجباً ممّا جاء به ابن عباس رضي‌الله‌عنه ) (١).

ثالثاً : مع عطية بن الأسود الحروري

أخرج الطبري في تفسيره ، وابن أبي حاتم ، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في ( الأسماء والصفات ) ، عن مقسم قال :

( سأل عطية بن الأسود ابن عباس ، فقال : إنّه قد وقع في قلبي الشك ، يقول الله : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )(٢) ، وقوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )(٣) ، وقوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ )(٤) ، وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم وشهر ربيع الأول؟

فقال ابن عباس : في رمضان ، وفي ليلة القدر ، وفي ليلة مباركة جملة

____________

١ ـ مسند الربيع بن حبيب / ١١٦.

٢ ـ البقرة / ١٨٥.

٣ ـ القدر / ١.

٤ ـ الدخان / ٣.

٧١

واحدة ، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام ) (١).

وقد روي هذا الخبر بلفظ مغاير والمعنى واحد ، رواه الرازي في تفسيره الكبير ، والخطيب الشربيني في تفسير سورة الدخان ، وغيرهما ، قال الرازي :

( المسألة السادسة : روي أنّ عطية الحروري سأل ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن قوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )(٢) ، وقوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ )(٣) ، كيف يصح ذلك مع أنّ الله تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور؟

فقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : يابن الأسود لو هلكت أنا ووقع هذا في نفسك ولم تجد جوابه هلكت ، نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور ، وهو في السماء الدنيا ، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالاً فحالاً ، والله أعلم ) (٤).

وفي لفظ الطبري بسنده عن عطية بن الأسود ، قال : ( سألت ابن عباس عن قوله تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )(٥) إن كان نزول القرآن في شهر رمضان فماذا نزل في الشهور الأخرى؟

قال : إنّ الله تعالى أنزل القرآن من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من

____________

١ ـ جامع البيان للطبري ٢ / ١٩٨ ، تفسير ابن أبي حاتم ١ / ٣١١ ، المعجم الكبير للطبراني ١١ / ٣٠٩ ، الدر المنثور ١ / ١٨٩ ط افست إسلامية.

٢ ـ القدر / ١.

٣ ـ الدخان / ٣.

٤ ـ التفسير الكبير ٢٧ / ٢٣٩ ط مصر بالزام عبد الرحمن محمد.

٥ ـ البقرة / ١٨٥.

٧٢

شهر رمضان إلى السماء الدنيا ، ثم أنزله في بيت العزّة ، ومن ثم كان جبرئيل يأتي به نجماً نجماً على حسب الحاجة والمصلحة في مدّة ثلاث وعشرين سنة ، وذلك قوله تعالى : ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ )(١) ). وهذا أخرجه البيهقي في كتاب ( الأسماء والصفات ) من حديث السدي ، عن محمد بن أبي المجالد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : سأله عطية بن الأسود ...

رابعاً : مع زمعة بن خارجة الخارجي

روي في ( مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ) لمحمد بن سليمان الكوفي من أعلام القرن الثالث الهجري ، قال :

( حدثنا محمد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو أحمد عبد الرحمن بن أحمد ، قال : حدثنا أبو حاتم الرازي ، عن عبد الله بن عبد الوهاب ، عن أبي المليح ، عن ميمون بن مهران ، قال : بينما ابن عباس قاعد على شفير زمزم إذا هو برجل قائم بين الركن والمقام رافع [ رافعاً ] يديه وهو يقول : اللهم إنّي أبرأ إليك من عليّ بن أبي طالب!

فقال ابن عباس : يا ميمون ثكلتك أمّك عليَّ بالرجل.

قال ميمون : فأخذت بيد الرجل فأتيت به ابن عباس. فقال ( له ) : ويلك لأيّ شئ تبرأ من عليّ بن أبي طالب؟

قال : لأنّه قتل أهل النهروان وأهل صفين وأهل الجمل وأهل النخلة ( و )

____________

١ ـ الواقعة / ٧٥.

٧٣

كلّهم مسلمون لم يشركوا بالله طرفة عين!

قال ابن عباس : فما أسمك؟

قال : زمعة بن خارجة الخارجي.

قال ابن عباس : ( إنّك لغوي عن حجتك ، وإنّك لمخذول من إله العرش ( ويلك إنّه ) لقد سبقت لعليّ سوابق لو سبقت واحدة منهن لأهل الدنيا إذاً لوسعتهم! )

قال له الرجل : فأخبرني بها.

ف‍قال ابن عباس : أمّا الأولى فإنّ عليّاً لم يشرك بالله طرفة عين ولم يقرّب لصنم قرباناً.

فـ ( قال له ) الرجل : فالثانية يا بن عباس فإنّي تائب؟

قال ابن عباس : صلى ( عليّ ) مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القبلتين جميعاً وبايعه البيعتين.

قال له الرجل : فالثالثة يا بن عباس فإنّي تائب؟

قال : كان يسمع ( حفيف ) جناح جبرئيل حين ينزل بالوحي على بيته.

قال له الرجل : فالرابعة يا بن عباس فإنّي تائب؟

قال : لمّا فتح الله على نبيّه مكة كان صنم لخزاعة على البيت يُعبد ذلك الصنم من دون الله ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ لا يعبد الصنم فوق ما عُبد أبداً. قال له عليّ : فإنّي أطامن لك فترقى عليّ. قال : لو اجتمع عليّ الثقلان : الجن والإنس على أن يقلّوا عضواً من أعضائي إذاً لم يستطيعوا ، لموضع الوحي ، ولكنّي أطامن لك ، فترقى عليٌّ فاطمأن له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا ارتقى على كتفي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صعد إلى البيت فأخذ الصنم فرمى به فكسره إرباً إرباً ، فقال : يا عليّ الميزاب الميزاب فجاء عليّ يتساقط على قدميه ضاحكاً. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما

٧٤

يضحكك؟ فقال : يا نبيّ الله كيف لا أضحك ولم أجد من سقطتي هذه ألماً. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكيف تألم وإنّما ( أنّا ) حملتك ، أو قال : جملك.

قال له الرجل : فالخامسة يا ابن عباس فإنّي تائب؟

قال : أوحى الله إلى نبيّه أن زوّج فاطمة من عليّ. فزفّت فاطمة إلى عليّ ، وقال : يا عليّ لا تحدثنّ أمراً حتى يأتيكما رأيي ، فدخل عليهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بفروة فبسطها ودعا بعباء فبسطه ونومّهما جميعاً ، ودعا بقعب من ماء فتفل فيه وسقى عليّاً بدئاً وفاطمة ورشّ عليهما ، فقال : ( اللهم بارك فيهما وبارك عليهما فأنت وليّهما في الدنيا والآخرة ) ، ثم خرج عنهما فتركهما ) (١).

وقد روى هذا الخبر العاصمي في ( زين الفتى / مخطوط ) ، وفرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره بتفاوت يسير في ألفاظه.

إلاّ أنّ الداعي المطلق أدريس عماد الدين القرشي ( ت ٨٧٢ هـ ) ـ من الإسماعيلية في القرن التاسع ـ ذكر الخبر بتفاوت كثير ولم يذكر لنا مصدره ، ولفظه :

قال : ( وروي عن إسماعيل بن عبد الله بإسناده عن عبد الله بن عباس أنّه بينما هو يطوف بالبيت الحرام إذ هو بشاب قد شال يديه حتى تبيّن بياض إبطيه ، وهو يبرأ من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وما أحدث في الإسلام.

فقال ابن عباس لبعض من حوله : لا يَفُتك الرجل ، فقبض عليه وأتى به إليه.

____________

١ ـ مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ١ / ٢١٥ ـ ٢١٨ تح المحمودي ط الأولى ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية في إيران ، الحديث رقم ١٣٦.

٧٥

فقال له عبد الله بن عباس : ممن الرجل؟

قال : من أهل الشام.

قال : ما أسمك؟

قال : ربيعة بن خارجة الخارجي.

قال : وأيّ شيء أحدث عليّ بن أبي طالب يا ربيعة في الإسلام؟

قال : قتله الموحّدين يوم صفين ويوم النهروان ويوم الجمل ويوم النخيلة.

قال له عبد الله بن العباس : ويحك إنّما قتل عليّ من خالف الملّة وطعن في الإسلام ، وأمره بقتلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهل أنت رادّ على الله ورسوله؟ ويحك يا ربيعة إنّ لعليّ أربع سوابق لو قسّمت الواحدة منهن على جميع الخلق لوسعتهم.

قال : وما هنّ؟

قال ابن عباس : إنّه أوّل من آمن بالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصلى مع النبيّ القبلتين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، لم يعبد قط صنماً ، ولا شرب خمراً ، وأنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن زوّج عليّاً من فاطمة عليها‌السلام ، قال : قد زوّجتها منه. فإنّ الله عزّ وجلّ أمر شجرة في الجنة يقال لها طوبى أن أحملي فحملت ، فقال لها : أثمري ، فأثمرت ، ثم قال انثري فنثرت دراً كأمثال القلال ، فالتقطته حور العين في الجنة يتفاخرن به إلى يوم القيامة ، يقلن : هذا نثار فاطمة عليها‌السلام. وكان يسمع وقع جناح جبريل على سطحه إذا هبط بالوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٧٦

وكان صنم خزاعة مرفوعاً فوق الكعبة ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت ، فانطلقا ليلاً ، فقال له : يا أبا الحسن أرق على ظهري ، وكان طول الكعبة أربعين ذراعاً ، فقال : يا رسول الله بل ترتقي أنت على ظهري ، فأنا أولى بذلك وأحق بحملك.

قال : يا عليّ إنّك لا تقدر على ذلك ، ولو أجتمعت الأنس والجن على أن تحمل منّي عضواً ما قدرت للإيمان الذي هو في قلبي ، وحمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا استوى عليه ، قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انتهيت يا عليّ؟ قال : نعم ، والذي بعثك بالحق لو هممت أن ألمس السماء بيدي لمستها ، وأحتمل الصنم فجلد به الأرض فتقطع قطعاً ، ثم تعلق بالميزاب وتنحى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إكراماً وإجلالاً له ، ثم رمى بنفسه إلى الأرض ، فلمّا سقط ضحك ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يضحكك يا عليّ أضحك الله سنّك؟ قال : ضحكت يا رسول الله تعجباً من أن رميت بنفسي من فوق البيت إلى الأرض وما ألمت ، وما أصابني وجع.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكيف تألم يا أبا الحسن أو يصيبك وجع ، وإنّك إنّما رفعك محمّد وأنزلك جبريل ) (١).

وبهذا الخبر ننهي محاوراته مع الخوارج الذين عرفنا أسماءهم ، وثمّة محاورات مع آخرين من الخوارج ممّن هم على نمط أولئك في ضلالاتهم ونُصبهم ولم نعرف أسماءهم. فلنقرأ ماوقفنا عليه من أخبارهم :

____________

١ ـ تفسير فرات بن إبراهيم / ٢٤٩ ، تح محمد الكاظم ، طهران.

٧٧

( أَعليّ أَعلم عندك أَم أَنا؟ )

روى الشيخ الطوسي في ( الأمالي ) ، عن سعيد بن المسيب ، قال :

( سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

فقال له ابن عباس : إنّ عليّ بن أبي طالب صلّى القبلتين ، وبايع البيعتين ، ولم يعبد صنماً ولا وثناً ، ولم يضرب على رأسه بزلم ولا بقدح ، وُلد على الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين أبداً.

فقال الرجل : إنّي لم أسألك عن هذا ، وإنّما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة ، فقتل بها أربعين ألفاً ، ثم صار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ، ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم؟

فقال له ابن عباس : أعليُّ أعلم عندك أم أنا؟

فقال : لو كان عليّ أعلم عندي منك لما سألتك.

قال سعيد بن المسيب : فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ، ثم قال : ثكلتك أَمّك ، عليّ علّمني ، فكان علمه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسول الله علّمه الله من فوق عرشه ، فَعِلمُ النبيّ من الله ، وعلم عليّ من النبيّ ، وعلمي من علم عليّ ، وعلم أصحاب محمّد كلّهم في علم عليّ كالقطرة الواحدة في سبعة

٧٨

أبحر ) (١) (٢).

( عقمت النساء أن يأتين بمثل عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

روى فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره ، أنّه قال :

( قال حدثني إبراهيم بن بنان الخثعمي ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد بن يحيى بن منمس ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن القاسم الباهلي ، عن ضرار ابن الأزور : أنّ رجلاً من الخوارج سأل ابن عباس رضي‌الله‌عنه عن [ أمير المؤمنين. ر ] عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأعرض عنه. ثم سأله؟

فقال : لكان والله عليّ أمير المؤمنين يشبه القمر الزاهر ، والأسد الخادر ، والفرات الزاخر ، والربيع الباكر ، فأشبه من القمر ضوؤه وبهاؤه ، ومن الأسد شجاعته ومضاؤه ، ومن الفرات جوده وسخاؤه ، ومن الربيع خصبه وحباؤه.

عقم النساء أن يأتين بمثل عليّ [ أمير المؤمنين. أ ، ب ] بعد النبيّ [ ب ، أ : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] ، تالله ما سمعت ولا رأيت إنسانا [ محارباً. ر ، ب ] مثله ، وقد رأيته يوم صفين وعليه عمامة بيضاء وكأنّ عينيه سراجان ، وهو يتوقف على

____________

١ ـ الأمالي / ٧ ط حجرية إيران ، والأمالي ١ / ١٠ ط النعمان في النجف الأشرف ، والدرجات الرفيعة / ١٢٦ ط الحيدرية.

٢ ـ لقد مرّّ في ج١ من هذه الحلقة في ينابيع العلم ما يؤيد هذا ، وقد أشتهر هذا المعنى حتى تناوله بعض الشعراء بالنظم ، فقال علي بن هارون بن يحيى المنجم يمدح الإمام عليه اسلام :راجع ربيع الأبرار للزمخشري ٤ / ١٥٧.

وهل خصلة من سؤددٍ لم يكن بها

أبو حسن من بينهم ناهضاً قدما

فما فاتهم منها به سلّموا له

وما شاركوه كان أوفرهم قسما

٧٩

شرذمة [ شرذمة. ب ر ] يحضّهم ويحثّهم إلى أن انتهى إليّ وأنا في كنف من المسلمين ، فقال :

( معاشر المسلمين ، استشعروا الخشية ، وغضّوا الأصوات ، وتجلببوا بالسكينة ، وأكملوا اللامة (١) ، وأقلقوا السيوف في الغمد قبل السلّة ، والحظوا الشزر ، واطعنوا [ الخزر. ب ] ، ونافحوا بالظُبا ، وصلوا السيوف بالخطي ، والرماح بالنبال ، فإنّكم بعين الله [ و. أ ، ب ] مع ابن عم نبيّكم ، عاودوا الكرّ واستحيوا من الفرّ ، فإنّه عار باق في الأعقاب ، ونار يوم الحساب ، فطيبوا عن أنفسكم نفساً [ ر : أنفسا ] ، وأطووا عن الحياة كشحاً ، وامشوا إلى الموت مشياً [ سجحا ]. وعليكم بهذا السواد الأعظم ، والرواق المطنب ، فاضربوا ثبجه ، فإنّ الشيطان عليه لعنة الله راكد في كسره ، نافج حضنيه [ ب ، أ : حضنه ] ، ومفترش ذراعيه ، قد قدّم للوثبة يداً ، وأخّر للنكوص رجلاً ، فصمداً [ أ : فصبرا ] حتى يتجلى لكم عمود [ خ ل : عمد ] الحق وأنتم الأعلون ، والله معكم ، ولن يتركم أعمالكم ).

قال : وأقبل معاوية في الكتيبة الشهباء وهي زهاء عشرة آلاف بجيش [ أ ، ب : جيش ] شاكين في الحديد لا يرى منهم إلاّ الحدق تحت المغافر [ فاقشعرّ لها الناس ] [ فقال عليه‌السلام : مالكم. ب ] تنظرون بما [ أ : مما ] تعجبون؟! إنّما هي جثث ماثلة فيها قلوب طائرة مزخرفة بتمويه [ ظ ] الخاسرين ، ورجل جراد زفت به ريح صبا ، ولفيف سداه الشيطان ولحمته

____________

١ ـ اللامة : الدرع.

٨٠