موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-500-7
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٠

من عاداتهم فيمن هاجر إليهم أن يمتحنوه بأن يسلّموا إليه أسيرا من أسراء مخالفيهم وأطفالهم ويأمروه بقتله ، ويزعمون أيضاً أن أطفال مخالفيهم مشركون ، ويزعمون أنّهم يخلدون في النار.

وأوّل من أظهر هذه البدع الزائدة على أولئك رجل منهم يدعى عبد ربه الكبير (١) ، وقيل عبد ربه الصغير ، وقيل عبد الله بن الوضين (٢) ، وكان نافع ابن الأزرق يخالفه حتى مات ثم رجع إلى مذهبه.

وقد أطبقت الأزارقة على أنّ ديار مخالفيهم ديار الكفر ، وأنّ قتل نسائهم وأطفالهم مباح ، وأنّ رد أماناتهم لا تجب لنص كتاب الله تعالى حيث قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )(٣) ، وزعموا أيضاً أنّ الرجم لا يجب على الزاني المحصن ، خلافاً لإجماع المسلمين ، وقالوا إنّ من قذف رجلاً محصناً فلا حدّ عليه ، ومن قذف امرأة محصنة فعليه الحدّ ، وقالوا إنّ سارق القليل يجب عليه القطع ، وهذه بدع زادوا بها على جميع الخوارج ، ( فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ )(٤).

وهذه الأزارقة غلبوا على بلاد الأهواز وأرض فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير حين بعث عاملاً له على البصرة ، فأخرج سرية إلى قتالهم

____________

١ ـ بايعه الخوارج الذين انشقوا من قطري بن الفجاءة كما تجد تفصيل ذلك في الكامل للمبرد.

٢ ـ من رؤوس الأزارقة مات في حدود سنة ( ٦٠ هـ ).

٣ ـ النساء / ٥٨.

٤ ـ البقرة / ٩٠.

٢١

وهم ألف مقاتل ، فقتلهم الخوارج ثم بعث إليهم بثلاثة آلاف من المقاتلة فظفر الخوارج أيضاً بهم ، فبعث عبد الله بن الزبير من مكة كتاباً وجعل قتالهم إلى المهلّب بن أبي صفرة (١). حتى جمع عسكراً عظيماً وهزم نافع بن الأزرق (٢) وجعدة ، وقتل نافع في تلك الهزيمة وبايعت الأزارقة بعده رجلاً آخر منهم ، فهزمه المهلّب أيضاً وقتلوه في الهزيمة ، فبايعوا قطري بن الفجاءة (٣) التميمي (٤) وسمّوه أمير الموت ، وكان المهلب يقاتلهم حتى هزمهم ، وانحازوا إلى سابور من بلاد فارس ، وجعلوا ذلك دار هجرتهم ، وكان المهلّب وأولاده يقاتلونهم تسع عشرة سنة بعضها في زمان عبد الله بن الزبير وبعضها في زمان عبد الملك بن مروان.

ولمّا ولي الحجاج بن يوسف (٥) العراق أقرّ المهلّب على قتالهم ، وكان يقاتلهم إلى أن ظهر بينهم الخلاف ، وخالف عبد ربه الكبير قطريا ، وخرج إلى جيرفت كرمان في سبعة آلاف رجل ، وخالفه أيضاً عبد ربه الصغير (٦) ، وانحاز إلى ناحية من نواحي كرمان ، وكان المهلّب يقاتل قطريا بناحية سابور إلى أن هزمه فخرج إلى كرمان ، وكان المهلّب يسير على أثره

____________

١ ـ أمير خراسان الداهي صاحب الحروب والفتوح ، مات سنة ( ٨٢ هـ ).

٢ ـ شيخ الأزارقة من الخوارج ، قتل سنة ( ٦٥ هـ ).

٣ ـ اسم امه على ما ذكره المسعودي ويقول المجد انه اسم والده.

٤ ـ هو البطل المعروف عثر به فرسه فمات سنة ( ٧٩ هـ ) وأتى برأسه إلى الحجاج.

٥ ـ هو الثقفي الظالم المشهور ، هلك سنة ( ٩٥ هـ ).

٦ ـ هو أول من هاج ضد قطري بن الفجاءة من الخوارج ، حتى عمت الفتنة بينهم واستمر قتال بعضهم لبعض إلى أن سهل على المهلّب ابادتهم.

٢٢

ويقاتله حتى هزمه إلى الري ، ثم كان يقاتل عبد ربه الصغير حتى كفى شغله وقتله ، وبعث الحجاج عسكراً عظيماً إلى الري فقاتلوا قطريا فانهزم منهم إلى طبرستان وتبعوه حتى قتلوه وكفى الله تعالى شغله ، وكان قد هرب في جملة من قومه إلى قومس عبيدة بن الهلال اليشكري (١) ، فقصده جند الحجاج حتى قتلوه ، وطهر الله وجه الأرض من جملة الأزارقة ولم يبق منهم واحد.

الفرقة الثالثة : النجدات.

منهم النجدات وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفي (٢) ، وكان من حاله أنّه لمّا سمى نافع بن الأزرق مَن كان قد امتنع مِن نصرته مشركاً وأباح قتل نساء مخالفيهم وأطفالهم ، خرج عليه قوم من أتباعه وصاروا إلى اليمامة وبايعوا نجدة ، وقالوا : إنّ من يقول ما قاله نافع فهو كافر ، ثم افترق هؤلاء ثلاث فرق وخرجوا على نجدة ، فصار فريق منهم مع عطية بن الأسود الحنفي (٣) إلى سجستان ، وخوارج سجستان أتباع هؤلاء ، ولذلك كانوا يدعون العطوية ... ) (٤).

ثانياً : محاورات ابن عباس مع الخوارج.

تبدأ محاورات ابن عباس مع الخوارج من بعد رجوعهم من حرب

____________

١ ـ من أصحاب قطري قتله سفيان بن الأبرد سنة ( ٧٧ هـ ) في قومس.

٢ ـ رأس النجدات من الخوارج قتله أصحابه سنة ( ٦٩ هـ ). وإنما قيل لاتباعه النجدات لتفرق من النسبة إلى النجدة.

٣ ـ كان من اصحاب نجدة أرسله إلى سجستان فاظهر مذهبه بمرو منابذاً فعرفت اتباعه بالعطوية.

٤ ـ التبصير / ٢٨ ـ ٣٠ ، الباب الرابع.

٢٣

صفين ، حين انخزلوا عن الجيش في الكوفة ونزلوا في حروراء ـ قرية بظاهر الكوفة على ميلين منها (١) ـ ، وهناك بدأت أسماء بعض محاوريه تظهر ، فعرفنا منهم : عتاب بن الأعور التغلبي ، الذي تولى الحديث معه نيابة عن الخوارج كما سيأتي خبره ، وعرفنا منهم أيضاً اسم أبي زميل سماك الحنفي ، راوي حديث المحاورة الثانية في الكوفة وقد مرّت روايته في الجزء الرابع من الحلقة الأولى (٢) ، وسنأتي على ذكرها أيضاً ، وعرفنا منهم مسعر بن فدكي التميمي ، الذي رأس الخوارج بالبصرة وخرج مفسداً في الأرض فأرسل ابن عباس أبا الأسود في ألف فارس فأدركهم بالجسر الأكبر ـ جسر تستر ـ وقد مرّ خبره أيضاً في الجزء الرابع من الحلقة الأولى من الموسوعة (٣).

وبعد ذلك بدت تظهر أسماء نافع بن الأزرق ، ونجدة بن عويمر ، وعطية الحروري ، وزمعة بن خارجة ، وغيرهم ، وهؤلاء جميعاً هم الذين سنقرأ محاورات ابن عباس معهم.

والآن لنقرأ من جديد محاورات ابن عباس مع المحكّمة أوّلاً في حروراء ثمّ في الكوفة ، ونأتي على البقية في مواردها حسب ورودها تاريخياً مع الأحداث :

قال البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، وابن عساكر في تاريخه ، وغيرهما بالسند عن الزهري ، قال : ( لمّا قدم عليّ بن أبي طالب إلى الكوفة من صفين ، خاصمت الحرورية عليّاً ستة أشهر ، وقالوا شككت في أمرك ،

____________

١ ـ مراصد الإطلاع ١ / ٣٩٤.

٢ ـ موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ١٦٩.

٣ ـ نفس المصدر ٤ / ٢١٠.

٢٤

وحكّمت عدوك ... وطالت خصومتهم لعليّ ... فأرسل إليهم عليّ عبد الله بن عباس وصعصعة بن صوحان فدعوا هم إلى الجماعة وناشداهم ... ) (١).

محاورة ابن عباس مع المحكمة في حروراء :

قال ابن اعثم في كتابه ( الفتوح ) وغيره في غيره : ( فبينا عليّ كرّم الله وجهه مقيم بالكوفة ينتظر انقضاء المدّة التي كانت بينه وبين معاوية ثمّ يرجع إلى محاربة أهل الشام ، إذ تحركت طائفة من أصحابه في أربعة آلاف فارس ، وهم من النساك العبّاد أصحاب البرانس ، فخرجوا عن الكوفة وتحزّبوا وخالفوا عليّاً كرّم الله وجهه ، وقالوا : لا حكم إلاّ لله ولا طاعة لمن عصى الله.

قال : وانحاز إليهم نيّف عن ثمانية آلاف رجل ممّن يرى رأيهم ، فصار القوم في اثني عشر ألفاً ، وساروا حتى نزلوا بحروراء ، وأمّروا عليهم عبد الله ابن الكوّاء.

قال : فدعا عليّ رضي‌الله‌عنه بعبد الله بن عباس فأرسله إليهم ، وقال : ( يا بن عباس أمض إلى هؤلاء القوم فأنظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا؟

[ وأوصاه بقوله : ( لا تخاصمهم بالقرآن ).

فقال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم ، في بيوتنا نزل.

قال : ( صدقت ، ولكن القرآن حمّال ذو وجوه ، تقول ويقولون ، ولكن

____________

١ ـ أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٣ ، وتاريخ مدينة دمشق ( ترجمة ابن الكواء ).

٢٥

حاججهم بالسنّة فإنّهم لن يجدوا عنها محيصاً ) (١).

فخرج ابن عباس إليهم فحاججهم بالسنن فلم يبق بأيديهم حجة ] (٢).

قال ابن اعثم في حديثه : فأقبل عليهم ابن عباس حتى إذا أشرف عليهم ونظروا إليه ناداه بعضهم ، وقال : ويلك يا بن عباس أكفرت بربّك كما كفر صاحبك عليّ بن أبي طالب؟

فقال ابن عباس : إنّي لا أستطيع أن أكلمكم كلّكم ، ولكن أنظروا أيّكم أعلم بما يأتي ويذر فليخرج إليَّ حتى أكلّمه.

قال : فخرج إليه رجل منهم يقال له عتاب بن الأعور التغلبي ، حتى وقف قبالته ، وكأنّ القرآن إنّما كان ممثلاً بين عينيه ، فجعل يقول ويحتج ويتكلم بما يريد ، وابن عباس ساكت لا يكلمه بشيء ، حتى إذا فرغ من كلامه ، أقبل عليه ابن عباس ، فقال : إنّي أريد أن أضرب لك مثلاً ، فإن كنت عاقلاً فافهم.

فقال الخارجي : قل ما بدا لك.

فقال له ابن عباس : خبّرني عن دار الإسلام هذه هل تعلم لمن هي؟ ومن بناها؟

فقال الخارجي : نعم ، هي لله عزوجل ، وهو الذي بناها على أيدي أنبيائه وأهل طاعته ، ثمّ أمر من بعثه إليها من الأنبياء أن يأمروا الأمم أن لا يعبدوا إلاّ إياه ،

____________

١ ـ الإتقان للسيوطي ١ / ١٧٥ ، ولابن أبي الحديد المعتزلي في شرح هذه الوصية كلام بدأه بقوله : هذا الكلام لا نظير له في شرفه وعلو معناه ...

٢ ـ الدر المنثور للسيوطي ١ / ١٥ عن ابن سعد.

٢٦

فآمن قوم وكفر قوم ، وآخر من بعثه إليها من الأنبياء محمّداً صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم.

فقال ابن عباس : صدقت ، ولكن خبّرني عن محمّد حين بعث إلى دار الإسلام فبناها كما بناها غيره من الأنبياء ، هل أحكم عمارتها وبيّن حدودها ، وأوقف الأمّة على سبلها وعملها ، وشرائع أحكامها ومعالم دينها؟

فقال الخارجي : نعم قد فعل محمّد ذلك.

قال ابن عباس : فخبّرني الآن عن محمّد هل بقي فيها أو رحل عنها؟

قال الخارجي : بل رحل عنها.

قال ابن عباس : فخبّرني رحل عنها وهي كاملة العمارة بيّنة الحدود؟ أم رحل عنها وهي خربة ولا عمران فيها؟

قال الخارجي : بل رحل عنها وهي كاملة العمارة ، بيّنة الحدود ، قائمة المنار.

قال ابن عباس : صدقت. الآن ، فخبّرني هل كان لمحمّد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم أحد يقوم بعمارة هذه الدار من بعده أم لا؟

قال الخارجي : بلى قد كان له صحابة وأهل بيت ووصي وذريّته يقومون بعمارة هذه الدار من بعده.

قال ابن عباس : ففعلوا أم لم يفعلوا؟

قال الخارجي : بلى قد فعلوا وعمروا هذه الدار من بعده.

قال ابن عباس : فخبّرني الآن عن هذه الدار من بعده ، هل هي اليوم

٢٧

على ما تركها محمّد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم من كمال عمارتها وقوام حدودها؟ أم هي خربة عاطلة الحدود؟

قال الخارجي : بل هي عاطلة الحدود خربة.

قال ابن عباس : أفذريّته وليت هذا الخراب أم أمته؟

قال : بل أمته.

قال ابن عباس : فأنت من الأمّة أم من الذرية؟

قال : أنا من الأمّة.

قال ابن عباس : يا عتاب فخبرني الآن عنك كيف ترجو النجاة من النار وأنت من أمّة قد أخربت دار الله ودار رسوله ، وعطلت حدودها؟

فقال الخارجي : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ويحك يا بن عباس احتلت والله حتى أوقعتني في أمر عظيم ، وألزمتني الحجة حتى جعلتني ممّن أخرب دار الله. ولكن ويحك يابن عباس فكيف الحيلة في التخلص ممّا أنا فيه؟

قال ابن عباس : الحيلة في ذلك أن تسعى في عمارة ما أخربته الأمّة من دار الإسلام.

قال : فدلّني على السعي في ذلك.

قال ابن عباس : إنّ أوّل ما يجب عليك في ذلك أن تعلم من سعى في خراب هذه الدار فتعاديه ، وتعلم من يريد عمارتها فتواليه.

قال : صدقت يا بن عباس ، والله ما أعرف أحداً في هذا الوقت يحبّذ عمارة دار الإسلام غير ابن عمك عليّ بن أبي طالب ، لولا أنّه حكّم عبد الله ابن قيس في حقّ هو له.

٢٨

قال ابن عباس : ويحك يا عتّاب إنا وجدنا الحكومة في كتاب الله عزوجل أنّه قال تعالى : ( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )(١) ، وقال تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ )(٢).

قال : فصاحت الخوارج من كلّ ناحية وقالوا : فكأنّ عمرو بن العاص عندك من العدول؟ وأنت تعلم أنّه كان في الجاهلية رأساً وفي الإسلام ذَنباً ، وهو الأبتر بن الأبتر ، ممّن قاتل محمّداً صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم وفتن أمته من بعده.

فقال ابن عباس : يا هؤلاء إنّ عمرو بن العاص لم يكن حَكَماً ( لنا ) أفتحتجون به علينا؟ إنّما كان حَكَماً لمعاوية ، وقد أراد أمير المؤمنين عليّ رضي‌الله‌عنه أن يبعثني أنا فأكون له حَكَماً فأبيتم عليه وقلتم : قد رضينا بأبي موسى الأشعري ، وقد كان أبو موسى لعمري رضىً في نفسه وصحبته وإسلامه وسابقته ، غير أنّه خُدِع فقال ما قال ، وليس يلزمنا من خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى ، فاتقوا ربّكم وارجعوا إلى ما كنتم عليه من طاعة أمير المؤمنين ، فإنّه وإن كان قاعداً عن طلب حقّه ، فإنّما ينتظر إنقضاء المدّة ثمّ يعود إلى محاربة القوم ، وليس عليّ رضي‌الله‌عنه ممّن يقعد عن حقّ جعله الله له.

قال : فصاحت الخوارج وقالوا : هيهات يا بن عباس نحن لا نتولى عليّاً بعد هذا اليوم أبداً ، فارجع إليه وقل له فليخرج إلينا بنفسه حتى نحتج عليه

____________

١ ـ النساء / ٣٥.

٢ ـ المائدة / ٩٥.

٢٩

ونسمع كلامه ويسمع من كلامنا ، فلعلنا إن سمعنا منه شيئاً يعلق إمّا أن نرجع عمّا إجتمعنا عليه من حربه.

قال : فخرج عبد الله بن عباس إلى عليّ رضي‌الله‌عنه فخبرَه بذلك.

قال : فركب على إلى القوم في مائة رجل من أصحابه حتى وافاهم بحروراء ... ) (١).

هذا جزء من أولى محاورات كانت لابن عباس مع الخوارج ، وقد كان معه في هذه المرّة جماعة من أصحاب الإمام عليه‌السلام ، منهم صعصعة بن صوحان ، وزياد بن النضر الحارثي (٢) ، كما كان معه عبد الله بن شداد ـ وهو ابن خالته ـ وقد حدّث هذا عن ذهابه معه إلى حروراء ، وذلك حين سألته عائشة عن الخوارج ، وكان ذلك بعد رجوعه من العراق إلى المدينة ، وحديثه من الأحاديث الصحيحة ، فقد أخرجه أحمد ، والطبراني ، والحاكم ، والضياء المقدسي ، وأبو يعلى ، والبيهقي ، وغيرهم ، كما سيأتي ذكرهم.

وإلى القارئ لفظ الحديث بلفظ البيهقي في ( سننه الكبرى ) بسنده عن عبد الله بن شداد بن الهاد :

( حديث ابن شداد مع عائشة )

قال : ( قدمت على عائشة رضي‌الله‌عنها ، فبينا نحن جلوس عندها مرجعها من

____________

١ ـ الفتوح ٤ / ٨٩ ، وقارن مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٢ / ٣١٩ ط الحيدرية.

٢ ـ أنظر الكامل للمبرد ٣ / ٢١٠ ط نهضة مصر تحـ محمّد أبو الفضل إبراهيم ، والبدء والتاريخ المنسوب لأبي زيد البلخي ٥ / ٢٢٢.

٣٠

العراق ليالي قوتل عليّ ـ قتل عليّ ـ رضي‌الله‌عنه.

إذ قالت لي : يا عبد الله بن شداد ، هل أنت صادق عمّا أسألك عنه. حدّثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليّ.

قلت : وما لي لا أصدقك؟

قالت : فحدّثني عن قصتهم.

قلت : إنّ عليّاً لمّا أن كاتب معاوية وحكّم الحَكَمين ، خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس ، فنزلوا أرضاً من جانب الكوفة يقال لها حروراء ، فإنّهم أنكروا عليه ، فقالوا : انسلخت من قميص ألبسكه الله وأسماك به ، ثمّ انطلقت فحكّمت في دين الله ولا حكم إلاّ لله ، فلمّا أن بلغ عليّاً ما عتبوا عليه وفارقوه ، أمر فأذّن مؤذّن لا يدخلنّ على أمير المؤمنين إلاّ رجل قد حمل القرآن ، فلمّا أن امتلأ من قرّاء الناس الدار ، دعا بمصحف عظيم فوضعه عليّ رضي‌الله‌عنه بين يديه فطفق يصكّه بيده ويقول : أيّها المصحف حدّث الناس.

فناداه الناس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ما تسأله عنه ، إنّما هو ورق ومداد ، ونحن نتكلم بما روينا منه فماذا تريد؟

قال : أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله تعالى. يقول الله عزوجل في امرأة ورجل : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ )(١) ، فأمّة محمّد أعظم حرمة من امرأة ورجل.

ونقموا عليَّ إنّي كاتبت معاوية وكتبتُ عليّ بن أبي طالب ، وقد جاء سهيل بن

____________

١ ـ النساء / ٣٥.

٣١

عمرو ، ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً ، فكتب رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم : بسم الله الرحمن الرحيم.

فقال سهيل : بسم الله الرحمن الرحيم لا تكتب.

قلت : فكيف أكتب؟

قال : أكتب باسمك اللّهمّ.

فقال رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم : أكتبه. ثمّ قال : أكتب من محمّد رسول الله.

فقال : لو نعلم أنّك رسول الله لم نخالفك ، فأكتب هذا ما صالح عليه محمّد ابن عبد الله قريشاً.

يقول الله في كتابه : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ )(١).

فبعث إليهم عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه عبد الله بن عباس ، فخرجتُ معه حتى إذا توسّطنا عسكرهم ، قام ابن الكوّاء فخطب الناس فقال : يا حملة القرآن إنّ هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ، هذا من نزل فيه وفي قومه : ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )(٢) ، فردّوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله عزوجل ، فقام خطباؤهم فقالوا : والله لنواضعنّه كتاب الله ، فإذا جاءنا بحقّ نعرفه اتبعناه ، ولئن جاءنا بالباطل لنبكتّنه بباطله ، ولنردنّه إلى صاحبه ، فواضعوه على كتاب الله ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة

____________

١ ـ الأحزاب / ٢١.

٢ ـ الزخرف / ٥٨.

٣٢

آلاف كلّهم تائب ، فأقبل بهم ابن الكواء حتى أدخلهم على عليّ رضي‌الله‌عنه ، فبعث عليّ إلى بقيّتهم ، فقال : ( قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، قفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمّة محمّد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ، وتنزلوا فيما حيث شئتم ، بيننا وبينكم أن نقيكم رماحنا ما لم تقطعوا سبيلاً وتُطِلّوا دماً ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء إنّ الله لا يحب الخائنين.

فقالت عائشة رضي‌الله‌عنها : يا بن شداد فقد قتلهم؟

فقال : والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء وقتلوا ابن خباب واستحلوا أهل الذمة.

فقالت : آلله؟

قلت : آلله الذي لا إله إلاّ هو لقد كان.

قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون به يقولون : ذو الثُدّي ذو الثُدّي؟

قلت : قد رأيته ووقفت عليه مع عليّ رضي‌الله‌عنه في القتلى ، فدعا الناس ، فقال : ( هل تعرفون هذا؟ ).

فما أكثر من جاء يقول قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي ، فلم يأتوا بثبت إلاّ يعرف ذلك.

قالت : فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟

قلت : سمعته يقول : ( صدق الله ورسوله ).

قالت : فهل سمعت أنت منه قال غير ذلك؟

٣٣

قلت : اللّهمّ لا.

قالت : أجل صدق الله ورسوله ، يرحم الله عليّاً إنّه من كلامه ، كان لا يرى شيئاً يعجبه إلاّ قال : صدق الله ورسوله ) (١).

____________

١ ـ أخرج حديث عبد الله بن شدّاد بن الهاد جملة من الحفاظ منهم أحمد والطبراني والحاكم وعنهم نقله ابن حجر في فتح الباري ١٢ / ٢٩٦ ط بيروت دار المعرفة ، وأخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة / ٢٢٣ ط مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة سنة ١٤١٠ ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده ١ / ٣٦٧ ط دار المأمون بدمشق سنة ١٤٠٤ ، وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى ٨ / ١٧٩ ط دار الفكر وكذلك ط دار الباز بمكة ، وأخرجه الزيلعي في نصب الراية ٣ / ٤٦١ ط دار الحديث بمصر سنة ١٣٥٧ ، وأخرجه ابن حجر أيضاً في الدراية لتخريج أحاديث الهداية ط دار المعرفة بيروت ، وأخرجه الشوكاني في نيل الأوطار ٧ / ٣٤٩ ط دار الجيل بيروت سنة ١٩٧٣ وهؤلاء كلهم من جهابذة الحفاظ ، سوى غيرهم من المؤرخين كالطبري وابن اعثم وآخرين كثيرين ، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الإمام / ١٥٣تحـ المحمودي. ولم يكن محاققة عائشة لعبد الله بن شداد نشأت من فراغ ، لولا أن ابن العاص كان قد كتب إليها بأنه قتل ذا الثدية بنيل مصر فقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة بسنده عن مسروق قالت عائشة : عندك علم عن ذي الثديّة الّذي أصابه عليّ في الحرورية؟ قلت : لا ، قالت فاكتب لي بشهادة من شهدهم ، فرجعت إلى الكوفة وبها يومئذ أسباع فكتبت شهادة عشرة من كلّ سُبع ثمّ اتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها ، قالت : أكل هؤلاء عاينوه ، قلت : لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينوه فقالت : لعن الله فلاناً فإنه كتب إلي انّه أصابهم بنيل مصر ، ثمّ أرخت عينيها فبكت ، فلمّا سكنت عبرتها قالت رحم الله عليّاً لقد كان على الحقّ ، وما كان بيني وبينه إلاّ كما يكون بين المرأة وأحمائها. راجع أيضاً البداية والنهاية ٧ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ط السعادة بمصر.

ولئن كُتم اسم الكاتب الكاذب الملعون على لسان عائشة فكني عنه ( فلاناً ) ، فان ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ٢٠٢ نقل عن كتاب صفين للمدائني التصريح باسمه فقال : عن مسروق ان عائشة قالت له لما عرفت ان عليّاً عليه‌السلام قتل ذا الثدية : لعن الله عمرو بن العاص فإنه كتب الي يخبرني أنّه قتله بالأسكندرية ... وهكذا تُضيّع الحقائق لحساب مضلّلة الأهواء ، وتبقى مقولة لعن الصحابي من الزندقة أليس هذا من الهراء؟

٣٤

أقول : إنّما ذكرت هذه المحاورة بنصّها كما وردت في مصادر أهل الحديث بأسانيدهم الصحيحة فضلاً عن ورودها في المصادر التاريخية والأدبية ، لأنّي وقفت في كتاب ( العقود الفضية في أصول الأباضية ) على ذكر المحاورة التي دارت بين ابن عباس وبين الخوارج ، وفيها من الدسّ والإفتراء ما يدعو إلى العجَب ، كما سنأتي على ذكرها فيما بعد.

ونعود إلى تتمة حديث الحرورية.

فقد اختلف المؤرخون في ذكر عدد الذين رجعوا إلى الطاعة والجماعة.

فمنهم المقلّ ، فقال : ( رجع منهم ألفان ) ، كالمبرّد في كامله (١) ، والخوارزمي في مناقبه (٢) ، وابن عبد ربه في ( العقد الفريد ) (٣) ، وابن العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب ) (٤) ، وابن عبد البر في ( جامع بيان العلم ) (٥) وآخرين غيرهم.

ومنهم المكثر ، فذهب إلى أنّه ( رجع من الخوارج عشرون ألفاً ) ، كأبي نعيم في ( حلية الأولياء ) (٦). وهذا لا شك عندي فيه وهم من أبي نعيم! لأنّ الخوارج

____________

١ ـ الكامل ٣ / ٢١٢ تحـ محمّد أبو الفضل إبراهيم.

٢ ـ مناقب الخوارزمي / ١٢٦ ط حجرية.

٣ ـ العقد الفريد ١ / ٣٤٢.

٤ ـ شذرات الذهب ١ / ٥٠.

٥ ـ جامع بيان العلم ٢ / ١٠٤.

٦ ـ حلية الأولياء ١ / ٣١٨.

٣٥

الحرورية لم يبلغ عددهم جميعاً يومئذ هذا القدر ، وقد مرّ أنّهم إثنا عشر ألفاً فكيف رجع منهم عشرون ألفاً؟! وقال ابن تيمية في كتابه ( الفرقان بين الحقّ والباطل ) : ( فأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع نصفهم ، والآخرون أغاروا على ماشية الناس واستحلوا دماءهم فقتلوا ابن خباب ... فقاتلهم عليّ ... ) (١).

وما بين المقلّ والمكثر أقوال ، أقومها وأقسطها عندي ما ذكره عبد الله بن شداد بن الهاد في حديثه ، وقد مرّ أنّهم أربعة آلاف ، وقد رواه عنه سوى من تقدم ذكره آنفاً وصححه الحاكم في ( المستدرك ) (٢) ، وأقره الذهبي في تلخيصه ، وذكره القسطلاني في ( إرشاد الساري ) (٣) نقلاً عن الطبراني والحاكم وأبي يعلى من طريق أفلح بن عبد الله.

وهذا هو ما يظهر من كلام المحب الطبري في ( ذخائر العقبى ) ، حيث قال : ( فرجع ثلثهم ، وانصرف ثلثهم ، وقتل سائرهم على الضلالة ) (٤).

ولم يبعد عن ذلك ابن كثير مع التحوير في التعبير ، فقد قال في ( البداية والنهاية ) : ( فرجع بعضهم واستمر بعضهم على ضلالهم ) (٥). وربّما تبع في ذلك غيره.

وحسبنا مثلاً قول ابن سعد في طبقاته : ( فرجع منهم قوم كثير ، وثبت قوم على رأيهم ) (٦).

____________

١ ـ مؤلفات ابن تيمية ١٣ / ٢٠٨ ط الثانية.

٢ ـ مستدرك الحاكم ٢ / ١٥٣.

٣ ـ إرشاد الساري ١٠ / ٨٨.

٤ ـ ذخائر العقبى / ٢٢٣.

٥ ـ البداية والنهاية ٧ / ٢٧٩.

٦ ـ طبقات ابن سعد ٣ ق ١ / ٢١٠.

٣٦

محاورة ابن عباس مع المحكّمة في الكوفة

أ ـ بين يدي المحاورة :

قال المبرّد : ( ويروى أنّ عليّاً في أوّل خروج القوم عليه دعا صعصعة ابن صوحان العبدي ـ وقد كان وجّهه إليهم وزياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن العباس ـ فقال لصعصعة : ( بأيّ القوم رأيتهم أشد إطافة )؟

فقال : بيزيد بن قيس الأرحبي.

فركب عليّ إليهم إلى حروراء ، فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس فصلّى فيه ركعتين ، ثمّ خرج فاتكأ على قوسه وأقبل على الناس ، ثمّ قال : ( هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة. أنشدكم الله ، أعلمتم أحداً منكم كان أكره للحكومة مني )؟

قالوا : اللّهمّ لا.

قال : ( أفعلمتم أنّكم أكرهتموني حتى قبلتها )؟

قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : ( فعلامَ خالفتموني ونابذتموني )؟

قالوا : إنّا أتينا ذنباً عظيماً ، فتبنا إلى الله ، فتب إلى الله منه وأستغفره نَعُد لكَ.

فقال عليّ : ( إنّي أستغفر الله من كلّ ذنب ).

٣٧

فرجعوا معه وهم ستة آلاف ، لمّا استقروا بالكوفة أشاعوا أنّ عليّاً رجع عن التحكيم ورآه ضلالاً ، وقالوا : إنّما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمنَ الكراع ويُجبى المال ، فينهض إلى الشام.

فأتى الأشعث بن قيس عليّاً عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّ الناس قد تحدثوا أنّك رأيت الحكومة ضلالاً ، والإقامة عليها كفراً؟

فخطب عليّ الناس ، فقال : ( من زعم إنّي رجعت عن الحكومة فقد كذب ، ومن رآها ضلالاً فهو أضلّ ).

فخرجت الخوارج من المسجد فحكّمت. فقيل لعليّ : إنّهم خارجون عليك.

فقال : ( لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون ).

فوجّه إليهم عبد الله بن العباس ... ) (١).

أقول : لعن الله الأشعث بن قيس ، فقد كان كما تخيّله أبو بكر من قبل يوم أتي به أسيراً بعد ردّته ، فقد قال أبو بكر في مثلثاته : ( وأما اللاتي تركتهنّ ، فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه ، فإنّه تخيّل إليّ أنّه لا يرى شراً إلاّ أعان عليه ) (٢).

ب ـ توثيق المحاورة :

والآن فلنقرأ ما رواه ابن عباس عما جرى له مع أولئك المحكمة وهم في الكوفة وقد اعتزلوا في دار ، ولنوثق ذلك أوّلاً ، وحديثه رواه النسائي في

____________

١ ـ الكامل للمبرد ٣ / ٢١٠.

٢ ـ أنظر كتاب المحسن السبط مولود أم سقط / ٢٠٢ ، فما بعدها تجد المصادر من كتب السنّة ، فراجع.

٣٨

السنن (١) ، وفي الخصائص (٢) ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام عليه اسلام (٣) ، كما رواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) (٤) ، ورواه الحاكم في ( المستدرك ) (٥) ، وقد صححه وأقره الذهبي في التلخيص ، ورواه البيهقي في ( السنن الكبرى ) (٦) ، ورواه الضياء المقدسي في ( الأحاديث المختارة ) بأسانيد متعددة آخرها ذكر أنّه برواية أبي داود صاحب السنن (٧) ، ورواه البسوي في ( المعرفة والتاريخ ) (٨) ، ورواه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) وقال رواه الطبراني وأحمد ببعضه ورجالهما رجال الصحيح (٩) ، ورواه ابن كثير في ( البداية والنهاية ) نقلاً عن أحمد ، وقال : واسناده صحيح (١٠) ، والذهبي في ( تاريخ الإسلام ) (١١).

وإليكم نص المحاورة برواية أبي زميل سماك الحنفي عن ابن عباس ـ وأبو زميل هذا كان قد هوى نجدة بن عويمر الخارجي فهو خارجي الهوى غير متهم في حديثه عن ابن عباس عند أصحابه فيما جرى بينهم ـ :

____________

١ ـ السنن الكبرى ٥ / ١٠٥ ـ ١٦٩.

٢ ـ الخصائص / ٤٨ ط مصر سنة ١٣٤٨ و ٢ / ١٩٥ ـ ٢٠٠ ط مكتبة المعلا بالكويت سنة ١٤٠٦.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ( ترجمة الإمام ) ٢ / ١٥٠.

٤ ـ المعجم الكبير ١٠ / ٢٥٧ ط الموصل.

٥ ـ مستدرك الحاكم ٢ / ١٦٥ ط افست بيروت.

٦ ـ السنن الكبرى ٨ / ١٧٩.

٧ ـ الأحاديث المختارة / ٤١١ ـ ٤١٦.

٨ ـ المعرفة والتاريخ ١ / ٥٢٢ ـ ٥٢٤ ط أوقاف بغداد.

٩ ـ مجمع الزوائد ٦ / ٢٤١.

١٠ ـ البداية والنهاية ٧ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

١١ ـ تاريخ الإسلام ٢ / ١٨٣ ط القدسي بمصر سنة ١٣٦٨ هـ.

٣٩

ج ـ نص المحاورة :

( قال ابن عباس : لمّا اعتزلت الخوارج الحرورية ، دخلوا داراً واعتزلوا في دار على حدتهم وكانوا ستة آلاف (١) وأجمعوا أن يخرجوا على عليّ بن أبي طالب وأصحاب النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم معه.

قال : وكان لا يزال يجيء إنسان فيقول : يا أمير المؤمنين إنّ القوم خارجون عليك. فيقول : ( دعوهم فإنّي لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون ).

فلمّا كان ذات يوم أتيته قبل صلاة الظهر فقلت له : يا أمير المؤمنين أبرِد بالصلاة ـ بالظهر أي أخّرها حتى يبرد الوقت ـ لعليّ آتي هؤلاء القوم فأكلّمهم.

قال : ( إنّي أخافهم عليك ).

قال : قلت : كلاّ.

قال : فخرجت آتيهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية وترجّلت ، فأتيتهم ودخلت عليهم وهم مجتمعون في دار ، وهم قائلون في نحر الظهيرة نصف النهار فسلّمت عليهم.

فقالوا : مرحباً بك يا أبا عباس فما هذه الحلّة؟

قال : قلت : ما تعيبون عليّ ، لقد رأيت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن ما

____________

١ ـ أنظر سنن النسائي ٥ / ١٠٥ ، والخصائص له أيضاً وسنن البيهقي والمعرفة والتاريخ وغيرها ذكر هذا العدد ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ١٨٣ وهم ستة آلاف أو نحوها.

٤٠