موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ١٠

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-500-7
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٨٠

وقد عانى من معاوية كثيراً ، لأنّ معاوية كان وريث الحقد القرشي والكفر الأموي ، وقد تحكم في مقادير الأمور ومصائر الناس ، ولديه من أسباب الترغيب والترهيب ما يعجز القلم عن وصفه ، ولولا أساليبه في الخداع لما إستدام حكمه أربعين سنة ، ولولا مواقف ابن عباس رضي‌الله‌عنه معه لضاعت جملة الحقائق التي وصلت إلينا بعض أخبارها.

فلقد مرّ بنا في أولى محاوراته قول معاوية له : ( إنّا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر عليّ بن أبي طالب فكفّ لسانك يا بن عباس وأربع على نفسك ... ) ، فكان جواب ابن عباس بمنتهى القوة والحجة حين قال : ( إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان؟ أو أسأل عنه آل أبي معيط؟ أو اليهود والنصارى والمجوس؟ ) ، وفي ختام ذلك الحوار قال ابن عباس : ( قال الله في القرآن : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )(١) ). فتلك المحاورة جديرة بالقراءة مراراً للحفظ والإستظهار.

كما إنّ استشهاد ابن عباس بالآية المذكورة يثير علامة إستفهام! هل أنّ ابن عباس كان هادفاً إلى أظهار كفر معاوية؟ ولم لا يكون كذلك بعد أن أطلع الشيطان رأسه من مغرزه ، وبدت جاهلية الأمويين تطلّ بوجهها القبيح من خلال سلوك معاوية أقوالاً وأفعالاً.

____________

١ ـ التوبة / ٣٢.

١٨١

والآن فلنقرأ نماذج من محاوراته مع الذين استمرؤا بدعة السبّ للإمام وأهل بيته عليهم‌السلام ممن سخرّهم النظام الحاكم الفاسد في الشام لإشاعة إعلامه الكاذب ، أن لا فضل لعليّ ولا لأهل بيته عليهم‌السلام :

١ ـ مع رجل من أهل الشام.

أخرج الحاكم النيسابوري في ( المستدرك على الصحيحين ) ، وكذلك الذهبي تابعه في ( التلخيص ) ، ورواه السيوطي في ( الدر المنثور ) عن الحاكم ، قال الحاكم :

( أخبرني محمد بن أحمد بن تميم القنطري ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الله بن المؤمل ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مليكة ، عن أبيه ، قال : جاء رجل من أهل الشام فسبّ عليّاً عند ابن عباس ، فحصبه ابن عباس ، وقال : يا عدو الله آذيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً )(١) ، لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّاً لآذيته ).

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه (٢). وقال الذهبي : صحيح (٣).

٢ ـ مع السائل عن آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أخرج ابن شاذان في ( إيضاح دفائن النواصب ) ، قال :

____________

١ ـ الاحزاب / ٥٧.

٢ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣١ برقم٤٦١٨.

٣ ـ الدر المنثور ٥ / ٢٢٠.

١٨٢

( قام إلى ابن عباس رجل ، فقال : يا بن عباس أخبرني عن آل محمّد؟

فقال ابن عباس : آل محمّد صلوات الله عليهم ، المعلمون التقى ، والباذلون الجدوى ، والتاركون الهوى ، الناكبون عن الردى ، لا خُشعُ ملظ ، ولا طمغ جُحظ ، ولا غلظُ فظظ ، أحلاس الخيل ، وأنجم الليل ، وبحر النيل ، خِفاف الميل ، هامات هامات ، وسادات سادات ، وغيوث جدبات ، وليوث غابات ، المقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، المفيدون الحسنات ، والمميتون السيئات ) (١).

وما كان ابن عباس مغالياً في وصفه ، بل كان مغالباً لزمرة الشانئين لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأين هذا ممّا رواه هو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : ( إنّ الله جمع لنا أهل البيت عشر خصال لم يجمعها لأحد قبلنا ، ولا تكون في غيرنا ، فينا الحكم ، والحلم ، والعلم ، والنبوة ، والسماحة ، والشجاعة ، والصدق ، والفضل ،

____________

١ ـ إيضاح دفائن النواصب / ٤٤ ط النجف.

تفسير غريب الألفاظ في الخبر أخذاًً من ( القاموس ) :

الجدوى : العطية.

خُشّع مُلَظ : لا يخضعون لكل أحد ، وملُظ من اللظ : الرجل العسر المتشدد.

طُمُغ جحظ : أطُمغ من طمِغت عينه كثر غمصها ، والجحظ : من جحطت عينه ، خرجت مقلتها.

غُلظ فظظ : الغُلظ من الغلظة ضد الرقة ، وفُظُظ : جمع فظ الغليظ الجانب السيء الخلق القاسي الخشن الكلام.

أحلاس الخيل : جمع حَلسّ ككَتف : الشجاع ، يعني شُجعان الخيل فوارس.

غيوث جّدبات : غيوث جمع غيث ، والغيث المطر ، وجدبات جمع جدبات جمع جدبة وأرض جدبةُ أصابها المحل يعني هم كالمطر متى يَصيب محل الأرض فأحياها وأخصبت.

ليوث غابات : ليوث جمع ليث وهو الأسد ، وغابات جمع غابة وهي عرين الأسد.

١٨٣

والطهور ، والعفاف. ونحن كلمة التقوى ، وسبيل الهدى ، والمثل الأعلى ، والحجة العظمى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، ونحن الذين أمر الله تعالى بالمودة لنا ، فماذا بعد الحق إلاّ الضلال فأنّى تؤفكون ) (١)؟!

٣ ـ الحمصي سفير أهل الشام إلى ابن عباس.

ومن كلام ابن عباس الجاري مجرى الإحتجاج ، ما دار بينه وبين الحمصي سفير أهل الشام ورائدهم إليه (٢) ، وإلى القاريء حديثه في ذلك :

( كان عبد الله بن عباس بمكة يحدّث الناس على شفير زمزم ونحن عنده ، فلمّا قضى حديثه قام إليه رجل من الملأ ، فقال : يا بن عباس إنّي أمرؤ من أهل الشام.

فقال : أعوان كلّ ظالم إلاّ من عصمهم الله منهم ، فسل عما بدا لك.

قال : يابن عباس إنّي رجل من أهل حمص ، إنّهم يتبرأون من عليّ بن أبي طالب ويلعنونه.

فقال ابن عباس : بل ، لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً. ألبُعد قرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ أو أنّه لم يكن أوّل ذُكران العالمين إيماناً بالله ورسولهُ ، وأوّل من صلى وركع ، وعمل بأعمال البر؟

____________

١ ـ الخصال / باب العشرة ، للشيخ الصدوق قدس‌سره ، غرر الأخبار للديلمي / ٣٣٥ ط قم.

٢ ـ ورد ذكر هذا الخبر في كتاب ( الهمّة في آداب أتّباع الأئمة / ٧٥ ) للقاضي نعمان ، تح الدكتور محمد كامل حسين ط دار الفكر العربي ، وفي سلسلة مخطوطات الفاطميين / ٣ ، وفي كتاب المحاسن والمساويء للبيهقي الشافعي ط النعساني ١٣٢٥ هـ ، وغيرهما من المصادر.

١٨٤

فقال الشامي : إنّهم والله ما ينكرون قرابته وسابقته ، غير أنّهم يزعمون أنّه قتل الناس. وإنّما جئتك لأسألك عن عليّ وقتاله أهل لا إله إلاّ الله ، لم يكفروا بقبلة ولا قرآن ولا بحج ولا بصيام رمضان.

فقال ابن عباس : ثكلتك أمّك ، سلّ عما يعنيك ولا تسأل عمّا لا يعنيك.

فقال يا ابن عباس : ما جئت أضرب إليك من حمص لحج ولا لعمرة ، ولكن جئتك لأسألك لتشرح لي من أمر عليّ وقتاله أهل لا إله إلاّ الله؟

فقال ابن عباس : ثكلتكم أمهاتكم ، إنّ عليّاً أعرف بالله عزوجل وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبحكمهما منكم ، فلم يقتل إلاّ مَن استحق.

قال : يا ابن عباس إنّ قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ، ولا يسعك أن تردّني بغير حاجتي ، فإنّ القوم هالكون في أمره ، ففرّج عنهم فرّج الله عنك.

فقال ابن عباس : ويحك إنّ علم العالِم صعب ولا يحتمل ولا تقبله القلوب ، ولا تقرّ به قلوب أكثر الناس ، إلاّ قلب من عصمه الله ، يا أخا أهل الشام ، إنّما مثل عليّ في هذه الأمّة في فضله وعمله كمثل موسى والعالم ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ )(١) ، فظن موسى عليه‌السلام أنّه بلغ غاية العلم ، كما ظننتم أنّ علماءكم قد بلغوا ذلك أثبتوا لكم جميع الأشياء ، فأراه الله عزوجل عجزه بإمتحان العالم إياه وصحبته له ، فلمّا انتهى موسى إلى ساحل البحر لقي العالم فاستنطقه فأقّر له

____________

١ ـ الأعراف / ١٤٥.

١٨٥

بفضل علمه ولم يحسده كما حسدتم أنتم عليّاً ، في عمله : ( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً )(١) ، فعلم العالم أنّ موسى لا يطيق صحبته ، ولا يصبر على علمه ، فقال له العالم : ( قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً _ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً )(٢) ، قال موسى وهو يعتذر : ( قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً )(٣) ، فعلم أنّ موسى لم يصبر على علمه ، فقال له : ( قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً _ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا )(٤) ، فلمّا خرق العالم السفينة عن علم بذلك ، كان خرقه إياه برضى الله عزوجل ، ولأهلها صلاحاً ، وسخط موسى عليه‌السلام وجهله ، وكان عند موسى عليه‌السلام سخطاً وفساداً ، فلم يصبر عليه‌السلام وترك ما ضمن له ، فقال : ( أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً )(٥) ، ( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً )(٦) ، ( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً )(٧) ، فكفّ عنه العالم : ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ )(٨) ، وقتل العالِم الغلام عن علم ، فكان قتله

____________

١ ـ الكهف / ٦٦.

٢ ـ الكهف / ٦٧ ـ ٦٨.

٣ ـ الكهف / ٦٩.

٤ ـ الكهف / ٧٠ ـ ٧١.

٥ ـ الكهف / ٧١.

٦ ـ الكهف / ٧٢.

٧ ـ الكهف / ٧٣.

٨ ـ الكهف / ٧٤.

١٨٦

لله عزوجل رضى ولأبويه صلاحاً ، وكان عند موسى ذنباً عظيماً ، وسخط موسى عليه‌السلام وجهله ، قال موسى ولم يصبر : ( قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً )(١) ، قال العالِم : ( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً )(٢) ، ( قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً )(٣) ، ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً )(٤) ، ( قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ )(٥) ، وكان العالم أعلم بما يأتي من موسى عليه‌السلام ، وكبر على موسى عليه‌السلام الحق وعظم ، إذ لم يكن يعرفه.

هذا وهو نبيّ مرسل من أولي العزَم ، ممن قد أخذ الله عزوجل ميثاقه على النبوة ، فكيف أنت يا أخا أهل الشام وأصحابك؟

إنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لم يقتل إلاّ من كان يستحلّ قتله ، ولله رضى ، ولأهل الجهالة من الناس سخطاً. أجلس أخبرك الذي سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاينته :

أخبرك : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج زينب بنت جحش فأولم ، وكان في وليمته الحيس ، فكان يدعو عشرة عشرة من المؤمنين ، فكانوا إذا أصابوا

____________

١ ـ الكهف / ٧٤.

٢ ـ الكهف / ٧٥.

٣ ـ الكهف / ٧٦.

٤ ـ الكهف / ٧٧.

٥ ـ الكهف / ٧٨.

١٨٧

طعام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أستأنسوا إلى حديثه ، وأشتهوا النظر إلى وجهه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشتهي أن يخففوا عنه فيخلوا له المنزل ، لأنّه كان حديث عهد بعرس ، وكان محبّاً لزينب ، وكان يكره أذى المؤمنين ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه قرآناً ، قوله عزوجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً )(١) ، فكانوا إذا أصابوا طعاماً لم يلبثوا أن يخرجوا.

قال : فمكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أيام ولياليهن ، ثم تحوّل إلى أم سلمة بنت أبي أمية ، وكانت ليلتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصبيحة يومها ، فلمّا تعالى النهار وانتهى عليّ بن أبي طالب إلى الباب يريد الدخول على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنقر نقراً خفيّاً ، فعرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقره ، فقال : ( يا أم سلمة قومي فافتحي الباب ) ، فقالت : يا رسول الله مَن هذا الذي يبلغ خطره أن أفتح له الباب ، وقد نزل فينا بالأمس حيث يقول : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ )(٢)؟ من هذا الذي بلغ من خطره أن أستقبله بمحاسني ومعاصمي؟

____________

١ ـ الأحزاب / ٥٣.

٢ ـ الأحزاب / ٥٣.

١٨٨

فقال لها نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كهيئة المغضب : ( يا أم سلمة إنّ طاعتي طاعة الله عزوجل ، قال : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )(١) ، قومي يا أم سلمة وافتحي له الباب ، فإنّ بالباب رجلاً ليس بالخرق ولا النزق ، ولا بالعجل في أمره ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله. يا أم سلمة إنّه إن تفتحي له الباب فليس بفاتحه حتى تتواري ، آخذ بعضادتي الباب فلا يدخل البيت حتى يخفى عليه الوطء إن شاء الله ).

فقامت أم سلمة وهي لا تدري من بالباب غير أنّها قد حفظت المدح ، فمشت نحو الباب وهي تقول : بخ بخ لرجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ففتحت ، وتمسك عليّ بعضادتي الباب ، فلم يزل قائماً حتى غاب عنه الوطء ، ودخلت أم سلمة خدرها ، ففتح الباب ودخل ، فسلّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فردّ عليه‌السلام ، وقال : ( يا أم سلمة هل تعرفين هذا؟ ) قالت : نعم ، فهنيئاً له هذا عليّ ابن أبي طالب ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( نعم ، صدقتِ هو عليّ ، سيط لحمه بلحمي ، ودمه بدمي ، وهو بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي.

يا أم سلمة إسمعي واشهدي : هذا عليّ سيد مبجّل مؤمل المسلمين وأمير المؤمنين ، وهو موضع سري وعيبة علمي ، وبابي الذي أوتى منه ، وهو الوصي على الأموات من أهل بيتي ، والخليفة على الأحياء من أمتي ، وهو أخي في الدنيا والآخرة ، وهو معي في السنام الأعلى.

اشهدي يا أم سلمة إنّ عليّاً يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ).

____________

١ ـ النساء / ٨٠.

١٨٩

قال ابن عباس : وقتلهم لله رضى ، وللأمة صلاح ، ولأهل الضلالة سخط.

قال الشامي : يا بن عباس من الناكثون؟

قال : الذين بايعوا عليّاً بالمدينة ثم نكثوا فقاتلهم بالبصرة ، أصحاب الجمل ، والقاسطون معاوية وأصحابه ، والمارقون أهل النهروان ومن معهم.

قال الشامي : يا بن عباس ملأت صدري نوراً وحكمة ، وفرّجت عني فرّج الله عنك ، أشهد أنّ عليّاً رضي‌الله‌عنه مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ) (١).

٤ ـ مع الأعرابي حديث الإسلام.

أخرج العاصمي في ( زين الفتى ) بسنده عن الأصبغ بن نباتة ، قال :

( أسلم إعرابي على يدي أمير المؤمنين عليه‌السلام فخلع عليه حلتين ، وخرج الإعرابي من عنده فرحاً مستبشراً وبحضرة الباب قوم من الخوارج ، فلمّا أن نظروا إلى الإعرابي وفرحه بإسلامه على يدي عليّ حسدوه على ذلك ، وقال بعضهم لبعض : أما ترون فرح هذا الأعرابي بإسلامه ، فقالوا : لنزلّه عن ولايته

____________

١ ـ فضائل ابن شادان / ١٠٦ ط حجرية ، اليقين لابن طاووس / ١٠٦ و ١٢٩ ط الحيدرية ( الأولى ) ، الدر النظيم في مناقب الأئمة الهاميم في فضائل علي عليه‌السلام ( مخطوط ) / ٢١٧ ـ ٣١٩ طبع قم. مصباح الأنوار محمد بن هاشم / باب ٣٦ ( مخطوط ). كتاب الهمة في أداب أتباع الأئمة للقاضي النعمان المصري / ٧٥ ط دار الفكر العربي ، مصر. شرح الأخبار في فضائل الأطهار للقاضي النعمان المصري٢ / ١٩٧ط مؤسسة النشر الإسلامي قم. بحار الأنوار ٥ / ٢٩٤ ط حجرية ، و ٨ / ٤٦٤ ط حجرية. المحاسن والمساوي ١ / ٣٠ ، للبيهقي ، مناقب الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ١ / ٤٢٥ ـ ٤٢٨ ، علل الشرائع ١ / ٥٤ وهو الحديث الثالث من الباب ٥٤ وغير ذلك.

١٩٠

عن إمامته ، فأقبلوا بأجمعهم عليه وقالوا له : يا أعرابي من أين أقبلت؟

قال : من عند أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قالوا : وما الذي صنعت عنده؟

قال : أسلمت على يديه.

قالوا : ما أصبت رجلاً تسلم على يديه إلاّ على يدي رجل كافر؟!

فلما سمع ذلك الإعرابي غضب غضباً شديداً ، وثار القوم في وجهه ، وقالوا : لا تغضب بيننا وبينك كتاب الله ، فقال : أتلوه ، فتلا بعضهم : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً )(١).

فقال لهم الأعرابي : ويلكم فيمن هذه الآية؟

قالوا : في صاحبك الذي أسلمت على يديه.

فإزداد الأعرابي غضباً ، وضرب بيده إلى قائم سيفه وهمّ بالقوم ، ثم رجع إلى نفسه ، وكان عاقلاً ، فقال : والله لاعجلت على القوم وأسأل عن هذا الخبر ، فإنّ كان كما يقولون خلعت عليّاً ، وإن كان على خلاف ما يقولون جالدتهم بالسيف إلى أن تذهب نفسي.

قال : فأتى ابن عباس وهو قاعد في مسجد الكوفة ، فقال : السلام عليك يا ابن عباس.

قال له ابن عباس : وعليك السلام.

____________

١ ـ النساء / ١٣٧.

١٩١

قال : ما تقول في أمير المؤمنين؟

قال : أيّ الأمراء تعني يا أعرابي؟

قال : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : وكان ابن عباس متكئاً فاستوى قاعداً ، ثم قال : لقد سألت يا أعرابي عن رجل عظيم يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ذاك والله صالح المؤمنين ، وخير الوصيين ، وقامع الملحدين ، وركن المسلمين ، ويعسوب المؤمنين ، ونور المهاجرين ، وزين المتعبدين ، ورئيس البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين ، وسراج الماضين ، وأوّل السابقين ، من آل ياسين ، المؤيد بجبرئيل الأمين ، والمنصور بميكائيل المتين ، والمحفوظ بجند السماء أجمعين ، والمحامي عن حرم المسلمين ، ومجاهد أعدائه الناصبين ، ومطفي نيران الموقدين ، وأصدق بلابل الناطقين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، عين رسول ربّ العالمين ، ووصي نبيّه في العالمين ، وأمينه على المخلوقين ، وقاصم المعتدين ، وجزار المارقين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكم العابدين ، وناصر دين الله في أرضه ، وولي أمر الله في خلقه ، وعيبة علمه ، وكهف كتبه ، سمح سخي ، سند حبّي ، بهلول بهيّ ، سنحنح جوهري ، زكي رضي ، مطهر أبطحي ، باسّل جري ، قرم همام ، صابر صوام ، مهذب مقدام ، قاطع الأصلاب ، عالي الرقاب ، مفرق الأحزاب ، المنتقم من الجهال ، المبارز للأبطال ، الكيّال في كلّ الأوصال ، أضبطهم عناناً ، وأثبتهم جناناً ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدّهم شكيمة ، وأسدّهم نقيبة ، أسدٌ بازل ، صاعقة برقة ، يطحنهم في الحروب إذا أزدلفت الأسنّة

١٩٢

وقرّبت الأعنّة ، طحن الرحى بثفالها ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، باسل بازل صنديد ، هزبر ضرغام ، عازم عزّام ، خطيب حصيف محجاج ، مقول ثجّاج ، كريم الأصل ، شريف الفضل ، نقيّ العشيرة ، فاضل القبيلة ، عبل الذراع ، طويل الباع ، ممدوح في جميع الآفاق ، أعلم من مضى وأكرم من مشى ، وأوجب من والى بعد النبيّ المصطفى ، ليث الحجاز ، وكبش العراق ، مصادم الأبطال ، المنتقم من الجهال ، زكي الركانة ، منيع الصيانة ، صلب الأمانة ، من هاشم القمقام ، ابن عم نبيّ الأنام ، السيد الهمام ، الرسول الإمام ، مهدي الرشاد ، المجانب للفاسد ، الأشعث الحائم ( الكاظم ظ ) ، والبطل المحاجم ( المهاجم ظ ) ، والليث المزاحم ، بدريّ أُحديّ ، خيَفيّ مكيّ مدني ، شعشعاني روحاني نوراني ، له من الجبال شوامخها ، ومن الهضاب ذراها ، وفي الوغى ليثها ، ومن العرب سيدها ، الليث المقدام ، والبدر التمام ، والماجد الهمام ، مجل الحرمين ، ووارث المشعرين ، وأبو السبطين الحسن والحسين ، من أهل بيت أكرمهم الله بشرفه ، وشرّفهم بكرمه ، وأعزّهم بهداه ، وخصّهم لدينه ، استودعهم سره ، واستحفظهم علمه ، عمداء لدينه ، وشهداء على خلقه ، وأوتاد أرضه ، ونجباء ( ظ ) في علمه ، إختارهم وإصطفاهم وفضلهم وإجتباهم علماء لعباده ، وأدلاء على الصراط المستقيم ، فهم الأئمة الدعاة ، والسادة الولاة ، والقادة الحماة ، والخيرة الكرام ، والقضاة والحكام ، والنجوم والأعلام ، القدوة الهادية ، والقدرة العالية ، والأسرة الصافية ، الراغب عنهم مارق واللازم بهم لاحق ، هم الرحمة الموصولة والآية المخزونة ، والباب المبتلى به الناس ، من أتاهم نجا ومن نأى عنهم هوى ، حطة لمن

١٩٣

دخلهم ، وحجة على من تركهم ، هم الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، تتصدع عنهم الأنهار المتشعبة ، وتنغلق عنهم الأقاويل الكاذبة ، يفوز من ركبها ويغرق من جانبها ، هم الحصن الحصين ، والنور المبين ، وهدى لقلوب المهتدين ، والبحار السابغة للشارين ، وأمان لمن تبعهم أجمعين ، إلى الله يدعون ، وبأمره يعملون ، وإلى آياته يرشدون ، فبهم يؤيد رسله ، وعليهم هبطت ملائكته ، وإليهم بعث الروح الأمين ، فضلاً من ربه ورحمة ، فضلهم بذلك ، وخصهم وضربهم مثلاً لخلقه ، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين من اليمن والبركة ، فروع الطيبة ، وأصول مباركة ، معدن الرحمة ، وورثة الأنبياء ، بقية النقباء ، وأوصياء الأوصياء ، فيهم الطيب ذكره المبارك اسمه أحمد الرّضي ، ورسوله الأمّي ، من الشجرة المباركة ، صحيح الأديم ، واضح البرهان ، والمبلّغ من بعده تبيان التأويل ومحكم التفسير ، عليّ بن أبي طالب عليه من الله الصلاة الرضية والزكاة السنية ، لا يحبّه إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضه إلاّ منافق شقي.

قال : فلمّا سمع الأعرابي ذلك ضرب يده إلى قائم سيفه وقام مبادراً ، فضرب ابن عباس يده إليه ، وقال : إلى أين يا أعرابي؟

قال : أجالد القوم أو تذهب نفسي.

قال ابن عباس : أقعد يا أعرابي فإنّ لعليّ محبين لو قطعتهم إرباً أرباً ما أزدادوا له إلاّ حبّاً ، وإنّ لعليّ مبغضين لو ألعقتهم العسل ما أزدادوا إلاّ بغضاً.

قال : فقعد الأعرابي وخلع عليه ابن عباس حلتين حمراويين ) (١).

____________

١ ـ زين الفتى ، ونقله المحمودي في نهج السعادة / ٣٨١ ـ ٣٨٣ من الوصايا ط النعمان ١٣٨٥.

١٩٤

٥ ـ حديثه مع تسعة رهط يفسدون في الأرض.

هذا حديث صحيح السند ، وعظيم المتن ، لإشتماله على عشر فضائل للإمام أمير المؤمين عليه‌السلام خاصة به ، لا يشاركه فيها أحد من غير أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. ومن تلك الفضائل حديث الولاية الذي فيه الدلالة الواضحة والقاطعة على أنّه الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ ابن عباس وهو حبر الأمة وترجمان القرآن ، ذكر تلك الخصائص وهو في مقام إلزام الخصم بما هو معلوم لديه ولديهم ، وثابت عنده وعند المسلمين ، ولو لم يكن كذلك لردّ عليه بعض السامعين قوله وإستدلاله ، لكنهم أخبتوا بصحته ، وخضعوا لدلالته ، ولمّا كانت الخصائص العشر التي ذكرها ابن عباس لها دلالاتها على مطلوبه ، وعدم ردّ أحد عليه في ذلك ، فهي تستحق الإهتمام بها ، وإشباع البحث عنها بمفرداتها ، وذكر ما ورد منها من غير رواية ابن عباس لها من رواية سائر الصحابة ، لهذا سأذكر حديث ابن عباس رحمة الله سياقة واحدة بمصادره التي نيّفت على العشرين ، ثم أعود إلى تفريد كلّ منقبة منقبة مقارنة بما رواه غير ابن عباس من الصحابة في جزء خاص فيما جاء عن ابن عباس في ذكر أهل البيت عليهم‌السلام يأتي في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

والآن فإلى الحديث كاملاً برواية الحافظ النسائي المتوفى سنة ( ٣٠٣ هـ ) في ( الخصائص ) ، وفي ( السنن الكبرى ) ، ذكر قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّ الله جلّ ثناؤه لا يخزيه أبداً ) :

١٩٥

( أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا الوضّاح وهو أبو عوانة ، قال : حدثنا أبو بلج ( يحيى ) بن أبي سليم ، قال : حدثنا عمرو بن ميمون ، قال : إنّي لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط.

فقالوا : يا ابن عباس ، إمّا أن تقوم معنا ، وإمّا أن تخلونا هؤلاء؟

فقال ابن عباس : بل أقوم معكم ـ قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى ـ.

قال : فانتدوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا.

قال : فجاء ابن عباس وهو ينفض ثوبه ، ويقول : أفّ وتفّ ، وقعوا في رجل له عشر خصال ، وقعوا في رجل قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لأبعثنّ رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، لا يخزيه الله أبداً ) ، قال : فاستشرف لها من استشرف ، فقال : ( أين ابن أبي طالب )؟ قيل : هو في الرحا يطحن ، قال : ( وما كان أحدكم ليطحن )؟ قال : فدعاه وهو أرمد لا يكاد يبصر ، فنفث في عينيه ، ثم هزّ الراية ثلاثاً فدفعها إليه ، فجاء بصفية بنت حُيّي.

وبعث أبا بكر بسورة التوبة وبعث عليّاً خلفه فأخذها منه ، فقال : قال النبيّ : ( لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه ).

وقال : وقال لبني عمّه : ( أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة ) ـ قال : وعليّ معه جالس ـ فقال عليّ : أنا أواليك في الدنيا والآخرة.

قال : وكان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة.

قال : وأخذ رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين ، فقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ

١٩٦

أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )(١).

قال : وشرى عليّ نفسه ، لبس ثوب النبيّ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ثم نام مكانه.

قال : وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ، فجاء أبو بكر وعليّ نائم ـ قال ـ وأبو بكر يحسبه أنّه نبيّ الله ـ قال : فقال له عليّ : إنّ نبيّ الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون ، فأدركه ، قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ، قال : وجعل عليّ يُرمى بالحجارة كما كان يُرمى نبيّ الله وهو يتضوّر قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف عن رأسه ، فقالوا : إنّك للئيم ، كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر ، وأنت تتضوّر ، وقد استنكرنا ذلك ( منك ).

قال : وخرج بالناس في غزوة تبوك ـ قال ـ فقال له عليّ : أخرج معك؟ فقال له نبيّ الله : ( لا ) ، فبكى عليّ ، فقال له ( النبيّ ) : ( أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّك لست بنبيّ ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي ).

قال : وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ).

قال : وسدّ أبواب المسجد غير باب عليّ ، قال : فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.

قال : وقال : ( من كنت وليّه فعليّ وليّه ).

____________

١ ـ الأحزاب / ٣٣.

١٩٧

قال : وأخبرنا الله عزوجل في القرآن أنّه قد رضي عنهم ـ يعني ـ عن أصحاب الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فهل حدثنا أنّه سخط عليهم بعدُ؟

قال : وقال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر حيث قال : أئذن لي فلأضربن عنقه ـ قال : ( أوكنت فاعلاً؟ وما يدريك لعلّ الله قد أطلّع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) (١).

تعقيب على الحديث

١ ـ لقد ورد في بعض مصادر الحديث ، أنّه قال : ( وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليس لأحد غيره ). كما في رواية الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ) وصححه (٢) ، كما أنّ الذهبي أقره في تلخيصه على روايته وتصحيحه ، وكذلك الخوارزمي في ( المناقب ).

٢ ـ لقد ورد الحديث في كثير من المصادر الآّتي ذكرها ، ولدى المقارنة نجد التفاوت في سياق الفضائل وترتيبها ، فبعض يقدّم فضيلة نجدها عند آخر مؤخرة ، وهذا لا يضر بصحة الحديث ، وإنّما هو من جهة حفظ الرواة وتفاوتهم في ذلك زماناً ومكاناً وحفظاً وضبطاً.

٣ ـ مصادر الحديث في التراث السني في الكتب التالية التي ذكرت الحديث بتمامه :

____________

١ ـ الخصائص / ٦٩ تح المحمودي ، السنن الكبرى ٥ / ١١٢.

٢ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

١٩٨

(١) كتاب مسند أحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ هـ ) ، بتحقيق شاكر ٥ / ٢٥ ، برقم ٣٠٦٢ و ٣٠٦٣ ، بسند آخر ط مصر.

(٢) كتاب فضائل الصحابة له أيضاً ( مناقب الإمام عليه‌السلام ) ٢ / ٦٨٢ برقم١١٦٨ ، بتحقيق وصي الله بن محمد عباس ط جامعة أم القرى بمكة المكرمة ١٤٠٣ هـ.

(٣) كتاب ( أنساب الأشراف ) للبلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) ٢ / ١٠٦ ، بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي ط مؤسسة الأعلمي بيروت ١٣٩٤ هـ.

(٤) كتاب السنة لابن أبي عاصم ( ت ٢٨٧ هـ ) ، أورد الحديث في ( باب ذكر ما ذكر في فضائل علي رضي‌الله‌عنه ) ص٥٦٢ برقم١٣٥١.

(٥) كتاب السنن الكبرى للحافظ النسائي ( ت ٣٠٣ هـ ) ، أورد بعض الحديث في ذكر قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ : ( إنّ الله جلّ ثناؤه لا يخزيه أبداً ).

(٦) كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام للنسائي أيضاً ، أورد الحديث في ذكر قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ ( إنّ الله جلّ ثناؤه لا يخزيه أبداً ) ، والكتاب مطبوع كثيراً محققاً وغير محقق ، منذ سنة ١٣٠٣ هـ وحتى سنة ١٤٢٦ هـ فله أكثر من عشر طبعات على ما رأيت.

(٧) كتاب ( المستدرك على الصحيحين ) للحاكم النيسابوري ( ت ٣٤٩ ) ذكره بإسناده ، ثم قال : ( وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه بهذه ) ، ثم قال : ( وقد حدثنا السيد الأجل أبو يعلى حمزة بن محمد الزيدي رضي‌الله‌عنه ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أميرويه القزويني القطان ، قال : سمعت أبا

١٩٩

حاتم الرازي يقول : كان يعجبهم أن يجدوا الفضائل من رواية أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه ).

(٨) كتاب ( المعجم الكبير ) للحافظ الطبراني ( ت ٣٦٠ هـ ) في ١٢ / ٧٧ ـ ٧٨ ، بتحقيق حمدي السلفي ط الموصل ، وقد أخرج الطبراني بعض مفردات المناقب المذكورة في ( المعجم الأوسط ) ٣ / ٣٨٨ / ٢٨٣٦ ، كما أعاد حديث سد الأبواب في الكبير بسند آخر ، سنأتي على ذكره في محله من الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

(٩) كتاب ( مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ) للحافظ الموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي ( ت ٥٦٨ هـ ) في ٧٤ ـ ٧٥ ط حجرية١٣١٣ هـ.

(١٠) كتاب ( تاريخ دمشق ) ترجمة الإمام عليه‌السلام ، لابن عساكر الشافعي ( ت ٥٧١ ـ ٥٦٨ ) بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي١ / ١٨٢ ، بالأرقام التالية : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ـ ٢٥١ ط دار التعارف للمطبوعات ، بيروت.

(١١) كتاب ( الأربعين الطوال ) لابن عساكر أيضاً ، وقد رواه عنه الكنجي في الباب ٦٢ من كفاية الطالب.

(١٢) كتاب ( تذكرة خواص الأمة ) ، لسبط ابن الجوزي ( ت ٦٥٤ هـ ) ، ذكر بعض الحديث ممّا يتعلق بليلة الهجرة ٢١ط حجرية.

(١٣) كتاب ( كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) للحافظ الكنجي الشافعي ( ت ٦٥٩ ) ٢٤٠ ـ ٢٤٤ ط الحيدرية.

(١٤) كتاب ( ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ) للحافظ محب

٢٠٠