واستقرّ بي النّوى

السيّد محمّد بن حمود العمدي

واستقرّ بي النّوى

المؤلف:

السيّد محمّد بن حمود العمدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-191-5
الصفحات: ٨٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: image001

١

٢

دليل الكتاب

مقدمة المركز ...........................................................  ٥

مقدمة المؤلّف ...........................................................  ٩

شظايا فكر ............................................................  ٢٩

العصمة أم الشروط الأربعة عشر ؟ ........................................  ٤٤

النصّ وملابساته .......................................................  ٦٠

الطريق إلى الإمام .......................................................  ٧٠

واحة .................................................................  ٧٤

المراجع ...............................................................  ٧٦

٣
٤



بسم الله الرحمٰن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة علىٰ خاتم

المرسلين محمد وآله الغرّ الميامين

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم استنادُ الاُمّة إلىٰ قيمها السليمة ومبادئها الأصلية ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الاكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقىٰ وسائل التقنية الحديثة.

وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل نلحظ أن المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الاصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف ؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة عليهما‌السلام بأبهىٰ صورها وأجلىٰ مصاديقها.

هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيّد علي السيستاني ـ مد ظله ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمىٰ العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحوله تعالىٰ.

ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة

٥

الذي اُسس لاجل نصرة مذهب أهل البيت عليهما‌السلام وتعاليمه الرفيعة.

ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت عليهما‌السلام على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي مَنّ الله سبحانه وتعالىٰ بها عليهم ـ إلىٰ مطبوعات توزع في شتىٰ أرجاء العالم.

وهذا المؤلَّف « وإسقرّ بي النوىٰ » الذي يصدر ضمن « سلسلة الرحلة إلى الثقلين » مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكّد صحة هذا المدعىٰ.

علىٰ انّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكل معتنقي المذهب الحقّ بشتىٰ الطرق والأساليب ، مضافاً إلىٰ استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسنىٰ جمعها في كتاب تحت عنوان « التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت ».

سائلينه تبارك وتعالىٰ أن يتقبل هذا القليل

بوافر لطفه وعنايته

مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسون

٦



بسم الله الرحمٰن الرحيم

( قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ )

سورة يونس : ٣٥ ـ ٣٦

٧

٨



مقدمة المؤلّف :

يوم خُيِّرت بين الشامخين

لم يكن جديداً عليَّ هذه المرّة أيضاً أن أذعن للحقيقة التي وصلتُ إليها. فمنذ أن حدثتْ تلك العاصفة الهوجاءُ في حياتي سنة ١٤١٢ هـ (١) وأنا أبحث في المذاهب وأدرسُها وأرحل منها إليها !

لستُ أدري إلىٰ

أين يمضي القطار

خلتُ أن يكتفي كن

من حطام ونار

فانبرىٰ منكراً

فكرتي ذا القطار

إن نيرانه

من شظايا الفِكَر

وبما غيرها

ليس يحلو السفر (٢)

ولكنّ الجديد فيها هو هذا الاتصال الروحي بأبعادها المترامية وهذا العشق العرفاني بالاخلاص لها والهيام الروحاني بالسير في سبُلها.

_______________________

١) عندما تركتُ مدينة « صَعْدَة » التي كنتُ أدرس بها متجهاً نحو صنعاء متنقِّلاً بين محافلها الثقافية والفكرية باحثاً عن فكرةٍ أحمِلُها يُذعن لها عقلي وتطمئنُّ لها روحي.

٢) المقطع الاخير من قصيدة « شظايا فِكر » من ديوان « إلىٰ الله » للكاتب ( صاحب هذه السطور ) مخطوط.

٩

كنتُ قد اعتكفتُ ـ شِبْه اعتكاف !! لمدّة قصيرة ـ متصوِّفاً في جامع النهرين بصنعاء ممارساً ـ كما أسميتُ تلك المرحلة من حياتي ـ بـ « دور النقه الروحي » أمضي بعدها سبيلي في الصراع مع أمواج أفكار العالم وأطروحات صراع الحضارات ...!

حين أتىٰ ذلك الأخ المؤمن وقال لي : ما الذي أتىٰ بكَ إلى هنا ؟

قد سمعنا عنك أنك قد لويت عنانك لعالم الافكار الحديثة (١) والمنهج العلمي المادّي (٢) فما أنت وهذا المكان ؟!

قلتُ : لا عليك ، أنا كما سمعتَ ; إلّا أنّي أحببتُ أن أمرّ بدور « نقه روحي » لأتوثّبَ من جديد لمواصلة طريقي في عالم الفكر الحديث وطرحه العلميّ البحت ( التجريبي ) (٣).

_______________________

١) أردت بالأفكار الحديثة ما كان من قبيل الطرح الفلسفي المعاصر كفلسفة الأخلاق وفلسفة العلوم ومناهج ونظريات البحوث الابستمولوجية المعاصرة وحوار الأديان وحوار الحضارات أو صراعها و ...

٢) المنهج هو الطريق المتبوع ، وهو بالمعنى العلمي : مجموعة الاجراءات التي ينبغي اتخاذها بترتيب معين لبلوغ هدف معين ، وتتوقف طبيعة هذه الإجراءات وتفاصيلها على الغاية منها ، وتتنوع بتنوع العلوم ، وتختلف في العلم الواحد من عالم إلى عالم ومن عصر إلى عصر ... انظر : الموسوعة الفلسفية : ٤٧١.

وقصدت بوصف « المادّي » : المعنى الفلسفي للنزعة القائلة : بأن كلّ ما هو موجودٌ ماديٌّ ... انظر : الموسوعة الفلسفية المختصرة : ٢٨٤.

٣) التجريبية : تعاليم نظريّة المعرفة التي تذهب إلى أنّ التجربة الحسيّة هي المصدر الوحيد ، وتؤكّد أن كل معرفة تقوم على أساس التجربة ، ويتم بلوغها

١٠

قال : وما زلتَ في مطالعاتكَ كما كنت ؟

قلتُ : لا.

قال : وكيف تدير رحىٰ « نقهك الروحي » هذا إذن ؟

قلت : بما يعنيني ولا يعنيك !

قال : فهلاّ عرّجتَ على كتاب أو كتب للصوفيّة (١) تبهج روحك وتؤنس خلوتك ؟!

قلت : لي في كتاب الله سلوةٌ وعزاء !

قال : لجدّك الامام يحيىٰ بن حمزة (٢) كتابٌ اسمه « تصفية

_______________________

عن طريق التجربة. انظر : الموسوعة الفلسفية ( السوفياتية ) : ١١٠.

وحاولت ـ بربطي لـ « التجريبي » بـ « الفكر الحديث » ـ النظرَ إلى التجريبية المنطقية الحديثَة التي تقصر التجربة على المجموع الكلي للاحساسات أو الأفكار ، منكرة أنّ التجربة تقوم على أساس من العالم الموضوعي.

١) التصوف : مصدر الفعل الخماسي المصوغ من « صوف » للدلالة على لبس الصوف ، ومن ثم كان المتجرِّدُ لحياة الصوفيّة يُسمَّى في الإسلام صوفيّاً.

وورد لفظ « الصوفي » لقباً مفرداً لأوّل مرة في التاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي ، إذ نُعِتَ به جابر بن حيّان ، ولا يستطيع الباحث في تاريخ الصوفية أن يظفر بتعريف جامع مانع للتصوف.

ويقول الأنصاري ( ت ٩٢٩ ه‍ ) « التصوف علمٌ تُعرَفُ به أحوال تزكية النفوس ، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية. انظر : حقائق عن التصوف : ١٣ ، دائرة المعارف الاسلامية : ٥ / ٢٦٥ ، التصوّف منشؤه ومصطلحاته : ٢١.

٢) الإمام المؤيّد بالله أو المؤيّد بربّ العزّة يحيى بن حمزة بن علي ( ٦٦٩ ـ ٧٤٩ ه‍ )

١١

القلوب » (١) فلمَ لا تجعله « مُصفّياً لقلبك » ؟!

قلت : ذاك كتابٌ قرأتُه منذ زمن !

قال : « فإحياء علوم الدين » (٢).

_______________________

يُعتبر من أكابر أئمة الزيدية ، ويجعله الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه « الزيدية » : « قمة اللقاء » بين الزيدية والمعتزلة ، وألّف حوله كتاب « الامام المجتهد يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية » ، ادّعى يحيى بن حمزة الامامةَ سنة ( ٧٤٨ هـ ) ويُروى أن كراريس تصانيفه زادت على عدد أيام عمره ، وهو صاحب موقف سِلْميٍّ ـ إن لم يكن مدافعاً ـ في حقّ « الخلفاء » الذين تقدّموا جدَّه الامام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، وله مشربٌ معتزليٌّ ملحوظ ، من أهم كتبه : « الشامل » في علم الكلام ، و « الانتصار » في الفقه المقارن ـ وهو موسوعة فقهية ضخمة تقع في ١٨ مجلّداً ـ وله كتاب « تصفية القلوب من درن الأوزار والذنوب » يتصل نسب يحيى بن حمزة بالامام الجواد علي بن محمّد الهادي عليهما‌السلام ( الامامين العاشر والتاسع من أئمة أهل البيت الإثني عشر عليهما‌السلام ) عن طريق جعفر بن الامام الجواد. انظر : التحف شرح الزلف : ١٨٥ ، لوامع الأنوار : ٢ / ٧٢ ، البدر الطالع : ٢ / ١٨٤ ، الأعلام : ٨ / ١٤٣ ، الموسوعة اليمنية : ٢ / ١٠١٩ ، أعيان الشيعة : ١٠ / ٢٨٩.

١) « تصفية القلوب عن درن الأوزار والذنوب » لأبي إدريس يحيى بن حمزة « المؤيد بالله » كتابٌ يتناول الأخلاق الفاضلة والأوصاف الحميدة ، وهو ـ كما قيل ـ على نمط « إحياء علوم الدين ـ للغزالي » مرتب في عشر مقالات ، طبع بتحقيق إسماعيل بن أحمد الجرافي ـ المكتبة السلفية ـ القاهرة ١٩٨٥ ، وطبع ـ مؤخراً ـ بتحقيق سلفيٍّ للأهدل.

٢) كتاب « إحياء علوم الدين » : من كتب المواعظ ، رتّبه مؤلّفه أبو حامد محمّد بن محمّد الغزّالي الشافعي ( ٥٠٥ ) على أربعة أقسام : ربع العبادات وربع العادات وربع المهلكات وربع المنجيات في كلٍّ منها عشرة كتب ... ، طبع مراراً.

١٢

قلت : الحقُّ أنّي بين الفينة والأُخرىٰ أُقلّب صفحات أحد مجلّداته وأقرؤها !

قال : فهل لك إلى كتاب آخر أعطيكه لترىٰ ما فيه من تهذيبٍ للنفس وسير بها في معارج العرفان ؟

قلتُ : لا بأس !

قال : آتيك به.

* * *

وبعد يومين أو ثلاثة جاءَ وأعطاني كتاباً عرفانياً من كتب الشيعة الإثني عشرية (١).

_______________________

١) « والشيعة : القوم الذين يجتمعون على أمر ، وكل قوم اجتمعوا على أمرٍ فَهُمْ شيعة ، وكل قوم أمرُهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض ... قال الزجاج : والشيعة أتباع الرجل وأنصاره ... قال الأزهري : والشيعة قوم يهوون هوىٰ عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوالونهم. وقد غلب هذا الاسم على من يتولّى عليّاً وأهل بيته ( رضوان الله عليهم أجمعين ) حتى صار لهم اسماً خاصّاً ، فإذا قيل : فلانٌ من الشيعة عُرِفَ أنه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا ، أي عندهم ، وأصل ذلك من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة » انظر : التشيّع نشأته معالمه : ٢٤ ، لسان العرب : ٨ / ١٨٨ ـ ١٨٩.

« ولقد استعمل القرآن الكريم كلمةَ الشيعة بمعنى الأنصار والأتباع الفكريين فقال : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) الصافات : ٨٣ » التشيع : ٢٤.

« [ التشيّع ] على التخصيص لا محالة لأتباع أميرالمؤمنين [ عليّ بن أبي طالب ] صلوات الله عليه على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول

١٣

..........................................................................

_______________________

ـ صلوات الله عليه وآله ـ بلا فصل ونفي الإمامة عمّن تقدّمه في مقام الخلافة ... » : أوائل المقالات : ٢.

« الشيعة : هم الذين شايعوا علياً رضي‌الله‌عنه على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصيّةً ، إمّا جليّاً ، وإمّا خفيّاً ، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقية من عنده ، وقالوا : ليست الإمامة قضيّة مصلحيّة تناط باختيار العامة ، وينتصب الإمام بنصبهم ، بل هي قضية أصولية ، وهي ركن الدين ... » الملل والنحل للشهرستاني : ١٤٦ ـ ١٤٧.

« والشيعة : ثلاث فرق : زيدية ، وإمامية ، وباطنية » الملل والنحل لابن المرتضى ( مقدمة كتاب البحر الزخّار ) : ٤٠.

« وإذا ثبت ما بيّناه بالسمة بالتشيّع ـ كما وصفناه ـ وجبت للإماميّة والزيديّة الجارودية من بين سائر فرق الأمة ... » أوائل المقالات : ٣.

« ... والعمدة في التشيّع مذهب الزيدية وعدلية الإمامية ... » الشافي لابن حمزة : ١ / ١٣٩.

والإثنا عشرية هم الإماميّة القائلون بوجود النصّ على اثني عشر إماماً ـ بعد الرسول ـ نصّ عليهم هو نفسه صلوات الله عليه وآله.

« باب الفرق بين الإماميّة وغيرهم من الشيعة وسائر أصحاب المقالات : فأمّا السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كلّ زمان ، وأوجب النصّ الجليّ والعصمة والكمال لكلِّ إمام ، ثمّ حصرَ الإمامةَ في وُلْد الحسين بن علي عليهما‌السلام وساقها إلى الرضا عليّ بن موسى عليهما‌السلام ، لأنّه ـ وإن كان عَلَماً على من دان من الأصول بما ذكرناه ، دون التخصيص لمن قال في الأعيان بما وصفناه ـ فإنه قد انتقل عن أصله لاستحقاق فرقٍ من معتقديه ألقاباً بأحاديث لهم بأقاويل

١٤

كان كتاباً عجيباً ! ، كنت « أغرق » في « بحوره » ساعات وساعات وهو يذهب بي ذات اليمين وذات الشمال ... ، ومنتقىٰ القول أنه كان عاصفةً في

_______________________

أحدثوها فغلبتْ عليهم في الاستعمال دون الوصف بالإمامية ، وصار هذا الاسم ـ في عُرْف المتكلّمين وغيرهم من الفقهاء والعامّة ـ علماً على من ذكرناه » أوائل المقالات : ٤.

« واتفقت الإمامية على أنّ الأئمة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر إماماً ... » أوائل المقالات : ٦.

« مذهب الإمامية هو أحد المذاهب الإسلامية الكلامية والفقهية .. يرجع في انتمائه العقيدي والفكري إلى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وبه سمّي بالإمامي وأتباعه بالإمامية ، وقد يُسمّى بالمذهب الجعفري نسبةً إلى الإمام السادس من أئمة أهل البيت عليهما‌السلام : أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام المتوفى سنة ١٤٨ ه‍ ، وذلك لوفرة عطائه الفكري بالنسبة إلى بقية الائمة من أهل البيت عليهما‌السلام ، ولأنه عاش فترة انطلاقة الفكر الكلامي والخلافات الفكرية في مفاهيم العقيدة وشؤونها الأخرى ، وبروز أعلام الفكر الكلامي ومدارسه الأولى كالجبرية والمعتزلة ، وفترة توسع الفكر الفقهي وظهور أصحاب المذاهب الفقهية أمثال : مالك بن أنس وأبي حنفية ، حيث كان المسلمون آنذاك يتمايزون بالانتماء ، فيقال : هذا من أتباع المذهب الكلامي المعين أو المذهب الفقهي المعيّن.

ويعرف هذا المذهب أيضاً بمذهب الإمامية الإثني عشرية في مقابلة المذهبين الشيعيين الآخرين : الزيدي والإسماعيلي اللذين تستمر الإمامة ـ في اعتقادهما ـ متجاوزة الحصر بعدد معين.

ويطلق عليه ـ غالباً ـ المذهب الشيعي لكثرة أتباعه مقارنةً بأتباع المذهبين الشيعيين الآخرين الزيدي والإسماعيلي.

ويشكل الشيعة الإمامية ـ في الوقت الحاضر ـ نصف مسلمي آسيا وثلث مسلمي العالم » مذهب الإمامية : ٧ ـ ٨.

١٥

حياتي هوجاء لا أرىٰ مجالاً متّسعاً للاستطراد في تسطيرها !

وبعدها بأيام جاءني ذلك الاخ بكتابٍ آخر حول جهاد النفس.

وحصلتُ بعدها علىٰ كتب أُخرى في تهذيب النفس ، ويالتلك الذكريات العذبة التي مازالت مخيّلتي تحتفظ بها عن تلك الأيّام.

* * *

انقضت فترة وجيزة و « غرَقي » في تلك الكتب كان قد بلغ مداه ، ولما وصلتُ إلىٰ الساحل قلت : من أين أتىٰ كاتب تلك الكتب بما في تلك الكتب !؟

إنّه لم يكن ليأتيَ بشيء من عنده ومن جعبته الخاصة !!

كلّ ما هناك أنوارٌ وأحاديث لأهل البيت عليهما‌السلام.

وأغرقتُ في التساؤل والاستعجاب !

قلت : ولكن أوليس « المؤلّف » من « الإثني عشرية » وهم من هم في مخالفتهم لعقائد « الزيدية » (١) الحقّة !؟

_______________________

١) الزيديّة : « أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها ، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم ، إلّا أنهم جوّزوا أن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة ، أن يكون إماماً واجب الطاعة. سواءاً كان من أولاد الحسن ، أو من أولاد الحسين رضي الله عنهما ...

وهم أصناف ثلاثة : جارودية ، وسليمانية ، وبتريّة » الملل والنحل : ١ / ١٥٤ ـ ١٥٧.

١٦

..........................................................................

_______________________

« وأمّا الزيديّة فهم القائلون بإمامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين وزيد بن علي عليهم‌السلام وبإمامة كل فاطمي دعى إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ومن أهل العلم والشجاعة وكانت بيعته على تجريد السيف للجهاد » أوائل المقالات : ٤.

« [ عبدالله بن حمزة ] : وكلّ آبائنا عليهم السلام زيدٌ إمامُه لأنه ـ عندنا أهل البيت ـ إمام الائمة لفتحه باب الجهاد.

وزيد بن علي ومحمد بن علي وعبدالله بن الحسين وإبراهيم بن الحسن ، لم يختلفوا في حرف واحد من أصول دينهم ، فلما قام زيد بن علي عليهما‌السلام ـ دونهم ـ على أئمة الجور تبعه فضلاء أهل البيت عليهم‌السلام في القيام.

فقال محمد بن عبدالله النفس الزكية عليه‌السلام : ألا إن زيد بن علي فتح باب الجهاد وأقام الحجة وأوضح المحجة ولن نسلك إلّا منهاجه ولن نقفوا إلّا أثره ...

فأقول : أخبرني أبي تلقيناً وحكايةً عن العدل والتوحيد وصدق الوعد والوعيد ... والنبوة والإمامة لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ولولديه الحسن والحسين عليهما‌السلام بالنصّ ، وأن الإمامة بعدهما فيمن قام ودعا من أولادهما وسار بسيرتهما واحتذى حذوهما كزيد بن علي ومن حذا حذوه من العترة الطاهرة سلام الله عليهم واختصّت الفرقة هذه من العترة وشيعتهم بالزيدية ، وإلّا فالأصل علي عليه‌السلام والتشيّعُ له لخروج زيد بن علي عليه‌السلام على أئمة الظلم وقتالهم في الدين فمن صوَّبهم ـ من الشيعة ـ وصوّبه وحذا حذوه من العترة فهو زيدي ... » انظر : لوامع الأنوار : ١ / ٥٠٢ ـ ٥٠٣.

« ونسبة الزيدي إلى الزيدية تعني النسبة إلى الفكر الزيدي وهي نسبة انتماء واعتزاء ...

والحقيقة هي : أن المذهب الفقهي المعروف بالمذهب الزيدي في اليمن ... لم يكن

١٧

ولن نتجشّم العناءَ بعدما أوضح أمرهم « الإمام يحيىٰ بن حمزة » في كتابيه « الإفحام » (١) و « مشكاة الأنوار » (٢) وأدقُّ منه « الإمام عبد الله بن حمزة » (٣) في « العقد الثمين » (٤) وغيرهما وغيرها !!

_______________________

مذهب إمام معين ...

الزيدية لا تعتقد بأن الإمام زيد بن علي أولى بالتقليد من غيره كالإمام جعفر الصادق ...

إن هذه النسبة [ الزيدية ] لم يطلقها الإمام زيد على أتباعه ، ولا أطلقها ـ في البداية ـ أتباعه على أنفسهم ... » راجع : الزيدية نظرية وتطبيق : ١١ ـ ١٤.

١) كتاب « الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام » كتبه الإمام يحيى بن حمزة ردّاً على عقائد الباطنيّة ـ كما ظاهرٌ من اسمه ـ وفيه خلطٌ بينهم وبين الإمامية الإثنى عشرية ، طبع بتحقيق الدكتور علي سامي النشار وفيصل عون سنة ١٩٦٦ م ـ منشأة المعارف ـ الإسكندرية.

٢) كتاب « مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار » ليحيى بن حمزة ، هو كسابقه « الإفحام » ـ تقريباً ـ طبع بتحقيق الدكتور السيّد الجليند ، دار الفكر الحديث.

٣) الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان ( ٥٦١ ـ ٦١٤ ) من البلغاء والفصحاء والفقهاء ومن أشهر علماء وأئمة الزيدية في القرن السادس ، يعتبر كتابه « الشافي » من أهم كتب الزيدية ، ادّعى الامامة في ٥٩٤ ، حارب المطرفية وكفّرهم ـ وهم من الزيدية ـ لمخالفتهم له في الرأي وعدم مبايعتهم له ، انظر ترجمته في : التحف شرح الزلف : ١٦٤ ، الحدائق الوردية : ٢ / ١٣٣ ، الأعلام : ٤ / ٨٣ ، الموسوعة اليمنية : ٢ / ٦١٩.

٤) « العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين » كتابٌ في الفرق بين الزيدية والإمامية والردّ على الإمامية ، وهو كتابٌ مليءٌ بالشبه ، ولم يتحرّ مؤلّفه

١٨

وأعقبتْ ذلكم السؤال محاورات تَترىٰ بيني وبين نفسي ومخزوني الفكري والعقائدي والمذهبي.

كانت رياح توجّهي « الحديث » حينها تصرفه عن ما هو فيه إلّا أني كنتُ أرجعها إليه في مفارقات عدّة لا مجال لتسطيرها هنا !!

ومن ثمَّ رجعت في نهاية المطاف إلىٰ نفسي وقلت : أولستَ قد أخذت علىٰ نفسك عهداً أن لا تدع قول فرقةٍ في فرقةٍ قائدك ومقنعك إلا بعد « فحص » ما جاء عنها في كتبها ؟

أيقبلُ عقلُك أن يكون « للزيدية » هذه الردود والنقوض علىٰ مذهب الإثني عشرية وتظلُّ واقفةً حائرة لا تردّ ولا تدافع عن نفسها ، وهي من عرفتَ في ردودها علىٰ أهل السنّة (١) ودحض أقاويلهم عليها.

_______________________

عبدالله بن حمزة فيه ـ مع الأسف ـ الموضوعيةَ والدقّة ; كحال أكثر الكتب عند كثير من المذاهب والتي تؤلّف لهذا الغرض. والكتاب مازال مخطوطاً.

١) أهل السنة : « هم القائلون بخلافة أبي بكر وعمر عن استحقاق ويقابلهم الشيعة » المعجم الوسيط : ٤٥٦.

« أما لفظ « السنّة » فلم يظهر مقروناً بلفظ « الجماعة » في بادئ الأمر ، بل ظهر بمفرده أوّلاً في العهد الاُمَويّ أيضاً للتمييز بين المنتظمين في سلك « الجماعة » وبين الآخرين الذين مازالوا يؤمنون بقداسة الدين التي تأبى أن يكون رجال بني أمية هؤلاء زعماء له ناطقين باسمه ... » تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي : ٥٧٧.

وأهل السنة ـ في نظر البغدادي ( ٤٢٩ ) ـ ثمانية أصناف : الصفاتية من المتكلمين وأئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث والمحدّثون ( أهل الحديث )

١٩

وكم لهم من المؤلفات في ذلك !! اضرب بطرفك لا ترىٰ إلّا « الغدير » (١) و « عبقات الأنوار » (٢) و « إحقاق الحقّ » (٣) و « المراجعات » (٤) و ...

_______________________

وبعض النحاة والأدباء والقرّاء والزّهاد والمرابطون في الثغور وعامة البلدان التي غلب فيها شعار أهل السنة. انظر : الفرق بين الفرق : ٢٧٦.

١) كتاب « الغدير في الكتاب والسنة والأدب » كتابٌ ديني ، علمي ، فني ، تأريخي أدبي ، أخلاقي ... ، يُبْحَث فيه عن حديث الغدير كتاباً وسنة وأدباً ويتضمن تراجم أُمةٍ كبيرة من رجالات العلم والدين والأدب من الذين نظموا هذه الأثارة من العلم وغيرهم ، كما يصفه مؤلّفه العلّامة الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني النجفي ( ١٣٢٠ ـ ١٣٩٠ ) ، ظهرت طبعته المحققة سنة ١٤١٦ ه‍ ـ ١٩٩٥ م في قم ، وهو في طبعاته السابقة أحد عشر مجلّداً.

٢) « عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار » للسيّد ميرحامد حسين الموسوي الهندي ( ١٢٤٦ ـ ١٣٠٦ ) كتبه ردّاً على « التحفة الاثني عشرية لعبد العزيز الدهلوي السني » طبع بالهند سنة ( ١٢٩٣ ه‍ ) ، قال عنه السيّد علي الحسيني الميلاني : أجلُّ ما كُتب في الامامة من صدر الاسلام إلى الآن ، طبع منه أحد عشر مجلّداً ضخاماً.

٣) « إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل » للقاضي السيّد الشهيد نورالله الحسيني المرعشي التستري ( ٩٥٦ ـ ١٠١٩ ) كتبه رداً على كتاب « إبطال نهج الباطل لابن روزبهان » نشرته مكتبة آية الله المرعشي النجفي مع ملحقاته والفهارس في أربعة وثلاثين مجلّداً ضخماً.

٤) « المراجعات » أبحاث جديدة في أصول المذهب والإمامة العامة وهي رسائل متبادلة بين عميد السنة في مصر وهو الاستاذ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر وبين السيد شرف الدين العاملي ، وهو من أشهر الكتب المعاصرة ، طبع الطبعة العشرون بالقاهرة سنة ١٣٩٩ ه‍ / ١٩٧٩ م.

٢٠