واستقرّ بي النّوى

السيّد محمّد بن حمود العمدي

واستقرّ بي النّوى

المؤلف:

السيّد محمّد بن حمود العمدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-191-5
الصفحات: ٨٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ومن لطفه أمسىٰ مثيباً معاقِباً

ومن لطفهِ أن تُرْسَل الرُسْلُ والنُذْرُ

تُبِينُ لنا طُرْق الضلالةِ والهُدىٰ

جميعاً وما في حُكْمِه ابداً قَسْرُ

لئلّا يُرىٰ للناس من بعدُ حُجَّةٌ

علىٰ اللهِ أو يبدو لهم في غدٍ عُذْرُ

ويحيىٰ الذي يحيىٰ ويهلِك هالِكٌ

وقد جاءَه التبيان ما دونه سِتْرُ

فأرسل فينا أنبياءَ تنزَّهُوا

عن الذنب لا يُعصَىٰ له فيهمُ أَمْرُ

ولو جاز أن يعصوه ما كان أمرُهم

مطاعاً وخيفَ الكذْبُ منهم أوالمَكْرُ

ومن بعدهم أبقوا رُعاةً لدينهم

يحوطونه من أن يحيقَ به الكُفْرُ

هم الأوصياءُ الراشدون وكلُّهم

بحورُ علومٍ لا يُخاضُ لها غَمْرُ

وكلُّ دليلٍ بالنبوّة قد مضىٰ

فمنه بإثبات الامام قضىٰ الفِكْرُ (١)

_______________________

١) البرهان على وجود صاحب الزمان : ٣٩ ، قادتنا كيف نعرفهم : ٧ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

٤١

٤٢



العصمة أم الشروط الأربعة عشر ؟

ترىٰ الإماميةُ الاثنا عشرية ـ بناءاً علىٰ قولها باللطف الإلهيّ المطلق ـ أنَّ الإمامَ لابُدَّ أن يكون معصوماً ، وأنّ منصب الامامة منصبٌ لايستحقه إلّا المعصوم.

يقول الشيخ المفيد (١) في « أوائل المقالات » (٢) : « واتَّفَقَتْ الاماميّةُ علىٰ أنّ

_______________________

١) محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي الكَرْخي ( ٣٣٦ أو ٣٣٨ ـ ٤١٣ ه‍ ) الشيخ المفيد ، ابن المعلّم ، عالم الشيعة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، شيخ مشائخ الطائفة الإمامية الإثني عشرية ، لسان الإمامية ، رئيس الكلام والفقه ، كان يناظر أهل كلّ عقيدةٍ ، كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس ، له أكثر من مائتي مصنّف ، كانت جنازته مشهودة ، وشيّعه ثمانون ألفاً. انظر : حياة الشيخ المفيد ومصنّفاته ، أعيان الشيعة : ٩ / ٤٢٠ ، سير أعلام النبلاء : ١٧ / ٣٤٤ ، تاريخ الإسلام : ( حوادث ٤١١ ـ ٤٢٠ ه‍ : ٣٣٢ ) الأعلام : ٧ / ٢١ ، معجم رجال الحديث : ١٨ / ٢١٣.

٢) « أوائل المقالات في المذاهب والمختارات » للشيخ المفيد ، كتاب يشتمل على « الفرق بين الشيعة والمعتزلة وفصل مابين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من المعتزلة والفرق مابينهم من بعد وبين الامامية فيما اتفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول ، وذكر ـ في أصل ذلك ـ ما اجتباه هو من المذاهب المتفرّعة عن أصول التوحيد والعدل والقول في اللطيف من الكلام ... ».

وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات ، وهو من أجود الكتب في بابه.

٤٣

إمام الدين لايكون إلّا معصوماً من الخلاف للهِ تعالى ، عالماً بجميع علوم الدين ، كاملاً في الفضل ، بايناً من الكلِّ بالفضل عليهم في الأعمال التي يُسْتَحَقُّ بها النعيم المُقيم » (١).

ويُستدل علىٰ ذلك بالعقل قبل النقل ، جاءَ في « الذخيرة » (٢) للشريف المرتضى :

« فأمّا الذي يدلُّ علىٰ وجوب العصمة له من طريق العقل ، فهو أنّا قد بيّنَا وجوب حاجة الأُمّة إلىٰ الإمام ، ووجدنا هذه الحاجة تثبت عند جواز الغلط عليهم (٣) ، وانتفاء العصمة عنهم ، لمابيّنّاه من لزومها لكلِّ من كان بهذه الصفة ، وينتفي بانتفاء جواز الغلط ، بدلالة أنّهم لو كانوا بأجمعهم معصومين لايجوز الخطأُ عليهم ; لما احتاجوا إلىٰ إمام يكون لطفاً لهم في ارتفاع الخطأ ، وكذلك لمّا كان الأنبياء معصومين لم يحتاجوا إلىٰ الروساء والائمة ، فثبت أن جهة الحاجة هي جواز الخطأ.

فإن كان الإمام مشاركاً لهم في جواز الخطأ عليه فيجب أن يكون مشاركاً لهم في الحاجة إلىٰ إمام يكون وراهُ ، لان الاشتراك في العلّة يقتضي

_______________________

١) أوائل المقالات : ٤ ، ٥.

٢) « الذخيرة في علم الكلام أو ذخيرة العالم وبصيرة المعلِّم وهو من تتمة كتاب الملخص في أصول الدين » هو أحد كتابين جليلين في علم الكلام حلّا في الرعيل الأوّل من الكتب الكلامية التي تناولت بيان مذهب الشيعة الإمامية وتبنّت الذبَّ عن أصوله الاعتقادية وتركيز الأسس العلمية التي اعتمدتها في دعم عقيدتها ، كما يصفه المحقق السيّد أحمد الحسيني.

٣) أي علىٰ الأُمّة.

٤٤

الإشتراك في المعلول.

والقول في الإمام الثاني كالقول في الأوّل ، وهذا يُؤدِّي إلىٰ إثبات ما لا يتناهىٰ من الأئمة أو الوقوف إلىٰ إمامٍ معصوم ، وهو المطلوب » (١).

وترىٰ الإثنا عشرية أنّ لقولها بالعصمة أدلةً من النقل أيضاً ; فالآية الشريفة ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) ، دليلٌ كبيرٌ علىٰ العصمة من كتاب الله تعالىٰ مع تفصيل وتفسير طويلان جدّاً ، ليس هذا مجال بحثهما.!

ولكن علىٰ سبيل الاختصار يمكن أن يقال : « إن الظلم بكلِّ ألوانه وصوره مانعٌ عن نيل هذا المنصب الإلهي (١) ، فالإستغراق في جانب الأفراد يستلزم الإستغراق في جانب الظلم ، وتكون النتيجة ممنوعيّة كلِّ فرد من أفراد الظَّلَمَة عن الإرتقاء الىٰ منصب الإمامة ، سواء أكان ظالماً في فترة من عمره ثم تاب وصار غير ظالم ، أو بقي علىٰ ظلمه ، فالظالم عندما يرتكب الظلم يشمله قوله سبحانه : ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، فصلاحيته بعد ارتفاع الظلم تحتاج إلىٰ دليل.

وعلىٰ ذلك ، فكلّ من ارتكب ظلماً ، وتجاوز حدَّاً في يوم من أيام عمره ، أو عبد صنماً ، أو لاذ إلىٰ وثن ، وبالجملة ارتكب ما هو حرام ، فضلاً عمّا هو كفر ،

_______________________

١) الذخيرة : ٤٣٠ ، ٤٣١.

٢) سورة البقرة : ١٢٤.

٣) الإمامة.

٤٥

يُنَادَىٰ من فوق العرش : ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) أي أنتم الظلمة الكفرة المتجاوزون عن الحدّ ، لستم قابلين لتحمل منصب الإمامة ؛ من غير فرق بين أن يصلح حالهم بعد تلك الفترة ، أو يبقوا على ماكانوا عليه.

وهذا يستلزم أن يكون المؤهَّل للإمامة طاهراً من الذنوب من لدن وُضِعَ عليه القلم إلىٰ أن أُدْرِجَ في كفنه وأدخل في لحده ، وهذا ما نسميه بالعصمة في مورد الإمامة » (١).

ومن أدلة الإمامية الإثني عشرية على العصمة من الكتاب العزيز قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٢) « فإنه تعالىٰ أوجب طاعة أولي الأمر علىٰ الإطلاق كطاعته وطاعة الرسول ، وهو لا يتم إلّا بعصمة أولي الأمر ، فإنّ غير المعصوم قد يأمر بمعصية وتحرم طاعته فيها ، فلو وجبت أيضاً اجتمع الضدّان : وجوب طاعته وحرمتها ، ولايصحّ حمل الآية علىٰ إيجاب الطاعة له في خصوص الطاعات ; إذ ـ مع منافاته لإطلاقها ـ لا يجامع ظاهرها من إفادة تعظيم الرسول وأولي الأمر بمساواتهم لله تعالىٰ في وجوب الطاعة ، إذ يقبح تعظيم العاصي ، ولا سيّما المنغمس بأنواع الفواحش.

علىٰ أن وجوب الطاعة في الطاعات ليس من خواص الرسول وأولي الأمر ، بل تجب طاعة كل آمرٍ بالمعروف ، فلابدّ أن يكون المراد بالآية بيان

_______________________

١) الإلهيات : ٤ / ١٢٢.

٢) النساء : ٥٩.

٤٦

عصمة الرسول وأولي الأمر وأنّهم لا يأمرون ولا ينهون إلّا بحقّ » (١).

ومن السنة : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إني تارك فيكم الثقلين ـ أو الخَليفتين ـ : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ، فقد قال السيّد محسن الأمين العاملي بعد ذكر هذا الحديث وغيره : « دلّت هذه الأحاديث علىٰ عصمة أهل البيت من الذنوب والخطأ ، لمساواتهم فيها بالقرآن الثابت عصمته في أنّه أحد الثقلين المخلّفين في الناس ، وفي الأمر بالتمسّك بهم كالتمسّك بالقرآن ، ولو كان الخطأ يقع منهم لما صحّ الأمر بالتمسّك بهم الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجةً ، وفي أنّ المتمسِّكَ بهم لا يضِلّ كما لا يضِلّ المتمسّكُ بالقرآن ، ولو وقع منهم الذنوب أو الخطأ لكان المتمسّك بهم يضلُّ ، وإنّ في اتباعهم الهدىٰ والنور كما في القرآن ، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتباعهم الضلال ، وأنَّهم حبلٌ ممدودٌ من السماء إلىٰ الارض كالقرآن ، وهو كنايةٌ عن أنّهم واسطةٌ بين الله تعالىٰ وبين خلقه ، وأنّ أقوالهم عن الله تعالىٰ ، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك. وفي أنّهم لم يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مُدّةَ عمر الدنيا ، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم ، وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدّم عليهم بجعل نفسه إماماً لهم أو تقصيرٍ عنهم وائتمام بغيرهم ، كما لايجوز التقدّم علىٰ القرآن بالإفتاء بغير مافيه أو التقصير عنه باتّباع أقوال مخالفيه ، وفي عدم جواز تعليمهم (٢) وردّ أقوالهم ، ولو كانوا

_______________________

١) دلائل الصدق : ٢ / ١٧.

٢) اشارة إلىٰ رواية لحديث الثقلين فيها ( ... ولا تعلموهم فإِنَّهم أعلم منكم ... ) راجع تخريجه في « المراجعات » لشرف الدين ص ٣٦ طبع دار الكتاب

٤٧

يجهلون شيئاً لوجبَ تعليمهم ولم يُنه عن ردِّ قولهم » (١).

وأمّا الزيديةُ فإنها لا ترىٰ ضرورة عصمة الإمام ، بل أنّ لهُ شروطاً أربعة عشر.

يقول الشرفي (١) : « وشروط صاحبها ـ أي شروط الإمام ـ أربعة عشر شرطاً :

الاوّل : البلوغ والعقل ، للإجماع علىٰ أن لا ولاية للصبي والمجنون علىٰ أنفسهما فضلاً عن غيرهما ».

الثاني : الذكورة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأةً ، ولأنّ المرأة لا تولّىٰ جميع أمرها ، ولأنها ممنوعة من مخالطة الناس وغير ذلك.

والثالث : الحرية ... .

والرابع : ... المنصب ، فلا تصح الإمامة إلّا في منصبٍ مخصوص بيّنه الشارع ... .

_______________________

الإسلامي أو ص ١٦ طبعة ( مطبوعات النجاح بالقاهرة ). وراجع تخريج حديث الثقلين في : حديث الثقلين تواتره فقهه كما في كتب السنة ، الإعتصام : ١ / ١٣٢ ـ ١٥٢ ، لوامع الأنوار : ١ / ٥١ ، بحارالأنوار : ٢٢ / ٤٧٥ ، ٣٦ / ٣٢٩ ، ٤٥ / ٣١٣ ، ٦٨ / ٢٢ ، نفحات الأزهار : الجزء الأوّل.

١) الغدير : ٣ / ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، وراجع : الأصول العامة للفقه المقارن : ١٦٤ ـ ١٨٩.

٢) أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي ( ٩٧٥ ـ ١٠٥٥ ) كان من ولاة الامام القاسم ابن محمّد وشرح كتابه الاساس بشرحين صغير وكبير ، عالم موسوعي ورع وأديب يصفه صاحب « نسمات الأسحار » بخاتمة المحقِّقين له مؤلفات ومصنفات يُدرس بعضها في حلقات العلم عند الزيدية. انظر : عدة الأكياس : ١ / ١٧ ، البدر الطالع : ١ / ٨٢ ، الأعلام : ١ / ٢٣٨.

٤٨

الخامس : ... الاجتهاد ...

والسادس : ... الورع ...

والسابع : اجتناب المهن المسترذلة.

الثامن : الأفضلية ...

والتاسع : الشجاعة ...

والعاشر : التدبير ...

والحادي عشر : القدرة علىٰ القيام بثمرة الإمامة ...

والثاني عشر : السخاء بوضع الحقوق في مواضعها ..

والثالث عشر : السلامة من المنفرات نحو الجذام والبرص ...

والرابع عشر : سلامة الحواس والأطراف ... » (١).

وهي تستدلّ علىٰ كلِّ شرط علىٰ حدةٍ باستدلالات عقلية ونقلية.

وليس لديهم استقرارٌ على القول بأربعة عشر شرطاً ، فهذا « يحيىٰ بن حمزة » يقول :

« ... أن طريق الإمامة عندنا ـ ممن ليس بمنصوص عليه ـ هي الدعوة ، فمن قام منهم ودعا إلىٰ الإمام مستجمعاً لأُمور أربعة : ... وجب على كافّة المسلمين نصرتُه والدعاءُ إليه ، والاحتكام لامره ، والتقوية لسلطانه » (٢). ويرى عبدالله بن حمزة أن تلك الشروط « ستة » (٣).

_______________________

١) عدة الأكياس : ٢ / ١٢٠ ـ ١٣٤.

٢) المعالم الدينية : ١٤٤.

٣) ديوان عبدالله بن حمزة وعنه دائرة المعارف الاسلامية الشيعية : ٧ / ٢٢٢.

٤٩

وأمّا « العصمة » فالزيدية لا تراها :

يقول « الشرفي » :

« قال عليه‌السلام (١) : « ولا دليل عليها » أي علىٰ اشتراطها أي العصمة « إلّا تقدير حصول المعصية من الإمام « لو لم يكن معصوماً » أي لادليل لهم (٢) علىٰ اشتراط العصمة إلّا تقدير حصول المعصية وهو لا يصلح دليلاً ; لما ذكره عليه‌السلام بقوله :

« قلنا : ذلك التقدير حاصل في المعصوم فيفرض حصول المعصية منه كما قال تعالىٰ في سيد المعصومين ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٣).

ولا يلزم من هذا الفرض وقوع الشرك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

« قالوا : لا سواءَ فإنّه « امتنع وقوعها من المعصوم » قطعاً ولو قُدِّرت منه تقديراً فإنّا نعلم انتفاءَها « بخلاف غيره » أي غير المعصوم فإنّه ـ مع تقديرها منه ـ يمكن وقوعها ولا يمتنع فلم يستوِ التقديران « قلنا ما دام » الإمام « عدلاً فلا وقوع » للمعصية منه « وإن وقعت منه » المعصية « فَكَلوْماتَ المعصومُ » ؛

لأنّ تقدير موت الإمام المعصوم ووقوع المعصية من الإمام غير المعصوم

_______________________

١) القائل هو القاسم بن محمّد ( ١٠٢٩ ) صاحب المتن المشروح والمسمّى بـ « الأساس » وقد طبع هذا المتن في بيروت عام ١٩٨٠ ه‍ بتحقيق الدكتور البيرنصري نادر عن دار الطليعة ، وطبعه بتحقيقٍ آخر / محمد قاسم الهاشمي ـ مكتبة التراث الإسلامي / صعده ـ اليمن وصدرت الطبعة الثانية منه عام ١٤١٥ ه‍.

٢) أي الإثني عشرية.

٣) الزمر : ٦٥.

٥٠

سواءٌ في كونهما مبطلين للإمامة ، فهلّا منعتم من قيام الإمام المعصوم ـ لتقدير موته ، كما منعتم من إمامة العدل لتقدير معصيته ، وكذلك تقدير العمىٰ والجذام أو نحو ذلك ؟ » (١).

ومع ذلك فهنالك من الزيدية من ذهب إلىٰ اشتراط العصمة في الإمام « كأبي العبّاس الحسني » (٢) وهو من هو عند الزيدية !!

بل إن عبارات كبار أئمة الزيدية في صفة الإمام لتكاد توحي بأنها لا تنطبق إلّا علىٰ المعصوم أو لا تنادي إلّا بالمعصوم !

يقول الهادي يحيى بن الحسين (٣) : « وكذلك الأوصياء فلا تثبت للخلايق

_______________________

١) عدّة الأكياس : ٢ / ١٣٤ ، ١٣٥.

٢) عدة الأكياس : ٢ / ١٣٤. وأبوالعبّاس الحسني هو : أحمد بن إبراهيم الحسني المعروف بأبي العبّاس ( ٣٥٣ ) وُصف في كتب الزيدية بـ « السيّد الإمام الحافظ ، الحجة ، شيخ الأئمة ، ربّاني آل الرسول ، وشيخ المعقول والمنقول ، لم يبق شيءٌ من فنون العلم إلّا طار في أرجائه ، وهو تلميذ الإمام الناصر الأطروش ، وشيخ الإمامين الجليلين أبي طالب والمؤيد بالله.

قال عنه عبدالله بن حمزة : « الفقيه المناظر المحيط بألفاظ العترة أجمع غير مدافع ولا منازع ، كان محل الإمامة ، ومنزل الزعامة. انظر : التحف : ١١٨ ، أعيان الشيعة : ٢ / ٤٦٩.

٣) الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسّي ( ٢٤٥ ـ ٢٩٨ ) أوّل أئمة الزيدية في اليمن ، له مقام شامخ عند الزيدية لا يكاد يرقى إليه إمام ـ من أئمتهم ـ غيره ، كان على ورع شديد ، كتب ابن عمّه عليّ بن محمد العبّاسي العلوي سيرته في مجلد ضخم طبع بتحقيق الدكتور سهيل زكّار سنة ١٣٩٢ ه‍ ـ دار الفكر بيروت ـ في ٤١٨ صفحة.

٥١

وصية الأنبياء إليهم إلّا باستحقاق لذلك العلم والدليل ، فأمّا الاستحقاق منهم لذلك المقام الذي استوجبوا به من الله العلمَ والدليلَ فهو فضلهم علىٰ أهل دهرهم وبيانهم عن جميع أهل ملَّتهم بالعلم البارع والدين والورع والإجتهاد في أمر الله وعلمهم ودليلهم فهو العلم بغامض علم الأنبياء والإطلاع علىٰ خفيّ أسرار الرسل واحاطتهم بماخصّ الله به أنبياءه حتىٰ يوجد عندهم من ذلك ما لا يوجد عند غيرهم من أهل دهرهم فيستدلّ بذلك علىٰ ما خصّهم به أنبياؤهم وأُلْقِيَ إليهم من مكنون علمها وعجايب فوايد ما أوحى الله به إليها ممّا لا يوجد أبداً عند غير الأوصياء » (١).

وأمّا قول « القاسم بن محمّد » (٢) بأنه لا دليل عليها ( أي علىٰ اشتراطها = العصمة ) إلّا تقدير حصول المعصية ; فمجازفة !!

_______________________

عالم ، فقيه ، سياسي ، مؤسس دولة الأئمة في اليمن ، وواضع أسس الهادوية حارب القرامطة حروباً شديدة ، وكان له ولفقهه شأن عظيم في تاريخ اليمن ، مقامُه بـ « صعدة » مشهور مزور. من كتبه « الأحكام في الحلال والحرام ». انظر : الإفادة : ١٢٨ ، الأعلام : ٨ / ١٤١ ، الحدائق الوردية : ٢ / ١٣ ، التحف : ٩٩ ، الموسوعة اليمنية : ٢ / ١٠١٨ ، تاريخ الإسلام ( حوادث ووفيات ٢٩١ ـ ٣٠٠ ه‍ ) : ٣٢١.

١) المجموعة الفاخرة : ٤٨.

٢) عدّة الأكياس : ٢ / ١٣٤ ـ ١٣٥.

القاسم بن محمّد بن علي بن الرشيد ( ٩٦٧ ـ ١٠٢٩ ) فقيه ، عالم ، قام بدور سياسي بارز في محاربة الأتراك بعد أن ادّعى الإمامة سنة ١٠٠٦ ، ترك كثيراً من المؤلّفات منها : « الإعتصام » في الحديث و « الاساس » في أصول الدين ، أُلّف في ترجمته كتاب باسم « النبذة المعشيرة » لُقّب بالمنصور بالله ، انظر : التحف : ٢٢٩ ، البدر الطالع : ١ / ٣٨٥ ، الموسوعة اليمنية : ٢ / ٧٣٨ ، الأعلام : ٥ / ١٨٢.

٥٢

لأدلةٍ كثيرة !

منها :

أولاً : أنّ الإمامية المتقدمين والمتأخرين (١) لم يذكروا أنّ مستندهم الوحيد في ايجابهم العصمة للإمام هو « تقدير حصول المعصية » ، بل لم يذكروه ـ أصلاً ـ كدليلٍ علىٰ إيجاب العصمة.

ما نراه في كتبهم استدلالاً على العصمة وضرورتها هو :

١ ـ أنّه لو لم يكن [ الإمام ] معصوماً لزم التسلسل (٢) ، والتالي باطلٌ فالمقدَّم مثله » (٣).

« والدليل علىٰ وجوب كونه معصوماً : أنّ الرئاسة إنّما وجبت من حيث كانت لطفاً ، يقلُّ الفسادُ ويَكْثُرُ الصلاحُ عندها ، وكان الأمر منعكساً مع فقدها من كثرة الفساد وقلّة الصلاح ، فالرئيس لايخلو من أن يكون معصوماً أو لايكون معصوماً. إن كان معصوماً فهو المقصود ، وإن لم يكن معصوماً كان محتاجاً إلىٰ رئيس آخر ، ثم الكلام في رئيسه كالكلام فيه ، في أنّه إن لم يكن

_______________________

١) راجع : الذخيرة : ٤٣٠ ، مناهج اليقين : ٢٩٧ ـ ٢٩٩ ، أوائل المقالات : ١٩ ، عقائد الإمامية : ٣١٣ ، أصل الشيعة وأُصولها : ٢١٢ ، الإلهيات : ٤ / ١١٦ ـ ١٣٠.

٢) أي حاجة « الامام » غير المعصوم إلىٰ « إمام معصوم ».

٣) « اصطلاح منطقي » بعبارة أُخرىٰ : إن التسلسل باطلٌ ، والقول بعدم عصمة الإمام يستلزم احتياجه إلى من هو أعلم وأكمل منه وهذا الأعلم والأكمل هكذا يحتاج إلى من هذا أعلم وأكمل منه وهذا يؤدّي إلى التسلسل ; إذن القول بعدم العصمة للإمام ـ القول الذي يؤدّي إلى التسلسل ـ باطل ، فيثبت القول بعصمة الإمام مناهج اليقين : ٢٩٧.

٥٣

معصوماً احتاج إلىٰ رئيس آخر ، فكذا الثالث يحتاج إلىٰ رابع ، والرابع إلىٰ خامس ، وذلك يؤدِّي إلىٰ إثبات ما لاينحصر من الرؤساء ، وهو باطلٌ ، أو إلىٰ إثبات رئيس معصومٍ ، وبه يتُم المقصود ، فإنّه يكون إماماً للكلِّ ومن عداه يكونون نوّابه وعمّاله وأمراءه ، وإنّما قلنا : إذا لم يكن معصوماً احتاج إلىٰ رئيس آخر من حيثُ : إن العِلّة المحوجة إلىٰ رئيس ـ وهي ارتفاع العصمة وجواز الخطأ ـ تكون قائمة فيه » (١).

٢ ـ آية التطهير :

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢).

« وأمّا دلالتها علىٰ العصمة ، فتظهر إذا اطّلعنا علىٰ أنّ المرادَ من الرجس هو القذارة المعنوية لا المادية ...

وعلى ضوء هذا ، فالمراد من الرجس في الآية : كل عمل قبيح عرفاً أو شرعاً ، لا تقبله الطباع ، ولذلك قال سبحانه بعد تلك اللفظة : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ، فليس المراد من التطهير ، إلّا تطهيرهم من الرجس المعنوي الذي تُعدُّ المعاصي والمآثم من أظهر مصاديقه.

وقد ورد نظير الآية في حقّ السيدة مريم ، قال سبحانه ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (٣).

ومن المعلوم أنَّ تعلّق الإرادة التكوينية علىٰ إذهاب كلِّ رجسٍ وقذارة ،

_______________________

١) المنقذ من التقليد : ٢ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

٢) الأحزاب : ٣٣.

٣) سورة آل عمران : ٤٢.

٥٤

وكلِّ عَمَل مُنَفِّرٍ ـ عرفاً أو شرعاً ـ يجعل مَنْ تعلَّقت به الارادة إنساناً مثاليّاً ، نزيهاً عن كلِّ عيبٍ وشين ، ووصمة عار » (١).

٣ ـ ما سبق ذكره من استشهاد الإمامية بآية الإمامة (٢) ، وطريقة استدلالها بتلك الآية.

وغيرها من الأدلّة.

ثانياً :

أنّ من عرف « مبنىٰ » الإمامية الإثني عشرية ـ وهو « قاعدة اللطف » ـ جزم ـ بإنصاف ـ بأنّ قولهم بعصمة الإمام إنما هو نابعٌ من صميم النتائج العقلية الضرورية لمن التزم بقاعدة اللطف في مسألة الإمامة.

ثالثاً :

أنّ الزيدية ـ نفسها ـ احتارت أمام الدلائل التي تفرض نفسها للعصمة ، فاضطرّت إلىٰ القول بالعصمة ، ولكنّها وقعت في مأزق خطير وهو ادّعاء العصمة في العترة ـ هكذا ، مُطْلَقةً ـ في أولاد الحسنين !! (٣) ، وكما يعبّر الفلاسفة والمنطقيون « في الجملة لابالجملة » بدون أن تحدّد ، بل قالت : « وجماعة العترة معصومة » فالقول بالعصمة هو قول الزيدية أيضاً !! إلّا أنها جعلته في العترة عامّة ، وهذا القول فيه ما فيه !! خصوصاً إذا ما لوحظ أنَّ الزيديّة تنفي عن نفسها القول بعصمة آحاد أهل البيت (٤).

_______________________

١) الإلهيات : ٤ / ١٢٨ ، ١٢٩.

٢) سورة البقرة : ١٢٤.

٣) عدة الأكياس : ٢ / ١٨٨.

٤) شرح الأزهار : ١ / ١٥ وكتب أصول الفقه عند الزيدية.

٥٥

وحديث « الثقلين » القارن « العترة = أهل البيت بالقرآن = المعصوم » ـ بحد ذاته ـ كاف ليكون أباً لكل أدلّة القائلين بعصمة الإمام.

وكم قد رأينا ـ علماً وعملاً ـ جرّاء عدم القول بضرورة عصمة الإمام ولابدّيتها : أن كلَّ الشروط التي تطرح تحت عنوان « صفة الإمام » لم تكن سوىٰ شروط كمالية مثالية قلَّ من رقى إليها.

وهذا هو الذي جعل كثيراً من أئمة الزيدية لا يعتبرون بعض الشروط ، كما هو المعروف عن « يحيىٰ بن حمزة » وعدم اعتباره للإجتهاد شرطاً في الإمام (٢).

وأمّا مراجعة تاريخ اليمن وتاريخ أئمة اليمن بوجهٍ خاص ففيه الأدلّة الكثيرة التي تؤيد « مثاليّة » الشروط التي اعتبرت في الإمام (٣).

ثمّ نتساءَل !

إلى أين أوصلنا القول بأن لا ضرورة للقول بالعصمة ؟

ألم يوصلنا ـ في فترة من الزمن ; امتدتْ إلىٰ هذه الفترة ـ إلى أن نضرب

_______________________

١) وقال ـ بعدم اشتراط الاجتهاد في الإمام ـ الإمام المطهّر والأمير الحسين والحسن بن وهّاس والقاضي جعفر والقاضي مغيث والسيّد عبدالله بن يحيى أبو العطايا. انظر : شرح الأزهار : ٤ / ٥٢٠.

٢) الموسوعة اليمنية : ١ / ٤٤٧ ـ ٤٥٩ و ٤٩٦ ـ ٤٩٩. ومن أجل حقيقة ـ أكثر صراحةً ـ لابُدّ من القول بأنّ عمليّة وضع تلك الشروط تمَّ بطريقة تجميعيّة دفعت بها خلفيّة عقليّة ثيوقراطيّة تجعل من المصلحة السياسية والسلطويّة ـ المبتنية على مرتكزات دينيّة وعقيدية ; لم يكن بدٌّ من الإعتماد عليها ـ مشرِّعاً جديداً وفق ضوابط « المصالح المرسلة » و « الإستحسان » أو لا وفقها !

٥٦

صفحاً عن مناهج أهل البيت عليهم‌السلام ونجعل منابع شريعتنا غيرها (١)

ألم نصل إلىٰ القول تارة « بالنصّ الخفيّ » في الامامة وتارة « بالنصّ الجليّ » ونكون قد ارتكبنا جُرماً عقائدياً ـ إن صحَّ التعبير ـ عندما نقول بالأوّل منهما !!

ألم نصل إلىٰ أن نُصْبِحَ حيارىٰ في أخذ ديننا عن من ؟ بل حتّىٰ العلماء صاروا حيارىٰ ; إن لم يكونوا أوّلَ من احتار !!

وندندنَ كالسيد الحافظ إسحاق بن يوسف بن الإمام المتوكّل علىٰ الله (٢) :

أيها الأعلام من ساداتنا

ومصابيح دياجي المُشكلِ

خبِّرونا هل لنا من مذهبٍ

يُقتفى في القول أو في العمل ؟

أم تُركْنا هَمَلاً نَرعىٰ بلا

سائمٍ نقفوهُ نَهْجَ السُبُلِ !

فإذا قلنا « ليحيىٰ » (٣) قيل لا

ها هنا الحقُ لزيد بن علي ! (٤)

_______________________

١) شرح الأزهار : ١ / ٨ ، مقدّمة البحر الزخّار : ١٩٦.

٢) السيّد إسحاق بن يوسف بن الإمام المتوكّل على الله إسماعيل بن الإمام القاسم بن محمد ( ١١١١ ـ ١١٧٣ ) قال عنه الشوكاني : « إمام الآداب ، والفائق في كلِّ باب ، على ذوي الألباب » ، كان كريماً وشاعراً ، فقيهاً محدِّثاً ، من كتبه رسالة ( الوجه الحسن المذهب للحزن ) ، وتفريج الكروب في مناقب الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. انظر ترجمته : البدر الطالع : ١ / ٩١ ، الأعلام : ١ / ٢٩٧.

٣) الهادي : يحيى بن الحسين بن القاسم الرسّي.

٤) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ٧٥ ـ ١٢٢ ) أخ الإمام الباقر عليه‌السلام وعمّ الإمام الصادق عليه‌السلام وابن الإمام السجّاد عليه‌السلام ، كان يُعرف

٥٧

وإذا قلنا « لزيد » حكموا

أن « يحيىٰ » قوله النصُّ الجلي

وإذا قلنا لِهذا ولِذا

فهمُ خيرُ جميعِ الملل

أو سواهم من بني فاطمةٍ

أُمناءِ الوحي بعدَ الرُسُل

قرّروا المذهب قولاً خارجاً

عن نصوص الآلِ فابعثْ وسلِ ! (١)

_______________________

بـ « حليف القرآن » ويعتبر من فقهاء ومحدثي أهل البيت عليهما‌السلام. قام مخلصاً لله تعالى أمام الجبّارين في عصره ، وقال فيه الإمام الصادق عليه‌السلام « رحم الله عمّي زيداً لو ظفر لوفى ، إنما دعا إلى الرضا من آل محمّدٍ و ... » قال الشيخ المفيد في « الإرشاد » : كان زيد بن علي عليه‌السلام عين إخوته بعد أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وأفضلهم وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً ، واعتقد كثير من الشيعة فيه الإمامة وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد فظنّوه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريده لمعرفته باستحقاق أخيه للإمامة من قبله ...

انظر : الإفادة : ٦١ ، التحف : ٤٣ ، الحدائق الوردية : ١ / ١٣٧ ( الإمام زيد شعلة في ليل الاستبداد ) لمحمد يحيى سالم عزّان ، معجم رجال الحديث : ٨ / ٣٥٧ ـ ٣٦٩ ، زيد الشهيد ، سير أعلام النبلاء : ٥ / ٣٨٩ ، تاريخ الإسلام ( حوادث ١٢١ ـ ١٤٠ ه‍ ) : ١٠٥ ، الإرشاد : ٢ / ١٧١ ، زيد بن علي ومشروعيّة الثورة عند أهل البيت عليهما‌السلام ، أعيان الشيعة : ٧ / ١٠٧ ، الأعلام : ٣ / ٥٩.

١) البدر الطالع : ١ / ٩١.

٥٨



النصّ وملابساته

وتبقىٰ مسألة النصّ كمرحلة أخيرة للتدرج الذي اتبعناه في بحث نظرية الإماميّة تدرّجاً هَرَميّاً !!

ولنا في البداية « وقفة » عند النصّ عند الزيدية.

فالزيدية تختلف اختلافاً جِدَّ خطير في مسألة النصّ !!

منشأه من « مسألتين » اختلفت فيهما اختلافاً واسعاً :

أمّا المسألة الأُولىٰ : فهي أنّ الأئمة قسمان :

فالقسم الأوّل : مَن نُصَّ عليه « بالإمامة » وهؤلاء هم : أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب والإمام الحسن بن علي والإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام.

والثاني : من لم يُنصَّ عليه بالإمامة ، وقد اختلفوا في هذا القسم أيضاً !!

فبعضهم قال : بل نُصَّ عليه نصٌّ جُمليٌّ وهم العترة ، ـ واختلفوا في هذا النص الجملي أيضاً !! فبعضهم قال : إنما هم أولاد عليٍّ عليه‌السلام من الحسن والحسين عليهما‌السلام ابني فاطمة عليها‌السلام ، وعبروا عن قولهم هذا بـ « حصر الامامة في البطنين » ، والبعض الاخر قال بدخول أولاد عليٍّ عليه‌السلام من غير الحسنين عليهما‌السلام كمحمد بن الحنفية والعباس بن علي وعمر بن علي (١).

_______________________

١) عدة الأكياس : ٢ / ١٢٢.

٥٩

والمسألة الثانية : أصل « النصّ » هل هو جليٌّ أو خفي ؟

والحقُّ يقال !! : أنه لم يكن للقائلين « بالنص الخفي » « غرضٌ » سوىٰ تنزيه مقام المتقدّمين على أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه ممّا يمكن أن يلحق بهم من تفسيق أو تكفير !! ; جرّاء مخالفة النصوص القطعية علىٰ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالإمامة الكبرىٰ (١).

وللأسف أن هذه الشنشنة ـ شنشنة أنّ النصّ علىٰ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليه نصٌّ خفيٌّ غير جلي ـ قد بدأتْ تأخذُ مساراً وئيد الخُطىٰ في الوسط الزيدي المعاصر مع غفلة هروّجية والدعاة إليه عن « أضراره » الكبيرة بالعقيدة الزيدية فضلاً عن غيرها.

إنّ الزيدية لو تنازلت عن قولها بالنصّ الجلي علىٰ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فإنها لن تكون قد أخطأت في حقّ أئمّتها الأوائل فقط ، بل ستكون قد فتّت في عضد قيموميّتها الشيعية علىٰ هوّيتها ، وحينها لن يبق من فارق بينها وبين مذهب أهل السنّة.

وهذا خطرٌ ـ بحمد الله ـ قد توجَّه له بعض علماء الزيدية المعاصرين ،

_______________________

١) حتّىٰ أن كثيراً من مؤلفي « الزيدية » في العقائد كانوا يعقدون فصلاً أو باباً في سياق ذكرهم « للإمامة » تحت عنوان : « حكم من تقدّم أمير المؤمنين عليه‌السلام ». انظر : عدة الاكياس : ٢ / ١٦٦ ، وراجع : أنوار اليقين للحسن بن بدر الدين ، وحقائق المعرفة لأحمد بن سليمان وغيرها ، ومن المضحك ـ وشرّ المصائب ما يضحك ـ أن يؤدِّي هذا الدَوَران ـ بعد عناء ـ إلى القول بالنص « الجلي » في الإمامين الحسن والحسين عليهما‌السلام والنصِّ « الخفيّ » في أميرالمؤمنين عليه‌السلام !! انظر : شرح الأزهار : ٤ / ٥٢٢.

٦٠