واستقرّ بي النّوى

السيّد محمّد بن حمود العمدي

واستقرّ بي النّوى

المؤلف:

السيّد محمّد بن حمود العمدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-191-5
الصفحات: ٨٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وقبل أن تراودني نفسي على الإطّلاع علىٰ ما عند « الشيعة الإثني عشرية » أدرت حواراً مع نفسي « كعادتي » ! كان نتاجه :

البحث العلمي والمنهجي يتطلّب موضوعيةً بحتة ، أي أن يرتكز على نقاط أُسُسيّة مبدئيّة ويناقش فقرات مفصلية في عقيدة أي نحلةٍ أو فرقة.

والبحث في « الزيدية » و « الإثني عشرية » هو البحث في « الشيعة » و « التشيع ».

إذن هو البحث في « الإمامة » و « الخلافة ».

البحث عن « التقية والمتعة والمسح علىٰ الأرجل و ( أشهد أن علياً وليّ الله ) والسجود على التربة » (١) للوصول إلىٰ حلّ جذري وحاسم عند النقاش _______________________

... وللعلم أن هذه الكتب لا تختص مباحثها ـ الاختصاصَ التامّ ـ بعقائد السنة ونقاشها ـ كما يحلو لبعض أن يتصوّر ، حتّى يُلقيَ عن كاهله عبأَ الإطلاع عليها وقراءتها بإدّعاء أنّها لا تناقش مذهب الزيدية ولا تتعرض له ـ فكثيرٌ كثير من مباحث هذه الكتب ومناقشاتها تدخل في نقاش أكثر المذاهب ـ إن لم يكن كلها ـ في صميم بحوث الإمامة ـ كالبحث عن العصمة وضرورتها وعقيدة اللطف والنصوص على الأئمة عليهما‌السلام ممّا لا يختص البحث فيه بالزيدية وحدها.

١) قال الشيخ الأنصاري ( ١٢٨٢ ) : التقية : اسم لا تقىٰ يتّقي ... والمراد هنا التحفّظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعلٍ مخالف للحق.

وعرّف محمّد رشيد رضا ( ١٣٥٤ ) ـ من علماء أهل السنة ـ التقية بقوله : ( ما يقال أو يُفعل مخالفاً للحقّ لاجل توقّي الضرر ).

٢١

..........................................................................

_______________________

ويدلّ على جوازها من كتاب الله الكريم قوله تعالى : ( ... إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) آل عمران : ٢٨.

وقد تعرّض ثامر هاشم حبيب العميدي لبحث التقية عند المذاهب الإسلامية بحثٍ موضوعي في كتابه « واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية » وقد طبع هذا الكتاب وصدر عن مركز الغدير للدراسات الإسلامية سنة ١٤١٦ ه‍ / ١٩٩٥ م ـ قم ـ ايران.

المتعة : هي النكاح بعينه إلّا أنها محدّدةٌ بالمدة وتشترط فيها شروط العقد الدائم ( في الزواج ) قال الله تعالى : ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... ) النساء : ٢٤.

للتوسّع انظر : « المتعتان بين النصّ والإجتهاد من كتاب الغدير الشيخ الأميني رحمه‌الله ) » ، المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي ، زواج المتعة حلال ـ محاكمة المنهج الفقهي عند أهل السنة.

المسح على الأرجل : أحد أركان الوضوء وجاء به الكتاب العزيز في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .. ) المائدة : ٦.

انظر : القول المبين عن وجوب مسح الرجلين للكراجكي : ٤٤٩ ، المسح على الرجلين للمفيد : ٤١٣.

الشهادة الثالثة : أشهد أنّ عليّاً وليّ الله ، والمقصود التلفظ بهذه الشهادة بعد « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » في الأذان ، والشيعة لا يأتون بها بقصد الجزئيّة ، جاء في منهاج الصالحين / فتاوى آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني حفظه الله : ١ / ١٩١ : « ... والشهادة لعليّ عليه‌السلام بالولاية وإمرة المؤمنين مكمِّلة للشهادة بالرسالة ومستحبة في نفسها وإن لم تكن جزءاً من

٢٢

بين « الزيدية » و « الإثني عشرية » ـ بنظر صاحب هذه السطور ـ ليس إلّا لجاجةً وتعنّتاً واستعراض عضلات في الفقه والحديث وأبواب الصلاة وكتاب النكاح !

وليس المقصود ـ لا سمح الله ـ أن لا تُناقش تلك المسائل وأن لا تطرح ، إذ قد تكون في أغلب الأحيان هي القضيّة المحورية للنقاش ـ وإن كان هذا النقاش ممّا لا أراه مجدياً من أجل التوصّل إلىٰ أحقيّة فرقة عن أُخرىٰ ـ بل إن هنالك حاجةً ملحةً أحياناً لإبداء وجهة نظر المذهب المدافَع عنه في تلك المسائل ، خصوصاً إذا كانت في دائرة « الشُبَه » التي تُلقىٰ هنا وهناك ! هكذا علىٰ عواهنها ! ، لا لشيءٍ إلّا للتهويل والتخويف والتحوير والتنفير !!

_______________________

الأذان والإقامة ... ». وانظر : « سر الإيمان الشهادة الثالثة في الأذان ».

السجود على التربة : من المسائل التي يُستدلَّ لها عند الشيعة ـ على سبيل الاحتجاج ـ بأحاديث وتصريحات وردت عند السنّة أنفسهم بل وغير السنّة أيضاً. إلّا أن الشيعة كادت أن تكون الوحيدة من بين الفرق التي أصرّت على هذه المسألة إن لم تكنها ، واختصّ التهويل في هذه المسألة على فتوى الاستحباب بالسجود على التربة المأخوذة من أرض كربلاء أو التربة الحسينية ـ عند الشيعة الإمامية ـ وفي الأحكام للهادي يحيى بن الحسين ( ت / ٢٩٨ ) حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسوح واللبود وأشباههما فقال : أحبُّ لكل مصلٍّ أن يضع جبهته على التراب وحضيض الأرض ... ».

وفي صحيح البخاري ـ من أهل السنة ـ عن أبي سعيد الخدري : « ... فصلّى بنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... » صحيح البخاري : ١ / ٢٠٧. انظر : السجود على التربة الحسينية عند الشيعة الإمامية ، السجود على الأرض.

٢٣

أقصد أن هنالك ما هو أكبر في دائرة النقاش ، بل وما هو أهمّ عند الحديث عن فرقتين من فرق الشيعة كتب لهما البقاء مع أُختهما الثالثة « الإسماعيليّة » (١) حتّى هذا العصر ، ولم تنقرض كما انقرضت الفرق الأُخرىٰ سواءاً من الشيعة أو السنّة.

إن البحث في المذاهب ومنها « الإثنا عشرية » و « الزيدية » يختزل اختلافاً ـ قد يكون واسعاً في بعض أطروحاته ـ في شتّىٰ مناحي التفكير عند تلك المذاهب بدءاً من « العقيدة » وما فيها من : « عدل » و « نبوّة » و « معاد » و « إمامة » بل و « توحيد » مروراً بـ : « الحديث ورجاله ومتونه وأسانيده ومسانيده » و « التاريخ وحركاته وتطوّراته وانكماشاته » و « الفقه واختلافاته واستنباطاته واجتهاداته ومراحله وتدوينه » و « التفسير » و « الكلام » وانتهاءاً بالطرح المعاصر لذلك المذهب أو ذاك.

من هنا : كان لابدّ من تلمّس أشدِّ المواضيع صلةً برأس الاختلاف وأُسُّ _______________________

١) الإسماعيليون : هم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق عليه‌السلام بعد أبيه جعفر وبذلك اختلفوا عن الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ( الجعفرية ) الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بعد جعفر الصادق عليهما‌السلام.

وأشهر فرق الإسماعيلية ـ إن لم تكن الإسماعيلية منحصرة في العصر الحاضر بهما ـ النزارية والمستعلية ( البهرة ) ويتواجدون في كثيرٍ من نقاط العالم الإسلامي.

للتوسّع انظر : بحوثٌ في الملل والنحل / الجزء الثامن ، الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي ، تاريخ الدعوة الإسماعيلية.

٢٤

الانشقاق حيث نرىٰ أن للشيعة بمذاهبها الثلاثة المعاصرة : الاثنى عشرية والزيدية والإسماعيلية قاسماً مشتركاً من عنده افترقت.

فما هو أصل اختلاف « الإثني عشرية » و « الزيدية » ؟

من المعلوم أنّ الفرقتين شيعيّتان أي أنهما تقولان بـ : بأحقيّة أهل البيت النبوي في الخلافة « الإمامة » بل وتتفقان علىٰ النصّ علىٰ « علي عليه‌السلام والحسنين عليهما‌السلام ».

بغضّ النظر عن كونه « جليّاً » أو « خفيّاً » !

ومن بعد الحسين عليه‌السلام يبدأ الخلاف :

فالإثنا عشرية تقول : النصُّ ثابتٌ في من بعد الحسين عليه‌السلام وهو ابنه الامام زين العابدين عليه‌السلام وفي من بعده ... هكذا حتّىٰ « الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه‌السلام ».

والزيدية تقول : لا نصّ بعد الحسين عليه‌السلام إلّا ما كان نصاً علىٰ أهل البيت صلوات الله عليهم بشكل عام ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تركت فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ».

إذن أصل خلاف الفرقتين في « الامامة » ومنها انقسامهما.

ومنهجية خلاف الفرقتين « الزيدية » و « الاثني عشرية » يتم مروراً بالخطوات التالية :

١ ـ تعريف « الامامة » عند المذهبين الزيدي والإثني عشري.

٢ ـ صفات الإمام أو شروط الإمام عند المذهبين الزيدي والإثنى عشري.

٢٥

٣ ـ الطريق إلىٰ معرفة الإمام عند المذهبين الإثني عشري والزيدي.

وبطرحٍ آخر :

إنّ قول « الزيدية » بأنّ « طريق معرفة الإمام هو الدعوة والقيام » ضرورة اقتضاها قولهم بأنّ « شروط الإمام شروط أفضلية بشريّة وملكات احتيازية » ـ أوصلوها إلى أربعة عشر شرطاً ـ وهذا القول كان ـ هو الآخر ـ ضرورة اقتضاها قولهم بأنّ « الإمامة رئاسة عامة في أُمور الدنيا لم يوجبها اللطف بل المصلحة ».

ومن المنطق أن يقول شخصٌ : بأنّ طريق معرفة الإمام هو قيامه ودعوته مادام وقد قال بأنّ الشروط المتطلّبة في الإمام هي شروط كماليّة بالإمكان حصولها في أي شخصٍ اتّفق ، والقول الأخير هذا يفرضه المنطق أيضاً !! ـ بناءاً علىٰ القول بأنّ « الإمامة رئاسة عامة لاحتياج الناس لللطف الذي يُطرح في بحث النبوّة وأن الإمامة ليست في طول النبوّة أو في عرضها ».

لكن الأمر يختلف إذا ما قلنا بأنّ طريق معرفة الامام ليست قيامه ودعوته ، وإنما الطريق إلىٰ معرفة الإمام هو « النصّ » ، وهذا بدوره يقود إلىٰ القول بأنّ المنصوص عليه لابدّ وأن تكون له خصوصياتٌ غير تلك التي تكون ملكةً واحتيازية ، أي أنّه لابدّ أن يكون « معصوماً » حتّىٰ يُنصَّ عليه ; كما هو الحال في النبوّة والنبيّ.

والقول بهذا ضرورة تقتضيها العقيدة بأنّ « الإمامة رئاسة عامة في الدين والدنيا لللطف الالهي » وأن « الإمامة لطفٌ واستمرارٌ للنبوّة ».

إذن من النقطة الأُولىٰ « يتمنهج » البحث بشكلٍ أكثر منطقيّةً !!

وكما يعبّر « القدماء » إن قالوا فنقول وإن قلتَ قلتُ !!

٢٦

إن قلنا : ـ كما هو رأي الزيدية ـ إنّ « الإمامة » رئاسة عامّة لشخص معيّن في الدنيا وأُمور الناس ; فسنقول ـ ضرورةً ـ إنّ مواصفات هذا الإمام كماليّة بشرية أو فقل : « أربعة عشر شرطاً ».

وعليه فسنقول : إن طريق معرفته قيامُه ودعوته لنفسه إذ لا طريق غيره.

أما لو قلنا كما تقول « الإثنا عشرية » : إن الإمامة لطف واستمرارٌ للنبوّة أو رئاسة عامة في الدين والدنيا يقتضيها اللطف فلا بدَّ من القول بعصمة صاحبها « الإمام » وعندها فلا طريق لمعرفة إمامته إلّا « النصّ ».

* * *

وهكذا كانت حركة بحثي في العقيدتين والمذهبين.

تحركتُ من نقطة « اللطف أو المصلحة » فقادتني « الإشارات المرورية الإلهيّة والعقليّة المنطقية » إلى « ضرورة » القول بـ « اللطف » ! ثمّ قادني « اللطف » بدوره إلى الإعتقاد « بضرورة العصمة » التي دلّت بذاتها إلى الإعتقاد بـ « النص » مخلِّفاً ورائي : أن لا يمكن الإيمانُ بـ « الشروط الأربعة عشر » و « القيام والدعوة » ، لأعتنق بعد ذلك مذهب الشيعة الإثني عشرية تاركاً مذهبي السابق « الشامخ » القديم المذهب الشيعي الزيدي.

وكم كان صعباً ذلك التحوُّل والاعتناق الجديد ! لو لم تكن للنفحات الرحمانيّة جولات وصولات هدّأت النفس وطمأنت القلب وعقّلت العقل !!

محمد بن حمود العمدي

ذمار ـ اليمن

١٥ شوال ١٤١٩ ه‍

٢٧

٢٨



شظايا فِكَر

تُعَرَّف الإمامة عند الزيدية بأنّها « تابعة للنبوّة في الوجه الذي وجبت له ، لأنّ الأئمّة عليهما‌السلام يقومون مقام الأنبياء عليهما‌السلام في تبليغ الشريعة وإحياء ما اندرس منها ومقاتلة من عَنَدَ عنها ، ولهذا لم تكن إلّا بإذنٍ من الشارع واختيار منه كالنبوّة.

ومسألة الإمامة من أكبر مسائل أُصول الدين وأعظمها ، لأنّه يترتبُ عليها طاعة الله وطاعة الرسول والقيام بالشرائع والجهاد والموالاة والمعاداة والحدود وغير ذلك ...

وشرعاً ـ أي في عرف الشرع ـ رئاسة عامة ـ أي علىٰ جميع الناس ـ تثبت باستحقاق شرعي أي بدليل من الشرع ; أي باختيار من الشارع لصاحبها لأنّها ، تالية للنبوّة ...

وهي واجبةٌ عقلاً وسمعاً.

وقال بعض أئمتنا عليهما‌السلام وهم بعض المتأخرين منهم والجمهور من غيرهم : بل وجبت سمعاً فقط !!

قالوا : ولا إشكال أن الإمام لطف ومصلحة للخلق ، لكن العلم بكونه لطفاً ومصلحةً إنّما طريقه الشرع كالنبوّة عندهم » (١).

_______________________

١) عدة الأكياس : ٢ / ١٠٩ ـ ١١٥.

٢٩

وقد يُظنُّ أن هذا الكلام قولٌ باللطفية ، وحينها فلا خلاف بين الزيدية والإثني عشرية في كون الامامة لطفاً ، إلّا أنّه ليس كذلك !

١ ـ لأنّ للزيدية نصوصاً أُخرىٰ تدلُّ على عدم اعتقادهم باللطف في مسألة الإمامة.

يقول أحمد بن يحيى بن المرتضى (١) :

« ... لا طريق إلىٰ اللطف الخاصّ إلّا السمع ، والعام ـ كالمعرفة ـ لابدّ له من وجه يقتضي اللطفية ; ولا وجه هنا » (٢).

وهو رأي « يحيىٰ بن حمزة » أيضاً :

« وأمّا القائلون بأن لا طريق إلىٰ وجوب الإمامة إلّا الشرع فهم الزيدية والمعتزلة والأشعرية ، وقالوا : لا إشكال في كونه لطفاً ومصلحة للخلق ، ولكنّ العلم بكونه لطفاً إنّما يكون طريقه الشرع.

_______________________

١) هو أحمد بن يحيى بن المرتضى ( ٧٦٤ ـ ٨٤٠ ) الحسني ، الإمام المهدي لدين الله ، العالم ، الفقيه ، المجتهد ، ادّعى الامامة في ٧٩٣ ، وخسرو ألقى به في السجن وألف في السجن كتابه الفقهي الشهير « الأزهار » عمدة المذهب الزيدي ومرجع طلابه وفقهائه ، خلّف كتباً كثيرة في أصول الدين والفقه وفي علوم اللغة وغيرها ، يعتبره صبحي في كتابه الزيدية « زيديّاً اعتزل » وله « طبقات المعتزلة ».

من آرائه : صحة حكم ( قضاء ) أبي بكر بن أبي قحافة في « فدك » التي أنحلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة الزهراء عليها‌السلام !!

انظر : التحف : ١٩٣ ، مقدمة البحر الزخار : ١٤ ـ ٢٦ ، الأعلام : ١ / ٢٦٩ ، الموسوعة اليمنية : ١ / ٦٦ ، الزيدية : ٤١٠ ، أعيان الشيعة : ٣ / ٢٠٣.

٢) مقدّمة كتاب البحر الزخّار : ٩١.

٣٠

... والمختار عندنا من هذه المذاهب ما عليه أئمة الزيدية وشيوخ المعتزلة ومحققو الأشعرية هو : أنّ الطريق إلىٰ وجوب الإمامة هو الشرع » (١).

٢ ـ والزيدية رغم إجلالها الكبير لعقيدة الامامة ; حتّىٰ لتكاد بعض تصريحات علمائهم الكبار تقارب نوعاً ما ما عليه الإثنا عشرية من القول بـ : « اللطف » كهذا التصريح « لابن حابس » (٢) والذي يعتبره في الأصل قول أئمة الزيدية :

« قلت : الإمامة في الدين ـ عند أئمتنا عليهما‌السلام ـ عظيمة الشأن ، شامخة البنيان ، وبها نظام أمر الأُمّة وحفظ دينها ودنياها ، والحاجة إلىٰ الإمام في القيام بأمر الرعيّة وتأدية شريعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه كالحاجة إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القيام بأمر الأمة وتأدية الشرائع عن الله سبحانه ، فهي إذاً أصلٌ كليّ وعمادٌ قويّ تحفظ به المعارف الإلهية والعلوم الشرعية ، إذ بها أُبِيدَت رسومُ أهل الإلحاد وبها انطمست معالم ذوي العناد وبها اندرست آثار أهل الفساد ، وخليقٌ بما هذا حاله أن يرقىٰ إلىٰ الدرجة العليا ، ويبلغ من الفضيلة إلى الغاية القصوىٰ ، ويُعدُّ ركناً من أركان دين النبيّ المصطفىٰ ، وكما أنّ الشيء

_______________________

١) الإمام المجتهد يحيىٰ بن حمزة وآراؤه الكلامية ، صبحي : ١٤٤ ، ١٤٥ ، وأهم مرجع لصبحي في نقل آراء يحيىٰ بن حمزة هو كتابه « الشامل » كما يذكر هو نفسه ذلك في كتابه « الإمام المجتهد يحيى بن حمزة ... » : ١١.

٢) هو أحمد بن يحيى حابس الصَّعْدي ( ١٠٦١ ) تولّى القضاءَ بصعدة حتى توفِّي ، أحد مشاهير علماء الزيدية ، برع في علوم عدِّة وصنف تصانيف يقول عنها الشوكاني : « جميع تصانيفه مقبولة ، منها « المقصد الحسن » و « تكملة الأحكام » انظر : البدر الطالع : ١ / ٨٦ ، الأعلام : ١ / ٢٧٠.

٣١

يُعدّ أصلاً بالنظر إلىٰ ترتيب غيره عليه فيكتسب بذلك المرتبة الرفيعة ; فكذلك يُعدّ أصلاً بالنظر إلىٰ حفظ ذلك الأصل عن الذهاب وإحرازه عن العدم وما عسىٰ أن ينتفع بذلك الاصل مع غموضه وعدمه ، فلا يوجد حينئذٍ توحيد ولا شريعة ولا مرتبة من ذلك رفيعة ولا وضيعة ، وإذا كان ما ترتّب عليه غيره حقيقاً بالأصليّة فكيف بما حاجة وجود هذا الأصل ونظام أمره إليه ماسّةٌ ضرورية ، فافهم !

فإنّ أساس ذلك ورأسه عِظَمُ أمر الإمامة أو عدم عظمه ، فمن عَظُمَ في صدره شأنُها وولج في ذهنه ما ذكرنا من الدليل الذي استعلىٰ به بنيانها جَعَلها أصلاً قطعيّاً وركناً للدين قويّاً ، وذلك هم أئمتنا عليهما‌السلام وشيعتهم الأعلام.

لكن منهم من جعلها من فروض العلماء فقط ومنهم من رقّاها إلىٰ درجة فروض الأعيان ، بل من أهل هذا القول من جعلها أصلاً من أُصول الدين ، ولذا جعلوا معرفةَ إمامة عليٍّ عليه‌السلام وولديه الحسنين خصوصاً ومعرفة إمامة القائم بعدهما عموماً من فروض الأعيان ، ووجه خصوصية إمامة علىٍّ وولديه كون معرفة أحوال الإمام مترتبةٌ علىٰ معرفة إمامتهم ، والله أعلم.

ومن صَغر عنده أمرُ الإمامة وسَهَّل في جانبها ، جعلها حكماً ظنيّاً ، حتّىٰ تفاحش الأمر علىٰ من وقع في تلك الورطة فجعل كلَّ مجتهدٍ ـ فيها ـ مُصيباً وصوّب ( ... ) معاوية وعليّاً معاً ، وزاد في الفحش من أنكر حكم وجوبها وترك الجماعة فوضىٰ شايعاً فيها قبيح عيوبها وجنح إلىٰ التسهيل في باب

٣٢

الدين ، وانتظم في سلك الظلمة المعتدين » (١).

رغم إجلالها هذا العقيدة الإمامة لم تستطع أن تقول باللطف !! وذلك لأسباب كثيرة ، لا تستطيع أن تكون مقنعةً للباحث المدقق والمتعامل مع الأقوال بروحٍ موضوعيّة منطقية ; جوُّها الدائمُ تحكيم العقل والمنطق في الآراء الكلامية والعقائدية والفلسفية ، ولعلّ أهمَّ تلك الأسباب هي التخلّص من تبعات القول بـ : « اللطف » الضرورية والتي علىٰ رأسها ـ كما أسلفنا ـ القول بالحاجة إلىٰ « إمام معصوم » وبالتالي القول : بالحاجة إلىٰ « النصّ » الطريق الوحيد لمعرفة « المعصوم » وهو الشيء الذي لا تملكه الزيدية على آحاد أئمتها ; وإن كانت قد افتعلت نصوصاً ما في حق بعض أئمتها (٢) إن سُلّم بها ; وهو بعيدٌ جدّاً !! ـ فلا تعدو أن تكون فضائل ومناقب ليس فيها أدنى رائحةٍ من نصٍّ على أمر خطير كالإمامة.

وبمجرّد نظرةٍ موضوعية إلىٰ استدلالات الإثني عشرية علىٰ القول باللطف ، سنجد اللطف الطريق الوحيد والمتكامل لايجاب الامامة ، إذ لا معنىٰ للقول بإيجابها « شرعاً » مع ذلك الاستدلال « العقلي » الفريد ـ عند الزيدية ـ مع عدم القول بإيجابها عقلاً !!

_______________________

١) المقصد الحسن : ٢٩١ ـ ٢٩٢.

٢) انظر : التحف شرح الزلف : ٥٢ ، ٧٩ ، ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١١٤ ، وغير « التحف » من الكتب التي تعرضت لسير أئمة الزيدية ، وهذا يجعلنا في ريبٍ من موقف الزيدية من النصِّ ; فهذه المرويات في « الناصر الاطروش والمنصور ابن حمزة ويحيى بن الحسين الرسي وغيرهم » تكشف لنا عن توقٍ شديدٍ عند الزيدية ـ كان ولا يزال ـ للنص في الإمامة !

٣٣

ولمَ الأنَفَةُ عن القول بوجوبها عقلاً ؟!!

هل هو إلّا التخلّص من القول بلوازم « اللطفية » ؟!

خصوصاً ما إذا رُدّت بعض إشكالات زيدية القرن الثامن علىٰ القول باللطف كإشكال أحمد بن يحيىٰ بن المرتضىٰ (١) بما ذكرُه أوسع من أن يُعرض هنا ، كردود « الحمصي الرازي » (٢) و « الشريف المرتضىٰ » (٣) وغيرهما.

_______________________

١) مقّدمة البحر الزخّار : ٩١.

٢) الشيخ سديد الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي : ( توفّي في أوائل المائة السابعة ) قال في « الفهرست » : علّامة زمانه في الأصولين ، ورع ثقة ، له تصانيف » وقال صاحب « مقابس الأنوار » : عمدة المحققين ، ونخبة المدققين ، نزل الرّي ونُسِب إليها ، قال فخر الدين الرازي : كان معلّم الاثني عشرية ... ». انظر : مقدّمة تحقيق كتابه « المنقذ من التقليد » وانظر : معجم رجال الحديث : ١٩ / ٩٧ ، أعيان الشيعة : ١٠ / ١٠٥ ، جاءت بحوثه وردوده في مسألة اللطف في كتابه المنقذ من التقليد : ٢ / ٢٤٠ ـ ٢٥٦.

٣) الشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ) ذو المجدين ، علم الهدى ، يُكنّىٰ بأبي القاسم ، تولّى نقابة النقباء وإمارة الحاج وديوان المظالم ، قال فيه أبوالعلاء المعرّي :

يا سائلي عنه لمّا جئتُ أسأله

ألا هو الرجل العاري من العار

لو جئته لرأيت الناس في رجلٍ

والدهرَ في ساعةٍ والأرض في دار

قال ابن خلكان : كان هذا الشريف إمام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق ، إليه فزع علماؤها وعنه أخذ عظماؤها ...

٣٤

وكإطلالةٍ بسيطةٍ علىٰ دفاع الإثني عشرية عن عقيدة « اللطف » والقول بها ومنافحتهم عنها نستعرض هذا النصّ للسيّوري (١) :

« قال (٢) : لا يقال : اللطف إنّما يجب إذا لم يقم غيره مقامه ، أمّا مع قيام _______________________

انظر : مقدّمة تحقيق كتابه « شرح جمل العلم والعمل » ، دمية القصر : ١ / ٢٩٩ ، سير أعلام النبلاء : ١٧ / ٥٨٨ ، تاريخ الإسلام ( حوادث ٤٣١ ـ ٤٤٠ ) : ٤٣٣ ، معجم رجال الحديث : ١٢ / ٤٠٠ ، أعيان الشيعة : ٨ / ٢١٣ ، الأعلام : ٤ / ٢٧٨ ، دفاعه وبحثه للطلف جاء في « الذخيرة » : ٤١٠ ـ ٤١٧ ، وفي كتب أخرى له.

١) أبو عبدالله المقداد بن عبدالله بن محمّد السيّوري الاسدي الحلّي ( ت / ٨٢٦ ) الشيخ الفاضل الفقيه المتكلم ، كان من أعيان العلماء ، قال عن تصانيفه العلّامة المجلسي صاحب البحار : تصانيفه في نهاية الاعتبار والاشتهار.

انظر : معجم رجال الحديث : ١٩ / ٣٤٨ ، أعيان الشيعة : ١٠ / ١٣٤ ، الأعلام : ٧ / ٢٨٢ ، وانظر مقدمة تحقيق « إرشاد الطالبين ».

٢) القائل هو العلّامة الحلّي ، لأن كتابَ « إرشاد الطالبين » للسيوري شرحٌ لمتن « نهج المسترشدين » للحلّي.

والعلّامة الحلّي هو : الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي ( ٦٤٧ ـ ٧٢٦ ) هو الوحيد الذي أطلق عليه في التاريخ العلمي الشيعي الطويل لقب : « العلّامة » من مصنفاته : المختلف ، التذكرة ، القواعد ، التبصرة ، وغيرها ، لم تزل كتبه محطّ أنظار العلماء من عصره إلى اليوم تدريساً وشرحاً وتعليقاً قال عنه الشيخ الحرّ : الشيخ العلّامة ، جمال الدين أبو منصور ، الحسن بن يوسف ... ، فاضل ، عالم ، علّامة العلماء ، محقق مدقق ، ثقة ثقة ، فقيه محدّث متكلّم ، ماهر ، جليل القدر ... ، لا نظير له في الفنون والعلوم والعقليات والنقليات » انظر مقدّمة « كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد ». أعيان الشيعة : ٥ / ٣٩٦ ، الأعلام : ٢ / ٢٢٧ ، معجم رجال الحديث : ٦ / ١٧١.

٣٥

غيره مقامه فلا يجب ، فَلِمَ قلتم أنّ الإمامة من قبيل القسم الأول (١).

أو نقول : إنّما يجب اللطف إذا لم يشتمل علىٰ وجه قبح ، فلم لا يجوز استعمال الإمامة علىٰ وجه قبح لايعلمونه ؟ ولأنّ الإمامة إنّما تكون لطفاً إذا كان الإمام ظاهراً مبسوط اليد ليحصل منه منفعة الإمامة ، وهو انزجار العاصي ، أمّا مع غيبة الإمام وكفِّ يده فلا يجب ، لانتفاء الفائدة.

لأنّا نقول (٢) : التجاء العقلاء في جميع الأصقاع والأزمنة إلىٰ نصب الرؤساء في حفظ نظامهم ، يدلُّ علىٰ انتفاء طريق آخر سوىٰ الإمامة ، وجهة القبح معلومة محصورة ، لأنّا مكلّفون باجتنابها ، فلابدّ وأن تكون معلومة ، وإلّا لزم تكليف مالا يطاق ، ولا شيء من تلك الوجوه بمتحقق في الإمامة ، والفائدة موجودة وإن كان الإمام غائباً ، لأنّ تجويز ظهوره في كلِّ وقت لطفٌ في حقِّ المكلّف.

أقول (٣) : لما قرّر الدليل على مطلوبه ، شرع في الاعتراض عليه والجواب عنه ، وأورد منع الكبرىٰ (٤) أولاً ثمّ منع الصغرىٰ (٥) ، والمناسب للترتيب البحثي هو العكس ، وتوجيه الاعتراض (٦) : هو أنّ دليلكم ممنوع _______________________

١) وهو الذي يجب إذا لم يقم غيره مقامه.

٢) هذا ردٌ علىٰ من قال : إنّه مع غيبة الإمام وكفِّ يده لا يجب اللطف في الإمامة حينها.

٣) القائل هو الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله السيّوري الحلّي.

٤) الكبرىٰ في القضيتين هنا هي : القول بتعيّن وجوب لطفّيّة الإمام.

٥) والصغرىٰ هي : أن الإمامة إنّما تكون لطفاً إذا كان الإمام ظاهراً مبسوط اليد.

٦) يصوغ « السيوري » إشكال المخالفين لمسألة اللطف ـ والذي ذكره العلّامة الحلّي ـ صياغةً جديدةً تتناسب وما أسماه بالترتيب البحثي.

٣٦

بكلتا مقدّمتيه (٥) ، فلاتصدق نتيجته التي هي عين مطلوبكم.

أمّا منع كُبراه فلوجهين :

الأوّل : أنّ لطفيّة الإمامة إنّما يتعيّن للوجوب إذا لم يَقُم غيرها مقامها ، وهو ممنوعٌ ، لجواز أن يقوم غيرُها مقامَها ، كوعظ الواعظ فإنّه قد يقوم غيره مقامه مع كونه لُطفاً ، فلا يكون متعيّنةً للوجوب ، كالواحدة من خصال الكفّارة ، وهو المطلوب.

الثاني : أنّ الواجب لا يكفي في وجوبه وجهُ وجوبه ، بل لابدَّ مع ذلك من انتفاء سائر وجوه القبح والمفاسد عنه ، لاستحالة وجوب ما يشتمل على مفسدة وإن اشتملٰ على مصلحة ، وإلّا لكان الله تعالىٰ فاعلاً للمفسدة ، وهو قبيحٌ.

وحينئذ نقول : الإمامة علىٰ تقدير تسليم لطفيّتها لايكفي ذلك في وجوبها ، بل لابدَّ مع ذلك من انتفاء وجوه المفاسد منها ، فَلِمَ قلتم بانتفائها ؟ ولِمَ لا يجوز اشتمالها علىٰ نوع مفسدةٍ لا نعلمها ؟ (١).

وحينئذٍ لا يمكن الجزم بوجوبها عليه تعالىٰ.

وأمّا صغراه : فلأنّا نمنع كون الإمامة لطفاً مطلقاً ، بل إذا كان ظاهراً مبسوط اليد جاز الانزجار عن المعاصي ، والانبعاث علىٰ الطاعات إنّما يحصل بظهوره وانبساط يده وانتشار أوامره ، لا مع كونه خائفاً مستوراً.

_______________________

١) المقدّمتين الصغرىٰ والكبرىٰ.

٢) ورد التلميح بكون الإمامة مشتملةً علىٰ مفسدة ـ بناءاً على أنّ العقل يقضي بقبحها ـ في بعض كتب الزيدية كمقدِّمةٍ لوجوبها الشرعي ، الذي يحفظها من المفسدة. راجع : ينابيع النصيحة : ٢٥٠.

٣٧

والجواب عن الأوّل (١) : أنَّا نختار أن الإمام لطف لا يقوم غيره مقامه ، كالمعرفة بالله تعالىٰ ؛ فإنّها لا يقوم غيرها مقامها ، والدليل علىٰ ماقلناه أنّ العقلاء في سائر البلدان والأزمان يلتجون في دفع المفاسد إلىٰ نصب الرؤساء دون غيره ، ولو كان له بدلٌ لالتجؤوا إليه في وقت من الاوقات أو بلدٍ من البلدان.

وعن الثاني (٢) : أنّ وجوه القبح والمفاسد معلومةٌ محصورةٌ لنا ، وذلك لأنّا مكلّفون باجتنابها ، والتكليف بالشيء من دون العلم به محال ، وإلاّ لزم تكليف ما لايطاق ، ولاشيءَ من تلك المفاسد موجودةٌ في الإمامة.

وفي هذا الجواب نظرٌ (٣) : فإنّه إنما يصلح جواباً لمن قال بوجوبها علىٰ الخلق « كأبي الحسين » (٤) ، لا لمن قال بوجوبها على الله تعالىٰ كأصحابنا ، فإنّه إنّما يجب عليه تعالىٰ أن يعرِّفنا المفاسد إذا كانت من أفعالنا أو من لوازم _______________________

١) وهو الإشكال علىٰ « لطفيّة الإمامة » بأنّها لا تجب إذ أن غيرها يمكن أن يقوم مقامها.

٢) وهو الإشكال بـ : « لم لا يجوز استعمال الامامة علىٰ وجه قبح لا يعلمونه ».

٣) هذا النظر للسيّوري شارح متن « نهج المسترشدين ».

٤) أبوالحسين عبدالرحيم بن محمد بن عثمان الخيّاط ( م ـ ٣١١ ) شيخ المعتزلة البغداديّين من نظراء الجُبّائي ، كان من بحور العلم ، ترجم له « القاضي عبدالجبّار » في « فضل الاعتزال » وقال : « كان عالماً فاضلاً من أصحاب جعفر [ بن مبشر الثقفي المتكلم ] وله كتب كثيرة في النقوض على ابن الراوندي وغيره ، من أشهر كتبه « الانتصار » ردّ فيه على كتاب « فضيحة المعتزلة » لابن الراوندي ، وله آراء شنيعة في حق الشيعة. انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء : ١٤ / ٢٢٠ ، الأعلام : ٣ / ٣٤٧ ، بحوث في الملل والنحل : ٣ / ٢٨٤.

٣٨

أفعالنا ، لئلّا يلزم مالا يطاق كما ذكرتم ، أمّا إذا لم تكن من أفعالنا بل من فعله فلا يجب أن يُعرِّفنا المفسدة اللازمة لو كانت ثابتةً ، وحينئذٍ يجوز أن لا يكون نصب الإمام واجباً عليه تعالىٰ ، لاستلزامه مفسدةً لانعلمها.

والأجود في الجواب أن نقول : لو كان هناك مفسدةٌ لكانت إمّا لازمةً للإمامة ، وهو باطلٌ ، وإلا لما فعلها الله تعالىٰ ، لكنّه فعلها بقوله تعالىٰ ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ... ) (١) ، ولاستحال تكليفنا باتّباعه ، لكنّا مكلّفون باتّباعه أو ( مفارقته ) وحينئذ يجوز انفكاكها عنه ، فيكون واجبةً علىٰ تقدير الانفكاك ، وأيضاً هذا السؤال وارد علىٰ كلِّ مايوجبه المعتزلة علىٰ الله تعالىٰ ، فكلّما أجابَ به فهو جوابنا.

وعن الثالث (٢) : أنّا نختار أن الإمام لطفٌ مطلقاً ، أمّا مع ظهوره وانبساط يده فظاهرٌ ، وأمّا مع غيبته فلأنَّ نفس وجوده لطفٌ ، لأنّ اعتقاد المكلّفين لوجود الامام وتجويز ظهوره وإنفاذ أحكامه في كلِّ وقت سببٌ لردعهم عن المفاسد ولقربهم إلى الصلاح ، وهو ظاهر.

وتحقيق هذا المقام : هو أنّ لُطفيّة الامام تتمُّ بأُمور ثلاثة :

الأوّل : ما هو واجب عليه تعالىٰ ، وهو خلق الإمام وتمكينه بالقدرة والعلم ، والنصِّ عليه باسمه ، ونصبه ، وهذا قد فعله الله تعالىٰ.

الثاني : ما هو واجبٌ علىٰ الإمام ، وهو تحمُّله الإمامةَ وقبولُها ، وهذا قد فعله الإمام.

_______________________

١) سورة البقرة : ١٢٤.

٢) وهو الاشكال بـ : « أن الإمامة إنما تكون لطفاً إذا كان الإمام ظاهراً مبسوط اليد ».

٣٩

الثالث : ماهو واجبٌ علىٰ الرعيّة ، وهو أن ينصروه ويطيعوه ، ويذبّوا عنه ويقبلوا أوامره ، وهذا مالم يفعله أكثر الرعيّة.

فمجموع هذه الأُمور هو السبب التامُّ للطفيّة ، وعدم السبب التامّ ليس من الله ولا من الإمام لما قلناه ، فيكون من الرعيّة.

إن قلت : إنّ الله تعالىٰ قادرٌ على أن يُكَثِّرَ أولياءَه ويحملهم علىٰ طاعته ، ويقلّلَ أعداءه ويقهرهم علىٰ طاعته ، فحيث لم يفعل كان مُخِلَّاً بالواجب.

قلتُ : لمّا كان فعلُ ذلك مؤدّياً إلىٰ الجبر المنافي للتكليف لم يفعله تعالىٰ ، فقد ظهر أنّ نفس وجود الإمام لطفٌ وتصرُّفه لطفٌ آخر ، وعدم الثاني (١) لايلزم منه عدم الأوّل (٢) ، فتكون الإمامة لطفاً مطلقاً ، وهو المطلوب » (٣).

وما أجملَ ما قاله السيّد محسن الأمين العاملي (٤) :

وباللطف يقضي العقلُ حتماً فربُّنا

لطيفٌ وفي كلِّ الأُمورِ له خُبْرُ

يقرِّبُنا من كلِّ نفع وطاعة

ويبعدُنا عن كلِّ ذنبٍ به الضرُّ

_______________________

١) وهو تصرّف الإمام « انبساط يده وظهوره ».

٢) وهو أن وجودَه ـ بحد ذاته ـ لطفٌ.

٣) إرشاد الطالبين : ٣٢٨ ـ ٣٣٢.

٤) السيّد محسن الأمين العاملي ( ١٢٨٤ ـ ١٣٧١ ) عالم ، جليل ، ذائع الصيت له مؤلفات عدّة منها موسوعته الكبيرة « أعيان الشيعة ». انظر : الحسين والحسينيون : ١٧١ ، الأعلام : ٥ / ٢٨٧ ، أعيان الشيعة : ١٠ / ٣٣٣.

٤٠