الوهابيّة جذورها التاريخيّة.. مواقفها من المسلمين

حسين أبو علي

الوهابيّة جذورها التاريخيّة.. مواقفها من المسلمين

المؤلف:

حسين أبو علي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-515-1
الصفحات: ١٤٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



توصيات استهدامية

جاء في أحد التوصيات الاستعمارية بهذا الخصوص ما يلي :

« يلزم صرف المسلمين عن العبادات والتشكيك في جدواها ، فإنّ الله غني عن طاعة الناس ، ويلزم المنع أشد المنع عن الحج ، وعن كل اجتماع بين المسلمين ، مثل صلاة الجماعة وحضور مجالس الحسين ، والمسيرات الحزينة له.. كما يلزم المنع أشد المنع عن بناء المساجد والمشاهد ، والكعبة والحسينيات والمدارس » (١).

كما أنّ وزيراً كبيراً في الحكومة البريطانية قالها يوماً في مجلس العموم البريطاني ، وكان بيده كتاب رفعه وقال : « لن نستطيع أنْ نسيطر على الشرق الإسلامي ما دام هذا القرآن بينهم ، والكعبة عندهم ».

فالحرب على القرآن الكريم ، والكعبة المشرّفة حرسها الله.. كان من أولويات الحكومات الاستعمارية ، إلا أنّ محمد بن عبد الوهاب كان على يقين من نصر الله ودحره ، ولذا فالتزم بأربع بنود وترك هذين الركنين من الخطة الهدمية ، ولسوف نناقشها بسرعة ويسر.

___________________

(١) مذكرات المستر همفر : ص١٣١ ـ ١٣٢.

٨١

١ ـ سياسة التكفير :

التكفير : أي الرمي بالكفر ، أو الشرك ، ( الأصغر والأكبر ) كما يقولون.

والكفر : هو الإنكار والجحود للخالق جلّ وعلا ، أو رسالة الرسول الخاتم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الأنبياء ، والمرسلين ( سلام الله عليهم أجمعين ) ، أو إنكار البعث والحساب الآخروي وما يلزمها من الجنة للثواب ، والنيران للعذاب والعقاب.

أما الشرك : فهو جعل لله شريكاً. وهذا من أعظم الكبائر التي وعد الله فاعلها بالخلود بالنار ، وغضب الجبار ، لأنّه لا يمكن أنْ يغفر لصاحبه ، قال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ).

وقال لقمان لولده : ( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ).

ظلم للخالق من المخلوق بأنْ يجعل لله ندّاً شريكاً فإنّه يأتي بشيء إدّاً تتفطر وتنشق منه السماء ، وتتدكدك الأرض ، وتخرُّ الجبال هدّاً.. أنْ دعوا لله شريكاً في ملكه.

ولكنّ أتباع محمد بن عبد الوهاب وأساتذته من السلفية وتلاميذه غير العلماء الذين قالوا بأنّ الشرك أنواع ( أكبر وأصغر ) والتوحيد كذلك أنواع بالإلهية والربوبية ، وبناءً على هدمهم العقائدي أنّ الشرك معلقاً

٨٢

بكل شيء وحتى بالكلمة والدعاء والتوجه إلى ولي من أولياء الله..

ونقدم ما يجب تقديمه من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحديد الإيمان ومعنى الإسلام وهل يجوز رمي أحد من أهل الملّة بالكفر ، أو الشرك وبالتالي استباحة دمه وماله وعرضه ؟!

في الحديث أنّ جبرائيل عليه‌السلام سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الإسلام ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنْ تشهد أنْ لا إله إلا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إنْ استطعت إليه سبيلاً.

قال : صدقت ، ...

قال : فأخبرني عن الإيمان ؟

قال : أنْ تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره.

قال : صدقت.

قال : فاخبرني عن الإحسان ؟

قال : أنْ تعبد الله كأنّك تراه فإنْ لم تكن تراه فإنّه يراك ، ... »

الى أنْ قال :

٨٣

فإنّه جبرائيل جاء يعلمكم دينكم » (١).

وفي رواية أخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان » (٢).

وفي رواية مستفيضة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أمرت أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله » (٣).

ومثلها : « حرم عليَّ دماؤهم وأموالهم » (٤).

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدِّد الإسلام بهذا المعنى وفيه ما فيه من العموم والإطلاق ، ويقرر أنّ مجرّد الشهادة تعصم الدم والمال والعرض وتجري المواريث والمناكح.. وأنتم بعد أكثر من ألف عام تقولون أنّ الأمة الإسلامية هي من اعتقد بعقائد محمد بن عبد الوهاب فقط ؟

من أين وإلى أين.. وكيف سمحتم لأنفسكم بذلك ؟!

___________________

(١) صحيح مسلم : ١ / ٢٩.

(٢) صحيح مسلم : ١ / ٣٤.

(٣) صحيح البخاري : ١ / ١١ ـ ١٢.

(٤) سنن الدارقطني : ١ / ٢٣٨.

٨٤

وجاء في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثلاث من أصل الإيمان : الكف عمّن قال لا إله إلا الله لا تكفّره بذنب ، ولا تخرجه من الإسلام بعمل » (١) (٢).

وفي برواية أخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كفّوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفّروهم بذنب ، فمن كفّر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب » (٣).

فلماذا تكفّرون هذه الأمة المرحومة ؟ نعم ، إنّها تعليمات أسيادكم في وزارة المستعمرات وإدارة المخابرات البريطانية الذي جاء به ، يجب تكفير كل المسلمين ، وإباحة قتلهم ، وسلب أموالهم ، وهتك أعراضهم ، وبيعهم في أسواق النخاسة ، وحلية جعلهم عبيداً ونسائهم جواري (٤).

ورحتم تنفذون تلك المخططات بكل صلافة وجلافة ، فرميتم الأمّة كلها بالشرك تارة وبالكفر أخرى حتّى أنّ مقياس الإيمان صار عندكم بقصر الدشداشة وطول اللحية لا أكثر ولا أقل.. فهل هذا من

___________________

(١) أبو داوود : حديث ٢٥٣٢.

(٢) سنن ابي داود : ١ / ٥٦٩.

(٣) الطبراني في الكبير : ١٢ / ٢١١.

(٤) مذكرات المستر همفر : ١٥٢.

٨٥

المعقول في شيء يا قليلي العقول ؟!

وقد تم الأتم على القول : « الشرك أنْ يصرف الإنسان أي عبادة من العبادات لغير الله كائناً من كان ، ملكاً مقرباً ، أو نبياً مرسلاً ، أو ولياً صالحاً ، أو عالماً ، أو عابداً ، أو زعيماً ، أو حجراً ، أو شجراً ، أو شمساً ، أو قمراً ، أو درهماً ، أو ديناراً ، أو هوى متبعاً فكل هذه الأشياء يشرك كثير من الناس بربهم بسببها ».

فمن دعا غير الله.. واستغاث به وهو غائب أو ميت ، وطلب منه المدد ، واعتقد أنّه ينفع ويضر ، ويشفي المريض ، ويردّ الغائب ، وينتصر للمظلوم ، فقد أشرك بالله العظيم.

ومن الشرك ما يفعله كثير من الناس من النذر لغير الله ، والذبح لغيره كما يفعل عند قبور الصالحين ، وغيرهم..

فكما أنّ من صلّى وسجد لغير الله فقد أشرك وكذلك من نحر أو ذبح لغير الله أشرك ، ومن الشرك الأصغر الحلف بغير الله.. ومنه أيضاً الرياء بالعبادة.

ومن الشرك ما ينتشر بين كثير من الناس من تعليق الأحجبة والتمائم والأحراز لدفع العين والحسد وجلب الحظ (١).

___________________

(١) معلومات مهمة عن الدين : محمد جميل زينو ص١٦ وما قبلها.

٨٦

وربما حكمتم على من أكل الثوم أو البصل بالشرك الأصغر كذلك.

وذاك يقول مجملاً : إنّ الشرك بالعبادة يتعلق بما يلي : الدعاء.. الذبح ، والنذر ، وتقريب القرابين ، والاستغاثة ، والاستعانة ، والاستعاذة ، والتوكل ، والرجاء ، والخشوع والشفاعة ، كل هذا شركاً أكبر.

ونسألهم من أبقيتم من هذه الأمة إلا حثالاتكم وشذّاذكم الذين اتخذوا القرآن عضين وقطّعوا أوصال أمة المسلمين ، ولنعم ما قاله الشيخ سليمان بن عبد الوهاب حين ردَّ على أخيه الضال في كتابه ( الصواعق الإلهية ).

« إذا فهمتم ما تقدم فإنّكم الآن تكفّرون من شهد أنْ لا إله إلا الله وحده ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، وحج البيت مؤمناً بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ، ملتزماً بجميع شعائر الإسلام ، وتجعلونهم كفاراً ، وبلادهم بلاد حرب.

فنحن نسألكم مَن إمامكم في ذلك وممن أخذتم هذا المذهب عنه ؟

فإنْ قلتم : كفّرناهم لأنّهم مشركون بالله ، والذي منهم ما أشرك بالله لم يُكفر من أشرك بالله لأنه سبحانه قال : « إنّ الله لايغفر أنْ يُشرك به »... فبيِّنوا لنا من أين أخذتم مذهبكم هذا ؟!

٨٧

ولكم علينا عهد ( والكلام للشيخ سليمان ) الله وميثاقه إنْ بينتم لنا حقاً يجب المصير إليه لنتبع الحق إنْ شاء الله ، فإنْ كان المراد مفاهيمكم ، فقد تقدم أنّه لا يجوز لنا ، ولا لكم ، ولا لمن يؤمن بالله ، واليوم الآخر الأخذ بها ، ولا نكفّر من كان معه الإسلام الذي أجمعت الأمة على من أتى به فهو مسلم.

فأمّا الشرك ففيه أكبر وأصغر ، وفيه كبير وأكبر ، وفيه ما يخرج من الإسلام ، وفيه ما لا يخرج من الإسلام ، وهذا كله بإجماع ـ وتفاصيل ما يخرج مما لا يخرج ـ يحتاج إلى تبيين أئمة أهل الإسلام الذي اجتمعت فيهم شروط الاجتهاد » (١).

لا أمثالكم ممن اجتمعت فيه شروط الجواسيس ، وعسس الليل ، وإمامكم الأكبر لا يجيد الوضوء ، وربّما لا يغتسل من الجنابة ، أو أنّه يعبد هواه ويصلي لنفسه ولم يخلص لله طرفة عين أبداً.

ويقول الشيخ سليمان : « من أين لكم أنّ المسلم الذي يشهد أنْ إلا إله إلا الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله إذا دعا غائباً ، أو ميتاً ، أو نذر له ، أو ذبح لغير الله ، أو تمسَّح بقبر ، أو أخذ من ترابه ، أنّ هذا هو الشرك الأكبر الذي من فعله حبط عمله ، وحلَّ ماله ودمه ، وأنّه الذي أراد الله

___________________

(١) الصواعق الإلهية لسليمان بن عبدالوهاب : ص٥ ـ ٦.

٨٨

سبحانه من هذه الآية وغيرها في القرآن.

فإن قلتم : فهمنا ذلك من الكتاب والسنّة.

قلنا : لا عبرة بمفهومكم ، ولا يجوز لكم ، ولا لمسلم الأخذ بمفهومكم ، فإنّ الأمة مجمعة كما تقدم على أنّ الاستنباط مرتبة أهل الاجتهاد المطلق ، ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على أحد الأخذ بقوله دون نظر » (١).

فإذا قال أتباع ابن عبد الوهاب أنّهم يأخذون من شيخ إسلامهم ابن تيمية السلفي الأول الذي وصفه ابن بطوطة بالمجنون.. قلنا لهم إنّ إمامكم لا يقول هذا ولا حتّى إمامه الإمام أحمد بن حنبل الذي تقلدونه في بعض الفروع ، قال تقي الدين السبكي في كتابه الإيمان : لم يكفّر الإمام أحمد الخوارج ولا المرجئة ، ولا القدرية ، وإنما المنقول عنه وعن أمثاله تكفير الجهمية ، مع أنّه لم يكفِّر أعيان الجهمية... الذين دعوا إلى قولهم وامتحنوا الناس ، وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة ، ... بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم ، ويرى لهم الائتمام بالصلاة خلفهم والحج ، والغزو معهم ، والمنع من الخروج عليهم بما يراه لأمثالهم من الأئمة ، وينكر ما

___________________

(١) الصواعق الإلهية لسليمان بن عبد الوهاب : ص٦.

٨٩

أحدثوه من القول الباطل الذي هو كفر عظيم وإن لم يعلموا هم أنّه كفر كان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان ، فيجمع بين طاعة الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إظهار السنة والدين ، وإنكار بدع الجهمية الملحدين ، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة ، وإنْ كانوا جهالاً مبدعين ، وظلمة فاسقين.

وقال : من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به ، وقد غلط في بعض ما ناله من البدع ، ولو دعى إليها فهذا ليس بكافر أصلاً (١) .. لأنّه معذور لجهله أو غفلته فمرفوع عنه القلم إلى أنْ ينتبه كما يقال.

وسئل شيخ سلفي عن التكفير ، فقال : لو فرض أنّ رجلاً دفع التكفير عمَّن يعتقد أنّه ليس بكافر حماية له ، ونصراً لأخيه المسلم لكان هذا غرضاً شرعياً حسناً ، وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران ، وإنْ اجتهد فيه فأخطأ فله أجر.

ثم يقول : التكفير إنّما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضررة ، أو بإنكار الأحكام المتواترة المجمع عليها.

ويعلق الشيخ سليمان أخيراً بقوله : « فيا عباد الله تنبَّهوا وارجعوا إلى الحق ، وامشوا حيث مشى السلف الصالح ، وقفوا حيث وقفوا ، ولا

___________________

(١) انظر قوله في « الصواعق الإلهية » لسليمان بن عبد الوهاب : ص ١٨.

٩٠

يستفزكم الشيطان ، ويزين لكم تكفير أهل الإسلام ، وتجعلون الميزان كفر الناس مخالفتكم ، وميزان الإسلام موافقتكم » (١).

ولكن هذه الأصوات ، والنداءات باءت بالفشل من علماء الأمة وأعلامها ، وذلك لأنّ المخطط المرسوم من قبل أسيادهم تقضي بتكفير الأمة تمهيداً لتقطيع أوصالها ، وتشتيتها وضرب بعضها ببعض.

فأي دعوة للإصلاح وإعادة الأمور إلى مجاريها كانت تعارض بقوّة ، ويكفّر صاحبها مباشرة دون تردد ، فسيف التكفير مشهور على الرقاب.. فكل الأعمال التي اعتبروها شركاً يكفّرون فاعلها ويكفّرون من لم يكفرهم كذلك.

ضرب شيعة أهل البيت عليهم‌السلام :

وأوّل طائفة حاول الاستعمار ضربها ، هي عشّاق الإمام الحسين عليه‌السلام ومحبي أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم ، وذلك لأنّهم شطر الأمة الإسلامية ونصفها ، وما يميزهم عقائدهم المحكمة وتنمرهم بذات الله ولا تأخذهم بالحق لومة لائم أبداً.

فوجّهوا إليهم كل سهامهم ، وراحوا يكفّروهم ويصفوهم بأبشع الأوصاف وأنكرها ، ويصدرون الفتوى تلو الأخرى بتكفيرهم لا

___________________

(١) الصواعق الإلهية لسليمان بن عبد الوهاب : ص٦٣ ـ ٦٤.

٩١

لذنب ، فكل ذنبهم الإيمان وحب من حبه عنوان صحيفة المؤمن ( الإمام علي عليه‌السلام ).

ورغم أنّ ( المستر همفر ) يصف محمد عبد الوهاب أنّه كان في بداية حياته في البصرة لم يكن يتعصّب ضد الشيعة ، وحتّى أنّه كان يصادقهم ، ويتردد إليهم حتّى أنّ المستر تعرَّف إليه في دكان رجل شيعي ، إلا أنّ هذا ابن عبد الوهاب انقلب رأساً على عقب ، وصار الشيعة أكبر همّه ، وراح يصدر الكتب والرسائل والفتاوى بتكفيرهم والحط من شأنهم.

مهازل الفتاوى :

ألّف ابن عبد الوهاب رسالة أسماها ( الرد على الرافضة ) حشّاها بالسباب المقذع ، والاتهامات الباطلة ، والأوصاف التي لا تليق إلا بأمثاله من حثالات الأمم ، كقوله : الكذبة.. والكذابون ، وفاسدون ، ومفسدون ، وقبائح الرافضة ، وما أقبح ملّة قوم ، وتسود وجوه الرافضة والفسقة. ويخلص إلى أنّ : هؤلاء أشد ضرراً على الدِّين من اليهود والنصارى (١).

وهكذا تتالت الفتاوى من الشيخ نوح الذي أفتى بوجوب قتل

___________________

(١) رسالة في الرد على الرافضة : ص ١٣.

٩٢

الرافضة وسفك دمائهم ، وسبي نسائهم وذراريهم ، والاستيلاء على أموالهم.. لأنّ قتل رافضي واحد ( عنده ) أفضل من قتل ستين كافراً. ومن لم يقل بوجوب قتلهم كافر يقتل.

وهكذا قال ـ وعليه وزر عمله إنْ شاء الله ومن عمل به ـ لأنّه بهذه الفتوى أريقت دماء في مدينة حلب لا يعلمها إلا الله سبحانه ، حتى أنّ الدماء خرجت من أبواب المسجد الكبير من كثرة القتلى في المسجد.

وما زلنا نسمع مثل هذه الفتاوى إلى اليوم مثل :

١ ـ ابن عثيمين يقول : « الشيعة ، والصواب أنّ يقال الرافضة ويستشهد بقول ابن تيمية في تكفير الشيعة فيقول : فالرافضة كما وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم حيث قال ص ٣٩١ : إنهم أكذب طوائف أهل الأهواء ، وأعظمهم شركاً ، ... الرافضة أمة مخذولة ليس لها عقل صريح ، ولا نقل صحيح ، ولا دين مقبول ، ولا دنيا منصورة ».

ويعلق بعد شرح فاسد كأخلاقه ودينه :

« وأمّا خطر الرافضة على الإسلام فكبير جداً ، من حيث إنهم يدينون ( بالتقيّة ) التي حقيقتها النفاق وهو إظهار قبول الحق مع الكفر

٩٣

بهِ باطناً ، والمنافقون أضر على الإسلام من ذوي الكفر الصريح » (١).

٢ ـ ابن باز : وهذا ابن باز أعمى القلب والعين الذي لا يقول بكروية الأرض ويرفض دورانها في القرن العشرين.. يقول : « إنّ الشيعة فرق كثيرة ، وكل فرقة لديها أنواع من البدع ، وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية الاثني عشرية ؛ لكثرة الدعاة إليها ؛ ولما فيها من الشرك الأكبر ، كالاستغاثة بأهل البيت واعتقاد أنّهم يعلمون الغيب ».

٣ ـ ابن جبرين : وكذلك ابن جبرين لا يقل تفاهة وحقارة عن سابقيه فهو يقول محرّضاً السنّة لقتل الشيعة وإساءة معاملتهم حتّى في وظائفهم الرسمية :

« يكثر الابتلاء بهم ( الشيعة ) في كثير من الدوائر من مدارس وجامعات ودوائر حكومية في هذه الحال نرى ( وهذه فتواه ) إذا كانت الأغلبيّة لأهل السنّة أنْ يظهروا إهانتهم ، وإذلالهم وتحقيرهم ، وكذلك أنْ يظهروا شعائر أهل السنة.. لعلهم ينقمعوا بذلك وأنْ يذلّوا ويهانوا وتضّيق بذلك صدورهم ويبتعدوا.

وأمّا عن معاملتهم ؛ فيعاملهم الإنسان بالشدّة ، فيظهر في وجوههم الكراهية ، ويظهر البغض والتحقير ، والمقت لهم ، ولا يبدأهم بالسلام ، ولا يقوم لهم ، ولا يصافحهم ، ولكن يمكن إذا ابتدءوا بالسلام أن

___________________

(١) فتاوى مهمة : ١٤٥ ـ ١٤٧.

٩٤

يرد عليهم بقوله : وعليكم ، أو ما أشبه ذلك.. ».

انظر إلى هذا التعامل الإنساني الراقي في الفكر الوهابي !! والإمام علي عليه‌السلام يقول لنا : « فإنّهم [ الناس ] صنفان إمّا أخ لك في الدِّين ، وإمّا نظير لك في الخلق » (١) أين هذه الأخلاقيات الإسلامية من الساحة الوهابية.. بل أين الأخلاق ، والقيم ، وأساليب المعاملة بالحسنى ، حتى لو كان من تتعامل معه بلا دين ، ولا يعترف بالله ربّاً ، ولا بأي رسول أو نبي ، ألا يجب علينا أنْ نعامله بما نحبّ أنْ يعاملنا به.. ؟ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الدين المعاملة ».

وذاك المفتي ابن الجبرين يحرِّض أهل السنة ليس على إيذاء إخوانهم من الشيعة بل ، ويشجعهم على قتلهم إنْ استطاعوا يقول : « إنْ كان لأهل السنة دولة وقوة وأظهر الشيعة بدعهم ، وشركهم ، واعتقادهم ، فإنّ على أهل السنّة أنْ يجاهدوهم بالقتال ».

فهل أفتى بهذه الشدّة والصرامة ، لقتال اليهود وأمريكا والاستعمار الغربي المعاصر ؟!

ليته فعل..

إلا أنّه لا يمكن أنْ يفعل إلا ما يأمره به سادته في دوائر

___________________

(١) نهج البلاغة : ٣ / ٨٤ ، عهده لمالك الأشتر على مصر.

٩٥

المخابرات هناك وإلا فإنّ الدولار سوف ينقطع وتسوء الأحوال له ولأمثاله من الأبواق الضالة.

٤ ـ سليمان العودة : أمّا المدعو سليمان العودة فإنّه كفّر المسلمين الشيعة علانية على فضائية ( الجزيرة ) خلال برنامج ( بلا حدود ).

هذا على مستوى الأفراد ، أمّا مجلس الإفتاء واللجنة الدائمة للبحوث الوهابية فإنّها تصرِّح قائلة : « لا يجوز للمسلم أنْ يقلِّد مذهب الشيعة الإمامية ، ولا الشيعة الزيدية ، ولا أشباههم من أهل ، البدع كالخوارج والمعتزلة والجهمية ، وأمّا انتسابه إلى بعض المذاهب الأربعة المشهورة فلا حرج فيه إذا لم يتعصب للمذهب الذي انتسب إليه ولم يخالف الدليل من أجله ».

ومعنى هذه الفتوى الغير مباركة ، أنّ جميع الفرق الإسلامية الشيعية ، والسنيّة باطلة إلا من يقلدهم ويتبع تعليمات ابن عبد الوهاب كلمة كلمة.. سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ، وتقول اللجنة عن الدعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية لزيادة التضامن الإسلامي في مثل هذه الظروف الحرجة على الأمة كلها : « التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن ، لأنّ العقيدة مختلفة ».

نعم ، إنّ العقيدة مختلفة بين الشيعة والوهابية ، أمّا نقاط الالتقاء والقوّة بيننا وبين أهل السنة والجماعة هي كثيرة ولله الحمد ، وجهود المخلصين تبذل للتقريب والجمع والألفة بين السنة والشيعة على

٩٦

أساس ذلك ؛ لأنّ مسألة الاختلاف بالاجتهاد والفروع هي أمر طبيعي حتى بين المجتهدين ضمن المذهب الواحد.

وأمّا الوهابية فإنّهم يختلفون عن الأمّة الإسلامية ، فهم كالطحالب تماماً والطفيليات أو الفيروسات ( كالإيدز ) يتطفّلون على الإسلام وليس لهم من الإسلام شيء ؛ لأنّهم لا يحترمون الله سبحانه بالتجسيم والتشبيه ، ولا يحترمون رسولنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وينالون منه بالإهانة والسخرية ، ولا يقدِّرون أهل البيت عليهم‌السلام بالسباب والشتائم والطعن بهم ، ولا يحترمون الأمة إذ يرمونها كلها بالكفر والاشراك ، ويستحلّون دماءها وأموالها وأعراضها.

فأين هؤلاء من الإسلام لا والله ليس عندهم من الإسلام لا اسم ولا رسم لأنّ دينهم وهابي ، ورسولهم المطاع محمد بن عبد الوهاب دون غيره ، ونحن من هذا الدين براء حتى يوم الدين.

٢ ـ خلع الطاعة ومحاربة السادة :

جاء بتلك الخطة اللعينة : السعي لخلع طاعة الخليفة ( العثماني ) ومن اللازم محاربة ( أشراف الحجاز ) بكل الوسائل الممكنة.

هذا كان لأمر وقتي وزماني إلا أنّ المدقق فيه يرى أنّه محاولة لضرب الوحدة الإسلامية ومحاولة لتقطيع أوصال الدولة ، وهذا بالضبط معاهدة ( سايكس بيكو ) سيئة الصيت التي فرّقت الأمة

٩٧

العربية إلى دول متناحرة ووزعت الأراضي على المتعاونين معها.. وخالفتهم بعد التفرق بالأنظمة حتى يكون أبعد شيء بنظرهم الوحدة العربية عدا الإسلامية.

فضرب الخليفة العثماني ليس هو ضربة للأتراك فقط بل هو ضرب للدولة الإسلامية من رأسها مباشرة.

وأمّا أشراف الحجاز ، كان المقصود بهم الشريف حسين وأهل بيته الذين كانوا حكاماً على الحجاز ، ولهم قوتهم الضاربة ، لا سيما وأنّ الشريف حسين كان قائد الثورة العربية الكبرى وتوزع أبناؤه على الدول العربية من الحجاز إلى الأردن ثم الشام وأخيراً العراق.

ومراسلات حسين ـ مكماهون شهيرة بالتاريخ إلا أنّ البساطة السياسية للشريف جعلته لقمة سائغة ، وعصاة تحركها أيدي البريطانيين ، ولكنّ الغدر المتأصل بهم جعلوهم يعطونه بيد ويطعنونه بالأخرى بمقتل..

وفي الحقيقة أنّ اسم الإسلام ، والوحدة ، والجهاد ، والكعبة ، والقرآن كانت كلها مصادر رعب حقيقي لدوائر الاستعمار الغربي في القرون الأخيرة.. ولذا فإنّهم سعوا بكل ما يستطيعون لضرب هذه المفردات التي تشكل نقاط قوة لا يستهان بها للإسلام والمسلمين على مدى الأيام والعصور.

٩٨

٣ ـ هدم المقدسات :

إنّ هذه النقطة بالذات كان لها الأثر التخريبي الكبير في الأمة الإسلامية وتاريخها ؛ وذلك لأنّهم سعوا لطمس جميع الآثار النبوية ، ومحوا المآثر والاستهانة بكل المقدسات ابتداءً بالرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الكرام عليهم‌السلام وحتى الصحابة والتابعين.

جاء في خطة الهدم : « هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها.. باسم أنّها وثنية وشرك والاستعانة بشخصية النبي وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسر ».

إنّ كل جملة.. بل ربّما كل كلمة بهذا الكلام يحتاج إلى كتاب لشرحه وتوضيحه وسرد ما قام به هؤلاء العملاء ( الوهابية ) من أعمال تندى لها جبين الإنسانية كلها دون وازع من ضمير ولا رادع من دين.

أ ) هدم القباب والأضرحة :

إنّ القلب يكاد ينفطر عند الحديث عن هذه القباب المباركة الشامخة ، وتلك الأضرحة العالية الناصعة.. لأئمة المسلمين ، وأمهات المؤمنين ، والصحابة والتابعين ، نعم ، إنّ الخطة الاستعمارية كانت تقتضي الهدم ، والأيدي الوهابية الآثمة عشقت الهدم والردم

٩٩

والتخريب لكل ما هو صالح ونفيس مادياً ومعنوياً.

فبعد الاستيلاء على الحجاز وإحكام سيطرتهم على الحرمين المقدسين راحوا إلى تلك الأماكن والآثار ودمروها عن آخرها ، حتّى صارت قاعاً صفصفاً بعد أنْ كانت عامرة بكل معاني العظمة والكبرياء.

ففي يوم الثامن من شهر شوال سنة ١٣٤٤ ه‍ / ١٩٢٦ م انهالت معاول الجهل والعصبية على العتبات المقدسة والمراقد المطهرة في المدينة المنورة ، والتي كان يؤمها المسلمون ليروا من خلالها معالم تاريخهم وآثار سلفهم الصالح.. وليؤدّوا أمامها مراسيم التحية والإجلال لرسول الإسلام العظيم النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولآل بيته الطاهرين عليهم‌السلام وخيرة صحابته والمجاهدين.

لقد فوجئ المسلمون في العالم بذلك الاعتداء الأثيم الذي استهدف تاريخهم ومقدساتهم وتراثهم من قبل فئة محدودة لا يصلح لها أبداً مهما كانت مبرراتها أنْ تفرض رأيها في قضية وموضوع يرتبط بكل المسلمين.

ولكنّ أولئك القائمين بجريمة هدم المقدسات استبدّوا برأيهم وخالفوا إجماع الأمّة وجرحوا مشاعرها ورفضوا أي دعوة للحوار والنقاش حول الموضوع ، كما لم يبالوا بصرخات الاعتراض

١٠٠