الإمام علي بن الحسين عليه السلام دراسة تحليلية..

مختار الأسدي

الإمام علي بن الحسين عليه السلام دراسة تحليلية..

المؤلف:

مختار الأسدي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-215-6
الصفحات: ١٢٨

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEmam-Ali-Ben-Hosainimagesimage001.gif

١

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEmam-Ali-Ben-Hosainimagesrafed.jpg

٢

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEmam-Ali-Ben-Hosainimagesimage002.gif

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

مقدِّمة المركز

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وصلّىٰ الله علىٰ سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..

وبعد.. في رحاب النبي العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الطاهرين عليهم‌السلام نعيش أروع معالم الكمال البشري، وأسمىٰ آيات العظمة الإنسانية، ونتابع سلسلة من المواقف التي تحمل في ذاتها كل مبررات البقاء والخلود ، معالم طريق، ومنارات هدىٰ، وبيّنات مجد لا يضاهىٰ.. ذلك إذا ما وقفنا عند تلك المعالم وهذه المنارات والبينات كما ينبغي، مرسلين النظر في أطرافها ، باعثين سفراء العقول والضمائر بين ثناياها وفي أعماقها.. وقفة الدارس المتأمل، والناظر المستلهم، وهذا عين ما أردناه من هذه السلسلة الخاصة في دراسة سير المعصومين عليهم‌السلام.. ولعل أول ما نلمحه من نظرة كلية الىٰ سيرهم الغنية بالعطاء هو انّ كل واحدٍ منهم عليهم‌السلام قد تميّز بواحدةٍ من الخصال أو أكثر، صبغت أيامه، وربّما تراثه أيضاً بصبغتها المميزة، مع ما نلاحظه من خطوط التلاقي الوفيرة، والتكامل التاريخي المتجسّد في سيرة واحدة تمتد قرنين ونصف القرن، منذ فجر الرسالة وحتىٰ غياب المعصوم الرابع عشر.

فإذا كان لون الشهادة هو الغالب علىٰ سيرة الحسين عليه‌السلام.. ونهضة الدين العارمة المتنقلة بين السجون مع موسىٰ الكاظم عليه‌السلام.. وظاهرة الإمامة المبكرة مع الجواد والهادي والمهدي عليهم‌السلام، فثمة حلقات تاريخية شاخصة المعالم تجمع سير العظماء الخمسة مع من سبقهم، ومن هو بينهم من هداة البشر عليهم‌السلام.

وفي حياة خامس الأئمة ، زين العابدين عليه‌السلام ، سنرىٰ ظاهرة جديدة ، ربّما في تاريخ عظماء البشر علىٰ الإطلاق، ظاهرة السبك الحكمي الدقيق لكل مبادىء الإسلام من أركان وتعاليم، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومفاتح التغيير الإجتماعي، ومفاتح الثورة علىٰ الظالمين، ومبادىء حقوق الإنسان، سبكها كلها في لغة الدعاء والابتهال المقروء والمحمول، بعد أن كانت من أخطر الممنوعات

٥

في عصره لو اتخذت لونها المباشر.

ومع هذا التمييز الواضح والكبير فإنّ ظاهرة التواصل والامتداد في المسؤوليات والمهمات بينه وبين آبائه الطاهرين، انتهاءً بسيد الكائنات محمد المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي المحور الثابت في حياته وسيرته عليه‌السلام.

وكم هو مناسب أن نلمح بعض وجوه الشبه بين ظروف حياته الخاصة وبين بعض خصائص جده أمير المؤمنين عليٍّ عليه‌السلام ؛ فقد عاش عليٌّ عليه‌السلام ما يزيد بقليل على ربع القرن في كنف المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحبته، وأقل بقليل من هذا عاش عليٌّ الثاني زين العابدين مع عمّه الحسن وأبيه الحسين سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.. وابتدأ عليٌّ الأول محنته بغياب حبيبه المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، وابتدأ عليٌّ الثاني محنته بغياب أبيه سيد الشهداء سبط المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.. وعاش عليٌّ الأول جلالة الصبر وذروة حكمة العظماء وهو يرىٰ من هم دونه يتناوبون الخلافة، ومثل هذا عاشه عليٌّ الثاني منذ رحيل والده الشهيد.. وترك عليٌّ الأول أعظم دروس الحكمة والمقاطع الشاهدة علىٰ التاريخ في أروع بيان ، جُمع بعضه في «نهج البلاغة»، كما ترك عليٌّ الثاني حكمته ودروسه الشاهدة علىٰ التاريخ في صحيفته السجادية المنسوجة في أروع بيان.

وفي هذا كله، وبينه، مشاهد حيّة، وعطاءات خالدة، ومواقف فذّة، حرية بجهد جاد في الدراسة والتحليل.

ولقد وقف إصدرانا هذا وقفة موفقة مع كثير من تلك الحلقات والمشاهد، في دراسة جادّة نرجو أنّها قد قدمت ما هو جديد ومفيد في التعرف علىٰ سيرة هذا الرجل العظيم..

والله من وراء القصد.. وهو الهادي الىٰ سواء السبيل.

مركز الرسالة

٦

المقدِّمة

دأب معظم الكتّاب والباحثين الذين كتبوا عن سيرة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام علىٰ عدم تجاوز النسق التقليدي في العرض التأريخي لحياة كل واحد منهم ، والذي يستهل عادة بذكر يوم ولادته وأسمائه وكناه ومناقبه ومعاجزه وكراماته ونحوها، انتهاءً بوفاته... وقليل منهم من يدون مقاطع وأحداثاً أكثر إثارة في حياتهم الاجتماعية والسياسية.

هذا مع عموم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أما حين نأتي علىٰ دراسة حياة الإمام السجاد زين العابدين عليه‌السلام فسنرى الرزيّة أعظم والكارثة أدهىٰ وأمرّ ؛ إذ إنّ هذا الإمام ـ كما هو معروف ـ عاش أقسىٰ وأشدّ ما يعانيه إنسان معارض وهو يرىٰ بأُم عينيه مشاهد وفصول واقعة كربلاء الرهيبة ويبقىٰ يحمل ذكرياتها في ضميره ووجدانه ، الأمر الذي دفع السلطات إلىٰ أن تحصي عليه أنفاسه وتراقب حركاته وسكناته ، وفي مقطع زمني بغيض أقلّ ما قيل فيه إنّ الناس بعد مصرع والده الإمام الحسين عليه‌السلام «ارتدوا جميعاً إلّا ثلاثة» (١).

وذلك تعبير عن هول الصدمة التي عصفت بمشاعر الاُمّة وهي ترىٰ ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيد شباب أهل الجنة مع أصحابه وبنيه مجزّرين كالأضاحي في رمضاء كربلاء ، لا يسلم منهم أحد إلّا رجل واحد مريض ، اختزنته المشيئة الإلهية ليبقىٰ شاهداً علىٰ العصر وحجّة علىٰ

_______________________

(١) عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « ارتدّ الناس بعد قتل الحسين عليه‌السلام إلّا ثلاثة ، وهم أبو خالد الكابلي ، ويحيىٰ ابن أم الطويل ، وجبير بن مطعم ، ثم قال : ثم إنّ الناس لحقوا وكثروا » ، راجع : رجال الكشي ، ترجمة ابن أم الطويل.

٧

العباد لاستكمال فصول «الابتلاء» ؛ بل الغضب الإلهي الذي عمّ أهل الدنيا بعد تلك الواقعة السوداء التي لطخت وجه التاريخ.

نقول ، إنّ «التاريخ الأسود» الذي كتبته السلطة الأموية الحاكمة ، لم يبق للمؤرخين من سيرة هذا الإمام العظيم إلّا النزر القليل، فضلاً عن التحريف المتعمد لتشويه صورته والتعتيم علىٰ مواقفه وسيرته ووفق الطريقة التي تخدم السلطة الحاكمة ، وتبرّر للحكام عزلته أو اعتزاله ، بل تفسّر ذلك وتبرره علىٰ أنّه الموقف السليم من الحكم ، الأمر الذي سار عليه الكتّاب والمؤرخون في تفسيرهم الظاهري لاعتزاله ، بل عزله وإقصائه (١).

ولكن ، ومع كل هذا التغييب المتعمّد أو هذا التعسف الظالم بحق الإمام السجاد عليه‌السلام ، إلّا أن مواقفه وكلماته وسيرته تحدّت حجب الزمن وركام التاريخ وغبار المدوّنات الظالمة ، وتركت لنا منه سفراً خالداً يجدر بالكتّاب والباحثين المعاصرين أن يقرأوه أو يدرسوه قراءة متأنية أُخرىٰ ، أو دراسة تحليلية جديدة تتناسب مع موقعه باعتباره الرمز الأول في معارضة سلبية قُتل كافة رجالها في معركة غير متكافئة ، أقعده المرض عن خوضها وبقي يُقاتل وحده ، بطريقةٍ أقلّ ما يقال فيها أنّها كانت أقسىٰ من ساعة مواجهة كان يمكن أن يستشهد فيها مع اخوته وأبيه وأصحاب أبيه ويتخلص من أيام ضيم وسنيّ ألم وعقود حصار ، وملاحقة مرّة جعلت منه رمزاً منغّصاً ، وهاجساً مرعباً لسلطة الباطل ، ووجهاً لوجه أمام قوم غلاظ نزع الله من قلوبهم الرحمة ، فراحوا يعدّون عليه أنفاسه ويلجأون إلىٰ شتىٰ الوسائل لاِنهائه والاجهاز عليه وإلحاقه بمن سبقه من سلالة هذا البيت الطاهر الكريم...

_______________________

(١) راجع : نظرية الإمامة / صبحي الصالح : ٣٤٩ ، وحياة الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : ٣٢٠ ، وثورة زيد / ناجي حسن : ٣٠ ـ ٣١ ، والفكر الشيعي والنزاعات الصوفية / الشيبي : ١٧. والصلة بين التصوف والتشيع : ١٠٤ و ١٠٧.

٨

إذن ، من هذا المنطلق سنحاول في بحثنا هذا أن نقترب من هذا الإمام العظيم باعتباره حركة في الواقع وتجسيداً للمثال ، وقدوة حسنة ، ونموذجاً حركياً عاش علىٰ الأرض وتحرك مع الناس وأنزل المفاهيم السماوية مصاديق متحركة تمشي علىٰ أقدامها في الأسواق ومع الفقراء والعبيد وعوامّ الناس ، لتؤكد للجميع أنّ الإمام شعار وشعور ، مفاهيم ومصاديق ، أقوال وأفعال ، موعظة وسلوك ، توجيه وممارسة ، يواسي الفقير ، وينتصر للمظلوم ، ويصفح عن المسيء ، يعدل بين المتخاصمين ، ويدعو علىٰ الظالمين ، ويدعو للمظلومين ، يبكي نبلاً ، ويتهجّد صدقاً ، وينشج حزناً ، ويقرأ القرآن اعتقاداً وتصديقاً ، ويرتّله إيماناً ويقيناً ، ويعمل به أخلاقاً وسلوكاً ، فلسفة وعرفاناً ، نظرية وتطبيقاً...

ولعلّ ما أردنا إثباته بل تأكيده في هذه الدراسة التحليلية الموجزة للإمام السجاد عليه‌السلام هو هذا وليس أكثر ، مؤكدين أيضاً أن الخلود ليس من نصيب الحاكم صاحب السلطة والصولجان مهما تماهىٰ مع ذاته في كتابة تأريخه وأغدق علىٰ شعرائه وكتّاب دواوينه ، وإنّما المجد والخلود يكون عادةً من نصيب المعارض الصادق ، وإن كان ملاحقاً أو سجيناً أو شهيداً ولو بعد حين.

وحين نقول إنّ عظمة (البيان) جاءت في القرآن الكريم بعد عظمة (خلق الإنسان).. ( الرَّحْمَٰنُ * خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) ، فإنّ بيان الإمام السجاد عليه‌السلام كان بياناً ما بعده بيان ، وامتداداً لبيان جدّه أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي عُدّ دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ، فضلاً عن كونه إنساناً لا كالناس ، بل لم يترك له الناس في زمانه دوراً إلّا أن يكون محوراً لتذكيرهم بربهم ، يكبح تهالكهم علىٰ الدنيا وتهافتهم عليها حين يرونه قد اصفر وجهه (١) عند وضوئه وقبل الوقوف بين يدي ربه... وكفاه

_______________________

(١) الصواق المحرقة : ٣٠٢.

٩

فخراً وعزاً أنّه كان أول الذين صبروا وصمدوا وواجهوا ورابطوا ، وكان عنواناً عريضاً للمعارض الذي لا يستكين ، والباكي الذي فجّر بالدموع دماً ، والداعي الذي فتّت بدعائه الجلمود رقّة وعطفاً ، والناهض الذي يُرعب الأعداء بصمته وهيبته وسكوته ، ورفيق العبيد الذي يحصي عليه خصومه كلماته مع عبيده ، ويحصون عليه أنفاسه ، وطلعاته الليلية التي يحمل فيها جرابه ليطرق أبواب المحتاجين ويعطيهم مما أعطاه الله سرّاً...

هذا هو زين العابدين الذي سنقرأه دراسة وتأمّلاً وتحليلاً ، وليس سرداً استعراضياً أو حكاية أو معجزة أو قصة ، أو سيرة تاريخية ، مع كامل اعتزازنا بمن قرأه هكذا من المؤلفين والمؤرخين والكتّاب ، فلكل كاتبٍ قارىء ، ولكلِّ زهرة نكهة...

وقد تمت هذه الدارسة في ستة فصول :

الاَول تناول ـ تحت عنوان (الإمام السجاد عليه‌السلام في سطور) ـ المحطات الاساسية في حياته الشريفة والتأشير صوب الأدوار الرئيسية التي جسّدها في حياته.

وتناول الفصل الثاني ظاهرة البكاء عند الإمام السجاد عليه‌السلام بالدراسة والتحليل.

واختص الفصل الثالث بدراسة ظاهرتي العبادة والدعاء عنده عليه‌السلام.

وتركز الفصل الرابع حول فلسفة الإمام عليه‌السلام في الانفاق وتحرير العبيد.

ولوقفة متأنية في (رسالة الحقوق) أفردنا الفصل الخامس.

أمّا الختام فكان في خلاصة الجهاد السياسي للإمام السجاد عليه‌السلام ، وهو موضوع الفصل السادس والأخير.

والله تعالىٰ من وراء القصد ، عليه توكّلنا ، وإليه أنبنا ، إنّه نعم المولىٰ ونعم النصير...

١٠

الفصل الأول

الإمام السجاد عليه‌السلام في سطور

الشخصية :

ولد الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام في السنة الثامنة والثلاثين للهجرة النبوية الشريفة في شهر شعبان ، واختلف المؤرخون في يوم ولادته ومكانها ، فبعضهم قال : إنّه ولد في الكوفة (١)، فيما قال آخرون إن ولادته كانت في يثرب (٢).

وقد عُرف بين المؤرخين والمحدّثين بابن الخيرتين ؛ لأنّ أباه هو الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، وأمّه من بنات ملك الفرس كسرىٰ ، أُسرت في إحدىٰ الحروب وعُرض عليها الزواج فاختارت الإمام الحسين عليه‌السلام فتزوجها تكريماً لها.

وجاء في (ربيع الأبرار) للزمخشري : أنّ لله في عباده خيرتان : فخيرته من العرب بنو هاشم ، وخيرته من العجم فارس (٣) ، وفي ذلك قال أبو الأسود الدؤلي :

وإنّ وليداً بين كسرىٰ وهاشمٍ

لأكرمُ من نيطت عليه التمائمُ

_______________________

(١) شذرات الذهب ١ : ١٠٤.

(٢) الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ١٨٧.

(٣) ربيع الأبرار ١ : ٣٣٤ / ٧٣.

١١

استمرت إمامته أربعةً وثلاثين سنة ، عاصر فيها مُلك يزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان ، وتوفي مسموماً ـ حسب أكثر الروايات التاريخية ـ في عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان (١) ، وذلك في النصف الأول من شهر محرم الحرام سنة خمس وتسعين للهجرة ، وقيل قبل ذلك أو بعده بقليل...

عاش حوالي سبعاً وخمسين عاماً ، قضىٰ بضع سنين منها في كنف جدّه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ثم نشأ في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين عليهما‌السلام سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستقىٰ علومه من هذه المصادر الطاهرة.

برز علىٰ الصعيد العلمي والديني ، إماماً في الدين ومناراً في العلم ، ومرجعاً ومثلاً أعلىٰ في الورع والعبادة والتقوىٰ حتىٰ سلّم المسلمون جميعاً في عصره بأنّه أفقه أهل زمانه وأورعهم وأتقاهم... فقال الزهري ، وهو من معاصريه : «ما رأيتُ قرشياً أفضل منه» ، وقال سعيد بن المسيّب وهو من معاصريه أيضاً : «ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين» ، وقال الإمام مالك : «سمي زين العابدين لكثرة عبادته» ، وقال سفيان بن عيينة «ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه» ، وعدّه الشافعي أنّه : «أفقه أهل المدينة».

وقد اعترف بهذه الحقيقة حكام عصره من بني أمية أنفسهم ، رغم ما بينه وبينهم من عداوة وخصومة ، فقال له عبدالملك بن مروان يوماً : «لقد أوتيت من العلم والدين والورع مالم يؤته أحد مثلك قبلك إلّا من مضىٰ

_______________________

(١) الاتحاف بحب الأشراف / عبدالله الشبراوي الشافعي : ١٤٣ ، دار الذخائر للمطبوعات.

١٢

من سلفك..» ، ووصفه عمر بن عبدالعزيز بأنّه : «سراج الدنيا وجمال الإسلام » (١).

وحين اصطدم عبدالملك بن مروان بملك الروم وتماحكا حول مسألة النقود ، لم يجد الأول مفزعاً ومُعيناً إلّا الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، فهرع إليه يستعينه علىٰ إنقاذ المسلمين من ورطتهم ، فوضع له الإمام اُطروحة متكاملة للنقد الإسلامي (٢) ، وأنقذ المسلمين من إذلال الروم ، ولعلّ آثار هذه الاُطروحة والعمل بالنقد ما زالت لحدّ اليوم.

من أشهر ألقابه : زين العابدين ، والسجاد ، وذو الثفنات ، والبكّاء ، والعابد ، وأشهرها الأول...

جاء في المرويات عن محمد بن شهاب الزهري أنّه كان يقول : «يقوم يوم القيامة منادٍ ينادي : ليقم سيد العابدين في زمانه ، فيقوم علي ابن الحسين».

وجاء في (تذكرة الخواص) لابن الجوزي ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي سماه بهذا الاسم (٣) ، وكذلك حسب الروايات الشيعية في تسمية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأئمة أهل البيت الاثني عشر المعروفين عليهم‌السلام.

وجاء في تسميته بذي الثفنات ، أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام قال : « كان لأبي في موضع سجوده آثار ثابتة وكان يقطعها في كلِّ سنة من طول سجوده وكثرته ... » (٤).

_______________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٠٣ ـ ٣٠٥.

(٢) المصدر السابق : ٨.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٩١.

(٤) المناقب ٤ : ١٨٠ ـ ١٨١.

١٣

ويروي الرواة عن سبب تسميته (البكّاء) عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « بكىٰ جدي علي بن الحسين عليه‌السلام علىٰ أبيه عشرين سنة ، ما وضع خلالها بين يديه طعام أو ماء إلّا بكىٰ ، فقال له أحد مواليه يوماً : جُعلت فداك يا ابن رسول الله ، إنّي أخاف أن تكون من الهالكين ، فقال : إنّما أشكو بثّي وحزني إلىٰ الله ، وأعلم ما لا تعلمون... .

وقال له مولىً آخر في يوم آخر : «أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقلّ ؟ فقال عليه‌السلام : ويحك ، إنّ يعقوب النبي كان له اثنا عشر ولداً ، فغيّب الله واحداً منهم ، فابيضت عيناه عليه من كثرة البكاء واحدودب ظهره... وأنا نظرتُ إلىٰ أبي وإخوتي وعمومتي وسبعة عشر شاباً من بني عمومتي مجزرين أمامي كالأضاحي.. ونظرت إلىٰ عمّاتي وأخواتي هائمات في البراري وقد أحاط بهنّ أهل الكوفة وهنّ يستغثن ويندبن قتلاهن ...» ».

وجاء عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام أيضاً أنّه قال : « البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمد ، وعلي بن الحسين ».

وتحدّث المؤرخون عن بكائه عليه‌السلام الكثير الكثير ، حتىٰ قيل أنّه ما رأىٰ جزاراً يذبح شاة حتىٰ يدنو منه ويسأله هل سقاها ماءً وحين يقال له نعم ، يبكي ويقول : « لقد ذُبح أبو عبدالله عطشاناً ».

وما يجيئه ضيفٌ ويسأله عن ميّت له ، هل غسّله وكفّنه ؟ ويكون الجواب ، نعم هذا واجب يا ابن رسول الله ، حتىٰ يبكي ويقول : « لقد قُتل والدي غريباً وبقي ثلاثة أيام تصهره الشمس بلا غُسل ولا كفن... ».

وهكذا حتىٰ كاد يفجّر ببكائه وأسئلته وتعليقاته تلك ، كل معاني الغضب المقدّس في نفوس الأحرار والثوار ويستنهضهم بشكل مباشر أو غير مباشر للثورة علىٰ الظلم والظالمين ، والتمرّد علىٰ أعداء الدين الذين

١٤

يستبيحون الحرمات ، ويهتكون المقدّسات ، ويستهترون بالقيم والمبادىء والحدود...

نعم ، لقد هزّ الإمام السجاد بتلك الدموع عروش الأمويين وزلزل حكمهم ، ونغّص عليهم دنياهم التي باعوها بدينهم وآخرتهم ، والتي لم يحفظوا فيها لأهل بيت النبي حرمة ، ولا رعوا لهم فيها إلاً ولا ذمة... فكان الذي كان وصار الذي سنقرأ بعض تفاصيله في الصفحات القليلة التالية...

المحطات الرئيسية في حياة الإمام السجاد عليه‌السلام :

في قراءة سريعة لسيرة الإمام السجاد عليه‌السلام لا يسع القارئ إلّا أن يتوقف أمام البداية والمرتكز اللذين وسما شخصيته عليه‌السلام وجعلاه يُسجّل أسطع صفحات النضال في مسيرته المستقبلية اللاحقة...

ويمكن اعتبار حضوره في كربلاء ومواقفه في الشام ، وتخطيطه في المدينة بعد عودته إليها هي المحطات الثلاثة التي تؤشر الأبعاد الحقيقية التي بلورت شخصيته الجهادية في قابل الأيام والسنين ، فضلاً عن محطته الرئيسية في بيت العصمة والطهارة الذي نشأ وعاش وترعرع فيه وخاصة مع جدّه الإمام علي وأبيه الحسين وعمّيه الحسن والعباس عليهم‌السلام.

وعند التأمل في هذه المحطات الثلاث ، نكتشف أنّ جهاد الإمام السجّاد عليه‌السلام ودوره في تأصيل القيم التي من أجلها استشهد جده وأبوه وعمّاه ، لم تكن لتُرسم بقعقعة السيوف وصليلها فقط ، وإنّما بكشف الحقائق التي تمّ تزويرها أو التعتيم عليها بعد مصرع أبيه وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ، وتوقّف صهيل خيولها وهجع ضجيج عساكرها وصخب مقاتليها...

١٥

المحطة الاُولىٰ : في كربلاء :

تؤكد المصادر التاريخية أنّ الإمام السجاد عليه‌السلام كان حاضراً في كربلاء إذ شهد واقعة الطفّ بجزئياتها وتفاصيلها وجميع مشاهدها المروّعة ، وكان شاهداً عليها ومؤرخاً لها ، ولعلّه يُعتبر أصدق وأهم مراجعها علىٰ الإطلاق..

ولقد ورد في بعض النصوص التأريخية المعتبرة عن أهل البيت عليهم‌السلام في ذكر أسماء من حضر مع الإمام الحسين عليه‌السلام ، أنّ الإمام السجاد عليه‌السلام قد قاتل في ذلك اليوم وقد جُرح..

وكان ممّا ورد في هذا السياق ما نصه : «وكان علي بن الحسين عليلاً ، وارتُثَّ يومئذٍ ، وقد حضر بعض القتال ، فدفع الله عنه وأُخِذ مع النساء» (١).

ومع وضوح هذا النص ، فإنّ كلمة (ارتُثَّ) هذه تدلُّ علىٰ اشتراكه في القتال ، لأنّها تُقال لمن حُمل من المعركة بعد أن قاتل وأُثخن بالجراح ، فأُخرج من أرضها وبه رمق ، كما يقول اللغويون ، أو أصحاب فقه اللغة (٢).

إلّا أن المؤكد في معظم المصادر التاريخية ، أو المتفق عليه فيها أنه كان يوم كربلاء مريضاً أو موعوكاً (٣) وللحدّ الذي لا يستطيع الوقوف علىٰ

_______________________

(١) جهاد الإمام السجاد / محمد رضا الحسيني الجلالي : ٥١ عن كتاب «تسمية من قتل مع الحسين عليه‌السلام من أهل بيته وأخوته وشيعته» الذي جمعه المحدّث الزيدي الفضيل بن الزبير ، الأسدي، الرسّان، الكوفي من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ، والكتاب مذكور في الأمالي الخميسية للمرشد بالله ١ : ١٧٠ ـ ١٧٣. والحدائق الوردية / المهلبي ١ : ١٢٠.

(٢) لاحظ كلمة (رثث) في كتب اللغة. اُنظر المغرب للمطرزي ١ : ١٨٤. والقاموس ١ : ١٦٧. ولسان العرب ٤ : ٤٥٧.

(٣) الارشاد / المفيد : ٢٣١. وشرح الأخبار ٣ : ٢٥٠. وسير أعلام النبلاء ٤ : ٤٨٦. وأشار ابن

١٦

قدميه ، أو لا تحمله قدماه ، كما تقول الروايات.

فقد جاء في تاريخ اليعقوبي ـ المجلد الثاني ، ما نصه : (روي عن علي ابن الحسين عليه‌السلام أنّه قال : « إنّي لجالسٌ في العشية التي قُتل فيها أبي الحسين بن علي ، في صبيحتها وعمّتي زينب تمرّضني ، إذ دخل أبي وهو يقول :

يا دهرُ أفٍّ لك من خليلِ

كم لك في الإشراق والأصيلِ

من طالبٍ وصاحبٍ قتيلِ

والدهر لا يقنع بالبديلِ

وإنّما الأمر إلىٰ الجليلِ

وكلّ حيٍّ سالكُ السبيلِ

ففهمتُ ما قال وعرفتُ ما أراد ، وخنقتني عبرتي ، ورددتُ دمعتي ، وعرفتُ أنّ البلاء قد نزل بنا. فأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا سمعت ما سمعت ، والنساء من شأنهنّ الرقّة والجزع ، لم تملك أن وثبت تجرّ ثوبها حاسرة وهي تقول : واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة... ، فقال لها الحسين : يا أختي اتّقي الله ، فإنّ الموت نازل لا محالة ، فلطمت وجهها وشقّت جيبها وخرّت مغشياً عليها ، وصاحت واويلاه واثكلاه ، فتقدّم إليها وصبّ علىٰ وجهها الماء وقال : يا أختاه : تعزّي بعزاء الله ، فإنّ لي ولكلِّ مسلم ومسلمة اُسوة برسول الله... ثمّ قال : إنّي أُقسم عليك ، فأبرّي قسمي ، لا تشقّي عليَّ جيباً ، ولا تخمشي عليَّ وجهاً ، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور. ثمّ جاء حتىٰ

_______________________

سعد في تاريخه أيضاً قائلاً : كان علي بن الحسين مع أبيه بطف كربلاء وعمره إذ ذاك ثلاث وعشرون سنة ، لكنه كان مريضاً ملقىٰ علىٰ فراشه ، قد نهكته العلّة والمرض. ولما قُتل والده ، قال الشمر بن ذي الجوشن : اقتلوا هذا الغلام فقال بعض أصحابه : سبحان الله ، تقتلون فتىً مريضاً لم يُقاتل فتركوه..» ، راجع كتاب الاتحاف بحب الأشراف / الشيخ عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي : ١٤٣ دار الذخائر للمطبوعات.

١٧

أجلسها عندي ، فإنّي لمريض مدنف ، وخرج إلىٰ أصحابه... » (١).

ثمّ راح عليه‌السلام يشرح قصّة مصرع والده عليه‌السلام وأصحابه وبنيه وأهل بيته.. ويؤرّخ مواقفهم وملاحمهم البطولية الخالدة بأصدق ما يكون المؤرخ ، وأدقّ ما يسجل التاريخ...

إذن ، كان الإمام الحسين برحلته من الحجاز إلىٰ العراق ، وكلماته كلّها ، ومصرعه الدامي ومشاهد البطولة والفداء ، كلّها مخزونة في وجدان وضمير الإمام السجاد وهو يسمعه يقول يوماً : « كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء » ، ويسمعه يقول في يوم آخر : « من رأىٰ منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ولم يغيّر عليه بقول أو فعل كان حقاً علىٰ الله أن يدخله مدخله » ، ويسمعه يقول في يوم ثالث ورابع : « والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرُّ لكم إقرار العبيد » « إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً » « الموت أولىٰ من ركوب العار ، والعار أولىٰ من دخول النار » فيما يسمع إخوته وأبناء عمومته وأصحاب أبيه ينشدون في حومة الوغىٰ ويهتفون :

* إذا لم يكن من الموتِ بدٌّ

فمن العار أن تموت جبانا

* أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وأيم الله أولىٰ بالنبي

أطعنكم بالرمح حتىٰ ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلامٍ علوي هاشمي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

* سأمضي وما بالموت عارٌ علىٰ الفتىٰ

إذا ما نوىٰ خيراً وجاهد مسلما

_______________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، دار صادر ـ بيروت.

١٨

وواسىٰ الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً وخالف مجرما

فإن عشتُ لم أندم وإن متُّ لم أُلم

كفىٰ بك ذلّاً أن تعيش وتُرغما

كلّ ذلك وغيره كثير يختزنه الإمام السجاد ويطوي عليه قلبه وضلوعه ، إذ لم يتسنَّ له أن يبذل مهجته ، لجرحٍ أصابه ، فأخرجه من المعركة ، أو مرضٍ شديد أقعده عن المساهمة فيها ، فيحمل تلك المشاهد والكلمات ليصبح بعد ذلك ناطقاً رسمياً بما شاهده واطّلع عليه ، ويكون المرجع الرئيس المُنتدب لإتمام المهمة التي استشهد من أجلها أبوه الإمام الحسين عليه‌السلام ، والتي لم تنته باستشهاده ، بل إنّها بدأت بعد ذلك مباشرة فعلاً.

وحين نقول ذلك ونؤكد أن مصرع الإمام الحسين عليه‌السلام هو الحدث التاريخي الأكبر الذي أدىٰ إلىٰ بلورة الاتجاه الصحيح في الإسلام ، وقاد ثورته التصحيحية فعلاً ، فان دور الإمام السجاد عليه‌السلام يأتي الأكثر تجلياً في ريادة مشروع هذه الثورة واستكمال فصولها وتجلية مفرداتها وشرح أبعادها ورسم المعالم الحقيقية للخط الإسلامي المحمدي الأصيل.

المحطة الثانية : في الكوفة والشام :

نعم ، في معسكر الأعداء ، وفي أسر الخصوم ، في الكوفة ومجلس أميرها ، وفي الشام وأمام مليكها والتي لا يقل الموقف البطولي فيها عن ميدان الوغىٰ وحومة الصراع ، يستحضر الإمام السجاد عليه‌السلام مصارع إخوته وأبناء عمومته ، فيقف شامخاً في قصر الإمارة بالكوفة مع عمّته زينب

١٩

وهما يحملان بلاغة علي وعنفوان الحسين وعزّة العباس ، ليقولا بكلام عربي فصيح ومواجهة كلامية حادّة بينهما وبين الطاغية عبيد الله بن زياد ، قولاً لا يمكن أن يقوله ثائر مغلوب منكسر في مثل موقعهما وموقفهما وأمام هذا الطاغية الذي مازال يقطر سيفه من دماء المجزّرين في رمضاء كربلاء من أهل بيت النبوة..

يلتفت ابن زياد لزينب وهي جالسة حزينة منكسرة وقد صدّت بوجهها عنه فيقول : «من هذه الجالسة ؟» فلا تكلّمه ، ويكرّر فلا تكلّمه ، فيعيد ثالثة وهي مصرّة لا تكلّمه ، حتىٰ يقول بعض إمائها : «هذه زينب بنت فاطمة».

فقال لها ابن زياد : «الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أُحدوثتكم».

فتقول عليها‌السلام : « الحمدُ لله الذي أكرمنا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول (أنت) ، وإنّما يُفتضح الفاسق ، ويكذّب الفاجر ، وهو غيرنا ياابن مرجانة.. ».

فقال : «فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتكِ ؟» ، قالت : « قوم كُتب عليهم القتل فبرزوا إلىٰ مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون عنده.. » فغضب بن زياد (واستشاط) وقال : «قد شفىٰ الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك» ، فبكت وقالت : « لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرتَ أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن يُشفك هذا فقد اشتفيتَ ... » (١).

_______________________

(١) جميع هذه النصوص وردت في كتاب «الكامل في التاريخ ، ابن الاثير ٣ : ٤٥» وفيها

٢٠