مستدرك الوسائل - ج ١٣

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

مستدرك الوسائل - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قبلك ، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم ، وانما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده ، فليكن احب الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح ، فاملك هواك ، وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك ، فان الشح بالنفس الانصاف منها فيما احببت وكرهت ، واشعر قلبك الرحمة بالرعية ، والمحبّة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم ، فانهم صنفان : اما اخ لك في الدين ، واما نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزلل ، ويعرض لهم العلل ، ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ ، فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فانك فوقهم ، ووالي الامر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك ، وقد استكفاك امرهم وابتلاك بهم ، ولا تنصبن نفسك لحرب الله ، فانه لا يد لك (٨٥) بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ، ولا تندمنّ على عفو ، ولا تبجحن بعقوبة ، ولا تسرعن الى بادرة وجدت عنها مندوحة ، ولا تقولن اني مؤمَّر آمر فاطاع ، فان ذلك ادخال (٨٦) في القلب ، ومنهكة في الدين ، وتقرب من الغِيَر ، واذا احدث لك ما أنت فيه من سلطان ابهة أو مخيلة (٨٧) ، فانظر الى عظم ملك الله فوقك ، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك ، فان ذلك يطامن اليك من طماحك (٨٨) ، ويكف عنك من غربك (٨٩) ، ويفي إليك بما عزب عنك من عقلك ، اياك ومساماة الله في عظمته ، والتشبه به في جبروته ، فان الله يذل كل جبار ، ويهين كل مختال ، انصف الله وانصف الناس ، من نفسك ومن خاصة اهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك ، فانك ان لا تفعل تظلم ، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله ادحض حجته ، فكان (٩٠) لله حرباً حتى ينزع ويتوب ، وليس شيء ادعى الى تغيير نعمة

_________________________

(٨٥) في نسخة والمصدر : ولا يدى لك .

(٨٦) في المصدر : ادغال .

(٨٧) المخيلة : التكبر ( لسان العرب ج ١١ ص ٢٢٨ ) .

(٨٨) الطماح : التكبر والفخر ( لسان العرب ج ٢ ص ٥٣٤ ) .

(٨٩) الغرب : الحدة والنشاط ( لسان العرب ج ١ ص ٦٤١ ) .

(٩٠) في نسخة : وكان .

١٦١
 &

الله وتعجيل نقمته ، من اقامة على ظلم ، فان الله يسمع دعوة المظلومين ، وهو للظالمين بالمرصاد ، وليكن احب الامور اليك أوسطها في الحق ، واعمها في العدل ، واجمعها لرضى الرعية ، فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة ، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة ، وليس احد من الرعية اثقل على الوالي مؤونة في الرخاء ، واقل له معونة في البلاء ، واكره للانصاف ، واسأل بالالحاف ، واقل شكراً عند الاعطاء ، وابطأ عذراً عند المنع ، واضعف صبراً عند ملمات الدهر من الخاصة ، وانما عمود الدين ، وجماع المسلمين ، والعدة للاعداء ، العامة من الامة ، فليكن صغوك (٩١) لهم وميلك معهم ، وليكن ابعد رعيتك منك واشنأهم عندك ، اطلبهم لمعائب الناس ، فان في الناس عيوباً ، الوالي احق من سترها ، ولا تكشفن عما غاب عنك [ منها ، فانما عليك تطهير ما ظهر لك ، والله يحكم على ما غاب عنك ] (٩٢) ، واستر العورة ما استطعت ، يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك ، اطلق عن الناس عقدة كل حقد ، واقطع عنهم سبب كل وتر ، وتغابَ عن كل ما لا يصح لك ، ولا تعجلن الى تصديق ساع ، فان الساعي غاش ، وان تشبَّه بالناصحين ، ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر ، ولا جباناً يضعفك عن الامور ، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور ، فان البخل والجبن والحرص غرائز شتى ، يجمعها سوء الظن بالله ، ان شر وزرائك من كان للاشرار قبلك وزيراً ، ومن شركهم في الآثام ، فلا يكونن لك بطانة ، فانهم اعوان الأثمة ، واخوان الظلمة ، وانت واجد منهم خير الخلف ، ممن له مثل آرائهم ونفاذهم ، وليس عليه مثل آصارهم واوزارهم ، ممن لم يعاون ظالماً على ظلمه ، ولا آثماً على اثمه ، اُولئك اخف عليك مؤونة ، واحسن لك معونة ، واحنى عليك عطفاً ، واقل لغيرك الفاً ، فاتخذ اُولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك .

ثم ليكن آثرهم عندك اقولهم بمر الحق ، واقلهم مساعدة فيما يكون منك مما

_________________________

(٩١) الصغو : الميل ( لسان العرب ج ١٤ ص ٤٦١ ) .

(٩٢) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر .

١٦٢
 &

كره الله لاوليائه ، واقعاً ذلك من هواك حيث وقع ، والصق بأهل الورع والصدق ، ثم رضهم على ان لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله ، فان كثرة الاطراء يحدث الزهو (٩٣) ويدني من العزة ، ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فان في ذلك تزهيداً لأهل الاحسان في الاحسان ، وتدريباً لاهل الاساءة على الإِساءة ، والزم كلاً منهم ما الزم نفسه .

واعلم انه ليس شيء بأدعى الى حسن ظن وال (٩٤) برعيته ، من احسانه اليهم ، وتخفيفه للمؤونات عنهم ، وترك استكرامه اياهم على ما ليس له قبلهم ، فليكن منك في ذلك امر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك ، فان حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً ، وان احق من حسن ظنك به ، لمن حسن بلاؤك عنده ، وان احق من ساء ظنك به ، لمن ساء بلاؤك عنده ، ولا تنقض (٩٥) سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة ، واجتمعت بها الالفة ، وصلحت عليها الرعية ، ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن ، فيكون الاجر لمن سنها ، والوزر عليك بما نقضت منها ، واكثر مدارسة العلماء ، ومناقشة الحكماء ، في تثبيت ما صلح عليه امر بلادك ، واقامة ما استقام به الناس قبلك .

واعلم ان الرعية طبقات ، لا يصلح بعضها الا ببغض ، ولا غنى ببعضها عن بعض ، فمنها جنود الله ، ومنها كتاب العامة والخاصة ، ومنها قضاة العدل ، ومنها عمال الانصاف والرفق ، ومنها اهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ، ومنها التجار وأهل الصناعات ، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة ، وكل قد سمّى الله سهمه ، ووضع على حدّه فريضة في كتابه أو سنة نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله ، عهداً منه عندنا محفوظاً .

فالجنود باذن الله حصون الرعية ، وزين الولاة ، وعز الدين ، وسبل

_________________________

(٩٣) الزهو : الكبر والاختيال ( القاموس المحيط « زهو » ج ٤ ص ٣٤٠ ) .

(٩٤) في المصدر : راع .

(٩٥) في نسخة : تنقضن .

١٦٣
 &

الامن ، وليس تقوم الرعية الا بهم ، ثم لا قوام للجنود الا بما يخرج الله لهم من الخراج ، الذي يقوون به في جهاد عدوهم ، ويعتمدون عليه فيما أصلحهم ، ويكون من وراء حاجتهم ، ثم لا قوام لهذين الصنفين الا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب ، لما يحكمون من المعاقد ، ويجمعون من المنافع ، ويؤتمنون عليه من خواص الامور ، وعوامها ، ولا قوام لهم جميعاً الا بالتجار وذوي الصناعات ، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ، ويقيمون من اسواقهم ، ويكفونهم من الترفق بأيديهم ، مما لا يبلغه رفق غيرهم . ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة ، الذين يحق رفدهم ومعونتهم ، وفي الله لكل سعة ، ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه ، وليس بخرج الوالي من حقيقة ما الزمه الله تعالى من ذلك ، الا بالاهتمام والاستعانة [ بالله ] (٩٦) ، وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر عليه ، فيما خف عليه او ثقل ، فول من جنودك انصحهم في نفسك لله ولرسوله ولامامك ، وانقاهم جيباً ، وافضلهم حلماً ، ممن يبطىء عن الغضب ، ويستريح الى العذر ، ويرأف بالضعفاء ، وينبو على الاقوياء ، ممن لا يثيره العنف ، ولا يقعد به الضعف ، ثم الصق بذوي الاحساب والبيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ، ثم اهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة ، فانهم جماع من الكرم ، وشعب من العرف ، ثم تفقد من امورهم ما يتفقده الوالدان من ولدهما ، ولا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم بهم ، ولا تحقرن لطفاً تعاهدتهم به وان قل ، فانه داعية لهم الى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك ، ولا تدع تفقد لطيف امورهم اتكالاً على جسيمها ، فان لليسير من لطفك موضعاً ينتفعون به ، وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه ، وليكن آثر رؤوس جنودك عندك ، من واساهم في معونته ، وافضل عليهم من جدته ، بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف اهليهم ، حتى يكون همهم هماً واحداً في جهاد العدو ، فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك ، وان افضل قرة عين الولاة ، استقامة العدل في البلاد ، وظهور مودة الرعية ، وانه لا تظهر مودتهم الا بسلامة صدرهم ، ولا تصح نصيحتهم الا

_________________________

(٩٦) أثبتناه من المصدر .

١٦٤
 &

بحيطتهم على ولاة امورهم ، وقلة استثقال دولهم ، وترك استبطاء انقطاع مدتهم ، فافسح في آمالهم ، وواصل من حسن الثناء عليهم ، وتعديل ما ابلى ذووا البلاء منهم ، فان كثرة الذكر لحسن فعالهم ، تحضّ الشجاع وتحرض الناكل ، إن شاء الله .

ثم اعرف لكل امرىء منهم ما أبلى ، ولا تضمن (٩٧) بلاء امرىء الى غيره ، ولا تقصرن به دون غاية بلائه ، ولا يدعونّك شرف امرىء الى ان تعظم من بلائه ما كان صغيراً ، ولا ضعة امرىء الى ان تستصغر من بلائه ما كان عظيماً ، واردد الى الله ورسوله ما يضلعك (٩٨) من الخطوب ، ويشتبه عليك من الامور ، فقد قال الله سبحانه لقوم احب ارشادهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ ) (٩٩) فالرد الى الله الاخذ بمحكم كتابه ، والرد الى الرسول الاخذ بسنّته الجامعة غير المفرقة .

ثم اختر للحكم بين الناس ، افضل رعيتك في نفسك ، ممن لا تضيق به الامور ، ولا يمحكه الخصوم ، ولا يتمادى في الزلة ، ولا يحصر من الفيء الى الحق اذا عرفه ، ولا يشرف نفسه الى طمع ، ولا يكتفي بأدنى فهم دون اقصاه ، أوقفهم في الشبهات ، وآخذهم بالحجج ، واقلهم تبرماً بمراجعة الخصم ، واصبرهم على تكشف الامور ، واصرمهم عند اتضاح الحكم ، ممن لا يزدهيه اطراء ، ولا يستميله اغراء ، واُولئك قليل ، ثم اكثر تعاهد قضائه ، وافسح له في البذل ما يزيح علته ، وتقل معه حاجته الى الناس ، واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك ، فانظر في ذلك نظراً بليغاً ، فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار ، يعمل فيه بالهوى وتطلب فيه الدنيا .

_________________________

(٩٧) في نسخة والمصدر : ولا تضيفن .

(٩٨) قال ابن الأثير في النهاية : وحديث علي ( عليه السلام ) : « وارد الى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب » : أي يثقلك ( النهاية ج ٣ ص ٩٦ ) ، وفي نسخة : يطلعك .

(٩٩) النساء ٤ الآية ٥٩ .

١٦٥
 &

ثم انظر في امور عمالك ، فاستعملهم اختياراً ، ولا تولهم محاباة واثرة ، فانهما جماع من شعب الجور والخيانة ، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء ، من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام المتقدمة ، فانهم اكرم اخلاقاً ، واصح اعراضاً ، واقل في المطامع اسرافاً (١٠٠) ، وأبلغ في عواقب الامور نظراً ، ثم اسبغ عليهم الارزاق ، فان ذلك قوة لهم على استصلاح انفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجة عليهم ان خالفوا امرك ، او ثلموا امانتك ، ثم تفقّد اعمالهم ، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم ، فان تعاهدك في السر لامورهم ، حدوة (١٠١) لهم على استعمال الامانة والرفق بالرعية ، وتحفظ من الاعوان ، فان احد منهم بسط يده الى خيانة ، اجتمعت بها عليه عندك اخبار عيونك ، اكتفيت بذلك شاهداً ، فبسطت عليه العقوبة في بدنه ، واخذت ما اصاب من عمله ، ثم نصبته بمقام المذلة ، ووسمته بالخيانة ، وقلدته عار التهمة . وتفقد امر الخراج بما يصلح اهله ، فان في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ، ولا صلاح لغيرهم الا بهم ، لان الناس كلهم عيال على الخراج واهله ، وليكن نظرك في عمارة الأرض ، ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج ، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة ، اخرب البلاد واهلك العباد ، ولم يستقم امره الا قليلاً ، فان شكوا علة او ثقلاً أو انقطاع شرب ، أو بالّة ، أو احالة أرض اغتمرها غرق ، واجحف بها عطش ، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به امرهم ، ولا يثقلن شيء عليك خففت به المؤونة عنهم ، فانه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك ، مع استجلابك حسن ثنائهم ، وتبجحك باستفاضة العدل فيهم ، معتمداً فضل قوتهم ، بما ذخرت عندهم من اجمامك لهم ، والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ، في رفقك بهم ، فربما حدث من الامور ما اذا عولت فيه عليهم من بعد ، احتملوه طيبة انفسهم به ،

_________________________

(١٠٠) في المصدر : اشرافاً .

(١٠١) حدوة : في حديث الدعاء : تحدوني عليها خلة واحدة ، أي : تبعثني وتسوقني عليها خصلة واحدة ( لسان العرب « حدا » ج ١٤ ص ١٦٩ ) .

١٦٦
 &

فان العمران يحتمل ما حملته ، وانما يؤتى خراب الارض من اعواز اهلها ، وانما يعوز اهلها لاشراف انفس الولاة على الجمع ، وسوء ظنهم بالبقاء ، وقلة انتفاعهم بالعبر .

ثم انظر في حال كتّابك ، فولّ على امورك خيرهم ، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك واسرارك ، بأجمعهم لوجوده صالح الاخلاق ، ممن لا تبطره الكرامة فيجترىء بها عليك ، في خلاف لك ، بحضرة ملأ ، ولا يقصر به الغفلة عن ايراد مكاتبات عمالك عليك ، واصدار جواباتها على الصواب عنك ، وفيما يأخذ لك ويعطي منك ، ولا يضعف عقداً اعتقده لك ، ولا يعجز عن اطلاق ما عقد لك ، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الامور ، فان الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره اجهل ، ثم لا يكن اختيارك اياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك ، فان الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم ، وليس وراء ذلك من النصيحة والامانة شيء ، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك ، فاعمد لاحسنهم كان في العامة اثراً ، واعرفهم بالامانة وجهاً ، فان ذلك دليل على نصيحتك لله ، ولمن وليت امره ، واجعل لرأس كل امر من امورك رأساً منهم ، لا يقهره كبيرها ، ولا يشتت عليه كثيرها ، ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه الزمته .

ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات ، وأوص بهم خيراً ، المقيم منهم ببدنه ، والمضطرب بماله ، والمترفق بيديه ، فانهم مواد المنافع ، وأسباب المرافق ، وجلابها عن المباعد والمطارح ، في برك وبحرك ، وسهلك وجبلك ، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ، ولا يجترؤون عليها ، فانهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته ، وتفقد امورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك ، واعلم مع ذلك ان في كثير منهم ضيقاً فاحشاً ، وشحاً قبيحاً ، واحتكاراً للمنافع ، وتحكماً في البياعات ، وذلك باب مضرة للعامة ، وعيب على الولاة ، فامنع من الاحتكار ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه ، وليكن البيع بيعاً سمحاً ، بموازين

١٦٧
 &

عدل ، واسعار لا تجحف بالفريقين ، من البائع والمبتاع ، فمن قارف حكرة (١٠٢) بعد نهيك اياه فنكل به ، وعاقبه في غير اسراف .

ثم الله الله في الطبقة السفلى ، من الذين لا حيلة لهم ، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمني ، فان في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً ، فاحفظ الله (١٠٣) ما استحفظك من حقه فيهم ، واجعل لهم قسماً من بيت مالك ، وقسماً من غلات صوافي الاسلام في كل بلدة ، فان للاقصى منهم مثل الذي للادنى ، وكل قد استرعيت حقه ، فلا يشغلنك عنهم بطر ، فانك لا تعذر بتضييع التافه لاحكامك الكثير المهم ، فلا تشخص همك عنهم ، ولا تصعر خدك لهم ، وتفقّد امور من لا يصل إليك منهم ، ممن تقتحمه العيون ، وتحقره الرجال ، ففرّغ لاولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع ، فليرفع اليك امورهم .

ثم اعمل فيهم بالاعذار الى الله سبحانه يوم تلقاه ، فان هؤلاء من بين الرعية احوج الى الانصاف من غيرهم ، وكل فاعذر الى الله في تأدية حقه اليه ، وتعهد اهل اليتم ، وذوي الرقة في السن ، ممن لا حيلة له ، ولا ينصب للمسألة نفسه ، وذلك على الولاة ثقيل ، والحق كله ثقيل ، وقد يخففه الله على اقوام طلبوا العافية ، فصبروا انفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم ، واجعل لذوي الحاجات منك قسماً ، تفرغ لهم فيه شخصك ، وتجلس لهم مجلساً عاماً ، فتواضع فيه لله الذي خلقك ، وتقعد عنهم جندك واعوانك من احراسك (١٠٤) وشرطك ، حتى يكلمك مكلمهم (١٠٥) غير متعتع ، فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول في غير موطن : لن تُقدَّس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي (١٠٦) ، ثم

_________________________

(١٠٢) الحكرة : الإِحتكار وهو جمع الطعام ، ونحوه ، وحبسه انتظار وقت الغلاء ( لسان العرب ( حكر ج ٤ ص ٢٠٨ ) .

(١٠٣) في المصدر : لله .

(١٠٤) في نسخة : حراسك .

(١٠٥) في نسخة والمصدر : متكلمهم .

(١٠٦) في المصدر زيادة : غير متتعتع .

١٦٨
 &

احتمل الخرق منهم والعي ، ونح عنك (١٠٧) الضيق والانف ، يبسط الله عليك بذلك اكناف رحمته ، ويوجب لك ثواب طاعته ، واعط ما اعطيت هنيئاً ، وامنح في اجمال واعذار ، ثم امور من امورك لا بدّ لك من مباشرتها ، منها اجابة عمالك بما يعيى عنه كتابك ، ومنها اصدار حاجات الناس عند ورودها عليك ، بما تَحرَجُ به صدور اعوانك ، وامض لكل يوم عمله ، فان لكل يوم ما فيه ، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله افضل تلك المواقيت ، واجزل تلك الاقسام ، وان كانت كلها لله ، اذا صلحت فيها النية ، وسلمت فيها الرعية ، وليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك ، اقامة فرائضه التي هي له خاصة ، فاعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ، ووف ما تقربت به الى الله من ذلك كاملاً غير مثلوم ولا منقوص ، بالغا من بدنك ما بلغ ، فاذا قمت في صلاتك للناس ، فلا تكونن منفراً ولا مضيعاً ، فان في الناس من به العلّة وله الحاجة ، وقد سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، حين وجهني الى اليمن ، كيف أصلي بهم ؟ فقال : صل بهم صلاة اضعفهم ، وكن بالمؤمنين رحيماً ، واما بعد هذا فلا تطوّلن احتجابك عن رعيتك ، فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق ، وقلة علم بالامور ، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ، ويحسن القبيح ، ويشاب الحق بالباطل ، وانما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الامور ، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب ، وانما انت احد رجلين : اما امرؤ سخط نفسه بالبذل في الحق ، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه ؟ أو مبتلى بالمنع ، فما اسرع كف الناس عن مسألتك اذا أيسوا من بذلك ، مع ان اكثر حاجات الناس اليك ما لا مؤونة فيه عليك ، من شكاة مظلمة ، أو طلب انصاف في معاملة .

ثم إن للوالي خاصة وبطانة ، فيهم استئثار وتطاول وقلة انصاف (١٠٨) ،

_________________________

(١٠٧) في المصدر : عنهم .

(١٠٨) في المصدر زيادة : في معاملة .

١٦٩
 &

فاحسم مؤونة (١٠٩) اُولئك بقطع اسباب تلك الاحوال ، ولا تقطعن لاحد من خاصتك (١١٠) وحامتك قطيعة ، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة ، تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك ، يحملون مؤونته على غيرهم ، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك ، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة ، والزم الحق من لزمه من القريب والبعيد ، وكن في ذلك صابراً محتسباً ، واقعاً ذلك من قرابتك وخواصك حيث وقع ، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه ، فان مغبة ذلك محمودة ، وان ظنت الرعية بك حيفاً فاصحر (١١١) لهم بعذرك ، واعدل عنهم ظنونهم باصحارك ، فإن في ذلك (١١٢) اعذاراً تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق ، ولا تدفعن صلحاً دعاك اليه عدوك ، لله فيه رضى ، فان في الصلح دعة لجنودك ، وراحة من همومك ، وامناً لبلادك ، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه ، فان العدو ربما قارب ليتغفل ، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن ، وان عقدت بينك وبين عدو لك عقدة ، أو ألبسته منك ذمة ، فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمتك بالامانة ، واجعل نفسك جنة دون ما اعطيت ، فانه ليس من فرائض الله سبحانه شيء الناس عليه اشد اجتماعاً ، مع تفرق اهوائهم وتشتت آرائهم ، من تعظيم الوفاء بالعهود ، وقد التزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين ، لما استوبلوا (١١٣) من عواقب الغدر ، فلا تغدرن بذمتك ، ولا تخيسن (١١٤) بعهدك ، ولا تختلن عدوك ، فانه لا يجترىء على الله الا جاهل شقي ، وقد جعل الله عهده وذمته ، امناً افضاه بين العباد برحمته ، وحريماً يسكنون الى منعته ، ويستفيضون الى جواره ، فلا ادغال ولا مدالسة ولا خداع فيه ، ولا تعقد عقداً يجوز فيه العلل ، ولا تعوّلن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة ، ولا يدعونّك ضيق امر

_________________________

(١٠٩) في المصدر : مادة .

(١١٠) في نسخة : حاشيتك .

(١١١) أصحر بالشيء : كشفه وأوضحه ( لسان العرب « صحر » ج ٤ ص ٤٤٤ ) .

(١١٢) في المصدر زيادة : رياضة منك لنفسك ورفقاً برعيتك و .

(١١٣) استوبل الشيء : كرهه ولم يستعد به ( لسان العرب « وبل » ج ١١ ص ٧٢٠ ) .

(١١٤) خاس بالعهد : غدر ( مجمع البحرين ـ خيس ـ ج ٤ ص ٦٨ ) .

١٧٠
 &

لزمك فيه عهد الله ، الى طلب انفساخه بغير الحق ، فان صبرك على ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته ، خير من غدر تخاف تبعته ، وان تحيط بك فيه من الله طلبته ، فلا تستقيل (١١٥) فيها دنياك ولا آخرتك ، اياك والدماء وسفكها بغير حلها ، فانه ليس شيء أدعى (١١٦) لنقمة ، ولا أعظم لتبعة ، ولا أحرى بزوال نعمة ، وانقطاع مدة ، من سفك الدماء بغير حقها ، والله سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا (١١٧) من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام ، فان ذلك مما يضعفه ويوهنه ، بل يزيله وينقله ، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد ، لان فيه قود البدن ، وان ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك ويدك بعقوبة ، فان في الوكزة (١١٨) فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحن بك نخوة سلطانك ، عن ان تؤدي الى أولياء المقتول حقهم ، واياك والاعجاب بنفسك ، والثقة بما يعجبك منها ، وحب الاطراء ، فان ذلك من اوثق فرص الشيطان في نفسه ، ليمحق ما يكون من احسان المحسن ، واياك والمنّ على رعيتك باحسانك ، والتزيد فيما كان من فعلك ، وان تعدهم فتتبع موعودك بخلفك ، فان المن يبطل الاحسان ، والتزيد يذهب بنور الحق ، والخلف يوجب المقت عند الله وعند الناس ، فان الله سبحانه يقول : ( كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (١١٩) وإياك والعجلة بالامور قبل اوانها ، والتساقط فيها عند امكانها ، أو اللجاجة فيها اذا تنكرت ، أو الوهن عنها اذا استوضحت ، فضع كل امر موضعه ، واوقع كل امر موقعه ، واياك والاستئثار بما الناس فيه اسوة ، والتغابي عما تعنى به ، مما قد وضح للعيون ، فانه مأخوذ منك لغيرك ، وعما قليل تنكشف عنك اغطية الامور ، وينتصف منك للمظلوم ، املك حمية انفك ، وسورة حدك ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك ، واحترس من كل ذلك بكف البادرة ،

_________________________

(١١٥) في الطبعة الحجرية : « تستقبل » ، وما أثبتناه من المصدر .

(١١٦) في المصدر : أدنى .

(١١٧) في نسخة : سفكوا .

(١١٨) الوكزة : الضربة بجمع اليد ( لسان العرب « وكز » ج ٥ ص ٤٣٠ ) .

(١١٩) الصف ٦١ الآية ٣ .

١٧١
 &

وتأخير السطوة ، حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار ، ولن تحكم ذلك من نفسك ، حتى تكثر همومك بذكر المعاد الى ربك ، والواجب عليك ان تتذكر ما مضى لمن تقدمك ، من حكومة عادلة أو سنة فاضلة ، أو أثر عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، أو فريضة في كتاب الله ، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها ، وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت اليك في عهدي هذا ، واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك ، لكيلا يكون لك علة عند تسرع نفسك الى هواها » .

ومن هذا العهد وهو آخره :

« وانا أسأل الله تعالى بسعة رحمته ، وعظيم قدرته ، على اعطاء كل رغبة ، أن يوفقني واياك لما فيه رضاه ، من الاقامة على العذر الواضح اليه والى خلقه ، مع حسن الثناء في العباد ، وجميل الاثر في البلاد ، وتمام النعمة وتضعيف الكرامة ، وان يختم لي ولك بالسعادة والشهادة ، انّا إليه راغبون ، والسلام على رسول الله وسلّم تسليماً كثيراً » .

[ ١٥٠١٩ ] ٣ ـ السيد محي الدين أبو حامد محمد بن عبد الله الحلبي ابن اخي ابن زهرة في الاربعين : عن أبي الحرب محمد بن الحسن الحسيني البغدادي ، عن الفقيه قطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله الراوندي ، عن الشيخ أبي جعفر محمد ابن علي بن المحسن الحلبي ، عن الشيخ أبي الفتح محمد بن علي الكراجكي ، عن الشيخ المفيد . . . الى آخر ما في الوسائل ، والظاهر ان من هذا الكتاب اخذ الشهيد رحمه الله رسالة الصادق ( عليه السلام ) الى النجاشي والي الاهواز .

[ ١٥٠٢٠ ] ٤ ـ وفي النهج : من كتاب له الى قثم بن العباس ، وهو عامله على مكة : « اما بعد ، فأقم للناس الحج ، وذكرهم بأيام الله ، واجلس لهم العصرين (١) ،

_________________________

٣ ـ الأربعين لابن زهرة ص ٤ .

٤ ـ نهج البلاغة ج ٣ ص ١٤٠ رقم ٦٧ .

(١) العصران : الغداة والعشي ، أول النهار وآخره ( لسان العرب ج ٤ ص ٥٧٦ )

١٧٢
 &

فافت المستفتي ، وعلم الجاهل ، وذكر (٢) العالم ، ولا يكن لك الى الناس سفير الا لسانك ، ولا حاجب الا وجهك ، ولا تحجبن ذا حاجة عن لقائك بها ، فانها ان ردّت (٣) عن ابوابك في أول وردها ، لم تحمد فيها بعد على قضائها ، فانظر الى ما اجتمع عندك من مال الله ، فاصرفه الى من قبلك من ذي العيال والمجاعة ، مصيباً به مواضع المفاقر (٤) والخلات ، وما فضل عن ذلك فاحمله الينا لنقسمه في من قبلنا » .

٤٣ ـ ( باب عدم جواز التصدق بالمال الحرام اذا عرف أربابه )

[ ١٥٠٢١ ] ١ ـ دعائم الاسلام : عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، انه قال في قول الله عز وجل : ( وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ ) (١) فقال : « كان الناس حين اسلموا ، عندهم مكاسب من الربا أو من اموال خبيثة ، فكان الرجل يتعمدها من بين ماله فيتصدق بها ، فنهاهم الله عن ذلك » .

وباقي اخبار الباب تقدم في أبواب الصدقة .

٤٤ ـ ( باب ان جوائز الظالم وطعامه حلال ، وان لم يكن له مكسب الا من الولاية  ،  الا ان يعلم  كونه حراماً بعينه  ،  وانه يستحب  الاجتناب ، وحكم وكيل الوقف المستحل له )

[ ١٥٠٢٢ ] ١ ـ ابنا بسطام في طب الائمة : عن الاشعث بن عبد الله ، عن محمد بن

_________________________

(٢) في المصدر : وذاكر .

(٣) في المصدر : ذيدت .

(٤) في المصدر : الفاقة .

الباب ٤٣

١ ـ دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٤٤ .

(١) البقرة ٢ الآية ٢٦٧ .

الباب ٤٤

١ ـ طب الأئمة ص ١١٥ .

١٧٣
 &

عيسى ، عن أبي الحسن الرضا ، عن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) قال : « لما طلب أبو الدوانيق ابا عبد الله ( عليه السلام ) وهمّ بقتله ، فأخذه صاحب المدينة ووجه به اليه ـ الى ان ذكر دخوله ( عليه السلام ) عليه ، قال ـ ثم امره بالانصراف وحباه واعطاه ، فأبى أن يقبل شيئاً ، وقال : يا أمير المؤمنين ، أنا في غناء وكفاية وخير كثير ، فاذا هممت ببري فعليك بالمتخلفين من اهل بيتي ، فارفع عنهم القتل ، قال : قد قبلت يا أبا عبد الله ، وقد امرت بمائة ألف درهم ففرق بينهم ، فقال : وصلت الرحم يا أمير المؤمنين » ، الخبر .

[ ١٥٠٢٣ ] ٢ ـ الصدوق في العيون ، عن احمد بن محمد بن الصقر وعلي بن محمد بن مهرويه ، معاً عن عبد الرحمن بن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الحسن بن الفضل ، عن الرضا ، عن أبيه ( صلوات الله عليهما ) ، قال : « ارسل أبو جعفر الدوانيقي الى جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ـ الى ان قال ـ فلما دخل جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، ونظر اليه من بعيد ، تحرك (١) أبو جعفر على فراشه ، قال : مرحباً واهلاً بك يا أبا عبد الله ، ما أرسلنا اليك الا رجاء ان نقضي دينك ونقضي ذمامك ، ثم سأله مسألة لطيفة عن أهل بيته ، وقال : وقد قضى الله ( حاجتك و ) (٢) دينك ، واخرج جائزتك (٣) » . الخبر .

[ ١٥٠٢٤ ] ٣ ـ محمد بن علي بن شهر آشوب في المناقب : عن الربيع الحاجب ، قال : اخبرت الصادق ( عليه السلام ) ، بقول المنصور : لاقتلنك ولاقتلن أهلك ، حتى لا ابقي على الارض منكم قامة سوط ، ولاخربن المدينة حتى لا اترك فيها جداراً قائماً ، فقال ( عليه السلام ) : « لا ترع من كلامه ودعه في طغيانه » فلما صار بين السترين ، سمعت المنصور يقول : ادخلوه اليّ سريعاً ، فأدخلته عليه ، فقال :

_________________________

٢ ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ج ١ ص ٣٠٥ .

(١) في المصدر : « يحرك شفتيه » .

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر .

(٣) في المصدر : « جايزتك » .

٣ ـ مناقب ابن شهر آشوب ج ٤ ص ٢٣١ .

١٧٤
 &

مرحباً بابن العم النسيب ، وبالسيد القريب ، ثم اخذ بيده واجلسه على سريره واقبل عليه ، ثم قال : أتدري لم بعثت اليك ؟ فقال ( عليه السلام ) : « وأنّىٰ لي العلم بالغيب » فقال : أرسلنا اليك لتفرق هذه الدنانير في أهلك ، وهي عشرة آلاف دينار ، فقال ( عليه السلام ) : « ولها غيري » فقال : اقسمت عليك يا أبا عبد الله لتفرقها على فقراء أهلك ، ثم عانقه بيده واجازه وخلع عليه . . . الخبر .

[ ١٥٠٢٥ ] ٤ ـ وفيه : التمس محمد بن سعيد من الصادق ( عليه السلام ) رقعة الى محمد ابن سمالي في تأخير خراجه ، فقال ( عليه السلام ) : قل له : « سمعت جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، يقول : من اكرم لنا موالياً فبكرامة الله بدأ ، ومن أهانه فلسخط الله تعرض ، ومن احسن الى شيعتنا فقد احسن الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومن أحسن الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد احسن الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومن أحسن الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقد أحسن الى الله ، ومن أحسن الى الله كان والله معنا في الرفيع الأعلى » ، قال : فأتيته وذكرته ، فقال : بالله سمعت هذا الحديث من الصادق ( عليه السلام ) ، فقلت : نعم ، فقال : اجلس ، ثم قال : يا غلام ما على محمد بن سعيد من الخراج ، قال : ستون ألف درهم ، قال : امح اسمه من الديوان ، واعطاني بدرة وجارية وبغلة بسرجها ولجامها ، قال : فأتيت ابا عبد الله ( عليه السلام ) ، فلما نظر الي تبسّم ، الخبر .

[ ١٥٠٢٦ ] ٥ ـ السيد علي بن طاووس في مهج الدعوات : عن الحسن بن محمد النوفلي ، عن الربيع صاحب المنصور ، قال : حججت مع أبي جعفر المنصور ـ الى أن ذكر دخوله في المدينة بعد رجوعه من الحج ، وامره باحضار الصادق ( عليه السلام ) ، قال ـ فلما قرب منه جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال له المنصور : ادن منّي يا بن عمّي ، وتهلل وجهه ، وقربه منه حتى اجلسه معه على السرير ، ثم

_________________________

٤ ـ المناقب ج ٤ ص ٢٣٥ .

٥ ـ مهج الدعوات ص ١٨٤ .

١٧٥
 &

قال : يا غلام ائتني بالحقة (١) فأتاه بالحقه ، فاذا فيها قدح الغالية (٢) ، فغلفه (٣) منها بيده ، ثم حمله على بغلة وامر له ببدرة وخلعة ، ثم أمره بالانصراف ، الخبر .

ورواه في البحار : عن التلعكبري في مجموع الدعوات ، مثله (٤) .

[ ١٥٠٢٧ ] ٦ ـ وعن محمد بن أبي القاسم الطبري : عن محمد بن احمد بن شهريار ، عن محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري ، عن محمد بن عمر القطان ، عن عبد الله بن خلف ، عن محمد بن ابراهيم الهمداني ، عن الحسن بن علي البصري ، عن الهيثم بن عبد الله الرماني والعباس بن عبد العزيز العنبري ، عن الفضل بن الربيع ، عن أبيه ، قال : بعث المنصور ابراهيم بن جبلة ليشخص جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ـ الى ان ذكر دخوله ( عليه السلام ) عليه ، قال ـ فقال المنصور : يا غلام ائتني بالغالية ، فأتاه بها فجعل يغلفه بيديه ، ثم دفع اليه أربعة آلاف دينار ، ودعا بدابته فأتاه بها ، فجعل يقول : قدم قدم ، الى ان أتى بها الى عند سريره ، فركب جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، الخبر .

[ ١٥٠٢٨ ] ٧ ـ ومن كتاب عتيق : حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن صفوة ، عن محمد بن العباس العاصمي ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أبيه ، عن محمد بن الربيع الحاجب ، قال : قعد المنصور يوماً في قصره في القبة الخضراء ـ

_________________________

(١) الحُقَّة : اناء من عاج أو غيره يستعمل لحفظ الطيب ( لسان العرب « حقق » ج ١٠ ص ٥٦ ) .

(٢) الغالية : نوع من الطيب . ( لسان العرب « غلا » ج ١٥ ص ١٣٤ ) .

(٣) غلف لحيته : لطخ بالطيب ظاهرها ( لسان العرب « غلف » ج ٩ ص ٢٧١ ) وفي المصدر : غلقه .

(٤) البحار ج ٤٧ ص ١٩٠ ح ٣٧ وج ٩٤ ص ٢٧٩ عن مهج الدعوات . علماً ان في نهاية الحديث الذي يسبقه في البحار ٩٤ ما لفظه : « كتبته من مجموع بخط الشيخ الجليل ـ أي : الحسين محمد بن هارون التلعكبري ـ أدام الله تأييده هكذا كان في الأصل » ، وهذا الكلام للسيد ابن طاووس ، ذكره في المهج ، فتأمّل .

٦ ـ مهج الدعوات ص ١٩١ .

٧ ـ المصدر السابق ص ١٩٥ .

١٧٦
 &

الى أن ذكر ارساله الى الصادق ( عليه السلام ) في آخر الليل ، ودخوله ( عليه السلام ) عليه وعتابه عليه واعتذاره ، ـ إلى أن قال ـ قال : يا ربيع ، هات العيبة من موضع كانت فيه العيبة (١) ، فأتيته بها ، فقال : ادخل يدك فيها ، فكانت مملوءة غالية ، وضعها في لحيته ، وكانت بيضاء فاسودت . وقال لي : احمله على فاره من دوابي التي اركبها ، واعطه عشرة آلاف درهم ، وشيعه الى منزله مكرماً ، الخبر .

[ ١٥٠٢٩ ] ٨ ـ وعن الفضل بن الربيع قال : لما اصطبح الرشيد يوماً ، استدعى حاجبه فقال له : امض الى علي بن موسى العلوي ( عليهما السلام ) ، واخرجه من الحبس والقه في بركة السباع ، الى ان ذكر امره باخراجه وادخاله عليه ، فلما حضر بين يدي الرشيد عانقه ، ثم حمله الى مجلسه ، ورفعه فوق سريره ، وقال : يا بن العم ، ان أردت المقام عندنا ففي الرحب والسعة ، وقد امرنا لك ولاهلك بمال وثياب ، فقال (١) : « لا حاجة (٢) في المال ولا الثياب ، ولكن في قريش نفر يفرق ذلك عليهم » وذكر له قوماً فأمر لهم بصلة وكسوة ، الخبر .

قال السيد : لربما كان هذا الحديث عن الكاظم موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، لأنه كان محبوساً عند الرشيد ، لكنني ذكرت هذا كما وجدته .

[ ١٥٠٣٠ ] ٩ ـ الشيخ المفيد في الاختصاص : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن احمد بن إدريس ، عن محمد بن احمد ، عن محمد بن اسماعيل العلوي ، قال : حدّثني محمد بن الزبرقان الدامغاني قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) : « لما امر هارون الرشيد بحملي دخلت عليه فسلّمت فلم يرد السلام ـ الى ان قال في آخر الحديث وهو طويل ـ فقال : ـ يعني هارون ـ احسنت ، وهو

_________________________

(١) في المصدر : القبة .

٨ ـ مهج الدعوات ص ٢٤٩ .

(١) في المصدر زيادة : له .

(٢) في المصدر زيادة : لي .

٩ ـ الإِختصاص ص ٥٤ ـ ٥٨ .

١٧٧
 &

كلام موجز جامع ، فارفع حوائجك يا موسى ، فقلت : يا امير المؤمنين أول حاجتي اليك ان تأذن لي في الانصراف الى اهلي ـ الى ان قال ـ فقال : ازدد ، فقلت : علي عيال كثير واعيننا بعد الله ممدودة الى فضل أمير المؤمنين وعادته ، فأمر لي بمائة ألف درهم وكسوة وحملني وردني الى اهلي مكرماً » .

[ ١٥٠٣١ ] ١٠ ـ السيد علي بن طاووس في أمان الاخطار : نقلاً عن كتاب دلائل الامامة تصنيف محمد بن جرير الطبري الامامي ، من اخبار معجزات مولانا محمد ابن علي ( عليهما السلام ) ، باسناده عن الصادق ( عليه السلام ) ، ذكر خبراً طويلاً في امر هشام باشخاصه واشخاص أبيه ( عليهما السلام ) الى الشام ، وما جرى بينه وبينهما ( عليهما السلام ) ، الى ان قال ( عليه السلام ) : « فبعث الينا بالجائزة ، وأمرنا أن ننصرف الى المدينة » ، الخبر .

[ ١٥٠٣٢ ] ١١ ـ وفي كتاب فتح الابواب : عن محمد بن الحسين بن داود الخراجي (١) ، ( عن أبيه ) (٢) ، ومحمد بن علي بن حسن المقرىء ، ( عن علي بن الحسين بن أبي يعقوب الهمداني ) (٣) ، عن جعفر بن محمد الحسني ، عن الآمدي ، عن عبد الرحمن بن قريب ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، قال : دخلت مع علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) على عبد الملك بن مروان ، فاستعظم عبد الملك ما رأى من اثر السجود بين عيني علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، الى ان قال : ثم اقبل يسأله عن حاجاته ومما قصد له ، فشفعه فيمن شفع ووصله بمال .

[ ١٥٠٣٣ ] ١٢ ـ وفي مهج الدعوات : عن علي عبد الصمد ، عن محمد بن أبي الحسن عم والده ، عن جعفر بن محمد الدوريستي ، عن والده ، عن الصدوق

_________________________

١٠ ـ أمان الاخطار ص ٥٨ .

١١ ـ فتح الأبواب ص ١٨ .

(١) في المصدر : الخزاعي

(٢ ، ٣) ما بين القوسين ليس في المصدر .

١٢ ـ مهج الدعوات ص ٣٧ ، وعنه في البحار ج ٩٤ ص ٣٥٤ ح ١ .

١٧٨
 &

محمد بن بابويه ، واخبرني جدّي ، عن والده ، عن جماعة من أصحابنا منهم السيد أبو البركات وعلي بن محمد المعاذي ، ومحمد بن علي العمري ، ومحمد بن ابراهيم بن عبد الله المدائني ، جميعاً عن الصدوق ، عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن جدّه (١) ، عن أبي نصر الهمداني ، قال : حدّثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر عمة أبي محمد الحسن بن علي ( عليهم السلام ) ، وذكر قصة طويلة جرت بين أبيها ( عليه السلام ) ، وبين زوجته ام الفضل بنت المأمون ، وفيها ذكر الحرز المشهور بحرز الجواد ( عليه السلام ) ، الى ان قالت : قال المأمون لياسر : سر الى ابن الرضا ( عليه السلام ) وابلغه عنّي السلام ، واحمل اليه عشرين ألف دينار ، وقدم اليه الشهري (٢) الذي ركبته البارحة ، ثم أْمُر بعد ذلك الهاشميين ان يدخلوا عليه بالسلام ويسلموا عليه ، قال ياسر : فامرت لهم بذلك ، ودخلت انا أيضاً معهم وسلّمت عليه ، وابلغت التسليم ووضعت المال بين يديه ، وعرضت الشهري عليه ، فنظر اليه ساعة ثم تبسّم ، الخبر .

[ ١٥٠٣٤ ] ١٣ ـ الشيخ المفيد في الارشاد : عن جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد ابن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد ، عن إبراهيم بن محمد الطاهري (١) قال : مرض المتوكل ـ وذكر كيفية شفائه بمعالجة الامام أبي الحسن ( عليه السلام ) ، وان امه حملت اليه ( عليه السلام ) عشرة آلاف دينار ، لما بشرت بعافية ولدها ، الى ان ذكر ـ انه سعي به ( عليه السلام ) بعد ذلك الى المتوكل ، فأمر سعيداً حاجبه ان يهجم ليلاً عليه ويأخذ ما يجد عنده ، فلم يجد الا المال المذكور وسيفاً فحمل اليه ، قال : فأمر ان يضم الى البدرة بدرة اخرى ، قال : قال لي : احمل ذلك الى أبي الحسن ، واردد عليه السيف والكيس بما فيه ، الخبر .

_________________________

(١) لم يثبت لعلي رواية عن جدّه في كتب الرجال ، ولا ابراهيم عن أبيه هاشم . والظاهر أنه عن أبيه .

(٢) الشهري : إسم فرس ( مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٥٧ ) .

١٣ ـ الإِرشاد ص ٣٢٩ .

(١) في الطبعة الحجرية : الطاطري . وما أثبتناه من المصدر . راجع « معجم رجال الحديث ج ١ ص ٢٩٠ » .

١٧٩
 &

[ ١٥٠٣٥ ] ١٤ ـ علي بن الحسين المسعودي في مروج الذهب : قال : سعي الى المتوكل بعلي بن محمد الجواد ( عليه السلام ) ـ الى ان ذكر بعثه جماعة من الاتراك ، فهجموا داره ليلاً وحملوه اليه ، الى ان قال ـ فبكى المتوكل (١) حتى بلّت ( لحيته دموع عينيه ) (٢) وبكى الحاضرون ، ودفع الى عليّ ( عليه السلام ) أربعة آلاف دينار ، ثم ردّه الى منزله مكرماً .

[ ١٥٠٣٦ ] ١٥ ـ الصدوق في علل الشرائع : نقلاً من كتاب محمد بن بحر الشيباني المعروف بكتاب الفروق بين الاباطيل والحقوق ، عن أبي بكر محمد بن الحسن بن اسحاق بن خزيمة النيسابوري قال : حدّثنا أبو طالب زيد بن احرم ، قال : حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا القاسم بن فضل ، قال حدّثنا يوسف بن مازن الراشي قال : بايع الحسن بن علي ( عليهما السلام ) معاوية ، على ان لا يسميه أمير المؤمنين ، ولا يقيم عنده شهادة ، وعلى ان لا يتعقب على شيعة علي ( عليه السلام ) شيئاً ، وعلى ان يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل ، وأولاد من قتل مع أبيه بصفين ، ألف ألف درهم ، وان يجعل ذلك من خراج دارابجرد (١) .

[ ١٥٠٣٧ ] ١٦ ـ وفيه مرسلاً : وكان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) (١) يأخذان من معاوية الاموال ، فلا ينفقان من ذلك على انفسهما ولا (٢) على عيالهما ، ما تحمله الذبابة بفيها .

_________________________

١٤ ـ مروج الذهب ج ٤ ص ١١ .

(١) في المصدر زيادة : بكاءً طويلاً .

(٢) في المصدر : دموعه لحيته .

١٥ ـ علل الشرائع ص ٢١٢ .

(١) دارابجرد : ولاية بفارس ، وقرية من قرى كورة اصطخر ، بها معدن للزئبق . ( معجم البلدان ج ٢ ص ٤١٩ ) .

١٦ ـ علل الشرائع ص ٢١٨ .

(١) في المصدر زيادة : ابنا علي ( عليه السلام ) .

(٢) ليس في المصدر .

١٨٠