الصحابة في القرآن والسنّة والتاريخ

الصحابة في القرآن والسنّة والتاريخ

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-116-8
الصفحات: ١٣٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وكثر الحديث حول دهاء معاوية فأجاب الإمام عليّ عليه‌السلام قائلاً : « والله ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ... » (١)

الفواصل السلوكية في عهد معاوية بن أبي سفيان :

ثم إنّ الإمام عليه‌السلام قد أوصى بالإمامة من بعده ـ بأمرٍ من الله ورسوله ـ إلى ولده الإمام الحسن بن علي عليهما‌السلام وقد بايعه أيضاً أهل الكوفة وبعض الأمصار ، وعلى الرغم من شرعية خلافته إلاّ أنّ معاوية لم يستجب إلى بيعته وتمرّد على شرعيته وأعلن العصيان والبغي ، وحينما رأى الإمام الحسن عليه‌السلام أنّه لا يستطيع إخماد التمرّد ، وأنّه لا يملك القوة اللازمة في الاستمرار في الخلافة صالح معاوية (٢) واشترط الإمام الحسن عليه‌السلام شروطاً على معاوية ولكنّه لم يفِ بها (٣).

وكانت سياسة معاوية بعد استيلائه على السلطة المخالفة لسيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد اعترض الإمام الحسن عليه‌السلام على معاوية في ذلك قائلاً : « إنَّ الخلافة لمن سار بسيرة رسول الله ... وليس الخلافة لمن عمل بالجور وعطّل الحدود » (٤).

وفي مجلس معاوية والحسن حاضر شتم جماعة ـ وهم من الصحابة !! ـ

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٠ : ٢١١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٥. والكامل في التأريخ ٣ : ٤٠٤. وتاريخ الخميس ٢ : ٢٩٠.

(٣) الكامل في التأريخ ٣ : ٤٠٥.

(٤) ربيع الأبرار ٢ : ٨٣٧.

١٠١

الإمام عليّاً عليه‌السلام وذكروه بسوء ، فأجاب الإمام الحسن عليه‌السلام معاوية بالقول : « أما بعد يا معاوية ، فما هؤلاء شتموني ولكنّك شتمتني ، فحشاً ألفته ، وسوء رأي عرضت به ، وخُلقاً سيئاً ثبتَّ عليه ، وبغياً علينا ، عداوة منك لمحمد وأهله ... » (١).

وأغلظ القول لعمرو بن العاص وقال له : « ... فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهلية والإسلام ... وأما ما ذكرت من أمر عثمان ، فأنت سعَّرت عليه الدّنيا ناراً ... ثم حبست نفسك إلى معاوية ، وبعت دينك بدنياه ... ».

وقال الإمام الحسن عليه‌السلام للوليد بن عقبة : « ... فوالله ما ألومك على بغض عليٍّ ، وقد جلدك ثمانين في الخمر ... وأنت الذي سمّاه الله الفاسق ، وسمّى عليّاً المؤمن » (٢).

وقال عليه‌السلام للمغيرة بن شعبة : « ... وإنَّ حدَّ الله في الزنا لثابت عليك » (٣).

وقال الإمام الحسن عليه‌السلام لمروان : « لقد لعن الله أباك الحكم وأنت في صلبه على لسان نبيّه ، فقال : لعن الله الحكم وما ولد » (٤).

أوامر معاوية في شتم الإمام عليّ عليه‌السلام :

بعد استقرار الأمر لمعاوية ، أمر ولاته بلعن وشتم الإمام عليّ بن أبي

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٨٨.

(٢) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٩٢.

(٣) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٩٤. يشير الإمام ٧ إلى قيام البيّنة على المغيرة بالزنا في زمن عمر ، لكنّ عمر عطّل الحد ولم يجره في حقّه ، انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٦ ، الاغاني ١٦ : ٩٩ ، شرح نهج البلاغة ١٢ : ٢٤٥.

(٤) البداية والنهاية ٨ : ٢٥٩.

١٠٢

طالب عليه‌السلام من على منابر المسلمين.

وأوصى معاوية المغيرة بن شعبة ( لا تترك شتم علي وذمّه ) ، فقال له المغيرة : ( قد جَرّبتُ وجُرّبتُ ، وعملت قبلك لغيرك فلم يذممني ، وستبلو فتحمد أو تذم ) ، فكان المغيرة ( لا يدع شتم علي والوقوع فيه ) (١).

وكان ينال في خطبته من عليّ ، وأقام خطباء ينالون منه (٢).

وكان حجر بن عديّ يرد اللعن على المغيرة (٣).

ونتيجة لاستمرار شتم الإمام عليّ عليه‌السلام وسبّه ، كتبت أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة إلى معاوية : ( إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون عليّ بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا أشهدُ أنَّ الله أحبّه ورسوله ) (٤).

وروي أنّ قوماً من بني أُميّة قالوا لمعاوية : ( ... إنّك قد بلغت ما أمّلت ، فلو كففت عن لعن هذا الرجل ، فقال : لا والله حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر له ذاكر فضلاً ) (٥).

كما وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على ( رواية أخبار قبيحة في الإمام عليّ عليه‌السلام ، تقتضي الطعن فية والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جُعلاً ... منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرء بن شعبة وغيرهم.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٧٢.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣٠.

(٤) العقد الفريد ٥ : ١١٥. وبنحوه في مسند أحمد ٧ : ٤٥٥. والمعجم الكبير ٢٣ : ٣٢٣.

(٥) شرح نهج البلاغة ٤ : ٥٧.

١٠٣

وروي أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب : ( مائة ألف درهم حتى يروي أنّ هذه الآية نزلت في حق علي ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ ) (١) لم يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل ، وروى ذلك ).

وقام معاوية بقتل أخيار الصحابة الموالين للإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ومنهم حجر بن عدي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

اعتراض الإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام على معاوية :

ارتكب معاوية أعمالاً مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجد في ذلك اعتراضاً من قبل الصحابة ، ومن أعماله إدّعاؤه زياد بن سمية واستلحاقه بأبي سفيان خلافاً لسُنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

واعترض الإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام على مجمل أعماله ، فقد جاء في كتابه عليه‌السلام إلى معاوية بعد أن وصفه وأصحابه بالقاسطين الملحدين حزب الظالمين وأولياء الشياطين : « ألست قاتل حجر بن عدي وأصحابه المصلّين العابدين ، الذين ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ... أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أبلته العبادة ... أولست المدعي زياد بن سميّة .. ؟! فتركت سُنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالفت أمره متعمدّاً ، واتّبعت هواك مكذِّباً بغير هُدىً من الله .. فلا أعلم فتنة على الاُمّة

__________________

(١) سورة البقرة ٢: ٢٠٤ وما بعدها.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٧٣. وتاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣١.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٩٥.

١٠٤

أعظم من ولايتك عليها .. وأخذك بالبيعة لابنك غلامٍ سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ، ولا أعلمك إلاّ خسرت نفسك ، وأوبقت دينك ، وأكلت أمانتك ، وغششت رعيّتك ، وتبوّأت مقعدك من النار ، فبعداً للقوم الظالمين » (١).

ففي هذا الكتاب بيّن الإمام الحسين عليه‌السلام لمعاوية خلافه لسُنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابتعاده عن هدى الله تعالى ، وجعله في صف الظالمين ، ليتبوأ مقعده من النار.

ما جرى بين الصحابة في بيعة يزيد :

شجّع المغيرة بن شعبة معاوية على تولية يزيد العهد من بعده حينما علم أنّ معاوية سيعزله عن إمرة الكوفة ، وحينما رجع من معاوية قال : ( ... فوالله لقد وضعت رجل معاوية في غرز لا يخرجها منه إلاّ سفك الدماء ) (٢).

وفي رواية أنّه قال : ( لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أُمّة محمّد ، وفتقت عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً ) (٣).

وحينما أراد مروان أن يدعو إلى بيعة يزيد ، قال له عبدالرحمن بن أبي بكر : ( كذبت والله يا مروان ، وكذب معاوية ! ما الخيار أردتما لاُمّة محمد ... ) فقال مروان : هذا الذي أنزل الله فيه : ( والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما ) فسمعت عائشة مقالته فقالت : ( يا مروان ... أنت القائل لعبدالرحمن

__________________

(١) أنساب الأشراف ١ : ١٢٠ ـ ١٢٢. وبنحوه في الإمامة والسياسة ١ : ١٨١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٢٠.

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٥٠٤.

١٠٥

إنّه نزل فيه القرآن ؟ كذبت ! والله ما هو به .. ولكنّك أنت فضض من لعنة نبي الله ) (١)

ودخل معاوية على عائشة فأخبرها عن موقفه من الإمام الحسين وعبدالرحمن بن أبي بكر وعبدالله بن الزبير فقال : ( لأقتلنّهم إن لم يبايعوا ) (٢).

وهكذا استباح دم الصحابة لرفضهم بيعة ابنه يزيد.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٥٠٦ ـ ٥٠٧.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٥٠٩.

١٠٦

الفصل الخامس

الآراء في تقييم الصحابة

اختلف العلماء والمؤرخون في تقييم الصحابة من حيثُ درجات قربهم وبعدهم عن العقيدة والشريعة الإسلامية ، فمن العلماء من ذهب إلى أنَّ جميع الصحابة قد جسّدوا المفاهيم والقيم الإسلامية في سلوكهم ومواقفهم إلى آخر حياتهم ، ومنهم من ذهب إلى ذلك مقيداً بظهور الفتن ، فالداخلون في الفتنة صُنِّفوا إلى صنفين ، فمنهم العدول ، ومنهم غير العدول ، ومن العلماء من اختار أوسط الآراء بعد تتبعهم للسيرة الذاتية للصحابة في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ، فكانوا عدة أصناف فمنهم العدول ، ومنهم غير العدول ، ومنهم المنافقون الذين انكشفت حقيقتهم ، ومنافقون أسرّوا النفاق فلم يعلمهم إلاّ القليل من بقية الصحابة.

ذكر الآمدي هذه الآراء ورجَّح الرأي الأول قال : ( اتفق الجمهور من الأئمة على عدالة الصحابة.

وقال قوم : إنَّ حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية.

ومنهم من قال : إنّهم لم يزالوا عدولاً إلى حين ما وقع من الاختلاف

١٠٧

والفتن فيما بينهم ، وبعد ذلك فلا بدَّ من البحث في العدالة عن الراوي أو الشاهد منهم إذا لم يكن ظاهر العدالة.

ومنهم من قال : بأنَّ كلّ من قاتل عليّاً عالماً منهم ، فهو فاسق مردود الرواية والشهادة لخروجهم على الإمام الحق.

والمختار : إنّما هو مذهب الجمهور من الأئمة ) (١).

الرأي الأول : عدالة جميع الصحابة :

وهو رأي جمهور العلماء من العامّة المتفقين على عدالة جميع الصحابة ، قال ابن حجر العسقلاني : ( اتفق أهل السُنّة على أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة ) (٢).

واستشهد بما قاله الخطيب البغدادي في ذلك : ( ... وإنّه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنّما يجب فيمن دونهم ... لأنّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم ) (٣).

واستثنى ابن الأثير الصحابة من الجرح والتعديل فقال : ( والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ في الجرح والتعديل ، فإنّهم كلّهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح ، لأنّ الله عزَّ وجل ورسوله زكياهم وعدَّلاهم ، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره ) (٤).

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٢٠.

(٢) الإصابة ١ : ٦.

(٣) الكفاية في علم الرواية : ٤٦.

(٤) اُسد الغابة ١ : ١٠.

١٠٨

ويرى الشوكاني ( استواء الكل في العدالة ) (١).

ونسب محمد الفتوحي المعروف بابن النجار إلى ابن الصلاح وغيره القول بأنّ : ( الأمّة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ، ولا يعتدّ بخلاف من خالفهم ) (٢).

الأدلة على عدالة جميع الصحابة :

١ ـ الآيات القرآنية : استدل القائلون بعدالة جميع الصحابة ببعض الآيات القرآنية ، وقد سبق أن ذكرناها في الفصل الثاني ، وأثبتنا أنّها لا تدل على عدالة جميع الصحابة فرداً فرداً ، وإنّما تدل على مدح الله وثنائه على الصحابة بما هم مجموع ، ولا يسري هذا المدح والثناء إلى الأفراد ، وإضافة إلى ذلك أنّ المدح والثناء أو الرضى من قبل الله تعالى مشروط بالوفاء بالعهد والاستمرار على الاستقامة وحسن العاقبة ، كما تقدم.

والآيات القرآنية لا تقتصر على المدح والثناء ، فهنالك آيات وردت في ذم بعض الصحابة لما ارتكبوه من أعمال ومواقف مخلّة بالعدالة ، وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في محلّه.

٢ ـ الروايات : استدل بعض القائلين بعدالة جميع الصحابة بعدد من الروايات ومنها:

الرواية الأولى : نسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إنَّ أصحابي بمنزلة

__________________

(١) ارشاد الفحول ، للشوكاني : ٧٠ مطبعة البابي الحلبي ـ مصر ١٣٥٨ ه‍.

(٢) شرح الكوكب المنير ٢ : ٤٧٣.

١٠٩

النجوم في السماء ، فأيِّها أخذتم به اهتديتم » (١).

وهذه الرواية غير تامة السند عند كثير من الفقهاء والعلماء بما فيهم بعض المؤمنين بعدالة جميع الصحابة.

قال أبو عمر يوسف بن عبدالبر القرطبي : ( وهذا مذهب ضعيف عند جماعة من أهل العلم ، وقد رفضه أكثر الفقهاء وأهل النظر ) (٢).

وذكر ابن حزم الإندلسي أسماء الرواة الضعاف والكذّابين والمجهولين في أسانيد هذه الرواية ، ثم أبرز رأيه من خلال تلك المقدمات فقال : ( فقد ظهر أنّ هذه الرواية لا تثبت أصلاً ، وبلا شك أنّها مكذوبة ... فمن المحال أن يأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع كلّ قائل من الصحابة ، وفيهم من يحلّل الشيء وغيره من يحرمه ، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالاً اقتداءً بسمرة بن جندب ) (٣).

وضعّف ابن قيم الجوزية إسناد الرواية ثم ناقش الدلالة فقال : ( إنَّ هذا يوجب عليكم تقليد الجميع ، فإن سوّغتم هذا ، فلا تحتجّوا لقول على قول ومذهب على مذهب ... ولا تنكروا على من خالف مذهبكم واتّبع قول أحدهم ، وإن لم تسوّغوه فأنتم أول مبطل لهذا الحديث ومخالف له ) (٤).

وفي معرض تقييم الذهبي لجعفر بن عبدالواحد الهاشمي قال : ( ومن

__________________

(١) الكفاية في علم الرواية : ٤٨.

(٢) جامع بيان العلم وفضله ٢ : ٣٠٠ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت ١٤١٥ ه‍.

(٣) الإحكام في اُصول الأحكام ٦ : ٢٤٤.

(٤) إعلام الموقعين ٢ : ٢٣٤ دار الجيل ـ بيروت.

١١٠

بلاياه .. عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى » (١).

ومن الذين ضعفّوا إسناد الرواية الاسفرايني (٢)، وأبو حيان الأندلسي وتلميذه تاج الدين الحنفي (٣) واعتبروها مكذوبة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنهم : ( أحمد بن حنبل ، البزار ، ابن عدي ، الدارقطني ، ابن حزم ، البيهقي ، ابن عبدالبر ، ابن عساكر ، ابن الجوزي ، ابن دحية ، الذهبي ، الزين العراقي ، ابن حجر العسقلاني ، السخاوي ، السيوطي ، المتقي ، القاري ) (٤).

ويمكن مناقشة الرواية من حيث الدلالة ومن حيث نتائج الأخذ بها من الناحية العملية والواقعية.

فالأمر بالاقتداء موجّه إلى الصحابة ، فكيف يأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصحابة بالاقتداء بالصحابة وهذا يعني أنّه أمر للصحابة بالاقتداء بأنفسهم ، وهذا محال.

ولو فرضنا صحته ، فإنّه مختص بالاقتداء ببعض الصحابة لا جميعهم ، وقد وردت روايات مستفيضة يأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصحابة بالاقتداء بأهل البيت : كما ورد في رواية التمسك بالثقلين وهما الكتاب والعترة

__________________

(١) ميزان الاعتدال ، للذهبي ١ : ٤١٣ دار المعرفة ـ بيروت.

(٢) التبصير في الدين : ١٧٩.

(٣) البحر المحيط ٥ : ٥٢٨ دار الفكر ـ بيروت ١٤٠٣ ه‍ ط ٢.

(٤) الإمامة في أهم الكتب الكلامية ، للسيد علي الميلاني : ٤٦١ ـ ٥١٤.

١١١

الطاهرة (١).

والأعراف المتبعة عند العرب آنذاك إنّهم لا يهتدون بأي نجم كان ، وإنّما كانوا يهتدون بنجوم معينة ومحدّدة في مسيرهم ، والاطلاق الذي في الحديث لا يتناسب مع علومهم ومعارفهم الدارجة آنذاك.

ولو تتبعنا سيرة الصحابة وأخذنا بها لوقعنا في تناقض حتمي ، كما تراه في قول ابن حزم و ابن القيم ، وقد تكفل الفصل السابق بعرض الكثير من اسئلة التناقض.

وإذا قيل : إنّ المراد هو الاقتداء ببعض المواقف دون بعض ، فلا بدَّ من مخصّص لهذا الاقتداء ، ولا مخصص له ، لأنّ الرواية مطلقة.

فالرواية إذن لا يصحّ الاستدلال بها على عدالة جميع الصحابة ، فهي غير تامة السند ولا الدلالة.

الرواية الثانية : نسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إنَّ الله اختارني ، واختار أصحابي فجعلهم أصهاري ، وجعلهم أنصاري ، وإنّه سيجيء في آخر الزمان قوم ينتقصوهم ، ألا فلا تناكحوهم ، ألا فلا تنكحوا إليهم ، ألا فلا تصلّوا معهم ، ألا فلا تصلّوا عليهم ، عليهم حلّت اللعنة » (٢).

والرواية غير تامة السند ، فلا يصح نسبتها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ و ١٨٧٤. وسنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦. ومسند أحمد ٣ : ١٤ و١٧ ، ٤ : ٣٦٧ و ٣٧١ ، ٥ : ١٨٢ و ١٨٩. وسنن الدارمي ٢ : ٤٣٢. ومصابيح السُنّة ٤ : ١٨٥ / ٤٨٠٠.

(٢) الكفاية في علم الرواية : ٤٨ ووردت الرواية في تعابير مختلفة.

١١٢

هذا الصدد قال الدكتور عبدالكريم النملة (١) : ( فهذا حديث لا يصلح الاستدلال به ، لأنّ فيه بشير بن عبيدالله ، وهو غير معروف.

قال ابن حبان : والحديث باطل لا أصل له ، نقل ذلك أبو الفضل محمد ابن طاهر المقدسي في تذكرة الموضوعات ) (٢).

وقال الدكتور عطية بن عتيق الزهراني : ( هذا الحديث لا يصح ) (٣).

ومن ناحية الواقع نرى أنّ الذي ابتدأ بانتقاص الصحابة أو سبّهم ـ كما في رواية الطبراني والهيثمي ـ هم بعض الصحابة ، وهذا يستلزم التناقض ، فاللعنة تكون شاملة لبعض الصحابة الذين انتقصوا وسبّوا غيرهم من الصحابة ، وتشمل من لعنهم أيضاً ، وهذا ممّا لا يصح التمسك بدلالته.

ووردت روايات أُخرى في استدلال القائلين بعدالة جميع الصحابة ، وهي غير تامة السند والدلالة معاً ، أو أحدهما ، أو تدل على عدالة بعض الصحابة دون الجميع كرواية : « خيرُ أُمتي قرني ... » و « لا تسبّوا أصحابي » (٤) وغيرهما.

وذهب أصحاب هذا الرأي إلى نسبة الزندقة لمن لا يرى عدالة جميع الصحابة ، قال أبو زرعة : ( إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاعلم أنّه زنديق وذلك أنّ رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندنا حقّ ، والقرآن حقّ ، وإنّما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) اُستاذ بكلية الشريعة في الرياض.

(٢) مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف ، لعبد الكريم النملة : ٨٣.

(٣) السُنّة ، لأبي بكر الخلال ١ : ٤٨٣ في الهامش دار الراية ـ الرياض ١٤١٥ ه‍ ـ ط ٢.

(٤) الكفاية في علم الرواية : ٤٧.

١١٣

وإنّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُنّة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة ) (١).

ونحن لا نتفق مع أبي زرعة وغيره من القائلين بهذا الرأي من عدة جهات :

الجهة الأولى : إنّ الذي أدّى إلينا القرآن والسنن بعض الصحابة وليس جميعهم.

الجهة الثانية : ليس لجرح الشهود دخالة في إبطال الكتاب والسُنّة ، وإنّما يكون غالباً مصحوباً بالتثبت والاحتياط في الدين ، من أجل الوصول إلى العقيدة الحقّة والشريعة الحقّة ، ليكون السلوك مطابقاً للكتاب والسُنّة.

الجهة الثالثة : إنَّ الجرح لا يشمل جميع الصحابة بل بعضهم.

الجهة الرابعة : إنَّ بعض الصحابة استتروا على نفاقهم فلم يظهروه ، فمن العقل والمنطق السليم أن نبحث عن عدالتهم.

الجهة الخامسة : إنَّ بعض الصحابة انتقصوا وسبّوا وجرحوا غيرهم من الصحابة ، وخصوصاً الصحابة الذين انتقصوا وسبّوا وجرحوا الإمام عليّاً عليه‌السلام ، وهو الأقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان على رأس الصحابة الذين أدّوا إلينا القرآن والسُنّة ، وهو الأعلم بكتاب الله وسُنّة رسوله كما تظافرت على ذلك الروايات (٢).

__________________

(١) الكفاية في علم الرواية : ٤٩.

(٢) الطبقات الكبرى ٢ : ٣٣٨. ومناقب علي بن أبي طالب ، لابن المغازلي : ٨٢. وحلية الأولياء ١ : ٥. وكفاية الطالب : ١٩٧. وتذكرة الخواص : ٢٥. والمستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٧. ومختصر تاريخ دمشق ١٨ : ١٧. ومجمع الزوائد ٩ : ١١٤. والصواعق المحرقة : ١٨٩.

١١٤

فهل يحق لنا جرحهم ؟ طبقاً لهذا الرأي ، فإذا قيل يحق فقد انخرمت القاعدة ، وإذا قيل لا يحقّ جرحهم فكيف كان لهم الحقّ في جرح الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؟

تقييدات المازري :

حاول المازري التخفيف من الافراط في تقييم الصحابة ، فلم ينسب الجميع إلى العدالة ، وإنّما وضع قيوداً لتقليل عدد الصحابة وتقييد الاطلاق في العدالة ، فقال : ( لسنا نعني بقولنا : الصحابة عدول ، كل من رآه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً أو زاره لماماً أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب ، وإنّما نعني به الذين لازموه وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي أنزل معه أُولئك هم المفلحون ) (١).

وهذه المحاولة هي تراجع موضوعي عن الاَصل الذي تبنّاه الجمهور ، وهي قائمة على أُسس موضوعية من خلال تتبع حياة الصحابة وسيرتهم الذاتية وما نزل فيهم من آيات وما قيل فيهم من روايات.

الرأي الثاني : ثبوت العدالة في الواقع الخارجي :

يتبنّى هذا الرأي ثبوت العدالة في الواقع الخارجي لجميع الصحابة ، فلا يوجد من بينهم من ارتكب ما يؤدي إلى فسقه ، قال الغزالي : ( والذي عليه سلف الاُمّة وجماهير الخلف : أنّ عدالتهم معلومة .. إلاّ أن يثبت بطريق قاطع إرتكاب واحد لفسق مع علمه به ، وذلك مما لا يثبت ،

__________________

(١) الإصابة ١ : ٧.

١١٥

فلاحاجة لهم إلى التعديل ) (١).

ولا دليل على هذا الرأي ، والواقع الخارجي مليء بالأدلة والشواهد النافية لعدالة بعض أو كثير من الصحابة.

وإذا تتبعنا سيرة الصحابة نجدهم لا يتبنّون هذا الرأي ، بل يتثبتون في الحكم على بعضهم البعض جرحاً أو تعديلاً ، وكان بعضهم يجوّز الفسق على نفسه أو على غيره ، والاَمثلة على ذلك مستفيضة. وقد تكرر بحثه والاشارة إليه مراراً.

عدم التكلّف في البحث عن عدالة الصحابة :

ذهب جماعة إلى تجويز المعصية على الصحابة ، ولكنهم توقفوا في البحث عن عدالتهم وطلب التزكية لهم ، ونسب هذا الرأي إلى ابن الأنباري وغيره ، حيث قالوا : ( وليس المراد بكونهم عدولاً : العصمة واستحالة المعصية عليهم ، إنّما المراد أن لا نتكلّف البحث عن عدالتهم ولا طلب التزكية لهم ) (٢).

وهذا الرأي غير تام ، فلو جوزنا على الصحابة المعصية ، فإنّ هذا يستلزم البحث عن عدالتهم وطلب التزكية لهم ، لمعرفة العادل منهم والفاسق ، وهذه المعرفة ضرورية لتحديد معالم الدين في التفسير وفي السُنّة ، وتشخيص صحة الرواية بلحاظ رواتها ، وهي ضرورية في كتابة التاريخ وأخذ العبر والتجارب منه ، وقد ألفت الكتب في الجرح والتعديل

__________________

(١) المستصفى ، للغزالي ٢ : ٢٥٧ ـ المدينة المنورة ١٤١٣ ه‍.

(٢) شرح الكوكب المنير ٢ : ٤٧٧ في الهامش هذا القول لابن الانباري وغيره.

١١٦

في جميع مراحل المسيرة الإسلامية ، وهو أمر مألوف إلى يومنا هذا.

الرأي الثالث : عدالة جميع الصحابة قبل دخولهم في الفتنة :

ذهب البعض إلى عدالة جميع الصحابة إلى حين وقوع الاختلاف والفتن فيما بينهم ، فلا بدَّ من البحث في العدالة عن الصحابي إذا لم يكن ظاهر العدالة (١) ، وذهب المعتزلة إلى عدالة الجميع باستثناء من قاتل الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فهو فاسق مردود الشهادة (٢).

ورأي المعتزلة غير مقبول عند الجمهور الذين يرون عدالة جميع الصحابة حتّى من قاتل الإمام عليّ عليه‌السلام ، قال ابن كثير : ( وقول المعتزلة : الصحابة عدول إلاّ من قاتل علياً ، قول باطل مرذول ومردود ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : عن ابن بنته الحسن بن علي ... « إنّ ابني هذا سيّد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » ، وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر ... وسمي عام الجماعة ... فسمى الجميع مسلمين ... ) (٣).

وهذا الوجه لا يصحُّ الاستدلال به على عدالة جميع الصحابة ، وغاية ما يدل عليه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمى الفئتين بالمسلمين ، وإطلاق اسم المسلم على فرد أو جماعة لا يستفاد منه العدالة ، فليس كل مسلم عادلاً ، لأنّ التسمية تطلق على من شهد الشهادتين وإن كان فاسقاً أو كان منافقاً مستتراً ، بل إنّ كلمة الإسلام تطلق حتى على مرتكب الكبائر ما عدا الشرك

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٢٠.

(٢) المصدر السابق نفسه.

(٣) الباعث الحثيث في شرح علوم الحديث : ١٧٧.

١١٧

بالله تعالى.

ومثل ذلك ما قاله محمد بن إسحاق ، كما حكى عنه البيهقي : ( وكل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمارته فهو باغ ) ، وأضاف البهيقي : ( على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس الشافعي ... ثم لم يخرج من خرج عليه ببغية عن الإسلام ) (١).

وغاية ما يستدل بهذا القول : إنّ الباغين على الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لم يخرجوا عن الإسلام ، وعدم الخروج عن الإسلام لا يستلزم العدالة.

الرأي الرابع : تأويل مواقف الصحابة :

إنّ عدالة جميع الصحابة لم تثبت حسب موازين الجرح والتعديل ، فقد ارتكب بعضهم أفعالاً ظاهرة الانحراف والفسق ، ومن أجل الحفاظ على نظرية عدالة الجميع ، ذهب جمهور من علماء العامّة إلى ضرورة تأويل مواقفهم بما ينسجم مع القول بالعدالة.

قال ابن حجر الهيتمي : ( إعلم أنَّ الذي أجمع عليه أهل السُنّة والجماعة أنّه يجب على كلِّ مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم ، والكفّ عن الطعن فيهم ... والواجب أن يلتمس لهم أحسن التأويلات ، وأصوب المخارج ، إذ هم أهل لذلك ) (٢).

ولهذا أوّلوا ما ارتكبه بعض الصحابة من معاصي وإن كانت من الكبائر ،

__________________

(١) الاعتقاد على مذهب السلف ، للبيهقي : ٢١٩ دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٦ ه‍ ط ٢.

(٢) الصواعق المحرقة : ٣٢٥.

١١٨

بأنّ ما ارتكبوه قد صدر منهم عن اجتهاد وتأويل ، ومن ذلك بغي معاوية وعمرو بن العاص على الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام وما رافق ذلك البغي من سفك الدماء وقتل خيرة الصحابة كعمّار وخزيمة بن ثابت وحجر بن عدي وآخرين.

قال ابن حجر : ( وفئة معاوية وإن كانت هي الباغية ، لكنّه بغي لا فسق به ، لأنّه صدر عن تأويل يعذر به أصحابه ) (١).

ولم يكتف القائلون بالتأويل بذلك ، فترقّى بهم الحال ليدّعوا أنّ للبغاة أجراً على بغيهم :

قال ابن كثير : ( ... لأنّهم وإن كانوا بغاة في نفس الأمر ، فإنّهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال ، وليس كل مجتهد مصيباً ، بل المصيب له أجران ، والمخطيء له أجر ) (٢).

وقال ابن حزم : ( وعمّار رضي‌الله‌عنه قتله أبو العادية يسار بن سبع السلمي ، وقد شهد بيعة الرضوان ، فهو من شهداء الله له بأنّه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه ، فأبو العادية ... متأول مجتهد مخطيء فيه باغ عليه مأجوراً أجراً واحداً ) (٣).

وذكر ابن حجر الرواية المشهورة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله لعمّار بن ياسر : « تقتلك الفئة الباغية » وأردفها بالقول : ( إخبار من الصادق المصدّق رضي‌الله‌عنه أنّ معاوية باغ على عليّ ، وأنّ عليّاً هو الخليفة الحق )

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٣٢٨.

(٢) السيرة النبوية ، لابن كثير ٢ : ٣٠٨.

(٣) الفصل في الأهواء والملل والنحل ٤ : ١٦١.

١١٩

وقال : وجوابه أنّ غاية ما يدل عليه هذا الحديث أنّ معاوية وأصحابه بغاة ... ذلك لا نقص فيه ، وأنّهم مع ذلك مأجورين غير مأزورين ... ) (١).

وعلى الرغم من القول بالتأويل ، إلاّ أنّهم خرموا القاعدة في رأيهم بقتلة عثمان بن عفّان ، قال ابن حجر : ( ... إنَّ الذي ذهب إليه كثيرون من العلماء أنّ قتلة عثمان لم يكونوا بغاة ، وإنّما كانوا ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبههم ، ولأنّهم أصرّوا على الباطل بعد كشف الشبهة وإيضاح الحقّ لهم ) (٢).

والرأي في قتلة عثمان ينقض قاعدة التأويل ، بل ينقض عدالة جميع الصحابة ، لأنّ بعض الصحابة قد فسقوا بقتلهم عثمان كما يدّعون ، فما هو الملاك في التأويل ؟! فإذا كان قتلة عثمان قد قتلوا شخصاً واحداً ، فإنّ معاوية ومن معه قتلوا آلاف المسلمين وعشرات الصحابة ، بل استمر معاوية على هذا النهج وقتل جماعة من أخيار الصحابة حينما تسلط على المسلمين بقوة السيف ، فلماذا نبرّر لمعاوية بغيه على الخليفة الحق وسفكه الدماء ، ولا نبرّر لبعض الصحابة مشاركتهم في قتل عثمان ؟ فما هو المرجح في التبرير ؟

ولماذا يبرّر لابن ملجم قتله الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كما ورد عن البيهقي أنّه قال : ( ولا خلاف بين أحد من الاُمة أنّ ابن ملجم قتل علياً متأولاً مجتهداً مقدّراً على أنّه على صواب ) (٣).

__________________

(١) تطهير الجنان : ٤٢.

(٢) الصواعق المحرقة : ٣٢٦.

(٣) السنن الكبرى ٨ : ٥٨.

١٢٠