الصّحابة في حجمهم الحقيقي

الهاشمي بن علي

الصّحابة في حجمهم الحقيقي

المؤلف:

الهاشمي بن علي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-193-1
الصفحات: ٨٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

عليه رجل جراد من ذهب ، فجعل يحثي في ثوبه ، فنادىٰ رَبُّهُ : يا أيوّب ألم أكن أغنيتك عمّا ترىٰ ؟ قال : بلىٰ يا ربّ ولكن لا غنىٰ لي عن بركتك » (١).

تعليق : إنّ هذا الحديث متهاوٍ من عدة وجوه :

أوّلاً : إذا كان أيوب عليه‌السلام يغتسل عرياناً فكيف كان يضع الجراد الذهبي في ثوبه ؟!

ثانياً : لماذا يعاتب الله أيوّب علىٰ أخذ هذا الجراد ، أليس هو الذي أنزله عليه ؟! أم كان الأمر اختباراً لأيوّب ؟! وإذا كان اختباراً فكيف يكون أيّوب حريصاً لهذه الدرجة علىٰ جمع الذهب ؟!

إنّ أيوّب مدحه الله تعالىٰ وجعله أُسوة في الصبر ، وكذلك باقي الأنبياء ليس همّهم جمع الذهب والفضّة ، وماذا يعني لهم الذهب والفضّة وكل كنوز الدنيا أمام طاعة الله ورضاه ؟! نعم إذا كان أبو هريرة يقيس نبي الله أيّوب بنفسه فحينئذٍ لا نستغرب منه هذا التصرف.

ويمضي أبو هريرة في تطاوله علىٰ رُسل الله وأنبياءه فيقول : « قيل يا رسول الله من أكرم الناس ؟! قال : أتقاهم ، فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فيوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فعن معادن العرب تسألون خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا » (٢).

تعليق : ما بال القوم لا يكتفون ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أتقاهم ؟! » أليس الله تعالىٰ

__________________

١) صحيح البخاري ٤ : ١٨٤ ، وكذلك في المستدرك للحاكم المجلّد ٢ : ٥٨٢.

٢) صحيح البخاري ٤ : ١٧٠.

٦١

يقول : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ؟! ثم ما معنىٰ كرامة يوسف علىٰ الناس جميعاً حتّىٰ علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهل الكرامة بالنسب فقط وإذا كان كذلك فإخوة يوسف هم كذلك أبناء وأحفاد أنبياء.

عن أبي هريرة قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « قرصتْ نملة نبيّاً من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأُحرقت ، فأوحىٰ الله إليه : أن قرصتك نملة أحرقتَ أُمّة من الاُمم تسبّح » (١).

تعليق : ليس هذا الذي يحكي عنه أبو هريرة بنبيّ ، بل إنسان مجنون أو رجل بعقل طفل مشاغب ، وهل يعمل هذا الفعل عاقل ؟! نعم ربمّا قرصت نملة باليمن رِجل أبي هريرة الحافية فأحرق قرية النمل ثم نسب الحديث إلىٰ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع ، فإنّ أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان » (٢).

تعليق : ما أكثر ضحك الشيطان إذاً !!

عن أبي هريرة قال : قال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسىٰ بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب (٣).

تعليق : لم يبيّن لنا أبو هريرة لماذا أخطأ الشيطان عيسىٰ بن مريم ؟! وما

__________________

١) صحيح البخاري ٤ : ٧٥.

٢) صحيح البخاري ٤ : ١٥٢.

٣) صحيح البخاري ٤ : ١٥١.

٦٢

أدراه فلعلّ كثيرون أفلتوا من طعنة الشيطان ؟! وعلىٰ هذا الحديث يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّن طعن الشيطان في جنبيه ، نعم هذا ما أراد أن يقوله بنو أُميّة حقداً علىٰ الرسول والرسالة ، لكن عن طريق بوقهم الكبير أبي هريرة خليل الرسول ؟!

عن أبي هريرة : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنّها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوّذوا بالله من الشيطان فإنّه رأىٰ شيطاناً » (١).

تعليق : الكلام موجّه إلىٰ أهل الحديث : ما أكثر تعوّذكم في اليوم واللّيلة ، اعملوا بهذا الحديث إذاً فإن راويه ثقة ، أو بيعوا أحمرتكم حتّىٰ تخلصوا من هذه الورطة ، لكن ربمّا يكون ركوبكم للسيارة بدعة ! فاختاروا ما شئتم.

عن أبي هريرة « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه ، فإنّ في إحدى جناحيه داء والاُخرىٰ شفاء » (٢).

تعليق : لم يذكر لنا أبو هريرة أي نوع من الذباب يقصد ، هل الذباب الأزرق أم الذبابة اللّولبيّة أم ذبابة ال‍ « تسي تسي » ؟!

عن أبي هريرة : « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يلقىٰ إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلىٰ وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ، فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم : يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأيّ خزي أخزىٰ من أبي الأبعد ، فيقول الله تعالىٰ : إنّي

__________________

١) صحيح البخاري ٤ : ١٥٥ ، ومسند أحمد ٢ : ٣٢١.

٢) صحيح البخاري ٤ : ١٥٨ ، وكذلك في مسند أحمد ٢ : ٢٤٦.

٦٣

حرّمت الجنة علىٰ الكافرين ، ثم يقال له : يا إبراهيم ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو بذيخ ملتطخ فيؤخذ بقوائمه فيُلقىٰ في النار » (١).

تعليق : ما بال إبراهيم خليل الله ينخدع بقول أبيه أنه لا يعصيه يومذاك ؟! ألم يقل الله تعالىٰ في قصته مع أبيه ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (٢).

وما بال إبراهيم يرىٰ حكم الله العادل خزياً ؟! وما باله يدافع عن الكافرين والمشركين وهو رافع لواء التوحيد ؟! وهذه إساءة أُخرىٰ من أبي هريرة للأنبياء.

عن أبي هريرة « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب » (٣).

تعليق : إذن وعلىٰ هذا الحديث يصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقل رتبة من الأنبياء أُولي العزم ، ويصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متناقضاً في كلامه حيث ورد في الاحاديث أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد ولد آدم ولا فخر ، وكذلك يصبح قول الله تعالىٰ : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ) (٤) لغواً.

وقصد معاوية وبني أُميّة من هكذا أحاديث واضح ، فإنّ غايتهم هي استنقاص رسول الله الذي لم يقدروا علىٰ هزيمته وإماتة دعوته ، فعمدوا بداع

__________________

١) صحيح البخاري ٤ : ١٦٩.

٢) سورة التوبة : ١١٤.

٣) صحيح البخاري ٦ : ٦٣.

٤) سورة البقرة : ٢٥٣.

٦٤

الحقد الذي لهم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ وضع هكذا حديث (١) لكن الله بالمرصاد ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) (٢).

عن أبي هريرة : « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ موسىٰ كان رجلاً حيّياً ستيراً ، لا يرىٰ من جلده شيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا : ما يستتر هذا التستر إلاّ من عيب بجلده ، إمّا برص وإمّا أدرة وإمّا آفة ، وإنّ الله أراد أن يبرّئه ممّا قالوا لموسىٰ ، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه علىٰ الحجر ثم اغتسل ، فلمّا فرغ أقبل إلىٰ ثيابه ليأخذها وإنّ الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسىٰ عصاه وطلب الحجر فجعل يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر ، حتّىٰ انتهىٰ إلىٰ ملإ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله وأبرأه ممّا يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعصاه ، فوالله إنّ بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً ، فذلك قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا ) » (٣).

تعليق : إنّ الانسان والله يخاف أن ينزل عليه حجر من السماء لفظاعة هذا الإفك ، ولا أدري هل أراد الله أن يبرّأ موسىٰ أم أراد أن يفضحه.

__________________

١) من ذلك هذا الحديث : « اللّهمّ إنّما أنا بشر فلا تعاقبني بشتم رجل من المسلمين » مسند أحمد ٦ : ١٦٠.

فهل كان الرسول يشتم بدون وعي ؟!

٢) سورة الأحزاب : ٥٧.

٣) صحيح البخاري ٤ : ١٩٠.

والآية في سورة الأحزاب : ٦٩.

٦٥

وما معنىٰ أن يعدو الحجر ويهرب ؟! وما بال موسىٰ يسرع وراءه كالمجنون غير آبه بأحد ولا ملتفت لحاله ؟! وما باله يضرب الحجر حتّىٰ جعل فيه أثراً ؟! إنّ هذا الفعل لا يفعله مجنون قبيلة دوس التي ينتمي إليها أبو هريرة فما بالك بكليم الله ونجيّه وأحد الأنبياء أُولي العزم ؟! هل يجرأ أبو هريرة الذي كان ينام في مسجد رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان من أصحاب الصفة بل من أشهرهم والذي كان يُغمىٰ عليه من الجوع والذي كان يرافق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشبع بطنه ، هل يجرأ أن يفعل هذا الفعل وهو هو من الحقارة والذلّة وخفاء الاسم بين جميع الصحابة ؟! ولا ندري لماذا هذا الحقد من أبي هريرة علىٰ أنبياء الله ؟! لكن إذا عُرف السبب بطل العجب ، فإنّ بني أُميّة بدءاً بمعاوية وغيره أمروه فقال ، وهل يستطيع ردّ قولهم وأمرهم وهم الذين جعلوه أميراً علىٰ المدينة المنوّرة وبنوا له فيها قصراً وكان يأكل مع معاوية ألذّ ألوان الطعام بعد أن كان مجهولاً طول عمره في اليمن يخدم الأشراف بشبع بطنه وبعد إسلامه كان ينام في المسجد ولا يجد أحداً يطعمه إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعض صحابته الكرماء ؟! ألم يعزله عمر بن الخطاب عن البحرين بعد أن لعبت أصابعه في مال الله حتّىٰ علاه عمر وأنهكه ضرباً بالدرة.

وليس الغريب أن يصدر هذا من أبي هريرة ، لكن الغريب ممّن يأخذ منه ويتبع قوله كالبخاري ومسلم وغيرهما وبقية المسلمين !!

أيها المسلمون الحذر الحذر عمّن تأخذون منه دينكم ، فليس كل من هبّ ودبّ بمأمون علىٰ الدين ، ولعن الله زمناً صار فيه معاوية عدوّ الله ورسوله وابن عدوّ الله ورسوله وابن عدوّة الله ورسوله ملكاً أو خليفة علىٰ المسلمين ، فصبّ أحقاده كلّها علىٰ الرسول والرسل والصالحين ثأراً لدم

٦٦

أخيه وخاله وجدّه يوم قتلوا ببدر ولعن الله زماناً صار فيه أبو هريرة الدوسي راوية الاسلام الأوّل يقول فيُسمع منه ، وعلي بن أبي طالب وغيره من أجلاّء الصحابة مغلوبون علىٰ أمرهم.

( فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) (١).

٢ ـ خالد بن الوليد :

بعد أبي هريرة نتناول واحداً من كبار الصحابة ، وهو خالد بن الوليد بن المغيرة ، لنرىٰ ما فعله خالد وهل كان فعله مطابقاً للقرآن والسنّة أم ...؟!

يقول ابن الاثير في كتابه أُسد الغابة في تمييز الصحابة في ترجمة مالك بن نويرة المقتول المزنيّ بزوجته في نفس اللّيلة ما يلي : « ... إلاّ أنّه لم تظهر عليه ردة ( يقصد مالك بن نويرة الصحابي الجليل ) وأقام بالبطاح ، فلمّا فرغ خالد من بني أسد وغطفان سار إلىٰ مالك وقدم البطاح ، فلم يجد به أحداً ، كان مالك قد فرّقهم ونهاهم عن الإجتماع ( لو كان مالك مرتداً فعلاً لأعدّ العدّة لقتال خالد ) فلمّا قدم خالد البطاح بثّ سراياه ، فأُتي بمالك بن نويرة ونفر من قومه. فاختلفت السرية فيهم ، وكان فيهم أبو قتادة ، وكان فيمن شهد أنهم أذّنوا وأقاموا وصلّوا ، فحبسهم في ليلة باردة وأمر خالد فنادىٰ : أدفئوا أسراكم ـ وهي في لغة كنانة القتل ـ فقتلوهم ( انظر إلىٰ دهاء خالد ومكره ) فسمع خالد الواعية فخرج وقد قُتلوا ، فتزوّج خالد امرأته ، فقال عمر لأبي بكر : سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه ، فقال أبوبكر : تأوّل فأخطأ ولا أشيم

__________________

١) سورة البقرة الآية : ٧٩.

٦٧

سيفاً سلّه الله علىٰ المشركين ، وودّىٰ مالكاً ، وقَدِم خالد علىٰ أبي بكر فقال له عمر : يا عدوّ الله قتلت امرأً مسلماً ثم نزوت علىٰ امرأته ، لأرجمنّك ... ».

إلىٰ أن يقول : « فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدلّ علىٰ أنّه لم يرتد ، وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا ، فتركهم هذا عجب ، وقد اختلف في ردّته ، وعمر يقول لخالد : قتلت امرأً مسلماً ، وأبو قتادة يشهد أنهم أذنوا وصلّوا ، وأبو بكر يردّ السبي ويعطي دية مالك من بيت المال ، فهذا جميعه يدلّ علىٰ أنّه ( مالك ) مسلم » (١) انتهىٰ كلام ابن الاثير.

إنّ لنا أن نحلّل هذه الحادثة بكلّ موضوعية وبعيداً عن أي تحيّز فنقول :

أولاً : إنّ مالك بن نويرة رجل مسلم بشهادة عمر وأبو قتادة ولم يرتدّ.

ثانياً : إنّ خالد بن الوليد أراد قتله لكي يظفر بزوجته وكانت من أجمل نساء العرب ، ولهذا قال مالك قبل قتله هذه التي قتلتني ولهذا استعمل خالد كلمة ادفئوا أسراكم وكان يقصد قتلهم بالتأكيد وليس ادفاءهم من البرد.

ثالثاً : وهذا أعجب لماذا لم يُقم أبو بكر الحدّ علىٰ خالد لقتل مسلم وللزنىٰ بزوجته لأنّه تزوّجها بدون عدّة بل في نفس تلك الليلة.

رابعاً : كان عمر غاضباً جدّاً من خالد وقال له ما قد مرّ ، ومن هنا نفهم لماذا عزل عمر خالداً عندما صار خليفة وعيّن مكانه أبا عبيدة علىٰ جيوش المسلمين ، ثم ما معنىٰ قول أبي بكر : تأوّل خالد فأخطأ ؟! وهل في حدود الله مزاح وخطأ وصواب ؟!

__________________

١) أسد الغابة ٥ : ٥٢ ـ ٥٣ في ترجمة مالك بن نويرة.

٦٨

وليت الأمر وقف بخالد عند هذا الحدّ ، لكنّه كما كان سيفاً مسلولاً ـ بالباطل ـ علىٰ المسلمين في أُحد وغيرها ، فإنّه أوغل في دماء المسلمين بعد إسلامه ، فهو فعلاً سيف ، لكنّه سيف مسلّط علىٰ المسلمين والمؤمنين ، ولتزداد يقيناً أنّ السياسة هي التي أسمت خالداً هذا بسيف الله المسلول ، تعال إلىٰ هذه الحادثة :

« لمّا فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة بعثه إلىٰ بني جذيمة من بني عامر بن لؤي فقتل منهم من لم يجز له قتله فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد فأرسل مالاً مع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فودّىٰ القتلىٰ وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم ، حتّىٰ ثمن ميلغة الكلب ... » (١).

انظر إلىٰ خالد بن الوليد يبعثه الرسول بكلّ سلم وسلام فيقتل من شاء ويدع من شاء ، انظر إلىٰ دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبرأ من فعل خالد بن الوليد.

ثم يأتي من يقول إنّ خالداً سيف الله المسلول ، نعم هو سيف مسلول ، لكن ليس من أسياف الله تعالى.

ولو شئنا التفصيل في فعل خالد وفعاله في الإسلام لما صدّق الإنسان ما يرىٰ من هول وعظم ما أتاه خالد ، لكن للاختصار نكتفي بهذا المقدار.

٣ ـ المغيرة بن شعبة :

هو صحابي ، وهو أحد النُزّاق الفسّاق الذين فتقوا في الإسلام فتقاً لايجبر إلىٰ يوم القيامة.

__________________

١) أسد الغابة ترجمة خالد بن الوليد ، وكذلك أنظر الحديث في مسند أحمد ٢ : ١٥١.

٦٩

ورد في ترجمته في كتاب أسد الغابة ما يلي : « دهاة العرب أربعة : معاوية ابن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وزياد ... ».

« ... وولاّه عمر بن الخطاب البصرة ولم يزل عليها ، حتّىٰ شُهد عليه بالزنا ، فعزله ، ثم ولاّه الكوفة ، فلم يزل عليها حتّىٰ قُتل عمر ، فأقرّه عثمان عليها ... ».

« ... وهو أوّل من وضع ديوان البصرة وأوّل من رشىٰ ( أعطىٰ رشوة ) في الإسلام أعطىٰ « يرفأ » حاجب عمر شيئاً حتّىٰ أدخله إلىٰ دار عمر ... » (١).

إنّ السكوت عن التعليق هنا أبلغ من التعليق ، لكن نقول : العجب من عمر إذ بعد أن عزله عن البصرة بسبب زناه يعيده والياً علىٰ الكوفة وخيار الصحابة أحياء يرزقون كعلي بن أبي طالب الذي كان جليس بيته وكأبي ذرّ والمقداد وخزيمة وغيرهم ...؟!

٤ ـ ثعلبة بن حاطب :

وهو أحد الصحابة من الأنصار ، وقد ورد في ترجمته في كتاب أسد الغابة ما يلي :

« جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالاً ، فقال : ويحك يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه ، ثم أتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالاً ، قال : أما لك فِيَّ أُسوة حسنة ؟! والذي نفسي بيده لو أردتُ أن تسير الجبال

__________________

١) أسد الغابة ٥ : ٢٤٨ ترجمة المغيرة بن شعبة.

٧٠

معي ذهباً وفضّة لسارت ، ثم أتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالاً ، والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطينّ كلّ ذي حق حقه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللّهم ارزق ثعلبة مالاً... وحين أنزل الله آية الزكاة أرسل إليه الرسول رجلين لجمع الحقوق فلم يُعط ثعلبة شيئاً... ».

إلىٰ أن يقول ابن الأثير... « فأقبلا ، فلمّا رآهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يكلّماه قال : يا ويح ثعلبة ، ثم دعا للسلمي بخير ، وأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، فأنزل الله عزّوجلّ ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ ... ) (١)

وعند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل من أقارب ثعلبة سمع ذلك ، فخرج حتّىٰ أتاه فقال : ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله عزّوجلّ فيك كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتّىٰ أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أن يقبل صدقته ، فقال : إنّ الله تبارك وتعالىٰ منعني أن أقبل منك صدقتك ، فجعل يحثي التراب علىٰ رأسه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا عملك ، وقد أمرتك فلم تطعني ، فلمّا أبىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقبض صدقته رجع إلىٰ منزله وقُبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقبض منه شيئاً ثم أتىٰ أبا بكر رضي‌الله‌عنه حين استُخلف ، فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي ، فقال أبو بكر : لم يقبلها رسول الله منك ، أنا أقبلها ؟ فقبض أبوبكر رضي‌الله‌عنه ولم يقبلها » (٢).

وتوفي ثعلبة في خلافة عثمان ، ولم تقبل منه الحقوق أبداً.

__________________

١) سورة التوبة : ٧٥ ـ ٧٨.

٢) أسد الغابة ١ : ٢٨٤ ، ترجمة ثعلبة بن حاطب.

٧١

وعندنا تعليق لا بدّ منه هنا : إذا كان منع الزكاة ردّة كما سمّىٰ ذلك أبو بكر وقال والله لاقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ، فلماذا لم يقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثعلبة ولا أمر به الله ؟!

نعم قد يقال : إنّ مانعي الزكاة علىٰ عهد أبي بكر كفروا بإنكارهم ضرورة من ضروريّات الدين ، وثعلبة فعل ذلك بل سمّىٰ الزكاة الجزية أو أخت الجزية كما قال ، والواقع أنّ مانعي الزكاة علىٰ عهد أبي بكر لم ينكروا أنّها من الدين وكانوا يصلّون كما رأيت في قصة مالك بن نويرة ، فليلاحظ ذلك.

٧٢



صحابيّات تحت المجهر :

١ ـ حفصة بنت عمر بن الخطّاب :

زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن هذه المكانة التي تتمنّاها كلّ أنثىٰ لم تمنع حفصة من ارتكاب الأهوال ومخالفة الله تعالىٰ ورسوله ، ولا عجب فحفصة أنزل الله فيها وفي عائشة سورة كاملة ـ وهي سورة التحريم ـ فيها من التهديد والوعيد من الله بالطلاق والإبدال بزوجات خير منهما وبعذاب النار ما لا يخفىٰ علىٰ أيّ شخص يفهم لغة العرب ، وقد تقدّمت في باب « الصحابة في القرآن » هذه السورة.

وقد ورد في ترجمة حفصة من كتاب أسد الغابة ما يلي :

« ... وتزوّجها بعد عائشة ، وطلّقها تطليقة واحدة ثمّ ارتجعها ، أمره جبريل بذلك وقال : إنّها صوّامة قوّامة ، وإنّها زوجتك في الجنّة... » (١).

وأورد كذلك : « طلّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حفصة تطليقة ، فبلغ ذلك عمر ، فحثا التراب علىٰ رأسه وقال : ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها ، فنزل جبريل عليه‌السلام وقال : إنّ الله يأمرك أن تراجع حفصة بنت عمر ، رحمة لعمر » (٢).

وكما ترىٰ فالحديثان مُختلفان ، ولذلك لا يعتدّ بهما ، لكن نقول : لو كانت

__________________

١) أسد الغابة ٧ : ٦٦ ترجمة حفصة بنت عمر.

٢) المصدر السابق.

٧٣

حفصة صوّامة قوّامة فلماذا طلّقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! هل كان رسول الله يريد من النساء أكثر من ذلك وهو الذي يوصينا بذات الدين ؟! ثمّ أليس الطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى ؟! فما بال الرسول يطلق دونما سبب ؟! وإذا كان هناك سبب فلماذا لا يذكره لنا أصحاب السير والتواريخ ؟!

أمّا كون حفصة زوجة الرسول في الجنّة فهو أعجب من الأوّل ، فمع وجود سورة التحريم الّتي تُتلى إلى يوم القيامة فإنّا نشكّ في ذلك.

وعلى الحديث الثاني فيكون سبب إرجاع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحفصة ليس منزلتها عند الرسول ، بل لمنزلة عمر كما يزعم الراوي.

وحفصة هذه ممّن آذت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذبت عليه في قصّة المغافير ( الثوم ) المشهورة والتي يرويها الصّحاح ، كما آذت وحسدت زوجات رسول الله الأخر كصفيّة بنت حي اليهودي التي تزوّجها الرسول بعد خيبر بعد أن أعتقها من الأسر ، وفي ترجمة هذه المرأة الصالحة من كتاب أسد الغابة تقرأ على لسانها : « ... دخل عليَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام ، فذكرتُ ذلك لرسول الله رحمهما‌الله فقال : ألا قلتِ : وكيف تكونان خيرا منّي وزوجي محمّد وأبي هارون وعمّي موسى ؟! ... » (١).

وبهذا الكلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على لسان صفيّة تعلم كذب الحديث المرويّ في الصحاح والمسانيد حول فضل عائشة حيث فيه : « وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على باقي الطّعام ؟! » (٢).

__________________

١) أسد الغابة ٧ : ١٧٠ ترجمة صفية بنت حي بن أخطب.

٢) مسند أحمد ٣ : ٢٦٤ و ٦ : ١٥٩.

٧٤

وحسبنا قول الله في سورة التحريم حيث هدّد عائشة وحفصة بالطلاق وبأن يبدلهنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزوجات أفضل منهنّ في صفات عديدة ذكرتها السورة ، فلو كانت عائشة أفضل نساء العالمين فضلاً عن زوجات الرسول فكيف يهدّدها الله تعالى بنساء أفضل منها في كلّ شيء ؟!

ولكي تتيقّن أنّ حفصة وعائشة هما المقصودتان من تهديد الله تعالى في سورة التحريم اقرأ هذا الخبر :

« عن ابن عبّاس قال : أردت أن أسأل عمر فما رأيتُ موضعاً ، فمكثت سنتين ، فلمّا كنّا بمر الظهران وذهب ليقضي حاجته فجاء وقد قضى حاجته فذهبتُ أصبّ عليه من الماء ، قلت : يا أميرالمؤمنين مَن المرأتان اللّتان تظاهرتا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! قال : عائشة وحفصة » (١).

٢ ـ فاطمة بنت عتبة :

هي أخت هند بنت عتبة ، وفي رواية هي التي قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّه ما كان على ظهر الأرض ... » الحديث.

وقد أسلمت أسوة بذلك البيت الخبيث الذي أسلم بأفواهه ولم يسلم حقيقة يوم فتح مكّة ، فهي من جملة الطلقاء الذين لا فضل لهم ولا فضيلة ، تزوّجها في خبر عقيل بن أبي طالب فماذا كانت قصّته معها ؟! تقرأ في كتاب الإصابة ما يأتي :

« عن ابن أبي مليكة قال : تزوّج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ، فكانت تقول له إذا دخل : أين عتبة بن ربيعة ( والدها وأحد رؤوس

__________________

١) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٤٨.

٧٥

الكفر وقد هلك يوم بدر غير مأسوف عليه ) ؟ فقال لها يوماً وقد أضجرته : عن يسارك إذا دخلتِ النار ، فقالت : لا يجمع رأسي ورأسك بيت ، وأتت عثمان ... » (١).

ولا ندري ماذا تريد هذه الصحابيّة بقولها هذا الملىء بالأسف على أبيها المشرك ؟! ولماذا تخاطب عقيلاً زوجها بذلك وقد أجمع المسلمون أنّه كان في صفوف المشركين يوم بدر ولم يقتل أباها عتبة ولا أخاها الوليد ، لكن هي الرواسب الجاهليّة والأحقاد البدريّة والتي صبّها بالفعل بنو أميّة فيما بعد على رسول الله من خلال حربهم لعليّ بن أبي طالب أخو رسول الله وصنوه ، ومن خلال سمّ معاوية للإمام الحسن ريحانة رسول الله وسيّد شباب أهل الجنّة ومن خلال قتل يزيد للامام الحسين بن علي وسبي بنات الرسالة بنات فاطمة الزهراء.

وكيف لا ترى بعد ذلك وصول أحاديث تتّهم الرسول بكثرة الجماع ، وباستماع الغناء ، وبأنّه يسبّ ويشتم بل ويضرب من لا يستحق ، وبأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر آلهة قريش ( حديث الغرانيق ) ، وأنّه يخطأ ويصيب ، وأنّه بشّر أصحابه كلّهم بمن فيهم معاوية بالجنّة ...؟!

وكيف لا يكون جميع من حارب الإمام عليّا بدءًا بمعاوية وعائشة ومروراً بطلحة والزبير وغيرهم أصحاب فضائل ومناقب ؟! إنّ معاوية لم يغتصب الخلافة لذاتها فقط بل ليحرّف ويبدّل ويغيّر كما يحلو له ومن يعارض فالويل له أو الدّراهم.

__________________

١) الإصابة ٨ : ٦٨ ترجمة فاطمة بنت عتبة.

٧٦

إنّ فاطمة بنت عتبة تعلم أنّ عقيلاً من بني هاشم قبيلة رسول الله وعلي وحمزة وهم الذين ضربوا بسيوفهم ـ في حين فرّ الآخرون ـ حتّىٰ قالت هند ومُعاوية وغيرهم من العرب لا إله إلاّ الله ، فحقد فاطمة بنت عتبة على بني هاشم واضح من كلامها.

٣ ـ هند بنت عتبة :

هي زوجة حربة الكفر ورئيس الأحزاب أبي سفيان ، وكانت قد استسلمت لجيش رسول الله كما فعل بقية الطلقاء ، وهي التي لاكت كبد حمزة سيّدالشهداء يوم أُحد بعد أن أمرت وحشيّا بأن يطعنه من الخلف ، وإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك ـ بعد الفتح ـ كلّما رأى وحشيّاً يقول له : « غيّب وجهك عنّي » فكيف به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما كان يرى من لاكت كبد عمّه ومثّلت بجسده ؟!

لكن القوم جعلوها مؤمنة مسلمة ، بل حسن إسلامها ، بل لها فضائل ومناقب يُصرف عليها الحِبر والكتابة.

والكيّس يدرك أنّ ما ورد فيها وفي زوجها أبي سفيان وفي معاوية ابنهما من الفضائل لا تعدو أن تكون زخرفاً من القول وكذباً ، وذلك أنّ معاوية ابنهما لمّا ملك رقاب المسلمين طمس تلك المثالب وأظهر لهم مناقب لم يقلها الرسول ولم يسمع بها الصحابة.

وهل تريدون من معاوية ( أميرالمؤمنين ) أن يترك أهله ونفسه للفضيحة ؟! وهل تريدون منه وهو يصعد منبر رسول الله أن ينبزه الصحابة ومن يأتي من بعدهم ؟! هيهات.

٧٧

واقرأ معي هذه المنقبة المزعومة :

« لمّا كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة ونساء معها وأتين رسول الله وهو بالأبطح فبايعنه ، فتكلّمت هند فقالت : يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رَحِمُك ، يا محمّد ( لم يتعوّد لسانها على مخاطبته بالرسول ) إنّي امرأة مؤمنة بالله مصدّقة برسوله ، ثم كشفت عن نقابها وقالت : أنا هند بنت عتبة ، فقال رسول الله : مرحبا بك ، فقالت : والله ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلّوا من خبائك ، ولقد أصبحت وما على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يعزّوا من خبائك ... » (١).

سبحان مغيّر الأحوال ، ولكن لتتيقّن من كذب هذه الفضيلة الواهية اقرأ الصفحة التالية من نفس هذا الكتاب ( طبقات ابن سعد ) لترى كيف أنّ هذه المرأة التي صار رسول الله أحبّ الناس إليها وأعزّهم لديها تسيء الأدب معه :

« عن الشعبي يذكر : أنّ النساء جئن يبايعن فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ، فقالت هند : إنّا لقائلوها ( تقصد كلمة الشهادة ) ، قال : فلا تسرقن ، فقالت هند : كنت أصيب من مال أبي سفيان قال أبو سفيان : فما أصبت من مالي فهو حلال لك ، قال : ولا تزنين ، فقالت هند : وهل تزني الحرّة ؟ قال : ولا تقتلن أولادكنّ ، قالت هند : أنتَ قتلتَهم » (٢).

__________________

١) طبقات ابن سعد ٨ : ٢٣٦ ترجمة هند بنت عتبة.

٢) طبقات ابن سعد ٨ : ٢٣٧.

٧٨

تقصد هند بقولها : أنتَ قتلتهم ، هلاك ابنها فيمن هلك يوم بدر كأبيها وعمّها وأخيها.

نعم هذه حقيقة هند ، خسّة ونذالة وأحقاد جاهلية رغم عفو وسماحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معهم يوم الفتح ، ولو كان مكانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ قائد دنيوي آخر لذبح رؤوس رجالهم وبقر بطون أطفالهم ولسبى نساءهم جواريا ، فهم الطلقاء لا فضل لهم ولا فضيلة ولا هجرة ولا منقبة ولا غزوة ولا... بل ولا كلمة طيّبة. وسيفضحهم الله يوم القيامة بما كان يكذبون في إسلامهم ، وهم أبطنوا الكفر.

هذه هي هند وأمثال هند ، هذه التي يصبح ابنها معاوية الأفعى خليفة للمسلمين ( وكفى بها مصيبة ) بلا سابقة ولا جهاد ، وهي جدّة يزيد الخمور الذي ارتضع من أسلافه الحقد على الرسول فقتل ذرّية رسول الله في كربلاء وهجم على مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) لأنّها موطىء الانصار الذين ساعدوا رسول الله بأموالهم وأسيافهم ، فكانوا بنظر يزيد شركاء للنبي في قتل أجداده ببدر.

وإنّي أقولها صريحة : إنّ من يقرأ تاريخ هؤلاء الخبثاء ويطّلع على فعالهم قبل إسلامهم وبعد استسلامهم ثمّ يعتقد لهم بفضيلة بل ويعتقد بأنّهم أسلموا ، اقول : هكذا شخص بليد الذهن عديم الفطنة.

__________________

١) مع أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حديث له : « من أبغض الأنصار أبغضه الله » مسند أحمد ٢ : ٥٠١ ـ ٥٢٧.

ويقول : « من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » مسند أحمد ٤ : ٥٥.

٧٩
٨٠