الصّحابة في حجمهم الحقيقي

الهاشمي بن علي

الصّحابة في حجمهم الحقيقي

المؤلف:

الهاشمي بن علي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-193-1
الصفحات: ٨٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: image001

١

٢



دليل الكتاب :

مقدمة المركز .....................................................  ٥

مقدمة المؤلّف ....................................................  ٧

مفتاح الحقيقة ...................................................  ١٣

الولوج في البحث ................................................  ١٥

كلمة الصحبة ومشتقاتها في القرآن .................................  ١٧

الصحابي اصطلاحاً ..............................................  ٢١

عدالة الصحابة ..................................................  ٢٣

الصحابة في القرآن ...............................................  ٢٥

رأي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحابة ..................................  ٣٧

مخالفات الصحابة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..................................  ٣٩

رأي الصحابة في بعضهم البعض ...................................  ٤٥

ما لاقاه الصحابة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ............................  ٥١

عمّار بن ياسر ................................................  ٥١

أبو ذرّ الغفاري ...............................................  ٥٢

سهل بن سعد الساعدي .......................................  ٥٣

رأي التابعين في الصحابة ..........................................  ٥٥

٣

صحابة تحت المجهر ...............................................  ٥٩

أبو هريرة الدوسي ............................................  ٥٩

خالد بن الوليد ...............................................  ٦٧

المغيرة بن شعبة ...............................................  ٦٩

ثعلبة بن حاطب ..............................................  ٧٠

صحابيّات تحت المجهر ............................................  ٧٣

حفصة بنت عمر بن الخطّاب ...................................  ٧٣

فاطمة بنت عتبة ..............................................  ٧٥

هند بنت عتبة ................................................  ٧٧

والخلاصة .......................................................  ٨١

المصادر ........................................................  ٨٥

٤



بسم الله الرحمٰن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة علىٰ خاتم المرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الاُمّة إلىٰ قيمها السليمة ومبادئها الأصلية ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقىٰ وسائل التقنية الحديثة.

وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل نلحظ أن المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف ؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة عليهم‌السلام بأبهىٰ صورها وأجلىٰ مصاديقها.

هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمىٰ السيّد علي السيستاني ـ مد ظله ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمىٰ العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحوله تعالىٰ.

ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي

٥

اُسس لأجل نصرة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وتعاليمه الرفيعة.

ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت عليهم‌السلام على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي مَنّ الله سبحانه وتعالىٰ بها عليهم ـ إلىٰ مطبوعات توزع في شتىٰ أرجاء العالم.

وهذا المؤلَّف « الصحابة في حجمهم الحقيقي » الذي يصدر ضمن « سلسلة الرحلة إلىٰ الثقلين » مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكّد صحة هذا المدعىٰ.

علىٰ انّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكل معتنقي المذهب الحقّ بشتىٰ الطرق والاساليب ، مضافاً إلىٰ استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسنىٰ جمعها في كتاب تحت عنوان « التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت ».

سائلنيه تبارك وتعالىٰ أن يتقبل هذا القليل

بوافر لطفه وعنايته

مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسون

٦



مقدمة المؤلّف :

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام علىٰ سيدنا محمّد وعلىٰ آله الطاهرين وأصحابه المتقين.

أمّا بعد ، إنّ الاختلاف ليس شيئاً بدعاً وكما أنه ليس رحمة ، وقلّما وجدت جماعة أو فرقة أو شعب أو حضارة لم يدبّ إليها الاختلاف فيقطع أوصالها ويفرّق جمعها ، بل لا نعلم جماعة اتسقت أُمورها وانتظمت وحدتها واستمرّ حالها علىٰ ذلك ، وقد ورد في أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من آله النّهي عن الاختلاف والفرقة (١) ، إذ ما اختلفت جماعة إلاّ وكان بعضها متّبعاً للهوىٰ ، فالهوىٰ هو السبب الرئيسي إن لم نقل الوحيد للاختلاف ، وهكذا كان شأن هذه الأُمة الإسلامية التي تعبد ربّاً واحداً وتؤمن بكتاب واحد وبنبي واحد ، حيث دبّ الاختلاف فيها فتقطعت طرائق قدداً وأحزاباً شتىٰ وتقطعت تلكم الأحزاب إلىٰ أُخرىٰ وهكذا حتّىٰ اختلط الحابل بالنابل وكلّ يدّعي أنه علىٰ الصراط السويّ ، والأتعس من ذلك من يدّعي أنّ غيره علىٰ باطل محض.

ولسنا الآن بصدد البحث في هذه الاختلافات وأسبابها ومن يقف وراءها.

__________________

١) أنظر قول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في نهج البلاغة حيث يقول : « الخِلافُ يَهْدمُ الرَّأْيَ » ص٦٤٦ ، الكلمات القصار.

٧

أقول وبالله التوفيق : أنا المدعو الهاشمي بن علي التونسي ، نشأت وترعرعت في مدينتي قابس مدينة البحر والواحة وعشت سنيّ طفولتي وشبابي في أحضان عائلة محافظة متوسطة الحال.

وكنت منذ سنيّ طفولتي متعلّقاً بالدين ، حيث ما زلت أذكر تلك الأيام الجميلة التي كنت أرافق فيها والدي لصلاة الجمعة في الجامع الكبير بالحيّ القديم من مدينتي ، وقد رزقني الله سبحانه حافظة عجيبة فكنت أرجع إلىٰ البيت وأحكي لأهلي ما قاله الإمام في خطبة الجمعة وما جاء فيها من وعد ووعيد.

وكانت لا تفوتني من الصلوات الخمس إلاّ صلاة الصبح ، حيث كان يتعذر عليّ حضورها لأنّ أهلي ما كانوا ليسمحوا لطفل صغير بالذهاب في ذلك الوقت المبكّر لأداء الصلاة ، وكانت تقام في ذلك المسجد دروس في تاريخ الأنبياء وتاريخ الصحابة وسيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما كان يفوتني منها حرف واحد.

وكنت أحفظ قصائد في مدح خير البريّة ، حيث كنت أواظب علىٰ الحضور في المناسبات الإسلامية وخاصّة في المولد النبوي الشريف ، وكان ممّا يرغبني في حضور تلك المناسبات ما يقدّم فيها من الحلويّات والمشروبات وما كان فيها من الزينة والجمال.

وقلّما مرّت فرصة يزورنا فيها أو أزور فيها بعض الأهل والأصدقاء إلاّ وطفقت أحدثهم عمّا امتلأت به ذاكرتي ، فتارة أُحدثهم عن النبي يوسف عليه‌السلام ، وأُخرىٰ عن تقوىٰ الصحابة وإيثارهم ، وثالثة عن القيامة ، ورابعة عن الجحيم وأهوالها ، وأُخرىٰ عن الجنة ونعيمها ، وكان البعض

٨

يتعجّب ممّا أقول فلم يكن سمع بذلك طول عمره ولا واتته الفرصة أن يسمع.

وهكذا استمر بي الحال حتّىٰ دخلت إلىٰ مرحلة التعليم الثانوي ، حيث بدأنا ندرس فيها التاريخ الإسلامي منذ عصر ما قبل الإسلام إلىٰ الفتنة الكبرىٰ كما يقولون.

الصدمة :

كنت أدرس في الصف مادة التاريخ ، وكان عندنا أُستاذ يتبنّىٰ الفكر القومي ، ولمّا مررنا علىٰ معركة صفّين ابتسم الأُستاذ وقال : « فاقترح الداهية عمرو بن العاص فكرة رفع المصاحف حتّىٰ يخدعوا جيش عليّ وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم ».

صعقني جدّاً هذا الكلام ، فقلت في نفسي أعمرو بن العاص يفعل هذا ؟ هذا الصحابي الجليل ـ الذي عرفناه من أقتاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا ـ يخدع ويمكر ؟! إذاً أين تقوىٰ الصحابة وإخلاصهم الّذي دمغجنا به شيوخنا ؟! شعرت حينها بتمزّق نفسيّ شديد بين ثقافتي الإسلامية التي تقدّم كل الصحابة وترفعهم إلىٰ صفوف الملائكة وبين حقائق التاريخ إن كانت حقّة ؟!

رجعت إلىٰ البيت مغموماً وسألت أخي عن المسألة فقال لي : إنّ هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه وهم ـ أي الصحابة ـ أدرىٰ بزمانهم و....

لم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كلّ معنىٰ ، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر ؟! فكيف بالصحابة ؟!

وتمضي السنوات وتبقىٰ في نفسي أشياء وأشياء ، لكني لمّا لم أصل إلىٰ الجواب قفلت عليها في صدري وألقيت حبلها علىٰ غاربها ومضيت...

٩

وتشاء الأقدار أن تجمعني بصديق قديم وزميل دراسة كنّا تفارقنا مدة من الزمن وإذا بي أسمع أنه شيعيّ ؟!

لقد كنت أعتقد أنّ المذهب السنّي هو المذهب الصافي وخاصة أتباع الإمام مالك إمام دار الهجرة حيث أنّ أكثر إفريقيا مالكيّون ، وكنت أعتقد أنّ بقية المذاهب الثلاثة وإن كانت علىٰ الحق لكن المذهب المالكي أصفاها وأحقّها ، نعم كانت أحياناً تجول في خاطري تساؤلات حول الاختلافات التي ما بين هذه المذاهب الأربعة وكنت لا أرىٰ مبرّراً لاختلافها ، نعم لقد تعلّمنا منذ صغرنا أن اختلافها رحمة وأنهم كلهم من رسول الله ملتمس ، لكن كان في نفسي من ذلك ما كان ، لكني قنعت بحجّة شيوخنا أو ربمّا أقنعت بها نفسي.

وكنت قاطعاً ببطلان مذهب الشيعة وأنهم متطرفون في عقائدهم ، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكاءهم علىٰ الحسين وسبّهم للصحابة فيزداد عجبي ، وكنت أتمنّىٰ أن ألتقي بواحدٍ منهم لاُقنعه أو علىٰ الأقل لأعرف لماذا هم هكذا.

كان أوّل ماناقشني فيه صديقي الشيعي حديث العشرة المبشّرين بالجنة (١) وقال لي : هل يُعقل أن يكون طلحة والزبير وعلي في الجنة وقد قتل بعضهم بعضاً وشتم بعضهم بعضاً ؟! وهل يعقل كذلك أن يكونوا في النار ؟!

فكان ممّا أجابني به أنّ الصحابة علىٰ ثلاثة أقسام : قسم الثابتين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقسم المرتدّين ( فعلاً لا قولاً ) ، وقسم المنافقين ، وعليه لا

__________________

١) أنظر ذلك في سنن ابن ماجة ١ : ٤٨ ، باب فضائل العشرة.

١٠

يمكن أن يكونوا كلهم عدولاً.

ومّما واجهني به صديقي هذا من الحجج حديث الثقلين الذي يقول فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض » (١) وقد كفانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤونة إمامة الأُمّة السياسيّة والعلمية بالائمة من أهل بيته.

وخضنا نقاشات عديدة حول تنزيه الله تعالىٰ عن الرؤية والحركة والانتقال وتنزيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذنوب والكبائر والخطأ والنسيان.

وهكذا رأيت أنّ عائشة وحفصة نزلت فيهما سورة كاملة تهددهما بالطلاق وبعذاب النار... ورأيت أنّ كل بناء السنة العقائدي متهاوٍ بل هو من صنع وبناء حكّام بني أُمية أعداء الله ورسوله وبني العباس ومن بعدهم من الظالمين إلىٰ اليوم.

ورأيت أنّ الشيعة مذهب صافٍ عقلاني مليء بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنّة المحمدية ولا مجال للخرافات والتحريفات والأكاذيب فيه ، وهكذا إذ بينما كنت أنسب إلىٰ الشيعة كلّ قبيح ، استفقت علىٰ أنّ مذهبهم حقّ ، ولهذا كثرت حوله الأباطيل والدعايات الباطلة التي لم يُرم بها حتّىٰ دين اليهود والمجوس.

وعرفت حينها معنىٰ قوله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة ... ) (٢).

__________________

١) سنن الترمذي : ج ٥ فضائل أميرالمؤمنين.

٢) سورة الحجرات : ٦.

١١

وعرفت الحديث القائل : « الناس أعداء ما جهلوا » (١).

وأنا من موقعي هذا أدعُ كل إنسان حرّ أن يطّلع علىٰ كتب الشيعة وعلىٰ آرائهم دون واسطة ، كما عرفت أنا كتب السنّة كالبخاري والموّطأ دون واسطة.

وقارنوا بين المذاهب ، فلسنا أقلّ من معاوية الذي قتل النفوس وأحدث الفتن ثم يقال عنه : إنّه اجتهد فأخطأ ، فنحن إن وصلنا إلىٰ الحقّ ـ إلىٰ دين الله ورسوله ـ فلنا أجران ، وإن لم نتوصّل إلىٰ ذلك فلعلّ الله يكتب لنا أجراً واحداً ، وذلك لصدق نيّاتنا وصفاء سرائرنا.

وجرّبوا أن تطالعوا عن التشيّع والشيعة الإثني عشريّة ، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سمّ كما يدّعي بعض العلماء المتحجّرين ، بل إنّ أحدنا يفاخر بأنّه قرأ مجموعة آثار فيكتور هيجو مثلاً أو اطّلع علىٰ مسرحيّات شكسبير وتجده جاهلاً بما يقوله إخوانه وبما يعتقدونه جهلاً مطبقاً.

أقول قولي هذا واستغفر الله العلىّ العظيم

الهاشمي بن علي رمضان

قابس ـ تونس

١ ـ شوال ـ ١٤١٩ ه‍

__________________

١) نهج البلاغة : ١٧٢ الكلمات القصار.

١٢



مفتاح الحقيقة :

رأيت طوال حياتي ـ سنّياً ثم شيعيّاً بعد ذلك ـ أنّ مسألة الصحابة عموماً من المواضيع الحسّاسة والمهمة والتي جعلت فيما مضىٰ علىٰ عيني حجاباً منعني من الولوج في عالم البحث عن الحقيقة ، وكان سبب ذلك شيئان :

أوّلهما : أنني كنت خائفاً في داخلي من التعرض للصحابة باعتبار ما تربّينا عليه من التخويف والنهي عن الخوض في هذه المسألة ، فكانت تمثّل خطّاً أحمراً بالنسبة لي بالرغم ممّا كان يجيش في صدري من صرخات وعذابات.

وثانيهما : ما كان يقوله شيوخنا بأن نكفّ عمّا شجر بين الصحابة فهم كلهم من أهل الصلاح وأنهم حاملوا لواء الرسالة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما جعلني أصرف النظر عن هكذا بحوث.

ولهذا اخترت موضوع مقالتي هذه مسألة الصحابة ، حتّىٰ ترتفع الضبابيّة عن الأعين.

١٣
١٤



الولوج في البحث :

إنّ مسألة الصحبة من المسائل التي أسالت حبراً كثيراً وصار حولها لغط كثير ، فأهل السنّة عموماً يعتبرون الصحابة جزءاً لا يتجزأ من إيمان الفرد المسلم ، وإذا طعن أي فرد بأيّ واحد من الصحابة فقد اقترف إثماً عظيماً ووزراً كبيراً.

لكن هذه المسألة ـ مسألة الصحابة ـ لو يتجرّد الباحث المسلم المنصف للخوض فيها فسيرىٰ ويعلم علم اليقين أنّها لَيسَتْ من المعتقدات المهمة سواء التي اتفقت عليها طوائف المسلمين كالتوحيد والمعاد والنبوّة ، ولا من التي اختُلِفَ حولها كالعدل والإمامة.

فأركان الإسلام عند أهل السنة خمسة وهي : شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله ، والصلاة والزكاة وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشرّه.

فأين الصحابة من هذه الأركان الخمسة التي يقوم عليها الإسلام ؟!

وأما عند الشيعة فأُصول الدين خمسة وهي : التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد ، والإمامة ، وإن كان العدل والإمامة من أركان وأُصول المذهب عندهم أي لا يكفر الانسان بإنكارها ، وكما ترىٰ فلا أثر للصحابة في هذه العقيدة ولا وجود لهم.

وأمّا الإيمان ، فكما اتفقت عليه كلمة المسلمين وكما ورد في القرآن

١٥

فمؤسّس علىٰ الإيمان بالله وكتبه ورسله والملائكة.

اقرأ قوله تعالىٰ في سورة البقرة حيث يقول : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (١).

وانظر إلىٰ قوله تعالىٰ في سورة النساء حيث يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) (٢).

فأين محلّ الصحابة في هذا الإيمان ؟!!

ثم أليس لكلّ نبيّ صحابة ؟! فإذا كان الإيمان بصحابة رسول الله من ضرورات الإسلام أو من أركان الإيمان ، فلماذا لا يكون الإيمان بصحابة نوح وإبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ كذلك ؟!

ثم بأيّ دليل من الكتاب والسنّة نجد أن الإيمان بمسألة الصحابة جميعاً واجب علينا كالإيمان بالله ورسوله ؟!

__________________

١) سورة البقرة : ٢٨٥.

٢) سورة النساء : ١٣٦.

١٦



كلمة الصحبة ومشتقاتها في القرآن :

وقبل الخوض في هذا الموضوع بتفاصيله وأبعاده نرىٰ لزاماً علينا أن نأتي علىٰ كلمة الصحبة ومشتقاتها من القرآن الكريم ، لنرىٰ أنّها استعملت في معانٍ عديدة مختلفة.

يقول تعالىٰ في كتابه المجيد مخاطباً مشركي قريش : ( مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ) (١) ، فأنت ترىٰ أن الله جعل عتاة قريش الذين اتهموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون ، تراه يخاطبهم بأنهم أصحابه ، وهذا المعنىٰ لا يخفىٰ علىٰ كل فطن ، إذ معناه رسولكم الذي أُرسل إليكم.

نفس هذا المعنىٰ تجده في قوله تعالىٰ : ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ) (٢).

ويتكرّر هذا المعنىٰ في قوله تعالىٰ : ( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (٣).

كذلك يطلق لفظ الصاحب أو الصحابي في القرآن علىٰ النسبة إلىٰ مكان ، كقوله تعالىٰ : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) (٤) ، فبالرغم من أنّ رفيقي يوسف عليه‌السلام كانا كافرين بدليل قوله تعالىٰ : ( أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (٥).

__________________

١) سورة سبأ : ٤٦.

٢) سورة النجم : ٢.

٣) سورة التكوير : ٢٢.

٤) سورة يوسف : ٣٩.

٥) سورة يوسف : ٣٩.

١٧

لكن لأنّه جمعهما مكان واحد مع يوسف ، صارا صاحبين له نسبة إلىٰ المكان الذي اجتمعوا فيه.

هذا المعنىٰ موجود أيضاً في قوله تعالىٰ : ( وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (١) ، وأصحاب النار كما هو معلوم بالبداهة أهلها وساكنوها.

ونفس المعنىٰ أيضاً موجود في الآيات التالية :

( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) (٢).

( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (٣).

( وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ ) (٤).

( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ ) (٣).

( وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ) (٦).

( وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ) (٧).

( وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ) (٨).

( أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ) (٩).

( أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) (١٠).

__________________

١) سورة البقرة : ٢٧٥.

٢) سورة الفرقان : ٢٤.

٣) سورة الكهف : ٩.

٤) سورة التوبة : ٧٠.

٥) سورة الأعراف : ٤٨.

٦) سورة الحجر : ٧٨.

٧) سورة الحجر : ٨٠.

٨) سورة الحج : ٤٤.

٩) سورة يس : ١٣.

١٠) سورة الممتحنة : ١٣.

١٨

( أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ) (١).

هذا وقد تُطلق كلمة الصاحب أو الصحابي أو الأصحاب نسبة إلىٰ زمان كقوله تعالىٰ : ( ... كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ) (٢).

وقد يطلق لفظ الصحبة نسبة إلىٰ حيوان كقوله تعالىٰ : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) (٣) و : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) (٤).

كذلك يطلق لفظ الصحبة نسبة إلىٰ آلة كقوله تعالىٰ : ( وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) (٥).

كما يطلق لفظ الصحبة أو الصاحبة علىٰ الزوجة كما في قوله تعالىٰ : ( أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ) (٦) ، و : ( وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) (٧) ، و : ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ) (٨).

وقد يطلق معنىٰ الصحبة علىٰ رجل يحاور آخر بغض النظر عن كفر أو إيمان الصاحب كقوله تعالىٰ : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) (٩).

__________________

١) سورة البروج : ٤.

٢) سورة النساء : ٤٧.

٣) سورة الفيل : ١.

٤) سورة القلم : ٤٨.

٥) سورة العنكبوت : ١٥.

٦) سورة الانعام : ١٠١.

٧) سورة الجن : ٣.

٨) سورة المعارج : ١٢.

٩) سورة الكهف : ٣٧.

١٩

كذلك يُطلق لفظ الصحبة نسبة إلىٰ الحق أو الباطل كقوله تعالىٰ :

( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ ) (١).

( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) (٢).

( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) (٣).

( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ ) (٤).

ويطلق لفظ الصحبة كذلك نسبة إلىٰ شخص كقوله تعالى :

( قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ ) (٥).

( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ) (٦).

وهكذا ترىٰ أن لفظ الصحبة ومشتقاتها ليس له أيّ فضل في ذاته ولا أيّ مزيّة ، بل نستطيع أن نقول إنّه لفظ محايد.

بعد هذا الاستعراض لهذه الايات القرآنية نأتي إلىٰ تعريف الصحابي لغة :

يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي في مادة « صحب » : « الصحاب يُجمع بالصَّحب والصحبان والصحبة والصحاب. والأصحاب : جماعة الصحب والصحابة مصدر قولك : صاحبك الله وأحسن صِحابتك. ويقال عند الوداع : مصاحباً معافىٰ ... إلىٰ أن يقول : « وكلّ شيء لاءم شيئاً فقد استصحبه » (٧).

هذا وقد أعرضنا عن بقية كتب اللغة خشية التطويل.

__________________

١) سورة طه : ١٣٥.

٢) سورة الواقعة : ٨.

٣) سورة الواقعة : ٩.

٤) سورة الواقعة : ٤١.

٥) سورة الشعراء : ٦١.

٦) سورة القمر : ٢٩.

٧) كتاب العين للخليل : ٢ / ٩٧٠ حرف الصاد.

٢٠