النبي ومستقبل الدعوة

المؤلف:

مروان خليفات


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-139-190-7
الصفحات: ٦٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



مقارنة بين النظريتين :

سبق لنا إثبات بطلان النظرية الاولى التي تزعم بترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقرآن محفوظاً في صدور الصحابة وفي بعض الصحف ، ونَهْيه عن تدوين السنة ، أو قل تركها بلا جمع ، لمن يذهب إلىٰ أن حديث النهي قد نسخ.

فلايمكننا أن نتصور صدور هذا من نبي الله ، لأننا نروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « تركتكم علىٰ المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك » (١).

ونفهم من هذا النص أنّ المحجة البيضاء كانت موجودة بالفعل وقت قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذا النص ، قبل أن يشير عمر علىٰ أبي بكر بجمع القرآن ، وقبل أن يأمر عمر بن عبد العزيز ابن حزم بجمع الحديث.

والمحجة البيضاء التي تركهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها هي اتِّباع آل البيت عليهم‌السلام وأخذ الإسلام منهم ، لأنّهم أعرف من غيرهم بالكتاب والسنة.

ولو دققنا النظر في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تركتكم علىٰ المحجة البيضاء ... » وقوله : « تركت فيكم ... كتاب الله وعترتي » تتضح ملاحظة التوافق بينهما ، وأن حديث الثقلين يبيّن المقصود بالمحجة البيضاء ، ففي كلا الحديثين يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تركت ... ».

__________________

١) « مسند أحمد » ٤ / ١٢٦.

٤١

ويستحيل أن يترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس علىٰ طريقين مختلفين ، فالمحجة البيضاء هي اتّباع الكتاب والعترة !

وانظر إلىٰ آخر حديث المحجة : « لا يزيغ عنها إلاّ هالك » وآخر حديث السفينة : « ومن تخلف عنها هلك » ، فكلمتي « هالك » و « هلك » في الحديثين تبيّنان المقصود بالمحجة البيضاء ، وهي ركوب سفينة آل البيت عليهم‌السلام والنجاة بهديهم من مهلكة الضلالة ، فمن لم يسر علىٰ المحجة البيضاء هالك كما أنّ من عدل عن سفينة آل محمّد هلك !

والرواية التالية تلقي مزيداً من الضوء علىٰ المحجة البيضاء :

عن جابر قال : خط لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطاً فقال : « هذا سبيل » ثم خط خططاً فقال : « هذه سبل الشيطان فما منها سبيل إلاّ عليها شيطان يدعو الناس إليه ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأُجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله عزّوجلّ فيه الهدىٰ والنور من استمسك به وأخذ به كان علىٰ الهدىٰ ومن تركه وأخطأه كان علىٰ الضلالة ، وأهل بيتي أذكركم الله عزّوجلّ في أهل بيتي ، ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) » (١).

ولو قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث المحجة مع عدم جمعه للكتاب والسنة وعدم إرجاع الناس إلىٰ شخص ينطق بحكم الله الواقعي لكان ـ حاشاه ـ كحال

__________________

١) قال أحمد سعد حمدان : رواه أحمد ١ / ٨٧ ، « الفتح الرباني » ، والمروزي في « السنة » ٦ ، ورواه ابن ماجة موجزاً وابن أبي عاصم في « السنة » موجزاً ـ ١٦ ، وصحّح الألباني هذا الحديث ، فراجع « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » لأبي القاسم الطبري ، تحقيق أحمد سعد حمدان.

٤٢

أستاذ قال لتلاميذه ـ بعد أن أطفأ أنوار غرفة الدرس وتركها مظلمة ـ سأترككم في هذه الغرفة التي ظلامها كنورها ومن يرسب في الامتحان فهو هالك !

كيف سيجيب هؤلاء التلاميذ علىٰ أسئلة الامتحان وهم لا يرون أكفّهم ؟ ونحن مسلمي هذا القرن ، كيف سنصلي ، نصوم ، نحج... مع عدم وجود دليل لنا ؟

لقد جعل الله للإنسان الحاجب والرموش لحماية عينيه وهذه من الأمور البسيطة جداً إذا ما قيست بضرورة وجود حجة لله سبحانه على خلقه يبين لهم تعاليم الاسلام ، فهل يعقل أن يجعل الله لنا حاجباً ورموشاً لحفظ عيوننا ، ولا يضع لنا دليلاً علىٰ دينه !

ولذلك لا نجد مصداقاً لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تركتكم علىٰ المحجة البيضاء... » إلاّ في مدرسة آل البيت عليه‌السلام.

فالكتاب والسنة مدوّنان ، ويتجسّدان في سلوك أئمة آل البيت عليهم‌السلام وأقوالهم ، والإسلام حي يمارس عملياً أمام الناس ، فيكون أدعىٰ للفهم والقبول لوجود الشخصية الإسلامية النموذجية الماثلة أمامهم في الحياة اليومية.

وبهذا يعرف الناس الإسلام من هؤلاء الأئمة عليهم‌السلام ، بدلاً من النظر في كتب الحديث والرجال والأصول... وبدلاً من أن يدب الخلاف بين أبناء الإسلام ويكفّر بعضهم بعضاً ، وقد يقتتلون.

فترىٰ فقيهاً يقول : الحكم في هذه المسألة كذا والدليل هذه الآية ، وآخر يقول : بل الحكم كذا والآية نفسها تؤيدني ، حتّىٰ أنّ الخلاف وصل بين فقهاء

٤٣

السنة إلى وحدة الأصول الفقهية وأصالتها ، فهذا يقول بحجية القياس ، وأهل الظاهر أنكروه ، وأجاز مالك بن أنس الاستحسان ، وقال الشافعي : « من استحسن فقد شرّع »... ، حتّىٰ جعلوا الإسلام حيص بيص ، فكل واحد في جهة ، ويقول دليلي من الكتاب والسنة.

فبدلاً من هذا كله ، ومن أن يصبح الاسلام الذي جاء رحمة للعالمين ـ والذي يعبر عن حكم واقعي واحد ـ مذاهب وأحزاباً ، يعادي بعضها البعض .. هنالك مراجع جعلهم الله تعالى حججاً على خلقه ، أئمّة هداة ، لا يصعب علينا أن نأخذ الإسلام صافياً منهم ، دون الخوض في الكتب المختلفة ، وبعيداً عن هذه التعقيدات التي توهن المسلمين وترجعهم إلىٰ الوراء.

يقول الأستاذ عبدالوهاب خلاّف : « مما لا يعرف فيه خلاف بين جمهور المسلمين ، أنّ الله سبحانه لم يترك الناس سدىٰ ، وأنّ له حكماً في كل ما يحدث للمسلم من الوقائع ، غير أنه سبحانه لحكمة بالغة لم ينص علىٰ كل أحكامه في مواد قانونية جامعه » (١).

لا ندري كيف اتفقت كلمة جمهور المسلمين علىٰ عدم ترك الله عباده سدىٰ ، مع ما هو موجود عندهم من ترك الله لكتابه مفرّقاً ، ونهيه عن تدوين السنة علىٰ لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعدم وضعه مرجعية تزود الناس بحاجاتهم المستجدة ؟!

والعجيب قوله : « أنه سبحانه لحكمة بالغة لم ينص علىٰ كل أحكامه في مواد قانونية جامعة » !

__________________

١) « مصادر التشريع فيما لا نص فيه » ٨.

٤٤

فهل الحكمة في أن ينص الله علىٰ كل أحكامه ، ليطمئن المسلم إلىٰ حكم الله ، وتستقيم تربيته التشريعية ؟ أم الحكمة في ترك أحكامه للاجتهاد المبني علىٰ الظن ، الذي يؤدي إلىٰ تعدد الاراء والمذاهب والقتال والتكفير فيما بين اتباعها ؟!

نعم هذه هي الحكمة التي أشار إليها الأستاذ خلاف ، ولا يوجد غيرها وقد عاشها المسلمون ، وما زالوا يعيشونها من تكفير لبعضهم البعض ، وأنا أجزم أنّ انقسام هذه الأمة إلىٰ فرق ومذاهب لم يحدث إلاّ بسبب اقصاء النخبة التي تمثل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مواقعهم التي خَصَّهم الله سبحانه بها ، فلو بقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّاً إلىٰ يوم القيامة مع طاعة الناس له لما حدث أي انقسام أو خلاف بينهم ، وهكذا لو أطاع الناس خلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آل بيته عليهم‌السلام لما تمزقت أمته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيعاً متنافرة في دينه الذي جاء ليؤلف بين قلوب الناس وليس لتشتيتهم.

أتىٰ رجل من أهل الشام ليناظر الإمام الصادق عليه‌السلام (١) وأصحابه ، فتصدىٰ له هشام بن الحكم (٢) فقال له : « يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم ؟

فقال الشامي : بل ربي أنظر لخلقه.

قال : ففعل بنظره لهم ماذا ؟

قال : أقام لهم دليلاً كي لا يتشتتوا أو يختلفوا ، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم.

__________________

١) هو الإمام السادس من أئمة آل البيت الاثني عشر عليهم‌السلام ، وهو أستاذ أبي حنيفة رغم أنّه يصغره بسنتين ، أنظر كتابنا « وركبت السفينة » ٥٥٤ ـ ٥٦٤.

٢) أحد أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام المقربين ، وقد نسبت إليه كثير من الاتهامات الباطلة.

٤٥

قال : فمن هو ؟

قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال هشام : فبعد رسول الله ؟

قال : الكتاب والسنة.

قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنّا ؟

قال الشامي : نعم.

قال : فلم اختلفنا أنا وأنت وصرتَ إلينا من الشام في مخالفتنا إياك ؟

فسكت الشامي.

فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : مالك لا تتكلم ؟

قال الشامي : إن قلتُ : لم نختلف كذبتُ ، وإن قلتُ : إنّ الكتاب والسنة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلتُ لأنهما يحتملان الوجوه ، وإن قلتُ : قد اختلفنا وكل واحد منّا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة ، إلاّ أنّ لي علىٰ هذا حجة.

فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : سله تجده ملياً.

فقال الشامي : يا هذا من أنظر للخلق أربهم أم أنفسهم ؟

فقال هشام : ربّهم أنظر لهم منهم لأنفسهم.

فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم ؟

قال هشام : نعم.

قال الشامي : من هو ؟

٤٦

قال هشام : أمّا في ابتداء الشريعة فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما بعد النبي فعترته... » (١).

وقال هشام بن الحكم لأحد خصومه الذين ينكرون وجود مبيّن للإسلام :

« أتقول أن الله عدل لا يجور ؟

قال : نعم هو عدل لا يجور.

قال هشام : فلو كلّف الله المقعد المشي إلىٰ المساجد والجهاد في سبيل الله ، وكلّف الأعمىٰ قراءة المصحف والكتب ، أتراه كان عادلاً ؟

قال : ما كان الله ليفعل ذلك.

قال هشام : علمت أنّ الله لا يفعل ذلك ، ولكن علىٰ سبيل الجدل والخصومة أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائراً إذا كان تكليفاً لا يكون السبيل إلىٰ إقامته وإقامة أدامه ؟

قال : لو فعل ذلك لكان جائراً.

قال هشام : فأخبرني عن الله عزّوجلّ كلّف العباد ديناً واحداً لا اختلاف فيه ، ولم يقبل إلاّ أن يأتوا به كما كلّفهم ؟ فجعل لهم دليلاً علىٰ وجود ذلك الدين ؟ أو كلفهم ما لا دليل لهم علىٰ وجوده ، فيكون بمنزلة من كلف الأعمىٰ قراءة المصحف والكتب والمقعد المشي إلىٰ الجهاد والمساجد ؟

فسكت خصمه ساعة ثمّ قال : لا بدّ من دليل ، وليس بصاحبك.

فتبسّم هشام وقال : تشيّع شطرك وصرت إلىٰ الحق ضرورة ، ولا

__________________

١) « الاحتجاج » ٢ / ٢٧٧ ـ ٢٨١.

٤٧

خلاف بيني وبينك إلاّ في التسمية » (١).

نعم لقد أخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بافتراق أُمته ثلاثاً وسبعين فرقة ، واحدة منها في الجنة ، فهل كان يعلم هذا ولا يضع دليلاً علىٰ دين الله الصحيح ؟

إن قيل : الكتاب والسنة هما الدليل.

قلنا : الكتاب والسنة مدعاة للاختلاف لاختلاف العقول في فهمهما ، ونحن نريد المقصود الشرعي ، وهو واحد لا يتعدد ، إضافة إلىٰ أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربط بين الكتاب وآل بيته عليهم‌السلام ولذلك يلزمنا الجمع بينهما.

وإن قيل : الاشعري والمذاهب الأربعة.

قلنا : وأي عقيدة للأشعري تقصدون ؟ أعقيدة المعتزلة أم الأشاعرة أم أهل الحديث ؟ ولا أحد من الأئمة الأربعة كان قد رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع منه ، وقد نهوا الناس عن تقليدهم (٢) !

قد علمتم أنّ النبي حكيمٌ

لم يدعْ من أموره أولاها

كيف تخلو من حجة وإلىٰ من

ترجع الناس في اختلاف نهاها

إنّ ترك الأمة دون مبيّن للشرع ، يدل علىٰ قصور النظام الإسلامي ، فالفقهاء كانوا يطرحون مسائل لم تقع ، ويجتهدون في معرفة أحكامها ، واشتهر الفقه الحنفي بالفقه الافتراضي ، فهل هؤلاء الفقهاء أكمل وأبعد نظراً من التشريع الإلهي ؟!

يقول الإمام علي عليه‌السلام : « اللهمّ بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجة إمّا

__________________

١) « الكشكول » ليوسف البحراني.

٢) وهذا أثبتناه فراجع « وركبت السفينة » ٢٩ ـ ٣٦ و « نحو الإسلام الأصيل » للمؤلف.

٤٨

ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مستوراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته » (١).

قال هشام بن الحكم لأحد العلماء الذين ينكرون وجود الإمام :

« ألك عين ؟

قال : يابني أي شيء هذا السؤال ؟

فقال : هذه مسألتي

قال : سل وإن كانت مسألتك حمقاء.

قال : أجبني فيها.

فقال : سل.

فقال : ألك عين ؟

قال : نعم.

قال : فما تصنع بها ؟

قال : أرىٰ الألوان والأشخاص.

قال : ألك أنف؟

قال : نعم.

قال : فما تصنع به ؟

قال : أشم به الرائحة.

قال : ألك لسان ؟

قال : نعم.

__________________

١) « ينابيع المودة » في الباب المائة ٥٢٣ ، « إحياء علوم الدين » ١ / ٥٤ ، « حلية الأولياء » بايجاز ١ / ٨ ، وقريب منه في « مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب » ٣ / ٣٢ نقلاً عن « إعلام الموقعين » لابن القيم.

٤٩

قال : فما تصنع به ؟

قال أتكلم به.

قال : ألك أذن ؟

قال : نعم.

قال : ما تصنع بها ؟

قال : أسمع بها الأصوات.

قال : ألك يدان ؟

قال : نعم.

قال : فما تصنع بهما ؟

قال : أبطش بهما وأعرف اللين من الخشن.

قال : ألك رجلان ؟

قال : نعم.

قال : فما تصنع بهما ؟

قال أنتقل بهما من مكان إلىٰ مكان.

قال : ألك فم ؟

قال : نعم.

قال : فما تصنع به ؟

قال : أعرف به المطاعم والمشارب علىٰ اختلافها.

قال : ألك قلب ؟

قال : نعم.

قال : فما تصنع به ؟

٥٠

فقال : أميز به كل ما ورد علىٰ هذه الجوارح.

قال : أفليس في هذه الجوارح غنىٰ عن القلب ؟

قال : لا.

قال : وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة ؟

قال : يا بني إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته ردّته إلىٰ القلب فيتقين بها اليقين ويبطل الشك.

قال : فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح ؟

قال : نعم.

قال : إن الله تبارك وتعالىٰ لم يترك جوارحك حتّىٰ جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح وينفي ما شكّت فيه ، ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكهم ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك ... (١) ؟!! ».

__________________

١) « الاصول من الكافي » ١ / ١٦٩ ـ ١٧١.

٥١
٥٢



النتيجة :

إن الله لم يقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّىٰ أكمل علىٰ يديه الدين وأتم النعمة وذلك بجعل آل البيت عليهم‌السلام خلفاء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القيادة والتبليغ ، فكما يختار الله الأنبياء كذلك يختار أوصياءهم ، وكما يحتاج الناس للنبي ، يحتاجون للإمام ، ولا يعقل أن يترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دينه دون مرجع يبينه للناس ، فهاهو يستخلف علياً عليه‌السلام على أمانات خاصة (١) ، فهل كانت هذه الأمانات أعظم من الأمانة الإلهية حتّىٰ يتركها دون وصي ، ويضع وصياً علىٰ أمانات دنيوية ؟!

بعد الذي قدمنا هل يبقىٰ شك في أحقية مدرسة آل البيت عليهم‌السلام بالإمامة وقيادة الأمّة الاسلامية إلىٰ طريق الله سبحانه ؟

المدرسة السنية تقول : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهمل أمر المرجعية بعده فلم يجعل للأجيال إلاّ قرآناً مفرقاً في الصحف والصدور.

والمدرسة الشيعية تقول بجمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقرآن والسنة ، وأقام بأمر الله تعالىٰ الأئمة الأطهار ترجماناً لهما.

إن من يقف متأملاً بين النظريتين السابقتين لمستقبل الدعوة ، فإنه

__________________

١) قبل موته الشريف كان قد أوصىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً عليه‌السلام بأن يسلّم بعض الأمانات لأصحابها.

٥٣

سيهتدي إلىٰ الحقيقة :

فالنظرية الأولىٰ ترىٰ أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد ثلاث وعشرين سنة من الجهاد وتحمل الأذىٰ والصعاب لنشر دينه ، ترك معجزته الخالدة مفرقة ، ونهىٰ عن تدوين سنته المبينة للقرآن ، والتي لا يستغنىٰ عنها ، وهو يعلم بحاجة الناس إليها ، ولم يشر للمستجدات وكيفية التعامل معها ...

هذا ما وجدته في النظرية الأولىٰ ، وأي منصف يتأملها جيداً سيجد نفس الشيء ، وأي محاولة تبريرية لهذه الحقيقة فهي فاشلة ، وتغطية علىٰ الواقع.

هذا من جانب ، ومن جانب آخر لا نرىٰ علىٰ المدرسة الشيعية أي مؤاخذة في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو ذلك القائد البصير الذي نظر للأمد البعيد فلم يترك الأمر بعده مهملاً فارغاً بل رتّبه أروع ترتيب ، فالكتاب والسنة مدونان ، ولحسم الخلاف في فهمهما جعل ناطقاً عنهما لا يخلو منه زمن.

إنّ الفكر الذي يقدم هذه الأطروحات لصيانة الإسلام من التحريف وإدامته ، لهو فكر عظيم ، فلا يمتلك المرء إلاّ أن ينحني أمامه ، وبهذا التصوّر نرىٰ المفارقة العجيبة بين النظريتين.

والضِدّ يُظهر حُسنَهُ الضِدُّ !

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم علىٰ محمّد وآله الطاهرين

٥٤



المصادر :

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ الاحتجاج علىٰ أهل اللجاج :

الطبرسي أحمد بن علي بن أبي طالب ، من أعلام القرن السادس ، انتشارات أسوة ، الطبعة الأولىٰ ، ١٤١٣ ه‍.

٣ ـ الإحكام في أصول الأحكام :

ابن حزم الأندلسي ، ( ت / ٤٥٦ ه‍ ) ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الثانية ، ١٤٠٧ ه‍.

٤ ـ إحياء علوم الدين :

أبي حامد الغزالي ، ( ت / ٥٠٥ ه‍ ) ، دار الهادي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الاولىٰ.

٥ ـ الأصول من الكافي :

محمد بن يعقوب الكليني ، دار الأضواء ، بيروت ، لبنان ، ١٩٨٠ م.

٦ ـ أضواء علىٰ السنة المحمدية :

محمود أبو ريّة ، الطبعة الخامسة ، نشر البطحاء.

٧ ـ تاريخ التشريع الإسلامي :

الدكتور عبد الهادي الفضلي.

٥٥

٨ ـ تدريب الراوي شرح تقريب النواوي :

جلال الدين السيوطي ، ( ت / ٩١١ ه‍ ) ، الطبعة الأولىٰ ، القاهرة ، ١٣٧٩ ه‍.

٩ ـ تدوين السنة الشريفة :

محمد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الأولى ، ١٤١٣ ه‍.

١٠ ـ تدوين السنة :

إبراهيم فوزي.

١١ ـ تفسير ابن كثير :

أبي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي ، ( ت / ٧٧٤ ه‍ ) ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الثانية ، ١٩٨٨ م.

١٢ ـ التسهيل إلىٰ علوم التنزيل :

ابن جزي ، ( ت / ٧٤١ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

١٣ ـ تفسير الطبري :

ابن جرير الطبري ، ( ت / ٣١٠ ه‍ ) ، دار المعرفة ، بيروت.

١٤ ـ تفسير المنار :

محمد رشيد رضا ، دار المعرفة ، بيروت.

١٥ ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد :

أبي عمر ابن عبدالبر الأندلسي ، ( ت ٤٦٣ ه‍ ).

١٦ ـ التنبيه علىٰ الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين :

البطليوسي.

٥٦

١٧ ـ تهذيب التهذيب :

ابن حجر العسقلاني ، ( ت / ٨٥٢ ه‍ ) ، دار الفكر ، بيروت.

١٨ ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال :

يوسف جمال الدين المزي ، ( ت / ٧٤١ ه‍ ) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت.

١٩ ـ حديث الثقلين تواتره فقهه :

علي الحسيني الميلاني.

٢٠ ـ حلية الأولياء :

أبي نعيم الأصفهاني ، ( ت / ٤٣٠ ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

٢١ ـ عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار :

مير سيّد حامد حسين الموسوي ، ( ت / ١٣٠٦ ه‍ ).

٢٢ ـ الدر المنثور :

جلال الدين السيوطي ، ( ت / ٩١١ ه‍ ) ، دارالفكر ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، ١٩٨٣ م.

٢٣ ـ روح المعاني :

الألوسي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان.

٢٤ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة :

محمد ناصرالدين الألباني ، بيروت ، المكتب الاسلامي ، الطبعة الرابعة ، ١٩٨٥ م.

٢٥ ـ السنة :

ابن أبي عاصم ، تحقيق الألباني ، المكتب الاسلامي ، الطبعة الثانية ، ١٤٠٥ ه‍.

٥٧

٢٦ ـ السنن الكبرىٰ :

أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، ( ت / ٤٥٨ ه‍ ) ، دار الفكر ، بيروت.

٢٧ ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة :

أبي القاسم الطبري اللالكائي ، تحقيق أحمد سعد حمدان.

٢٨ ـ صحيح البخاري :

أبي عبدالله إسماعيل البخاري ، ( ت / ٢٥٦ ه‍ ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان.

٢٩ ـ صحيح صفة صلاة النبي :

الحسن بن علي السقاف ، دار الامام النووي ، عمان ، الأردن ، الطبعة الأولىٰ ، ١٩٩٣ م.

٣٠ ـ صحيح مسلم :

مسلم بن الحجاج النيسابوري ، ( ت / ٢٦١ ه‍ ) ، دار الفكر ، بيروت.

٣١ ـ الصواعق المحرقة :

ابن حجر الهيثمي ، ( ت / ٩٧٤ ه‍ ) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ، شركة الطباعة الفنية المتحدة ، القاهرة.

٣٢ ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري :

ابن حجر العسقلاني ، ( ت / ٨٥٢ ه‍ ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، ١٤٠٢ ه‍.

٣٣ ـ فتح القدير :

محمد بن علي الشوكاني ، ( ت / ١٢٥٠ ه‍ ) ، دار إحياء التراث العربي.

٥٨

٣٤ ـ لسان العرب :

ابن منظور ، ( ت / ٧١١ ه‍ ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولىٰ ، ١٩٩٥ م.

٣٥ ـ لسان الميزان :

ابن حجر العسقلاني ، ( ت / ٨٥٢ ه‍ ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، ١٤١٦ ه‍.

٣٦ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :

أبي بكر الهيثمي ، ( ت / ٨٠٧ ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

٣٧ ـ المراجعات :

عبد الحسين شرف الدين ، ( ت / ١٣٧٧ ه‍ ) ، تحقيق الشيخ حسين الراضي ، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام.

٣٨ ـ المستدرك علىٰ الصحيحين :

أبي عبدالله الحاكم النيسابوري ، ( ت / ٤٠٥ ه‍ ) ، دارالمعرفة ، بيروت.

٣٩ ـ مسند أحمد بن حنبل :

( ت / ٢٤١ ه‍ ) ، دار صادر ، بيروت.

٤٠ ـ المعجم الكبير :

الحافظ أبي القاسم الطبراني ، ( ت / ٣٦٠ ه‍ ) دار إحياء التراث العربي.

٤١ ـ مقدمة ابن الصلاح :

ابن الصلاح ، تحقيق الدكتورة عائشة عبدالرحمن ، دارالكتب ، القاهرة.

٤٢ ـ منهاج السنة النبوية :

أحمد بن تيمية ، ( ت / ٧٢٨ ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان.

٥٩

٤٣ ـ الموطأ :

مالك بن أنس ، ( ت / ١٧٩ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٤٤ ـ مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب.

٤٥ ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال :

شمس الدين الذهبي ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان.

٤٦ ـ نحو الاسلام الأصيل :

مروان خليفات ، مؤسسة الثقلين ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولىٰ ، ١٩٩٨ م.

٤٧ ـ النهايه في غريب الحديث والأثر :

مجدالدين ابن الاثير ، ( ت ٦٠٦ ه‍ ).

٤٨ ـ الوافي :

الفيض الكاشاني.

٤٩ ـ وركبت السفينة :

مروان خليفات ، الطبعة الأولىٰ ، ١٩٩٧ م ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

٥٠ ـ ينابيع المودة :

القندوزي الحنفي.

٦٠