موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٨

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٨

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-96-6
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٣٢

١

٢

٣

٤

٥

٦

منتخبات تعليمية في الحديث

١ ـ ( ... وإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل ، فأتوسّد ردائي على بابه تسفي الريح عليَّ من التراب ، فيخرج فيراني فيقول : يابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما جاء بك ، هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول : لا أنا أحق أن أتيك فأسأله عن الحديث ) (١).

٢ ـ ( ذللت طالباً فعززت مطلوباَ ) (٢).

٣ ـ ( إنّا كنّا مرّة إذا سمعنا رجلاً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا ، فلمّا ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف ) (٣).

٤ ـ قيل لابن عباس : ( بم أصبت هذا العلم؟ فقال : بلسان سؤول وقلب عقول ) (٤).

____________________

(١) المستدرك للحاكم ١ / ١٠٧ ، وأنظر موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ج٢.

(٢) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ١ / ١١٨ ، وأنظر موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ج٢.

(٣) صحيح مسلم ١ / ١٠.

(٤) المقفى الكبير للمقريزي ح٢٤ / ٤٩٧.

٧

شهادات عالِِمية

١ ـ قال عليّ بن الحسين عليه السلام : ( وابن عباس والله قد دفن به علم كثير ) (١).

٢ ـ قال مجاهد : ( كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه ) (٢).

٣ ـ قال الشعبي : ( وكان عند ابن عباس دقائق ـ دفائن ـ علم يعطيها أهلها ويصرفها عن غيرهم ) (٣).

____________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٣ / ٥٠١ ، تاريخ الفسوي ١ / ٤٨٥ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٤١٠ ، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ١٩ / ٣٣٥.

(٢) المقفى الكبير ح٤ / ٤٩٧.

(٣) بحار الأنوار ٣٠ / ٤٤٨ نقلاً عن الشافي للمرتضى وشرح النهج للمعتزلي.

٨

تمهيد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ورضي الله عن الصحابة المهتدين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد فهذه دراسة عن معارف ابن عباس رضي الله عنه في الحديث وكثرة مروياته خاصّة ، وما تطرّق إليها من الريب ، وقد مرّت بنا بعض الأبحاث حول هذا الموضوع في الجزئين الأوّلين من هذه الحلقة ، وذكرت ما تيسّر لي في حينه. أمّا الآن فلنبدأ من البداية ، بقراءة تاريخ ابن عباس العلمي لنستذكر بداية طلبه للحديث ، ثم نسايره في مراحل طلبه وحتى زمان عطائه ، لنرى أين هي الفجوة الفجّة التي تخيّلها بعض الباحثين

٩

حجة ، فدسوا آنافهم فيها فزعموا تزييف جمهرة كبيرة من مروياته.

ثم إنّ إعادة إستذكار بعض المعلومات التي مرّت سواء في الحلقة الأولى أو الثانية لا ينبغي أن تثير علامة إستفهام أو تعجّب ، ما دامت الإعادة لغرض تنبيه القارئ إجمالاً إلى ما ينبغي له إستذكاره من مخزون علمه بهذا الجانب ، لتكتمل عنده المعلومة من خلال الإلمام بمتناثر أخبار ابن عباس رضي الله عنه ، مع وضوح الصورة ، بدلاً من أن يبقى التشويش على هذا الجانب ، فتبقى الرؤية بضبابيتها مهزوزة ومشوّهة.

لقد إهتم غير واحد من العلماء بجمع أحاديث ابن عباس رضي الله عنه وأخرجوا مسانيد عنه منفردة ومجتمعة مع غيرها ، تناولوها بالتوثيق عن طريق الإسناد،فكان منهم :

أحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ ) ( لقد أخرج مسند ابن عباس ضمن كتابه المسند ) ، الذي ضم جملة من مسانيد الصحابة ، وكان ما جمعه بسنده عن ابن عباس بلغ ( ١٧١٠ ) حديثاً ، وهو كمّ كبير ، وإن كان فيه بعض المكررات ، واستغرق ثلاثة أجزاء من طبعته المحققة ( شاكر ).

ومنهم أبو محمد دعلج بن أحمد السجستاني ( ت ٣٥١ ) ( أفرد مسند عبد الله بن عباس بالتصنيف ) (١) ، ولم تصل إلينا نسخته حتى اليوم ، ولعلّها بعدُ في ظُلُم الرفوف والزوايا.

____________________

(١) التراتيب الإدارية للكتاني ٢ / ٤١٥.

١٠

وقد صنع بقية أصحاب المسانيد مثل هذا في الجمع وإن لم يبلغ مثله في العدد ، أمّا الذي نيّف على الجميع ، فهو ما جمعه الطبراني في معجمه الكبير إذ بلغ ( ٢٤١٠ ) بما في ذلك المكررات أيضاً ، واستغرقت ثلاثة أجزاء تقريباً من طبعته الثانية بالموصل في الجزء العاشر والحادي عشر والثاني عشر.

كما وصل إلينا حديث ابن عباس رضي الله عنه متفرقاً في جملة الصحاح وكتب السنن والمسانيد الأخرى ما لو جمع متفرقه بدون مكرره ، لكان كثيراً جداً أيضاً.

وهذا بعض ما كان في كتب الحديث من التراث السني ، فإذا أضفنا إليه ما في سائر كتب ذلك التراث في التفسير واللغة والأخلاق والفضائل والتاريخ من المرسلات لزاد كثيراً.

أمّا ما ورد مروياً عنه في مصادر التراث الشيعي ، فهو أقل من ذلك بكثير ، وجلّه ورد في التفسير والفضائل والأخلاق ، أمّا في سائر الأبواب الأخرى فهو قليل. ومع ذلك لو استخرج من الأصول الأولى في الحديث بواسطة الجوامع المتأخرة ، لكان كمّاً وافراً لا يستهان به.

على أنّه ينبغي لمن يُعنى بذلك أن يعالج حلّ مشكلة المسألة المعضلة ، وهي تلك الكثرة الكاثرة في التراث السني كمّاً وكيفاً ، وكذلك في التراث الشيعي من ناحية الكيف خاصة. ليوجد حلاً معقولاً ، وجواباً مقبولاً ، ليقنع به القراء فاضلاً ومفضولاً.

١١

ولمّا كنتُ قد أخذتُ على نفسي أن لا تنساب مع المغالين المتساهلين فتذوب في التضخيم والتفخيم ، ولا تجمد عند موقف المقصرّين المتشدّدين ، فتجرّد ذلك الكمّ الهائل من هالته ، فتذروه هشيماً ، رأيت من واجبي أن أزيل ـ ما استطعت ـ تلك الضبابية التي شوّهت الصورة ، وأذكر ما تبيّن لي بعد الفحص أنّه أقرب إلى الصحة ، إن لم يكن هو الصحيح بعينه ، طبقاً لما ذكرت مكرراً عن الميزان الذي جعلته حكماً ومحكّماً لمعرفة الصحيح من السقيم ، وذلك ( بإختصار ) هو العرض على كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام لأنّهم عدل الكتاب ، إلتزاماً بحكم حديث الثقلين المتواتر برواية الفريقين من المسلمين (١).

وقد سبق أنّي تعرضت لهذا الجانب بشيء من التحقيق ، فبحثت الموضوع في أوائل الجزء الأوّل من هذه الحلقة حين ذكرت ينابيع علوم ابن عباس رضي الله عنه ، وكان هو في مهبّ العاصفة ، واستعرضت نماذج من سماع الصحابة للحديث النبوي الشريف كمّاً وكيفاً ، بدءاً من عمر ومروراً بالبراء بن عازب وأنس بن مالك وانتهاءاً بحذيفة بن اليمان ، وناقشت الذين دافعوا مستميتين عن بعض المكثرين من الصحابة كأبي هريرة ، وبعملية حسابية بسيطة تبيّن أنّ خلاصة أيام صحبة هذا الصحابي سنة واحدة وعدّة أشهر ، ومع قصر تلك المدّة فقد أخرج له أحمد في

____________________

(١) أنظر كتاب عليّ إمام البررة ١ / ٢٩٢.

١٢

مسنده ( ٣٨٤٨ ) ، وارتفع هذا الكمّ عند بقية بن مخلد فروى له في مسنده ( ٥٣٧٤ ) ، فكان هو أكثر من كلّ الصحابة المكثرين رواية ، فقلت : ( ومن الطبيعي أن يكون أبو هريرة في أعلا السلّم من حيث الرقم في الكمّ لولا أنّه أنزل نفسه ـ ولعلّه تواضعاً ، أو لم يرقَ لأنّه كان جائعاً أو كان مازحاً فقد كان هو كذلك ـ فأخلى المقام لعبد الله بن عمرو بن العاص ) ، فقال كما في صحيح البخاري في كتاب العلم : ( ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منّي إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنّه كان يكتب ولا أكتب ) (١) ، ومرّ بنا قول عمر له : ( لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لألحقنك بأرض دوس ) (٢).

وأمّا عن أحاديث أمّ المؤمنين عائشة فدع عنك تذكارها ، لأنّها نيّفت بمروياتها البالغة ( ٢٢١٠ ) حديثاً ، على جميع أحاديث الخلفاء الأربعة وبقية أمهات المؤمنين الثمانية ، وبنات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسبطيه الحسن والحسين عليهما السلام ، وهذا مبلغ لم يبلغه مَن كان قبلها في كنّها وشأنِها مع صغر سنّها.

وإلى آخرين من المكثرين ممن كُمّت الأفواه عن محاسبتهم ، ولا أقل من التشكيك بمروياتهم.

فما بال ابن عباس رضي الله عنه يبقى مُستهدَفاً من دونهم؟ هل لأنّه من أتباع أهل البيت عليهم السلام ومنسوبيهم ، فكان شيعتهم يكذبون عليه في الحديث لصالحهم؟

____________________

(١) أنظر الحلقة الثانية من موسوعة عبد الله بن عباس ١ / ٢٨ ـ ٣٤.

(٢) البداية والنهاية لابن كثير ٨ / ١٠٧.

١٣

أم لأنّه جدّ لبني العباس الذين حكموا المسلمين أكثر من خمسمائة عام ، فصار سماسرة الحديث يضعون الأحاديث على لسانه تزلفاً إلى أبنائه؟

أم لا هذا ولا ذاك ، ولكن الرجل كان شوكة في عيون الأمويين ، فصار أنصارهم مِن بعدهم يشوّهون تاريخه بمفتريات من عندهم؟

كلّ هذا وغيره محتمل ، فعلينا الآن إلى عرض المشكلة بجميع أبعادها أوّلاً ، وبعد ذلك نبحث عن الجواب للحلّ المناسب ، ومن ثَمّ لابد لنا من أن نلج باب التاريخ الموصد على ما فيه من التشويه والتمويه ، لغرض التنبيه والتنويه ، ولرفع الضبابية عما يرويه ، وأخيراً إلى بعض ما أخترته من مروياته حسب تجريدي لها من الشوائب ، ناقلاً لها من أقرب المصادر إليه زماناً ومكاناً.

فهذه أربع محطات ـ إن صح التعبير ـ يلزمنا المرور بها ، والوقوف عندها ، لإستيعاب ما فيها ، وهي كما يلي :

١ ـ عرض المشكلة بجميع أبعادها.

٢ ـ الحلّ المناسب في جواب المشكلة.

٣ ـ مع التأريخ على ما فيه.

٤ ـ منتخب بعض الآثار والأخبار من مرويات ابن عباس رضي الله عنه.

وربّما طال الوقوف حتى يخيّل للقارئ الخروج عن الموضوع ، أو إطالة بلا طائل ، وليس كذلك ، بل نقف ما استدعى المقام ذلك وإن طال ، ونطوي المراحل حسب مقتضيات الحال.

١٤

عرض المشكلة بأبعادها

لقد أثارت كثرة المرويات عن ابن عباس رضي الله عنه المرفوعة والموقوفة ، تساؤلات كثيرة ، فأحدثت مشكلة دفعت بالكثير من الباحثين قدامى ومحدثين ، إلى التشكيك بصحة ذلك الكمّ الهائل ، خصوصاً في الأحاديث المرفوعة ، نظراً لقصر المدّة التي تشرّف فيها بصحبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لقلّة سنيّ عمره عند وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّ التحقيق في ذلك مراراً ، وأنّها نحو من ثلاث سنين ، ولو قسمت أعداد تلك المرفوعات بأعلى رقم ذكروه على أيام صحبته ما كانت نشازاً ولا تثير غرابة ، إذ يكون حاصل القسمة على أكثر تقدير لكلّ يوم ثلاثة أحاديث ، وهذا لا يستدعي إثارة تساؤل ، بعد ملاحظة موقع ابن عباس رضي الله عنه من السدّة النبوية الشريفة نسباً وحسباً وسبباً ، فهو ابن عم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في نسبه ، وهو ابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث في قربه ، فهو يدخل عليها ويبيت عندها ويسمع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بيتها ، وحتى في بيت غيرها من أمهات المؤمنين ، فقد روى عبد الرزاق في المصنف بسنده قال ابن عباس : ( صلّيت إلى جنب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة خلفنا ، تصلي معنا ، وأنا إلى جانب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نصلي معه ) (١).

إذن فهو في حسبه وسببه قمين بأن يحظى بكثرة الرواية ، إلى غير ذلك من عوامل نذكرها في حلّ هذه المشكلة التي بلبلت الكثير بين

____________________

(١) المصنف ٢ / ٤٠٧.

١٥

إفراط وتفريط ، ففرّط بعضهم في القلّة لحدّ غير المعقول فضلاً عن أن يكون من المقبول.

لقد حكى الآمدي في كتاب ( الإحكام في أصول الأحكام ) في إستدلاله على مختاره في قبول مراسيل العدل مطلقاً ، قال : ( ودليله الإجماع والمعقول ، أمّا الإجماع فهو أنّ الصحابة والتابعين أجمعوا على قبول المراسيل من العدل ، أمّا الصحابة فإنّهم قبلوا أخبار عبد الله بن عباس مع كثرة روايته ، وقد قيل : إنّه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سوى أربعة أحاديث لصغر سنه ، ولمّا روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنّما الربا في النسيئة ) ، و ( أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل يلبّي حتى رمي جمرة العقبة ) ، قال في الخبر الأوّل لمّا روجع فيه : أخبرني أسامة بن زيد ، وقال في الخبر الثاني : أخبرني به أخي الفضل بن عباس ) (١).

أقول : لقد مرّ بنا في الحلقة الأولى عند ذكر أحاديثه عن حجة الوداع ، وأنّه كان في جملة من بعث بهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ضعفة أهله ليلاً من المزدلفة ، وقد مرَّ عنه روايته عن أخيه الفضل مصرّحاً بذلك عن فعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عند إفاضته من المشعر الحرام حتى أتى جمرة العقبة ، وبروايته هذه أتم ابن عباس رواياته في مناسك الحج التي رواها عن مشاهدة وسماع ، فراجع.

ومن الغريب أن ينكر الآمدي ذلك ، ولم يذكر مَن هم الذين راجعوا ابن عباس في الخبرين المشار إليهما آنفا؟ ومتى كانت تلك المراجعة؟

____________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام ٢ / ١٧٨ ـ ١٧٩.

١٦

ولم نجد في تاريخه العلمي إشارة إلى ذلك ، سوى ما كان في آخريات سني حياته ، أيام تكالب عليه ابن الزبير وأعانه الخوارج على غير هدىً ومودّة. وقد مرّت بعض الشواهد على ذلك في الجزء الخامس من الحلقة الأولى ، فلتراجع.

ومع غض النظر عن هذا لو صح ، فليس في فعل ابن عباس رضي الله عنه ما يشينه فيشهّر به ، بعد أن كان على حدّ ما وصفناه في قرباه ، مضافاً إلى ما وصّاه به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ العلم من عليّ عليه السلام ، فكان هو يكنّي به عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأنّه هو نفسه بنصّ آية المباهلة ، فلو قد صرّح باسمه لم يؤخذ منه ولم يُسمع منه ، ولو أرسل لما كان كاذباً ولا مدلّساً.

ألم يروي السفاريني في ( شرح ثلاثيات الإمام أحمد بن حنبل ) (١) ، والقاسمي في ( قواعد التحديث ) (٢) ، والقشاشي في ( السمط المجيد ) (٣) ، والدكتور عبد الحميد بخيت في ( دراسات تاريخية في رجال الحديث ) (٤) وغيرهم .. ( إنّ يونس بن عبيد ، قال : سألت الحسن ، قلت : يا أبا سعيد إنّك تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنّك لم تدركه؟ قال : يا بن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك ، انّي في زمان كما ترى ـ وكان في

____________________

(١) ثلاثيات الإمام أحمد بن حنبل ١ / ٣٦٦ ، ط محققة.

(٢) قواعد التحديث / ١٤٢.

(٣) السمط المجيد / ١٧ ط حيدر آباد.

(٤) دراسات تاريخية في رجال الحديث / ٣٥.

١٧

عمل الحجاج ـ كلّ شيء سمعتني أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو عن عليّ بن أبي طالب ، غير أنّي في زمان لا أستطيع أن أذكر عليّاً ) (١).

فهذا الحسن البصري ، وهو لا يعدّ من الموالين لعليّ عليه السلام ومع ذلك قد خشى بني أمية ، فكيف بأولياء عليّ عليه السلام وشدّة الرقابة عليهم؟!

وعودة إلى ابن عباس رضي الله عنه في أحاديثه إذ عرفنا جانب المكثرين.

أمّا عن الجانب الآخر :

فمن المفرطين في القلّة : ابن معين والقطان ، وأبو داود في السنن ، قالوا : ( إنّه روى تسعة أحاديث لصغر سنه ) (٢) ، وهذا لم يعجب ابن حجر فقال في ( تهذيب التهذيب ) : ( فائدة : روي عن غندر : انّ ابن عباس لم يسمع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ تسعة أحاديث ، وعن يحيى القطّان : عشرة ، وقال الغزالي في المستصفى : أربعة ، وفيه نظر ، ففي الصحيحين عن ابن عباس ممّا صرّح فيه بسماعه من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من عشرة ، وفيها ممّا يشهد فعله نحو ذلك ، وفيهما ما له حكم الصريح نحو ذلك فضلاً عما ليس في الصحيحين ... ) (٣) الخ.

أقول : ولم يذكر ابن حجر مع من ذكرهم ابن القيّم الذي قال في كتابه ( الوابل الصيّب ) : إنّ ما سمعه ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ العشرين حديثاً (٤)؟!

____________________

(١) أنظر كتاب عليّ إمام البررة ١ / ٤٤٢.

(٢) اضواء على السنة المحمدية / ٤٠١ ط الأولى.

(٣) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٧٩ ط افست حيدر آباد.

(٤) الوابل الصيّب من الكلم الطيّب / ٥٨ تح سعيد محمود ط الأولى نشر دار الجيل.

١٨

وكيف لنا تصديقه ، وإمام إمامه ـ أعني أحمد بن حنبل الذي هو إمام ابن تيمية شيخ ابن قيّم الجوزية ـ جاء في كتابه ( العلل ومعرفة الرجال ) ، قال : ( قال أبو عبد الرحمن : أحصيتها ـ يعني الأحاديث ـ ما قال ابن عباس سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ورأيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وبت عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هي ثمانون أو نيّف وسبعون ) (١).

أقول : ومع هذا الإحصاء فقد فاته أن يشير إلى ما اشتمل على نداء المخاطبة ، نحو حديث الشهادة عن ابن عباس ، قال : ( ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يشهد بالشهادة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أمّا أنت يا بن عباس فلا تشهد إلاّ على أمر يضيئ لك كضياء الشمس ) ، وأومأ بيده إلى الشمس ) (٢) ، أو مثل : ( إنّ رسول الله أكل كتف شاة ولم يتوضأ ) (٣) ، ممّا دلّ على عنصر المشاهدة ظاهراً.

أمّا الذين أفرطوا في الكثرة فربما كانوا أعذر من أولئك المقلّين ، إذ لهم فيما يذكرونه نحو تعذير! فمثلاً مَن يرى في صحيح البخاري ـ الذي هو عند من يراه أصح كتاب بعد كتاب الله (؟) ـ ولا يقصر عنده صحيح مسلم في الإعتبار وما اتّفقا عليه فليس فيه نقاش وهو مقبول عندهم ، ثم يقرأ ما يقوله النووي ـ وهو شيخ أهل الصنعة ـ قال : ( روي

____________________

(١) العلل ومعرفة الرجال ٢ / ١٠٢ رقم ١٧١٧ تح وصي الله بن محمود ط المكتب الإسلامي بيروت ٢٠٠٨م.

(٢) الكامل لابن عدي ٦ / ٢٠٧.

(٣) نفس المصدر.

١٩

لابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ألف حديث وستمائة حديث وستين حديثاً ، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة وتسعين ، وانفرد البخاري بمائة وعشرين ومسلم بتسعة وأربعين ) (١) ، وقد قلت آنفاً إزداد العدد في مسند أحمد حيث بلغ ( ١٦٩٦ ) من غير المكررات ، ومعها ( ١٧١٠ ) كما مرّت الإشارة إلى ذلك ، ومسند أحمد له المقام الرفيع ، أو ما عند الطبراني في ( المعجم الكبير ) فقد أخرج عنه ( ٢٤١٠ ) حديثاً مرفوعاً وموقوفاً بما فيها المكررات ، وهذا رقم عال جداً لأوّل وهلة ، ولكن إذا إمتاز المرفوع عن الموقوف ، وحذف المكرّر منهما يصير مقبولاً ومقارباً مع الذين جمعوا أحاديثه في ( المسند الجامع ) فبلغت ( ١١٨٥ ) (٢) ، وبين الإفراط والتفريط يكون ما ذكره النابلسي في ( ذخائر المواريث ) مقبولاً جداً فقد ذكر له ( ٨٢٦ ) حديثاً.

ولمزيد من الإطلاع على ما في هذا الموضوع من نقد ورد يحسن مراجعة الجزء الأوّل من هذه الحلقة فثمة ما ينفع في المقام.

____________________

(١) تهذيب الاسماء واللغات ١ / ٢٧٥ ط المنيرية بمصر.

(٢) المسند الجامع ٨ / ١٤١٣ ط الأولى.

٢٠