موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٨

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٨

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-96-6
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٣٢

أبي لبابة الأنصاري إلى حلفائه من بني قريظة أنّ الذبح إن نزلتم على حكم سعد بن معاذ وأشار إلى حلقه ، فنزل قوله تعالى : ( لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ ) (١) ، ولولا توبته فربط نفسه بسارية المسجد حتى نزلت توبته ، إلى غير هؤلاء ممن نعى الكتاب المجيد عليهم أفعالهم كأصحاب مسجد الضرار ، والذين ينادونه من وراء الحجرات ، ومن صغت قلوبهما من أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لإفشائهما سرّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ومَن نزلت فيهم سورة المنافقين ، ومَن قال سبحانه فيهم : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (٢) ، وغير هؤلاء من أهل المدينة مردوا على النفاق ممن لا نعلمهم ولا رسول الله كان يعلمهم لقوله تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ، فكل هؤلاء وأنماطهم لا يمكن مصادقة ابن الصلاح على عدالتهم ، والحديث في هذا قد مرّت الإشارة إليه في بعض أجزاء هذه الموسوعة.

ونعود إلى كثرة أحاديث ابن عباس وموقف أحمد أمين ـ تبعاً لجولد زيهر فيما أحسب ــ من الشك فيها ، فنقول :

ليس كلّ ما روي عن ابن عباس مرفوعاً مورداً للشك ، وهذا ما لا نزاع فيه ، إنّما الشك عند المشككين هو الكثرة وقد سبق أن ذكرت أنّه ليست تلك الكثرة الكاثرة التي يصعب التصديق بصدقها ، لأنّا حسبناها

____________________

(١) الأنفال / ٢٧.

(٢) التوبة / ١٠١.

٨١

بالأرقام وقسمناها على الأيام فلم تزد عن المتعارف ، فراجع.

وإن لم تقنعك تلك المحاولة ، فهلمّ إلى قراءة في كتب الموضوعات لإحصاء ما ورد فيها ممّا هو منسوب إلى ابن عباس مرفوعاً ، وهو غير صحيح ، لنري القارئ وجه الجرح فيها. وخير تلك الكتب استيعاباً هو كتاب ( اللئالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ) للحافظ السيوطي ت ٩١١ هـ ، فلنقرأ ما جاء فيه في طبعته الأولى بمصر ١٣١٧ هـ المطبعة الأدبية ، عن الموضوعات على ابن عباس ، فهي من خلال ( اللئالئ المصنوعة ) ليست بتلك الكثرة الكاثرة التي تطغى على باقي مروياته ، فقد أحصينا ما وجدناه منسوباً إلى ابن عباس من الروايات مرفوعة وموقوفة فكانت النتيجة ( ٧٥ ) مرفوعة و ( ٢٩ ) موقوفة في الجزء الأوّل ، و ( ٨٨ ) مرفوعة و (٥) موقوفة في الجزء الثاني ، فلم يبلغ المجموع ( ٢٠٠ ) رواية ، وليست كلّها مرفوضة متنا ، لأنّ منها ما ورد بأسانيد سليمة عن آخرين ، ولولا خوف الإطالة لذكرتها جميعاً مع بيان حالها سنداً ومتناً ، وحسبي بهذا إفادة القارئ ، ومن شاء المزيد فليراجع المصادر المذكورة فيها الموضوعات.

وممّا يبعد تهمة كثرة الوضع على ابن عباس تزلفاً إلى بنيه العباسيين أيام حكمهم ، أنّا نجد أغلب ما وصل إلينا من مروياته المرفوعة أو الموقوفة في التفسير والفقه والحديث والتاريخ جميعها من مدونّات أيامهم ، ولا نشك أنّهم رأوها وسمعوا بها ، بل كتب بعضها بإسم بعضهم وإن اختلفت المشارب والمذاهب ، ولم ينقل أنّهم أنكروا

٨٢

ما فيها ممّا ليس في صلاحهم السكوت عنها.

وإلى القارئ ذكر نموذجين من علماء أواخر أيام حكم العباسيين ، وهما في سلوكهما على طرفي نقيض :

١ ـ سيف الدين أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي القفّال المتوفي سنة ( ٥٠٧ هـ ) ، وهو من أئمة الشافعية له كتاب ( حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ) ـ وقد طبع في ثمانية أجزاء ط مؤسسة الرسالة الحديثة ) ، وقد كتب باسم المستظهر العباسي الذي تولى الحكم سنة ( ٤٨٧ ـ ٥١٣ ). فكان يسمى المستظهري أيضاً ، كما في مقدمة المحقق له ـ وإذا بحثنا في هذا الكتاب لم نجده يذكر أحكاماً كثيرة عن جدّ العباسيين إلاّ أحاداً قليلة في كلّ جزء من أجزاء كتابه الثمانية حكى فيها عن ابن عباس ، نحو ما ذكره في مسألة ( الإعتبار بتغيرّ الماء بالنجاسة على كلّ حال ) ، فقال : ( ويروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ) (١).

وإذ لم يذكر عن ابن عباس وهو الفقيه الجامع بلا منازع إلاّ متفرقات قليلة ، فلا يرجى منه أن يذكر أباه العباس بأكثر من ذكره للولد! ومع ذلك فقد ذكره أيضاً في مسألة ( جواز إستقبال وإستدبار القبلة لقضاء الحاجة ) ، فقال : ( ويروى ذلك عن العباس ) (٢).

ومَن كان بهذه المثابة من التنكر لفقه العباس وابنه حبر الأمة ، فلا غرابة إذا لم يذكر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلاّ في حكاية ابن المنذر

____________________

(١) حلية العلماء ١ / ١٨٦ ـ ٢٢١ ، و ٢ / ٢٥ ، ٤٨ ، ١٢٦ ، ١٤٧ ، ١٤٥ ، وج٣.

(٢) نفس المصدر ١ / ٢٠٤.

٨٣

عنه في ( البيضة في جوف الدجاجة الميتة ) ، أنّه قال : ( لا يحلّ أكلها ) (١).

فهذا نموذج متطرف في تجاهل أجداد العباسيين ، وثمة نموذج متهالك وهو :

٢ ـ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الشهير بابن الجوزي المتوفى سنة ( ٥٩٧ هـ ) ، وهو من شيوخ الحنابلة ، وله تصانيف كثيرة منها ( المصباح المضئ في خلافة المستضئ ) كتبه باسم المستضيء بأمر الله العباسي الذي تولى الحكم من سنة ( ٥٦٦ ـ ٥٧٥ ) ، وكتابه هذا ( يمثل الوعظ السياسي الذي أهتم به المسلمون في مختلف العصور الإسلامية ، وقد استطاع أبو الفرج أن يلبس هذا الوعظ السياسي ثوباً دينياً ، وبذلك أكسبه أهمية إجتماعية بالغة عند الخاصة والعامة وأولي الأمر ) ، كما في مقدمة الدكتور ناجي معروف للكتاب (٢).

وقد أغرق ابن الجوزي نزعاً في الثناء على المستضيء ، ونعته بـ ( مولانا وسيدنا الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ).

وقوله : ( فبلغ الله المواقف المقدسة النبوية الإمامية المستضيئة بأمر الله غاية المزيد ) ، إلى غير ذلك ممّا حشر به مقدمات أبواب كتابه وبعض فصوله وخواتيهما ، كما أنّه في مقدمة كتابه ذكر ثلاثة أبيات لم ينسبها لأحد ، وربما هي له :

بنو هاشم عترة بوركت

وكـلّ مـنـابـتهـا طـيّـب

____________________

(١) نفس المصدر ١ / ١١٦.

(٢) مقدمة كتاب المصباح المضئ د ناجي معروف / ١٠.

٨٤

 

إذا ما سما لهمُ معشر

أبت ذاك زمزم والأخشب

أبو القوم عم نبيّ الهدى

يقينا وما العمّ إلاّ أب (١)

ومن هنا بدت تتهاوى هيبة ابن الجوزي العلمية شيئاً فشيئاً في ثنايا فصول كتابه ، فإذا هو يتنكر للحقائق التاريخية.

فيقول في مقدمة الباب الأوّل بعد خطبة الإفتتاح : ( أحمده وأرجوه وأسأله وأدعوه تضرعاً وخيفة ، وأصلي على رسول الله محمد وعمه الخليفة ... )! فمتى كان العباس خليفة؟

وقال في ختام الفصل ( ١١ ) : ( ومدّ الله عزوجل أطناب الفخر للعباس ببقاء الذرية وشرف الولاية وفرّ الناس يوم حنين عن رسول الله وثبت العباس ، فثبّت الله الخلافة في ولده ).

أرأيتم ملقاً وخرقاً وحمقاً كهذا القول الزور؟!! ونحن لا ننكر فضل العباس ومقامه يوم حنين ، ولكنه لم يكن هو الثابت وحده ، أليس العباس هو القائل في شعره يومئذ :

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

وقد فرّ من قد فرّ عنه وأقشعوا

وعاشرنا لاقى الحمام بسيفه

بما مسّه في الله لا يتوجع (٢)

ثم ذكر ابن الجوزي عنوان ( نبذة من فضائل العباس ) (٣) ، ولم يذكر

____________________

(١) المصباح المضئ في خلافة المستضئ ، الفصل ٥ / ١ / ٩٩.

(٢) قد مرّ الشعر في الحلقة الأولى من موسوعة ابن عباس ١ / ١٢٥ ، فراجع.

(٣) المصباح المضئ في خلافة المستضئ الفصل ١١ / ١١٩.

٨٥

فيها شيئاً عنه ، وإنّما الذي ذكره ما يتعلق بابن عباس ممّا لا يشمله العنوان ، فذكر أدعية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له ممّا لم يسلم بعضها من مناقشة سنداً فضلاً عنها دلالة ، ثم ذكر جملة من أخبار ابن عباس والثناء عليه ، وجميعه ممّا لا يشمله العنوان ، وليس في هذا كبير مؤاخذة كما هي فيما ذكره في فصل ( ١٣ ) ، حيث قال : ( فنشر الله عزوجل خلفاء الخير من ذلك الحبر الخير ، وقد وعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بملك بني العباس ).

فساق له بسنده عن جابر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( ليكونّن في ولده ـ يعني العباس ـ ملوك يلون أمر أمتي يعزّ الله بهم الدين )؟ وأتبعه في حديث آخر عن ابن عباس ، قال : قال العباس : يا رسول الله ، ما لنا في هذا الأمر؟ فقال : ( لي النبوة ولكم الخلافة ، بكم يفتح هذا الأمر وبكم يختم ) (١).

وأخيراً نختم موارد تزلف ابن الجوزي في مصباحه المضيء بما رواه بسنده عن ابن عباس ، قال : ( حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية ، قالت : مررت بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الحجر ، فقال : ( يا أم الفضل إنك حامل بغلام ) ، قالت : يا رسول الله كيف وقد تحالف الفريقان لا يأتوا النساء؟ قال : ( هو ما أقول لك ، فإذا وضعته فأتيني به ) ، قالت : فلمّا وضعته أتيت به رسول الله ، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليُسرى ، وقال : ( إذهبي بأبي الخلفاء ) ، قالت : فأتيت العباس فأعلمته ، وكان رجلاً جميلاً لباساً ، فأتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فلمّا ، رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام إليه فقبّل بين عينيه ثم أقعده عن يمينه ، ثم قال : ( هذا عمّي فمن شاء فليباه بعمه ) ،

____________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٣٤

٨٦

قلت : يا رسول الله بعض هذا القول ، فقال : ( يا عباس لم لا أقول هذا القول؟ أنت عمي وصنو أبي وخير من أخلّف بعدي من أهلي ) ، فقلت : يا رسول الله ما شيء أخبرتني به أم الفضل عن مولودنا هذا؟ قال : ( نعم يا عباس إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك ، منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم المهدي ) ) (١).

أقول : فهذا الذي ذكره في كتابه ( المصباح المضيئ في خلافة المستضيئ ) ، يبدو وكأنّ ضوؤه كان خافتاً ، أو الشيخ كانّ ناعساً ، فحشر أخباره في غمة الظلمات ، مع أنّها من أقبح الموضوعات ، وبهذا أبدى صفحته نموذجاً فسلاً من المتزلفّين المنحطّين من وعاّظ السلاطين.

فكان من أقبح العيب فيه وأفضح العتب عليه ، أن يكتب هذه الأخبار الموضوعة في كتابه ( المصباح المضيئ ) ، ويغمض عينه عمّا فيها ، ولم يكتبها في كتابه الآخر ( الموضوعات ) خشية أن يطالب التعقيب عليها بتجريح أسانيدها ـ. كما هي عادته ـ. بل ولم يذكرها ولا شيئاً منها في كتابه الآخر ( العلل المتناهية في الأخبار الواهية ).

وحسبي في تسليط الضوء على آفة سند حديث آخر نقلته من كتابه ( المصباح المضيئ ) الذي رواه بسنده عن أحمد بن راشد الهلالي ، عن سعيد بن خثيم ، عن حنظلة ، عن طاووس ، عن ابن عباس ...

فأنا حسبي ما قاله فيه الذهبي في ( ميزان الإعتدال ) : ( إنّ الخبر في ذكر بني العباس من رواية سعيد بن خثيم ، عن حنظلة ، عن طاووس ،

____________________

(١) نفس المصدر / ٣٨٨ ـ ٣٩٠.

٨٧

عن ابن عباس ، خبر باطل ومختلق ) (١).

مضافاً إلى ما فيه من فجوات دالة على كذبه ، نحو تعيين سنة تملك بني العباس بسنة ١٣٥ هـ بقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، بينما كان بدء تعيين أوّل التاريخ الهجري في أيام عمر ، إلى غير ذلك.

على أنّ كتابه ( الموضوعات ) قد ضم أخباراً صحاحاً ، أوردها في الموضوعات لأنّها على خلاف هواه ، وقد نقده غير واحد في ذلك.

لذلك فقد أعتمدت في تسليط الضوء لمعرفة الموضوعات على ابن عباس على كتاب ( اللئالي المصنوعة للسيوطي ) ، وذكرت ما وقفت عليه فيه بالأرقام.

وتعويضاً عما أعرضتُ عن ذكر جميع ما في كتاب ( اللئالي المصنوعة ) ، سأذكر ما هو أقرب إلى الصحة إن لم يكن هو الصحيح بعينه لسلامة سنده ومتنه في ما أراه ، نقلاً عن قديم المصادر التي وصلت إلينا مدوّنة كالمصنف لعبد الرزاق ( ت ٢١١ ) ، ولم أرجع إلى موطأ مالك لأنّه كما مرّ تدوين رسمي ، فهو أقرب إلى مظنّة التهمة في صحة مروياته عن ابن عباس. وما ورد في ( المصنف ) لعبد الرزاق أقرب إلى الصحة ، وأجدى نفعاً في المقام.

وقبل ذلك نقرأ أحاديث مختارة عن ابن عباس رضي الله عنه في التراث الشيعي.

____________________

(١) ميزان الإعتدال ١ / ٤٠٦.

٨٨

الفصل الثاني

معارفه في الحديث

وفيه مبحثان

٨٩
٩٠

المبحث الأوّل

أحاديث مختارة عن ابن عباس في التراث الشيعي

٩١
٩٢

رجعت في إختيار جملة أحاديث رواها ابن عباس رضي الله عنه إلى أقدم ما وصل إلينا من مدونات الحديث في القرن الأوّل وهو من التراث الشيعي ، وذلك هو ( كتاب سليم بن قيس الهلالي ) المتوفى سنة ٧٦ هـ ، وهو من خيرة التابعين ممن روى عن ابن عباس رضي الله عنه مباشرة ، وله حضور مذكور في بعض المجالس مع ابن عباس رضي الله عنه ، ونستتبعه بما ورد عنه في مدوّنات القرون الأولى من بعض الأخبار.

فإلى ما في كتاب سليم بن قيس الهلالي المتوفى سنة ٧٦ هـ من الأخبار عن ابن عباس ، قال :

١ ـ ( ... ثم إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش ، فلمّا رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس. فقال له : يا بن عباس ، ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلاّ موجدة [ في نفسك ] عليّ بقتالي إياكم يوم صفين. يا بن عباس ، إنّ ابن عمي [ أمير المؤمنين ] عثمان قتل مظلوماً.

قال له ابن عباس : فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوماً ، أفسلمتم الأمر إلى ولده ، [ وهذا إبنه ]؟ قال : إنّ عمر قتله مشرك.

٩٣

قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟ قال : [ قتله ] المسلمون ، قال : فذلك أدحض لحجتك وأحلّ لدمه إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه [ فليس إلاّ بحق ].

قال معاوية : فإنّا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته ، فكفّ لسانك ـ يا بن عباس ـ وأربع على نفسك.

فقال له ابن عباس : أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال : لا.

قال : أفتنهانا عن تأويله؟ قال : نعم.

قال : فنقرأه ولا نسأل عمّا عنى الله به؟ [ قال : نعم.

قال : ] فأيّما أوجب علينا ، قراءته أو العمل به؟

قال معاوية : العمل به.

قال : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

قال : سل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت وأهل بيتك.

قال : إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان ، أو أسأل عنه آل أبي معيط ، أو اليهود والنصارى والمجوس؟

قال له معاوية : فقد عدلتنا بهم [ وصيّرتنا منهم ].

قال له ابن عباس : لعمري ما أعدلك بهم ، غير أنّك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي ، أو حلال أو حرام ، أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص ، أو محكم أو متشابه ، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.

٩٤

قال معاوية : فاقرؤا القرآن [ وتأولوه ] ولا ترووا شيئاً ممّا أنزل الله فيكم من تفسيره ، وما قاله رسول الله فيكم ، وارووا ما سوى ذلك.

قال ابن عباس : قال الله في القرآن : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١).

قال معاوية : يا بن عباس ، اكفني نفسك وكفّ عني لسانك ، وإن كنت لا بد فاعلاً فليكن ذلك سراً ولا يسمعه أحد منك علانية.

ثم رجع إلى منزله ، فبعث إليه بخمسين ألف درهم ) (٢).

٢ ـ ( قال : أبان بن أبي عياش ، عن سليم ، قال : إنّي كنت عند عبد الله ابن عباس في بيته وعنده رهط من الشيعة. [ قال : ] فذكروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموته ، فبكى ابن عباس ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين ـ وهو اليوم الذي قبض فيه ـ وحوله أهل بيته وثلاثون رجلاً من أصحابه : ( ايتوني بكتف أكتب لكم [ فيه ] كتاباً لن تضلوا بعدي ولن تختلفوا [ بعدي ] ).

فمنعهم فرعون هذه الأمة فقال : ( إنّ رسول الله يهجر ) ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( إنّي أراكم تخالفوني وأنا حي ، فكيف بعد موتي )؟ فترك الكتف.

قال سليم : ثم أقبل عليَّ ابن عباس ، فقال : يا سليم ، لولا ما قال ذلك

____________________

(١) التوبة / ٣٢.

(٢) كتاب سليم / ٧٨٢ ـ ٧٨٣ ح ٢٦ تح الأنصاري نشر الهادي. وقد مر الخبر في الحلقة الأولى من هذه الموسوعة ٥ / ٣٤ و ٦٧ مع مصادره ، فراجع.

وراجع موسوعة عبد الله بن عباس الحلقة الأولى ٥ / ٣٤ ـ ٣٧ حول هذه المحاورة.

٩٥

الرجل لكتب لنا كتاباً لا يضلّ أحد ولا يختلف.

فقال رجل من القوم : ومن ذلك الرجل؟ فقال : ليس إلى ذلك سبيل.

فخلوت بابن عباس بعد ما قام القوم ، فقال : هو عمر.

فقلت : صدقت ، قد سمعت عليّاً عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون : ( إنه عمر ).

فقال : يا سليم ، أكتم إلاّ ممن تثق بهم من إخوانك ، فإنّ قلوب هذه الأمة أشربت حبّ هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حبّ العجل والسامري ) (١).

٣ ـ ( قال أبان : قال سليم : سمعت ابن عباس يقول : سمعت من عليّ عليه السلام حديثا لم أدر ما وجهه [ ولم أنكره ]. سمعته يقول : ( إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسرّ إلي في مرضه ، فعلمني مفتاح ألف باب من العلم يفتح كلّ باب ألف باب ).

وإنّي لجالس بذي قار في فسطاط عليّ عليه السلام وقد بعث الحسن عليه السلام وعماراً [ إلى أهل الكوفة ] يستنفران الناس ، إذ أقبل [ عليَّ ] عليّ عليه السلام فقال : ( يا ابن عباس ، يقدم عليك الحسن ومعه أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين ). فقلت في نفسي : إن كان كما قال فهو من تلك الألف باب.

____________________

(١) كتاب سليم / ٧٩٤ ـ ٧٩٥ ح ٢٧ تح الأنصاري نشر الهادي.

وقد مر الكلام حول حديث الكتف والدواة بتفصيل واف في الجزء الأول من الحلقة الأولى لهذه الموسوعة ، فراجع.

٩٦

فلمّا أظلنا الحسن عليه السلام بذلك الجند استقبلتهم ، فقلت لكاتب الجيش الذي معه أسماءهم : كم رجل معكم؟ فقال : أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين ) (١).

٤ ـ ( قال أبان : قال سليم : قلت لابن عباس : أخبرني بأعظم ما سمعتم من عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، [ ما هو؟

قال سليم : ] فأتاني بشيء قد [ كنت ] سمعته أنا من عليّ عليه السلام.

قال عليه السلام : ( دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي يده كتاب ، فقال : ( يا عليّ ، دونك هذا الكتاب ). فقلت : يا نبيّ الله ، وما هذا [ الكتاب ]؟ قال : ( كتاب كتبه الله ، فيه تسمية أهل السعادة وأهل الشقاوة من أمتي إلى يوم القيامة ، أمرني ربي أن أدفعه إليك ) ) (٢).

٥ ـ ( قال سليم : قال : قلت لعبد الله بن العباس ـ وجابر بن عبد الله الأنصاري إلى جنبه ـ : شهدت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عند موته؟ قال : نعم ، لمّا ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع كلّ محتلم من بني عبد المطلب وامرأة وصبي قد عقل ، فجمعهم جميعاً فلم يدخل معهم غيرهم إلاّ الزبير ـ فإنّما أدخله لمكان صفيةـ وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد. ثم قال : ( إنّ هؤلاء الثلاثة منا أهل البيت ) ، وقال : ( أسامة مولانا ومنا ). وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على جيش وعقد له ، وفي ذلك الجيش أبو بكر وعمر ،

____________________

(١) كتاب سليم / ٧٩٩ ح ٣٠ تح الأنصاري نشر الهادي.

راجع إرشاد المفيد / ١٦٦ ، ارشاد القلوب للديلمي٢ / ٢٢٤ ، منتخب كنز العمال٥ / ٤٣ ، تجد الخبر بألفاظ متقاربة.

(٢) كتاب سليم / ٨٠٤ ح ٣٣ تح الأنصاري نشر الهادي.

٩٧

فقال كلّ واحد منهما : ( لا ينتهي يستعمل علينا هذا الصبيّ العبد ) فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليودّعه ويسلّم عليه ، فوافق ذلك إجتماع بني هاشم فدخل معهم واستأذن أبو بكر وعمر أسامة ليسلّما على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأذن لهما.

فلمّا دخل أسامة معنا ـ وهو من أوسط بني هاشم وكان شديد الحبّ له ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه : ( قمن عني فأخلينني وأهل بيتي ). فقمن كلّهنّ غير عائشة وحفصة فنظر إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( أخلياني وأهل بيتي ). فقامت عائشة آخذة بيد حفصة وهي تذّمر غضباً وتقول : ( قد أخليناك وإياهم ) ، فدخلتا بيتاً من خشب.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام : ( يا أخي ، أقعدني ) ، فأقعده عليّ عليه السلام وأسنده إلى نحره ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( يا بني عبد المطلب ، اتقوا الله واعبدوه ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا ولا تختلفوا. إنّ الإسلام بني على خمسة : على الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. فأمّا الولاية فلله ولرسوله وللمؤمنين الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون (١) ، ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٢) ).

قال ابن عباس : وجاء سلمان والمقداد وأبو ذر ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع بني عبد المطلب.

____________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) في سورة المائدة : الآية ٥٥.

(٢) المائدة / ٥٦.

٩٨

فقال سلمان : يا رسول الله ، للمؤمنين عامّة أو خاصة لبعضهم؟ قال : ( بل خاصة لبعضهم ، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه في غير آية من القرآن ).

قال : من هم يا رسول الله؟ قال : ( أوّلهم وأفضلهم وخيرهم أخي هذا عليّ بن أبي طالب ـ ووضع يده على رأس عليّ عليه السلام ـ ثم ابني هذا من بعده ـ ثم وضع يده على رأس الحسن عليه السلام ـ ثم ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام ـ من بعده ، والأوصياء تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحداً بعد واحد ، حبل الله المتين وعروته الوثقى. هم حجة الله على خلقه وشهداؤه في أرضه. من أطاعهم فقد أطاع الله وأطاعني ، ومن عصاهم فقد عصى الله وعصاني ، هم مع الكتاب والكتاب معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردا عليَّ الحوض.

يا بني عبد المطلب ، إنّكم ستلقون من بعدي من ظلمة قريش وجهال العرب وطغاتهم تعباً وبلاء وتظاهراً منهم عليكم ، وإستذلالاً وتوثباً عليكم ، وحسداً لكم وبغياً عليكم ، فاصبروا حتى تلقوني. إنّه من لقي الله ـ يا بني عبد المطلب ـ موحّداً مقرّاً برسالتي أدخله الجنة ويقبل ضعيف عمله ويجاوز عن سيئاته.

يا بني عبد المطلب ، إنّي رأيت على منبري اثني عشر من قريش ، كلّهم ضالّ مضلّ يدعون أمتي إلى النار ، ويردّونهم عن الصراط القهقرى : رجلان من حيين من قريش عليهما مثل إثم الأمة ومثل جميع عذابهم ، وعشرة من بني أمية. رجلان من العشرة من ولد حرب بن أمية ، وبقيتهم من ولد أبي العاص بن أمية.

٩٩

ومن أهل بيتي اثنا عشر إمام هدى كلّهم يدعون إلى الجنة : عليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد. إمامهم ووالدهم عليّ ، وأنا إمام عليّ وإمامهم. هم مع الكتاب والكتاب معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردوا عليَّ الحوض.

يا بني عبد المطلب ، أطيعوا عليّاً واتبعوه وتولوه ولا تخالفوه ، وابرؤوا من عدوه وآزروه وانصروه واقتدوا به ، ترشدوا وتهتدوا وتسعدوا.

يا بني عبد المطلب ، أطيعوا عليّاً. إني لو قد أخذت بحلقة باب الجنة ففتح لي فتح إلى ربي فوقعت ساجداً فقال لي : ( إرفع رأسك ، سل تسمع واشفع تشفع ) ، لم أؤثر عليكم أحداً ).

قالوا : سمعنا وأطعنا يا رسول الله.

ثم أقبل على عليّ عليه السلام فقال : ( يا أخي : إنّ قريشاً ستظاهر عليكم وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك. فإن وجدت أعوانا فجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا فكفّ يدك وأحقن دمك. أما إنّ الشهادة من ورائك ، لعن الله قاتلك ).

ثم أقبل على ابنته ، فقال : ( إنّك أوّل من يلحقني من أهل بيتي ، وأنتِ سيدة نساء أهل الجنة. وسترين بعدي ظلماً وغيظاً حتى تُضربي ويكسر ضلع من أضلاعك. لعن الله قاتلك ولعن الآمر والراضي والمعين والمظاهر عليكِ وظالم بعلكِ وابنيكِ.

وأمّا أنت يا حسن فإنّ الأمة تغدر بك ، فإن وجدت أعواناً فجاهدهم ، وإلاّ فكفّ يدك وأحقن دمك فإنّ الشهادة من ورائك ، لعن الله قاتلك

١٠٠