توثيق فقه الإماميّة من الصّحاح والسنن

السيد علي الشهرستاني

توثيق فقه الإماميّة من الصّحاح والسنن

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-67-6
الصفحات: ٨٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

والصواب من علي.

وعن سعيد بن أبي الخطيب عن جعفر بن محمد [ الصادق ] في حديث : انه قال لابن أبي ليلى : بأي شيء تقضي ؟

قال : بما بلغني عن رسول الله وعن علي وعن أبي بكر وعمر.

قال : فبلغك عن رسول الله أنّه قال : ان عليّاً اقضاكم ؟

قال : نعم.

قال : فكيف تقضي بغير قضاء علي وقد بلغك هذا ؟ ... (١)

وهذه النصوص تؤكد ـ وبوضوح ـ بأن النهج الحاكم كان مخالفاً علي ، وكان يسعى دوماً ان يجعل آخرين معه ، لان الإمام علياً والزهراء والأئمة من ولده كانوا إلاّ لا يرتضون ما شرعية الاخرون من اعمال اعتادوا عليها وعرفوها في الجاهلية وادخلوها في الإسلام.

وهكذا الحال بالنسبة إلى دراسة الفقه المقارن فكان ائمة أهل البيت يشجعون الاخرين في التعرّف على فقه غيرهم ، وان يسمحوا بدرج فقههم بجنب فقه الآخرين ، ودراستها معاً.

فعن أبي بصير عن أبي جعفر [ الباقر ] قال : الحكم حكمان : حكم الله عزّ وجلّ ، وحكم أهل الجاهلية ، وقد قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) وأشهد على زيد بن ثابت لقد

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٨ ح ٥ وعنه في وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٠.

٦١

حكم في الفرائض بحكم الجاهليه (١).

وفي الفقيه : الحكم حكمان حكم الله ، وحكم أهل الجاهلية ، فمن اخطا حكم الله حكم بحكم أهل الجاهلية ، ومن حكم بدرهمين بغير ما انزل الله عزّ وجلّ فقد كفر بالله‏ تعالى (٢).

وعن معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبدالله‏ [ الصادق ] قال : بلغني ، انك تقعد في الجامع فتفتي الناس ؟ قلت : نعم [ ثم اضاف معاذ ] واردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج ، إنّي أقعد في المسجد ، فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء ، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ، ويجيء الرجل أعرفه بمودّتكم وحبّكم ، فأخبره بما جاء عنكم ، ويجيء الرجل لا أعرفه ، ولا أدري من هو ، فأقول : جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا ، فادخل قولكم في ما بين ذلك ، فقال لي : اصنع كذا ، فاني كذا اصنع.

إذن التعرف على فقه العامة خطوة لتأصيل فقهنا عند غيرنا وأنّه فقه النبي محمد ، وحديثنا هو حديث رسول الله ، وارى ضرورة تدريسها مع دروسنا ، لأن الفقه المقارن خير ميدان للتعارف والتعرف على المبتنيات الفكرية عند المذاهب الاسلامية ، وباعتقادي ان فتح الحوار الفقهي الاصولي بين المذاهب سيقلل من حدة الصدام ، ويوقف كل طرف على ادلة الطرف الاخر ، وفي ذلك ما

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٧ ح ٢ وعنه في وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٣ ح ٦.

٦٢

يعذر الاخرين.

وأختم كلامي كما بدأته بواقعة حدثت لي مع احد علماء أهل السنّة والجماعة في مدينة مشهد حيث زارني ودار الحديث بيننا عن وضع الاُمة الاسلامية ، وما وصلت اليه من التمزق والتشتّت ، ووضعها الحالي المؤسف.

واخذ كل واحد منا يحمل المسؤولية على الآخر ، حتّى حضر وقت الصلاة.

فقلت له : نقوم نصلي ، قال نعم جعلك الله من المصلين ، ولكن كيف نصلي ؟ هل اُصلي بصلاتك ام تصلي بصلاتي ؟

فقلت له : كلامك هذا دعاني أن نبحث معك صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كيف ؟ وهل هناك اختلاف في الصلاة عن رسول الله ، قلت : نعم وانت تعرف ذلك ، نحن ننقل عن رسول الله شيئاً وأنتم تحكون عنه شيئاً آخر. قال : وضح لي صلاتك ؟

قلت : حسناً لنتّفق على منهج يعرّفنا بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليكن القاسم المشترك بيننا وبينكم الأتيان بما هو لازم وواجب ، وترك ما هو مخل ومبطل للصلاة عند الطرفين ، طاوين كشحاً عن الأفضل ، وجائز ويجوز.

قال : مرحباً وهلم ماعندك.

فقلت : نعلم جميعاً أنّ الصلاة اولها التكبير وآخرها التسليم ، قال : نعم.

٦٣

فكبرت وأرسلت يدي ـ لكي اصور له صلاتي ـ فقال : هذا اول فعل اتيت به مخالف لصلاتنا.

فقلت : اذن ماذا افعل ؟ هل أقبض بيدي ، اليمنىٰ على اليسرى واجعلها تحت السرة كما جاء عن أبي حنيفة ؟ أو فوق السرة كما قال بها الشافعي ؟ وهل يجب ان اقبض بيدي اليمنىٰ على اليسرى أم أضعها عليه كما جاء عن أحمد ، أم يلزم على الاخذ بالعضد باحد قولي أحمد ؟ أم ابقيها على الارسال كما ثبت عن مالك.

فالمسألة خلافية عندكم ولا يمكنكم تحديد فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالصور التي تصورتها ، فسكت ، فقلت له : لو صليت مسبلاً هل تصح صلاتي طبق اصول فقهك ام أنّها باطلة ؟ فاصبح لا يحير جواباً ، وبعد هنيئة قال : إفعل ما شئت فقد فعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قلت : نعم ، إنها سنة رسول الله ، وقد فعلها الصحابة وأهل البيت ، وقطع بها الامام مالك.

وهنا انبرى ليعلق على كلامي : لكن كان يمكنك القبض ، لما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...

قلت له : دعني عما هو ممكن وغير ممكن ، وأسألك ـ بالتحديد ـ هل صلاتي بنظرك باطلة ؟ قال : لا ، بل صلاتك صحيحة.

فقلت له : الحمد لله‏ ، لكن صلاتك طبق فقهنا باطلة ؛ لانك تؤدي فعلاً ليس من أفعال الصلاة ، وهو مبطل للصلاة بنظرنا ، فعليك تركه احتياطاً ، لان الارسال حسب رواياتك ، واحد فقهاءك لا يبطل

٦٤

الصلاة ، اما القبض فهو مخل بالصلاة ومبطل له حسب رواياتنا وفقهنا ، فالاحتياط يدعوك إلى ترك المشكوك والعمل بالمتفق عليه عندنا وعندكم ، ولاجل هذا وغيره ترى الصحابة منزعجين من التحريفات التي ادخلت في الصلاة ، لان كثيراً من الاحكام شرعية سلطانية ، وان قيلت عنها أنّها نبوية :

فقد جاء في صحيح البخاري ، بأن الناس كان يؤمرون بأن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (١).

وهذا النص يؤكد بأن الناس كانوا يؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى ، وهو الذي دعا بعض الصحابة أن لا يصلوا إلا سراً.

فعن حذيفة بن اليمان قال : ابتلينا حتى جعل الرجل لا يصلي إلا سراً (٢).

نعم ، ان الصحابة كانوا يأسفون على تلاعب الحكام بالاحكام الشرعية لتغييرهم السنّة ، لأنّهم كانوا يغيرون مواقيت الصلاة ، ويلزمون النّاس بأمور غير واجبة ، مصورين الامر لهم على أنّها واجبة.

فجاء عن الزهري إنّه قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق ، وهو وحده يبكي قلت : ما يبكيك ؟ قال : لا أعرف شيئاً ممّا أدركت

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤٨٠ / ٦٩٧ باب : ٤٨٠.

(٢) صحيح مسلم ١ / ٩١ ، صحيح البخاري ٢ / ١١٦.

٦٥

إلاّ هذه الصلاة وقدّ ضيّعت (١).

وأخرج البخاري بسنده ، عن ام الدرداء قال : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، قلت : ما أغضبك ؟ فقال أبو الدرداء : والله‏ لا أعرف فيهم من أمر محمّد شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً (٢).

وعن عبد الله بن مسعود : إنّها ستكون ائمّة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فلا تنتظروهم واجعلوا الصلاة معهم سبحة (٣).

وفي آخر : نظر عبدالله‏ بن مسعود إلى الظل فرآه قدر الشراك فقال : إن يصب صاحبكم سنّة نبيكم يخرج الآن ، قال : فوالله‏ ما فرغ عبد الله من كلامه حتّى خرج عمار بن ياسر يقول الصلاة (٤).

وعن عبد الله عمرو بن العاص إنّه قال : لو أنّ رجلين من أوائل هذه الامة خلوا بمصاحفهم في بعض هذه الاودية لأتيا النّاس اليوم ولا يعرفان شيئاً مما كانا عليه (٥).

وروى الإمام مالك عن عمّه أبي سهل ابن مالك عن أبيه أنّه قال : ما أعرف شيئاً ممّا أدرك في النّاس إلا النداء في الصلاة (٦).

__________________

(١) جامع بيان العلم ٢ : ٢٤٤ ، الطبقات الكبرى ترجمة أنس ، صحيح البخاري ١ : ١٤١ ، جامع الترمذي ٤ : ٦٣٢.

(٢) مسند أحمد ٦ : ٢٤٤ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ، فتح الباري ٢ : ١٠٩.

(٣) مسند أحمد ١ : ٤٥٥ ـ ٤٥٩ والسبحة تعني النافلة.

(٤) مسند أحمد ١ : ٤٥٩.

(٥) الزهد والرقائق : ٦٦ كما في الصحيح في سيرة النبي ١ : ١٤٤.

(٦) المؤطأ ( المطبوع مع تنوير ...... ) ١ : ٩٣ ، جامع بيان العلم ٢ : ٢٤٤.

٦٦

وعن الصادق قال : لا والله‏ ماهم على شيء ممّا جاء به رسول الله إلا استقبال الكعبة فقط (١).

وعن عمران بن حصين قوله لمطرف بن عبد الله لمّا صلّينا خلف علي بن أبي طالب : لقد صلى صلاة محمّد ، ولقد ذكرني صلاة محمّد (٢).

وعن أبي موسى الأشعري قال : ذكّرنا علي صلاة كنّا نصليها مع النّبي أمّا نسيناها وأمّا تركناها عمداً ، يكبر كلما خفض وكلما رفع وكلما سجد.

فاذا كانت صلاة علي بن أبي طالب في ذلك الزمان تذكر الصحابة بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما بالنا الآن وقد طال الزمان وتغيّرت المعالم وبعدت الشقة ، فمن رأى من يصلّي بصلاة الإمام علي عليه‌السلام التي أقرّ بها عمران بن حصين وأبو موسى الاشعري بأنّها صلاة محمّد ، فما يقول وبماذا يقرّ ؟ وألم تكفينا هذه النصوص التي ذكرناها انّ تحريفاً وقع في الشريعة سيّما في الصلاة ، فأطرق برأسه متفكّراً ، فقلت : لا عليك ، فلنواصل الحديث من حيث انتهينا.

وقلت بعدها : بسم الله الرحمن الرحيم قال : ما هذه البسملة ؟ قلت : اريد ان أقرأ السورة فأبدأ بالبسملة ، ماذا يكون ؟ قال : وما

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٦ : ٩١.

(٢) مسند أحمد ٤ : ٤٢٨ ، ٤٢٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٤ ، ٤٠٠ ، ٤١٥ ، كنز العمّال ٨ : ١٤٣ ، سنن الكبرى ٢ : ٦٨.

٦٧

يكون لو قرأت السورة بدون البسملة ، كما فعل بعض الصحابة والمنقول عن الرسول.

قلت : لا ، بل اني اطرح عليك سؤالاً : الم يكن عندنا وعندكم لزوم الاتيان بسورة كاملة ؟ قال : نعم ، قلت : فعندنا البسملة جزء من السورة ، وإن لم ناتي بها تكون السورة غير كاملة ، أي غير مجزية ، فقال : ولم ، وكيف ، وبعض الصحابة لم يأتوها وأبو بكر وعمر اخفياها قلت : جاء في التفسير الكبير للرازي : أنّ علياً عليه‌السلام كان مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات (١).

وهذا يعني بعض آخر من الصحابة كانوا يأتون بها ، وهو يؤكد وجود نهجين عند الصحابة ، وقد علق الرازي على هذه الرواية بقوله : إنّ هذه الحجة قويّة في نفسي ، راسخة في عقلي ، لا تزول البته ببسبب كلمات المخالفين (٢) أي المخالفين للجهر بالبسملة.

وروى الشافعي في الام : بأسناده ان معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود ، فلمّا سلّم ناداه المهاجرون والأنصار يا معاوية سرقت من الصلاة ، أين بسم الله الرحمن الرحيم ، وأين التكبير عند الركوع والسجود ؟ فصلى بهم صلاة اُخرى (٣).

__________________

(١) تفسير الكبير للرازي ١ : ١٦٨.

(٢) تفسير الكبير للرازي ١ : ١٦٨.

(٣) الاُم ١ : ١٠٨.

٦٨

ثمّ اردف الشافعي ما رواه بالتعليق قائلاً : ان معاوية كان سلطان عظيم القوة ، شديد الشوكة ، فلو لا أنّ الجهر بالتسمية كان كالامر المتقرر عند كل الصحابة من الانصار والمهاجرين وإلاّ لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية.

ثم سرد الشافعي رواية اُخرى في الاُم مفادها : أنّ معاوية جاء بالتسمية في فاتحة الكتاب ولم يأت بها في السورة الثانية ، إن الصحابة أعترضوا عليه حتى اضطر إلى إعادة الصلاة.

قال الرازي : أنّ علياً كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلمّا وصلت الدولة إلى بني اُمية بالغوا في المنع من الجهر ، سعياً في إبطال آثار علي عليه‌السلام (١).

وروي في أحكام القرآن عن اُم سلمة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي في بيتها فيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (٢).

وأعترض مرة ابن عبّاس على عثمان لعدم الإتيان ببسم الله الرحمن الرحيم ، وهو يؤكد بأن الطالبيين كانوا لا يرتضون الصلاة بدون البسملة.

وغيرها من الروايات التي تصرّح بوجوب الاتيان بالبسملة والجهر بها.

فاسالك بالله‏ ، الم تكن هذه الروايات موجبة للإتيان ببسم الله

__________________

(١) تفسير الكبير الرازي ١ : ١٦٩. اُنظر رحمك الله إلى ما قال الرازي بتأمل.

(٢) أحكام القرآن ١ : ١٦.

٦٩

الرحمن الرحيم في الصلاة ؟ ثم اعود وأسالك طبقاً لما اتفقنا عليه ، هل أنّ قراءة السورة مع بسم الله الرحمن الرحيم مبطلة للصلاة أم لا ؟

قال : لا إشكال في إتيانكم لها ، وكذا عندنا من أتى بها لا شيء عليه ، فقلت : الحمد لله‏ ، فقد وافقتني على ذلك.

ثمّ استرسلت في قرأءة الفاتحة الى ( والضالين ) ، وأردفت بعدها بسم الله الرحمن الرحيم لقراءة سورة صغيرة اُخرى ، فانتفض معترضاً وقال : أين أصبحت آمين ؟

قلت : نحن لم نأتِ بها ؛ لأنّها كلام إضافي ، أي زائد عما امرنا الله ورسوله به ، فيكون مبطلاً للصلاة عندنا.

فقال : قد أتى بها الصحابة وغيرهم.

قلت : لا نخرج عما اتفقنا عليه وقل لي عدم الإتيان بها عندكم مبطل للصلاة عندكم ، وخصوصاً إذا صلى منفرداً أم لا ؟ قال : لا ، قلت : فنحن لم نأتِ بها لبطلانها للصلاة عندنا ، أمّا عدم الإتيان بها عندكم غير مبطل ، فما المانع من تركها احتياطاً وتحاشياً من الوقوع في البدعة.

قال : لا مانع من ذلك.

وانحدرت في إكمال السورة الصغيرة بعدها ، فأشار بيده : اقطع ، فقطعت القراءة.

فقال : لماذا تقرأ سورة كاملة ويجزيك بعد الحمد أن تقرا آية أو

٧٠

آيتين ، قلت : نحن عندنا لا يجزي بعد الحمد إلا سورة كاملة ، ونحن نقرأ في صلاتنا السور الصغار.

فأجابني : يكفيك الآية والآيتين وقد فعلها الصحابة.

فقلت : يا أخي دعني عن هذا ، وقل لي : هل الإتيان بسورة كاملة بعد الحمد مبطل للصلاة أم لا ؟

قال : يجوز لك إن لا تاتي بها.

قلت : اُعيد عليك كلامي وأقول دعني عن هذا ، وقل لي صلاتي صحيحة بنظرك ام لا ؟

قال : نعم صلاتك صحيحة حسب مذاهبنا.

فقلت : أما عندنا فلا يجوز ان تأتي بسورة كاملة بعد الحمد ، فما المانع من ان تاتي بسورة كاملة من السور الصغار بدل الآية والآيتين ؟ ألم يكن الاتيان بسورة كاملة هو الاقرب إلى الاحتياط والاوفق إلى الشريعة ، لان مدرسة أهل البيت توجب الاتيان بسورة كاملة بعد الحمد ، اما انتم فلا تقولون ببطلان الصلاة بسورة كاملة بعد الحمد ، ألم يكن من الإحتياط قراءتها قال : صدقت إكمل ، قلت : يؤيّد كلامي ما رواه عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن عبدالله‏ بن أبي رافع قال كان ـ يعني علياً ـ يقرا في الاولين من الظهر والعصر بأم القران وسورة ولا يقرا في الاخرين.

قال الزهري : وكان جابر بن عبدالله‏ يقرا في الاولين من الظهر والعصر بأم القران وسورة ، وفي الاخيرين بأم القران ، قال الزهري :

٧١

والقوم يقتدون بإمامهم (١).

قلت : نحن بعد أن نكمل القراءة نذهب إلى الركوع الذي نقول فيه ذكر لله‏ تعالى.

فقال : ونحن كذلك.

فقلت : وأفضل ذكر عندنا فيه ( سبحان ربي العظيم وبحمده ).

فقال : ونعم الذكر ، ولم يعترض على ذلك.

فقلت : الان ارفع رأسي من الركوع وانتصب ثم اهوي إلى السجود.

فقال : هنيئه قد وصلنا إلى الطامة الكبرى.

قلت : رحمك الله ورحمني ، وماهي ؟ قال : اذا هويت إلى السجود تسجد على ماذا.

قلت : أسجد كما علمني النبي وأهل بيته بقوله : جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا (٢) أي اسجد على الأرض وما ينبت منه بشرط ان لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً فقال : انتم تسجدون على حجر أو كما تسمونها تربة ، فقلت : انا فحصت بذلك لو تأملت ، وانقل لك رواية ذكرها أحمد في مسنده عن وائل بن حجر في ذلك قال :

__________________

(١) مصنف عبدالرزاق ٢ : ١٠٠ وقول الزهري ( والقوم يقتدون بأمامهم ) اشارة إلى الشيعة في عهده ، وأنّهم يقتدون بعلي بن أبي طالب وان فقههم ليس باجنبي عنه.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٢٨ باب من لم لا يجد ماء ولا ترابا حديث : ٣٢٨.

٧٢

رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سجد وضع جبهته وأنفه على الارض.

وهناك روايات اخرى تؤكد بأن النبي كان يسجد على الحصى والخمره (١).

وقد روى البيهقي في سننه عن بن عبّاس إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سجد على الحجر (٢).

وورد في كنز العمّال ان عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متقياً وجهه بشيء (٣).

وجاء عن أبي الدرداء إنّه قال في حديث ـ هذا بعضه ـ : وتعفير وجهي لربي في التراب فإنّه مبلغ العبادة من الله تعالى. فلا يتقينَّ أحدكم التراب ، ولا يكرهن السجود عليه ؛ فلا بد لأحدكم منه. ولا يتقي أحدكم المبالغة ، فإنّه إنّما يطلب بذلك فكاك رقبته وخلاصها من النار (٤).

فقال ذلك العالم السني على : استحياء مبتسماً : البعض يقول انتم تسجدون لصنم ، فقلت قد اجبتك بعدة روايات من كتبكم وانت تقول لي بهذا الكلام ، ومعاذ الله من ان نسجد لغير الله ، وكيف نسجد لصنم ونحن نقول في سجودنا : سبحان ربي الأعلى وبحمده ، فلمن

__________________

(١) تهذيب الاثار ١ : ١٩٣ / ٣٠١.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ١٠٢.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢١٢.

(٤) طبقات الحنابلة ١ : ٣٣١.

٧٣

هذا التحميد والتقديس الذي يجري على السنتنا في السجود الله أم للاصنام ؟! وكيف يكون ذلك ونحن نصرخ في اليوم والليلة بالاذان والاقامة باشهد ان لا إله إلا الله وأن لا إله الا الله‏.

كيف طاوعتكم أنفسكم على هذه التهم وترانا نسجد على التربة الطاهرة امتثالاً لامر رسول الله ، ألم تفرق أخي العزيز بين السجود للشيء والسجود على الشيء ، فنحن نسجد على هذه التربة لله‏ ، لا أنا نسجد لهذه التربه وان كنا نحترمها ، لأنّها ماخوذة من تربة سيد الشهداء الحسين.

قال : هون عليك يا أخي مازحتك ، قلت : لا تثريب عليك رحمك الله ، ولكن نعود لما اتفقنا عليه ، وأقول : سجودي على هذا التراب أو الخشب أو القرطاس ، أو على أرض اذا كان ميسوراً ، هل يصح أم لا ؟ مبطل ام غير مبطل ؟

قال : لا غير مبطل ، وتصح الصلاة ، لانه جاء عندنا في صحيح البخاري ... فصلّى بنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأرنبته (١).

فقلت : أثابك الله ، فقال : واثابك ، فقلت الآن تمت الصلاة النظرية فقم نجعلها صلاة عملية ، فضحك ، وقال : اذن نصلي صلاة شيعية ، قلت : وما يمنعكم من ذلك ان كانت تلك الصلاة صحيحة بنظرك ، وان اردت ان لا تصلي بصلاتنا فلا تحملوا علينا ولا تقولوا بما ليس

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢٨٠ / ٧٨٠ ، وأخرجه مسلم ٢ : ٨٢٦ ح ١١٦٧.

٧٤

لكم به من علم.

وعليه فقد عرفت ان البحث الفقهي الخلافي والتعرف على الاسس الفكرية والمباني الرجالية والاصولية للاخرين تخدم الفكر والعقيدة ، وإني من خلال هكذا بحوث امكنني التعرف على وضوء رسول الله ، وصلاة رسول الله ، وكذا يمكنني ان اتعرف على حج رسول الله ، وهل الخمس واجب وأمثالها ، ولي دراسات مقارنة اخرى في هذا المجال اتحاشى من ذكرها هذه الليلة لضيق الوقت ، فاستميحكم عذراً من الاطالة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٧٥

المصادر



١ ـ احكام البسملة وما يتعلق بها من الأحكام والمعاني واختلاف العلماء : للفخرالرازي ، محمد بن عمر بن الحسين الطبرستاني ( ت ٦٠٦ ) ، تحقيق : مجدي السيد إبراهيم ، مكتبة القران ، القاهرة.

٢ ـ أحكام القرآن : للجصاص ، أحمد بن علي الرازي ، أبي بكر ( ت ٣٧٠ ) ، دار الفكر ، بيروت.

٣ ـ الارشاد في معرفة حجج الله على العباد : للشيخ المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان البغدادي ، أبي عبدالله‏ ( ت ٤١٣ ) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، ط ١ ، ١٤١٣ ه‍.

٤ ـ ارشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد : للصنعاني ، محمد بن إسماعيل ( ت ١١٨٢ ) ، مكتبة التراث العربي ، بغداد ١٩٩٠ م ، طبعت مع رسالتين أخريتين تحت عنوان ( ثلاث رسائل ).

٥ ـ الاستبصار فيما اختلف من الاخبار : للشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن ، أبي جعفر ( ت ٤٦٠ ) ، تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان ، دار الكتب الإسلامية ، ١٣٩٠.

٧٦

٦ ـ الاستذكار الجامع لمذاهب أهل الامصار : للنمري ، يوسف بن عبدالله‏ بن عبدالبر القرطبي أبو عمر ( ت ٤٦٣ ) ، تحقيق : سالم محمد عطا ، محمد علي معوض ، دار الكتب العلمية ، بيروت ٢٠٠٠.

٧ ـ الاعتصام بحبل الله المتين : للقاسم بن محمد ، الإمام الزيدي ( ت ١٠٢٩ ) ، مطابع الجمعية الملكية ، عمان ـ الأردن ، ١٤٠٣.

٨ ـ الام : للشافعي ، محمد بن إدريس ، أبي عبدالله‏ ( ت ٢٠٤ ) ط ٢ ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٣٩٣ ـ ١٩٧٣.

٩ ـ الإمام الصادق والمذاهب الاربعة : الاستاذ اسد حيدر.

تحقيق ونشر : نشر الفقاهة ، ط ١ قم ١٤٢٧ ه‍.

١٠ ـ الإمامة والسياسة : لابن قتيبة الدينوري ، عبدالله‏ بن مسلم ، ( ت ٢٧٦ ) ، تحقيق : طه محمد الزيني ، مؤسسة الحلبي وشركاؤه.

١١ ـ اعتقاد أهل السنة = شرح اصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة واجماع الصحابة : اللالكائي ، هبة الله بن الحسن بن منصور ، أبو القاسم ( ت ٤١٨ ) ، تحقيق : الدكتور أحمد سعد حمدان ، دار طيبة ، الرياض ١٤٠٢.

١٢ ـ الانساب : للسمعاني ، عبدالكريم بن محمد ، أبي سعيد ( ت ٥٦٢ ). تقديم وتعليق : عبدالله‏ البارودي (مركز الخدمات

٧٧

والابحاث الثقافية ) ، ط ١ ، دار الجنان ، بيروت ، ١٤٠٨ ـ ١٩٨٨.

١٣ ـ انساب الاشراف ( المجلد الخامس ـ رحلي ) : للبلاذري ، أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي ( ت ٢٧٩ ) ، مكتبة المثنى ، بغداد ( اوفسيت عن طبعة سابقة ).

١٤ ـ بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الأئمة الاطهار : للمجلسي ، الشيخ محمد باقر ( ت ١١١١ ) ، مؤسسة الوفاء ، بيروت ١٤٠٣ ـ ١٩٨٣.

١٥ ـ البداية والنهاية = تاريخ ابن كثير. لابن كثير الدمشقي ، أبي الفداء ( ت ٧٧٤ ).

١٦ ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : للكاساني ، أبو بكر بن مسعود ( ت ٥٨٧ ) ط ٢ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ١٤٠٢ ـ ١٩٨٢.

١٧ ـ بداية الدرجات الكبرى : لابن رشد القرطبي ، محمد بن أحمد ، أبو الوليد ( ت ٥٩٥ ) ط ٢ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ١٤٠٢ ـ ١٩٨٣.

١٨ ـ بصائر الدرجات الكبرى : للصفار ، محمد بن الحسن بن فروخ ، أبو جعفر ( ت ٢٩٠ ) ط ٢ ، تقديم وتعليق : الحاج ميرزا محسن كوجه باغي ، منشورات الاعلمي ، طهران ١٤٠٤ ه‍.

١٩ ـ تاريخ ابن خلدون : لابن خلدون. عبدالرحمن بن محمد الحضرمي ( ت ٨٠٨ ) ط ٥ ، دار القلم ، بيروت ١٩٨٤ م.

٧٨

٢٠ ـ تاريخ بغداد أو مدينة السلام : للخطيب البغدادي ، أحمد بن علي ، أبو بكر ( ت ٤٦٣ ) ، المكتبة السلفية / المدينة المنورة.

٢١ ـ تاريخ دمشق = تاريخ ابن عساكر : لابن عساكر ، علي بن الحسين بن هبة الله الشافعي ، أبي القاسم ( ت ٥٧١ ).

٢٢ ـ تاريخ الطبري = تاريخ الامم والملوك : للطبري ، محمد بن جرير ، أبي جعفر ( ت ٣١٠ ) ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار التراث ، بيروت.

٢٣ ـ تحفة الاحوذي شرح جامع الترمذي : للمباركفوري ، محمد بن عبدالرحمن بن عبدالرحيم ( ت ١٣٥٣ ) ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١٤١٠ ه‍ ١٩٩٠ م.

٢٤ ـ ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة اعلام مذهب مالك : لابن عياض ، موسى بن عياض الشيني ( ت ٥٤٤ ) ، بيروت ١٩٦٧ م.

٢٥ ـ التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح : للباجي ، سليمان بن خلف بن سعد ، أبو الوليد ( ت ٤٩٣ ) ، تحقيق : الدكتور أبو لبابة حسين ، ط ١ ، اللواء للنشر ، الرياض ١٤٠٦ ه‍ ـ ١٩٨٦ م.

٢٦ ـ التفسير الكبير = تفسير الفخرالرازي : محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين ، أبي عبدالله‏ ( ت ٦٠٦ ) ط ٣.

٧٩

٢٧ ـ تقييد العلم : للخطيب البغدادي ، أحمد بن علي بن ثابت ، أبو بكر ( ت ٤٦٣ ) ، تحقيق : يوسف العش ، دار احياء السنة ١٩٧٤ م.

٢٨ ـ تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله : للطبري ، محمد بن جرير بن يزيد ( ت ٣١٠ ) ، تحقيق : محمود محمد شاكر ، مطبعة المدني ، القاهرة.

٢٩ ـ التهذيب = تهذيب الاحكام : للطوسي ، محمد بن الحسن ، أبي جعفر ( ت ٤٦٠ ) ، تحقيق : السيد حسن الموسوي ، ط ٣ ، دار الكتب الإسلامية طهران ١٣٩٠ ه‍.

٣٠ ـ تهذيب الكمال : للمزي ، جمال الدين أبي الحجاج يوسف ( ت ٧٢٤ ) ، تحقيق : بشار عواد معروف ، ط ١ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٤١٣ ه‍ ـ ١٩٩٢ م.

٣١ ـ توجيه النظر إلى اصول الاثر : لطاهر الجزائري الدمشقي ( ت ١٣٣٨ ) ، تحقيق : عبدالفتاح أبو غدة ، ط ١ ، مكتبة المطبوعات الإسلامية ، حلب ١٤١٦ ه‍ ـ ١٩٩٥ م.

٣٢ ـ جامع بيان العلم : للنميري ، يوسف بن عبدالله‏ بن البر القرطبي ، أبو عمر ( ت ٤٦٣ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

٣٣ ـ الجامع لاحكام القرآن : للقرطبي ، محمد بن أحمد الانصاري ، أبي عبدالله‏ ( ت ٦٧١ ) ، صححه : أحمد عبدالعليم البروني ، اعادت طباعته بالاوفسيت : دار احياء التراث العربي ،

٨٠