اختصاص الشيعة في التمسّك بالقرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ حسين غيب غلامي الهرساوي


المترجم: علاء تبريزيان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-292-X
الصفحات: ٧٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّاً » (١).

وقد ذكرت أحاديث كثيرة بهذا المضمون في كتاب الوسائل :

« ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه » (٢).

« وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف » (٣).

« ما خالف كتاب الله فردّوه » (٤).

وجميع هذه الأحاديث تنطلق في اتجاه واحد ، وتمتلك مضامين مشتركة وعامة وهي لزوم عرض الخبر على الكتاب أو جعل القرآن بصفة الميزان والمقياس لتمييز ومعرفة الصحيح والفاسد من الأخبار ، وأن الرسول والأئمة الميامين عليهم‌السلام لم يتفوّهوا بما يخالف الكتاب السماوي ، ولم يحكموا بما يناقضه أبداً ، وكان لسان حالهم : نحن أهل بيت لا نقول بما يخالف قول الرب ، وكلّ ما يخالف القرآن فهو باطل وزخرف.

وحريٌ بهذه الاخبار الموجودة في كتب الإمامية أن تدرس وتناقش في اتجاهين :

١ ـ الأخبار المطروحة لمعالجة ما يخص المتعارضين.

__________________

(١) أصول الكافي ١ / ٥٩ ، ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ / ٧٨ كتاب القضاء.

(٣) المصدر السابق : ٧٩.

(٤) المصدر السابق : ٨٠.

٦١

٢ ـ الأخبار المذكورة في عرض مطلق الأحاديث على الكتاب.

وبالنظر إلىٰ هاتين المجموعتين من الروايات نلحظ أيَّ نمطٍ قد اتخذه مذهب أهل البيت أو أي طريقة ليتقبّل هذه الحاكمية ، وكيف سار على ضوء أقوال الأئمة التي صدرت بموازاة البراهين العقليّة المستحكمة والمتينة ، وكيف حكّم الروايات مع الميزان والمقياس الالهي وكلام الوحي ، وكيف رفض ما خالفه وما غايره.

إنّ مذهب أبناء العامة ارتأى بأن هذه الأحاديث مختلقة وقد وضعتها الزنادقة ، وهي لا تملك أي حيثية أو منزلة في نفسها ! علماً بأن الإمامية وأبناء العامة اشتركوا في رواية نصوص هذه الأحاديث وفي امتلاكها وحدة الفحوى والمضمون.

والأحاديث التي ذكرها ابن حزم في كتاب « الأحكام » وذكرها الآخرون في كتبهم الفقهيّة والحديثيّة ـ كما أشير إلى نماذج منها في بدء البحث ـ تتّحد في نصوصها مع فحوى ومغزى الأحاديث الشيعية ، ولا يوجد اختلاف فيما بينها ، لكن ليعلم على مستوى ذلك علاقة كلّ من الفريقين بكتاب الله ووحيه.

٦٢



فقه الشيعة في الموافقة مع الكتاب

بما أن مبنى وأساس المسائل الفقهية يعود إلى امتثال أوامر الشارع المقدس لذا يعتبر القرآن الكريم بصفته الكتاب السماوي الأخير والتام لتعيين منهجية وظائف البشرية هو المدار والمركز الأساسي لفهم واستيعاب هذه التوجيهات والقرارات ، إذ يستفاد من آياته المباركة لمعرفة الحقائق وفهم المعارف الدينية.

والكتب التي ألّفها العلماء في مجال آيات الأحكام وافتتاح وبدء المباحث الفقهية والكتب الاستدلالية بآيات الوحي تحكي وتعبر عن هذه الحقيقة : بأن أساس فهم وإدراك الدين ووعي المسائل الشرعيّة إنّما يرتبط بهذا الكتاب السماوي وهو الذي تمسك به كبار علماء الدين والتزموا به في أوامرهم ونواهيهم تمشياً وتوافقاً مع المباحث الفقهية المتداولة ، فكانوا يستنبطون الأحكام اللازمة منه.

٦٣

وقد أوضحنا هذا الأمر فيما سبق بصورة عامة في باب موافقة الكتاب ومخالفته في الأخذ بالروايات والعمل بها ولا يوجد ضرورة لاعادة ذلك.

٦٤



فقه الحديث « لزوم عرض الخبر على الكتاب »

قلنا فيما سبق بتواتر روايات لزوم العرض على الكتاب في أوساط الإمامية ، وقد طرح البعض صعيدين أساسيين لتمييز ومعرفة الأخبار الصحيحة من الأخبار الضعيفة ، ولقد زيّن ـ ولله الحمد ـ علماء الدين كتبهم الاستدلالية بالايات اللامعة والنيّرة ، وساروا على هذا النهج لحد الآن.

والملاحظة الجديرة بالذكر في هذه المباحث هي مسألة فهم واستيعاب ألفاظ الملمّين بكلام الرسول والأئمة عليهم‌السلام.

فالامام عليه‌السلام مع إشرافه التام وهيمنته الشاملة على أجواء وأحوال الحديث في تلك الفترة الزمنية ، ومع لحاظ الصعيدين الاساسيين ، فإنه قد بادر إلى إيضاح وبيان أخبار لزوم العرض على الكتاب.

وفي الحقيقة لقد أوضح الامام عليه‌السلام ذلك في كلا الصعيدين ،

٦٥

وإحدى تلك الأصعدة هي الاشراف والاحاطة التامة على المجريات والاتفاقات التي تحيط بالمحدّثين الذين تصدّوا لمسألة تدوين الحديث ، وكانوا يسيرون على منهج السلطة السياسية الحاكمة. والامام عليه‌السلام ـ مع العلم بأن هؤلاء لم يستسلموا لحاكمية القرآن ، وقد تمرّدوا على الفهم الصحيح للايات وتهربوا منه ـ بادر إلى ذكر وبيان أحاديث لزوم حاكمية القرآن وأبدى الملاحظات والنقاط الدقيقة والأساسية في هذا المجال.

والصعيد الآخر الجدير بالاهتمام في إفصاح هذه الطبقة من الروايات هو الاحاطة اللازمة والدقيقة علىٰ ملابسات القصّاصين والأنظمة المزوّرة في وضع الأحاديث والأخبار ، والامام عليه‌السلام أيضاً ومع التحري والدّقة في كيفية تهاجم الخصوم لتحريف السنة النبوية عن مسارها والقائها في التيه ، بادر إلى بيان هذه الأخبار ، وذلك لأنه لا يوجد سبيل لمواجهتهم سوى القرآن ، بل القرآن هو الحاكم الوحيد لفصل النزاع ، وهو الوحيد الذي يمكنه أن يحلَّ العقدة من هذه المعضلة ، وأن يحرّر وينقذ المعارف الدينيّة والحقائق الشرعية من الزيغ والإنحراف والضلال.

وكما ذكرنا فيما سبق فإنه ينبغي أن لا يقع تباين بين السنة والكتاب ، وأن لا توجد بينهما مخالفة أو مناقضة.

٦٦

والملاحظة الجديرة بالذكر بعد سرد هذه المواضيع هي أن نشير إلى مسألة ردّ الامام عليه‌السلام لأخبار وأحاديث أبناء العامة عند افتراض التعارض ليكون ذلك سبباً لترجيح أحد الطرفين.

وتبيّن من المخالفة مع القرآن أن الروايات عموماً تسقط بذلك من الحيثية ، ولكن أين يكمن وجه بطلان الخبر عند موافقته مع أبناء العامة ، وبأي وجه يمكننا أن نقبل ذلك ، فهذا ما نود الاشارة اليه.

إن الإمام وبالتحديد حينما ردّ أخبار أبناء العامة ، فإنه قد حرص على فحوى الايات المشرقة القرآنية ، كما نجد في رواية الراوندي والتي حازت على استدلال العلماء بها ، إن الامام كرّر عبارة كتاب الله مرتين ، ويكمن في هذا التكرار ملاحظة جديرة بامعان النظر فيها ، إذ بها يتعين أن محور كلام الامام في تمييز ومعرفة الأخبار الصحيحة هو موافقة الكتاب حينما يتعارض الخبران على وجه التخصيص والمخالفة مع الكتاب على وجه الأعم في الأخبار.

ويكمن في مسألة العول على أخبار أبناء العامة هذا المعنى : أن المدلول التضمني لتلك الأخبار قد نفى السنة النبوية الواردة من قبل أهل البيت عليهم‌السلام الذين يُعتبرون لساناً للكتاب ، ومبيّنين لآيات الوحي.

٦٧

وبيان مواجهة أخبار أبناء العامة مع القرآن في هذه الروايات التي يؤكد الامام عليه‌السلام فيها على ذلك تدل على أهمية الحركة ضد القرآنية التي تبناها أبناء العامة لدعم وتأهيل مبتغيات وأهداف الخلفاء ، والتي تبنّوها للمواجهة مع الدور المؤثر الذي تبنّاه أهل البيت عليهم‌السلام لايضاح وتبيين الكتاب والسنة.

وكما يفيد ويشهد التاريخ فإن المرحلة الحاسمة والمصيرية لفترة تدوين وضبط السنة كانت من أحرج وأقسى الفترات على آل علي عليه‌السلام وهذه الفترة أدت لأن ينتهز البعض فرصة العمل ضد آل أبي طالب (١).

ومن جهة أُخرى مع صدور الحديث النبوي : « علي مع القرآن والقرآن مع علي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض » (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » أي علي بن أبي طالب (٣) ، استوجب هذا الأمر أن

__________________

(١) وفيما يخص هذا الائتلاف المشؤوم قال المعتز العباسي بعد ذلك : « إن ولاّني الله لافنين جميع آل أبي طالب » تاريخ أبي الفداء ٢ / ٢٩.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٤ ، المعجم الأوسط ٥ / ١٣٥ ، المعجم الصغير ١ / ٢٥٥ ، المعيار والموازنة ٤٦ ، الجامع الصغير ٢ / ١٧٧ ، فيض القدير ٤ / ٤٧٠ ، كنز العمال ١١ / ٦٠٣.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٥٠ ـ ٤٥٥ مسند أحمد ٣ / ٢١ رقم ٣٣ و ٨٢ ، المستدرك ٣ / ٢٢ ، شرح السنة ٦ / ١٦٧ رقم ٢٥٥٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١٢ /

٦٨

يعزل نظام آل مروان وآل أمية القرآن عن السنة وليدّعوا الإستقلال التشريعي للسنة ويبينوا في رسائلهم وكتبهم انقطاعها عن الكتاب.

ولكن جاء في حديث الامام الصادق عليه‌السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه ، فما لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه » (١).

وفي هذه الرواية إذ يقارن الامام عليه‌السلام بين القرآن وأخبار أبناء العامة ، فانه في الحقيقة حدّد سمات وخصائص أخبار أبناء العامة من جهة انتسابها إلى كتاب الوحي ، كما بيّن مع ذلك التبعات العملية المترتبة من هذه الأخبار بذكره مقولة : « في خلافهم رشد » ، أو ذكره عبارة : « ففيه الرشاد » ، وعبارة : « فما لم تجدوهما في كتاب الله » والتي كرّرها الامام بعد مسألة العرض على الكتاب تعتبر تأكيداً وإلحاحاً لبذل العناية والاهتمام بالكتاب ، وأن مخالفة أخبار العامة تملأ ثغرة مالم يرد في الكتاب.

والسيرة العملية للائمة تدل بوضوح علىٰ أنهم كانوا يتمسكون

__________________

٦٤ رقم ١٢١٣١ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ رقم ١٠٨٦ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ ، دلائل النبوة للبيهقي ٦ / ٤٣٥ الخصائص للنسائي ٥٥ ، تاريخ بغداد ١ / ٢١٧.

(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٤ باب ٩ من أبواب صفات القاضي رقم ٢٩.

٦٩

بذلك في استدلالاتهم ، وكانوا يستشهدون بالآيات القرآنية المباركة ، وكانوا قد جعلوها مركزاً ومداراً لاحكامهم ليثبتوا بذلك أن السنة متلائمة ومنسجمة مع الكتاب ، وينبغي أن تتحصن بالقرآن.

ولهذا الأمر نجد تشديد والحاح مخالفي مذهب التشيع لجعل مسألة تحكيم القرآن وكونه فاصلاً للنزاع من أفكار الزنادقة ، ولهذا نجدهم قابلوا هذه الفكرة بكلّ ما أوتوا من قوة.

وأخيراً ، نسأل الله أن يهدينا بالقرآن وبأنواره الساطعة وأنجمه الظاهرة ، والحمد لله ربّ العالمين.

٧٠