اختصاص الشيعة في التمسّك بالقرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ حسين غيب غلامي الهرساوي


المترجم: علاء تبريزيان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-292-X
الصفحات: ٧٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

١

٢



دليل الكتاب :

مقدّمة المركز ....................................................  ٥

مقدّمة المؤلّف ..................................................  ١١

الأدلة الأربعة في التشريع ........................................  ١٧

استقلال السنة في التشريع .......................................  ٢٣

موضع الافتراق في تقسيم الأخبار .................................  ٢٧

رأي أبناء العامة في عرض الخبر على الكتاب .......................  ٢٩

رأي الشاطبي ومخالفته للمشهور ..................................  ٣٣

تبرئة الخوارج ! .................................................  ٣٧

تمييز الأحاديث الموضوعة ........................................  ٣٩

التعارض بين الكتاب والسنة .....................................  ٤٣

اختصاص الإمامية في التمسك بالقرآن ............................  ٥١

رأي الإمامية في حاكمية الكتاب .................................  ٥٣

٣

أحاديث الامامية في عدم الأخذ بالأحاديث المخالفة للكتاب .........  ٥٩

فقه الشيعة في الموافقة مع الكتاب .................................  ٦٣

فقه الحديث « لزوم عرض الخبر على الكتاب » ...................  ٦٥

٤



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز

لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلىٰ تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الأُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر « مركز الأبحاث العقائدية » الذي أُسّس برعاية سماحة آية الله العظمىٰ السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلىٰ اتّخاذ منهج ينتظم علىٰ عدّة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي الشيعي علىٰ أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

٥

والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول علىٰ أفضل النتائج.

ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلىٰ شبكة الإنترنيت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتىٰ أرجاء العالم.

وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها علىٰ شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وقد تمّ لحدّ آخر شهر رمضان ١٤٢١ ه‍ عقد ٧٦ ندوة ، وهي كالتالي :

ت

الموضوع

المحاضر

١

عدم تحريف القرآن

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢

العصمة

العلاّمة الشيخ محمد حسين الأنصاري

٣

البخاري وصحيحه

العلاّمة الشيخ محمّد حسين غيب غلامي

مطبوع

٤

منع تدوين الحديث

العلاّمة السيد علي الشهرستاني

مطبوع

٦

ت

الموضوع

المحاضر

٥

البدعة

العلامة الشيخ فاضل المالكي

٦

آية المباهلة

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٧

آية التطهير

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٨

آية الولاية

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٩

حديث الدار

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٠

حديث الغدير

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١١

حديث الولاية

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٢

حديث الثقلين

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٣

حديث الطير

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٤

حديث المنزلة (١)

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٥

حديث المنزلة (٢)

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٦

الدليل العقلي على إمامة علي عليه‌السلام

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٧

إبطال ما استدل به لإمامة أبي بكر

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٨

إمامة بقية الأئمة عليه‌السلام

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

١٩

الإمام المهدي عليه‌السلام

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢٠

العصمة

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢١

مظلوميّة الزهراء عليها‌السلام (١)

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢٢

مظلوميّة الزهراء عليها‌السلام (٢)

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢٣

الشورىٰ في الإمامة

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢٤

الصحابة

العلامة السيد علي الميلاني

مطبوع

٧

ت

الموضوع

المحاضر

٢٥

تفضيل الأئمة عليهم‌السلام على الأنبياء عليهم‌السلام

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢٦

المتعة

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢٧

المسح على الرجلين في الوضوء

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢٨

الشهادة بالولاية في الأذان

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٢٩

تزويج أم كلثوم من عمر

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٣٠

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٣١

ابن تيمية وإمامة علي عليه‌السلام

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٣٢

التحريفات والتصرفات في كتب السنة

العلاّمة السيد علي الميلاني

مطبوع

٣٣

درء الشبهات عن واقعة الطف

العلاّمة السيد كمال الحيدري

٣٤

إزاحة‌الشبهات‌عما ورد في فضائل‌الزيارات

العلاّمة السيد عادل العلوي

٣٥

زيد بن علي عليه‌السلام

العلامة الشيخ محمد رضا الجعفري

٣٦

الغيبة

العلاّمة الشيخ محمد رضا الجعفري

مطبوع

٣٧

العصمة

العلاّمة السيد كمال الحيدري

٣٨

الإمام‌المهدي(ع)‌بين‌التواتر‌وحساب‌الاحتمال

العلاّمة الشيخ محمد باقر الإيرواني

مطبوع

٣٩

الغيبة الصغرىٰ والسفراء الأربعة

العلاّمة الشيخ فاضل المالكي

مطبوع

٤٠

إختصاص الشيعة في التمسك بالقرآن

العلاّمة‌الشيخ محمد حسين غيب غلامي

مطبوع

٤١

ابن شهاب وتدوين السنّة

العلاّمة‌الشيخ محمد حسين غيب غلامي

٤٢

رجال البخاري

العلاّمة‌الشيخ محمد حسين غيب غلامي

٤٣

الغلو (١)

العلاّمة السيد عادل العلوي

٤٤

الغلو (٢)

العلاّمة السيد عادل العلوي

٨

ت

الموضوع

المحاضر

٤٥

المرجعيّة الفكريّة لأهل البيت عليهم‌السلام

العلاّمة السيّد محمد باقر الحكيم

٤٦

المدخل إلى حديث الغدير (١)

العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الآصفي

٤٧

المدخل إلىٰ حديث الغدير (٢)

العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الآصفي

٤٨

الجبر والاختيار

العلاّمة السيّد عادل العلوي

٤٩

نظريّة الامامة الالهيّة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

العلاّمة السيّد سامي البدري

٥٠

الخصائص العامّة للالهيين بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في سور قرآنية متعددة

العلاّمة السيّد سامي البدري

٥١

التعريف بالائمة عليهم‌السلام الإلهيين من خلال القرآن الكريم

العلاّمة السيّد سامي البدري

٥٢

بيوت الامامة الإلهية في القرآن الكريم

العلاّمة السيّد سامي البدري

٥٣

علم الإمام

العلاّمة الشيخ محمد سند

٥٤

الإجابة على الأسئلة العقائدية

العلاّمة الشيخ جعفر السبحاني

٥٥

إنّي جاعل في الأرض خليفة (١)

العلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي

٥٦

إنّي جاعل في الأرض خليفة (٢)

العلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي

٥٧

إنّي جاعل في الأرض خليفة (٣)

العلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي

٥٨

الإمامة فكرة وتطبيقاً عند فرق المسلمين (١)

العلاّمة الشيخ محمّد رضا الجعفري

٥٩

الإمامة فكرة وتطبيقاً عند فرق المسلمين (٢)

العلاّمة الشيخ محمّد رضا الجعفري

٦٠

مصحف فاطمة عليها‌السلام

العلاّمة الشيخ محمّد سند

٦١

ترك الأولى ومنافاته لعموم طاعة المعصوم

العلاّمة الشيخ محمّد سند

٦٢

الرجعة

العلاّمة الشيخ محمّد سند

٦٣

التجسيم والرؤية

العلاّمة الشيخ محمّد سند

٦٤

في رحاب القرآن ١

العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الآصفي

٦٥

في رحاب القرآن ٢

العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الآصفي

٦٦

في رحاب القرآن ٣

العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الآصفي

٦٧

في رحاب القرآن ٤

العلاّمة الشيخ محمّد مهدي الآصفي

٦٨

صلح الامام الحسن عليه‌السلام

العلاّمة الشيخ علي الكوراني

٩

ت

الموضوع

المحاضر

٦٩

البداء (١)

العلاّمة الشيخ حسين نجاتي

٧٠

البداء (٢)

العلاّمة الشيخ حسين نجاتي

٧١

التقليد في أصول الدين (١)

العلاّمة الشيخ هادي آل راضي

٧٢

التقليد في أصول الدين (٢)

العلاّمة الشيخ هادي آل راضي

٧٣

التقليد في أصول الدين (٣)

العلاّمة الشيخ هادي آل راضي

٧٤

التقليد في أصول الدين (٤)

العلاّمة الشيخ هادي آل راضي

٧٥

الانقسام بعد رسول الله (ص) جذوره وآفاقه

العلاّمة السيّد علي الشهرستاني

٧٦

توثيق فقه الاماميّة من الصحاح والسنن ( منهج جديد لدراسة الفقه )

العلاّمة السيّد علي الشهرستاني

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلين الله عزّ وجلّ أن يناله بأحسن قبوله.

مركز الأبحاث العقائديّة

فارس الحسّون

١٠



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المؤلّف :

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله علىٰ محمّد وآله الطاهرين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

قال سبحانه وتعالىٰ : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) (١).

تؤمن شتّىٰ الفرق الاسلاميّة بأنّ القرآن هو الكتاب السماوي والدستور الحاكم على الشريعة ، ولهذا ينتهج الجميع من هذا المنطلق سبيل العمل وفق أُسسه وتعاليمه.

وأمّا بالنسبة إلىٰ بحثنا المعنون ب‍ « اختصاص الشيعة في التمسّك بالقرآن الكريم » ، فانه يمتاز من هذه الناحية ، إذ تتجلّىٰ فيه

__________________

(١) النحل : ٨٩.

١١

أحقيّة الفرقة الناجية والمتمسّكة بالقرآن بين المذاهب الإسلاميّة الاُخرىٰ.

وممّا لا شك فيه أنّنا نجد كلّ مذهب يتمتّع برؤى وعقائد يتفرّد بها ويسير وفقها ، مع حُسبانه أنه الحائز للمكانة الرفيعة بين الفرق ، وقد أشار القرآن إلىٰ هذه الحقيقة بقوله تعالى : ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (١).

ومن الواضح أنّ المرء يفرح بما لديه ويطمئن بمذهبه مالم يتضح له بطلان ماهو عليه ، ولكن حينما يعي الضمير المتيقظ والعقل السليم فساد مذهبه ، وعندما يستبصر المرء ليعتنق مذهباً آخر بعد التعقّل والتأمّل ، حينئذ يدرك المرء أنّه كان مخدوعاً بسراب كان يمنعه ويعيقه من التوجه نحو النبع حينما كان يبحث عن منهل يروي تعطّشه ، ويدرك أنّه كان يتخبّط في حركته تائهاً حيراناً.

إن القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالىٰ علىٰ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمتاز بمكانة ومركزيّة رفيعة ، ويمتلك شموليّة تامّة ، يتمكّن بها أن يحيط بكافة الحقائق ويسعه أن يكون هادياً للبشريّة كافة ، إذ تتمكّن كلّ طائفة وأُمّة أن تنتفع منه وأن تحمل منه زاداً لحركتها في

__________________

(١) المؤمنون : ٥٣.

١٢

الحياة.

وممّا يثير الانتباه في المسلمين أنّهم مع كلّ ما يمتلكون من الثروة الثقافيّة والعلميّة الطائلة التي تلقوها من القرآن والتعاليم الزاهرة والمشرقة لهذا الدين ، فإنهم لم يفكروا باستخدامها كما هو المطلوب ، أو أنهم قلَّ ما انتفعوا منها لتلقي واستيعاب الحقائق والشؤون الضرورية للحياة الدينيّة.

وفي الحقيقة فإنّ المسلمين قلّما استعانوا بكتاب الله عزّ وجلّ وقلَّما نهلوا منهج الحياة من هذا الركن السديد وهذا المنهج الرباني الخالد.

وفي هذا الخضم نجد أعداء الاسلام بعدما اعترتهم الخيبة واليأس من محاربة الدين الاسلامى الحنيف وكتاب الله عزّ وجل ، حاولوا تجربة سبل متعدّده واحدة تلو الأُخرى للاطاحة بالاسلام ، فالتجؤوا إلى توسيع نطاق الاختراق والاقتحام في أوساط المجتمعات الاسلامية والاندساس فيما بينهم ليشغلوا المسلمين بمختلف الوسائل المتاحة بأُمور وقضايا واهية وغير مثمرة لا جدوى فيها.

لكن علماء المذاهب الاسلامية بادروا على ضوء سعة مستواهم الفكري وممتلكاتهم العلمية وعلى أساس مرتكزاتهم

١٣

الاعتقادية وتمشّياً مع مبانيهم المذهبية ، إلىٰ تأدية مهمّتهم بإعداد أبحاث مختلفة في شتى مجالات العلوم القرآنية وبيان فضائله وإيضاح أحكامه المشرقة التي تعتبر ركناً أساسياً في تشريع الأحكام.

وكما يستفاد من آراء ونظريات ذوي الاختصاص في شتّىٰ مجالات الفروع العلميّة ، انتقى علماء الدين وكبار الفضلاء ممّا قدّم الأوائل وبيّنوا ما توصلوا إليه بأُطر صالحة وأوعية متناسبة.

وتزامناً مع ازدياد وتعدّد المدارس الكلامية نشأ النزاع والتشاحن حول الآيات القرآنية ، واندلعت مشاجرات لفظيّة ، تبعها التكفير ، وأُصدرت أحكام وفتاوى ثقيلة من قبل أحدهم على الآخر ، وتخاصم أصحاب الرأي والاجتهاد مع أهل الحديث ، وتعرّض مذهب الاعتزال للأشاعرة ، ونشأ اشتباك وتصادم فكري عنيف من قبل أهل الحجاز مع مفكري بغداد ، وكلاهما مع أهل البصرة ، وتصدى هؤلاء الثلاثة لمخالفة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

وأدّى ذلك لينكب كلّ منهم على مجموعة من الآراء والمعتقدات ، يعول عليها ولا يتجاوزها إلىٰ غيرها.

ووقفت الأنظمة السياسيّة الحاكمة في القرن الأول والثاني والثالث وقوفاً تاماً إلىٰ جانب هذه التكتلات المتسمة بالطابع

١٤

العلمي ، والتي كانت السبب الأساسي لنشوء معظم المشاجرات والخصومات الكلامية في تلك الفترة ، فكانت تحفزهم وتحرضهم على ذلك.

ولا تزال وبعد مضي القرون المتمادية مسألة إيقاد النزاع والخلاف والمشاجرات في أوساط المسلمين عبر إثارة القضايا المبهمة والمشكوكة التي تمهّد الارضيّة لوقوع التفرقة بين الناس والتي تركت آثارها المرّة علىٰ المجتمع الإسلامي ، كما وأنها سلبت منهم التعايش السلمي والترابط الأخوي الذي دعى إليه حجج الله وسفراء العدالة والصدق في ظل مناهجهم السماوية السامية التي جاؤوا بها إلىٰ البشرية.

وفي خضم هذه الصراعات والآراء المتضاربة والمختلفة التي طرحت في المائة الأخيرة كانت الانظار متوجهة إلى فئتين قد انشغلتا بالمشاجرات العقائدية أكثر من الفئات الاُخرى ، والملحوظ أنهما قد تركتا آثاراً متعددة تعبّر عن معتقداتها المذهبيّة.

وممّا لا شك فيه أن الانشغال الذهني بالأُمور والقضايا الهامشيّة يعتبر أفضل فرصة للذين يستهدفون الوصول إلىٰ غاياتهم ومآربهم الخاصة ، ليتمكنوا من خلالها أن يحققوا مبتغياتهم بصورة كاملة.

١٥

والجدير ذكره في هذا المقام أن الطوائف والفرق المخالفة للمذهب الإمامي قد روّجت الافتراءات والتهم الباطلة بأشكال مختلفة وبشتىٰ الوسائل والادعاءات علىٰ أتباع هذا المذهب ، وأثاروا مسألة الدفاع عن القرآن والذب عنه ، بغية الوصول إلى دعم حججهم وماهم عليه ، للتظاهر بأنهم هم المتفردون بدعم ونصرة القرآن الكريم.

وبما أن هذه الندوة تستهدف بيان مسألة اختصاص مذهب الامامية وتفرده عن سائر المذاهب الاسلاميّة في التمسك بالقرآن والالتزام بحاكميته ، فحريّ أن لا أُطيل عليكم أكثر من هذا ، ولندخل معاً في صميم الموضوع.

وقبل أن نشرع بالبحث ، تبدو جملة من الايضاحات المختصرة حول الأدلة الأربعة في تشريع الأحكام ضروريّة ، أشير إليها بصورة مجملة ومختصرة.

١٦



الأدلة الأربعة في التشريع

جُعلت قواعد أدلة الأحكام الشرعية أربعة أركان أصلية ( الكتاب ، السنة ، العقل والاجماع ) وهي التي تُسمّى بالأدلّة الأربعة وتُتخذ ركائز تبنى عليها مناهج البحث.

وفي هذا المجال وقع الاختلاف بين المذاهب الإسلامية في تعيين مصداق كلّ من هذه الأُصول الأربعة ، فعلى سبيل المثال جُعل القياس مكان العقل بين أوساط أبناء العامة ، واعتبر مؤهلاً للعمل به ، ونجد المذهب الحنفي يتمتع بمستوى رفيع لتلقيه والأخذ به بصورة لا يحظى بها المذهب الشافعي ، ولم يصل إلى ذلك الحدّ.

أما الأُصول الثلاثة الأُخرى ، فيتفق المذهب الامامي فيها مع أبناء العامة في اللفظ ، وينتهج كلّ منهم في الاخذ بكلّ من هذه الأُصول الثلاثة مذهباً وطريقاً خاصاً ينتهي في بعض الاحيان إلى

١٧

التباين والافتراق فيما بينهم.

فعلى سبيل المثال : إن الامامية تثق بالاجماع الذي يستكشف منه رأي وقول المعصوم عليه‌السلام ، وهذه الصورة مما لا نجدها بين أوساط أبناء العامة بالنسبة إلى الاجماع ، وإنما نجدهم يكتفون في ذلك بحديث مجموعة يُعتمد علىٰ قولهم.

أما الركائز الأساسية والرئيسيّة الأخرى فهما الكتاب والسنة :

الكتاب :

يعتبر الكتاب السماوي ـ كمصدر أساسي في تشريع الأحكام عند كافة المذاهب الإسلامية ـ بأنه يمتاز بالأسبقية والأفضلية الخاصة عند جميع المذاهب ، وتليه المصادر الأخرى في مكانة تتأخر عنه ، وهذا مما لا يمكننا أن نستبدله بصورة أخرى ، إذ السنة أيضاً تستقي حجّيتها من الكتاب ، وتستقي حجيتها وفقاً لحكمة الله سبحانه وتعالىٰ ، وأيضاً فالأنبياء وأوصياؤهم إنما وجبت طاعتهم على ضوء أوامر القرآن الكريم.

إن القرآن الكريم بصفته خاتم الكتب السماوية وأكمل دستور رباني ، يعتبر أوّل ركيزة أساسية من الأصول الأربعة ، وإن آياته تتمتع بثروة هائلة تستطيع أن تمد مصادر التشريع بالأحكام

١٨

المرتبطة بشؤون الفرد والجماعة.

وبما أن صدور القرآن الكريم من عند الله سبحانه وتعالىٰ أمر مفروغ منه ومسلّم به ، يجد المتمسك بأحكامه المشرقة من هذا المنطلق أن يوليه الثقة والانقياد له ، وأن يكون متمسكاً وملتزماً بأوامره ونواهيه.

وحيث أن هذا الكتاب السماوي يعتبر البرنامج الالهي الأخير المُنزل من قبل الله سبحانه وتعالىٰ لهداية البشريّة ، فيتحتم أن تستوعب أحكامه كافة الفترات الزمنية اللاحقة للعمل به والانتفاع منه ، والبطون المتعددة للقرآن تكفي ليكون له على امتداد العصور والقرون المصاديق البارزة والواضحة علىٰ أرض الواقع ، واتصاف القرآن بالبطون المتعدّدة جعلت دلالة آياته ظنية ، وجعلته مؤهلاً لحمل أوجه ومعاني تلك البطون.

ومن جهة أُخرى أثبتت ضرورة وجود المبيّن والمبلّغ للقرآن هذه الحقيقة بأن الآيات القرآنية ليست بذلك المستوى الذي يستوعبها أو يفطن إلىٰ مغزاها الجميع ، وعندئذ يبرز بوضوح ضرورة وجود من يرفع الحاجة بتبيينه وتفسيره.

وكما قيل إن مسألة وجوب وضرورة وجود المبيّن للقرآن

١٩

( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) تثبت أن استيعاب وتفطّن الآيات غير متاح للناس من دون تبيين وإيضاح.

ويتّضح من لزوم تبيين الوحي هذا الأمر ، بأن الرسول ينبغي أن يحمل على عاتقه مهمة التبيين ، إضافة إلىٰ مسألة تبليغ وعرض الآيات.

وفي نطاق أوسع فقد أُذن للرسول أن يصرّح ويبيّن مجمل ومتشابه الكتاب ، أو يُشير إلىٰ مالم يتطرق إليه القرآن ، ومن ثم نجد وضوحاً في التوجيهات والأحكام الدينيّة والشرعية مما لا نجده في الكتاب وحده.

وتواجد مثل هذه الأحكام في السنة توضّح وتبيّن لنا هذه الحقيقة بأنّ مسألة تبيين الآيات القرآنية هي الّتي توفر المقتضي لبيان وذكر مثل هذه الأحكام ، وذلك لقوله تعالى في سورة الحاقة : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ  لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (٢) ، وهذا يعني أن الرسول لم يكن مأذوناً لبيان أي كلام في مجال التشريع ولم يسمح له أن يشرّع من تلقاء نفسه بما يشاء ، وعلى هذا يدل قوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ

__________________

(١) النحل : ٤٤.

(٢) الحاقة : ٤٥ ـ ٤٦.

٢٠