موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٦

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٦

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-94-2
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥١٠

فلا أطيل مناقشته في أبي هريرة ومرتبته في تلمذته عند كعب ، إذ هو ليس من غُنمي ولا غَنَمي ـ كما يقال ـ ولكن من حقي تصحيح رأيه في غفلته بل وغلطته حين جعل ابن عباس تلميذ كعب ومنحه المرتبة الثانية ، وما قدّمت من شواهد تنفي تلك المزعمة ، إذ هي ـ الشواهد ـ تثبت أن ابن عباس كان سئ الظن بكعب ، وقد كذّبه ، فكيف يعقل أنّه كان يأخذ عنه حتّى صار تلميذاً له كما في أضواء أبي ريّة الخافتة في هذا المقام؟

ثمّ إنّ الخبر الذي أشار إليه في تفسير الطبري قد رواه الطبري في تفسيره مرتين وبسندين ينتهيان إلى شمر بن عطية ، ثمّ هو يرويه أوّلاً مرسلاً إذ قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار الخ ، ورواه ثانياً عن هلال ابن يساف قال : سأل ابن عباس كعباً (١).

وشمر هذا الذي روى الخبر تارة مرسلاً وأخرى مسنداً ـ بالرغم من توثيق جماعة له ـ لا يقبل خبره لأنّه كان عثمانياً ـ قال الآجري : قلت لأبي داود كان ـ شمر ـ عثمانياً؟ قال : جداً (٢). وكعب كان من الضالعين مع عثمان ، فهو يرفع بضبعه وإن كان ذلك على حساب توهين ابن عباس.

على أنّ القرطبي ذكر في تفسيره تسعة أقوال في تفسير الآية الكريمة ، جاء فيها قول ابن عباس مغايراً لقول كعب ، وإليك الأقوال كما ذكرها القرطبي :

____________________

(١) تفسير الطبري ٢٧ / ٥٢ ط٢ بمصر.

(٢) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٦٥ ط حيدر آباد.

١٤١

قال : ( واختلف لم سمّيت سدرة المنتهى على أقوال تسعة :

( الأوّل ) ما تقدم عن ابن مسعود أنّه ينتهي إليها كلّما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها.

( الثاني ) أنّه ينتهي علم الأنبياء إليها ، ويعزب علمهم عمّا وراءها ، قاله ابن عباس.

( الثالث ) أنّ الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها ، قاله الضحاك.

( الرابع ) لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها ووقوفهم عندها ، قاله كعب.

( الخامس ) سمّيت سدرة المنتهى لأنّها ينتهي إليها أرواح الشهداء ، قاله الربيع بن أنس.

( السادس ) لأنّه تنتهي ـ تأوي ـ إليها أرواح المؤمنين ، قاله قتادة.

( السابع ) لأنّه ينتهي إليها كلّ من كان على سنة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ومنهاجه ، قاله عليّ رضي الله عنه والربيع بن أنس أيضاً.

( الثامن ) هي شجرة على رءوس حملة العرش إليها ينتهي علم الخلائق ، قاله كعب أيضاً ...

( التاسع ) سُمّيت بذلك لأنّ من رُفع إليها فقد انتهى في الكرامة ) (١).

أقول : لقد تبيّن من ذكر هذه الأقوال أنّ ابن عباس كان مستقلاً في رأيه في تفسير ( سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ) ، كما بيّن أنّ كعب الأحبار كان مذبذباً بين القولين.

____________________

(١) تفسير القرطبي ١٧ / ٩٥.

١٤٢

هل أخذ ابن عباس من عبد الله بن سلام؟

ـ ذكر الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) : ( عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه أنّه جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنّي قرأت القرآن والتوراة فقال : ( إقرأ هذا ليلة وهذا ليلة ) ) (١). ذكره أبو عروبة في البدريين (؟) ، قال ابن حجر : انفرد بذلك (٢). وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة ممّن شهد الخندق وما بعدها (٣).

والغريب في النص الأوّل قوله : ( أنّي قرأت القرآن والتوراة فقال صلى الله عليه وآله وسلم له : إقرأ هذا ليلة وهذا ليلة )! وأحسب نحو تلطيف جرى في عبارة الذهبي وإلاّ فنص ابن سعد في الطبقات : ( قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إقرأ القرآن ليلة والتوراة ليلة ) (٤) ، والفرق بين النصين واضح ، والتلطيف لائح ، فإنّ لفظة ( إقرأ ) صارت تحكي صيغة ( أمرني ) إلاّ أنّها بصورة مخففة عن معنى الأمر الصريح.

ومهما تكن تلك الصيغة فإنّها تستبطن الكذب على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

(١) تذكرة الحفاظ ١ / ٢٧. وفي طبقات ابن سعد ٥ / ٣٨٣ ط الخانجي بمصر : ( قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرأ القرآن ليلة والتوراة ليلة ). وهذا من أقبح الكذب على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما بينت في المتن.

(٢) تهذيب التهذيب ٥ / ٢٤٩ ط حيدر آباد.

(٣) طبقات ابن سعد ٥ / ٣٧٧ ط الخانجي بمصر.

(٤) طبقات ابن سعد ٥ / ٣٨٣ ط الخانجي بمصر.

١٤٣

لمعارضة ما صحّ من طرق كثيرة : أنّ عمر بن الخطاب أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بصحيفة فسأله عنها فقال : ...

والحديث برواية الدارمي وابن سعد في الطبقات عن جابر قال : ( إنّ عمر بن الخطاب أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنسخة من التوراة فقال : يا رسول الله : هذه نسخة من التوراة فسكت ، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغيّر ، فقال أبو بكر : ثكلتك الثواكل ما ترى بوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ، رضينا بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً وبمحمد نبيّاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( والذي نفس محمّد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حيّاً وأدرك نبوّتي لاتبعني ) ) (١). وهذا الخبر أخرجه أحمد في مسنده ، وعبد الرزاق في المصنف ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، والبزار في مسنده ، والروداني في جمع الفوائد ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، وغيرهم (٢).

فالحديث ثابت ، وهو صريح في غضب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمجرد مجيء عمر بصحيفة من التوراة! فكيف يعقل ويقبل أن يأمر عبد الله بن سلام أن يقرأ القرآن ليلة والتوراة ليلة؟ وما رواية ابن سلام إلاّ كرواية أبي الجلد الآتي ذكره في نحو هذا ، وهو من الدسّ الإسرائيلي الخبيث لتسميم عقول المسلمين.

وأغرب من هذا كلّه أن يذكر ذلك في دواوين الحديث عند شريحة

____________________

(١) سنن الدارمي ١ / ١١٦.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٨٧ ، المصنف ١٠ / ٣١٣ و ٦ / ١١٣ و ١١ / ١١١.

١٤٤

كبيرة من المسلمين دون أن ينبّهوا على ما فيه من مردود سيّء على عقول السذّج من الناس!

هل أخذ ابن عباس من وهب بن منبه؟

لقد كتب الدكتور جواد عليّ في محاضرته عن موارد تاريخ الطبري (١) عن وهب بن منبه ، ما أغنى وأقنى ، وعاد فذكره مرّة أخرى في ( ص٢١٢ ) في حديثه عن طلاب ابن عباس والراوين عنه وهو واحد منهم فقال : ( ولوهب روايات زعم أنّه أخذها من ابن عباس أشك في صحتها! إذ كيف يعقل أخذ وهب بن منبه هذه الإسرائيليات من ابن عباس ، وهو أعلم بها منه؟ ولا سيما بعد أن زعم الصنعانيون وآل منبه أنّه قرأ عشرات الكتب. وأنّه كان عالماً بأحكام الكتب السماوية وبالتوراة والتلمود والمدراش ، ولذلك نرى الجائز العكس ، يؤيد هذا ما جاء في الروايات أنّ ابن عباس كان يسأل أهل الكتاب عمّا كان يشكل عليه ، والظاهر أنّ رواة وهب بن منبه أو وهب بن منبه نفسه هم الذين وضعوا هذه الأقوال على لسان ابن عباس لتجد لها سبيلاً بين المسلمين ... أهـ ) (٢).

أقول : إنّ الذي لا نقبله من رأي الدكتور هو ما أرتئاه من أخذ ابن عباس من وهب ، وزعم تأييده بأنّ ابن عباس كان يسأل أهل الكتاب عمّا كان يشكل عليه ، بينما الصحيح هو كان ينهى عن مساءلة أهل الكتاب ،

____________________

(١) مجلة المجمع العلمي العراقي ١ / س١ / ١٨٤ ـ ١٩٣.

(٢) مجلة المجمع العلمي العراقي ١ / س١ / ٢١٢.

١٤٥

وقد مرّ نهيه فيما تقدّم ، وما شك فيه الدكتور من روايات وهب عن ابن عباس ليس كلّها ممّا يشك في صحتها.

فمثلاً ما أخرجه الطبراني في ( المعجم الكبير ) بسنده عن وهب بن منبه يقول : ( صحبت ابن عباس قبل أن يصاب بصره وبعد ما أصيب ، فسئل عن القدر ، فقال : وجدت أصوب الناس فيه حديثاً أجهلهم به ، وأضعفهم فيه حديثاً أعلمهم به ، ووجدت الناظر فيه كالناظر في شعاع الشمس ، كلّما ازداد فيه نظراً ازداد بصره فيها تحيّراً ) (١) ، فليس في هذا شيء من الإسرائيليات ، فأيّ مانع من قبوله؟

إذن كان على الدكتور أن يحتاط بتقييد روايات وهب التي رواها عن ابن عباس فيما هي من الإسرائيليات فلا نقبلها ، أمّا فيما عدا ذلك فلا مانع من قبولها إذا لم تعارض الكتاب أو السنة الثابتة.

ومثل ذلك ما أخرجه أبو بكر الآجري في كتابه ( أخلاق العلماء ) ، والبسوي في ( المعرفة والتاريخ ) بسنده عن وهب بن منبه ، قال : ( بلغ ابن عباس عن مجلس كان في ناحية بني سهم يجلس فيه ناس من قريش يختصمون فترتفع أصواتهم ، فقال ابن عباس : انطلق بنا إليهم ، فانطلقنا حتّى وقفنا عليهم ، فقال ابن عباس : أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلّم به أيوب في حاله ( وما ) قال أيوب.

____________________

(١) المعجم الكبير ١٠ / ٢٦٢ ، ورواه الهيثمي في المجمع ٧ / ٢٠١.

١٤٦

فقلت : قال الفتى : يا أيوب أمّا كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكلّ لسانك ، ويقطع قلبك ، ويكسر حجّتك؟ يا أيوب أما علمت أنّ لله عباداً أسكنتهم خشية الله من غير عيّ ولا بكم ، وإنّهم هم النبلاء الفصحاء الطلقاء الألبّاء ، العالمون بالله وآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت قلوبهم وكلّت ألسنتهم ، وطاشت عقولهم وأخلاقهم فرَقَا من الله وهيبة له ، وإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عزوجل بالأعمال الزاكية ، لا يستكثرون لله الكثير ، ولا يرضون له بالقليل ، يعدّون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين ، وإنّهم لأنزاه أبرار ، ومع المضيّعين المفرّطين وإنّهم لأكياس أقوياء ناحلون دائبون ، يراهم الجاهل فيقول مرضى وليسوا بمرضى ، قد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم ) (١). وزاد في ( المعرفة ) : ( ثمّ قال ابن عباس على أثر كلام وهب : وكفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً ، وكفى بك آثماً أن لا تزال ممارياً ، وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدّثاً في غير ذات الله عزوجل ) (٢).

وهذا الذي مرّ ذكره من الخطيب في المتفق والمفترق عن وهب بن منبه قال : أقبلت مع عكرمة أقود ابن عباس رضي الله عنه بعد ما ذهب بصره ، حتّى دخل المسجد الحرام ، فإذا قوم يمترون في حلقة لهم عند باب بني شيبة ، فقال : أَمِل بي إلى حلقة المراء ، فانطلقت به حتّى أتاهم فسلّم عليهم ، فأرادوه على

____________________

(١) أخلاق العلماء لأبي بكر الآجري ص٨٤ ـ ٨٦ ط دمشق سنة ١٣٩٢ هـ ١٩٧٢م.

(٢) البسوي في المعرفة والتاريخ ١ / ٥٢٤ ـ ٥٢٦.

١٤٧

الجلوس فأبى عليهم ، وقال : انتسبوا إلي أعرفكم ، فانتسبوا إليه.

فقال : ( أما علمتم أن لله عباداً أسكتتهم خشيته من غير عيّ ولا بكم ، إنّهم لهم الفصحاء النطقاء النبلاء العلماء بأيام الله ، غير أنّهم إذا ذكروا عظمة الله طاشت عقولهم من ذلك وانقطعت ألسنتهم ، حتّى إذا استقاموا من ذلك سارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية فأين أنتم منهم ) ، ثمّ تولى عنهم فلم ير بعد ذلك رجلان ، فأين هذا ممّا مرّ ، ولا مانع من تعدد الواقعة ، فما رواه الآجري والبسوي كان مجلس المختصمين عند باب بني سهم ، وما رواه الخطيب كان عند باب بني شيبة ، وبينهما فرق ، لكن الذي يبعث الشك في رواية الآجري والبسوي هو إحالة ابن عباس التوبيخ لأولئك المتخاصمين على تحديث وهب عن كلام الفتى الذي كلّم به أيوب ، وهذا يكشف عن معرفة ابن عباس بذلك الكلام ، فلماذا لم يقله هو وقال لوهب أخبرهم عن كلام الفتى ... ورواية وهب عن ابن عباس لها شواهد كثيرة :

فمن ذلك ماذكره السيد ابن طاووس في كتابه ( الإقبال ) في عمل ليلة عاشوراء نقلاً عن كتاب ( دستور المذكرين ) للحافظ محمّد بن أبي بكر المديني ، بإسناده المتصل عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من صلى ليلة عاشوراء أربع ركعات من آخر الليل يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي عشر مرّات ، وقل هو الله أحد عشر مرّات ، وقل أعوذ بربّ

١٤٨

الفلق عشر مرّات ، وقل أعوذ بربّ الناس عشر مرات ، فإذا سلّم قرأ قل هو الله مائة مرّة ، ثمّ ذكر ثواب تلك الصلاة ). إلى أن قال وهب بن منبه : صُمّت إذناي إن لم أكن سمعت هذا من ابن عباس ) (١).

ومهما يكن أمر ذلك فإنّ وهب بن منبه هو الصهيوني الأوّل كما يراه الإستاذ سعيد الأفغاني وحكاه عنه الشيخ أبو رية (٢) ، فكيف نصدّق بمرويات تذكر أخذ ابن عباس عنه وهو الذي كان ينهى عن الأخذ من أهل الكتاب.

هل أخذ ابن عباس من أبي الجلد؟

ينبغي لنا أوّلاً أن نعرّف القارئ بأبي الجلد ومن ذا يكون؟ ثمّ نسأل هل أخذ ابن عباس منه؟

وللتعريف به لابدّ من الرجوع إلى المصادر الإسلامية التي ذكرته ، ثمّ العرجة على المصادر الأخرى التي أشارت إليه.

وأوّل ما يصادفنا الإختلاف في ضبط اسمه وكنيته : فهو أبو الجلد جيلان ـ بالجيم المعجمة ـ كما ذكره العسكري في كتابه ( شرح ما يقع فيه التصحيف ) قال : ( فأمّا أبو الجلد ـ بلا هاء ، والجيم مفتوحة ـ واسمه جيلان ابن فروة ، فهو صاحب كتب ، وكان جمّاعة لأخبار الملاحم ) (٣).

____________________

(١) الإقبال / ٥٥٥ ط الثانية دار الكتب الإسلامية سنة ١٣٩٠ هـ.

(٢) شيخ المضيرة / ٩٣.

(٣) شرح ما يقع فيه التصحيف / ٤٠٩ ط١ محققة سنة ١٣٨٤ هـ.

١٤٩

وجاء في ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم : ( حيلان ـ بالحاء المهملة ـ ) (١) ، وقد ورد ذلك مكرراً ، ولعلّه من غلط النسخة. بينما ذكره جولد زيهر في كتابه ، وسماه : ( غيلان بن فروة ) (٢) ، ولعلّ ذلك من وهم المترجم أو غلط المؤلف.

ومهما يكن الصحيح في اسمه ، فقد سرى الإختلاف في نسبته إلى قومه هل هم الأزد ، أو بني أسد ، فقال ابن سعد : ( أبو الجلد الجوني ـ حيّ من الأزد ) (٣) ، بينما نسبه البخاري وابن حبّان إلى بني أسد فذكراه : ( الأسدي البصري ) (٤) ، وهذا أيضاً من الغلط ، فالرجل جوني ـ والجون بطن من الأزد ، وذكره الطبري في تفسيره فقال : ( رجل من أهل هجر ) (٥).

أمّا عن ثقافته فهو كما قال ابن حبّان : ( وكان ممّن يقرأ كتب الأوائل وكان من العبّاد ) (٦). وقد كشف لنا عن هوية تلك الكتب ، ابن أبي حاتم فقال : ( صاحب كتب التوراة ونحوها ) (٧) ، ولا غضاضة في تنوّع الثقافة مع

____________________

(١) حلية الأولياء ٦ / ٥٤.

(٢) مذاهب التفسير الإسلامي / ٨٥ ترجمة عبد الحليم النجار.

(٣) طبقات ابن سعد ٩ / ٢٢١ ط الخانجي بمصر.

(٤) التاريخ الكبير للبخاري ١ / ق ٢ / ٢٥١ ط المكتبة الإسلامية في ديار بكر تركيا ، وفيه ( جيلان ابن أبي فروة ويقال فروة الأسدي البصري ... ) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ح١ / ق ١ / ٥٤٧ ط افست عن الطبعة الأولى بحيدر آباد سنة ١٣٧١ هـ.

(٥) تفسير الطبري ١ / ٣٤٤ ط محققة.

(٦) مشاهير علماء الأمصار / ٩٣.

(٧) الجرح والتعديل ١ / ١ / ٥٤٧.

١٥٠

الحفاظ على الهويّة الإسلامية ، لكن هلمّ الخطب حين نقرأ ما قاله عنه ابن سعد في طبقاته ، ورواه بسنده عن ابنته : أنّ أباها كان يقرأ القرآن في كلّ سبعة أيام ، ويختم التوراة في ستة يقرأها نظراً ، فإذا كان يوم يختمها حشد لذلك ناس ـ كذا ـ وكان يقول : كان يقال : تنزّل عند ختمها الرحمة (١).

ومن اللافت للنظر توثيقه من ابن سعد وأحمد وابن حبّان؟! وأغرب من ذلك ذكر أبي نعيم له في ( حلية الأولياء ، وطبقات الأصفياء ) ، وقد ترجمه ترجمة هي أوسع ما رأيت عنه ـ فوصفه بـ ( الواعظ الجعد ، المعروف بالحفظ والسرد ، حيلان بن فروة أبو الجلد ، كان للكتب المنزلة حافظاً ، وبمواعظ الأنبياء وأحوالهم واعظاً ، وبالأذكار لهجاً لافظاً ). ثمّ ذكر بأسانيده عن أبي عمران الجوني عنه ثمانية عشر أثراً ، ليس بينهما أثر واحد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو عن قرآنه ، بينما ذكر من الأنبياء موسى وعيسى وداوود ويونس ، مع ذكره قراءته الحكمة وكتب الله ، ومسألة داوود (٢)!

وإذا عرفنا أنّ أبا عمران الجوني ـ المحظيّ بالرواية عن أبي الجلد جاء حديثه في الأصول الستة بما فيها صحيحي البخاري ومسلم ، ومن روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة ـ فلا غرابة بعد لو وثّقه يحيى بن معين ، وابن سعد والذهبي وغيرهم. وهذا مات عن سنّ عالية سنة ١٢٣ ـ

____________________

(١) طبقات بن سعد ٧ / ١ / ١٦١.

(٢) حلية الأولياء ٦ / ٥٤ ـ ٥٩.

١٥١

١٢٨ ـ ١٢٩ هـ.

أمّا بقية الرواة عن أبي الجلد الذين ذكرهم أبو نعيم في حليته فهم : ( مطر الوراق ، وأبو روح ، ومحمد ـ ابن سيرين ـ وعن كلّ واحد منهم روى أثراً واحداً. ثمّ قال : أسند أبو الجلد عن معقل بن يسار وغيره من الصحابة ، فذكر حديثه ذلك بإسناده إلى أبان بن أبي عيّاش عن أبي الجلد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا تذهب الأيام والليالي حتّى يخلق القرآن في صدور أقوام من هذه الأمّة كما تخلق الثياب ، ويكون ما سواه أعجب إليهم ، ويكون أمرهم طمعاً كلّه لا يخالطه خوف ، إن قصّر عن حقّ الله منّته نفسه الأماني ، وإن تجاوز إلى ما نهى الله عنه قال : أرجو أن يتجاوز الله عني ، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب ، أفاضلهم في أنفسهم المداهن ) ، قيل : وما المداهن؟ قال : ( الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ) ) (١).

هذه حصيلة ما عثرت عليه في المصادر المشار إليها متناً وغيرها ممّا سيأتي ذكرها آخر البحث ، وهي في جانب ممّا فيها لا يعنينا كثيراً مثل كونه من أهل هجر ، وهل هو أزدي أو أسدي؟ إنّما الذي ينبغي الوقوف عنده بتأمل هي النقاط التالية :

____________________

(١) حلية الأولياء ٦ / ٥٦.

١٥٢

١ ـ كونه صاحب كتب التوراة ونحوها.

٢ ـ ختمه القرآن في كلّ سبعة أيام ، وختمه التوراة في ستة يقرؤها نظراً. فإذا كان يوم يختمها حشد لذلك ناساً ويقول : كان يقال : تنزّل عند ختمها الرحمة.

٣ ـ توثيقه من ابن سعد وأحمد وابن حبّان.

٤ ـ وأخيراً عدّه من الأولياء الأصفياء عند أبي نعيم في حليته.

مع العلم بسياق حاله وماله ، فهو كان يهودي الأصل ، وربّما كان من أحبارهم لأنّه صاحب كتب التوراة ، وهي عادة إنّما يعتني بحفظها الأحبار منهم. وعرفناه لم يتخل عن رواسبه اليهودية ، حين كان يختم التوراة إلى جانب ختمه القرآن ، ولو كان مسلماً صحيح الإسلام لنبذها وأعرض عنها بعد أن هداه الله للإيمان ، وقد أبدله بخير منها وهو القرآن.

ولكن الرجل لم يزل في نفسه تنازعه رواسب يهوديته ، فهو يختم التوراة نظراً ، ولا يكفيه ذلك حتّى يحشد ناساً عند ختمه لها ويحكي لهم قول من قال : تنزّل عند ختمها الرحمة. مع أنّه لم ينقل عنه أنّه كان يصنع مثل ذلك عند ختمه القرآن ولو لمرّة واحدة!

فماذا يعنى ذلك؟ هل هي دعوة إلى العناية بالتوراة والترغيب في تلاوتها والنظر فيها ، لأنّ عند ختمها تنزل الرحمة؟ وبالتالي أليس هذه الحال هي بلبلة أفكار السذّج من المسلمين وحرفهم عن قرآنهم المجيد؟

ثمّ لا ينقضي العجب من أولئك الذين شهدوا بوثاقته ، والرجل بعدُ

١٥٣

على رواسبه اليهودية في دخيلة نفسه؟!

وحسبنا ما ذكرناه في تعريفه ، ولنقرأ الإجابة على السؤال المذكور في العنوان ، هل أخذ ابن عباس من أبي الجلد في العلم بالقرآن شيئاً؟ فكان ذلك مادة للتشهير به؟

ولابدّ من عرض ما ذكره بعض المفسرين من روايات تمسّك بها من أراد التنديد بابن عباس وأنّه كاتب أبا الجلد يستوضح منه معاني ألفاظ في القرآن الكريم كان يجهل معانيها ، لأنّها ممّا تتعلق بالآيات الكونية. ولزيادة الإيضاح في المقام ، أذكر ما وقفتُ عليه من تلك الروايات ، آخذاً لها من أوثق التفاسير وأشهرها ، إلاّ وهو تفسير الطبري ، ويعتبر المرجع الأوّل عند المفسرين الذين عُنوا بالتفسير النقلي ، ومؤلفه إمام في فنّه يحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه ، ويؤخذ برواياته ، فهو بحق كان أباً في التاريخ ، وأباً في التفسير بالمأثور ، وأباً في الفقه ، وله مذهب معروف ، وأصحاب ينتحلون مذهبه يقال لهم الجريرية ، لم يكتب لهم البقاء طويلاً بين أصحاب المذاهب الأخرى.

فماذا في تفسير الطبري؟

لقد ساق الطبري عدّة روايات مسندة ، وهو صنع مشكور ، إذ عرض أمام الباحث ما رواه ، وقد يعقب على بعض ذلك بما يراه ، ويترك باب القبول والردّ مفتوحاً لمن رآه ، فلنقرأ ماذا في كتابه؟

١٥٤

١ ـ قال الطبري : ( حدّثنا المثنى ، قال : حدّثنا حجاج ، قال : حدّثنا حماد ، قال : أخبرنا موسى ابن سالم أبو جهضم ـ مولى ابن عباس ـ قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد (١) يسأله عن الرعد؟ فقال : الرعد مَلَك ) (٢).

وأوّل ما يجب التنبيه عليه في المقام انّ الرواية ينتهي إسنادها إلى موسى بن سالم أبو جهضم مولى ابن عباس ـ كما مرّ ـ ولمّا كان الرجل ليس من موالي ابن عباس حقيقة ، وإنما هو مولى لبني العباس ، وقد احتملت بادئ الأمر أن تصحيفاً في النسخة من ( بني ) إلى ( ابن ) ، ولكن لدى مراجعة الطبعات الثلاث للتفسير ، تيقنت ليس ذلك من التصحيف ، بل كلها متفقة على الموجود ، ولا يبعد أن يكون ذلك من سهو قلم الطبري ، أو ناسخ النسخة الأولى التي جرى عليها الطبع وتتابعت بقية الطبعات على ذلك الخطأ. وإنما نبهت على ذلك ، وقلت : إنه يجب ، لأن رواية أبي جهضم حينئذ تكون مرسلة ، لعدم إدراكه ابن عباس ، فلا يمكن الإعتماد عليها لإثبات صحة المكاتبة.

وقد روى الطبراني في كتاب ( الدعاء ) هذه الرواية بسنده إلى

____________________

(١) في الطبعة الاولى بمصر بالميمنية ١ / ١١٦ ( أبو الخلد ) بالخاء المعجمة ، وكذا في الطبعة الثانية بمصر ١ / ١٥١ طبع مصطفى البابي سنة ١٣٧٣ هـ ، وكذلك في الطبعة الثالثة دار المعارف ١ / ٣٤٠ بتحقيق الأخوين محمود وأحمد شاكر ، غير أن المحققين الفاضلين نبها في الهامش على الصحيح في ذلك.

(٢) تفسير الطبري ١ / ٣٤١.

١٥٥

الشعبي (١) ، وستأتي عنه رواية أخرى تكشف عن كذبه.

٢ ـ قال الطبري : ( حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بشر بن إسماعيل عن أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الجلد إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب اليه ، فكتب إليه : كتبت تسألني عن الرعد ، فالرعد ريح ) (٢).

وبهذا الإسناد روى الطبري رواية أخرى فيها ذكر المكاتبة يسأله عن البرق : ( فكتب إليه : فالبرق الماء ) (٣).

ولمّا كانت الروايتان في الحقيقة هي رواية واحدة والمكاتبة واحدة كما في كتاب ( العظمة ) لأبي الشيخ الاصبهاني (٤) ، وقد كفانا مؤنة البحث عن حال رجال الإسناد ما ذكره المحقق في الهامش فقال : ( إسناد مشكل ، ما وجدت ترجمة ( بشر بن إسماعيل ) وما عرفت من هو؟ ثمّ لم أعرف من ( أبو كثير ) الراوي عن أبي الجلد ) (٥).

وأضيف أنا إلى ذلك ، تبدّل جواب أبي الجلد عن الرعد في المقام ، فقد فسّره بالريح بينما كان في الرواية الأولى الملَك؟!

٣ ـ قال الطبري : ( حدّثني إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدّثنا عمر بن

____________________

(١) الدعاء / ٣٠٧ تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، ط دار الكتب العلمية بيروت سنة ١٤١٣ هـ.

(٢) تفسير الطبري ١ / ٣٤١.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٤٣.

(٤) العظمة ٤ / ١٢٨٧ ط دار العاصمة الرياض سنة ١٤٠٨ هـ وفيه عن أبي كثير ..

(٥) تفسير الطبري ١ / ٣٤١.

١٥٦

ميسرة ، قال : حدّثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات ، عن أبيه ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد ريح ) (١) ، وأورد الطبري بنفس السند المكاتبة مرّة أخرى وفيها السؤال عن البرق (٢).

وقد مرّ أن قلت أن الروايتين هما رواية واحدة لمكاتبة واحدة يُسأل فيها عن الرعد وعن البرق ، فرّق بينهما الطبري تبعاً لذكرهما في الآية المباركة.

ومهما يكن فإنّ محقق التفسير قال بعد توثيق رجال السند : ( ولكن روايته ـ الفرات ـ عن ابن عباس منقطعة ، إنّما هو يروي عن التابعين ) (٣). هذا من ناحية السند.

ولننظر ماذا في المتن من وهن؟

إنّ متون الروايات الثلاث التي تضمنت المكاتبة في السؤال عن الرعد ، نجد الجواب متفاوتاً ، ففي الأولى كان الرعد مَلَكاً ، وفي الثانية والثالثة صار ريحاً ، فكيف نطمئنّ إلى صحة المروي فيهما؟

ثمّ ما بال ابن عباس ـ إن كان يجهل حقاً ما هو الرعد وما هو البرق ـ يكتب إلى أبي الجلد البعيد عنه ليسأله عن الرعد ما هو؟ وهو قد كان يكفيه مَن كان هو أقرب إليه وهو بمرأى منه ومسمع ، ومنتدى

____________________

(١) نفس المصدر ١ / ٣٤١.

(٢) نفس المصدر ١ / ٣٤٣.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٤١.

١٥٧

ومجمع من سائر الصحابة الذين يلمّ بهم في المدينة المنوّرة أو في غيرها ، وفي مقدمتهم إمامه وإستاذه الأوّل بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؟

ثمّ هو نفسه كان يعرف ذلك فقد روى : ( أنّ اليهود سألت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الرعد ما هو؟ فقال : ( ملك من الملائكة موكّل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب ) ) (١) ، وهذا هو الذي بنى عليه تفسيره الرعد بأنّه ملك من الملائكة يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير ، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه ، وصوته تسبيحه ، فإذا اشتد زجره السحاب ، اضطرب السحاب واحتّك فتخرج الصواعق من بينه (٢). وهذا رواه عنه مجاهد والضحاك وأبو مالك وشهر بن حوشب وعكرمة ، وهذا هو الذي روى عنه : أنّه كان إذا سمع الرعد قال : سبحان الذي سبحتَ له ، وكان يقول : إنّ الرعد مَلَك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي غنمه (٣).

فهل بعد هذا التفصيل نحتاج إلى التدليل على كذب مكاتبة أبي الجلد بدون أخذ وردّ إذ ليس في جوابه ـ لو صحّ السؤال ـ في الرواية الأولى من روايات الطبري سوى أنّ الرعد ملك ، فمن أين أتى ابن عباس

____________________

(١) الكشاف للزمخشري٢ / ١٦١ ط البابي الحلبي بمصر ١٣٦٧ هـ ، وتفسير الطبري ١ / ٣٤٣.

(٢) أنظر تفسير الطبري ١ / ٣٤٠.

(٣) أنظر تفسير الطبري ١ / ٣٤١.

١٥٨

بكلّ ما رواه عنه تلامذته ، خصوصاً عكرمة؟ ولابدّ أن يكون قد أخذ ذلك عن غير أبي الجلد.

٤ ـ قال الطبري : ( وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدّثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدّثنا القاسم ، قال : حدّثني رجل من بني تميم : أنّ ابن عباس كتب إلى أبي الجلد بمسألة عن الشجرة التي أكل منها آدم ، والشجرة التي تاب عندها ، فكتب إليه أبو الجلد : سألتني عن الشجرة التي نُهي عنها آدم وهي السنبلة ، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة ). قال المحقق في الهامش : ( الخبر في ابن كثير ج١ / ١٢٤ ... وهذا الإسناد ضعيف لجهالة الرجل من بني تميم ) (١).

أقول : ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى ما في المتن من كشف جديد لم نكن نعرفه من قبل ، ولم يذكره غير أبي الجلد ـ فيما أعلم ـ وهو جعل الشجرة التي نَهى آدم عنها هي السنبلة ، وجعل الشجرة التي تاب عندها آدم هي الزيتونة!! فلديه شجرتان احداهما نهي عن أن يقرب إليها : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) (٢) ، والثانية هي الشجرة التي تاب الله عليه عندها وهي الزيتونة ، وهذا ما رواه القرطبي ، مضافاً إلى ابن كثير كما مرّ روياه في تفسيريهما ، ولم يعقبا عليه بشيء مع أنّ القرآن يذكر شجرة واحدة.

ومن مخاريق أبي الجلد ، وهي أيضاً من مرويّات الطبري :

____________________

(١) تفسير الطبري ١ / ٥١٧.

(٢) طه / ١٢١.

١٥٩

ـ ما رواه الطبري في تاريخه : ( عن قتادة بن دعامة السدوسي ، عن أبي الجلد قال : نزل الفرقان لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان ) (١).

وقوله هذا مخالف لنص التنزيل حيث يقول : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (٢) ، وإتفاق المسلمين على أنّ ليلة القدر هي أحدى الليالي الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان ، وليلة ( ٢٤ ) من الليالي الشفع لا الوتر.

والآن إلى نماذج أخرى من تلك المخاريق التي زعم الرواة انّ ابن عباس كاتب أبا الجلد يسأله عنها :

١ ـ ما رواه أحمد بن حنبل في كتابه ( العلل ومعرفة الرجال ) قال : ( حدثنا ... عن أبي عمر الجوني ، عن أبي الجلد ، قال : حدّثني ابن عباس في داره سنتين يسألني ، وسألني عن السماء ما هي؟ فقلت موج مكفوف ) (٣).

وفي المتن ما يستبطن كذبه ، وذلك قوله : حدّثني ابن عباس في داره سنتين ، فإن صحّ قوله ذلك فبماذا كان حديثه؟ وما باله لم يذكر لنا حديثاً واحداً ممّا حدثه به ابن عباس ما دام كان هو يحدثه طيلة السنتين؟ فهل كان ابن عباس هو الذي يستنفد الوقت كلّه بمسائله العصيّة فيستفهمها من ذلك الحبر اليهودي؟ وما هي تلك المسائل؟ لماذا لم

____________________

(١) تاريخ الطبري ١ / ٥٢٨.

(٢) القدر / ١.

(٣) العلل ومعرفة الرجال : ١ / ٣٦.

١٦٠