المسح على الرّجلين في الوضوء

السيّد علي الحسيني الميلاني

المسح على الرّجلين في الوضوء

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-266-0
الصفحات: ٥١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وابن ماجة في صحيحه ، كلّهم يروون الحديث عن منصور عن هلال بن يسار عن يحيى عن عبدالله بن عمرو ، نفس السند الذي في صحيح مسلم ، لكنّه محرّف ، قارنوا بين الألفاظ ، وهذا غريب جدّاً.

أمّا النسفي ، فلو تراجعون تفسيره في ذيل الآية المباركة يقول هكذا : قد صحّ أنّ النبي رأىٰ قوماً يمسحون علىٰ أرجلهم فقال : « ويل للأعقاب من النار » (١) وكم فرق بين هذا اللفظ ولفظ مسلم.

أمّا في مسند أحمد وتبعه الزمخشري في الكشّاف ، فجعلوا كلمة الوضوء بدل المسح.

ففي صحيح مسلم يقول : فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم تمسّها الماء.

يقول أحمد في المسند وفي الكشّاف ينقل : وعن ابن عمرو بن العاص كنّا مع رسول الله فتوضّأ قوم وأعقابهم بيض تلوح فقال : « ويل للأعقاب من النار » (٢).

قارنوا بين اللفظين لتروا كيف يحرّفون الكلم عن مواضعها متىٰ ما كانت تضرّهم.

_______________

(١) تفسير النسفي ( هامش الخازن ) ٢ / ٤٤١.

(٢) مسند أحمد ٢ / ١٩٣ ، الكشاف ١ / ٦١١.

٤١

الاستدلال بحديث كيفية وضوء رسول الله ومناقشته :

وأمّا الحديث الثاني ، الحديث الذي يروونه في كيفية وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، استدلّوا به علىٰ الغسل دون المسح ، وهو الحديث الذي يرويه حمران عن عثمان بن عفّان.

فظهر أنّ الحديث الذي يروونه عن حمران عن عثمان بن عفّان يروونه علىٰ شكلين : تارة يدلّ علىٰ المسح ، وتارة يدلّ على الغسل ، والسند نفس السند والراوي حمران نفسه.

لاحظوا في البخاري : حدّثنا عبدالعزيز بن عبدالله الأويسي ، حدّثني إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ـ هذا الزهري ـ أنّ عطاء بن يزيد أخبره : أنّ حمران مولىٰ عثمان أخبره : أنّه رأىٰ عثمان بن عفّان دعا بإناء فأفرغ علىٰ كفّه ثلاث مرّات فغسلهما ، ثمّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ، ثمّ غسّل وجهه ثلاثاً ويديه إلىٰ المرافق ثلاث مرّات ، ثمّ مسح برأسه ثمّ غسل رجليه [ والحال قرأنا : مسح رجليه ] ثمّ غسل رجليه ثلاث مرار إلىٰ الكعبين ، ثمّ قال : قال رسول الله : « من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ صلّىٰ ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه ».

٤٢

هذا الحديث في البخاري بشرح ابن حجر (١) وفي مسلم أيضاً بنفس السند عن الزهري ، عن عطاء ، عن حمران ، عن عثمان بن عفّان.

وإذا لاحظتم الإسناد ، عبدالعزيز بن عبدالله الأويسي : مذكور في المغني في الضعفاء للذهبي (٢) ، وقال أبو داود : ضعيف ، وذكره ابن حجر العسقلاني في مقدّمة فتح الباري فيمن تكلّم فيه (٣).

ثمّ إبراهيم بن سعد : ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه (٤) ، وأورده ابن عدي في الكامل في الضعفاء (٥) ، وعن أحمد كأنّه يضعّفه ، وقال صالح جزرة : ليس حديثه عن الزهري بذاك.

وأمّا ابن شهاب الزهري : ففيه ما فيه.

وأمّا حمران نفس الراوي عن عثمان ـ مولىٰ عثمان هذا ـ : قال ابن سعد صاحب الطبقات : لم أرهم يحتجّون بحديثه ، غضب عليه عثمان فنفاه (٦) ، وأورده البخاري في الضعفاء.

_______________

(١) فتح الباري ١ / ٢٠٨.

(٢) المغني في الضعفاء ، ميزان الاعتدال ٢ / ٦٣٠.

(٣) هدي الساري ـ مقدمة فتح الباري : ٤١٩.

(٤) هدي الساري ـ مقدمة فتح الباري : ٣٨٥.

(٥) الكامل في الضعفاء ١ / ٣٩٩.

(٦) انظر : ميزان الاعتدال ١ / ٦٠٤ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٢١.

٤٣

وكذا الكلام في سند حديث مسلم وهو ينتهي إلىٰ حمران أيضاً.

وبعد التنزّل عن المناقشة السنديّة في هذا الحديث المخرّج في الصحيحين ، والتسليم بصحة هذا السند ، تكون رواية حمران الدالّة علىٰ الغسل معارضة لرواية حمران الدالّة علىٰ المسح ، ويكون الخبران متعارضين ، حينئذ يعرضان علىٰ الكتاب ، وقد رأينا الكتاب دالّاً علىٰ المسح دون الغسل ، فالكتاب إذن يكذّب ما يدلّ علىٰ الغسل.

٤٤

خاتمة البحث

إذن ، أصبحوا صفر اليدين من الكتاب والسنّة.

وحينئذٍ ، تصل النوبة إلىٰ السبّ والشتم ، تصل النوبة إلىٰ ما لا يتفوّه به عالم ، لا يتفوّه به فاضل ، فكيف وهو يدّعي أنّه من كبار العلماء !

لاحظوا ابن العربي المالكي (١) يقول : إتفقت العلماء علىٰ وجوب غسلهما ـ أي الرجلين ـ وما علمت من ردّ ذلك ، سوىٰ الطبري من فقهاء المسلمين والرافضة من غيرهم.

فما معنىٰ هذا الكلام ؟

ويقول شهاب الدين الخفاجي في حاشيته علىٰ تفسير البضاوي : ومن أهل البدع من جوّز المسح علىٰ الرجل (٢).

_______________

(١) أحكام القرآن ٢ / ٧٢.

(٢) الشهاب على البيضاوي ٣ / ٢٢٠.

٤٥

ويقول الآلوسي ـ الكلام الذي وعدتكم بقراءته : لا يخفىٰ أنّ بحث الغسل والمسح ممّا كثر فيه الخصام ، وطالما زلّت فيه الأقدام ، وما ذكره الإمام [ الرازي ] يدلّ علىٰ أنّه راجل في هذا الميدان [ ذكرت لكم أنّ الرازي يوضّح كيفيّة دلالة الآية علىٰ المسح بالقراءتين ] فلنبسط الكلام في تحقيق ذلك رغماً لأُنوف الشيعة السالكين من السبل كلّ سبيل حالك ، ما يزعمه الإماميّة من نسبة المسح إلىٰ ابن عبّاس وأنس بن مالك وغيرهما كذب مفترىٰ عليهم ، ونسبة جواز المسح إلىٰ أبي العالية وعكرمة والشعبي زور وبهتان ، وكذلك نسبة الجمع بين الغسل والمسح أو التخيير بينهما إلىٰ الحسن البصري عليه الرحمة ، ومثله نسبة التخيير إلىٰ محمّد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير والتفسير الشهير. وقد نشر رواة الشيعة هذه الأكاذيب المختلقة ورواها بعض أهل السنّة ممّن لم يميّز الصحيح والسقيم من الأخبار ، بلا تحقّق ولا سند ، واتسع الخرق علىٰ الراقع ، ولعلّ محمّد بن جرير القائل بالتخيير هو محمّد بن جرير رستم الشيعي صاحب المسترشد في الإمامة أبو جعفر ، لا أبو جعفر محمّد بن جرير بن غالب الطبري الشافعي الذي هو من أعلام السنّة ، والمذكور في تفسير هذا هو الغسل فقط ، لا المسح

٤٦

ولا الجمع ولا التخيير الذي نسبه الشيعة إليه (١).

يكفي هذا المقدار من السبّ ؟ أو تريدون أكثر ؟ يكفيكم هذا المقدار !

لكن نرىٰ بعضهم لا يتحمّل هذا السبّ علىٰ الشيعة وهو ليس من الشيعة.

يقول صاحب المنار (٢) : إنّ في كلامه عفا الله عنه تحاملاً على الشيعة وتكذيباً لهم في نقل وجد مثله في كتب أهل السنّة كما تقدّم ، وظاهره أنّه لم يطّلع علىٰ تفسير ابن جرير الطبري.

فالآلوسي إذن أصبح جاهلاً لم يطّلع علىٰ تفسير ابن جرير الطبري ، وهو صاحب التفسير روح المعاني علىٰ كبره ! هذا دفاع أو توجيه وتبرير لسبّ جناب الآلوسي ، هذا السيّد الذي يدّعي أنّه من ذريّة رسول الله.

قد ظهر إلى الآن : أنّ الصحيح بالكتاب والسنّة هو المسح دون الغسل ، وعليه الإماميّة كلّهم ، وعليه من صحابة رسول الله كثيرون ، علىٰ رأسهم أميرالمؤمنين عليه‌السلام وابن عبّاس وأنس بن مالك وجماعة آخرون.

_______________

(١) روح المعاني ٦ / ٧٧.

(٢) المنار في تفسير القرآن ٦ / ٢٢٩.

٤٧

أمّا أهل السنّة ، فالمشهور بينهم الغسل ، وقد عرفنا أنّهم لا دليل لهم علىٰ هذه الفتوىٰ ، ولذا اضطرّ بعضهم إلىٰ أن يقول بالجمع بين الغسل والمسح ، وبعضهم خيّر بين الأمرين.

لاحظوا في المرقاة في شرح المشكاة للقاري يقول بأنّ أحمد والأوزاعي والثوري وابن جبير يقولون بالتخيير بين المسح والغسل (١).

هذه مرحلة من الحقّ ، التخيير مرحلة من الحقّ ، الحقّ هو المسح علىٰ التعيين ، لكن نفي تعيين الغسل والتخيير بينه وبين المسح مرحلة علىٰ كلّ حال ، فهو يدلّ علىٰ أنّهم لا دليل لهم علىٰ تعيّن الغسل.

نعم السبّ فوق كلّ دليل ، الشتم أعظم من كلّ دليل.

نعم ، إن كان الشتم دليلاً فهو من أعظم الأدلّة.

وأمّا الحسن البصري ، فقد اختلفوا في رأيه ماذا كان رأيه ؟ وأيضاً الطبري صاحب التفسير والتاريخ ، خلطوا لئلّا يتبيّن واقع أمره ، لاحظوا عباراتهم في حقّ الطبري.

فأبو حيّان أخرج الطبري من أهل السنّة وجعله من علماء

_______________

(١) المرقاة في شرح المشكاة ١ / ٣١٥.

٤٨

الشيعة أصلاً ، لاحظوا لسان الميزان لابن حجر العسقلاني (١) ، والسليماني ـ وهو من كبار علمائهم في الجرح والتعديل ـ لم ينكر كون الطبري من أهل السنّة وإنّما قال : كان يضع للروافض. أي يكذب علىٰ رسول الله لصالح الشيعة ، وهذا تجدونه في ميزان الاعتدال (٢).

والذهبي هنا له نوع من الإنصاف ، نزّه الطبري من كونه وضّاعاً للشيعة ، وعن كونه من الروافض قال : هذا من كبار علماء السنّة وما هذا الكلام في حقّه ، نعم له رأي في مسألة المسح علىٰ الرجلين (٣).

الرازي وجماعة ينسبون إلىٰ الطبري القول بالتخيير ، آخرون ينسبون إليه القول بالجمع ، لاحظوا كتاب المنار (٤) ، وابن حجر العسقلاني إحتمل أن يكون هذا الطبري المذكور في الكتب هو الطبري الشيعي ، واختلط الأمر عليهم والطبري الشيعي أيضاً قائل بالمسح فتصوّر الكتّاب والمؤلّفون والمطالعون أنّ هذا الطبري صاحب التفسير والتاريخ ، وهل يصدّق بهذا ؟!

_______________

(١) لسان الميزان ٥ / ١٠٠.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ٤٩٩.

(٣) سير اعلام النبلاء ١٤ / ٢٧٧.

(٤) تفسير المنار ٦ / ٢٢٨.

٤٩

إذن ، لماذا رماه ذاك بالرفض ، ولماذا رماه ذاك بالوضع ، ولماذا قال الآخر قولاً آخر في حقّه ، ولماذا كلّ هذا ؟

عرفتم أنّ القول بالمسح رأي كثير من الصحابة والتابعين ، وقول الحسن البصري أيضاً كذلك ، وقول الطبري صاحب التفسير والتاريخ أيضاً كذلك ، وهناك علماء آخرون أيضاً يقولون بهذا القول.

أذكر لكم قضيّة ، لاحظوا ، ذكروا (١) بترجمة أبي بكر محمّد بن عمر بن الجعابي ـ هذا الإمام الحافظ الكبير ، والمحدّث الشهير ـ ذكروا بترجمته أنّهم قد وضعوا علامة علىٰ رجله حينما كان نائماً ، وبعد أن راجعوا تلك العلامة بعد ثلاثة أيّام وجدوها باقية موجودة ! خطّوا علىٰ رجله بقلم أو بشيء آخر وهو نائم لا يشعر ، وبعد ثلاثة أيّام رأوا الخطّ موجوداً علىٰ رجله ، فقالوا بأنّ هذا الشخص لم يصلّ ، لأنّه إنْ كان قد صلّىٰ فقد توضّأ ، وإن كان قد توضّأ فقد غسل رجله ، وحينئذٍ تزول العلامة عن رجله ، ولمّا كانت باقيةً فهو إذنْ لم يصلّ هذه المدّة.

أقول : إن كان أبوبكر الجعابي تاركاً للصلاة حقيقةً ، فهذا ليس

_______________

(١) سير أعلام النبلاء ١٦ / ٩٠.

٥٠

غريباً ، فكم له من نظير في كبار علمائهم ، ولي مذكّرات من كبار علمائهم الأعلام ينصّون بتراجمهم أنّه كان يترك الصلاة ، من جملتهم زاهر بن طاهر الشحّامي النيسابوري ، يصرّحون بأنّ هذا المحدّث كان يترك الصلاة مع أنّهم يعتبرونه من كبار الحفّاظ ، يعتمدون علىٰ روايته بل يجعلونه من جملة الشهود عند الحكّام ، والشاهد يجب أن يكون عادلاً ، وكأنّ ترك الصلاة لا يضرّ بالعدالة.

فإن كان الجعابي تاركاً للصلاة فكم له من نظير.

أمّا إذا كان يمسح علىٰ رجله كالشيعة ولا يغسل رجله ، فتبقىٰ العلامة علىٰ رجله لا ثلاثة أيّام ولربّما خمسين يوماً إذا لم يذهب إلىٰ الحمام ليغسل ، فيبقىٰ الخطّ علىٰ رجله ، فيدور أمر الجعابي ، إمّا أنّه كان تاركاً للصلاة فكم له من نظير ، وإمّا أنّه من أصحابنا الإماميّة أو موافق لأصحابنا الإماميّة في هذه المسألة.

وصلّىٰ الله علىٰ محمّد وآله الطاهرين.

٥١